ما خلقت هذا يعني ما خلقت هذا الخلق باطلا اي عبثا بل بالحق. لتجزي الذين اساؤوا بما عملوا وتجزي الذين احسن بالحسنى فقولهم ربنا ما خلقت هذا باطلا. يحتمل ان يكون المراد ان الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور انفسنا وسيئات اعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له. واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته لا زال الكلام ايها الاحبة متصلا بهذه الايات التي ختم الله عز وجل بها سورة ال عمران هذا الدعاء وهذا التفكر الذي تضمنته هذه السورة ان في خلق السماوات والارض واختلاف الليل والنهار لايات لاولي الالباب من هؤلاء الذين هم اصحاب العقول الراجحات الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم فهؤلاء يذكرون الله دوما بكل حال وفي كل وقت لا يفتؤون ولا ينقطعون من ذكره يذكرونه قائمين وقاعدين ومضطجعين فهم يذكرونه حال شغلهم وحال فراغهم فالسنتهم رطبة بذكره وقد مضى الكلام على هذا المعنى وهم مع هذا الذكر يتفكرون في خلق السماوات والارض وهذا لون من الذكر اخر فهم في ذكر بالسنتهم وهم في ذكر بجوارحهم فهي عاملة بطاعة ربهم ومليكهم جل جلاله وهم في ذكر بعقولهم وقلوبهم بالتفكر. وذلك من اجل العبادات واعظم القربات كما سبق. يتفكرون في خلق السماوات والارض. قائلين ربنا ما خلقت هذا باطلا ربنا ما خلقت هذه الخلائق هذه السماوات وهذه الارض هذه المخلوقات العظيمة لم تخلقها عبثا. فهذا معنى ويدل عليه قوله تبارك وتعالى وما خلقنا السماء والارض وما بينهما لاعبين قوله وما خلقنا السماء والارض وما بينهما باطلا. ذلك ظن الذين كفروا. الاية الاخرى وما خلقنا السماء والارض وما بينهما لاعبين لو اردنا ان نتخذ لهوا لاتخذناه من لدنا. لو اردنا ان نتخذ لهوا له هنا العبث واللعب والباطل لاتخذناه من لدن ان كنا فاعلين فخلق الله عز وجل هذه المخلوقات من السماوات والاراضين وما فيهما لغاية وحكمة عظيمة. هذا معنى وهو معنى صحيح يدل عليه القرآن ويحتمل ان يكون المراد ربنا ما خلقت هذا باطلا يعني ما خلقت هذا باطلا ليس السماوات والارض وانما هذا الخلق من الناس من الجن من الانس ما خلقت هذا باطلا هذا الذي اختاره كبير المفسرين ابو جعفر ابن جرير رحمه الله واستدل عليه بما بعده فانهم يقولون في دعائهم ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك وقنا عذاب النار. ربنا انك من تدخل النار فقد اخزيته. وما للظالمين من انصار اذا ما خلقت هذا الخلق باطلا هذه ارحام تدفع وهذه ارض تبلع بلا غاية ولا حكمة لا خلقت ذلك لحكمة وغاية عظمى من اجل الابتلاء والذي خلق الموت والحياة ليبلوكم ايكم احسن عملا خلقهم من اجل عبادته وما خلقت الجن والانس الا الا ليعبدون هذه هي الغاية وهذان المعنيان صحيحان. ربنا ما خلقت هذا. يعني جميع هذا الخلق بما فيه هذه الاجرام العلوية وكذلك ايضا هذه المخلوقات السفلية من الارض والجبال والبحار والناس كل هذا ما خلقه الله عز وجل عبثا وباطلا وانما خلقه من اجل الحق وللحق وبالحق ومن هنا ينزهونه يقولون سبحانك يعني عنان تخلق شيئا عبثا وانت منزه عن ذلك ننزهك ونقدسك ونعظمك هكذا يكون اهل الايمان بخلاف ذاك الذي لا يدري من اين جاء والى اين سينتهي؟ الشاعر الجاهلي المعاصر الذي يقول جئت من اين؟ لست ادري ولكني ابصرت قدامي طريقا فمشيت يتساءل من اين جاء والى اين ينتهي؟ وما هي الغاية التي يصير اليها؟ ولماذا جاء؟ ويجيب في كل هذه السؤالات لست ادري. فهذا التائه حيران لا يعرف لماذا خلق ولا يعرف الطريقة التي يسلكها في هذه الحياة فهو اضل من البهائم اهل الايمان يعرفون سبحانك فقنا عذاب النار يا من خلق هذا الخلق بالعدل نحتاج ان نوضح هذه المعاني على سبيل التقريب والتيسير لانه كما مضى في كلام الاوزاعي رحمه الله لما سئل عن التفكر فيها. ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها فكان يقول ادنى ذلك اقل ما يصدق عليه هذا هو ان يعقل يتعقل معانيها قل ما يمكن ان يخرج به من التبعة. فالحاصل ان هؤلاء يقولون فقنا عذاب النار. يا من خلق هذا الخلق بهذه الحكمة العظيمة خلقه بالعدل وبالحق يا من هو منزه عن النقائص والعبث واللهو والباطل قنا عذاب النار قيدنا للاعمال الصالحات والبر ووفقنا لطاعتك وطاعة رسولك لتتحقق لنا النجاة. اهدي قلوبنا واصلح اعمالنا وجوارحنا وسدد السنتنا واسلك بنا الصراط المستقيم الذي رسمته لعبادك وارتضيته لهم من اجل سلوكه قنا عذاب النار فهنا حينما يدعون بهذا الدعاء فهو مضمن ايضا سؤال الجنة لانه اذا وقاهم من عذاب النار فانهم يصيرون الى الجنة لانه في الاخرة ليس ثمة الا الجنة او النار لكن السؤال الذي قد يرد ما العلاقة بين هذا التفكر في خلق السماوات والارض؟ ثم هذه القفزة التي تقفزها اذهانهم فيدعون بهذا الدعاء فتلهج السنتهم قائلة فقنا عذاب النار هم يتفكرون بخلق السماوات والارض. وينزهون الله عن كونها قد خلقت للعبث من غير غاية ولا حكمة اذا ما العلاقة بين هذا وبين سؤالهم ان يقيهم الله عز وجل عذاب النار. وجه الله الارتباط وقنا عذاب النار. هؤلاء حينما ادركوا هذه الغاية هذا الكون المنتظم بهذه الطريقة العجيبة. هذه الشمس التي تجري وفق طريقة دقيقة محكمة سيرها الله عز وجل بها. وهذا القمر الذي يتبعها وما يحصل من اختلاف الليل والنهار وتنوع الفصول وما يحصل بسبب ذلك من حياة الارض والنبات والحيوان وما يحصل بسبب ذلك من الوان المصالح للخلق بهذا الانتظام العجيب وهذه الرياح التي تساق ثم بعد ذلك تجمع السحاب فينضم بعضه الى بعض وتلقحه ثم ينزل المطر ثم يخرج النبات ثم يتغذى عليه الحيوان والانسان. فيحصل به هذا النفع العام ثم ماذا؟ وهكذا الناس يوجدون شيئا فشيئا من نطفة. ثم يكون علقة ثم يكون مضغة ثم بعد ذلك يتحول الى عظام الى خلق اخر ثم يولد يخرج الى الدنيا ضعيفا ثم بعد ذلك ما يفتى ان يقوى ويشب فيصير فتى ثم بعد ذلك يصير شابا قويا ولم يزل يكتمل حتى يصير الى حد التمام بعد ذلك يبدأ بالانكماش والضعف على نحو من التدرج حتى يصير ضعيفا لا يقوى على شيء فتتلاشى قواها العقلية وقواه البدنية ويضعف فينسى حتى الاولاد والزوجة يتساءل من هؤلاء ويسأل عن الشيء الواحد مرات ومرات في المجلس الواحد. بعد ما كان اذكى الناس واحفظ الناس هذا ما يمكن ان يكون هذا الخلق بهذه الطريقة المحكمة العجيبة ان يكون على سبيل الباطل والعبث فاذا ادركوا هذا فان ذلك يقتضي فان ذلك يعني ان هناك غاية ان هناك حياة اخرى يقام بها الحق والعدل يجازى الناس فيها على الاعمال وان هذه المرحلة التي هم فيها هي مزدرع لتلك المرحلة الاخرة وانها طريق اليها لابد ان يصير الناس اليه هذا الخلق العجيب الدقيق في سيره وحركته وتدبيره لا يمكن ان يأتي هكذا مصادفة من غير خالق او ان يكون على سبيل العبث بل كل ذلك يدل على وجود خالق قادر عليم حكيم وهو الاله المعبود وحده دون ما سواه هو الذي يستحق ان يعبد وحده دون ما سواه وانه خلق هذا الخلق بالحق والعدل وانه لا بد فيه من اقامة الحق والعدل الله خلق السماوات والارض بالحق ولتجزى كل نفس بما كسبت لابد من المجازاة والمحاسبة لابد من الثواب والعقاب ومن هنا ادركوا هذا المعنى بهذا التفكر فقالوا فقنا عذاب النار وهذا يدل على قدر من التواضع ايضا. لانهم يعلمون انهم مهما عملوا ومهما عبدوا ومهما فعلوا فان عملهم لن يستقل بادخال ابطالهم الجنة لن يدخل احدكم الجنة بعمله قالوا ولا انت يا رسول الله؟ قال ولا انا الا ان يتغمدني الله برحمته فاعمالهم هذه لم يترفعوا بها ويحصل لهم بسبب ذلك العجب والالتفات الى النفس انما غاية ما هنالك انهم قالوا فقنا عذاب النار فدعوا الله عز وجل طالبين للسلامة والنجاة وكل هذا ادركوه بهذا التفكر انه لابد من دار اخرى يجازى فيها المحسن على احسانه والمسيء على اساءته ومن هنا استعاذوا بالله عز وجل من النار ثم قالوا ربنا انك من تدخل النار فقد اخزيته هم يرددون ربنا ربنا يا خالقنا ويا سيدنا يا مدبر شؤوننا يا مصرف احوالنا يا مربينا بالنعم الظاهرة والباطنة قنا عذاب النار ربنا انك من تدخل النار فقد اخزيته. اذ يدخل النار هذا الخزي لما بعده خزي اهنته اظهرت خزيه لاهل الجمع تصور لو ان احد في الدنيا انسان امام الناس امام الاخرين امام اصحابه امام زملائه امام ضرب امامهم اهين امامهم بل لو قيل له كلام فيه جرح لمشاعره واساءة الى شخصه لم ينم تلك الليلة فلو ان هذا الانسان حصل له شيء من هذا الاذى امام الاخرين هؤلاء الحدود الشرعية والتعزيرات امام الناس هؤلاء الذين تقام عليهم الحدود يتمنى الواحد منهم لو انه ضرب اضعاف هذا الحد لكن في مكان لا يراه احد لكنه حينما يضرب امام الناس السوق في مكان عام لا استطيع بعد ذلك ان يخرج بوجهه ويطالع هؤلاء وينظر اليهم لانه يعتبر انه اصابه خزي ثم يرتدع الاخرون فلا يفعلون فعله. هذه عقوبة رادعة وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين فكيف بعذاب النار ربنا انك من تدخل النار فقد اخزيته ارض خزية لاهل الجمع اهنته غاية الاهانة وما للظالمين من انصار لا مجير لهم ولا محيد لهم عما نزل بهم واراده الله تبارك وتعالى من العذاب لهؤلاء كما قال الله تبارك وتعالى واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا. ما حد ينفع احد ولا يقبل منها شفاعة ما في واسطات ولا يؤخذ منها عدل لا يوجد فداء ونعطيك فدية يفتدي باولاده لا يوجد ولا هم ينصرون. نفى عنهم هذه الامور جميعا يعني لا يأتي احد يخلصهم بالقوة من عذاب الله تبارك وتعالى. كل هذه الامور منتفية. اذا هو مأسور بعمله وما للظالمين من انصار فلاحظوا هذه الكلمات هذه الجمل وما حوت وما جمعت حينما يقولون ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار ربنا انك من تدخل النار فقد اخزيته. ربنا ما خلقت هذا باطلا في الباطلية كما يقول الحافظ ابن القيم هنا يستجمع كل ما يمكن ان يذهب اليه الذهن من الاحتمالات الفاسدة والباطلة العبث بانواعه واشكاله وصوره فهذا النفي للباطلية اوغل في المعنى المقصود لا يمكن بيان جميع الحكمة ولو بين بعضها لظن ان ذلك هو المراد وحده يكفي ربنا ما خلقت هذا باطلة سبحانك فقنا عذاب النار هذا واسأل الله عز وجل ان يقينا واياكم عذاب النار وان يغفر لنا ولوالدينا ولاخواننا المسلمين اللهم ارحم موتانا واشفي مرضانا وعافي مبتلانا واجعل اخرتنا خيرا من دنيانا والله اعلم وصلى الله على نبينا محمد واله وصحبه