فان ذلك من سوء الظن بالله. فانه لا يجوز بحال من الاحوال ان يقنط عبد من رحمة الله تبارك وتعالى. ومن قبوله لتوبة ربه عز وجل. فهذا كله من سوء الظن ان الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور انفسنا وسيئات اعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته نتحدث في هذه الليلة ايها الاحبة عن حديث جديد من احاديث هذا الكتاب وهو الحديث المشهور الذي يقول الله تبارك وتعالى فيه انا عند ظن عبدي وانا معه اذا ذكرني. فان ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وان ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم. وان تقرب الي شبرا تقربت اليه ذراعا. وان تقرب الي ذراعا تقربت اليه باعا وان اتاني يمشي اتيته هرولة قوله صلى الله عليه وسلم يقول الله تعالى هذا يعد من الاحاديث القدسية فيما يضيفه النبي صلى الله عليه وسلم الى ربه تبارك وتعالى يقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه يقول النبي صلى الله عليه وسلم يقول الله عز وجل كل هذه الصيغ تدل على ان هذا الحديث من الاحاديث القدسية. والمراد بالاحاديث القدسية اي ما يضيفه النبي صلى الله عليه وسلم الى ربه اي ان ذلك قاله الله عز وجل بلفظه ومعناه على الراجح من اقوال اهل العلم لان الذي يميز بينه وبين الاحاديث النبوية ان الاحاديث النبوية غير الاحاديث القدسية يكون اللفظ فيها من النبي صلى الله عليه وسلم. والمضمون والمعنى يكون من قبيل الوحي من الله وما ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى. واما الحديث القدسي فلفظه ومعناه من الله تبارك وتعالى لان النبي صلى الله عليه وسلم يقول قال الله تعالى يقول الله عز وجل وهذا على ظاهره اي انه من قول الله والقول انما يكون لمجموع اللفظ والمعنى. واما ما يميزه عن القرآن الحديث القدسي الذي يميزه عن القرآن فهو ان القرآن معجز والاحاديث القدسية ليست بمعجزة كما ان الله تكفل بحفظ القرآن ان يحفظ الفاظه ومعانيه. واما الاحاديث القدسية فليست كذلك. فيوجد من الاحاديث القدسية ما لا يصح من جهة الثبوت والاسناد. كما ان القرآن نحن متعبدون بتلاوته. اذا قرأ الانسان اية اذا قرأ حرفا فانه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم اما اني لا اقول الف لام ميم حرف ولكن اقول الف حرف ولام حرف وميم حرف ثم ايضا هذه الاحاديث القدسية هي كما ان الفاظها من الله تبارك وتعالى لكنها لا يقصد بها التحدي ويجوز روايتها ايضا بالمعنى اما القرآن فلا يجوز ان يروى او ان تقال الاية بالمعنى وانما يجب ان يؤتى بها كما هي من غير ولا نقصان. هذا الحديث القدسي الذي يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم يقول الله تعالى انا عند ظن عبدي بي. انا عند ظن عبدي بي هذا اخبار من النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه تبارك وتعالى انه عند ظن عبده به يعني انه يكون لعبده بحسب ظنه بربه تبارك وتعالى. ان الله يعطي العبد ويجازيه بحسب ما يقوم بقلبه من ظنه بربه. وهذا المعنى جاء فيه احاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم كما سيأتي. بعض اهل اهل العلم يقول انا عند ظن عبدي بي يعني بالغفران اذا استغفر. المغفرة له اذا استغفر. والقبول اذا تاب والاجابة اذا دعا والكفاية اذا طلب الكفاية وبعضهم يقول انا عند ظن عبدي بي يعني من جهة الرجاء وتأمين العفو والذي يظهر والله تعالى اعلم ان المعنى يشمل ذلك جميعا. فالله تبارك وتعالى يقول انا عند ظن عبدي بي ولم يقيد ذلك بحال الاحتضار عند الموت مثلا او في باب من الابواب او في نوع من الانواع بل هو تبارك وتعالى عند ظن عبده به فالذي يدعو الله تبارك وتعالى ينبغي ان يحسن الظن بربه ان الله يجيب دعاء الداعين ولذلك فان من اساءة الظن بالله عز وجل ان يدعو الداعي وهو يظن او لا يدعو وهو يظن او يقوم بقلبه ان الله لا يستجيب له او لا يستجيب لدعاء الناس. فهذا من سوء الظن بالله عز وجل يستجاب لاحدكم ما لم يعجل. يقول دعوت فلم يستجب لي. فهذا من سوء الظن بالله تبارك وتعالى وهو ايضا من الاستعجال في الدعاء. كذلك ايضا من ظن ان الله لا يتوب على التائبين. وان الله لا يغفر لهم ولا يقبل التوبة بالله ومن سوء الظن بالله تبارك وتعالى ان يظن العبد ان عمله لا يتقبل او ان اعمال العباد لا تقبل او انها لا ترفع او ان الله لا يسمع نداء عباده ولا يسمع سؤال السائلين او ان الله تبارك وتعالى يدين الظالم على المظلوم ادانة ثابتة دائمة او ان الله يدل الكافرين على المؤمنين ادالة ثابتة مستمرة او ان الله لينصر اولياءه ولا يجعل العاقبة لهم الى غير ذلك من صور سوء الظن بالله تبارك وتعالى وقد ذكر الحافظ ابن القيم رحمه الله طائفة منها وهكذا من كان يظن ان الله تبارك وتعالى قد ظلمه وبخسه حقه ولم يعطه ما يستحق حينما ساق اليه به العلة او هذا المرض او ان الله تبارك وتعالى حرمه كثيرا من العطاء الدنيوي من المال او من الولد او نحو هذا انه يعطي اخرين هم دونه في العبادة والذكر والدعاء وما الى ذلك فهذا كله من سوء الظن بالله عز وجل. هؤلاء الذين اذا اصابهم البلاء لا ظنوا ان الله تبارك وتعالى ليس باحكم الحاكمين. وان هذا البلاء قد وقع في غير موضعه او هذا الذي ينظر الى بلاد الكفار وما فيها من الخيرات والاستقرار والامطار الدارة والارزاق الوافرة ثم ينظر الى بلاد المسلمين حيث الحروب والقحط والمجاعات والاوصاب والمصائب والقتل والتدمير من الناس من يسيء الظن بالله جل جلاله. هذا كله داخل في هذا المعنى. بعض الناس اذا سافر الى بلادهم ونظر الى الامطار والى الاجواء الغائمة ونظر الى الارض الخضراء على مد البصر ثم تذكر الصحراء حر وما الى ذلك لربما ساء ظنه بربه كيف يعطى هؤلاء وهم على الكفر؟ ولا يعطى ذلك لاهل الاسلام. وما عرف الحقيقة وما عرف الله عز وجل وما عرف ان هذه الدنيا لا تساوي عند الله جناح بعوضة. وان الله يملي لهم ليزدادوا اثما. ثم بعد ذلك كونه بالاوزار والعظائم فيخلدون في النار خلودا لا انقطاع له. فماذا تساوي هذه الدنيا وما فيها من نبت وشجيرات وحشائش وقطرات من الامطار واجواء فيها من الغيوم كانها احلام في مقابل اينتظرهم من عذاب الله عز وجل؟ اما اهل الايمان فيتقلبون في البلاء ثم بعد ذلك يصيرون الى دار النعيم واللذات دار المقامة عند الله تبارك وتعالى وهكذا هؤلاء الكفار حينما يسيئون الظن بالله وان الله لم يقسم الثروات التي على وجه الارض قسمة عادلة فصارت عند قوم لا صناعة لهم ولا بصر ولا معرفة واما الدول الصناعية الدول المنتجة فانها محرومة من هذه الثروات الطبيعية كما يسمونها. كالنفط وغيره. فيقولون نحن كما قال احدهم قبحه الله يقول وسنصحح الخطأ الالهي نسأل الله العافية. فهؤلاء كلهم من الظانين بالله ظن السوء. كذلك من ظن ان الطيب ان الخير ان الصالح لا يوفق او ان المرأة الصالحة الطيبة الخيرة لا توفق فهي لا تتزوج او لا تكاد او اذا تزوجت طلقت او نحو هذا هذا غلط وهو من سوء الظن بالله عز وجل. كيف يظن بالفاسقة والفاجرة وما الى ذلك انها توفق وبالصالحة انها ليست كذلك. هذا غير صحيح. فالله تبارك وتعالى يحوط اولياءه برعايته حفظه ويحسن العاقبة لهم ويجعل عواقبهم الى خير. اذا احسان الظن بالله تبارك وتعالى يشمل هذه الامور جميعا. فاذا استغفر وتاب فان الله يغفر له ويقبل توبته. اذا دعاه اجابه لكن لا يشترط ان تعجل هذه الاجابة فانه يكون له احدى ثلاث اما ان تعدل واما ان يدفع عنه من البلاء مثل ذلك او ان يدخر له في الاخرة. فاذا لم يرى الانسان نتيجة الدعاء فليس معنى ذلك انه رد اطلاقا يدفع عنه من الشرور والبلاء ما لا يقادر قدره. والانسان لا يعرف ايها الاحبة هذه الحقيقة حتى يرى في نفسه او يرى في ولده او نحو ذلك بعض ما يكرهه ثم يعلم بعد ذلك انه كان يرفل في اثواب العافية وانه قد دفع عنه شر كثير او اذا زاروا المستشفيات ورأى احوال المبتلين والمرضى وما الى ذلك. ثم نظر الى حاله ورأى ان الله قد دفع عنه شرا كثيرا. وبعض هذا الدفع يكون وبسبب الدعاء يدفع عنه من البلاء مثل ذلك او يدخر له في الاخرة وهذا خير له والمرأة السوداء التي طلبت من النبي صلى الله عليه وسلم ان يدعو لها لما كان يصيبها من الصرع فخيرها النبي صلى الله عليه وسلم بان يدعو لها وتبرأ او انها تصبر ولها الجنة فاختارت الصبر والجنة ولا شك ان هذا اعظم بكثير من برء قصير محدود الامد. يعني تصور لو هذه المرأة طلبت في ذلك الحين ان تعافى. انقضت حياتها كانها احلام لكنها فوتت على نفسها هذه المزية او العدة بالجنة بمعنى ان ذلك يكون من قبيل الوعد الثابت المتحقق فهذا خير خير لها ولا مقارنة وخير هنا ليس المراد بها افعل التفضيل. لكن الانسان يستعجل. فالمقصود ايها الاحبة ان العبد يحسن الظن بربه في حياته الدنيا وهو يتقلب فيها. فاذا دعوت احسن الظن. اذا اصابك الضر فليس معنى ذلك انه نهاية المطاف انه نهاية الطريق اذا وقع لك ابتلاء لا تظن ان الدنيا قد اغلقت. وان الله تبارك وتعالى لن يخلصك ولن يجيك لا ابدا وانما ذلك لن يطول كل ذلك سيزول ويبقى ذكريات ولكن العبد يستعجل فاذا اصابه الضر يجزع كما قال الله تبارك وتعالى في ذكر طبيعة الانسان ان الانسان خلق هلوعا اذا مسه الشر جزوعا واذا مسه الخير منوعا الا المصلين ثم ذكر بقية الاوصاف. فهذه النفس التي هذبت بطاعة الله وبالايمان يخف ذلك فيها وقد يتلاشى هذا الوصف ان الانسان خلق هلوعا اذا مسه الشر جزوعا واذا مسه الخير منوعا والا تبقى النفس هذه المعاني وهذه الاوصاف فيها. فالناس يتفاوتون فيها بحسب ايمانهم وبحسب ما تهذبت به ارواحهم. وهذا امر معلوم شاهد اذا من تاب فيحسن الظن لا يقول انا ذنوبي اكثر انا ذنوبي اعظم لا يمكن ان تغفر او ان يتألى احد على ربه تبارك وتعالى فيقول الله لن يوفق فلان الله لن يقبل من فلان الله لن يهدي فلانا من الذي يتألى على الله عز وجل؟ هؤلاء طائفة من كبار الكفار المعاندين المحاربين لله ورسوله. منذ زمن النبي صلى الله عليه وسلم الى يومنا هذا يهدي الله عز وجل منهم من شاء والله عز وجل يقول عسى الله ان يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة. فهدى الله عز وجل ابا سفيان بعد ان كان هو الذي يقود الحملات من جيوش المشركين لحرب المسلمين صار اول من جاهد وقاتل اهل الردة. فصار من اهل الايمان ونترضى عنه رضي الله تعالى عنه وارضاه وولده معاوية خليفة المسلمين وهو اول ملوك المسلمين وفتح الله على يده بلادا كثيرة هذا كله ينبغي مراعاته وهو في غاية الاهمية والنبي صلى الله عليه وسلم يروي عن ربه تبارك وتعالى انه قال هذا حديث قدسي اخر من حديث انس رضي الله تعالى عنه فيما يرويه النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه جل جلاله يا ابن ادم انك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك ما اكان فيك ولا ابالي. لاحظ ورجوتني دعوتني ورجوتني. غفرت لك على ما كان فيك. ولا ابالي. يعني مهما كانت هذه العظائم والذنوب التي قارفها العبد فاذا دعا الله وتاب واستغفر ورجى الله تبارك وتعالى غفر له ولا يبالي. يا ابن ادم لو اتيتني بقراب الارض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لاتيتك بقرابها مغفرة. فهذا من سعة رحمته تبارك وتعالى ورحمته وسعت كل شيء. وكذلك ايضا في الحديث الاخر حديث انس رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم دخل على شاب وهو في الموت فقال كيف تجدك قال ارجو الله يا رسول الله يعني يرجو رحمته وعفوه ومغفرته واني اخاف ذنوبي فجمع بين الخوف والرجاء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجتمعان في قلب عبد في مثل هذا الموطن الا اعطاه الله ما يرجو وامنه مما يخاف هنا جمع بين الخوف والرجاء واخذ بهذا طائفة من اهل العلم ممن قالوا بانه يجب الجمع بين الخوف والرجاء فهما كالجناحين للطائر لا يطير الا بهما. وذلك في حال الحياة وعند الموافاة احتجوا بمثل هذا الحديث. وعلى كل حال المسألة فيها كلام معروف وتكلمنا على هذا في الكلام على الاعمال القلبية عند الحديث عن الرجاء والخوف وهكذا ايضا في الحديث الاخر حديث ابي هريرة رضي الله تعالى عنه وهو هذا الحديث الذي نتكلم على معانيه وحديث جابر رضي الله عنه انه سمع النبي صلى الله عليه وسلم قبل موته بثلاثة ايام يقول لا يموتن احدكم الا وهو يحسن الظن بالله عز وجل. وهذا اخذ منه بعض اهل العلم ان احسان الظن ينبغي ان يترجح يعني جانب الرجاء عند الموت. وبعضهم يقول يغلب جانب الخوف في حال الصحة ويغلب جانب الرجاء عند الموت لانه في حال الصحة يحتاج الى ردع وزجر ويغلب جانب الخوف حتى يصل الى مأمن وبعضهم يقول يستوي الخوف والرجاء عنده وعند الموت يغلب جانب الرجاء لهذا الحديث لا يموتن احدكم الا وهو يحسن الظن بالله عز وجل. وهذا لا ينافي ان يجمع ما بين الخوف والرجاء لكنه يحسن ظنه بربه تبارك وتعالى وكذلك ايضا مجاعا حيان ابي النظر قال خرجت عائدا ليزيد ابن الاسود يعني نخعي فلقيت واثلة بن الاسقع وهو يريد عيادته فدخلنا عليه فلما رأى وافلة يعني رأى صاحب النبي صلى الله عليه وسلم ويزيد من كبار التابعين ومن خيارهم رحمه الله تعالى يقول فدخلنا عليه فلما اقبل عليه واثلة حتى جلس فاخذ يزيد ابن الاسود بكفي واثلة فجعلهما على وجهه فقال له واثلة كيف ظنك بالله؟ هو الان في حال النزع في حال الموت في حال الاحتضار كيف ظنك بالله؟ قال ظني بالله والله حسن. قال فابشر فاني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قال الله عز وجل انا لظن عبدي بي ان ظن خيرا فله. وان ظن شرا فله. هذا الحديث ظاهر في هذا المعنى ان ظن خيرا فله وان ظن شرا فله لكن هذا لا يختص حديث الباب الذي نتحدث عنه لا يختص بحال الموت والاحتضار ومفارقة الدنيا وانما يكون في جميع الاحوال يعني بمعنى ان الانسان في حال العافية وفي حال ايضا المرض والموت ومفارقة الحياة الدنيا. اسأل الله عز وجل ان يختم لنا ولكم بالسعادة وان يغفر لنا ولوالدينا ولاخواننا المسلمين والله اعلم وصلى الله على نبينا محمد واله وصحبه