والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما فيحب ربنا ويرضى واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له له الحمد في الآخرة والأولى. واشهد ان سيدنا ونبينا محمدا عبد الله ورسوله وصفيه وخليله. اللهم صلي وسلم وبارك عليه وعلى آل بيته وصحابته. ومن تبعهم باحسان الى يوم الدين وبعد ايها الاخوة المباركون. فلا يزال حديثنا موصولا في هذه السلسلة من مجالس علم اصول الفقه لا يزال حديثنا عن البدايات والنشأة والتمهيد لظهور هذا العلم علما مستقلا قائما بذاته. ووقف بنا الحديث تحديدا عند اوائل التدوين في هذا العلم على يدي الامام القرشي محمد ابن ادريس الشافعي رحمة الله عليه صاحب المذهب وكتابه الرسالة يعد اول كتاب صنف في علم الاصول في تاريخ الاسلام. لتأليفه قصة مضت الاشارة وفي اليه على عجالة ومجلسنا الليلة ان شاء الله تعالى فيه التفصيل لكتاب الرسالة للشافعي باعتباره اللبنة الاولى في بناء مصنفات الاصول وفهم الكتاب مدخل مهم ومنطلق يجب ان يسير من خلاله الدارس لعلم الاصول وان يكون على بينة ودراية كافية وافية بنشأة هذا العلم في كتاب الرسالة للشافعي رحمه الله وطريقته ومنهجه فيه وما احتواه وكيف اصبح العلم من بعد الرسالة علما مصنفا وكتبا تؤلف ثم تطورت الى اصبحت مناهج التبع ومدارس ومذاهب تشق طريقها في بنيان هذا العلم شيئا فشيئا. كتاب الرسالة للشافعي وهو الذي بين يدي اليوم وسأقرأ لكم بعض النماذج منه. كان بداية رسالة توجه بها الامام عبدالرحمن ابن مهدي رحمة الله عليه. الامام المحدث الثقة السبت توجه برسالة الامام الشافعي عبدالرحمن بن مهدي امام عالم جليل من اجلة السلف رحمة الله عليهم. فكتب رسالة للشافعي يطلب فيها منه ان يضع له جملا تعينه على النظر فيما يحتاج اليه الفقيه والعالم والناظر في الادلة. وكانت رسالته التي وصل بها الى الامام الشافعي يطلب فيها ان يضع له كتابا فيه معاني القرآن ويجمع قبول الاخبار فيه وحجة الاجماع وبيان الناسخ والمنسوخ. قبل الحديث عن هذا الطلب الذي تقدم به الامام عبدالرحمن ابن مهدي رحمه الله. لك ان تتأمل في هذا الطلب وكتابة الرسالة وما جد بعدها. نحن في زمن نتكلم فيه على اوائل او في منتصف القرن الثاني الهجري ما بعد المئة والخمسين وهو الزمن الذي قلنا فيه ان الفتوحات الاسلامية قد امتدت ورقعة البلاد قد اتسعت ودخل الناس في دين الله افواجا ضعفت فيه لغة العرب ودخل الاعاجم في الاسلام وكان دخولهم مع شيء من الشوائب التي يحملها اللسان العجمي وشيء من من العقائد التي كانوا عليها قبل الاسلام بما يعني ان البيئة لم تكن كما كانت زمن الصحابة رضي الله عنهم في اوائل الخلافة في الراشدة حيث اللغة العربية السائدة والناس تفهم القرآن والسنة بمقتضى اللسان الى درجة كبيرة فتنامى هذا الامر عن الفجوة التي بين الناس وبين النصوص الشرعية. ثم ازداد الامر يعني حاجة والحاحا بظهور بعض الفرق المنتسبة للاسلام التي ادخلت شيئا من المخالفات الشرعية مثل الفرق التي ظهرت اول ما ظهرت كالجهمية والقدرية والمعتزلة والخوارج فكانت كل طائفة تؤسس لمذهبها على شيء من دلالات النصوص. وكان ولابد بما انها مخالفة للمنهج السوي فكان لها شيء من التأويل والتكلف في تنزيل دلالات النصوص على ما ذهبوا اليه وقرروه. فكان في هذا استخدام غير رشيد لدلالات النصوص الشرعية فتفاقم الامر حاجة الى الى وضع منهج صحيح يتعامل به الفقيه العلم مع الدليل الشرعي ليستنبط الحكم الصحيح الذي يتضمنه النص ليكون الاستنباط سليما والحكم صحيحا وليكون ايضا التعامل مع الدليل بطريقة منهجية شرعية صحيحة. عبدالرحمن بن مهدي رحمه الله في مثل هذه الظروف وجه الرسالة للامام الشافعي الاخرى ان اماما كالشافعي في هذه المرحلة من حياته يقال انه ارسل اليه الرسالة سنة مائة وثمانين مائة وثمانين يعني كم عمر الشافعي ثلاثون سنة فقط ثلاثون سنة. ثلاثون سنة في سن طلبة العلم اليوم تعتبر بدايات للتمكن لكنها عند امام كالشافعي كانت امة في الرسوخ العلمي وبلوغ الغاية. والسبب في ذلك ان الشافعي رحمه الله لما تربى بمكة وكان قد نشأ فيها يتيما وتعلم وتفقه في بدايات اسنان الطلب وحداثة العمر لم يبلغ رحمة الله يعني سن السابعة عشر حتى اجاز له شيوخ الحرم وعلماؤه انذاك بالجلوس والافتاء في الحرم المكي. في سن السابعة عشرا فنبوظ وامامة مبكرة وحداقة وزوجة فهم وذكاء. ثم اذن له من شيوخه واساتذته وعلمائه ان يكون شيخا معلما ومفتيا ولما تقول معلما ومفتيا في مكة وفي الحرم وهذا يعني بين الحجيج وجموع المعتمرين وامة الاسلام كلها التي تخدم مكة وتدخل بيت الله الحرام. ثم ارتحل رضي الله عنه الى المدينة والتحق بالامام ما لك. وطلب عنده العلم عليه الموطأ وحفظه وتلقاه عنه فاخذ من مالك رحمه الله الفقه والحديث. فكان هذا مما اه قوى عود الامام الشافعي او في الفقه والحديث والدراية وهو لا يزال في سن مبكرا. فلما ان بلغ الثلاثين فقد بلغ مبلغا عظيما رضي الله عنه في الامامة والنظر في الادلة وكانت نشأته العلمية التي جمعت بين الاخذ عن شيوخ مكة وفقهائها. تم الارتحال الى المدينة. واذ اخذ الامام مالك فلك ان تقول اخذ فقه اهل المدينة فقه الفقهاء السبعة الذين كان عليهم المعول في فقه الاسلام على رأس السنة المئة الاولى الى الاربعة والتسعين من الهجرة. هذا كله هيأ للشافعي بيئة خصبة ان يكون على ذكائه وفطنته ونبغو المبكر رحمه الله صاحب شأن في العلم واي شأن. ثم لما ارتحل الى بغداد والتقى باصحاب ابي حنيفة وكبار تلامذته كمحمد بن الحسن في ابي يوسف اخذ ايضا بالمجالسة والمناظرة والمدارسة اخذوا اصول المذهب وطريقتهم في الفكر ومنهجهم في النظر في الادلة تتلاقح تتلاقح في في فقه الشافعي رحمة الله عليه فقه المذاهب السائدة انذاك والفقهاء القائمين بالعلم وبالفقه والنظر في الدليل انذاك. على كل عبد الرحمن بن مهدي وهو شيخ ائمة الاسلام. يعني شيخ علي ابن المديني وشيخ احمد وشيخ اسحاق يكتب رسالة الى الشافعي يطلب فيها منه ان يضع له كتابا. ان يضع له كتابا ان يكتب له رسالة فيها معاني القرآن ويجمع قبول الاخبار فيه وحجة الاجماع وبيان الناسخ والمنسوخ. هذه اركان للمسائل التي يحتاج اليها الاصولي والتي تعتبر اركان هذا العلم ومسائله الكبار حجية القرآن ومعانيه حجية السنة الاجماع والنسخ الناسخ والمنسوخ فما كان من الامام الشافعي رحمه الله الا ان سطر رسالة ليست هي هذا الكتاب. سطر رسالة يحملها البريء. وكتب لعبد ابن مهدي جملا من اصول العلم في حدود ما طلبه رحمه الله. فجمع له صفحات وكتب له زملا كما قلت هي من مسائلها التي اشار اليها ابن مهدي في حاجته اليها. ثم ارسلها اليه. قيل كان بمكة وقيل كان ببغداد فارسلها اليه وحملها الحارث بن سري حمل الرسالة. والطريف ان الحارث بن سرير لقب فيما بعد قال وليس ذلك الا لنقله رسالة الشافعي الى عبدالرحمن بن مهدي. فكان حدثا تاريخيا اكتسب به لقبا واضيف اليه فعرف به فحدث ابن سريج حمل الرسالة ثم بدا للشافعي رحمه الله بعدما فتح له هذا الباب اعني باب كتابة هذه مسائل ولم تكن مستورة من قبل. فبدا له مشروع علمي ضخم كبير يستحق ان يتفرغ له الامام الشافعي وان ينتصب له وان يكتب فيه ما يصلح ان يكون كتابا علميا يرجع اليه طلبة العلم ويستفيدون منه. فبدأ مشروعه مثل تاليف الكتاب الرسالة. لم يسم الشافعي كتابه بالرسالة. هو سماه الكتاب. واذا احال اليه في بعض كتبه كالام او اه او خبر الاحاد مثلا او جماع العلم ونحوه يقول قلنا في الكتاب واشرت في الكتاب ولم يشبه الرسالة لكن الناس سمته بالرسالة الشافعي لم يسمي كتابه بالرسالة انما يسميه الكتاب او كتابي هذا او كتابنا هذا لن يضع له عنوانا محددا لكنه لما نظر الناس الى ان الكتاب كان في اصله رسالته التي بعث بها الى عبدالرحمن ابن مهدي. والرسالة التي بعث بها لعبدالرحمن ابن مهدي كان فقد وقعت عند اهل العلم بموضع الحسد وتلقوها بقبول وصاروا يطلعون عليها ويطلبونها وينسخونها. فلما كانت بذلك الشأن نقل الناس اسم الرسالة من ذلك الى الكتاب الذي الفه الامام الشافعي. الف الامام الشافعي رحمه الله كتابه هذا بمصر بعد ان نزل بها واستقر بها اخر عمره. وذلك ان الشافعي رحمه الله في رحلته العلمية كان قد قال بين مكة والشام وبغداد واليمن وبغداد مرة ثانية ثم منها الى مصر واستقر به المقام بها حتى مات رحمه الله سنة مئتين وكم؟ اربعة اذا الف الكتاب في الاربع السنوات الاخيرة من حياته وهذا باصلاح اه مؤرخين للعلم كما يقولون هو يعني بعد ان بلغ تمام النضج العلمي وتمام اكتمال الملكة التي ملكها رحمه الله في هذا العلم. وهذا ان دل فانما يدل على مكانة الكتاب وجلالة قدره لما يؤلفه الشافعي رحمه الله في هذه مرحلة من العمر الف الكتاب ووضع فيه مسائله وبوبه وصنفه فكان الكتاب فكان الكتاب بهذه المثابة اللبنة الاولى التي وضعها علماء الاسلام في التأليف في اصول الفقه على الاطلاق. ثمة من في بعض الكتب ان هناك سبقا على الشافعي في تأليف رسائل في علم الاصول كان قد كتبها بعض اهل العلم فنسب شيء منه والى القاضي ابي يوسف او الى الامام محمد بن الحسن او الى جعفر الصادق وغيرهم لكنه ليس بين ايدينا شيء لا قصاصة ولا ولا مسألة ولا كتاب ولا اشارة ولا نقل حتى الى شيء من تلك الكتب بما يثبتها حقيقة العلمية. فلم نعد الا ان نقول ان رسالة تاريخيا من سنة مئتين واربعة لم نجد بين ايدينا معشر المسلمين في المكتبات ولا في المخطوطات ولا حتى ثمن نقل عن الكتب التي نقلت انذاك شيئا ما يثبت ان هناك مدونا علميا في مسائل الاصول كان قبل الشافعي رحمه الله. فكان للشافعي بمثابة قصب السبق في التدوين في علم الاصول. اسأل الله لي ولكم التوفيق والسداد والعلم النافع والعمل الصالح وان يغفر لي ولكم. وارزقني واياكم فهما سدادا وتوفيقا ورضا والله اعلم. وصلى الله على نبينا محمد واله وصحبه اجمعين