المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله فهذان الاصلان العظيمان وهما القيام بالقسط الذي هو العدل التام على الانفس والاقربين والابعدين والوفاء بالعهود كلها من اكبر اصول الدين ومصالحه وبالقيام بهما يتم الدين وتحصل الهداية والاعانة من الله والنصر والمدافعة فما ارتفع احد الا بالعدل والوفاء ولا سقط احد الا بالظلم والجور والغدر وهذه الامور كلها مضطرة الى قوة التوكل على الله والاقتداء بسيد المرسلين فيه فهو سيد المتوكلين ومع ذلك فقد كان يعمل بجميع الاسباب النافعة ويحض عليها فالتوكل هو الثقة بالله والاعتماد على قوته وحوله في تيسير الامور التي يباشرها العبد والالتجاء الى الله في حصولها وطمأنينة القلب فيكون المتوكل يعمل بجد واجتهاد مطمئنا بالله واثقا به لا يخاف سواه ولا يرجو غيره لا يملكه اليأس ولا يساوره القنوط غير هياب ولا وجل ولا متردد لانه يعلم ان الامور بيد الله وان نواصي العباد وازمة امورهم تحت تدبيره ومشيئته فانه القوي العزيز بهذا التوكل نال المسلمون الاولون العز والشرف والسلطان وصلاح الاحوال ولم يكن زادهم في مضيهم في سبيلهم الا قوة التوكل على الله فهذه حال المسلمين لا الخبر والمهانة والتواكل والتخاذل والاخلاد الى البطالة فانه ينافي التوكل كل المنافاة كحال كثير من الناس في هذه الاوقات يرون عدوهم يحاربهم وهم ساكتون لا يدفعونه بوسيلة من الوسائل ولا يقاومونه فتكون النتيجة ضياع استقلالهم وذهاب ملكهم واموالهم وحلول المصائب المتنوعة عليهم من كل جانب ويزعمون انهم متوكلون. كلا والله ومن اعظم وسائل الجهاد في هذه الاوقات تعقد المعاهدات بين الحكومات الاسلامية المحتوية على كمال الصداقة وعدم الاعتداء واحتفاظ كل حكومة بشخصيتها الدولية وادارتها داخلا وخارجا والتكافل بينها والتضامن وان يكونوا يدا واحدة على من تعدى عليهم او على حقوقهم وتسهيل الامور الاقتصادية فيما بينهم طلبا لمصلحة الكل وتقريبا لقلوبهم وان يعملوا لهذه الاسس والاصول اعمالها اللائقة بها والمناسبة لها ويسعوا احث السعي لتحقيقه وازالة العقبات الحائلة دونه وهذه وان كانت في بادئ الرأي صعبة فانها يسيرة بتيسير الله والتوكل عليه واليوم وان كان المسلمون مصابين بضعف شديد والاعداء يتربصون بهم الدوائر هذه الحالة اوجدت من بينهم اناسا ضعيف الايمان ضعيف الرأي والقوة يتشائمون ان الامل في رفعة الاسلام قد ضاع وان المسلمين الى ذهاب واضمحلال ولقد غلطوا في هذا اعظم غلط فان هذا الضعف عارض له اسباب. وبالسعي في زوال اسبابه تعود صحة الاسلام كما كانت كما تعود اليه قوته التي فقدها منذ اجيال ما ضعف المسلمون الا لانهم خالفوا كتاب ربهم وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم وتنكبوا السنن الكونية التي جعلها الله مادة حياة الامم ورقيها فاذا رجعوا الى ما مهده لهم دينهم فانهم لابد ان يصلوا الى الغاية كلها او بعضها وهذا المذهب المهين وهو التشاؤم والكسل لا يعرفه الاسلام ولا يرتضيه بل يحذر عنه اشد تحذير ويبين للناس ان النجاح مأمول. وان مع العسر يسرا وانه سيجعل الله بعد عسر يسرا ويبين انه لا اضر عليهم من اليأس والقنوط فليتق هؤلاء المتشائمون ربهم وليعلموا ان المسلمين اقرب الامم الى النجاح الحقيقي ويقابل هؤلاء طائفة يأملون امالا عظيمة ويقولون ولا يفعلون. فتراهم يتحدثون بمجد الاسلام ورفعته. وان له العاقبة الحميدة وان الرجوع الى تعاليمه وهدايته هو السبب الوحيد لعلو اهله ورفعتهم ولكن لا يقدمون لدينهم ادنى منفعة بدنية ولا مالية ولا يقدمون مساعدة جدية لتحقيق ما يقولون فان الاقوال لا تقوم الا اذا قارنتها الافعال ويا طوبى لطائفة هم غرة المسلمين وهم رجال الدنيا والدين قرنوا الاقوال والافعال وجاهدوا باموالهم وانفسهم وباقوالهم وبانهاض اخوانهم وتبرأوا من مذهب المتشائمين ومن اهل الاقوال دون الافعال فهؤلاء هم الذين يناط بهم الامل وتدرك المطالب العالية بمساعيهم المشكورة واعمالهم المبرورة ومن اعظم اصول الجهاد والتربية الاعتناء والاهتمام التام بشبان الامة فانهم محل رجائها وموضع املها ومادة قوتها وعزتها وبصلاح تربيتهم تصلح الاحوال كلها فعليهم ان يعتنوا بتربيتهم العالية وان يبثوا فيهم روح الدين واخلاقه الجميلة والحزم والعزم وجميع مبادئ الرجولة وتدريبهم على المصاعب والمشاق. والصبر على الامور النافعة والثبات عليها وتحذيرهم من الجبن والخور. والسير وراء المادة والطمع والانطلاق في المجون والهزل والدعة فان ذلك مدعاة للتأخر العظيم وشباب الحاضر هم رجال المستقبل. وبهم تعقد الامال وتدرك الامور المهمة فاجتهدوا ان يكونوا في خصال الخير والفضائل المثل الاعلى وباوصاف الحزم والمروءة والكمال القدوة المثلى ومن اهم امور الجهاد وخصوصا في هذه الاوقات التعاون بين المسلمين في جميع شؤونهم الدينية والسياسية والاقتصادية واتصال بعضهم ببعض في تحقيق ذلك. لان عددهم كثير واعداؤهم جادون في الحيلولة بينهم في هذه الامور وقد تفننوا في تفريقهم واقاموا الحواجز والشدود في اتصال بعضهم ببعض حتى اوهنوا قواهم وساءت حالهم. وهم مجدون في هذا الامر فمن اكبر الجهاد السعي في الاسباب التي بها يتعارف المسلمون ويتفاهمون. حتى يعرفوا كيف يتعاونون على الحصول على حقوقهم ودفع المعتدين عنهم بكل وسيلة. ولا ينبغي اذا رأوا انهم لا يدركون كل ما يريدون. ان يضعفوا عن بعض ما ينفعهم فيحصل به الدفاع فمن جد واجتهد واستعان بالله فلابد له من النجاح