قال اني جاعل قال لا ينال عهدي الظالمين يخبر تعالى عن عبده وخليله ابراهيم عليه السلام. المتفق على امامته وجلالته الذي كل من طوائف اهل الكتاب تدعيه. بل ذلك المشركون ان الله ابتلاهم وامتحنه بكلمات اي باوامر ونواهي كما هي عادة الله في ابتلائه لعباده. ليتبين الكاذب الذي لا يثبت عند الابتلاء والامتحان من الصادق الذي ترتفع درجته ويزيد قدره ويزكو عمله. ويخلص ذهبه وكان من اجلهم في هذا المقام الخليل عليه السلام فاتمم ما ابتلاه الله به واكمله ووفاه. فشكر الله له ذلك. ولم يزل الله شكورا. فقال اني جاعلك للناس اماما ان يقتدون بك في الهدى ويمشون خلفك الى سعادتهم الابدية. ويحصل لك الثناء الدائم والاجر الجزيل. والتعظيم كل احد وهذه لعمر الله افضل درجة تنافس فيها المتنافسون. واعلى مقام شمر اليه العاملون. واكمل حالة حصلها اولي العزم من المرسلين واتباعهم من كل صديق متبع لهم. داع الى الله والى سبيله. فلما اغتبط ابراهيم بهذا المقام وادرك هذا طلب ذلك لذريته لتعلو درجته ودرجة ذريته. وهذا ايضا من امامته ونصحه لعباد الله. ومحبته ان يكثر فيهم المرشدون لله عظمة هذه الهمم العالية والمقامات السامية. فاجابه الرحيم اللطيف واخبر بالمانع من نيل هذا المقام. فقال لا ينال الظالمين اي لا ينال الامامة في الدين. من ظلم نفسه وضرها وحط قدرها. لمنافات الظلم لهذا المقام. فانه مقام الته الصبر واليقين ونتيجته ان يكون صاحبه على جانب عظيم من الايمان والاعمال الصالحة والاخلاق الجميلة والشمائل السديدة والمحبة التامة والخشية والانابة. فاين الظلم وهذا المقام؟ ودل مفهوم الاية ان غير الظالم سينال الامامة. ولكن مع اتيانه باسبابها ثم ذكر تعالى نموذجا باقيا دالا على امامة ابراهيم. وهو هذا البيت الحرام الذي جعل قصده ركنا من اركان الاسلام. حاطا للذنوب والاثام وفيه من اثار الخليل وذريته ما عرف به امامته. وتذكرت به حالته. فقال ولقد اصطفيناه في الدنيا وانه في الاخرة لمن الصالحين اي ما يرغب عن ملة ابراهيم بعدما عرف من فضله الا من سفه نفسه. اي جهلها وامتهنها ورضي لها بالدون. وباع وعهدنا الى ابراهيم واسماعيل او طهرا او طهرا بيتي طائفين العاكفين والركع السجود واذ جعلنا البيت مثابة للناس اي مرجعا يثوبون اليه بحصول منافعهم الدينية والدنيوية يترددون اليه ولا يقضون منه وطرا. وجعله امنا يأمن به كل احد حتى الوحش وحتى الجمادات كالاشجار. ولهذا كانوا في الجاهلية على شركهم يحترمونه اشد الاحترام. ويجد احدهم قاتل ابيه في الحرم. فلا يهيجه فلما جاء الاسلام زاده حرمة وتعظيما وتشريفا وتكريما. واتخذوا من مقام ابراهيم مصلى. يحتمل ان يكون المراد بذلك مقام المعروف الذي قد جعل الان مقابل باب الكعبة وان المراد بهذا ركعتا الطواف يستحب ان تكون خلف مقام ابراهيم وعليه جمهور المفسرين ويحتمل ان يكون المقام مفردا مضافا. فيعم جميع مقامات ابراهيم في الحج. وهي المشاعر كلها من الطواف والسعي والوقوف بعرفة ومزدلفة ورمي الجمار والنحر وغير ذلك من افعال الحج. فيكون معنى قوله مصلى اي معبدا اي به في شعائر الحج ولعل هذا المعنى اولى لدخول المعنى الاول فيه واحتمال اللفظ له. وعهدنا الى ابراهيم واسماعيل اي او اليهما وامرناهما بتطهير بيت الله من الشرك والكفر والمعاصي. ومن الرجس والنجاسات والاقذار ليكون للطائفين فيه والركع السجود اي المصلين. قدم الطواف لاختصاصه بالمسجد الحرام. ثم الاعتكاف لان من شرطه المسجد مطلقا. ثم الصلاة مع انها افضل لهذا المعنى. واضاف الباري البيت اليه لفوائد منها ان ذلك يقتضي شدة اهتمام ابراهيم واسماعيل بتطهيره لكونه بيت الله فيبذلان جهدهما ويستفرغان وسعهما في ذلك. ومنها ان الاضافة تقتضي التشريف والاكرام. ففي ضمنها امر عباده بتعظيمه وتكريمه. ومنها ان هذه الاظافة هي السبب الجاذب للقلوب اليه اي واذ دعا لهذا البيت ان يجعله الله بلدا امنا. ويرزق اهله من انواع الثمرات. ثم قيد عليه السلام هذا الدعاء للمؤمنين تأدبا مع الله. اذ كان دعاؤه الاول فيه الاطلاق. فجاء الجواب فيه مقيدا بغير الظالم. فلما دعا لهم بالرزق وقيده بالمؤمن. وكان رزق الله شاملا المؤمن والكافر والعاصي والطائع. قال تعالى ومن كفر اي ارزقهم كلهم مسلمهم وكافرهم. اما المسلم فيستعين بالرزق على عبادة الله ثم ينتقل منه الى نعيم الجنة. واما الكافر فيتمتع فيه قليلا ثم اضطره. اي الجئه واخرجه مكرها الى عذاب النار وبئس المصير. وان يرفع ابراهيم القواعد من البيت واسماعيل ربنا تقبل منا ربنا تقبل منا انك انت السميع العليم اي واذكر ابراهيم واسماعيل في حالة رفعهم اما القواعد من البيت الاساس واستمرارهما على هذا العمل العظيم. وكيف كانت حالهما من الخوف والرجاء؟ حتى انهما مع هذا العمل. دعوا الله ان يتقبل منهما عملهما حتى يحصل فيه النفع العميم وارنا مناسكنا وتب علينا انك انت التواب الرحيم. ودعا والد لانفسهما وذريتهما بالاسلام. الذي حقيقته خضوع القلب. وانقياده لربه المتضمن لانقياد الجوارح. وارنا مناسكنا. اي على وجه المشاهدة ليكون ابلغ. يحتمل ان يكون المراد بالمناسك اعمال الحج كلها كما يدل عليه السياق والمقام. ويحتمل ان يكون المراد ما هو اعم من ذلك. وهو الدين كله والعبادات كلها. كما يدل عليه عموم اللفظ. لان النسك التعبد ولكن غلب على حبذات الحج تغليبا عرفيا. فيكون حاصل دعائهما يرجع الى التوفيق للعلم النافع والعمل الصالح. ولما كان العبد مهما كان لا بد ان يعترف التقصير ويحتاج الى التوبة. قال وتب علينا انك انت التواب الرحيم هم يتلو عليهم اياتك ويعلمهم ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم انك انت عزيز الحكيم. ربنا وابعث فيهم اي في ذريتنا رسولا منهم. ليكون ارفع لدرجتهما. والانقاذ له فليعرفوه حقيقة المعرفة يتلو عليهم اياتك لفظا وحفظا وتحفيظا. ويعلمهم الكتاب والحكمة معنى. ويزكيهم التربية على الاعمال الصالحة والتبري من الاعمال الردية التي لا تزكوا النفوس معها. انك انت العزيز اي القاهر لكل شيء الذي لا يمتنع على قوته شيء الحكيم الذي يضع الاشياء مواضعها. فبعزتك وحكمتك ابعث فيهم هذا الرسول. فاستجاب الله لهما. فبعث الله هذا الرسول الكريم الذي رحم الله به ذريتهما خاصة وسائر الخلق عامة. ولهذا قال عليه الصلاة والسلام انا دعوة ابي ولما عظم الله ابراهيم هذا التعظيم واخبر عن صفاته الكاملة قال تعالى اهى بصفقة المغبون كما انه لا ارشد واكمل ممن رغب في ملة ابراهيم. ثم اخبر عن حالته في الدنيا والاخرة. فقال ولقد اصطفيناه في الدنيا التي صار بها من المصطفين الاخيار