واذ قال موسى لقومه ان الله يأمركم ان تذبحوا بقرة قالوا اتتخذنا هزوا قال اعوذ بالله ان اكون من الجاهلين. اي واذكروا ما جرى لكم مع موسى حين قتلتم قتيلا والدار فيه اي تدافعتم واختلفتم في قاتله حتى تفاقم الامر بينكم. وكاد لولا تبيين الله لكم يحدث بينكم شر كبير. فقال لكم موسى في تبيين القاتل اذبحوا بقرة. وكان من الواجب المبادرة الى امتثال امره وعدم الاعتراض عليه. ولكنهم ابوا الا الاعتراض فقالوا اتتخذنا هزوا؟ فقال نبي الله ان اكون من الجاهلين. فان اين هو الذي يتكلم بالكلام الذي لا فائدة فيه؟ وهو الذي يستهزئ بالناس. واما العاقل فيرى ان من اكبر العيوب المزرية بالدين والعقل استهزاؤه بمن هو ادمي مثله وان كان قد فضل عليه فتفضيله يقتضي منه الشكر لربه والرحمة لعباده. فلما قال لهم موسى ذلك علموا ان ذلك كصدق فقالوا اي ما سنها قال انه يقول انها بقرة لا فارض. اي ولا بكر اي صغيرة عوان بين ذلك. واترك التشديد والتعنت قال انه اقول انها بقرة صفراء فاقع لونها اي شديد. تسر الناظرين من حسنها. قالوا ادعوا لنا ما هي ان البقرة شابه علينا وانا ان شاء الله لمهتدين قالوا ادعو لنا ربك يبين لنا ما هي ان البقرة شابهة علينا. فلم نهتدي الى ما تريد. وانا ان شاء الله لمهتدون قال مسلمة لا شية فيها قالوا الان جئت بالحق فذبحوها وما كانوا يفعلون قال انه يقول انها بقرة لا ذلول. اي مذللة بالعمل. تثير الارض بالحراثة. ولا تسقي حرف اي ليست بساقية مسلمة من العيوب او من العمل لا شية فيها اي لا لون فيها غير لونها الموصوف المتقدم قالوا الان جئت بالحق فذبحوها وما كانوا يفعلون قالوا الان جئت بالحق اي بالبيان الواضح وهذا من جهلهم. والا فقد جاءهم بالحق اول مرة. فلو انهم اعترضوا اي بقرة لحصل المقصود. ولكنهم شددوا بكثرة الاسئلة فشدد الله عليهم ولو لم يقولوا ان شاء الله لم يهتدوا ايضا اليها فذبحوها اي البقرة التي وصفت بتلك الصفات وما كادوا يفعلون بسبب التعنت الذي جرى منهم وان قتلتم نفسا فادارأتم فيها والله مخرج ما كنتم تكتمون. فقلنا ببعضها كذلك يحشي الله الموتى ويريكم اياته لعلكم تعقلون. فلما ذبحت قلنا لهم اضربوا القتيل ببعضها اي بعضو منها اما معين او اي عضو منها فليس في تعيينه فائدة فضربوهم ببعضها فاحياه الله واخرج ما كانوا يكتمون فاخبر بقاتله وكان في احياءه وهم يشاهدون ما يدل على احياء الله الموتى لعلكم تعقلون فتنزجرون عما يضركم ثم قست قلوبكم اي اشتدت وغلظت فلم تؤثر فيها الموعظة من بعد ذلك اي من بعد ما انعم عليكم بالنعم العظيمة واراكم الايات ولم يكن ينبغي ان تقسو قلوبكم لان ما شاهدتم مما يوجب رقة القلب والقيادة ثم وصف قسوتها بانها حجارة التي هي اشد قسوة من الحديد. لان الحديد والرصاص اذا اذيب في النار ذاب بخلاف الاحجار. وقوله او اشد قسوة اي انها لا تقصر عن قساوة الاحجار وليست او بمعنى بل. ثم ذكر فضيلة الاحجار على قلوبهم فقال ان من الحجارة لما يتفجر منه الانهار. وان منها لما يشقق فيخرج وان منها لما يهبط من خشية الله فبهذه الامور فظلت قلوبكم. ثم توعدهم تعالى اشد الوعيد. فقال وما الله بغافل عما تعملون من هو عالم بها؟ حافظ لصغيرها وكبيرها. وسيجازيكم على ذلك اتم الجزاء واوفاه. واعلم انك كثيرا من المفسرين رحمهم الله قد اكثروا في حشو تفاسيره من قصص بني اسرائيل. ونزلوا عليها الايات القرآنية وجعلوها تفسيرا لكتاب الله محتجين بقوله صلى الله عليه وسلم حدثوا عن بني اسرائيل ولا حرج. والذي ارى انه وان جاز نقل احاديثهم على وجه تكون مفردة غير ولا منزلة على كتاب الله. فانه لا يجوز جعلها تفسيرا لكتاب الله قطعا. اذا لم تصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك ان مرتبتها كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لا تصدقوا بني اسرائيل ولا تكذبوهم. فاذا كان مرتبتها ان تكون مشكوكا فيها كان من المعلوم بالضرورة من دين الاسلام ان القرآن يجب الايمان به والقطع بالفاظه ومعانيه فلا يجوز ان تجعل تلك القصص المنقولة بالروايات المجهولة التي يغلب على الظن كذبها او كذب اكثرها معاني لكتاب الله. مقطوعا بها ولا يستريب بهذا احد. ولكن بسبب عن هذا حصل ما حصل والله الموفق افتطمعون ان يؤمنونكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله هذا قطع لاطماع المؤمنين من ايمان اهل الكتاب اي لا تطمعوا في وحالتهم لا تقتضي الطمع فيهم. فانهم كانوا يحرفون كلام الله من بعد ما عقلوه وعلموه. فيضعون له معاني ما ارادها الله الناس انها من عند الله وما هي من عند الله. فاذا كانت هذه حالهم في كتابهم الذي يرونه شرفهم ودينهم. يصدون به الناس عن سبيل الله فكيف يرجى منهم ايمان لكم؟ فهذا من ابعد الاشياء. ثم ذكر حال منافقي اهل الكتاب فقال واذا خلا بعضهم الى بعض قالوا اتحدثونهم بما فتح الله ليحاجكم بي عند ربكم. افلا تعقلون. واذا لقوا الذين امنوا فنقال امنا فاظهروا لهم الايمان قولا بالسنتهم ما ليس في قلوبهم. واذا خلا بعضهم الى بعض فلم يكن عندهم احد من غير اهل دينهم قال بعضهم لبعض اتحدثونهم بما فتح الله عليكم؟ اي اتظهرون لهم الايمان وتخبرونهم انكم مثلهم؟ فيكون ذلك حجة لهم عليكم يقولون انهم قد اقروا بان ما نحن عليه حق وما هم عليه باطل. فيحتجون عليكم بذلك عند ربكم الا تعقلون اي افلا يكون لكم عقل فتتركون ما هو حجة عليكم؟ هذا يقوله بعضهم لبعض. اولا يعلمون ان الله يعلم ما يسرون وما يعلنون. اولا يعلمون ان الله يعلم ما يسرون ما يعلنون فهم وان اسروا ما يعتقدونه فيما بينهم. وزعموا انهم باصرارهم لا يتطرق عليهم حجة للمؤمنين. فان هذا غلط منهم وجهل كبير فان الله يعلم سرهم وعلنهم. في ظهر لعباده ما انتم عليه. ومنهم فانا اماني وانهم الا يظنون. ومنهم اي من اهل الكتاب اميون اي عوام ليسوا من اهل العلم لا يعلمون الكتاب الا اماني. اي ليس لهم حظ من كتاب الله الا التلاوة فقط. وليس عندهم خبر بما عند الاولين الذين يعلمون حقه المعرفة حالهم. وهؤلاء انما معهم ظنون وتقاليد لاهل العلم منهم. فذكر في هذه الايات علماءهم وعوامهم فيهم ومن لم ينافق منهم فالعلماء منهم متمسكون بما هم عليه من الضلال. والعوام مقلدون لهم لا بصيرة عندهم. فلا مطمع لكم في الطائفتين فويل للذين يكتبون الكتاب بايديهم ثم يقولون هذا من عند الله ان يشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت ايديهم وويل لهم منا لا يكسبون. توعدت على المحرفين للكتاب الذين يقولون لتحريفهم وما يكتبون. هذا من عند الله وهذا فيه اظهار الباطل وكتم الحق. وانما فعلوا ذلك مع علمهم ليشتروا به ثمنا قليلا. والدنيا كلها من اولها الى اخرها ثمن قليل وجعلوا باطلهم شركا يصطادون به ما في ايدي الناس. فظلموهم من وجهين من جهة تلبيس دينهم عليهم. ومن جهة اخذ اموالهم بغير حق. بل لابطال الباطل اعظم ممن يأخذها غصبا وسرقة ونحوهما. ولهذا توعدهم بهذين الامرين. فقال فويل لهم مما كتبت ايديهم اي من التحريف والباطل وويل لهم مما يكسبون من الاموال والويل شدة العذاب والحسرة. وفي ضمنها الوعيد الشديد. قال شيخ الاسلام لما ذكر هذه الايات من قوله افتطمعون الى قوله يكسبون فان الله ذم الذين يحرفون الكلمة عن مواضعه هو متناول لمن حمل الكتاب والسنة على ما اصله من البدع الباطلة. وذم الذين لا يعلمون الكتاب الا اماني. وهو متناول لمن ترك تدبر والقرآن ولم يعلم الا مجرد تلاوة حروفه. ومتناول لمن كتب كتابا بيده مخالفا لكتاب الله. لينال به دنيا. وقال انه من عند الله مثل ان يقول هذا هو الشرع والدين. وهذا معنى الكتاب والسنة. وهذا معقول السلف والائمة. وهذا هو اصول الدين الذي يجب اعتقاده على الاعيان والكفاية ومتناول لمن كتم ما عنده من الكتاب والسنة. لان لا يحتج به مخالفه في الحق الذي يقوله. وهذه امور كثيرة جدا في اهل الاهواء جملة كالرافضة وتفصيلا مثل كثير من المنتسبين الى الفقهاء ذكر افعالهم القبيحة ثم ذكر مع هذا انهم يزكون انفسهم ويشهدون لها بالنجاة من عذاب الله والفوز بثوابه. وانهم لن تمسهم النار الا اياما معدودة. اي قليلة تعد بالاصابع فجمعوا بين الاساءة والامن ولما كان هذا مجرد دعوة رد الله عليهم فقال قل لهم يا ايها الرسول اتخذتم عند الله في عهد اي بالايمان به وبرسله وبطاعته. فهذا الوعد الموجب لنجاة صاحبه الذي لا يتغير ولا يتبدل. ام تقولون على الله ما لا تعلمون فاخبر تعالى ان صدق دعواهم متوقفة على احد هذين الامرين الذين لا ثالث لهما اما ان يكونوا قد اتخذوا عند الله عهدا فتكون دعواهم صحيحة. واما ان يكونوا متقولين عليه فتكون كاذبة. فيكون ابلغ لخزيهم وعذابهم. وقد علم من حالهم انهم لم اتخذوا عند الله عهدا لتكذيبهم كثيرا من الانبياء. حتى وصلت بهم الحال الى ان قتلوا طائفة منهم. ولنقولهم عن طاعة الله ونقضيهم المواثيق فتعين بذلك انهم متقولون مختلقون. قائلون عليه ما لا يعلمون. والقول عليه بلا علم من اعظم المحرمات واشنع القبيحات ثم ذكر تعالى حكما عاما لكل احد يدخل به بنو اسرائيل وغيرهم. وهو الحكم الذي لا حكم غيره. لا امانيهم ودعاويهم بصفة الهالكين والناجين فقال اصحاب النار هم فيها خالدون. بلى اي ليس الامر كما ذكرتم فانه قول لا حقيقة له. ولكن من سيئة وهو نكرة في سياق الشرط. فيعم الشرك فما دونه. والمراد به هنا الشرك. بدليل قوله واحاطت به خطيئته. اي احاطت بعاملها فلم تدع له منفذا. وهذا لا يكون الا بالشرك. فان من معه الايمان لا تحيط به خطيئته. فاولئك اصحاب النار هم في فيها خالدون وقد احتج بها الخوارج على كفر صاحب المعصية. وهي حجة عليهم كما ترى فانها ظاهرة في الشرك. وهكذا كل مبطل يحتج او حديث صحيح على قوله الباطل فلابد ان يكون فيما احتج به حجة عليه. والذين امنوا وعملوا الصالحات اولئك اصحاب الجنة هم فيها خالدون. والذين امنوا بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الاخر وعملوا الصالحات. ولا تكون الاعمال صالحة الا بشرطين. ان تكون خالصة لوجه الله. متبعا بها سنة رسوله هاتين الايتين ان اهل النجاة والفوز اهل الايمان والعمل الصالح. والهالكون اهل النار المشركون بالله. الكافرون به