تدوم ويرجع الضالون وتقوم الحجة على المعاندين. لان الله فصل اياته واوضح بيناته يميز الحق الباطل ولتستبين سبيل المجرمين. فمن عمل بهذا من اهل العلم فهو من خلفاء الرسل وهداة الامم. ومن ومن لبس اعوذ بالله من الشيطان الرجيم. يا بني اسرائيل انعمت عليكم واوفوا واياي فاذهبون امنوا بما انزلتم صدقا لما معكم ولا تكونوا اول كافر به. ولا تشتروا باياتي ثمنا ولا تلبسوا الحق بلا بالباطل وتكتم الحق وانتم تعلمون. واقيموا الصلاة واتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين. اتأمرونن الناس بالبر وتنسون انفسكم وانتم تتلون الكتاب افلا تعقلون؟ بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. يقول الله سبحانه يا بني اسرائيل اذكروا نعمتي التي انعمت عليكم واوفوا بعهدي اوفوا بعهدكم واياي فارهبون شرع تعالى يذكر بني اسرائيل نعمه عليهم. واحسانه فقال يا بني اسرائيل المراد باسرائيل يعقوب عليه السلام والخطاب مع فرق بني اسرائيل الذين بالمدينة وما حولها فيدخل فيهم من اتى بعدهم فامرهم بامر عام فقال اذكروا نعمتي التي انعمت عليكم وهو يشمل سائر النعم التي سيذكر في هذه السورة بعضها. والمراد ذكرها بالقلب اعترافا. وباللسان ثناء وبالجوارح باستعمالها فيما يحبه ويرضيه. واوفوا بعهدي وهو ما عهده اليه من الايمان به وبرسله اقامة شرعه او في بعهدكم وهو المجازاة على ذلك. والمراد بذلك ما ذكره الله في قوله ولقد اخذ الله ميثاق بني اسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا. فقال الله اني معكم لان اقمتم الصلاة واتيتم زكاة وامنتم برسلي الى قوله فقد ضل سواء السبيل. ثم امرهم بالسبب الحامل لهم على الوفاء بعهده وهو الرهبة منه تعالى وخشيته وحده فان من خشيه اوجبت له خشيته امتثال امره واجتنابه ثم امرهم بالامر الخاص الذي لا يتم ايمانهم ولا يصح الا به فقال وامنوا بما انزلت وهو القرآن الذي انزله على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم. فامرهم بالايمان به واتباعه يستلزم ذلك الايمان بما انزل عليه. وذكر الداعي لايمانهم فقال مصدقا لما معكم اي موافقا له لا مخالفا ولا مناقضا. فاذا كان موافقا لما معكم من الكتب غير مخالف لها فلا مانع لكم من الايمان به لانه جاء بما جاء به المرسلون. فانتم اولى من امن به وصدق به. لكونكم اهل الكتب والعلم. وايضا ان في قولي مصدقا لما معكم. اشارة الى انكم ان لم تؤمنوا به عاد ذلك عليكم بتكذيب ما معكم. لان انما جاء به هو الذي جاء به موسى وعيسى وغيرهما من الانبياء. فتكذيبكم له تكذيب لما معكم. واضاف ان في الكتب التي بايديكم صفة هذا النبي الذي جاء بهذا القرآن والبشارة به. فان لم تؤمنوا به كذبتم ببعض ما انزل اليكم ومن كذب ببعض ما انزل اليه فقد كذب بجميعه. كما ان من كفر برسوله فقد كذب الرسل جميعا فلما امرهم بالايمان به نهاهم وحذرهم عن ضده وهو الكفر به فقال ولا تكونوا اول كافر اي بالرسول والقرآن وقوله اول كافر به ابلغ من قوله ولا تكفروا به. لانهم اذا كانوا اول كافر به كان فيه مبادرته من الكفر عكس ما ينبغي منهم وصار عليهم اثمه اثمهم واثم ويقتدى بهم من بعد ثم ذكر المانع لهم من الايمان وهو اختيار العرض الادنى على السعادة الابدية فقال ولا تشتروا باياتي ثمن قليلا وهو ما يحصل لهم من المناصب والمآكل التي يتوهمون انقطاعها ان امنوا بالله ورسوله فاشتروها بايات الله واستحبوها واثروها. واياي اي لا غيري فاتقوني فانكم اذا اتقيتم الله وحده اوجبت لكم تقواه تقديم الايمان باياته على الثمن القليل. كما انكم اذا اخترتم الثمن القليل فهو دليل على ترحل التقوى من قلوبكم ثم قال ولا تلبسوا اي تخلطوا الحق بالباطل وتكتموا الحق فنهاهم عن شيئين عن خلط الحق بالباطل وكتمان الحق. لان المقصود من اهل الكتب والعلم تمييز الحق واظهار الحق. ليهتدي بذلك حق بالباطل فلم يميز هذا من هذا مع علمه بذلك وكتم الحق الذي يعلمه. وامر باظهاره فهو من دعاة جهنم لان الناس لا يقتدون في امر دينهم بغير علمائهم. فاختاروا لانفسكم احدى الحالتين. ثم قال واقيموا الصلاة اي ظاهرا واتوا الزكاة مستحقيها واركعوا مع الراكعين اي صلوا مع المصلين. فانكم اذا فعلتم ذلك مع الايمان برسل وايات الله فقد جمعتم بين الاعمال الظاهرة والباطنة وبين الاخلاص للمعبود والاحسان الى عبيده وبين القلبية والبدنية والمالية. وقوله واركعوا مع الراكعين اي صلوا مع المصلين ففيه الامر بالجماعة بالصلاة ووجوبها وفيه ان الركوع ركن من اركان الصلاة. لانه عبر عن الصلاة بالركوع والتعبير عن العبادة بجزئها يدل على فرضيته فيها. اتأمرون الناس بالبر؟ اي بالايمان والخير وتنسون انفسكم اي تتركونها عن امرها بذلك والحال وانتم تتلون الكتاب افلا تعقلون. وسمي العقل عقلا لانه يعقل به ما ينفعه من الخير وينعقل به عما يضره. وذلك ان العقل يحث صاحبه ان يكون فاول فاعل لما يأمر به. واول تارك لما ما ينهى عنه. فمن امر غيره بالخير ولم يفعله او نهاه عن الشر فلم يتركه. دل ذلك دل على عدم عقله وجهله خصوصا اذا كان عالما بذلك فلم قد قامت عليه الحجة وهذه الاية وان كانت نزلت في سبب بني اسرائيل وان ان كانت نزلت في سبب بني اسرائيل فهي عامة لكل احد لقوله تعالى يا ايها الذين امنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله ان تقولوا ما لا تفعلون. وليس في الاية ان الانسان اذا لم يقم بما امر به انه يترك الامر بالمعروف والنهي عن المنكر. لانها دلت على التوبيخ بالنسبة للواجبين. والا فمن المعلوم ان على الانسان واجبين. امر وغيره ونهيه وامر نفسه ونهيه فترك احدهما لا يكون رخصة لا يكون رخصة في ترك الاخر فان الكمال ان يقوم الانسان بالواجبين والنقص الكامل ان يتركهما. واما قيامه باحدهما دون الاخر فليس في رتبة الاول وهو ودون الاخير وايظا فان النفوس مجبولة على عدم الانقياد لمن يخالف قوله فعله. فاقتداؤهم بالافعال ابلغ من اقتداء بالاقوال المجردة. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين. والى الحلقة القادمة غدا ان شاء الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته