اعوذ بالله من الشيطان الرجيم. كيف تكفرون بالله وكنتم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم اليه ترجعون. هو الذي خلق لكم سواهن سبع سماوات وهو بكل شيء خليفة. قالوا اتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء. قالوا اتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك. قال اني اعلم ما لا تعلمون وعلم ادم الاسماء كلها ثم على الملائكة فقال ان بأوني فقال قالوا سبحانك لا علم الا ما علمتنا انك انت العليم قال يا ادم انبئهم باسمائهم فلما انبأهم قال الم اقل لكم اني اعلم غيب السماوات والارض. واعلم ما تبدون وما كنت انتم تكتمون واذ قلنا للملائكة ادم فسجدوا الا ابليس. الا ابليس ابى واستكبر وكان من الكافرين. بسم الله الرحمن الرحيم. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته يقول الله سبحانه كيف تكفرون بالله وكنتم امواتا فاحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم لي ترجعون هذا استفهام بمعنى التعجب والتوبيخ والانكار. اي كيف يحصل منكم الكفر بالله؟ الذي خلقكم من العدم وانعم عليكم باصناف نعم ثم يميتكم عند استكمال اجالكم. ويجازيكم في القبور ثم يحييكم بعد البعث والنشور. ثم اليه ترجعون فيجازيكم الجزاء الاوفى اذا كنتم في تصرفه وتدبيره وبره وتحت اوامره الدينية. وبعد ذلك تحت دينه الجزائي افيليق بكم ان تكفروا به وهل هذا الا جهل عظيم وسفه كبير بل الذي يليق بكم ان تتقوه وتشكروه وتؤمنوا به وتخافوا عذابه وترجوا ثوابه والذي خلق لكم ما في الارض جميعا يخلق لكم برا بكم ورحمة. جميع ما على الارض للانتفاع والاستمتاع والاعتبار. وفي هذه الاية الكريمة دليل على ان في الاشياء الاباحة والطهارة. لانها سيقت في معرض الامتنان. يخرج بذلك الخبائث فان تحريمها ايضا يؤخذ من فحوى الاية وبيان المقصود منها وانه خلقها لنفعنا ما فيه ضرر فهو خارج من ذلك. من تمام نعمته منعنا من الخبائث تنزيها لنا. وقوله ثم استوى الى السماء فسوى وهن سبع سماوات وهو بكل شيء عليم معاني كلمة استوى. استوى ترد في القرآن على ثلاثة معاني. تارة لا تعدى بالحرف فيكون معناها الكمال والتمام. كما في قوله عن موسى ولما بلغ اشده واستوى. وتارة تكون بمعنى علا وارتفع. وذلك اذا عديت بعلى كقوله الرحمن على العرش استوى. لتستووا على ظهوره وتارة تكون بمعنى قصدك ما اذا عديت بالا كما في هذه الاية اي لما خلق تعالى الارض قصد الى خلق السماوات وهن سبع سماوات فخلقها واحكمها واتقنها وهو بكل شيء عليم فيعلم ما يلجأ في الارض وما يخرج منها. وما ينزل من السماء وما يعرج فيها ويعلم ما تسرون وما تعلنون. يعلم السر واخفى وكثيرا ما يقرن بين خلقه واثبات علمه كما في هذه الاية وكما في قوله تعالى الا يعلم من خلق وهو لطيف الخبير. لان خلقه للمخلوقات ادل دليل على علمه وحكمته وقدرته اذ قال ربك للملائكة اني جاع في ارض خليفة هذا شروع في ابتداء خلق ادم عليه السلام ابي البشر. وفضله وان الله تعالى حين اراد خلقه اخبر الملائكة بذلك وان الله مستخلف في ارض فقاتل الملائكة عليهم السلام اتجعل فيها من يفسد فيها بالمعاصي ويسفك الدماء وهذا تخصيص بعد تعميم لبيان شدة مفسدة القتل وهذا بحسب ظنهم ان المجعول في الارض سيحدث منه ذلك فنزه الباري عن ذلك وعظموه. واخبروا انهم قائمون بعبادة الله على وجه خال من مفسدة. فقالوا ونحن بحمدك اي ينزهك التنزيه اللائق بحمدك وجلالك. ونقدس لك يحتمل ان معناها ونقدسك فتكون لا مفيدة للتخصيص والاخلاص ويحتمل ان يكون ونقدس لك انفسنا ان يطهرها نطهرها بالاخلاق الجميلة كمحبة الله وخشيته وتعظيمه ومن الاخلاق الرذيلة. قال الله لملائكة اني اعلم من هذه الخليقة من هذه الخليفة ما لا تعلمون ان كلامكم بحسب ما ظننتم وانا عالم بالظواهر والسرائر. واعلم ان الخير الحاصل بخلق هذه الخليفة اضعاف اضعاف ما في ضمن ذلك من الشر. فلو لم يكن في ذلك الا ان الله تعالى اراد ان يجتبي منهم الانبياء والصديقين والشهداء والصالحين. لتظهر اية اية للخلق ويحصل من العبوديات التي لم تكن تحصل بدون خلق هذا الخليفة كالجهاد وغيره وليظهر ما كمل في غرائز المكلفين من الخير والشر بالامتحان ويتبين عدوه عدو من وليه وحزبه من حربه. وليظهر ما كمن في نفس ابليس من الشر الذي انطوى عليه واتصف به. فهذه حكم عظيمة يكفي بعضها في ذلك ثم لما كان يقول الملائكة عليهم السلام فيه اشارة الى فضلهم على الخليفة الذي يجعله الله في الارض اراد الله الا ان يبينهم من فضل ادم ما يعرفون به فضله وكمال حكمة الله وعلمه فقال وعلم ادم الاسماء كلها اي اسماء الاشياء وهو مسمى وما هو مسمى لها. فعلمه الاسم والمسمى اي الالفاظ والمعاني حتى المصغرة باسماء والمكبرة كالقصعة والقصيعة ثم عرضهم اي اي عرض مسميات على ملائكة امتحانا لهم هل يعرفونها ام لا فقال انبئوني باسماء هؤلاء ان كنتم صادقين. في قولكم وظنكم انكم افضل من هذا الخليفة. قالوا سبحانك اي ينزهك من اعتراض منا منا عليك ومخالفة امرك لا علم لنا بوجه من الوجوه الا ما علمتنا اياه منك وجودك منك وجودا انك انت العليم الحكيم. العليم الذي احاط علما بكل شيء فلا يغيب عنه ولا يعزب مثقال ذرة في السماوات والارض ولا اصغر من ذلك ولا اكبر. الحكيم من له الحكمة التامة التي لا يخرج عنها مخلوق ولا يشذ عنها مأمور فما خلق شيء الا لحكمة ولا امر بشيء الا لحكمة. والحكمة وضع الشيء في موضعه اللائق به فروا واعترفوا بعلم الله وحكمته. وقصورهم عن معرفة ادنى شيء. واعترافهم بفظل الله عليهم. وتعليمه اياهم ما لا يعلمون فحينئذ قال الله يا ادم انبئهم باسمائهم اي اسماء المسميات التي عرضها الله على الملائكة فعجزوا عنها فلما فانبأهم باسمائهم فبين للملائكة فضل ادم عليهم. وحكمة الباري وعلمه في استخلاف هذا الخليفة. قال الم اقل لكم اني اعلم غيب السماوات والارض وهو ما غاب عنا فلم نشاهده. فاذا كان عالما بالغيب فالشهادة من باب اولى اعلم ما تبدون اي تظهرون وما كنتم تكتمون. ثم امرهم تعالى بالسجود لادم اكراما له وتعظيما وعبودية لله تعالى فامتثلوا امر الله وبادروا كلهم بالسجود الا ابليس ابى امتنع عن السجود واستكبر عن امر الله وعلى ادم. قال ااسجد لمن خلقت طينا؟ وهذا الاباء منه الاستكبار نتيجة الكفر الذي هو منطوي عليه فتبينت حينئذ عداوته لله ولادم وكفره واستكباره. وفي هذه الايات من العبر والايات اثبات الكلام لله تعالى وانه لم يزال متكلما يقول ما شاء ويتكلم بما شاء وانه عليم حكيم وفيه ان العبد اذا خفيت عليه حكمة الله في بعض المخلوقات والمأمورات فالواجب عليه التسليم واتهام عقله والاقرار لله هذي حكمة وفيه اعتناء الله بشأن الملائكة واحسانه بهم بتعليمهم ما جهلوا وتنبيههم على ما لم يعلمون وفيه فضيلة علم من وجوه منها ان الله تعرف لملائكته بعلمه وحكمته ومنها ان الله عرفهم فضل ادم بالعلم وانه افضل صفة تكون في العبد. ومنها ان الله امرهم بالسجود لادم اكراما له لما بان فضل علمه ومنها ان الامتحان للغير اذا عجزوا عن ما امتحنوا به ثم عرفهم صاحب الفضيلة فهو اكمل مما ابتداء ومنها الاعتبار بحال ابوي الانس والجن وبيان فضل ادم وافضال الله عليه وعداوة ابليس له الى غير ذلك من وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين. والى الحلقة القادمة غدا ان شاء الله. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته