المنافع ويدفع المضار في عبده وحده لا شريك له ويستعينه على عبادته انا ام من ربكم عظيم. وان فرقنا بكم البحر فانجيناكم ما اغرقنا الف ثم اتخذتم العجل من بعد ثم شرع تعالى يذكر بني اسرائيل نعمه عليهم واحسانه. فقال واياي فارهبون. يا بني اسرائيل المراد باسرائيل يعقوب عليه السلام والخطاب مع فرق بني اسرائيل الذين بالمدينة وما حولها ويدخل فيهم من اتى من بعدهم فامرهم فقال اذكروا نعمتي التي انعمت عليكم وهو يشمل سائر النعم التي سيذكر في هذه السورة بعضها. والمراد بذكرها بالقلب اعتراف وباللسان ثناء وبالجوارح باستعمالها فيما يحبه ويرضيه. واوفوا بعهدي وهو ما عهده اليه من الايمان به وبرسله واقامة شرعه او في بعهدكم وهو المجازاة على ذلك. والمراد بذلك ما ذكره الله في قوله. ولقد اخذ الله ميثاق بني اسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا. وقال الله اني معكم لئن اقمتم الصلاة واتيتم الزكاة وامنتم برسلي. الى قوله فقد ضل سواء السبيل ثم امرهم بالسبب الحامل لهم على الوفاء بعهده. وهو الرهبة منه تعالى وخشيته وحده. فان من خشيه اوجبت له خشيته وامتثال امره واجتناب نهيه. ثم امرهم بالامر الخاص الذي لا يتم ايمانهم ولا يصح الا به. فقال وامنوا بما ولا تشتروا باياته ثمنا وامنوا بما انزلت وهو القرآن الذي انزله على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه عليه وسلم فامرهم بالايمان به واتباعه ويستلزم ذلك الايمان بمن انزل عليه. وذكر الداعية لايمانهم به. فقال مصدقا لما معكم اي موافقا له لا مخالفا ولا مناقضا. فاذا كان موافقا لما معكم من الكتب غير مخالف لها فلا مانع لكم من الايمان به لانه جاء بما جاءت به المرسلون. فانتم اولى من امن به وصدق به. لكونكم اهل الكتب والعلم. وايضا فان في قوله مصدقا لما اشارة الى انكم ان لم تؤمنوا به عاد ذلك عليكم بتكذيب ما معكم. لان ما جاء به هو الذي جاء به موسى وعيسى وغيرهما من الانبياء فتكذيبكم له تكذيب لما معكم. وايضا فان في الكتب التي بايديكم صفة هذا النبي الذي جاء بهذا القرآن والبشارة به فان لم تؤمنوا به كذبتم ببعض ما انزل اليكم. ومن كذب ببعض ما انزل اليه فقد كذب بجميعه. كما ان من كفر برسول فقد كذب الرسل جميعا فلما امرهم بالايمان به نهاهم وحذرهم من ضده وهو الكفر به. فقال ولا تكونوا اول كافر به. اي بالرسول القرآن وفي قوله اول كافر به ابلغ من قوله ولا تكفروا به. لانهم اذا كانوا اول كافر به كان فيه مبادرتهم الى الكفر به عكس ما ينبغي منهم وصار عليهم اثمهم واثم من اقتدى بهم من بعدهم. ثم ذكر المانع له من الايمان وهو اختيار العرض الادنى على السعادة الابدية فقال ولا تشتروا باياتي ثمن قليلا. وهو ما يحصل له من المناصب والمآكل. التي يتوهمون انقطاعها ان امنوا بالله ورسوله بايات الله واستحبوها واثروها. واياي اي لا غيري فاتقون. فانكم اذا اتقيتم الله وحده اوجبت لكم تقواه وتقديم الايمان باياته على الثمن القليل. كما انكم اذا اخترتم الثمن القليل فهو دليل على ترحل التقوى من قلوبكم. ثم قال ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وانتم تعلمون ولا تلبسوا اي تخلطوا الحق بالباطل وتكتم الحق. فنهاهم عن شيئين عن خلط الحق بالباطل. وكتمان بيان الحق. لان المقصود من اهل الكتب والعلم تمييز الحق من الباطل واظهار الحق. ليهتدي بذلك المهتدون ويرجع الضالون. وتقوم الحجة على المعاندين. لان الله فصل اياته واوضح بيناته ليميز الحق من الباطل. ولتستبين سبيل المهتدين من سبيل المجرمين. فمن عمل بهذا من اهل العلم فهو من خلفاء الرسل وهداة الامم. ومن لبس الحق بالباطل فلم يميز هذا من هذا مع علمه بذلك. وكتم الحق الذي يعلمه وامر باظهاره. فهو من النافع ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل. هذا نفي للنفع الذي يطلب ممن يملكه بعوض كالعدل. او بغيره كالشفاعة فهذا يوجب للعبد ان ينقطع قلبه من التعلق بالمخلوقين. لعلمه انهم لا يملكون له مثقال ذرة من النفع. وان يعلقه بالله الذي في جهنم لان الناس لا يقتدون في امر دينهم بغير علمائهم. فاختاروا لانفسكم احدى الحالتين. ثم قال سوءات الزكاة واركعوا مع الراكعين واقيموا الصلاة اي ظاهرا وباطنا. واتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين. اي صلوا مع المصلين. فانكم اذا فعلتم ذلك مع الايمان برسل الله وايات الله. فقد جمعتم بين الاعمال الظاهرة والباطنة وبين الاخلاص للمعبود والاحسان الى عبيده. وبين العبادات القلبية والبدنية والمالية. وقوله اركعوا مع الراكعين اي صلوا مع المصلين. ففيه الامر بالجماعة للصلاة ووجوبها. وفيه ان الركوع ركن من اركان الصلاة. لانه عبر عن الصلاة بالركوع والتعبير عن العبادة بجزئها يدل على فرضيته فيها انفسكم وانتم تتلون الكتاب افلا تعقلون. اتأمرون الناس بالبر؟ اي بالايمان والخير؟ وتنسون انفسكم اي تتركونها عن امرها بذلك. والحال وانتم تتلون الكتاب. افلا تعقلون. واسمى العقل عقلا لانه يعقل بهما ما ينفعه من الخير وينعقل به عما يضره. وذلك ان العقل يحث صاحبه ان يكون اول فاعل لما يأمر به. واول تارك لما ينهى عنه من امر غيره بالخير ولم يفعله او نهاه عن الشر فلم يتركه دل على عدم عقله وجهله خصوصا اذا كان عالما بذلك قد قامت عليه الحجة وهذه الاية وان كانت نزلت في سبب بني اسرائيل فهي عامة لكل احد. لقوله تعالى يا ايها الذين امنوا لما تقولون ما لا تفعلون كبر مقت عند الله ان تقولوا ما لا تفعلون. وليس في الاية ان الانسان اذا لم يقم بما امر به انه يترك الامر بالمعروف والنهي عن المنكر لانها دلت على التوبيخ بالنسبة الى الواجبين. والا فمن المعلوم ان على الانسان واجبين امر غيره ونهيه وامر نفسه ونهيها فترك احدهما لا يكون رخصة في ترك الاخر. فان الكمال ان يقوم الانسان بالواجبين. والنقص الكامل ان يتركهما. واما قيامه باحدهما الاخر فليس في رتبة الاول وهو دون الاخير. وايضا فان النفوس مجبولة على عدم الانقياد لمن يخالف قوله فعله. فاقتداؤهم افعال ابلغ من اقتدائهم بالاقوال المجردة الا على الخاشعين. امرهم الله ان يستعينوا في امورهم كلها بالصبر بجميع انواعه. وهو الصبر على طاعة الله حتى يؤديها والصبر عن معصية الله حتى يتركها. والصبر على اقدار الله المؤلمة فلا يتسخطها. فبالصبر وحبس النفس على ما امر الله بالصبر عليه معونة عظيمة على كل امر من الامور. ومن يتصبر يصبره الله. وكذلك الصلاة التي هي ميزان الايمان. وتنهى عن الفحشاء والمنكر يستعان بها على كل امر من الامور. وانها اي الصلاة لكبيرة اي شاقة الا على الخاشعين. فانها سهلة عليهم خفيفة لان الخشوع وخشية الله ورجاء ما عنده. يوجب له فعلها منشرحا صدره لترقبه للثواب. وخشيته من العقاب. بخلاف في من لم يكن كذلك فانه لا داعي له يدعوه اليها. واذا فعلها صارت من اثقل الاشياء عليه. والخشوع هو خضوع القلب وطمأنينة وسكونه لله تعالى. وانكساره بين يديه ذلا وافتقارا. وايمانا به وبلقائه. ولهذا قال وانهم اليه راجعون. الذين يظنون يستيقنون انهم ملاقوا ربهم فيجازيهم باعمالهم وانهم اليه راجعون. فهذا الذي خفف عليهم العبادات واوجب لهم التسلية في المصيبات ونفس عنهم الكربات وزجرهم عن فعل السيئات. فهؤلاء لهم النعيم المقيم في الغرفات العاليات. واما من لم يؤمن بلقاء ربه كانت الصلاة غيرها من العبادات من اشق شيء عليه. يا بني اسرائيل اذكروا نعمتي التي انعمت ثم كرر على بني اسرائيل التذكير بنعمته وعظا لهم وتحذيرا وحثا واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفسي شيئا ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل ولا هم ينصرون. وخوفهم بيوم القيامة الذي لا تجزي فيه. اي لا تغني نفس ولو كانت من الانفس الكريمة كالانبياء والصالحين عن نفس ولو كانت من العشيرة والاقربين شيئا لا كبيرا ولا صغيرا. وانما ينفع الانسان عمله الذي قدمه ولا يقبل منها اي النفس. شفاعة لاحد بدون اذن الله ورضاه عن المشفوع له. ولا يرضى من العمل الا ما اريد به وجهه وكان على السبيل والسنة. ولا يؤخذ منها عدل اي فداء ولو ان للذين ظلموا ما في الارض جميعا ومثله معه اقتدوا به من سوء العذاب. ولا يقبل منهم ذلك ولا هم ينصرون. ان يدفع عنهم المكروه فنفى الانتفاع من الخلق بوجه من الوجوه لا تجزي نفس عن نفس شيئا هذا في تحصيل المنافع. ولا هم ينصرون هذا في دفع المضار. فهذا النفي للامر المستقل اتينا موسى الكتاب والفرقان لعلكم تهتدون. وان قال موسى لقومه يا قوم انكم ظلمتم انفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا الى بارئكم. فتوبوا الى بارئكم فاقتلوا ذلكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم انه هو التواب الرحيم هذا شروع في تعداد نعمه على بني اسرائيل على وجه التفصيل. فقال واذ نجيناكم من ال فرعون اي من فرعون وملأه وجنوده. وكان قبل ذلك يصومونكم ايولونهم ويستعملونهم سوء العذاب اي اشده بان كانوا يذبحون ابناءكم خشية نموكم ويستحيون نسائكم اي فلا يقتلونهن فانتم بين قتيل ومذلل بالاعمال الشاقة. مستحيا على وجه المنة عليه والاستعلاء عليه فهذا غاية الاهانة. فمن الله عليهم بالنجاة التامة واغراق عدوهم وهم ينظرون لتقرء اعينهم. وفي ذلكم اي الانجاء بلى اي احسان من ربكم عظيم. فهذا مما يوجب عليكم الشكر والقيام باوامره. ثم ذكر منته عليهم بوعده لموسى اربعين ليلة لينزل عليه التوراة المتضمنة للنعم العظيمة والمصالح العميمة. ثم انهم لم يصبروا قبل استكمال الميعاد. حتى عبدوا العجل من بعده. اي ذهابه وانتم ظالمون عالمون بظلمكم قد قامت عليكم الحجة فهو اعظم جرما واكبر اثما. ثم انه امركم بالتوبة على كان نبيه موسى بان يقتل بعضكم بعضا. فعفا الله عنكم بسبب ذلك. لعلكم تشكرون الله. وان قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهره. فاخذتكم الصاعقة وانتم تنظرون. واذ قلتم يا موسى نؤمن لك حتى نرى الله جهره. وهذا غاية الظلم والجراءة على الله وعلى رسوله. فاخذتكم الصاعقة اما الموت او الغشية العظيمة وانتم تنظرون وقوع ذلك. كل ينظر الى صاحبه ثم ذكر نعمته عليهم في التيه والبرية الخالية من الظلال وسعة الارزاق. فقال انزلنا عليكم المن والسلوى. وضللنا عليكم الغمام وانزلنا عليكم المن. وهو اسم جامع لكل رزق حسن يحصل بلا تعب ومنه الزنجبيل والكمأة والخبز وغير ذلك. والسلوى طائر صغير يقال له السماني. طيب اللحم فكان ينزل عليهم من المن والسلوى ما يكفيهم ويقيتهم. كلوا من طيبات ما رزقناكم وما ظلمونا ولا كلوا من طيبات ما رزقناكم اي رزقا لا يحصل نظيره لاهل المدن المترفهين فلم يشكروا هذه النعم واستمروا على قساوة القلوب وكثرة الذنوب وما ظلمونا يعني بتلك الافعال المخالفة لاوامرنا لان الله لا تضره معصية العاصين. كما لا تنفعه طاعات الطائعين. ولكن كانوا انفسهم يظلمون. فيعود ضررهم وعليهم وهذا ايضا من نعمته عليهم بعد معصيتهم اياه فامرهم بدخول قرية تكون لهم عزا ووطن وسكنا. ويحصل لهم فيها الرزق الرغد. وان يكون دخولهم على وجه الخاضعين لله فيه بالفعل وهو دخول الباب سجدا. اي خاضعين ذليلين. وبالقول وهو ان يقولوا حطة. اي ان يحط عنهم خطاياهم بسؤالهم اياه مغفرته نغفر لكم خطاياكم بسؤالكم المغفرة. وسنزيد المحسنين باعمالهم. اي جزاء عاجلا واجلا اعلموا قولا غير الذي قيل لهم فانزلنا على الذين ظلموا رجزا من السماء فبدل الذين ظلموا منهم ولم يقل فبدلوا لانهم لم يكونوا كلهم بدلوا قولا غير الذي قيل لهم فقالوا بدل حطة. حبة في حنطة استهانة بامر الله واستهزاء. واذا بدلوا القول مع خفته للفعل من باب اولى واحرى. ولهذا دخلوا يزحفون على ادبارهم. ولما كان هذا الطغيان اكبر سبب لوقوع عقوبة الله بهم. قال فانزلنا على الذين ظلموا منهم رجزا اي عذابا من السماء بسبب فسقهم وبغيهم