اعوذ بالله من الشيطان الرجيم. ان الذين امنوا والذين الذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله اولئك يرجون رحمة والله غفور رحيم. يسألون عن الخمر والميسر قل فيهما اثم كبير ومنافع واثمهما اكبر من نفعهما ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو كذلك يبين الله لكم الايات لعلكم تتفكرون في الدنيا والاخرة ويسألونك عن اليتامى قل اصلاح لهم خير وان تخالطوهم فاخوانكم. والله يعلم المفسد من المصلح ولو شاء الله لاعمتكم الله عزيز حكيم. بسم الله الرحمن الرحيم. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته يقول الله سبحانه ان الذين امنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله اولئك يرجون رحمة الله والله الرحيم. هذه الاعمال الثلاثة هي عنوان السعادة وقطب رحى العبودية وبها يعرف ما مع الانسان من ربح الخسران فاما الايمان فلا تسأل عن فضيلته وكيف تسأل عن شيء هو الفاصل بين اهل السعادة واهل الشقاوة واهل الجنة من اهل النار وهو الذي اذا كان مع العبد قبلت اعمال الخير منه واذا عدم منه لم يقبل له صرف ولا عدل ولا لا فرض ولا نفل. واما الهجرة فهي مفارقة المحبوب المألوف لرضى الله تعالى. فيترك المهاجر وطنه وامواله واهلا وخلانه تقربا الى الله ونصرة لدينه. واما الجهاد فهو بذل الجهد فهو بذل الجهد في مقارعة الاعداء السعي التام في نصرة دين الله وقمع دين الشيطان. وهو ذروة الاعمال الصالحة وجزاؤه افضل الجزاء وهو السبب الاكبر لتوسيع دائرة الاسلام وخذلان عباد اصنام. وامن المسلمين على انفسهم واموالهم واولادهم. فمن قام بهذه الثلاثة على لاوائها ومشقتها كان لغيرها اشد قياما به وتكميلا فحقيق بهؤلاء ان يكونوا هم الراجين رحمة الله لانهم اتوا بالسبب الموجب الرحمة وفي هذا دليل على ان الرجاء لا يكون الا بعد القيام باسباب السعادة. واما الرجاء المقارن للكسل وعدم القيام بالاسباب فهذا عجز وتمن وغرور وهو دال على ضعف همة صاحبه ونقص عقله بمنزلة من يرجو وجود الولد بلا نكاح ووجود الغلة بلا بذر وسقي ونحو ذلك وفي قوله اولئك ارجو رحمة الله اشارة الى ان العبد ولو اتى من الاعمال بما اتى به لا ينبغي له ان يعتمد عليها تعول عليها بل يرجو رحمة ربه ويرجو قبول اعماله ومغفرة ذنوبه وستر عيوبه ولهذا قال والله غفور اي لمن تاب توبة نصوحا. رحيم وسعت رحمته كل شيء. وعم جوده واحسانه كل حي. وفي هذا على ان من قام بهذه الاعمال المذكورة حصل له مغفرة الله اذ الحسنات يذهبن السيئات وحصلت له رحمة الله اذا حصلت المغفرة اندفعت عنه عقوبات الدنيا والاخرة. التي هي اثار الذنوب التي قد غفرت واضمحلت اثارها. اذا حصلت له الرحمة حصل على كل خير في الدنيا والاخرة. بل اعمالهم مذكورة من رحمة الله بهم. فلولا توفيقه اياهم لم يريدوها ولولا اقدار عليها لم يقدروها لم يقدروا عليها ولولا احسانه لم يتمها ويقبلها منهم. فله الفضل اولا واخرا وهو الذي من بالسبب والمسبب ثم قال تعالى يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما اثم كبير ومنافع للناس واثمهما اكبر من نفعهما ان يسألك اي يا ايها الرسول المؤمنون عن احكام الخمر والميسر؟ وقد كان مستعمرين في الجاهلية. واول الاسلام انه وقع فيهما اشكال فلهذا سألوا عن حكمهما امر الله تعالى نبيه ان يبين لهم منافعهما ومضارهما ليكون ذلك كمقدمة لتحريمهما وتحطيم تركهما. فاخبر ان اثمهما وضارهما وما يصدر عنهما من ذهاب العقل والمال رد عن ذكر الله وعن الصلاة والعداوة والبغضاء. اكبر مما يظنونه من نفعهما من كسب المال بالتجارة بالخمر بالقمار والطرب للنفوس عند تعاطيهما. وكان هذا البيان زاجرا للنفوس عنهما لان العاقل يرجح ما رجحت مصلحته ويجتنب ما ترجحت مضرته ولكن لما كانوا قد الفوهما وصعب التحكيم بتركهما اول وهلة قدم هذه الاية مقدمة للتحريم الذي ذكره في قوله يا ايها الذين امنوا انما الخمر الميسر والانصاب والازلام رزق من عمل الشيطان الى قولي فهل انتم منتهون؟ وهذا من لطفي ورحمته وحكمته. ولهذا لما نزلت قال عمر رضي الله عنه هينا انتهينا. فاما الخمر فهو كل مسكر خامر العقل وغطاه. من اي نوع كان. واما الميسر فهو كل المغالبات يكون فيها عوض من الطرفين من النرد والشطرنج. وكل مغالبة قولية او فعلية. تعوضوا تعوض سوى مسابقة الخيل والابل والسهام فانها مباحة لكونها معينة على الجهاد. فرخص فيها الشارع وهذا سؤال عن مقدار ما ينفقونه من اموالهم. فيسر الله لهم الامر وامرهم ان ينفقوا العفو وهو المتيسر من اموالهم الذي لا تتعلق به حاجتهم وضرورتهم. وهذا يرجع الى كل احد بحسبه من غني وفقير ومتوسط. كل كل له قدرة على انفاق ما عفا من ما له ولو ولو شق تمرة ولهذا امر رسوله صلى الله عليه وسلم ان يأخذ العفو من اخلاق الناس وصدقاتهم. ولا يكلفهم ما يشق عليهم ذلك بان الله تعالى لم يأمرنا بما امرنا به حاجة منه لنا. او تكليفا لنا بما يشق بل امرنا بما فيه سعادتنا وما يسهل علينا وما به النفع لنا ولاخواننا. فيستحق على ذلك اتم الحمد ولما بين تعالى هذا البيان الشافي واطلع العباد على اسرار شرعه قال كذلك يبين الله لكم الايات اي على الحق المحصلات للعلم النافع والفرقان. لعلكم تتفكرون في الدنيا والاخرة. اي لكي تستعملوا افكاركم في اسرار شرعه وتعرف ان اوامره فيها مصالح الدنيا والاخرة. وايضا لكي تتفكروا في الدنيا وسرعة انقضائها وفي الاخرة وبقائها. وانها دار الجزاء فتعمروها. وصلى الله وسلم على نبينا محمد. وعلى اله وصحبه اجمعين والى الحلقة القادمة غدا ان شاء الله. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته