وما كان الله ليعذبهم وانت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون هذه اية عظيمة في شأن الاستغفار ففيها ان العبد في امان من العذاب ما دام مكثرا من الاستغفار بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فالحديث عن فضل الاستغفار والاستغفار هو طلب مغفرة الذنوب والتجاوز عن الخطايا والتقصير في جنب الله والله عز وجل امر بالاستغفار وحث عليه في اية كثيرة من كتابه وبين سبحانه انه يغفر ذنوب المذنبين ويقبل استغفار المستغفرين ويجيب دعاءهم ويغفر ذنبهم ويقيل عثرتهم ويغفر زلتهم قال الله تبارك وتعالى قل يا عبادي الذين اسرفوا على انفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ان الله يغفر الذنوب جميعا. انه هو الغفور الرحيم وقال جل وعلا ومن يغفر الذنوب الا الله فاخبر عن نفسه بغفران الذنوب ومن اسمائه سبحانه الغفور والغفار والتواب ودعا عباده الى الاستغفار ورغبهم فيه وحثهم عليه بايات كثيرة قال الله تعالى فقلت استغفروا ربكم انه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم باموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم انهارا انه كان غفارا ان يغفر الذنوب مهما عظمت ومن طلب من الله صادقا ان يغفر له غفر له سبحانه وقوله سبحانه يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم باموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم انهارا هذه كلها ثمرات معجلة في الدنيا للاستغفار اما ثوابه في الاخرة فاجل واعظم فينبغي على العبد الا يغفل عن الاستغفار وان يكون مكثرا منه فالاستغفار باب فتح الرزق وحلول البركة وزوال الهموم وحصول التيسير والخير والفرج ودفع البلاء والشدة واللأواء وثماره واثاره وبركاته على العبد في دنياه واخراه لا حد لها ولا عد يروى ان امير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه خرج يستسقي فلم يزد على الاستغفار حتى رجع فامطروا فقالوا ما رأيناك استسقيت فقال لقد طلبت المطر بمجاديح السماء التي يستنزل بها المطر ثم قرأ فقلت استغفروا ربكم انه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا وقال ابن صبيح شكى رجل الى الحسن البصري رحمه الله الجدوب فقال له استغفر الله وشكى اليه اخر الفقر فقال له استغفر الله وقال له اخر ادع الله ان يرزقني ولدا فقال له استغفر الله وشكى اليه اخر جفاف بستانه فقال استغفر الله فقلنا له في ذلك فقال ما قلت من عندي شيئا ان الله تعالى يقول في سورة نوح استغفروا ربكم انه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم باموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم انهارا ومعنى الاية اي اذا تبتم الى الله واستغفرتموه واطعتموه كثر الرزق عليكم واسقاكم من بركات السماء وانبت لكم من بركات الارظ وانبت لكم الزرع وادر لكم الضرع وامدكم باموال وبنين اي اعطاكم الاموال والاولاد وجعل لكم جنات فيها انواع الثمار وخللها بالانهار الجارية بينها. الى غير ذلك من صنوف الخيرات وانواع العطايا والهبات وقال تعالى ويا قومي استغفروا ربكم ثم توبوا اليه يرسل السماء عليكم مدرارا ويزدكم قوة الى قوتكم ولا تتولوا مجرمين هذه كلها اثار عظيمة للاستغفار يرسل السماء عليكم مدرارا ومن اعظم اسباب نزول الغيث وحلول البركة وخروج بركات الارظ من زروع ونبات واشجار وثمار نافعات ويزدكم قوة الى قوتكم اي ويحصل بها قوة الابدان وصحة الاجساد فكم فيه من بركة عظيمة فجميع الضائقات من جفاف الارظ وحصول الفقر والعوز والحاجة وتوالي الكرب الى غير ذلك زوالها بان يكفر العبد من الاستغفار وكثرة الاستغفار من العبد امارة الفرج وحلول الخير والبركة وزوال الهموم والكرب باذن الله سبحانه وتعالى وقال الله تعالى وان استغفروا ربكم ثم توبوا اليه يمتعكم متاعا حسنا الى اجل مسمى ويؤتي كل ذي فضل فضله وهذه ايضا من عوائد الاستغفار وثماره واثاره العظيمة يمتعكم متاعا حسنا الى اجل مسمى ان يعطكم من رزقه ما تتمتعون به وتنتفعون. الى اجل مسمى اي الى وقت وفاتكم ويؤتي كل ذي فضل فضله. اي يعطي اهل الاحسان والبر من فضله وبره ما هو جزاء لاحسانهم من حصول ما يحبون ودفع ما يكرهون وقال الله تعالى قال ابن عباس رضي الله عنهما كان فيهم اي الامة امانان النبي صلى الله عليه وسلم والاستغفار فذهب النبي صلى الله عليه وسلم وبقي الاستغفار فهذا امان باق في الامة ما داموا مكثرين من الاستغفار وكلما عظمت عناية الامة بدفع الله به عن العباد والبلاد من البلايا والمحن والرزايا والنقم ما يعلمون وما لا يعلمون وفي السنة احاديث كثيرة في الحث على الاستغفار والترغيب فيه وبيان فضله روى ابن ماجة في سننه عن عبد الله ابن بسر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم طوبى لمن وجد في صحيفته استغفارا كثيرا وروى الطبراني في الاوسط والظياء المقدسي في الاحاديث المختارة عن الزبير رظي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من احب ان تسره صحيفته فليكثر فيها من الاستغفار وروى ابو داوود والترمذي وغيرهما عن بلال ابن يسار ابن زيد عن ابيه عن جده انه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول من قال استغفر الله الذي لا اله الا هو الحي القيوم واتوب اليه غفر له وان كان فر من الزحف وعن ابي هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول والله اني لاستغفر الله واتوب اليه في اليوم اكثر من سبعين مرة. رواه البخاري وثبت عن ابي هريرة رضي الله عنه انه قال ما رأيت احدا اكثر من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول استغفر الله واتوب اليه وهذا يدل على كثرة ملازمته صلى الله عليه وسلم للاستغفار وعلى عظيم عنايته به مع انه صلى الله عليه وسلم قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر الا انه عليه الصلاة والسلام كان كثير الاستغفار في مجالسه وكان الصحابة رضي الله عنهم يحصون له في مجالسه استغفارات كثيرة وكثيرا ما يسمعونه صلوات الله وسلامه عليه يقول استغفر الله واتوب اليه ويقول ربي اغفر لي وتب علي ونحو ذلك فكان عليه الصلاة والسلام ملازما للاستغفار في كل اوقاته حتى انه عليه الصلاة والسلام ختم حياته الشريفة وعمره المديد بالاستغفار كما جاء في حديث عائشة رضي الله عنها تقول مات صلى الله عليه وسلم بين سحري ونحري وسمعته يقول عليه الصلاة تنام اللهم اغفر لي وارحمني والحقني بالرفيق الاعلى فهذا ختم لحياته كلها المباركة صلوات الله وسلامه عليه بالاستغفار كما انه كان يختم مجالسه بالاستغفار واخرج النسائي عن ابي هريرة رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع الناس فقال يا ايها الناس توبوا الى الله فاني اتوب اليه في اليوم مئة مرة وعن الاغر المزني رظي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال انه ليغان على قلبي واني لاستغفر الله في اليوم مئة مرة. رواه مسلم قوله لا يغان الغين الغين والمراد ما يغشاه من السهو الذي لا يسلم منه البشر فهذا فيه اثر الاستغفار على القلب. وانه يجلو عن القلب كل ما يغشاه من قليل او كثير فكلما كان العبد كثير الاستغفار كان هذا الاستغفار جلاء لقلبه وزكاء لنفسه وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال ان كنا لنعد لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المجلس الواحد مئة مرة رب اغفر لي وتب علي. انك انت التواب الرحيم رواه ابو داوود والترمذي وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في الاستغفار صيغ عديدة منها قوله استغفر الله واتوب اليه قال ابو هريرة رضي الله عنه ما رأيت احدا اكثر من ان يقول استغفر الله واتوب اليه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنها قوله رب اغفر لي وتب علي انك انت التواب الرحيم. وقد تقدم في حديث ابن عمر رضي الله عنهما ومنها ما ثبت في الصحيحين ان ابا بكر رضي الله عنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم علمني دعاء ادعو به في صلاتي قال قل اللهم اني ظلمت نفسي ظلما كثيرا ولا يغفر الذنوب الا انت اغفر لي مغفرة من عندك وارحمني انك انت الغفور الرحيم ومنها ما في الصحيحين من حديث ابي موسى الاشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم انه كان يدعو بهذا الدعاء اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي واسرافي في امري وما انت اعلم به مني اللهم اغفر لي جدي وهزلي وخطأي وعمدي وكل ذلك عندي اللهم اغفر لي ما قدمت وما اخرت وما اسررت وما اعلنت وما انت اعلم به مني انت المقدم وانت المؤخر وانت على كل شيء قدير ومنها ما ثبت في صحيح مسلم انه كان من اخر ما يقول صلى الله عليه وسلم بين التشهد والتسليم اللهم اغفر لي ما قدمت وما اخرت وما اسررت وما اعلنت وما اسرفت وما انت اعلم به مني انت المقدم وانت المؤخر لا اله الا انت ومنها وهو اتمها واكملها سيد الاستغفار وسيأتي عنه حديث لاحق باذن الله اسأل الله عز وجل ان يوفقنا اجمعين لكل خير وان يصلح لنا شأننا كله انه تبارك وتعالى سميع الدعاء وهو اهل الرجاء وهو حسبنا ونعم الوكيل وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته