اعوذ بالله من الشيطان الرجيم الف لام ميم ذلك كتاب لا ريب فيه. مدى للمتقين. الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون والذين يؤمنون بماء انزل اليك وما اولئك على هدى من ربهم واولئك هم المفلحون السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. بسم الله الرحمن الرحيم. يقول الله سبحانه ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين الايات. تقدم الكلام على واما الحروف المقطعة في اوائل السور فالاسلم فيها السكوت عن التعرض لمعناها من غير مستند شرعي مع الجزم بان الله تعالى لم ينزلها عبثا بل لحكمة لا نعلمها. فقوله ذلك الكتاب اي هذا الكتاب العظيم الذي هو الكتاب على الحقيقة. المشتمل على ما لم تشتمل عليه كتب المتقدمين. من العلم العظيم والحق المبين فهو لا ريب فيه ولا شك بوجه من الوجوه. ونفي الريب عنه يستلزم ضده. اذ ظد الريب والشك اليقين فهذا الكتاب مشتمل على علم اليقين. المزيل للشك والريب. وهذه قاعدة مفيدة ان النفي المقصود به المدح لا بد ان يكون متضمنا لضده وهو الكمال. لان النفي عدم والعدم لا مدح فيه. فلما اشتمل على اليقين وكانت الهداية لا تحصل الا باليقين. قال هدى للمتقين. والهدى ما تحصل به الهداية من الضلالة والشبه. وما به الهداية الى سلوك الطرق النافعة. فقال هدى وحذف المعمول فلم يقل هدى للمصلحة الفلانية ولا للشيء الفلاني لارادة العموم وانه هدى لجميع مصالح الدارين فهم مرشد للعباد في المسائل الاصولية والفروعية. ومبين للحق من الباطل والصحيح من الضعيف. ومبين لهم كيف الطرق النافعة لهم في دنياهم واخراهم. فقال في موضع اخر هدى للناس فعمم. وفي هذا الموضع وغيره هدى للمتقين لانه في نفسه هدى لجميع الناس الاشقياء لم يرفعوا به رأسا. ولم يقبلوا هدى الله. فقامت عليهم به الحجة. ولم ينتفعوا به لشقائهم اما المتقون الذين اتوا بالسبب الاكبر لحصول الهداية وهو التقوى التي حقيقتها اتخاذ ما يقي سخط الله وعذابه في امتثال اوامره واجتناب نواهيه. فاهتدوا به وانتفعوا غاية الانتفاع قال تعالى يا ايها الذين امنوا ان تتقوا الله يجعل لكم فرقانا. فالمتقون هم المنتفعون بالايات القرآنية الايات الكونية ولان الهداية نوعان هداية البيان وهداية التوفيق فالمتقون حصلت لهم الهدايتان. وغيرهم لم تحصل لهم هداية التوفيق. وهداية البيان بدون توفيق للعمل بها ليست هداية حقيقية تامة. ثم وصف المتقين بالعقائد والاعمال الباطنة والاعمال الظاهرة لتضمن التقوى ولذلك فقال الذين يؤمنون بالغيب حقيقة الايمان هو التصديق التام بما اخبرت به الرسل المتضمن الانقياد الجوارح وليس الشأن في الايمان باشياء المشاهدة بالحس فانه لا يتميز بها المسلم من انما الشأن في الايمان بالغيب الذي لم نره ولم نشاهده. وانما نؤمن به لخبر الله وخبر رسوله فهذا الايمان الذي يميز به المسلم من الكافر لانه تصديق مجرد لله ورسله. فالمؤمنون فالمؤمن يؤمن بكل ما اخبر الله به. او اخبر به رسوله سواء من شاهده او لم يشاهده وسواء فهمه وعقله او لم يهتئ او لم يهتدي اليه عقله وفهمه بخلاف الزنادقة والمكذبين بالامور الغيبية. لان عقولهم القاصرة المقصرة لم تهتدي اليها. فكذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ففسدت عقولهم ومرجت احلامهم وزكت عقول المؤمنين المصدقين المهتدين بهدي الله. ويدخل في بالغيب الايمان بجميع ما اخبر الله به من الغيوب الماضية والمستقبلة. واحوال الاخرة وحقائق اوصاف الله وكيفيتها. وما اخبرت به الرسل من ذلك فيؤمنون بصفات الله ووجودها. ويتيقنونها وان لم يفهموا كيفيتها. ثم قال ويقيمون الصلاة. لم يقل يفعلون الصلاة او يأتون بالصلاة لانه لا يكفي فيها مجرد الاتيان بصورتها الظاهرة فاقامة الصلاة اقامتها ظاهرا اتمام اركانها وواجباتها وشروطها واقامتها باطنا باقامة روحها وهو حضور القلب فيها وتدبر ما قوله ويفعله منها فهذه الصلاة هي التي قال الله فيها ان الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر وهي التي يترتب عليها الثواب. فلا ثواب للعبد من صلاته الا ما عقل منها يدخل بالصلاة فرائضها ونوافلها. ثم قال ومما رزقناهم ينفقون. يدخل فيه النفقات الواجبة كالزكاة النفقة على الزوجات والاقارب والمماليك ونحو ذلك. والنفقات المستحبة لجميع طرق الخير. ولم يذكر المنفق عليه لكثرة اسبابه وتنوع اهله. ولان النفقة من حيث هي هي من حيث هي قربة الى الله. واتى بمن الدالة على التبعيض لينبههم انه لم يرد منهم الا جزءا يسيرا من اموالهم غير ضار لهم ولا مثقل بل ينتفعونهم بانفاقه وينتفع به اخوانهم وفي قوله رزقناهم. اشارة الى ان هذه الاموال في بين ايديكم ليست حاصلة بقوتكم وملككم. وانما هي رزق الله الذي خولكم وانعم به عليكم وكما انعم عليكم وفضلكم على كثير من عباده. فاشكروه باخراج باخراج بعظ ما انعم به عليكم. وواسوا اخوانكم المعدمين وجب كثيرا ما يجمع تعالى بين الصلاة والزكاة في القرآن لان الصلاة متضمنة للاخلاص للمعبود والزكاة والنفقة متضمنة للاحسان على عبيده. فعنوان سعادة العبد اخلاص للمعبود وسعيه في في نفع الخلق كما ان عنوان شقاوة العبد عدم هذين امرين منه فلا اخلاص ولا احسان ثم قال والذين يؤمنون بما انزل اليك وهو القرآن والسنة. قال تعالى وانزل الله عليك الكتاب والحكمة المتقون يؤمنون بجميع ما جاء به الرسول ولا يفرقون بين بعض ما انزل اليه فيؤمنون ببعضه ولا يؤمنون ببعضه اما ابجحده او تأويله على غير مراد الله ورسوله. كما يفعل ذلك من يفعله من المبتدعة الذين يأولون النصوص الدالة على خلاف قولهم بما حاصله عدم التصديق بمعناها. وان صدقوا بلفظها فلم يؤمنوا بها ايمانا فقوله ما انزل من قبلك يشمل الايمان بجميع الكتب السابقة. فيتضمن الايمان بالكتب الايمان بالرسل وبما اشتمت عليه خصوصا التوراة التوراة والانجيل والزبور وهذي خاصية المؤمنين. يؤمنون بالكتب السماوية كلها وبجميع الرسل. فلا يفرقون بين احد منهم. ثم قال في الاخرة هم يوقنون والاخرة اسم لما يكون بعد الموت. وخصه بالذكر بعد العموم لان الايمان باليوم الاخر احد اركان الايمان ولانه اعظم باعث عن رغبة والرهبة والعمل واليقين هو العلم التام الذي ليس فيه ادنى شك والموجب للعمل اولئك اي الموصوفون بتلك الصفات الحميدة على هدى من ربهم او على هدى عظيم لان تنكير التعظيم واي هداية اعظم من تلك الصفات المذكورة؟ المتضمنة للعقيدة الصحيحة والاعمال المستقيمة وهل الهداية في الحقيقة الا هدايتهم وما سواها مما خالفها فهي فهي ضلالة. واتى بعنا في هذا الموضع الدالة على الاستعلاء وفي الضلالة يأتي بفي كما في قوله وانا او اياكم لعلى هدى او في ضلال مبين. لان صاحب الهدى فاعلم بالهدى مرتفع به وصاحب الضلال منغمس فيه محتقر. ثم قال واولئك هم المفلحون. والفلاح هو بالمطلوب والنجاة من المرهوب حصر الفلاح فيهم لانه لا سبيل للفلاح الا بسلوك سبيلهم. وما عدا تلك السبيل فهي سبل الشقاء والهلاك والخسارة التي تفضي بسالكها الى الهلاك ولهذا لما ذكر صفات المؤمنين حقا ذكر صفات الكفار المعارضين لكفرهم المعارضين للرسول فقال ان الذي ان كفروا سواء عليهم اانذرتم ام لم تنذرهم لا يؤمنون الايات وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين. والى الحلقة القادمة غدا ان شاء الله. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته