اعوذ بالله من الشيطان الرجيم. واذ قلنا ادخلوا هذه القرية فكلوا منها حيث شئتم رغدا. وادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم. وسنزيد فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم فانزلنا على الذين ظلموا رجزا من السماء فانزلنا على الذين ظلموا رجزا من ما كانوا يفسقون. واذ استسقى موسى لقومه قد علم كل اناس مشربهم فاشربوا من رزق الله ولا تعثوا في الارض مفسدين قلتم يا موسى لن نصبر على طعام واحد فادعوا لنا يخرج لنا مما تنبت الارض. فادعوا لنا ربك يخرج لنا مما الارض من بقرها وبصرها يبذلون الذي هو ادنى بالذي هو خير. اهبطوا مصر وضربت عليهم الذلة المسكنة وباء بغضب من الله. ذلك بايات الله ويقتلون النبي بغير الحق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون ان الذين امنوا والذين هادوا والنصارى من امن بالله واليوم الاخر فلهم اجرهم عند ربهم. ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون بسم الله الرحمن الرحيم. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته يقول الله سبحانه اذ قلنا ادخلوا هذه القرية فكلوا منها حيث شئتم ردا. الاية هذا ايضا من نعمة عليهم بعد معصيتهم اياه فامرهم بدخول قرية تكون لهم عزا ووطنا ومسكن يحصل لهم فيها الرزق الرغد وان يكون دخولهم على وجه خاضع لله فيه بالفعل وهو دخول الباب سجد اي خاضعين ذليلين. وبالقول وهو ان يقولوا حطة اي ان يحط عنهم خطاياه بسؤالهم اياه مغفرته. يغفر لكم خطاياكم لسؤالكم المغفرة. وسنزيد المحسنين باعمالهم اي جزاء عاجلا واجلا. فبدل الذين ظلموا منهم ولم يقل فبدلوا. لانهم لم يكونوا كلهم بدلوا قولا غير الذي قيل لهم فقالوا بدل حطة حبة في حنطة استهانة بامر الله واستهزاء. واذا بدلوا قول مع خفته فتبديلهم للفعل من باب اولى واحرى. ولهذا دخلوا يزحفون على ادبارهم ولما كان هذا الطغيان اكبر سبب لوقوع عقوبة الله بهم قال فانزلنا على الذين ظلموا منهم رجزا اي عذاب من السماء بما كانوا يفسقون بسبب فسقهم وبغيهم استسقى اي طلب لهم ماء يشربون منه. فقلنا اضرب بعصاك الحجر اما حجر مخصوص معلوم عنده واما اسم جنس كم انفجرت منه اثنتا عشرة عينا وقبائل بني اسرائيل اثنتا عشرة قبيلة. قد علم كل اناس مشربهم اي محلهم الذي يشربون عليه من هذه الاعين فلا يزاحم بعضهم بعضا. بل يشربون متهنئين لا متكدرين. ولهذا قال كلوا واشربوا من رزق الله. اي الذي اتاكم من غير سعي ولا تعب ولا تعثوا في ارض اي تخربوا على وجه الافساد اي واذكروا اذ قلتم لموسى على وجه التملل لنعم الله والاحتقار لها. لن نصبر على طعام واحد اي جنس من الطعام وان كان كما تقدم انواعا ولكنها لا تتغير فادعونا ربك يخرج لنا مما تنبت الارض من بقلها. اي نباتها الذي ليس بشجر يقوم على ساقه. وقثائها وهو الخيار وفومها اي ثومها وعدسها وبصلها والعدس والبصل معروف. قال لهم موسى اتستبدلون الذي هو ادنى وهو الاطعمة المذكورة بالذي هو خير وهو المن والسلوى فهذا غير لائق بكم. فان هذه الاطعمة التي اي مصر هبطتموه وجدتموها. واما طعامكم الذي من الله به عليكم فهو خير الاطعمة واشرفها. فكيف به بدلا ولما كان الذي جرى منهم فيه اكبر دليل على قلة صبرهم واحتقارهم لاوامر الله ونعمه جازاهم من جنس عملهم قال وضربت عليهم الذلة التي تشاهد على ظهر ابدانهم والمسكنة لقلوبهم فلم تكن انفسهم عزيزة ولا لهم همم عالية بل انفسهم انفس مهينة وهممهم اردى الهمم وباءوا بغضب من الله. اي لم تكن غنيمتهم التي رجعوا بها وفازوا الا ان رجعوا بسخطه عليهم. فبئست الغنيمة غنيمتهم وبئست الحالة حالتهم. ذلك الذي استحقوا به غضبه لانهم كانوا يكفرون بايات الله الدالة على الحق الموضحة له. فلما كفروا بها عاقبهم بغضبه عليهم. وبما كانوا يقتلون النبيين بغير حق وقوله بغير حق زيادة شناعة والا فمن المعلوم ان قتل النبيين لا يكون بحق لكن لئلا يظن جهلهم عدم علمهم ذلك بما عصوا ليرتكبوا معاصي الله وكانوا يعتدون على عباد الله فان المعاصي يجر بعضها بعضا. فالغفلة ينشأ عنها الذنب الصغير. ثم ينشأ عنه الذنب الكبير. ثم ينشأ عنها انواع البدع والكفر غير ذلك فنسأل الله العافية من كل بلاء واعلم ان الخطاب في هذه الايات لامة بني اسرائيل الذين كانوا موجودين وقت نزول القرآن. وهذه الافعال المذكورة خوطبوا بها وهي فعل اسلافهم. ونسبت لهم لفوائد عديدة. منها انهم كانوا يتمدحون ويزكون انفسهم ويزعمون فضلهم على محمد ومن امن به. فبين الله من احوال سلفهم التي قد تقرت عندهم ما يبين لكل واحد منهم انهم ليسوا من اهل الصبر ومكارم الاخلاق ومعالي الاعمال. فاذا كانت هذه حالة سلفهم مع ان المظنة انهم اولى وارفعوا حالة ممن بعدهم فكيف الظن بالمخاطبين ومنها ان نعمة الله على متقدم منهم نعمة واصلة الى المتأخرين والنعمة على الاباء نعمة على الابناء بها لانها نعم تشملهم وتعمهم. ومنها ان الخطاب لهم بافعال غيرهم مما يدل على ان الامة المجتمعة على دين تتكافل وتتساعد على مصالحها وحتى حتى كأن متقدمهم تأخرهم في وقت واحد. وكأن الحادث من بعضهم حادثا من الجميع. لان ما يعمله بعضهم من الخير يعود لمصلحة الجميع. وما يعمله من الشر يعود بضرر الجميع. ومنها ان افعالهم اكثرهم لم ينكرها. والراضي بالمعصية شريك للعاصي. الى غير ذلك من حكم التي لا يعلمها الا الله. ثم قال تعالى حاكما بين الفرق الكتابية. ان الذين امنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من امن بالله واليوم الاخر وعمل صالحا فلهم اجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون وهذا الحكم على اهل الكتاب خاصة لان الصابئين الصحيح انهم من جملة فرق النصارى. اخبر الله ان المؤمنين من هذه الامة واليهود والنصارى والصابئين من امن بالله واليوم الاخر وصدقوا رسلهم فان لهم الاجر العظيم والامن ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون واما من كفر منهم بالله ورسله واليوم الاخر فهو بضد هذه الحال فعليه الخوف والحزن. والصحيح ان هذا الحكم بين هذه الطوائف من حيث هم لا بالنسبة للايمان بمحمد. فان هذا اخبار عنهم قبل بعثة محمد صلى الله عليه وسلم وان هذا مضمون احوالهم وهذه طريقة القرآن اذا وقع في بعض النفوس عند سياق الايات بعض الاوهام فلابد ان تجد ما يزيل ذلك الوهم لانه تنزيل ممن يعلم الاشياء قبل وجودها ومن رحمته وسعت كل شيء. وذلك والله اعلم انه لما ذكر بني اسرائيل وذمهم وذكر معاصيهم وقبائحهم ربما وقع في بعض النفوس انهم كلهم يشملهم الذم اراد الباري تعالى ان يبين من لا يلحقه الذم منهم بوصفه. ولما كان ايضا ذكر بني اسرائيل خاصة يوهم الاختصاص ذكر تعالى حكما عاما يشمل الطوائف كلها يتضح الحق ويزول التوهم والاشكال. فسبحان من اودع في كتابه ما يبهر عقول العالمين. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين. الى حلقة قادمة غدا ان شاء الله. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته