الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله اما بعد فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته في هذه الليلة ايها الاحبة اختم الحديث على هذه الايات الخواتم من سورة ال عمران وحديثنا هذه الليلة ايها الاحبة عن اخر اية فيها فالله تبارك وتعالى في هذه الايات لما ذكر ما في خلق السماوات والارض من العبر والايات والدلالات التي ينتفع بها اهل التفكر من اولي الالباب ممن ذكر الله تبارك وتعالى اوصافهم ودعاءهم وذكر بمضامين هذه الايات استجابته لهم وثوابه الذي اعده لهؤلاء في الاخرة كما ذكر الله تبارك وتعالى حال اضدادهم المقصود انه حينما اثنى على هؤلاء وهؤلاء ومن امن من اهل الكتاب وجه الخطاب الى اهل الايمان امرا لهم بالصبر والمصابرة والمرابطة وتقوى الله جل جلاله وتقدست اسماؤه فقال يا ايها الذين امنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون هذه المقامات ايها الاحبة من التفكر والتقوى والعمل بطاعة الله عز وجل ومجانبة مساخطه كل ذلك يحتاج الى صبر يحتاج الى حبس للنفوس فان النفس شرود تميل الى الدعة والراحة والاخلاد الى الارض ولربما تحتاج الى مزاولات طويلة ومجاهدات حتى تسكن ويحصل لها نوع من الترويض فتكون بعد ذلك منسجمة مع الاعمال التي تزاولها من طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم كما قال ابن المنكدر كابدت الصلاة عشرين سنة وتمتعت بها عشرين سنة فبعد عشرين سنة من المكابدة والمجاهدة في شأن الصلاة وصل الى مرحلة اللذة لذة المناجاة. صارت الصلاة له قرة عين صار يأنس بها ويسر ويجد الانشراح والاخر يقول اني لادخل في الليل فيهولني فينقضي وما قضيت منه اربي قل في الليل في صلاة الليل يقول ينقضي الليل ولم اشعر ما شبعت والثالث يقول اني لا افرح بالظلام يفرح بالظلام من اجل ماذا؟ سمر المؤانسة يفرح بالظلام من اجل مناجاة الله عز وجل. النفوس اذا روضت على هذا وارتقت الى هذه المقامات صارت العبادة سجية لها لا تحتاج الى كثير كلفة ومعاناة عند القيام بذلك ولهذا تجد الواحد من هؤلاء كما نقرأ في تراجم هؤلاء من القدماء والمعاصرين ان الواحد لربما بكى بكاء طويلا لا لان صلاة الفجر فاتته. لا ولكن لان من عادته انه يقوم ثلاث ساعات فلم يستيقظ الا ساعة واحدة هذا معاصر يبكي كما يبكي الطفل لانه لم يقم على عادته ما قام الا ساعة واحدة من الليل وذهب عليه ساعتان. هذه المراتب العالية متى نصل اليها ونحن لربما نكابد من اجل ان نصلي الفرض صلاة الفجر في المسجد يحتاج الانسان الى صبر على الطاعة صبر عن المعصية يحتاج الى صبر على اقدار الله المؤلمة فان الانسان مخلوق في كبد. طبيعة هذه الحياة التي اهبط اليها ابونا ادم صلى الله عليه وسلم كان في نعيم ورغد لا يجد فيه حر الشمس ولا يضحى ويصيبه حرها وشعاعها ولا يحصل له شيء من جوع ولا عطش ولا عري ولكن كما قال ابن القيم وانما نحن سبي العدو فيا ترى نرد الى اوطاننا ونسلم سبان ابليس من الجنة فاخرجنا منها فحصل لنا هذا الشقاء في هذه الحياة الدنيا فتشقى هذه المكابدة هذا العناء هذا التعب هذه الالام النفسية والجسدية من الامراض والعلل والادواء كل ذلك من الكبد الحر البرد المكابدة في طلب العيش المكابدة في الدراسة المكابدة في كل امور الحياة كل هذا داخل فيه اصبروا على طاعة الله عز وجل اصبروا عن معصيته اصبروا عن الشهوات اصبروا على اقداره المؤلمة الصبر حبس النفس يصبر كما قال الحسن رحمه الله على دينه الذي ارتضاه الله له وهو الاسلام فيكون مستقيما كما امره الله عز وجل حتى يلقاه. فاستقم كما امرت ومن تاب معك ولا تطغوا انه بما تعملون بصير. ولا تركنوا الى الذين ظلموا فتمسكم النار وهنا يحتاج اهل الايمان الى هذا الصبر ليوطنوا انفسهم على الصراط المستقيم فتثبت اقدامهم والامر الاخر او المصابرة المصابرة هي صبر زائد من المفاعلة والغالب ان هذه الصيغة تدل على اشتراك مدافعة بين طرفين فاكثر. مقاتلة مصابرة مرابطة مقابلة ونحو ذلك فهنا يحتاجون الى مصابرة هي صبر زائد والزيادة في المبنى لزيادة المعنى. زيد حرف في الكلمة معناها ان المعنى زائد فالمصابرة مرتبة اعلى من الصبر صبر وزيادة صبر على ماذا اذا ويصبر اولا على طاعة الله يستقيم كما امر والله تبارك وتعالى بما يعمل عباده خبير فهنا يحتاجون الى مصابرة هؤلاء الاعداء مصابرة هؤلاء الذين يضادونهم ويؤذونهم لانه لا يمكن ان يسلم الانسان من الاذى ومن الاضداد والاعداء ليس يخلو المرء من ضد ولو حاول العزلة في رأس جبل هذا لو كان في حالة لن يسلم من عدو يناقضه ويضاده فيحتاج الى مدافعة فكيف اذا استقام على امر الله كما يجب وكما ذكرنا من كلام الحافظ ابن القيم رحمه الله في اغواء الشيطان انه يحاول ان يغويه ويوقعه في الكفر فان لم فالبدعة فان لم فالكبائر فان لم طغائر فان لم يستطع شن عليه حربا يرسل اليه شياطين الانس والجن فيزعجونه بالخواطر والوساوس ثم بعد ذلك يؤز اولياءه فيؤذونه ويكيدون له ويحاربونه لئلا يقر له قرار ولا يهنأ له عيش هذا فعل عدونا ابليس. فنحن مأمورون بالمصابرة في مدافعة خواطره ووساوسه وما يلقيه في قلب العبد يحتاج الى مصابرة بمدافعة اعداء الله واعداء رسله تحتاج الى مثابرة بجهادهم في امرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر هذي عبادات ثقيلة الذي ينهض بها ويقوم بها توجه اليه السهام من كل ناحية الذي يأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يثقل على قلوب الناس فيعتقدون ان ذلك من قبيل الفضول تحتاج الى مصابرة سيؤذونه ولهذا لقمان رحمه الله لما امر ابنه ووصاه بتلك الوصايا ومنها الامر بالمعروف والنهي عن المنكر عقب ذلك بقوله واصبر على ما اصابك واصبر على ما اصابك لانه لابد ان يؤذى الاذى لابد منه وتحتاج النفس الى توطين ان توطن على الصبر وان يصابر هؤلاء الاعداء فلا يتراجع ولا يتنازل لان تراجعه خطوة واحدة يعني الهزيمة يعني ان عدوه ابليس وجنده سيقوون عليه ويجترئون وسيطالبون بخطى اخرى راجعة فيتقهقر ينتحر حتى يبرك عدوه على صدره ويأخذ بتلابيبه. فيصير قد اسلم قيادة. يكون في حال من الخضوع الكامل لعدوه ولذلك تجد بعض الناس ليس عنده ادنى قدرة على الصبر والمدافعة والمجاهدة يقوده الشيطان حيث شاء. يلعب به لعب الصبيان بالكرة ولو لم يكن له شهوة بهذه المعاصي التي يعملها. لكن صار يقاد الى المنكر والمعصية ولا يجد في نفسه ادنى قدرة على الدفع والصبر والثبات يكفيه مجرد الخاطر الذي يلقيه الشيطان في قلبه فينقاد مباشرة ويستجيب هنا نحتاج الى هذه المصابرة لاعدائنا بجميع انواعهم وهذا الذي اختاره كبير المفسرين ابن جرير رحمه الله وهو الذي قال به ايضا الحافظ ابن كثير مصابرة ازاء الاعداء ثم تأتي مرتبة اعلى من هذا صبر ومصابرة ثم تأتي مرحلة او مرتبة او مقام المرابطة والمرابطة ايضا تدل على مفاعلة بين طرفين فاكثر هنا يرابط ما هذه المرابطة المرابطة فسرت بالمداومة على الطاعة ان يثبت ولا يحصل له تزعزع ولا تراجع ولا تخلي يثبت في مكانه هذا هو المرابطة الحافظ ابن كثير رحمه الله يقول المداومة في مكان العبادة والثبات ايا كانت ان كانت مرابطة في الثقور في الجهاد. او كانت من قبيل المرابطة بالصلاة مثلا فالنبي صلى الله عليه وسلم ذكر صورة من صور المرابطة التي هي من اجل صورها واعظمها كما في قوله صلى الله عليه وسلم الا اخبركم بما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات اسباغ الوضوء على المكاره وكثرة الخطى الى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط فذلكم الرباط فذلكم الرباط طائفة من اهل العلم من السلف فمن بعدهم حملوا الاية على هذا المعنى. انتظار الصلاة بعد الصلاة كما قال مجاهد. وقبله ابن عباس وبه قال سهل ابن حنين محمد ابن كعب القرضي قالوا ان المراد بهذه الاية هنا بالمرابطة انتظار الصلاة بعد الصلاة ما الذي حملهم على هذا القول قالوا حينما كان ذلك في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن هناك ثغور يرابط بها ما كان فيه رباط في زمن النبي صلى الله عليه وسلم. اذا ما المراد قالوا النبي صلى الله عليه وسلم قال فذلكم الرباط فذلكم الرباط هو الرباط في انتظار الصلاة والاقرب والله اعلم ان المعنى اعم من هذا فيدخل فيه هذا الرباط بانتظار الصلاة ويدخل فيه الرباط الاخر وهو الرباط في الثغور فهو وان لم يكن في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فان هذا خطاب للامة في كل جيل ومن كل قبيل لا يختص باولئك الذين كانوا في زمنه عليه الصلاة والسلام. بل ان طوائف ممن كانوا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ادركوا الرباط الذي بمعناها المعروف الرباط في الثغور بعد النبي صلى الله عليه وسلم لما فتحت الفتوح خارج جزيرة العرب. فيكون ذلك من قبيل المرابطة بالثغور في نحر العدو وحفظ هذه الثغور الاسلامية لانها قبالة العدو في البلاد المتاخمة لبلاد العدو من اجل الا يتسلل الاعداء الى بلاد المسلمين وهذا جاءت فيه احاديث كثيرة كحديث سهل ابن سعد في الصحيح ان النبي صلى الله عليه وسلم قال رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها. في الحديث الاخر عند مسلم حديث سلمان رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه وان مات جرى عليه عمله الذي كان يعمله واجري عليه رزقه وامن الفتان. يعني في القبر. اذا هذه الاحاديث التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم في فضل الرباط في الثغور خاطب بها من؟ عليه الصلاة والسلام. يخاطب بها امته. فهذه الاية خطاب للامة يا ايها الذين امنوا اصبروا وصابروا ورابطوا فلا يخرج هذا النوع الشريف من انواع الرباط ببلاد المسلمين المتاخمة للاعداء لا يخرج من قوله ورابطوا فيدخل فيه المرابطة التي هي من هذا النوع ويدخل فيه الرباط بانتظار الصلوات ويدخل في عمومه ايضا كل رباط على طاعة من طاعات الله تبارك وتعالى. الرباط يتنوع الجلوس في المساجد لطلب العلم مجلسا بعد مجلس هذا نوع من الرباط الذي يجلس في مقامات في اعمال صالحة ودعوة الى الله ويصبر ويقضي الاوقات الطويلة فيها. هذا من الرباط فالرباط لا اختص بانتظار صلاة فهذا منه. ومن اجله وافضله كما انه لا يختص ايضا بالوقوف في نحر العدو في بلاد المسلمين المتاخمة لبلاد الكفار فهذا من اجله واشرفه فكل من ارصد نفسه في طاعة الله عز وجل ولزم عملا من الاعمال الصالحة لا سيما المتعدية. فهو في رباط ولا ينبغي ان يقلل عمل احد من هؤلاء ولا يستخف به ولا يجوز وانما يقع ذلك من احد رجلين اما جاهل قد غلب جانبا من الاعمال الصالحة وازدرى غيره من الاعمال التي يحبها الله ورسوله وكل على ثغر واما ان يكون ذلك بسبب غرور وعجب فيعجب الانسان بعمله فيحتقر اعمال الاخرين. وهذا الذي يولد ويوجد ويوجب التفرق والبغضاء بين طوائف الامة التفرق المذموم. لكن لو نهض هؤلاء بهذا ونهض هؤلاء بهذا ونهض هؤلاء بهذا. كل بما يحسن حققت الفروض الكفائية وقامت مصالح الامة وصار بعضهم يحمد بعضا ويعرف له عمله وجهاده وصبره اصبروا وصابروا ورابطوا اذا يحتاج الانسان الى ملازمة لدعوته ملازمة للحق الذي يؤمن به فينقل ذلك الى الناس يصدره يبلغه تاج ان يبلغ دين الله ان يعرضه على غيره ممن لم يعرفوه ان يبين الحق لمن ضل عنه وتاه او جاهلة او خالفه وهو عارف به. كل هؤلاء يحتاجون الى الى مجاهدة ويحتاجون الى صبر ويحتاجون الى مصابرة وذلك يتطلب مرابطة على هذه الثغور ثغر الدعوة. ثغور الاسلام المساجد كل هذا من الاعمال الزاكية الطيبة الصالحة التي يحبها الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. ثم قال واتقوا الله اه في جميع اموركم واحوالكم فتقوى الله تبارك وتعالى تنتظم ذلك كله. لان الانسان اذا اتقى الله حقا صبر وصابر ورابط وعمل ما امره الله تبارك وتعالى به. ولكن التأكيد على التقوى هنا يحتاج هؤلاء من الصابرين المصابرين المرابطين الى به لانه قد لا يتقي العبد ربه وهو مرابط. قد يذهب العبد الى الرباط. قد يذهب العبد الى الدعوة. يسافر وينتقل يبلغ دين الله عز وجل قد يذهب هذا الانسان الى مجاهدة الاعداء ولكنه لا يتقي الله. قد يتجاوز حدوده. قد يفعل ما لا يحل له ان يفعله قد يترخص بامور في دعوته فيقع فيما حرم الله تبارك وتعالى من غير عذر وهكذا المجاهد فانه قد يحصل له ما يؤاخذ عليه من الاقوال والاعمال والنيات فاذا كان هؤلاء في هذه الاعمال الصالحة يحتاجون الى التقوى ولا يستغني عنها احد فكيف بمن كان امره فرطا هذا اولى بان يخاطب بالتقوى ثم هذا يدل ايها الاحبة على ان الانسان اذا قيل له اتق الله الا يأنف فالله امر اهل الايمان بالتقوى. اتقوا الله يا ايها الذين امنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا. والله قال للنبي صلى الله عليه وسلم يا ايها النبي اتق الله ولا تطع الكافرين والمنافقين. ثم ختم هذه الاية بقوله لعلكم تفلحون. كل لعل في القرآن فهي للتعليل ليست للترجي الا في موضع واحد وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون اي كانكم تخلدون في هذا الموضع والباقي هي للتعليل. اتقوا الله افعلوا هذه الافعال التي امركم الله عز وجل بها واتقوه بان تقوموا بها على الوجه الصحيح المطلوب الاكمل وقد ذكرت في الكلام على الاعتكاف في رمضان في السنة قبل الماضية كلاما لبعض الفقهاء من المالكية وغيرهم انهم كرهوا ان يدخل احد في الاعتكاف اذا كان يعلم انه لن يقوم به على الوجه اللائق الا يحفظ حدود الله عز وجل بهذا الاعتكاف الا يدخل من البداية. فهنا لعلكم تفلحون. الفلاح ايها الاحبة هو ادراك المطلوب والنجاة من المرهوب لعلكم تفلحون في الدنيا والاخرة فاذا اتقى الناس ربهم وعملوا بما امرهم به واجتنبوا ما نهاهم عنه فهذا سبب الفلاح العاجل والاجل. هذا الذي تحصل وبه المطالب وتتحقق به الرغبات. اتقوا الله وقولوا قولا سديدا. يصلح لكم اعمالكم. ويغفر لكم ذنوبكم. هذي اثار نتائج لتقوى الله وما ذكر بعده من القول السديد الذي رأسه لا اله الا الله. ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب اسأل الله عز وجل ان يرزقنا واياكم التقوى وان يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته والله اعلم وصلى الله على نبينا محمد واله وصحبه