كما ان الاسلام وسط بين الاديان فان اهل السنة وسط بين الفرق الاسلامية. وكما ان الاسلام قاض وحاكم ومهيمن على سائر الاديان فكذلك منهج الصحابة والفرقة الناجية حاكم على طوائف الاسلام اما الدليل الخامس على فطرية الاسلام او على الحقيقة الشرعية للفطرة فحديث عياض ابن حمار المجاشعي رضي الله عنه. عن النبي صلى الله عليه واله وسلم قال الا ان ربي امرني ان اعلمكم ما جهلتم مما علمني يومي هذا كل مال نحلته عبدا حلال واني خلقت عبادي حنفاء كلهم وانهم اتتهم الشياطين قتالتهم عن دينهم وحرمت عليهم ما احللت لهم وامرتهم ان يشركوا بي ما لم انزل به سلطانا. قوله صلى الله عليه واله وسلم. الا ان ربي امرني ان اعلمكم ما جهلتم يعني اعلمكم مما علمني وهو ما تجهلونه انتم يومي هذا اليوم. كل مال نحلته اي اعطيته عبدا حلال واني خلقت عبادي حنفاء كلهم. هذا هو الشاهد واني خلقت عبادي حنفاء كلهم فهذا هو الاصل الفطرة ثم الفساد على الفترة يطرأ عليها بتأثير البيئة الابوين او الشياطين واني خلقت عبادي حنفاء كلهم وانهم اتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم. وحرمت عليهم ما احللت لهم وامرتهم ان يشركوا فيما لم انزل به سلطانا. قوله عز وجل واني خلقت عبادي حنفاء كلهم حنفاء جمع حنيف يقول ابن عبدالبر رحمه الله والحنيف في كلام العرب المستقيم المخلص ولا استقامة اكثر من الاسلام وقد روي عن الحسن قال الحنيفية حج البيت كذلك روي عن الضحاك والسدي حنفاء حجاجا وعن مجاهد وحنفاء قال متبعين. وهذا كله يدلك على ان الحنيفية الاسلام يقول ابو البقاء اذا ذكر الحنيف مع المسلم اذا ذكرت صفة الحنيف بجوار كلمة المسلم فتفسر على انه الحاج كقوله تعالى في حق ابراهيم عليه السلام ولكن كان حنيفا مسلما. فهنا تفسر حنيف يعني على الحج انه كان يحج. اما اذا ذكر الحنيف وحده فهو المسلم. كقوله تعالى فاقم وجهك للدين حنيفا يعني مسلما. وقال اكثر العلماء الحنيف المخلص وقال الله عز وجل ما كان ابراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما اي مخلصا. وقال تعالى فابيكم ابراهيم هو سماكم المسلمين من قبل. في احدى روايات هذا الحديث الا احدثكم بما حدثني الله في الكتاب ان الله خلق ادم وبنيه حنفاء مسلمين. حنفاء مسلمين. وقال الشاعر وهذا الشاعر هو الراعي النميري في قصيدة انشدها لعبد الملك ابن مروان يشكو فيها من بعض عماله يقول اخليفة الرحمن انا معشر حنفاء نسجد بكرة واصيلا. عرب نرى لله في اموالنا حق الزكاة منزلا تنزيلا اخليفة الرحمن انا معشر حنفاء اه مسلمين حنفاء نسجد بكرة واصيلا. عرب نرى لله في اموالنا حق الزكاة منزلا تنزيلا. فهذا وصف للحنيفية بالاسلام وهذا امر واضح لا خفاء به. وقيل الحنيف من كان على دين ابراهيم عليه السلام ثم سمي من كان يختتم ويحج البيت في الجاهلية حنيفا والحنيف اليوم المسلم ويقال انما سمي ابراهيم حنيفا لانه كان حنف عما كان يعبد ابوه وقومه من الالهة الى عبادة الله. اي عن ذلك ومال واصل الحنف ميل من ابهامي القدمين كل واحدة منهما على صاحبها فالحنف هو ما يسمى في الطب او اللي هي ابهام القدمين يميلان الى بعضهما كل واحد منهما على صاحبها وقالت ام المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها وكان صلى الله عليه وسلم يخلو بغار حراء فيتحنث فيه وهو التعبد الليالي ذوات العدد. قولها رضي الله عنها فيتحنث فيه فيتحنث فيه. قال الحافظ يتحنث بمعنى يتحنف بالفاء يعني يتبع الحنيفية دين ابراهيم. يعني الرسول عليه الصلاة والسلام كان يتعبد في غار حراء على شريعة او على دين ابراهيم عليه السلام والفاء تبدل ثاء في كثير من كلام العرب. الفاء آآ تعتور آآ مع الايه؟ الثاء. الفاء والثاء. تبدل يقول ابن هشام تقول العرب التحنس والتحنف يريدون الحنيفية فيبدلون الفاء من الثاء. كما قالوا جدف وجدف يريدون القبر كما قال رؤبة ابن العجاج لو كان احجاري مع الاجداث مع الاجداف يعني الاجداث وهي قبور وقال ابن فارس الحنيف المائل الى الدين المستقيم. قال الله تعالى ولكن كان حنيفا مسلما. وقال الزمخشري قد تحنف الى شيئي اذا مال اليه. ومنه قيل لمن مال عن كل دين اعوج هو حنيف ويقال له للدين الصحيح دين حنيف وتحنف فلان اذا اسلم وقال ابن عاشور رحمه الله قوله حنيفا الحنف هو الميل وغلب استعمال هذا الوصف في الميل عن الباطل اي العدول عنه بالتوجه الى الحق. اي عادلا ومنقطعا عن الشرك. كقوله تعالى قل بل ملة ابراهيم حنيفا وما كان من المشركين اما امام المفسرين وشيخهم ابن جرير الطبري رحمه الله تعالى فذكر اختلاف اهل التأويل في تفسير الحنيف ثم قال رحمه الله الحنيف عندي. كثير من العلماء يفسرون الحنيف بانه المائل عن الاديان الى الاسلام لكن من المحققين من يقول ان الحنف هو الاستقامة والتوجه. وهذا ما يفهم هنا من كلام آآ ابن جرير. يقول والحنيف عندي هو الاستقامة على دين ابراهيم واتباعه على ملته وذلك ان الحنيفية لو كانت حج البيت لوجب ان يكون الذين كانوا يحجونه في الجاهلية من اهل الشرك انهم كانوا حنفاء وقد نفى الله جل ثناؤه ان يكون ذلك تحنفا بقوله ولكن كان حنيفا مسلما. وما كان من المشركين وكذلك القول في الختان لان الحنيفية لو كانت هي الختان لوجب ان يكون اليهود حنفاء. وقد اخرجهم الله من ذلك بقوله ما كان ابراهيم يهودي ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما. فقد صح اذا ان الحنيفية ليست الختان وحده ولا حج البيت وحده ولكنه هو ما وصفنا من الاستقامة على ملة ابراهيم واتباعه عليها والائتمام به فيها. فان قال قائل اوما كان من كان قبل ابراهيم عليه السلام من الانبياء واتباعهم مستقيمين على ما امروا به من طاعة الله. استقامة ابراهيم واتباعه؟ قيل بلى فان قال قائل فكيف اضيف الحنيفية الى ابراهيم واتباعه على ملته خاصة دون سائر الانبياء قبله واتباعهم. لماذا الحنيفية هي ملة ابراهيم بالذات؟ مع ان الانبياء واتباعهم قبله عليه السلام كانوا آآ مستقيمين على دين الله قيل ان كل من كان قبل ابراهيم من الانبياء كان حنيفا متبعا طاعة الله ولكن الله تعالى ذكره لم يجعل احدا منهم اماما لمن بعده من عباده الى قيام الساعة كالذي فعل من ذلك بابراهيم فجعله اماما فيما بينه من مناسك الحج والختام وغير ذلك من شرائع الاسلام. يقتدى به ابدا الى قيام الساعة وجعل ما سن من ذلك علما مميزا بين مؤمني عباده وكفارهم. والمطيع منهم له والعاصي فسمي الحنيف من الناس حنيفا باتباعه ملته واستقامته على هديه ومنهاجه وسمي الضال عن ملته بسائر اسماء الملل فقيل يهودي ونصراني ومجوسي وغير ذلك من صنوف الملل واما قوله وما كان من المشركين فانه يقول انه لم يكن ممن يدين بعبادة الاوثان والاصنام ولا اكان من اليهود ولا من النصارى بل كان حنيفا مسلما ومن العلماء من ذهب الى ان اصل الحنف في لغة العرب ليس هو الميل ولكن الاستقامة والسلامة قال الامام ابن عبدالبر رحمه الله الفطرة السلامة والاستقامة بدليل حديث عياض بن حمار عن النبي صلى الله عليه وسلم حاكان عن ربه عز وجل اني خلقت عبادي حنفاء يعني على استقامة وسلامة. والحنيف في كلام العرب المستقيم السالم وانما قيل للاعرج احنف على جهة الفأل كما قيل للقفر مفازا وفي الحديث انهم مروا بماء فيه سليم فقالوا هل فيكم من راق؟ قال ابن الاثير رحمه الله السليم اللديغ. يقال سلامته الحية اي لدغته وقيل انما سمي سليما تفاؤلا بالسلامة كما قيل للفلات المهلكة مفازة فتفاؤلا بالنجاة منها وقال ابن القيم رحمه الله تعالى والحنيف المقبل على الله تعالى المعرض عما سواه. ومن فسره بالمائل فلم يفسره بنفس موضوع اللفظ. وانما فسر بلازم المعنى. فان الحنف هو الاقبال ومن اقبل على شيء مال عن غيره والحنف في الرجلين هو اقبال احداهما على الاخرى. ويلزمه ميلها عن جهتها ومما يبين هذا المعنى من الحديث ايضا ان الله تعالى اخبر ان الشياطين قد صرفت الناس عن مقتضى الخلقة التي خلق الله الناس عليها الى الشرك فدل ذلك على ان الشياطين قد اخرجتهم واجتالتهم عن مقتضى الفطرة الى ما ايناقض مقتضاها وهو الشرك ولذلك سمى الله ما كانوا عليه قبل صرف الشياطين لهم عنه دينا ولو كانوا قبل اغواء الشياطين لهم على خلقة لا تقتضي ان يكونوا موحدين لم توصف بهذا الوصف. ولم يكن لاجتيال الشياطين لهم حينئذ معناه ولهذا لم يذكر في الحديث الا ما يمنع من تحقق مقتضى الفطرة وهو اجتيال الشياطين للناس وامرهم اياهم بالشرك. فدل على ان الخلقة التي خلقوا عليها مقتضية للتوحيد ما لم يمنع من تحقق كوقي ذلك المقتضى مانع وهذا هو المقصود بفطرية التوحيد يقول الامام ابن القيم رحمه الله تعالى فاخبر ان تغيير الفطرة التي خلقوا عليها بامر طارئ من جهة الشيطان ولو كان الكفار منهم مفطورين على الكفر لقال تعالى اني خلقت عبادي مشركين فاتتهم الرسل فاقتطعتهم عن ذلك فكيف وقد قال عز وجل خلقت عبادي حنفاء كلهم. فهذا القول اصح الاقوال والله اعلم آآ هذا القول يشير الى ما دل عليه القرآن والسنة آآ انهم ولدوا حنفاء على فطرة تقتضي الاسلام فالحنيف كما اه يقول الامام ابن القيم رحمه الله تعالى ايضا الحنيف المقبل على الله ويلزم هذا المعنى ميله عن سواه فالميل لازم معنى الحنف لا انه موضوعه لغة فاذا المعنى الوضعي لكلمة الحنيف هي الاقبال وليست الميل انما الميل لازم الاقبال لان من اقبل على شيء يلزم منه تحوله عنه وميله عن غيره فحاصلوا معنا هذا الحديث ان الله قد خلق عباده خلقة مقتضية للتوحيد وانهم لو استمروا عليها دون صارف يصرفهم عنها لكانوا حنفاء موحدين لكن الشياطين صرفتهم عن مقتضى تلك الخلقة الى الشرك فاخبار الله تعالى انه خلق عباده حنفاء يدل على انه خلقهم على ما يقتضي ان يكونوا موحدين لان حنيفة في اللغة وفي نصوص الكتاب والسنة هو المائل عن الشرك الى التوحيد او هو السالم المستقيم. واما النصوص الدالة على ان الحنيف بمعنى المسلم الموحد كثيرة منها قوله تعالى وما امروا الا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء اي يعني مسلمين. ومنها قوله تعالى ما كان ابراهيم ويهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين. وقال تعالى فاتبعوا ملة ابراهيم وما كان من المشركين وقال تعالى وان اقم وجهك للدين حنيفا ولا تكونن من المشركين. وقال عز وجل ومن احسن دينا ممن وجهه لله وهو محسن واتبع ملة ابراهيم حنيفا. وقال عز وجل اني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والارض حنيفا وقال تعالى قل انني هداني ربي الى صراط مستقيم دينا قيما ملة ابراهيم حنيفا. وقال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم اني لم ابعث باليهودية ولا بالنصرانية. ولكني بعثت الحنيفية السمحة. وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال قيل يا رسول الله اي الاديان احب الى الله؟ قال قال الحنيفية السمحة وعن ابي ابن كعب رضي الله تعالى عنه ان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قال ان الله امرني ان اقرأ عليك القرآن فقرأ عليه لم يكن الذين كفروا وفيها ان ذات الدين عند الله الحنيفية المسلمة لا اليهودية ولا النصرانية ولا المجوسية من يعمل خيرا فلن يكفره وهذا اخرجه الترمذي وقال هذا حديث حسن صحيح وجود اسناده الحافظ في الفتح وحسنه الالباني رحمه الله تعالى آآ وعليه فيكون هذا مما نسخ لفظه لكن معناه صحيح في الدين بجملته. اقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم. سبحانك اللهم ربنا اشهد ان لا اله الا انت استغفرك واتوب اليك