المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله بسم الله الرحمن الرحيم كم في الكتاب والسنة من النصوص الحاثة على حسن الخلق المثنية على اصحابه الذاكرة ما لهم من الفضائل والفواضل وذلك لما اشتمل عليه من الخلق الجميل وما يترتب عليه من المنافع والمصالح العامة والخاصة فمن اجل فوائده امتثال امر الله وامر رسوله والاقتداء بخلق النبي صلى الله عليه وسلم العظيم وانه في نفسه عبادة عظيمة تتناول من زمان العبد وقتا طويلا وهو في راحة ونعيم مع حصول الاجر العظيم ومن فوائده انه يحبب صاحبه للقريب والبعيد ويجعل العدو صديقا والبعيد قريبا وبه يتمكن الداعي الى الله والمعلم للخير من دعوته ويجمع الخلق اليه بقلوب راغبة وقبول واستعداد لوجود السبب وانتفاء المانع فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك وهو بنفسه احسان قد يزيد على الاحسان المالي انكم لن تسعوا الناس باموالكم ولكن ليسعهم منكم حسن الخلق فمتى اجتمع الامران فهو الكمال ومتى فقد الاحسان المالي ناب عنه حسن الخلق والاحسان الحالي والمقالي وربما صار له موقع اكبر من نفع المال وبالخلق الحسن وطمأنينة القلب وراحته يتمكن من معرفة العلوم التي سعى لادراكها والمعارف التي يفكر في تحصيلها وبه يتمكن المناظر والمخاصم من ابداء حجته وفهم حجة صاحبه ويسترشد بذلك الى الصواب قولا وعملا وكما انه سبب لهذين الامرين في نفسه فهو من اقوى الدواعي لحصولهما لمن خاصمه او ناظره ان الله يعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف وبالخلق الحسن يسلم العبد من مضار العجلة والطيش لرزانته وصبره ونظره لكل ما يمكن من الاحتمالات وتجنب ما يخشى ضرره وبالخلق الحسن يتمكن من الوفاء بالحقوق الواجبة والمستحبة للاهل والاولاد والاقارب والاصحاب والجيران والمعاملين وسائر من بينه وبينه مخالطة او حق فكم من حقوق اضيعت من جراء سوء الخلق وان حسن الخلق ليدعو الى صفة الانصاف فان صاحب الخلق الحسن يسلم غالبا من الانتصار لنفسه والتعصب لقوله لان الانتصار للنفس والتعصب يحمل على الاعتساف وعدم الانصاف وان صاحب الخلق الحسن في راحة حاضرة ونعيم عاجل فان قلبه مطمئن ونفسه ساكنة وهذا مادة الراحة العاجلة وطيب العيش كما ان سيء الخلق في شقاء حاضر وعذاب مستمر ونزاع ظاهري وباطني مع نفسه واولاده ومخالطيه يشوش عليه حياته ويكدر اوقاته مع ما يترتب على ذلك من فوات تلك الاثار الطيبة والتعرض لضدها وبهذا ونحوه يتبين معنى قوله صلى الله عليه وسلم ان العبد ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم فان قلت اذا كان حسن الخلق له هذه الفضائل والاثار الحسنة فهل للاتصاف به اسباب يتمكن العبد من فعلها ان هي مجرد موهبة قلت ما من صنعة حميدة ظاهرة او باطنة الا وقد يسر الله للعبد حصولها ونهج الطرق الموصلة اليها واعان عليها بكل وسيلة وكلما كملت الصفات كثرت الطرق المفضية اليها مع ان الغرائز والطبائع الاصلية اعظم عون عليها وصاحبها اذا سعى ادنى سعي ادرك مراده فاعلم ان من اعظم ما يعين على هذا الخلق الجميل التفكر في الاثار السابقة المترتبة عليه فان معرفة ثمرات الاشياء وحسن عواقبها من اكبر الدواعي الى فعلها والسعي اليها وان عظم الامر واعترظت الصعوبات فان المواراة اذا افضت الى ضدها هانت وحلت وكلما تصعبت النفس عليه ذكرها تلك الاثار وما تجتني بالصبر من الثمار فانها تلين وتنقاد طائعة منشرحة الصدر محتسبة راجية حصول تلك المطالب ومن اعظم الاسباب علو الهمة ورغبة العبد في مكارم الاخلاق وانها اولى ما اكتسبته النفوس واجل غنيمة غنمها الموفقون فبحسب قوة رغبته في ذلك يسهل عليه نيل هذا الخلق الجميل ومن الاسباب ان يتأمل هل يجلب له سوء الخلق الا الاسف الدائم والهم الملازم والاثار القبيحة فيربأ بنفسه عن هذا الخلق الذميم ومن الاسباب رياضة النفس وتمرينها على هذا الخلق وتوطينها على كل سبب يدرك به هذا الخلق الفاضل فيوطنها على معارضات الاقوال وانه لا بد من مخالفتهم في العلوم والارادات ولابد ايضا من اذية قولية او فعلية فليتوطن على تحمل الاذى وليعلم ان الاذى القولي لا يضر الا من قاله وان من الحزم والقوة ان يكون الانسان بحيث لا يتأثر بكلام يقصد به احفاظه واغضابه بل يعلم انه اذا غضب او تأثر فقد اعان المتكلم على نفسه وان لم يبالي به ولم يلقه باله ولم يهتم به ويكترث به فقد قابل القائل بما يكرهه لان جل مقصد عدوه ايلام قلبه وادخال الهم والغم والخوف على قلبه فكما يسعى بدفع ما يريد الى مظاهره فليسعى بدفع ما يريد ايلام باطنه بترك الاهتمام به وما انفع في هذا المقام وغيره ان يجعل الانسان نصب عينيه وجل مقصده الابقاء على قلبه من المشوشات والواردات المؤلمة وان يحفظ راحة قلبه بكل ما يفضي الى الراحة من تحصيل الاسباب المريحة للقلب ودفع كل معارض لها فان راحة القلب اصل طيب العيش في هذه الدار فلو كان الانسان بكل نعيم وتوفرت لديه اسباب الراحة وقلبه في قلق وحرج لا يخرج من هم الا وقع في اخر ولا يفرح بموجود ومحبوب الا وجد حشو قلبه ما يكدره فانه حتى الان لم يصل الى المقصود الذي يسعى له اهل العقول الراقية فانهم يسعون اولا لراحة قلوبهم وطمأنينتها. بالانابة الى الله في مهماتهم وملماتهم واحوالهم كلها ويتممون ذلك بالحلم وحسن الخلق. وحفظ قلوبهم من كل مشوش يكدر عليهم حياتهم الطيبة ونعيمهم العاجل والاجل فتأمل في بعض قصص الاخيار وما هم عليه من الحياة الطيبة سواء كانوا في فقر او غنى او شدة او رخاء حيث تنقلت بهم الاحوال فانك تجد الواحد منهم ابسط الناس خلقا واروحهم نفسا واقرهم عينا بل تجد من هو في يساره منهم وفقر راضيا قانعا غير متسخط على الله وعلى الخلق وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء. والله ذو الفضل العظيم