وكذلك قول من قال بانه لا حول في دفع شر ولا قوة في تحصيل خير الا بالله تبارك وتعالى. وهذا اعم من قول من قال بان ذلك في الطاعة والمعصية ولكن ان العلماء رحمهم الله انما يذكرون ذلك على سبيل التقريب والتمثيل فلما كان ذلك اعني الطاعة والمعصية هي اجل المطالب فان ذلك يمكن ان يكون اولى ما يمثل به ولكنه لا يدل على الحصر الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله اما بعد فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته من الاحاديث التي اوردها المؤلف في بيان فضل الذكر ما جاء في حديث ابي موسى الاشعري رضي الله عنه قال لما غزى رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر الى ان قال فقال لي يا عبد الله ابن قيس الا ادلك على كنز من كنوز الجنة؟ فقلت بلى يا رسول الله. قال قل لا حول ولا قوة الا بالله. هذا الحديث مخرج في الصحيحين. فقوله عليه الصلاة والسلام افلا ادلك على الاسلوب استفهام ام يدل على التشويق من اجل ان يترقب ما سيقال له ويتشوف لذلك فيكون ذلك اوقع في الذهن. افلا ادلك على كنز من كنوز الجنة. وذلك انه يكون مذخورا مدخرا لصاحبه وهو من الذخائر التي يجدها العبد عند ربه تبارك وتعالى يمكن ان يكون ذلك باعتبار انه من ذخائرها او باعتبار انه من محصلات نفائسها او ان ذلك باعتبار انه شيء يدخر لصاحبه فيجده عند الله عز وجل وقد ذكر النووي رحمه الله في شرحه لهذا الحديث ان المقصود بالكنز هنا الثواب المدخر بالجنة وذلك انه ثواب نفيس عظيم كما ان الكنز يقال لانفس الاموال عندنا. وانما المدخرات التي تكون في الجنة هي الاعمال الصالحة والفضائل التي يقبلها الله تبارك وتعالى ويحفظها ويدخرها لصاحبها فيكون ذلك سببا لرفع منزلته وعلو مرتبته عند ربه تبارك وتعالى وهذا يدل دلالة ظاهرة على ان الاعمال تتفاضل. فذكر النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الجملة وهي قول لا حول ولا قوة الا بالله انها كنز من كنوز الجنة. هذه الكلمة لا حول ولا قوة الا بالله. مضى الكلام على معناها ومضمونها فهي بمعنى انه لا تحول للعبد من حال الى حال الا باعانة الله تبارك وتعالى وتوفيقه وعبارات العلماء رحمهم الله تدور حول هذا المعنى كقول بعضهم لا تحويل للعبد من معصية الله ولا قوة له على طاعة الله الا بتوفيق الله. فذكروا الطاعة والمعصية والمعنى اعم من ذلك فانه لا يتحول من حال الى حال حتى في شؤونه المباحة ومزاولاته واعماله واشغاله وكذلك ما يجري عليه من اقدار الله تبارك وتعالى فيتحول من الصغر الى الكبر ثم بعد ذلك الى حال الهرم وكذلك من حال المرض الى العافية او العافية الى المرض وكذلك من الغنى الى الفقر ومن الفقر الى الغنى ومن الراحة الى التعب ومن الشقاء الى الراحة والنعيم وما الى ذلك فالحول يقال للحركة والحيلة يعني لا حركة ولا استطاعة مطلقا. لا في الطاعة ولا في غير الطاعة. وهكذا لا حيلة الا بمشيئة الله تبارك وتعالى بحال من الاحوال وهذه الكلمة لا حول ولا قوة الا بالله هي التي يقال لها الحوقلة الحوقلة ويقال حوقل فلان يعني قال لا حول ولا قوة الا بالله وعبر بعضهم بالحولقة بدلا من الحوقلة والاول هو المشهور وهو الذي عليه عامة اهل العلم من اهل اللغة والفقهاء والشراح وغيرهم وهو الذي ذكره الازهري الامام المعروف اللغوي توفى سنة سبعين وثلاثمائة في كتابه تهذيب اللغة والاخرى التي هي الحولقة الذي ذكرها ايضا الجوهري وجزم بها ولكن المشهور هو الاول فيقال لا حول ولا قوة الا بالله. ونقل بعضهم لغية وهو قول لا حيل ولا قوة الا بالله. لا حيل قال يقول فلان ليس بي حيل ما بقي بي حيل يعني حول يعني قدرة في التحول والانتقال وما الى ذلك من حال الى حال لكنها غير مشهورة يعني هذه اللغة حيل وانما الذي عليه الاستعمال وهو المشهور في كلام العرب لا حول ولا قوة وهو الذي جاء فيه الرواية حديث كلها لا حول ولا قوة الا بالله. هذه الكلمة كنز من كنوز الجنة باعتبار انها تتضمن براءة النفس براءة الانسان من حوله وطوله وقدرته وامكاناته وذكائه وعلمه وحيلته و قدراته كلها فكان ذلك بهذه المنزلة وقد ذكر العلماء رحمهم الله نحوا من ذلك في تعليل هذا المعنى كون هذه الكلمة بهذه المثابة كما ذكر النووي رحمه الله نقلا عن العلماء بان هذه الكلمة تدل على الاستسلام والتفويض لله رب العالمين. ان الانسان يستسلم لربه تبارك وتعالى ويعترف بالاذعان له وانه لا راد لامره ولا معقب لقضائه. وان العبد لا يملك شيئا من الامر. وبهذا يخرج الانسان من النظر والالتفات الى نفسه وامكاناته وقدرته فلا يكون مثل ذاك الذي قال انما اوتيته على علم عندي والاخر الذي دخل جنته فلما اعجبته وما فيها من جري الانهار وكثرة الاشجار ثمار قال ما اظن ان تبيد هذه ابدا. وما اظن الساعة قائمة فمثل هذا يكون خارجا عن مثل هذه الحال من التفويض لله واعلان الضعف والاستسلام وهكذا ما ذكره الحافظ ابن رجب من ان العبد عاجز عن الاستقلال بجلب مصالحه ودفع مضاره ولا معين له على مصالح الدين والدنيا الا الله تبارك وتعالى فمن اعانه الله فهو المعان ومن خذله فهو المخذول فهذا هو تحقيق هذه الكلمة. لا حول ولا قوة الا بالله. وقرر فيها هذا المعنى انه لا تحول للعبد من حال الى حال ولا قوة له على ذلك الا بالله فسرها بالمعنى الاعم الذي ذكرته اولا فالعبد محتاج الى ذلك محتاج الى الاستعانة بربه تبارك وتعالى في كل شيء في فعل المأمورات القيام بالطاعات وكذلك في ترك المحظورات مع الصبر على المقدورات. ان الانسان ينقطع صبره هذا يكون في الدنيا وهكذا عند الموت الموت من اهوال البرزخ ويوم القيامة يقول ولا يقدر على الاعانة على ذلك الا الله عز وجل فمن حقق الاستعانة عليه في ذلك كله اعانه اذا هو بحاجة لذلك في الدنيا وكذلك ايضا في الاخرة بحاجة الى اعانة ربه من اجل فعل المأمور وترك المحظور والصبر على والصبر على المقدور وقد ذكر شيخ الاسلام رحمه الله في كتابه الاستقامة بان هذه الكلمة تدل على الاستعانة وانها ليست بكلمة استرجاع كما قد يظنه كثير من الناس ويقولونها عند المصائب فيجعلونها بمثابة الاسترجاع بل ذكر انهم يقولونها جزعا لا صبرا انما الذي يقال عند الاسترجاع هو انا لله وانا اليه راجعون كما قال الله عز وجل الذين اذا اصابتهم مصيبة قالوا انا لله وانا اليه راجعون قال اولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة فهذا هؤلاء هم الذين يسترجعون عند المصائب ويحتسبون ذلك وقد مضى الكلام على هذا وهكذا في قوله اللهم اجرني في مصيبتي واخلفني خيرا منها. وقد مضى الكلام على هذا لكن ما ذكره الحافظ ابن رجب رحمه الله من ان ذلك يقال عند فعل المأمورات واجتناب المحظورات وكذلك عند من اجل الصبر او عند وقوع المقدور فيقول لا حول ولا قوة الا بالله اذا كان يقصد بذلك الاستعانة وليس وليس الاسترجاع بمعنى ان الانسان اذا وقع له ما يكره من مصيبة ونحو ذلك يقول انا لله وانا اليه راجعون وهذا الموضع ليس الذي يقال فيه لا حول ولا قوة الا بالله الا اذا قصد بذلك الاستعانة على المصائب. فهذا لا اشكال فيه وهذا الذي يشير اليه ابن رجب رحمه الله حينما ذكر هذه الامور الثلاثة وما ينضاف الى ذلك من اهوال مما يكون عند الموت وفي البرزخ وفي المحشر والقيامة كل ذلك العبد بحاجة فيه الى الاستعانة بربه وخالقه جل جلاله وتقدست اسماؤه وقد ذكر الحافظ ابن القيم رحمه الله ان افضل الدعاء هو طلب العون من الله تبارك وتعالى على مرضاته والتوفيق لطاعته وان ذلك هو الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم لحبه معاذ ابن جبل رضي الله تعالى عنه حينما قال والله اني لاحبك فلا تنسى ان تقول دبر كل صلاة اللهم اعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك. وبالمناسبة هذا مثال من السنة على ورود الحلف من غير بان يكون ذلك لشك او تردد عند المخاطب اشرت الى هذا قبل ليال وان الحلف في اصله في كلام العرب والمؤكدات تكون بحسب حال المخاطب او السامع ولكن ذلك ليس باضطراد فقد يأتي الحلف من غير تردد ولا شك عند المخاطب وانما لمطلق التوكيد فهذا مثال له من السنة توجد امثلة اخرى من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذلك ايضا من القرآن فيمكن للانسان ان يؤكد باليمين دون ان يكون عند السامع تردد هذا استطراد خرج عن معنى هذه الكلمة. فالشاهد ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ رضي الله تعالى عنه اوصاه ان يقول في دبر كل صلاة اللهم اعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك. فهذا كله استعانة وهكذا لا حول ولا قوة الا بالله فذلك استعانة بالله لتحقيق افضل الغايات واجل المطالب على الاطلاق. ونقل ايضا رحمه الله عن الحافظ ابن القيم عن شيخ الاسلام ابن تيمية انه قال تأملت انفع الدعاء فاذا هو سؤال العون على مرضاته ثم قال رأيته في الفاتحة في اياك نعبد واياك واياك نستعين. هذه الكلمة قد اجمع المسلمون عليها وتلقوها بالقبول وهي شافية كافية في اثبات القدر وقد تكلم على هذا المعنى الحافظ ابن القيم رحمه الله في كتابه شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والتنزيل وذكروا ان الكنز لما كان يقال للمال النفيس المجتمع الذي يخفى على اكثر الناس وكان هذا شأن هذه الكلمة كانت كنزا من كنوز الجنة اوتيها النبي صلى الله عليه وسلم فهذه الكلمة العظيمة وما تظمنته لو تأملت ذلك لوجدت فيها كما ذكر شيخ الاسلام رحمه الله حينما ذكر هذا المعنى الذي ذكره ابن القيم في الكنز من كونه المال المجتمع الذي لا يحتاج الى جمع قال وذلك انها اتضمن التوكل والافتقار الى الله تعالى ومعلوم انه لا يكون شيء الا بمشيئة الله وقدرته. وان الخلق ليس منهم شيء الا ما احدثه الله فيهم فاذا انقطع القلب للمعونة منهم وطلبها من الله تبارك وتعالى فقد طلبها من خالقها الذي لا يأتي بها الا هو وذكر ما جاء من الامر بالتوكل فاذا قال العبد لا حول ولا قوة الا بالله فهذه استعانة منه بربه وخالقه جل جلاله ولهذا سنها النبي صلى الله عليه وسلم حينما يقول المؤذن حي على الصلاة حي على الفلاح ان يقول السامع مجيبا لا حول ولا قوة الا بالله فمعنى ذلك انه لا تحول من حال الى حال ولا يستطيع العبد ان يجيب المؤذن وان يذهب فيجيب داعي الله تبارك وتعالى ويصلي الا باعانة الله وتوفيقه والا فانه اذا لم تحصل له هذه الاعانة وخذل فان الناس يصلون تقام الصلاة ويصلي الناس ويكبر الامام ثم بعد ذلك ينصرفون من الصلاة وهذا قاعد في بيته خذ عن اجابة داعي ربه تبارك وتعالى. ولذلك يقول القائل لا حول ولا قوة الا بالله. وهكذا يكون المؤمن في كل احواله فيكون قلبه متعلقا بربه تبارك وتعالى. ولا يصح بحال من الاحوال ان يكون فيه ادنى التفات لنفسه قدراته وامكاناته او التفات الى المخلوقين من اجل ان يعينوه او ان يحذوه او ان يعطوه او ان يعينوه او نحو ذلك وقد بايع النبي صلى الله عليه وسلم بعض اصحابه الا يسألوا احدا من الناس شيئا فكان الصوت يسقط من احدهم لا يقول لصاحبه ناولنيه الى هذا الحد يسقط السوط وهو على راحلته. لا يقول لصاحبه ناولنيه فينزل هو ويأخذ السوط ويركب على الدابة ومعلوم ان ركوب الدواب ليس بالشيء السهل كما هو الحال اليوم بما تيسر من المراكب ولكن ذلك في السابق يحتاج الى عمل وجهد اكبر فكان الرجل ينزل ليأخذ صوته دون ان يحوجه ذلك الى طلب من احد او افتقار لاحد. فكيف بالذي يعلق قلبه بالناس ويرجيهم ويأملهم وينتظر منهم النفع او دفع الضر فهذا اسوأ ما يكون واذا كان ذلك يطلب وبالدين فهذا اسوأ واقبح وهي حال حال من لم يعرف ربه تبارك وتعالى معرفة صحيحة باسمائه وصفاته فصار قلبه كريشة في مهب الريح يذهب هنا وهناك تطير به هذه الخواطر التي يلقيها الشيطان وقد قال جعفر ابن محمد لسفيان الثوري كلاما جاء فيه الامر بالاكثار من قول لا حول ولا قوة الا بالله قال فانها مفتاح الفرج وكنز من كنوز الجنة هذا واسأل الله تبارك وتعالى ان يعيننا واياكم على ذكره وشكره وحسن عبادته الله اعلم وصلى الله على