المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله وصلى الله على محمد واله وصحبه وسلم. اما بعد فهذه فوائد مستنبطة من قصة يوسف صلى الله عليه وسلم وعلى جميع الانبياء والمرسلين. فان الله تعالى قصها علينا مبسوطة وقال في اخرها لقد كان في قصصهم عبرة لاولي الالباب. والعبرة ما يعتبر به ويعبر منه الى واحكام نافعة وتوجيهات الى الخيرات وتحذير من المهلكات. وقصص الانبياء كلها كذلك. ولكن هذه القصة خصها الله بقوله لقد كان في يوسف واخوته ايات للسائلين. فيها ايات وعبر منوعة لكل من يسأل ويريد الهدى والرشاد لما فيها من التنقلات من حال الى حال ومن منحة الى محنة ومنة ومن ذلة ورق الى عز وملك ومن فرقة وشتات الى اجتماع وادراك غايات. ومن حزن وطرح الى سرور وفرح. ومن رخاء طائن الى جدب ومن جذب الى رخاء ومن ضيق الى سعة الى غير ذلك مما اشتملت عليه هذه القصة العظيمة فتبارك ترك من قصها ووضحها وبينها. فمن فوائد هذه السورة ان فيها اصولا لعلم تعبير الرؤيا. فان علم تعبير الرؤيا علم عظيم منهم من بناه على حسن الفهم والعبور من الالفاظ والمحسوسات والمعنويات. او ما يناسبها بحسب حال الرائي وبحسب بالوقت والحال المتعلقة بالرؤيا. وقد اثنى الله على يوسف عليه السلام بعلمه بتأويل الاحاديث. تأويل الاحاديث الاحكام الشرعية والاحاديث المتعلقة بتعبير الرؤيا والفرق بين الاحلام التي هي اضغاث احلام لا تأويل لها. مثل ما يراه من يفكر ويطيل تأمله لبعض الامور. فانه كثيرا ما يرى في منامه من جنس ما يفكر به في يقظته. فان هذا النوع الغالب عليه انه اضغاث احلام لا تعبير له. وكذلك نوع اخر ما يلقيه الشيطان على رح النائم من المرائب الكاذبة والمعاني المتخبطة فهذه ايضا لا تعبير لها. ولا ينبغي للعاقل ان يشغل بها فكرة. بل ينبغي له ان يلهى عنه ها واما الرؤية الصحيحة فهي الهامات يلهمها الله للروح عند تجردها عن البدن وقت النوم او امثال مضروبة يضربها ملك للانسان ليفهم بها ما يناسبها. وقد يرى الشيء على حقيقته ويكون تعبيره هو ما رآه في منامه. فيوسف صلى الله عليه وسلم اعطاه الله من العلم ما يميز به بين المراء الصحيحة والباطلة والحق والباطل منها. وهذه القصة فيها الدلالة على تعبير الرؤيا من وجوه احدها رؤيا يوسف التي قصها على ابيه يعقوب صلى الله عليه وسلم اذ قال يوسف لابيه فيه يا ابتي اني رأيت احد عشر كوكبا. والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين. ففسرها يعقوب صلى الله عليه وسلم غاياتها وما تؤول اليه وبوسائلها التي تتقدم عليها ففسر الشمس والقمر بابي يوسف وامه والكواكب الاحد عشرة باخوته وان الحال سيكون مآلها ان الجميع لا يسجدون ليوسف ويخضعون له. ولهذا لما حصل الاجتماع فدخل ابوه وامه واخوته مصر ورفع ابويه على العرش خر الجميع له سجدا. وقال يوسف متذكرا ذلك التعبير والتفسير يا ابتي هذا تأويل رؤياي من قبل. قد جعلها ربي حقا. وهذا امر عظيم اتصل بيوسف في الحالي ان يكون معظما تعظيما بليغا عند ابويه واخوته. وكذلك عند الناس. وهذه الغاية تستدعي وسائل ومقدمات لا تحصل الا بها. وهو العلم الكثير العظيم. والعمل الصالح والاخلاص والاجتباء من الله. والقيام بحق الله وحقوق الخلق فلهذا قال سبحانه في ذكر السبب الموصل لهذه الغاية الجليلة. وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل في الاحاديث ويتم نعمته عليك وعلى ال يعقوب. كما اتمها على ابويك من قبل ابراهيم واسحاق ان ربك عليم حكيم. يعني لابد ان يتم الله عليك نعمته بتعليم العلوم النافعة والاعمال الصالحة. والاجتباء من الله وحصول الاخلاق الجميلة والمقامات الجليلة فتبشره بحصول هذه الامور ثم بالوصول الى الرفعة في الدنيا والاخرة اخرها. وفي ضمن هذا التعبير من يعقوب ليوسف بشارة له. وتسهيل لما سيناله من المشقات والكروب مع اخوته وفي السجن فان من علم ان المكاره والمشقات تفضي الى الخير والراحات تسلى وهانت عليه مشقتها وسهلت عليه وطأتها حصل له بذلك من اللطف والروح شيء عظيم. وهذا من جملة اللطف الذي اشار اليه يوسف في قوله ان ربي لطيف كن لما يشاء وهذا من مقتضى حكمة الله ان المراتب العاليات لا تنال الا بالوسائل الجليلة. ولهذا قال ان ربك عليم حكيم. ومن فوائد هذا التعبير لرؤيا يوسف بشارة عظيمة ليعقوب وام يوسف واخوته. بحصول الرفعة الصلاح والخير. فيعقوب صلى الله عليه وسلم من اكابر الانبياء وافاضل الاصفياء. وامه لها من الخير والصلاح والرفعة في الدنيا والاخرة حيث شبهت بالشمس او بالقمر على اختلاف القولين واخوة يوسف وان كان قد جرى منهم في حق ابيهم واخيهم من الاذية والعقوق والقطيعة ما جرى. ولكن اباهم واخاهم عفوا عنهم. واستغفار الله تعالى ارحم الراحمين. فالشمس والقمر النجوم تضمنت النور والارتفاع ولكنها متفاوتة في نورها بحسب التفاوت بين الابوين والاخوة. فالحاصل ان هذه الرؤيا تضمنت ما حصل ليوسف صلى الله عليه وسلم من خير الدنيا والاخرة والمقامات العظيمة والوسائل والمنن التي اوردتها هذه الامور وما حصل لابويه واخوته من مشاركته في خير الدنيا والاخرة. والله تعالى اعلم