المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله المقالة السادسة في معجزات القرآن المشاهدة عيانا. قال الله تعالى وذكر فان الذكرى ينفع المؤمنين. وقال تعالى انما تنذر من اتبع الذكر وخشي الرحمن بالغيب. وقالت تعالى انما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب. الاية وقوله سبحانه انما انت منذر من يخشاها. الى غير ذلك من الايات الدالات على انه بحسب ايمان العبد بالله وبرسله وبحسب خشيته لله ولليوم الاخر ينتفع بالذكر ويكون مطيعا لله قادا لشرائع دينه التي مدارها على القيام بحقوق الله وحقوق العباد. وهذا امر مشاهد لا يستليب فيه من تتبع احوال الخلق فمتى رأيت العبد مستقيما على عبادة الله وطاعته وعلى التخلق بالاخلاق الحميدة والتنزه عن الاخلاق الرذيلة من الاخلاص والصدق والنصح لله. ولكتابه ولرسوله وائمة المسلمين وعامتهم. متى رأيته على هذه الاوصاف فهو المؤمن الذي يخشى الله. فان الذي في قلبه من الايمان بالله وخشيته يدعوه الى امتثال اوامره واجتناب نواهيه ايمانا بالله ورجاء لثوابه وخوفا من عقابه. ولهذا كثيرا ما يذكر الله في كتابه الحث على وامر وازدجر عن القبائح ويرتب حصول ذلك على الايمان بان الشرطية. الدالة على ملازمة المشروط بشرطه. وكذلك ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيحين انه قال لا يزني الزاني وهو مؤمن. ولا يسرق السارق وهو مؤمن. ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن فاخبر صلى الله عليه وسلم ان الايمان مناف لارتكاب الجرائم والكبائر. وان من وقع منه شيء من ذلك فانما لعدم ايمانه او ضعفه. وهذا امر يعرفه كل احد. لا تجد احدا قائما بعبودية الله وطاعته. ولا مؤديا لحقوق خلقه المتنوعة ولا مؤديا للامانات الا من كان قلبه ملآن من خشية الله لربه ولا تجد مضيعا لذلك الا فاقد الايمان عديم الخشية لربه جدا. وتلاشت خشيته لله وهذا من اخبارات القرآن التي لا تزال شاهدة. ولا تتخلف اثارها عنها. وقد عرفها البر والفاجر والعامة والخاصة فتجدهم اذا رأوا من يتجرأ على الجرائم ويتعدى على الناس في دمائهم واموالهم واعراضهم قالوا هذا اليس في قلبه ايمان وهذا لا يخشى الله ولا يخافه. كما انهم اذا رأوا من يقوم بطاعة الله وحقوق الخلق وحفظ الامانة قالوا هذا المؤمن وهذا الذي يخشى الله ويتقيه. قوله تعالى اتل ما اوحي اليك من الكتاب واقم الصلاة ان الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر. اخبر تعالى انه من اقام الصلاة فان صلاته تنهاه عن كل فحشاء وهو الجرم الكبير المتفاحش قبحه. وعن المنكر وهو كل معصية ومحرم. وهذا مشاهد متى اقام تعبدوا الصلاة اي حافظ عليها وعلى جميع حقوقها وشروطها ومكملاتها الظاهرة والباطنة. فلابد ان تنهاه عن الفحشاء والمنكر ولابد ان يكون مستقيما في احواله. وذلك ان الصلاة ميزان الايمان. كما قال تعالى انما مساجد الله من امن بالله واليوم الاخر واقام الصلاة واتى الزكاة. ولم يخش الا الله. فعسى اولئك ان يكونوا من المهتدين. وقال صلى الله عليه وسلم اذا رأيتم الرجل يعتاد المسجد فاشهدوا له بالايمان ان الله يقول انما يعمر مساجد الله من امن بالله واليوم الاخر. وليس المراد اقامة سورة الصلاة من دون حقيقتها وروحها الذي هو خشوع العبد بين يدي ربه. فان هذا ليس باقامة لها حقيقة. بل هو فعل لظاهره بها دون باطنها. ومن ذلك قوله تعالى ويسألونك عن الروح. قل الروح من امر ربي وما اوتيتم من العلم الا قليلا. فاخبر تعالى جوابا سؤال السائلين عن الروح وعن حقيقتها انها من امره وهو امره القدري الذي يوجد به الاشياء التي يعرف العباد اسبابها والتي لا يعرفون اسبابها فمن عرف ان امره تعالى اذا اراد شيئا قال له كن فيكون عرف ان الروح روح الادمي وغيره قد اوجدها الله بقدرته وبحكمته وجعلها حياة للاجسام تحيا بوجودها وتضمحل بفقدها فامره تعالى الذي انقادت له عناصر العوالم كلها ومن جملتها الروح التي لم يهتدي اهل العقول لمعرفة كيفيتها وحقيقتها وانما رأوا اثارها وهذا من ايات الله العظيمة. فان العلوم الطبيعية قد تبحرت وارتقت في هذه الاوقات وتغلغلت في اسرار المخلوقات ومع ذلك فقد وقفوا حائرين في سر الحياة التي يحيي الله بها الاجسام. وانه مهما اوتوا من العلم فانه قليل جدا في معلومات الله تعالى. فروح التي هي ملازمة لهم من وجودهم الى موتهم عجزوا عن معرفة سر تعلقها بهذه الاجساد تاب. وانما اهتدى لها من خضع لهداية الله على السنة رسله. حيث اخبر في كتبه وعلى السنة رسله انه يرسل الملك على النطفة التي مرت عليها الاطوار الثلاثة فينفخ فيها فتحيا باذن الله وامره وانه لا سبيل لاحد من الخلق مهما عظم علمه وقدرته ان يوجد شيئا من المخلوقات مهما صغرت ودقت وقد حاولوا ثم حاولوا ذلك مرات بعد مرات وسيحاولون فلا يستطيعون. وسيبقون على حيرتهم الا من اهتدى منهم بهداية الله. واعترف بالله وباياته ورسله ولم تغره اصول الملحدين. الذين ينكرون امور الغيب ولا يثبتون الا ما ادركوه بحواسهم القاصرة. التي حين جاءتهم علوم الرسل انكروا واستكبروا. وفرحوا بما عندهم من العلم واستهزأوا بعلوم الرسل وهدايتهم وحاق بهم ما كانوا به يستهزؤون. ومن ذلك قوله تعالى فاما من اعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى. واما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى. اخبر تعالى ان من اعطى اي قام باوامر الله ورسوله واتقى ما نهى الله ورسوله عنه وصدق بالحسنى اي بالتوحيد والايمان وجزائه فانه ييسره لليسرى في اموره كلها. وان من بخل بما امر به واستغنى عن ربه وتكبر عن طاعته وعبادته وكذب بتوحيده والايمان به فانه ييسره للعسرى لا تجد احدا قائما بالاوصاف الاولة الا اموره ميسرة واحواله متسهلة واموره مستقيمة والعكس بالعكس. ولهذا قال صلى الله عليه وسلم اعملوا فكل ميسر لما خلق له اما من كان من اهل السعادة فيسر لعمل اهل السعادة. واما من كان من اهل الشقاوة فيسر لعمل اهل الشقاوة وتلا صلى الله عليه وسلم عند ذلك هذه الاية ويشهد لذلك قوله تعالى انه من يتق ويصبر فان الله لا يضيع اجر المحسنين. وقوله ومن يتق الله يجعل له مخرجا جاء ويرزقه من حيث لا يحتسب. ومن يتوكل على الله فهو حسبه. وقوله ومن يتق الله يجعل له ومن امره يسرا فالمؤمن المتقي لله اموره الدينية والدنيوية كلها ميسرة. وحياته طيبة وعواقبه حميدة كما قال قال الله تعالى والعاقبة للمتقين