فتن الناس والحج وليس البر بان تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من واتوا البيوت من ابوابها واتقوا الله لعلكم تفلحون يقول تعالى يسألونك عن الاهلة جمع هلال ما فائدتها وحكمتها؟ او عن ذاتها؟ قل هي ولا تأكلوا اموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها الى الحكام لتأكلوا فريقا من اي ولا تأخذوا اموالكم. اي اموال غيركم اضافها اليهم. لانه ينبغي للمسلم ان يحب لاخيه ما يحب لنفسه ويحترم ماله كما يحترم ماله. ولان اكله لما لغيره يجرأ غيره على اكل ماله عند القدرة. ولما كان اكلها نوعين نوعا بحق ونوعا بباطل وكان المحرم انما هو اكلها بالباطل. قيده تعالى بذلك. ويدخل في ذلك اكلها على وجه الغصب والسرقة والخيانة في او عارية او نحو ذلك. ويدخل فيه ايضا اخذها على وجه المعاوضة. بمعاوضة محرمة كعقود الربا والقمار كلها. فان انها من اكل المال بالباطل. لانه ليس في مقابلة عوض مباح. ويدخل في ذلك اخذها بسبب غش في البيع والشراء والاجارة ونحوها يدخل في ذلك استعمال الاجراء واكل اجرتهم. وكذلك اخذهم اجرة على عمل لم يقوموا بواجبه. ويدخل في ذلك اخذ الاجرة على العبادات والقروض التي لا تصح حتى يقصد بها وجه الله تعالى. ويدخل في ذلك الاخذ من الزكوات والصدقات والاوقاف. والوصايا لمن ليس له حق منها او فوق حقه. فكل هذا ونحوه من اكل المال بالباطل. فلا يحل ذلك بوجه من الوجوه. حتى ولو حصل فيه النزاع. وحصل الارتفاع الى حاكم الشرع وادلى من يريد اكلها بالباطل بحجة غلبت حجة المحق. وحكم له الحاكم بذلك فان حكم الحاكم لا يبيح محرما ولا يحلل حراما. انما يحكم على نحو مما يسمع. والا فحقائق الامور باقية. فليس في حكم الحاكم للمبطل راحة ولا شبهة. ولا استراحة فمن ادلى الى الحاكم بحجة باطلة وحكم له بذلك فانه لا يحل له. ويكون اكلا لما لغيره بالباطل والاثم. وهو عالم بذلك فيكون ابلغ في عقوبته واشد في نكاله. وعلى هذا فالوكيل اذا علم ان موكله مبطل في دعواه لم يحل له ان عن الخائن كما قال تعالى ولا تكن للخائنين خصيما. يسألونك عن الاهلة قل هي مواقيت للناس اي جعلها الله تعالى بلطفه ورحمته على هذا التدبير. يبدو الهلال ضعيفا في اول الشهر. ثم يتزايد الى نصفه. ثم يشرع في الى كماله وهكذا ليعرف الناس بذلك مواقيت عباداتهم من الصيام. واوقات الزكاة والكفارات واوقات الحج. ولما كان الحج يقع في اشهر معلومات. ويستغرق اوقاتا كثيرة. قال والحج. وكذلك تعرف بذلك اوقات الديون المؤجلات. ومدة تجارات ومدة العدد والحمل وغير ذلك مما هو من حاجات الخلق. فجعله تعالى حسابا يعرفه كل احد من صغير وكبير. وعالم فلو كان الحساب بالسنة الشمسية لم يعرفه الا النادر من الناس. وليس البر بان تأتوا البيوت من ظهورها. وهذا كما كان الانصار وغيرهم من العرب اذا احرموا لم يدخلوا البيوت من ابوابها تعبدا بذلك. وظنا انه بر. فاخبر الله انه ليس ببر. لان الله قال لم يشرعه لهم وكل من تعبد بعبادة لم يشرعها الله ولا رسوله. فهو متعبد ببدعة. وامرهم ان يأتوا البيوت من ابوابها. لما فيه من السهولة عليهم التي هي قاعدة من قواعد الشرع. ويستفاد من اشارة الاية انه ينبغي في كل امر من الامور ان يأتيه الانسان من الطريق السهل القريب الذي قد جعل له موصلا. فالامر بالمعروف والناهي عن المنكر ينبغي ان ينظر في حالة المأمور. ويستعمل معه الرفق والسيرة التي بها يحصل المقصود او بعضه. والمتعلم والمعلم ينبغي ان يسلك اقرب طريق واسهله. يحصل به مقصوده. وهكذا كل من حاول امرا من الامور واتاهم من ابوابه وثابر عليه. فلا بد ان يحصل له المقصود بعون الملك المعبود. واتقوا الله هذا هو البر الذي امر الله به وهو لزوم تقواه على الدوام. بامتثال اوامره واجتناب نواهيه. فانه سبب للفلاح الذي هو الفوز بالمطلوب. والنجاة من المرهوب فمن لم يتق الله تعالى لم يكن له سبيل الى الفلاح. ومن اتقاه فاز بالفلاح والنجاح. وقاتلوا في سبيل يقاتلونكم ولا تعتدوا ان الله لا يحب المعتدين. هذا الايات تتضمن الامر بالقتال في سبيل الله. وهذا كان بعد الهجرة الى المدينة. لما قوي المسلمون للقتال امرهم الله به عندما كانوا مأمورين بكف ايديهم. وفي تخصيص القتال في سبيل الله حث على الاخلاص. ونهي عن الاقتتال في الفتن بين المسلمين. الذين يقاتلونكم اي الذين هم مستعدون لقتالكم وهم المكلفون الرجال غير الشيوخ الذين لا رأي لهم ولا قتال والنهي عن الاعتداء تشمل انواع الاعتداء كلها من قتل من لا يقاتل من النساء والمجانين. والاطفال والرهبان ونحوهم. والتمثيل بالقتلى وقتل الحيوانات وقطع الاشجار ونحوها بغير مصلحة تعود للمسلمين. ومن الاعتداء مقاتلة من تقبل منهم الجزية اذا بذلوها. فان ذلك لا يجوز. واقتلوهم حيث ثقفتموهم واخرجوهم من حيث اخرجوكم والفتنة اشد من القبر ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه اقتلوهم كذلك جزاء الكافرين. فان انتهوا فان الله غفور رحيم واقتلوهم حيث ثقفتموهم. هذا امر بقتالهم اينما وجدوا. في كل وقت وفي كل زمان قتال مدافعة وقتال ثم استثنى من هذا العموم قتالهم عند المسجد الحرام. وانه لا يجوز الا ان يبدأوا بالقتال. فانهم يقاتلون جزاء لهم على اعتداءهم وهذا مستمر في كل وقت. حتى ينتهوا عن كفرهم فيسلموا. فان الله يتوب عليهم. ولو حصل منهم ما حصل من الكفر بالله والشرك في المسجد الحرام وصد الرسول والمؤمنين عنه. وهذا من رحمته وكرمه بعباده. ولما كان القتال عند المسجد الحرام يتوهم انه مفسد في هذا البلد الحرام اخبر تعالى ان المفسدة بالفتنة عنده بالشرك والصد عن دينه. اشد من مفسدة القتل. فليس عليكم ايها المسلمون حرج في قتالهم ويستدل بهذه الاية على القاعدة المشهورة وهي انه يرتكب اخف المفسدتين لدفع اعلاهما وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله. فان انتهوا فلا عدوان ثم ذكر تعالى المقصود من القتال في سبيله وانه ليس المقصود به سفك دماء الكفار واخذ اموالهم ولكن المقصود به ان يكون الدين لله تعالى. في ظهر دين الله تعالى على سائر الاديان. ويدفع كل ما يعارضه من الشرك وغيره وهو المراد بالفتنة. فاذا حصل هذا المقصود فلا قتل ولا قتال. فان انتهوا عن قتالكم عند المسجد الحرام. فلا عدوان الا على الظالمين اي فليس عليهم منكم اعتداء الا من ظلم منهم. فانه يستحق المعاقبة بقدر ظلمه فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتقوا الله واعلم ان الله مع المتقين يقول تعالى الشهر الحرام بالشهر الحرام يحتمل ان يكون المراد به ما وقع من صد المشركين للنبي صلى الله عليه وسلم واصحابه عام الحديبية. عن الدخول لمكة وقضوهم على دخولها من قابل وكان الصد والقضاء في شهر حرام وهو ذو القعدة فيكون هذا بهذا فيكون فيه تطييب لقلوب الصحابة بتمام نسكهم كماله ويحتمل ان يكون المعنى انكم ان قاتلتموهم في الشهر الحرام فقد قاتلوكم فيه وهم المعتدون فليس عليكم في ذلك حرج وعلى هذا فيكون قوله والحرمات قصاص من باب عطف العام على الخاص اي كل شيء يحترم من شهر حرام او بلد حرام او احرام او ما هو اعم من ذلك. جميع ما امر الشرع باحترامه. فمن تجرأ عليها فانه يقتص منه. فمن قاتل في الشهر الحرام قوت ومن هتك البلد الحرام اخذ منه الحد. ولم يكن له حرمة. ومن قتل مكافئا له قتل به. ومن جرحه او قطع عضوا منه اقتص منه ومن اخذ مال غيره المحترم اخذ منه بدله ولكن هل لصاحب الحق ان يأخذ من ماله بقدر حقه ام لا؟ خلاف بين العلماء الراجح من ذلك انه ان كان سبب الحق ظاهرا كالضيف اذا لم يقره غيره والزوجة والقريب اذا امتنع من تجب عليه النفقة من الانفاق عليه فانه يجوز اخذه من ما له. وان كان السبب خفيا كمن جحد دين غيره او خانه في وديعة او سرق منه ونحو ذلك فانه لا يجوز ان يأخذ من ماله مقابلة له جمعا بين الادلة. ولهذا قال تعالى تأكيدا وتقوية لما تقدم. فمن اعتدى عليكم عليه بمثل ما اعتدى عليكم. هذا تفسير لصفة المقاصة. وانها هي المماثلة في مقابلة المعتدي. ولما كانت النفوس في الغالب لا تقف على حدها اذا رخص لها في المعاقبة لطلبها التشفي. امر تعالى بلزوم تقواه التي هي الوقوف عند حدوده وعدم فوزها واخبر تعالى انه مع المتقين. اي بالعون والنصر والتأييد والتوفيق. ومن كان الله معه حصل له السعادة الابدية ومن لم يلزم التقوى تخلى عنه وليه وخذله. فوكله الى نفسه فصار هلاكه اقرب اليه من حبل الوريد في سبيل الله ولا تلقوا بايديكم من التهلكة واحسنوا ان الله يحب المحسنين يأمر تعالى عباده بالنفقة في سبيله. وهو اخراج الاموال في الطرق الموصلة الى الله. وهي كل طرق الخير من صدقة على مسكين او قريب او انفاق على من تجب مؤنته. واعظم ذلك واول ما دخل في ذلك. الانفاق في الجهاد في سبيل الله فان النفقة فيها جهاد بالمال. وهو فرض كالجهاد بالبدن. وفيها من المصالح العظيمة. الاعانة على تقوية المسلمين. وعلى توهية الشرك واهله وعلى اقامة دين الله واعزازه. فالجهاد في سبيل الله لا يقوم الا على ساق النفقة. فالنفقة له كالروح لا يمكن وجوده بدونها وفي ترك الانفاق في سبيل الله ابطال للجهاد. وتسليط للاعداء وشدة تكالبهم. فيكون قوله تعالى ولا القوا بايديكم الى التهلكة كالتعليل لذلك. والالقاء باليد الى التهلكة. يرجع الى امرين ترك ما امر به العبد اذا كان تركه موجبا او مقاربا لهلاك البدن او الروح. وفعل ما هو سبب موصل الى تلف النفس او الروح. فيدخل تحت ذلك امور كثيرة. فمن ذلك الجهاد في سبيل الله او النفقة فيه. الموجب لتسلط الاعداء. ومن ذلك تغرير الانسان بنفسه في مقاتلة او سفر مخوف. او محل ساعة او حيات او يصعد شجرا او بنيانا خطرا. او يدخل تحت شيء فيه خطر ونحو ذلك. فهذا ونحوه ممن القى بيده الى التهلكة ومن الالقاء باليد الى التهلكة. الاقامة على معاصي الله. واليأس من التوبة. ومنها ترك ما امر الله به من الفرائض. التي تركها اهلاك للروح والدين. ولما كانت النفقة في سبيل الله نوعا من انواع الاحسان امر بالاحسان عموما. فقال واحسنوا ان الله يحب المحسنين. وهذا يشمل جميع انواع الاحسان. لانه لم يقيده بشيء دون شيء. فيدخل فيه الاحسان بالمال كما تقدم يدخل فيه الاحسان بالجاه بالشفاعات ونحو ذلك. ويدخل في ذلك الاحسان بالامر بالمعروف والنهي عن المنكر. وتعليم العلم النافع. ويدخل في ذلك قضاء حوائج الناس من تفريج كرباتهم وازالة شداتهم وعيادة مرضاهم وتشييع جنائزهم وارشاد ضالهم واعانة من يعمل عملا والعمل لمن لا يحسن العمل. ونحو ذلك مما هو من الاحسان الذي امر الله به. ويدخل في الاحسان ايضا الاحسان في عبادة الله الله تعالى وهو كما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ان تعبد الله كأنك تراه فان لم تكن تراه فانه يراك. فمن اتصف بهذه صفات كانوا من الذين قال الله فيهم للذين احسنوا الحسنى وزيادة. وكان الله معه يسدده ويرشده ويعينه على كل اموره. ولم ما فرغ تعالى من ذكر احكام الصيام فالجهاد ذكر احكام الحج فقال