اعوذ بالله من الشيطان الرجيم. فان امنوا بمثل ما امنتم وان تولوا فانما هم في شقاق فسيكفيكهم وهو السميع العليم صبغة ونحن له عابدون حاجوننا في الله وهو ربنا اعمالنا ولكم اعمالكم ونحن له مخلصون ام تقولون ان ابراهيم واسماعيل واسحاق ويعقوب اسباتك نهودا او نصارى ومن اظلم ممن شهادة عنده من الله وما الله بغافل عما تعملون تلك امة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون. بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته يقول الله سبحانه فان امنوا بمثل ما امنتم به فقد اهتدوا. الايات كيف ان امن اهل الكتاب بمثل ما امنتم به؟ يا معشر المؤمنين من جميع الرسل وجميع الكتب الذين اول من دخل ففيهم واولى خاتمهم وافضلهم محمد صلى الله عليه وسلم والقرآن واسلموا لله وحده. ولم يفرقوا بين احد من الرسل. فقد اهتدوا للصراط المستقيم. الموصل لجنات النعيم كيف لا سبيل له من الهداية الا بهذا الايمان ولا كما زعموا بقولهم كونوا هودا او نصارى تهتدوا فزعموا ان الهداية خاصة بما كانوا عليه. والهدى والعلم بالحق والعمل به. وضده الضلال عن العلم والضلال عن العمل بعد العلم وهو الشقاق الذي كانوا عليه لما تولوا واعرضوا المشاق هو الذي يكون في شق والله ورسوله في شق ويلزم المشاقة المحادة والعداوة البليغة التي من لوازمها بذل ما يقدرون عليه من اذية الرسول صلى الله عليه وسلم ولهذا وعد الله رسوله ان يكفيه اياهم لانه السميع لجميع الاصوات باختلاف اللغات على تفنن حاجات العليم بما بين ايديهم وما خلفهم بالغيب والشهادة بالظواهر والبواطن فاذا كان كذلك كفاك الله شرهم قد انجز الله لرسوله وعده فسلطه عليهم حتى قتل بعضهم وسبى بعضهم واجلى بعضهم وشردهم كل مشرد ففيه معجزة من معجزات القرآن وهو الاخبار بالشيء قبل وقوعه فوقع طبق ما اخبر ثم قال تعالى صبغة الله ومن احسن من الله صبغة ونحن له عابدون صبغة الله وهو دينه. فقوموا به قياما تاما بجميع اعماله الظاهرة والباطنة. وجميع عقائده في جميع حتى يكون لكم صبغة وصفة من صفاتكم. فاذا كان صفة من صفاتكم اوجب ذلك لكم الانقياد لاوامره طوعا واختيارا ومحبة. وصار الدين طبيعة لكم بمنزلة الصبغ التام للثوب الذي صار له صفة حصلت لكم السعادة الدنيوية والاخروية لحث الدين على مكارم الاخلاق ومحاسن الاعمال ومعالي الامور. فلهذا على سبيل التعجب المتقرر للعقول الزكية ومن احسن من الله صبغة اي لا احسن صبغة من اذا اردت ان تعرف نموذجا يبين لك الفرق بين صبغة الله وبين غيرها من الصبغ. فقس الشيء بضده فكيف ترى في عبد امن بربه ايمانا صحيحا اثر معه خضوع القلب وانقياد الجوارح. فلم يزل يتحلى بكل وصف حسن وفعل جميل وخلق كامل ونعت جليل ويتخلى في من كل وصف قبيح ورذيلة وعيب وصف الصدق في قوله وفعله. والصبر والحلم والعفة والشجاعة. والاحسان القولي والفعلي. ومحبة الله وخشيته خوفه ورجائه فحاله الاخلاص للمعبود والاحسان لعبيده. فقسه بعبد كفر بربه وشرد عنه واقبل على غيره من المخلوقين اتصف بالصفات القبيحة من الكفر والشرك والكذب والخيانة والمكر والخداع وعدم العفة والاساءة الى الخلق في اقواله فلا اخلاص للمعبود ولا احسان الى عبيده انه يظهر لك الفرق العظيم بينهما ويتبين لك انه لا احسن من صبغة الله وفي ظني انه لا اقبح صبغة ممن انصبغ بغير دينه وفي قوله ونحن له عابدون بيان لهذه الصبغة وهي القيام بهذين الاصلين الاخلاص والمتابعة. لان العبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من من الاعمال والاقوال الظاهرة والباطنة. ولا تكون كذلك حتى يشرعها الله على لسان رسوله والاخلاص ان يقصد العبد وجه الله وحده. في تلك الاعمال فتقديم المعمول يؤذن بالحصر. وقال ونحن له عابدون. فوصفهم باسم الفاعل الدال على الثبوت والاستقرار. ليدل على اتصافهم بذلك ثم قال سبحانه قل اتحاجوننا في الله وهو ربنا وربكم ولنا اعمالنا ولكم اعمالكم ونحن له مخلصون. المحاجة هي المجادلة بين اثنين فاكثر. تتعلق بالمسائل الخلافية حتى يكون كل من خصمين يريد نصرة قوله وابطال قول خصمه. فكل واحد منهما يجتهد في قامت الحجة على ذلك المطلوب منهما ان تكون بالتي هي احسن لاقرب طريق يرد الضال الى الحق ويقيم الحجة على المعاند ويوضح الحق ويبين الباطل ان اخرجت فان خرجت عنها بامور كانت مماراة ومخاصمة لا خير فيها واحدثت من الشر ما احدثت فكان اهل الكتاب يزعمون انهم اولى بالله من المسلمين. وهذا مجرد دعوة تفتقر الى برهان ودليل اذا كان رب الجميع واحدة. ليس ربا لكم دوننا وكل منا ومنكم له عمله. فاستوينا نحن وانتم بذلك فهذا لا يجب ان يكون احد الفريقين اولى بالله من غيره. لان التفريق مع الاشتراك في الشيء من غير فرق مؤثر دعوا باطلة وتفريق بين متماثلين ومكابرة ظاهرة وانما يحصل التفضيل باخلاص الاعمال الصالحة لله وحده وهذي الحالة توصف المؤمنين وحدهم. فتعين انهم اولى بالله من غيرهم. لان الاخلاص هو الطريق الى الخلاص فهذا هو الفرق بين اولياء الرحمن واولياء الشيطان. بالاوصاف الحقيقية التي يسلمها اهل العقول. ولا ينازع فيها الا كل جهول. ففي هذه الاية ارشاد لطيف لطريق المحاجة. وان الامور مبنية على الجمع بين المتماثلين والفرق بين المختلفين. وهذه دعوة اخرى منهم ومحاجة في رسل الله. زعموا انهم اولى بهؤلاء الرسل المذكورين من رد الله عليهم بقوله اانتم اعلم ام الله؟ الله يقول ما كان ابراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولا لكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين وهم يقولون بل كان يهوديا ونصرانيا. فاما ان يكونوا هم الصادقين العالمين او يكون الله تعالى هو الصادق العالم بذلك. فاحد متعين لا محالة. وسورة الجواب مبهم وهو في الغاية الوضوء وهو في غاية الوضوح والبيان. حتى انه من وضوحه لم فجأة يقول بل الله اعلم وهو اصدق ونحو ذلك. لانجلائه لكل احد. كما اذا قيل الليل انور ام النهار؟ والنار احر والشرك احسن ام التوحيد ونحو ذلك. وهذا وهذا يعرفه كل من له ادنى عقل حتى انهم بانفسهم يعرفون ذلك ويعرفون ان ابراهيم وغيرهم الانبياء لم يكونوا هودا ولا نصارى. فكتموا هذا العلم وهذه الشهادة. فلهذا كان ظلمهم اعظم الظلم. ولهذا قال تعالى ومن اظلم ممن ممن كتم شهادة عنده من الله. فهي شهادة عندهم مودعة سمي الله لا من الخلق. فيقتضي الاهتمام باقامتها فكتموها واظهروا ضدها. جمعوا بين كتم الحق وعدم النطق به اظهار الباطل والدعوة اليه. اليس هذا اعظم الظلم؟ بلى والله. وسيعاقبهم عليه اشد العقوبة. فلهذا قال الله بغافل عما تعملون. بل قد احصى اعمالهم وعدها وادخر لهم جزاءها. فبئس الجزاء جزاءهم وبئس النار مثوى للظالمين وهذه طريقة القرآن في ذكر العلم والقدرة. عقب الايات المتضمنة للاعمال التي يجازى عليها ايفيد ذلك الوعد والوعيد والترغيب والترهيب ويفيد ايضا ذكر الاسماء الحسنى بعد الاحكام ان امر الديني والجزائي اثر من اثارها وموجب من موجباتها وهي مقتضية له. ثم قال تعالى تلك امة ادخلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون. تقدم تفسيرها وكررها لقطع التعلق بالمخلوقين. وان المعول عليه ما اتصف به الانسان لا عمل اسلافه وابائه. فالنفع الحقيقي بالاعمال لا بالانتساب لمجرد الرجال. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين. الى الحلقة القادمة غدا ان شاء الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته