فهؤلاء لا خير فيهم لا دين صحيح ولا مروءة ولا انسانية ولا حمية قومية وطنية ومع ذلك فهم صاروا اضر على المسلمين من الاعداء فليعلم امثال هؤلاء ومن يستجيب لهم ان الله لم يكلف المؤمنين الا وسعهم وطاقتهم وان لهم في رسول الله اسوة حسنة وقد كان صلى الله عليه وسلم له حالان في الجهاد والدعوة امر في كل حال بما يليق بها ويناسبها المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وصلى الله على محمد وعلى اله وصحبه وسلم تسليما الجهاد في سبيل الله او واجب المسلمين. وما فرضه الله عليهم في كتابه نحو دينهم وهيئتهم الاجتماعية قد اوجب الله على المؤمنين الجهاد في سبيله والاعتصام بدينه الذي هو حبله والدعوة الى ذلك والالفة والاجتماع والتعاون على الخير والبر والتقوى. والاستعانة بالله في جميع امورهم وقوة التوكل عليه والقيام بالمستطاع المقدور عليه من الدين والتقوى وتعلم ما يحتاجون اليه في امور دينهم ودنياهم من العلوم والفنون النافعة التي يحصل بها قيام الدين والامة والتمرن على القوة المعنوية والشجاعة الايمانية وبالاسباب المقوية للايمان كلها وبالدعوة الى سبيله بالحكمة والموعظة الحسنة ومجادلة المبطلين والضالين بالتي هي احسن والجهاد في الله حق جهاده فهذه الاوامر الالهية في القرآن في مواضع كثيرة وكلها داخلة في الجهاد في سبيله لان معنى الجهاد في سبيل الله بذل المجهود في تقوية المسلمين تقوية معنوية وتقوية مادية وبذل المجهود في مقاومة الاعداء وفي سلوك كل طريق يحصل به دفع شرهم والنكاية بهم فعلى هذا يكون مجموع اصول الجهاد نوعين احدهما السعي الحثيث في تقوية المسلمين والسعي في ازالة الضغائن والعداوات الواقعة بين افرادهم وجماعاتهم وحكوماتهم بالدعايات والمواعظ المناسبة للحال وان يكون صوت المسلمين واحدا يتكلم ويدعو اليه العلماء والكبراء وجميع طبقات الناس كلهم يتفقون لهذه الدعوة بحسب امكانهم ومما يسهل عليهم هذا الامر مع صعوبته في بادئ الامر ان يعلموا ان هذا السعي والدعوة الى جمع المسلمين والى اصلاح ذات بينهم هو افضل الاعمال وانه افضل من استغراق الزمان بالصوم والصلاة وانه من اعظم واجل الجهاد في سبيل الله فان اصل الجهاد الذي لا يستقيم الا به اتفاق الكلمة وارتباط المسلمين بالاخوة الدينية ارتباطا وثيقا قال تعالى انما المؤمنون اخوة فاصلحوا بين اخويكم وبه يحصل اسباب النصر قال تعالى هو الذي ايدك بنصره وبالمؤمنين والف بين قلوبهم لو انفقت ما في الارض جميعا ما الفت بين قلوبهم ولكن الله الف بينهم فبين انه يجب على المؤمنين الارتباط بالاخوة الدينية وان تحقيق هذا الامر من مقتضيات الايمان وشروطه وانه كلما قوي ايمان العبد عرف مقدار نفع هذا الامر وعمل واجتهد عليه. وان الله نصر نبيه بامرين امر سماوي وهو نصره الذي ينزله على المتقين القائمين بدينهم وامر معنوي وهو اجتماع المسلمين وتآلف قلوبهم وحصول التحاب الذي يوجب لكل منهم ان يرى مصلحة ومصلحة اخوانه واحدة والغاية واحدة فالواجب على جميع طبقات الامة لا سيما الرؤساء رؤساء الدين ورؤساء الدنيا ان يجاهدوا انفسهم واخوانهم المسلمين لتحقيق الاخوة الايمانية واذا سلكت طرقه وابوابه التي تسهله وقد علمنا تعالى ان نبدأ بما نقدر عليه ولا نترك المقدور لعجزنا عن الكمال فمتى ادينا ما علينا وقمنا بما فرض علينا وما نستطيعه كنا مجاهدين ومحمودين وعزيزين فان من يسعى لعزه ولغاية مجده وشعر كل واحد بما يجب عليه لربه ودينه ولاخوانه واستعانوا بالله ولم يخلدوا الى الكسل والخور واليأس افلحوا فان هذين الامرين اعظم الموانع لحصول المصالح ودفع المضار فان الكسل والخور ينافي الرغبة في الدين وينافي الجهاد الحقيقي واما اليأس من حصول المصالح ومن دفع المضار فانه الهلاك بعينه وهل اخر المسلمين عن الامم الا تفرقهم وكسلهم وجبنهم وخبرهم ويأسهم من القيام بشؤونهم حتى صاروا بذلك عالة على غيرهم ودينهم قد حذرهم عن هذه الامور اشد التحذير وامرهم ان يكونوا في مقدمة الخلق في القوة والشجاعة والصبر والملازمة للسعي في كل امر نافع والعزم والحزم والرجاء وحسن الثقة بالله في تحقيق مطالبهم والدواعي لهم في ذلك متوفرة فان مجرد السعي في ذلك بحسب الامكان من افضل الاعمال المقربة الى الله والقوة الايمانية والاخوة الدينية ووجوب النصيحة وارتقاب مواعيد المولى الصادقة التي لا تتخلف عن اسبابها حيث وعد المؤمنين القائمين بحقوق الايمان بالعون والنصر والتسديد والتأييد كل واحد من هذه الامور يكفي وحده في حث المؤمنين على القيام بشؤونهم ومصالحهم الكلية فكيف وهي كلها حاصلة؟ ثم ان الكسلان الذي ملكه الخبر واليأس اي شيء يرتقب واي خير ينتظر اليس الوهن والضعف والجبن اكبر سلاح للاعداء وهي الطريق الوحيد للذل والاهانة والسقوط الى اسفل سافلين من تسفل النفس وهبوط الاخلاق فاين الانفة النفسية؟ واين الحمية الدينية واين الشهامة الانسانية فوالله ان موت هؤلاء خير من حياتهم حياة الذل وموت الاخلاق الطيبة اليس هذا ميراثا تلقوه عن المنافقين الذين قال الله عنهم واذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله الا غرورا اين هؤلاء ممن قال فيهم وفي نفوسهم الجميلة والجليلة من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا ولكل قوم وارث فقد ورثهم في الارض رجال من المؤمنين من ملوكهم ورؤسائهم وعلمائهم واشرافهم وذوي النجدات منهم صدقوا ما عاهدوا الله عليه حيث عاهدوا ربهم على التمسك بدينه والقيام به اتم القيام والجهاد في سبيله فمنهم الباذل لنفسه ومنهم الباذل لماله ومنهم الحاث لاخوانه المسلمين على القيام بما يقدرون عليه ومنهم الساعي بينهم بالنصيحة والتأليف ومنهم المنشط للمؤمنين بقوله وماله وجاهه ومنهم الفذ الجامع لذلك كله فهؤلاء رجالات المؤمنين وخيار المسلمين الذين بهم قام الدين وبه قاموا وهم الرواسي في ايمانهم وجهادهم ولا يردهم عن مرادهم راد ولا يصدهم عن المضي في سبيلهم صاد لا تزعزعهم الحوادث ولا تفزعهم الكوارث تتوالى عليهم المصائب فيثبتون لها ثبوت الجبال وتنتابهم الاهوال المفظعة فيتلقونها بصدور منشرحة وانفس مطمئنة فعل الكمل من الرجال فواها لهؤلاء الابطال ما اعلى قدرهم ولله درهم ما اعظم ثوابهم واجزل اجرهم ومما يجب على المؤمنين ان يحذروا غاية الحذر من المخذلين المرجفين ومن المفسدين بينهم في السعي في الفتن والتفريق بينهم ان هؤلاء اضروا عليهم من العدو المحارب قال تعالى في وصف امثال هؤلاء لو خرجوا فيكم ما زادوكم الا خبالا ولاوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة وفيكم سماعون لهم اي مستجيبون لهؤلاء المفسدين لا يفهمون مغزى مرادهم فيغترون بهم وتحصل الفرقة بين المؤمنين فعلى المؤمنين ان ينتبهوا لهؤلاء المفسدين وعلى المسلمين ايضا الا يجعلوا الاختلاف بينهم في الاقوال والمذاهب وفي الملك والسياسات والاغراض الشخصية حائلا يحول بينهم وبين تحقيق الاخوة الدينية والرابطة الايمانية بل يجعلون الخلافات كلها والاغراض الجزئية تبعا لهذا الاصل الكبير لان مصلحة ذلك الكلية وما يطلبهم دينهم منهم من الوحدة والالفة وما يمنعهم منه من التفرق المفكك لوحدتهم وقوتهم يأتي على ذلك اجمع ويقدم على كل شيء فالمصالح الكلية تتدرج فيها الاغراض الجزئية فمتى صار الغرض الوحيد المصالح العامة تبعتها المصالح الخاصة قال تعالى لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرضوا والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم فهذه الاية وما اشبهها من الايات بينت ان امثال هؤلاء المرجفين ضررهم عظيم وشرهم مستطير وما اكثر وراثهم في هذه الاوقات التي اضطر المسلمون فيها الى نصرة الاولياء حيث يوجد طائفة من الناس يثبطون عن الجهاد في سبيله ومقاومة الاعداء ويخدرون اعصابهم ويؤيسون المسلمين ويوهمونهم ان كل عملونه لا فائدة فيه امر لما كان في مكة والمسلمون قليل والقوة ضعيفة والاعداء كثيرون بالاقتصار على الدعوة الى الدين وبيان محاسنه وجذب الناس اليه وجهادهم بالدعوة وامر ان يكف يده عن القتال باليد بما فيه من الضرر وخلاف الحكمة كما هو ظاهر لكل احد وان يسالم الاعداء ويستدفع ضررهم بكل طريق ويتحمل كثيرا مما يعملون معه ومع الاسلام فلما هاجر الى المدينة وقوي المسلمون وكثروا وعظمت وطأة الاعداء ومقاوماتهم العنيفة للاسلام والمسلمين امر بجهاد اليد مع جهاد الدعوة وللمسلمين برسول الله اسوة حسنة من كانت المصلحة تقتضي مهادنتهم ومسالمتهم من الاعداء سالموه وهادنوه وتحملوا اضرارهم القليلة لدفع ما هو اعظم منها ومن تعينت المصلحة في قتالهم بالسلاح لعدوانهم وشرهم وضررهم الكبير قاوموه بالسلاح والقوة فيتبعون ما تعينت مصلحته الدينية ويستعينون على المضي في احد الامرين بالمشاورة والمراودة والمشاورة احد اصول السياسة الدينية بل هي اهم قواعدها كما قال تعالى وامرهم شورى بينهم وشاورهم في الامر وهذا من اهم ما فرضه الله على المؤمنين في اصلاح وتدبير امورهم الكلية وله من الفوائد ما لا يحصى منها امتثال امر الله والاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم اذ كان يشاور اصحابه في كل امر مهم ومنها ان المشاورة من اكبر الاسباب لاصابة الصواب وسلوك الطرق النافعة لاجتماع اراء المؤمنين وافكارهم وتنقيحها وتصفيتها. مع ان الله معهم في هذه الحال يسددهم ويؤيدهم ومنها ان المشاورة تتنور فيها الافكار. وتترقى فيها العقول والاراء. لانها تمرير للاذهان واستعمار للقوة العقلية فيما خلقت له وهيئت واقتباس بعضهم من اراء بعض ومنها انه قد يكون الصواب من مجموع رأيين او ثلاثة او عدة اراء ولا سبيل الى ذلك الا بالمشاورة ومنها ان المشاورة من اسباب المحبة بين المؤمنين وتآلف قلوبهم وشعور جميعهم ان مصلحتهم واحدة وتنبه الاذهان للفكر في ذلك فان من لا يشاور في الغالب فانه لا يعمل فكره في هذه الامور. فضلا عن ان يهتدي الى الصواب ففتح باب المشاورة بين المؤمنين في تعيين مصالحهم الكلية ودفع مضارهم وفي انسب الوسائل والطرق التي يسلكونها لتحصيل ذلك عون كبير على القوة والصلاح والفلاح والنجاح وقد اتفق العقلاء ان الطريق الوحيد للصلاح الديني والدنيوي هو طريق الشورى فالمسلمون قد ارشدهم الله ان يسعوا الى مصالحهم وعلمهم كيفية الوصول اليها باعمارهم لافكارهم مجتمعين فاذا تعينت المصلحة في طريق سلكوه واذا ظهرت المضرة في امر من الامور سعوا الى دفعها ومدافعتها واذا اشتبهت المصالح بما ينافيها من المضار وتعارضت قدموا راجحها على مرجوحها فلا يدعون مصلحة داخلية ولا خارجية صغيرة ولا كبيرة الا تشاوروا فيها وقدموا ما تقتضيه المصلحة وقد اوجب الله على المسلمين امرين عظيمين عليهما مدار الجهاد الاستعداد لعدوهم بما يستطيعون من قوة عقلية ومعنوية ومادية ويدخل في ذلك تعلم الفنون الحربية من الرمي والركوب وعمل السلاح المناسب للوقت والمكان وبما لا تتم هذه الامور الا به من تعلم الصناعات المعينة على هذا الامر وامرهم باخذ الحذر من عدوهم وهو التحرز والتحصن منهم وان يكونوا منهم ابدا على حذر في وقت السلم. فضلا عن وقت الحرب وان تكون لنا العيون والارصاد عليهم. لنعلم كل حركاتهم العلمية والحربية حتى لا يسبقونا الى الاعمال والصنائع النافعة فان ضعف المسلمين وقصورهم وجهلهم بالصنائع وعمل الاسلحة من فرص الاعداء فلنأخذ عليهم هذا الطريق الذي منه يدخلون علينا لعل الله ان يكف بأس الذين كفروا ولا نكون عالة فيها وفي غيرها عليهم فانهم بذلك يتمكنون مما يريدون فان لله في هذه الدنيا سننا لا تتغير وان الحياة العزيزة لا تكون لمن اذل نفسه وخذلها وتسول غيره ولئن قال متحذق مخذل ان امة المسلمين الان متعذر عليهم ان يسلكوا هذا الطريق فذاك من جهله وجبنه وخوره الله تعالى حكيم. وامرنا بسلوك طرق الحكمة وليست الامور العظيمة يقفز اليها قفزا فطريقه وان كان ضعيفا فهو طريق المجد وطريق الحزم وطريق القوة والشجاعة رحم الله من اعان على الاسلام ولو بشطر كلمة وقد امر الله بالجهاد بالنفس والمال والافعال وبالمباشرة واعانة المباشرين بالمال والدعوة والتشجيع والتحريض فكل من لم يغزو ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق كما صح الحديث بذلك فاهل الحل والعقد والرياسة من الملوك والامراء والوزراء ورجال الدول الاسلامية عليهم ان يسعوا احث السعي لتحصيل القوتين القوة المعنوية والقوة المادية بازالة جميع الحواجز والموانع التي حالت بين المسلمين وبين اتفاقهم واجتماع كلمتهم وتآلف قلوبهم وان يفهموا الاسباب التي فرقتهم من الاغراض الشخصية والمطامع والاغراض الردية والايدي الاجنبية فانهم متى فهموها حق الفهم عرفوا انها تنافي مصالحهم الدينية والدنيوية ومنافعهم الكلية وتنافي ما يحث عليه العقل والحزم من وجوب تقديم المصالح العامة على الاغراض الخاصة وقد قال تعالى قل ان كان اباؤكم وابناؤكم واخوانكم وازواجكم وعشيرتكم واموال اقترفتموها واموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها احب اليكم من الله ورسوله احب اليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بامره والله لا يهدي القوم الفاسقين فتوعد الله من كانت هذه الامور احب اليه من الله ورسوله ومنعته من الجهاد في سبيله وقدمها عليه وهذه المذكورات في هذه الاية الكريمة هي الموانع والحواجز عن القيام بالجهاد في سبيله قولا وفعلا ومن اكبر اسباب الجبن فلا يتحقق الايمان الا بتقديم حب الله ورسوله والجهاد في سبيله عليها فان الله قد وعد على الجهاد في سبيله مغفرة الذنوب والسيئات وحصول الخيرات ودخول الجنات والفتح في الدنيا والعزة والنصر القريب قال تعالى يا ايها الذين امنوا هل ادلكم على تجارة تنجيكم من عذاب اليم الى قوله وبشر المؤمنين فاخبر تعالى ان من قام بالايمان والجهاد فقد حصل التجارة الرابحة وادرك الصفقة والغنيمة والخيرات المتتابعة والله لقد حرم الناكرون عن الجهاد خيرا كثيرا ولقد سعوا فيما يكسب الذل وخسروا خسرانا كبيرا فاين الشهامة الدينية؟ واين الغيرة الايمانية؟ واين الرغبة في الخير يا عجبا لمؤمن يرى اهل الباطل يجهدون ويألمون في نصر باطلهم وهم لا غاية لهم شريفة يطلبونها وهو مخلل الى الكسل عن نصر الحق الذي يترتب على نصره من الخيرات العاجلة والاجلة ما لا يمكن التعبير عنه كل ذلك خوفا من المشقة وجهدا في اعانة اخوانه المسلمين في ماله او بدنه وقوله وفعله بل زهدا في مصالح نفسه الحقيقية قال تعالى ان تكونوا تألمون فانهم يألمون كما تألمون. وترجون من الله ما لا يرجون وعلى اهل العلم من بيان فضل الجهاد ووجوبه وتبيين منافعه ومصالحه الضرورية وحظ الناس على ذلك اعظم مما على غيرهم وعليهم ان يوضحوا للمسلمين ان جميع حركاتهم وسكناتهم واقوالهم وافعالهم ونفقاتهم المقوية للدين ودفع ضرر الاعداء كلها داخلة في هذا الواجب العظيم وان يفهموهم ان الاختلاف في المذاهب والتباين في المشارب لا يمنع من اتفاقهم جميعا على هذا الاصل الذي يجمع قاصيهم لدانيهم وان المصالح العامة الكلية مقدمة على الاغراض الجزئية والمنافع الشخصية وان هذا العمل مصلح لدين المسلمين ودنياهم ثم على كل فرد ان يبدي مجهوده في نصر الدين وتقوية المسلمين بما استطاع من نفقة او قول ان ينهض المسلمين ويقوي عزائمهم ويبعث هممهم وعلى الرؤساء والمرؤوسين الترغيب في تعلم الفنون الحربية والصناعات النافعة وعمل الاسلحة والحصون الواقية واستجلاب ما تعذرت صناعته والسعي في تنمية المصالح والمنافع الاقتصادية بالعمل بالاسباب الميسرة لها المعينة على تحصيلها فان المصالح الاقتصادية هي العون على المصالح الدينية فكل ما فيه تقوية المسلمين ودفع الاضرار والشرور من الاعداء عنهم فهو من الجهاد وعليهم ان يدرسوا احوال الامم الاجنبية وسياساتهم فان معرفة ذلك من اسباب اخذ الحذر منهم والتوقي لشرهم وعليهم مع فعل الاسباب النافعة ان يتوكلوا على الله ويستعينوا به ولا يتكل على حولهم وقوتهم ولا يغتروا بحالهم ويعجبوا بانفسهم ولا يستهينوا باعدائهم بل يحسبون لهم كل حساب. ومن اعظم الجهاد الجهاد المالي والله تعالى قدم الجهاد بالمال على الجهاد بالنفس فان النفقة في سبيل الله افضل النفقات على الاطلاق وبها يستعان على قتال الاعداء بتحصيل الاسلحة وصناعتها والمراكب المناسبة لزمانهم واقامة جميع مؤن الجهاد حتى ان دفع المال الذي يدفع للاعداء لوقاية شرهم من الجهاد بالمال فبذل المال للاجانب عند الاضطرار مقدم على ما هو اخطر منه واشد ضررا وقد امرهم الله ان يتعاونوا على البر والتقوى فالبر اسم جامع لفعل الخير كله ووسائله وطرقه كما ان التقوى اسم جامع للتعاون على اتقاء ما يخشى ضرره في الدين والدنيا والاخرة اي تعاونوا على فعل الخيرات وعلى ترك المنكرات وتعاونوا على كل وسيلة تعين على ذلك فالعالم بوعظه وتذكيره وتعليمه والغني بماله وذو السداد برأيه وعقله وتدبيره وسياسته واهل النجدة والشهامة بقوتهم وتحضيضهم لغيرهم والعامل بعمله وصناعته وكل فرد يعين بنفسه ورعايته وتشجيعه وصاحب الجاه بجاهه فيكون المؤمنون كالجسد الواحد والبنيان الذي يشد بعضه بعضا قال تعالى فاتقوا الله ما استطعتم وهذا يشمل جميع الاوامر الدينية فليس لاحد عذر في القيام بالمستطاع منها وقال تعالى وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج فانه لما امر بالجهاد اخبر بالطريق التي تسهله والدواعي التي تدعو اليه فكون الله اختار المؤمنين واجتباهم واختار لهم هذا الدين العظيم الذي هو دينه الذي يوصل اليه والى كل كرامة وهذا من اكبر الدواعي الى الجهاد حيث كان هذا العمل الجليل يوصل الى كل خير ويدفع كل شر ومع ذلك فما جعل عليكم في الدين من حرج فلم تكلفوا من الجهاد الا ما تستطيعون ويهون عليكم كل على قدر حاله ومقدرته وقد امرهم الله بالقيام بالقسط والوفاء بالعهود قال تعالى يا ايها الذين امنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله واوفوا بالعهد ان العهد كان مسؤولا