اعوذ بالله من الشيطان الرجيم. وبشر الذين امنوا وعملوا ان لهم جنات تجري من تحتها الانهار كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل. قالوا هذا الذي رزقنا من قبل واتوا به متشابها. ولهم فيها ازواج مطهرة وهم فيها خالدون ان الله لا يستحيي ان يضرب مثلا ما بقي فما فوقها فاما الذين امنوا اعلمون انه الحق من ربهم. واما الذين كفروا فيقولون ماذا اراد الله بهذا مثلا ضلوا به كثيرا ويهدي به كثيرا. وما يضل به الذين ينقضون عهد ان يوصل ويفسدون في الارض. اولئك هم الخاسرون. بسم الله الرحمن الرحيم. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. يقول الله وبشر الذين امنوا وعملوا الصالحات ان لهم جنات تجري من تحتها الانهار. الايات. لما ذكر جزاء كافرين ذكر جزاء المؤمنين اهل الاعمال الصالحات. كما هي طريقته تعالى في كتابه يجمع بين الترغيب والترهيب ليكون العبد راغبا راهبا خائفا راجيا. فقال وبشر اي ايها الرسول ومن قام مقامك. الذين امنوا بقلوبهم وعملوا الصالحات بجوارحهم وصدقوا ايمانهم باعمالهم الصالحة ووصفت اعمال الخير بالصالحات لان بها تصلح احوال احوال العبد وامور دينه ودنياه. وحياته الدنيوية اخروية. ويزول بها عنه فساد الاحوال. فيكون بذلك من الذين يصلحون لمجاورة الرحمن في جنته. فبشرهم ان لهم جنات هي بساتين جامعة للاشجار العجيبة ثمار الانيقة والظل المديد والاغصان والافنان وبذلك صارت جنة يجتن بها داخلها وينعم فيها ساكنها تجري من تحت انهار اي انهار الماء واللبن والخمر يفجرونها كيف شاءوا ويصرفونها اين ارادوا وتسقى منها تلك الاشجار فتنبت فتنبت اصناف الثمار كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل. اي هذا من جنسه وعلى وصفه كلها متشابهة في الحسن واللذة ليس فيها ثمرة خاصة وليس لهم وقت خال من اللذة فهم دائما متلذذون باكلها وقوله واتوا به متشابها قيل متشابها في الاسم مختلفا في الطعم. وقيل متشابها في اللون مختلفا في الاسم وقيل يشبه بعضه بعضا في الحسن واللذة والفكاهة ولعل هذا احسن. ثم لما ذكر مسكنهم واقواتهم من الطعام والشراب وفواكههم ذكر ازواجهم فوصفهن باكمل وصف واوجزه. واوضحه فقال ولهم فيها ازواج مطهرة. فلم يقل مطهرة من العيب الفلاني يشمل جميع انواع التطهير هن مطهرات الاخلاق مطهرات الخلق مطهرات اللسان. مطهرات الابصار. فاخلاقهن انهن عرب متحببات الى ازواجهن بالخلق الحسن وحسن التبعل والادب القولي والفعلي. ومطهر خلقهن من الحيض. من الحيض والنفاس والمني والبول والغائب والمخاط والبصاق والرائحة الكريهة. مطهرات الخلق ايضا لكمال الجمال فليس فيهن عيب. ولا دمامة خلق بل هن خيرات حسان مطهرات اللسان والطرف عاصرات طرفهن على ازواجهن وقاصرات السنتهن عن كل كلام قبيح. ففي هذه الاية الكريمة ذكر المبشر والمبشر وليبشر به والسبب الموصل لهذه البشارة. فنبشر والرسول صلى الله عليه وسلم ومن قام مقامه من امته. ويبشر الذي كان العبد بصدد تحصيله وهو تحت امكانه. والله اعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين في الحلقة القادمة غدا ان شاء الله. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته هو هم المؤمنون العاملون الصالحات. والمبشر به هي الجنات الموصوفات بتلك الصفات. والسبب موصل ذلك هو الايمان العمل الصالح فلا سبيل الى الوصول الى هذه البشارة الا بهما. وهذه اعظم بشارة حاصلة على يد افضل الخلق بافضل الاسباب وفيه استحباب بشارة المؤمنين وتنشيطهم على الاعمال بذكر جزائها وثمراتها فانها بذلك تخف وتسهل واعظم بشرى وحاصلت للانسان توفيقه للايمان والعمل الصالح. فذلك اول البشارة واصلها. ومن بعده البشرى عند الموت من بعده الوصول الى هذا النعيم المقيم. نسأل الله من فضله. ثم يقول تعالى ان الله لا يستحيي ان يضرب مثلا ماء اي اي مثل كان بعوضة فما فوقها لاشتمال الامثال على الحكمة وايضاح الحق والله لا يستحي من الحق وكأن في هذا جوابا لمن انكر ضرب الامثال في الاشياء الحقيرة. واعترض على الله في ذلك وليس في ذلك محل اعتراض بل هو من تعليم الله لعباده ورحمته بهم. فيجب ان تتلقى بالقبول والشكر. ولهذا قال فاما الذين امنوا فيعلمون انه الحق من ربهم فيفهمونها ويتفكرون فيها. فان علموا ما اشتمت عليه على وجه التفصيل ازداد بذلك علمهم وايمانهم والا علموا انها حق وما اشتمت عليه حق. وان خفي عليهم وجه الحق فيها لعلمهم لان الله لم يضربها عبثا بل لحكمة بالغة ونعمة سابغة. فاما الذين كفروا فيقولون ماذا اراد الله بهذا فيعترضون ويتحيرون فيزدادون كفرا الى كفرهم كما ازداد المؤمنون ايمانا على ايمانهم ولهذا قال يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا. فهذه حال المؤمنين والكافرين عند نزول الايات القرآنية. قال تعالى واذا ما انزل سورة فمنهم من يقول ايكم زادته هذه ايمانا فاما الذين امنوا فزادتهم ايمانا وهم يستبشرون. واما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا الى رجسهم وماتوا وهم كافرون فلا اعظم نعمة على العباد من نزول الايات القرآنية. ومع هذا تكون لقوم محنة وحيرة وضلالة وزيادة شر الى ولقوم منحة ورحمة وزيادة خير الى خيرهم. فسبحان من فاوت بين عباده وانفرد بالهداية واضلال ثم ذكر حكمته وعدله في اظلاله من يضل فقال وما يضل به الا الفاسقين. اي الخارجين عن طاعة الله المعارضين لرسل الله الذين صار الفسق وصفهم فلا يبون به بدلا فاقتضت حكمته تعالى اضلالهم لعدم صلاحية للهدى كما اقتضى فضله وحكمته هداية من اتصف بالايمان وتحلى بالاعمال الصالحة والفسق نوعان نوع مخرج من الدين وهو الفسق المقتضي للخروج من الايمان كالمذكور في هذه الاية ونحوها ونوع غير مخرج من الايمان. كما في قوله تعالى يا ايها الذين امنوا ان جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا الاية ثم وصف الفاسقين فقال الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه. وهذا يعم العهد الذي بينه وبين ربهم والذي بينهم بين الخلق الذي اكده عليهم بالمواثيق الثقيلة والالزامات. فلا يبالون بتلك المواثيق بل ينقضونها ويتركون اوامره ويرتكبون نواهيه وينقضون العهود التي بينهم وبين الخلق ويقطعون ما امر الله به ان يوصل. وهذا يدخل فيه اشياء كثيرة. اشياء كثيرة. فان الله امرنا ان نصل ما بيننا وبينه بالايمان به والقيام بعبوديته وما بيننا وبين رسوله بالايمان به ومحبته وتعزيره والقيام بحقوقه وما بيننا وبين والاقارب والاصحاب وسائر الخلق بالقيام بحقوقهم التي امر الله ان نصلها. فاما المؤمنون فوصفوا ما امر الله بان يوصل من هذه الحقوق وقاموا بها اتم القيام. واما الفاسقون فقطعوها ونبذوها. وراء ظهورهم عنها بالفسق والقطيعة والعمل بالمعاصي وهو الافساد في الارض فاولئك اي من هذه صفته هم الخاسرون في الدنيا فحصل فحصل الخسارة فيهم لان خسرانهم عام في كل احوالهم. ليس لهم نوع من الربح لان فكل عمل صالح شرطه الايمان. فمن لا ايمان له لا عمل له. وهذا الخسار هو خسار الكفر. واما الخسار الذي قد يكون الكفر وقد يكون معصية وقد يكون تفريطا في ترك مستحب المذكور في قوله تعالى ان الانسان لفي خسر. فهذا عام لكل مخلوق الا من اتصف بالايمان والعمل الصالح والتواصي بالحق والتواصي بالصبر وحقيقة فوات الخير