المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله القاعدة الاولى الدين كله مبني على عبادة الله وحده والاستعانة به وحده كما صرحت بهذه السورة الكريمة وفي القرآن الجمع بين هذين الامرين في مواضع متعددة. كقوله فاعبده وتوكل عليه عليه توكلت واليه انيب ربنا عليك توكلنا واليك انبنا. وغير ذلك من الايات وفي الاحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم من هذا شيء كثير. كقوله احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز اذا سألت فاسأل الله. واذا استعنت فاستعن بالله وبتتميم العبد لعبادة الله واستعانته به تكمل اموره الدينية والدنيوية. فعبادة الله ان يقوم العبد بتوحيد الله وعبوديته ظاهرة والباطنة المالية والبدنية والمركبة منهما المتعلقة بحقوق الله تعالى والمتعلقة بحقوق خلقه ومن ذلك القيام بالمصالح الكلية النافعة للمسلمين في دينهم ودنياهم ويكون هذا القيم مصحوبا بثلاثة امور. قوة الجد والاجتهاد بحسب ما يستطيعه العبد وقوة الاعتماد على الله في تيسير ذلك. الامر الذي يحاوله العبد مع الثقة التامة بالله في تيسيره وكمال الاخلاص له حيث لا يكون الحامل له على ذلك غرض خسيس. ولا قصد مراة الناس وسمعتهم ولا عصبية وطنية او قومية او جنسية بل الحامل له على ذلك ارادة رضا الله وحصول ثوابه ومن ثوابه ما يترتب عليه من المصالح النافعة وبهذا المعنى الكلي العظيم يتضح لنا ان القيام بجميع الاسباب النافعة والقيام بما يتممها ويكملها هي من اعظم ما يدخل في هذه القاعدة فان القيام بها عبادة لله ووسيلة الى عبادة الله فكما يدخل في عبادة الله ما اعان عليها من السعي والمشي والركوب الى العبادات فيدخل فيها اكتساب الاموال من حلها للقيام بالزكوات وواجب النفقات. ولقيام الاعمال النافعة التي لا تقوم الا بالاموال ويدخل فيها ايضا تعلم الفنون والصناعات العصرية. والاختراعات التي فيها استعداد المسلمين لمقاومة اعدائهم وللسلام من شرورهم وذلك بحسب المستطاع. قال تعالى فاتقوا الله ما استطعتم. وقال تعالى واعدوا لهم ما استطعتم من قوة فكل ما يستطيعه المسلمون من اعداد القوة العقلية والصناعية والسياسية والفنون العسكرية ما اشبه ذلك فانه يدخل في عبادة الله وفيما يعين عليها. فان الجهاد الذي هو بذل الجهد في مقاومة الاعداء من اجل للعبادات كما يعين عليه فانه منه. فبهذا يعلم ان المسلمين بالمعنى الحقيقي اكمل الخلق في فعل الاسباب النافعة لانهم يبدون فيها مقدورهم. مستعينين بالله في حصولها وفي تكميلها وفيما لا يقدرون عليه منها. وفي انجاح اعمالهم وحصول مقاصدهم. فليس بعد هذا الكمال الذي حث عليه الدين الاسلامي كمال ولا فوقه مرتقى حيث يموه الدعاة الى الالحاد ان الدين الاسلامي يثبط العاملين ويضعف نفوسهم. وهذا من المكابرة والتجري والكذب الصراح بمكان لا يخفى على من له ادنى مسكت عقل. فاذا تبين ان الدين الاسلامي الصحيح يحث على بالاسباب النافعة ويبعث الهمم والعزائم بالاستعانة بالله عليها والثقة به في تكميلها ونجاحها. فكم في الكتاب والسنة من الامر بفعل الخيرات وترك المنكرات والاخذ بجميع الاسباب النافعات فاعلم انها هنا طريقين ذميمين منحرفين في الاسباب. يبرأ الدين منهما كل البراءة. احدهما مذهب الجبرية القائل بان العبد مجبور على افعاله. وان حركاته الاختيارية حركات اضطرارية بمنزلة حركات الاشجار وان الاسباب لا تأثير لها في مسبباتها. وان الله يخلق عندها لا بها ويوجد الاشياء باقترانها عادة لا انها طريق ووسيلة الى مقاصدها وهذا المذهب باطل شرعا وعقلا. اما شرعا فان الكتاب والسنة مملوءان من ذكر اضافة الاعمال للعاملين خيرها وشرها وانهم هم الذين يفعلونها طوعا واختيارا لا قصرا واضطرارا. ومملوءان من ذكر ان الاسباب بها حصول مقاصدها وهي الطريق الوحيد لسعادة الدنيا والاخرة وان الكسل عنها موجب للحرمان والضعف فيها داع الى الخسران. كما تقدم ان الشرع يحث عليها غاية الحث مع الاستعانة بالله عليها واما بطلان هذا القول عقلا. فلانه من المعلوم بالضرورة ان افعال العباد بل والحيوانات تقع باختيارهم وارادتهم وان شاءوا ارادوا وفعلوا وان ارادوا تركوا. وانه لولا ان العبادة تقع افعالهم طوع اختيارهم لما كان للاوامر الشرعية والعرفية فائدة فكيف يؤمر ويوجه الخطاب الى من لا قدرة له على افعاله كيف يوجد النهي واللوم على من لا يقدر على ترك النواهي. فهذا معلوم فساده بالضرورة من الشرع وببداهة العقل. واعظم منه بطلانا واشد فسادا. مذهب الطبائعيين في الاسباب. الذين يرون الاسباب جارية على مقتضى الطبيعة ونظام الكون وانها لا تعلق لها بقضاء الله وقدره. وان الله لا يقدر على تغييرها ولا منعها ولا اعانتها واهل هذا المذهب معروفون بالخروج عن ديانات الرسل كلهم. لان هذا القول الخبيث مبني على نفي الايمان بالله ونفي ربوبيته والرب في الحقيقة عند هؤلاء هي الطبيعة فهي التي تتفاعل وتتطور وتحدث الاشياء كلها. فهؤلاء الملحدون لا يثبتون لله افعالا ولا يثبتون انه يثيب الطائعين بالنعم والكرامات في الدنيا والاخرة ولا يعاقب العاصين بالنقم في الدنيا والاخرة وينفون معجزات الانبياء الخارقة للعادة كلها وكرامات الاولياء ويقولون ما هي الا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وهذا المذهب الذي هو ابطل المذاهب الذي تنزه عنه اليهود والنصارى. وكثير من المشركين. فضلا عن الدين الاسلامي قد اغتر به بعض الكتاب العصريين وارادوا من سفاهتهم وجرائتهم العظيمة ان ينسبوه الى دين الاسلام ودين الاسلام وسائر الاديان بريئة من هذا القول الخبيث فهو في شق واديان الرسل في شق اخر. الرسل والشرائع تثبت ربوبية الله وافعاله وقضاءه وقدره. انقياد العالم العلوي والسفلي لارادة الله وقدرته. وهؤلاء ينكرون ذلك والرسل والشرائع تثبت ان الاسباب والمسببات محل حكمة الله وان الله قد جعلها على نظام حكيم دال على كمال حكمة الله وانتظام امر الدنيا والاخرة وانه لا يمكن احد ان يغير سنن الله ولا يحولها. ومع هذا فانها تابعة لمشيئة الله وارادته. لا يستقل سبب منها الا باعانته ولا يمنع بعض الاسباب ويغير بعض الاسباب ليري عباده انه هو المتصرف المطلق قد اوقع الله الاخذات الخارقة بالمكذبين بالرسل. واكرم انبياءه واولياءه بالنجاة في الدنيا والاخرة. فاهلك قوما نوح بالطوفان ونجى نوحا ومن معه من المؤمنين. وجعل النار بردا وسلاما على ابراهيم واعطى موسى من الايات كالحية والعصا وفلق البحر. ما فيه اكبر عبرة بانه المتصرف المطلق وجعل عيسى يبرئ الاكمه والابرص ويحيي الموتى باذنه واعطى محمدا صلى الله عليه وسلم من الكرامات والخوارق الكونية. ما لم يعطي احدا من الرسل. انشق له القمر وسلم عليه الشجر والحجر ونبع الماء من بين اصابعه. واستقى الخلق الكثير من الماء القليل. واشبع الخلق العظيم من الطعام اليسير. وابرأ الله بدعواته امراضا كثيرة وانزل الله الغيث بدعوته في قضايا كثيرة. عصمه الله من الناس ونصره في مواطن كثيرة نصرا خارقا للعادة ونصر الله امته في مواطن كثيرة. واكرم الله الرسل والاولياء في امور خارقة للعادة وهذه الامور كلها مما ينكرها اهل هذا المذهب الخبيث وعلم انه مناف للايمان بالرسل من كل وجه. وان من زعم انه يبقى مع صاحبه من الايمان شيء فهو مغرور مكابر واما بطلانه عقلا وفطرة. فان العقلاء كلهم مطبقون على انقياد العالم العلوي والسفلي الى ارادة الله وقدرته ولم ينكر ذلك احد الا من جحد الله ولم يثبت وجوده. وهؤلاء علم ان عقولهم قد مرجت وانكار الامور المحسوسة التي لا يزال الله يريها عباده في جميع الاوقات ومن فروع هذا المذهب الانكار بان الله ينقذ المضطرين. ويجيب دعوات الداعين ويغيث اللهفات. ويكشف الكربات وانما هي عندهم الاسباب تتفاعل وتتغالب. فجحدوا ما علم بالضرورة من شرائع الانبياء. وما اقرت به الخليقة. واعترفت به وفطروا عليه. وبذلك حكموا لانفسهم بمفارقة العقل والدين. ومن فروع ذلك انكار قصة ادم الى الارض وخلق الله اياه وايحائه اليه. وجميع ما تحتوي قصته مع زوجه ومع ابليس. وانكار انه اول انسان وزعموا ان الانسان في اول امره مكث مدة طويلة لا يتكلم ولا يعبر عما في ضميره. ثم انتقل من ذلك الطور البهيمي الى طور الاشارات دون التكلم باللغات ثم مكث ما شاءت الطبيعة لا ما شاء الله. فتطور وصار يتكلم فجحدوا ما جاءت به الرسل. ونزلت به الكتب اتبعوا ما تخرصه المعطلون الملحدون الذين بنوا نظرياتهم على تخرصات لا تنبني على العلوم المعقولة ولا العلوم المحسوسة ومن فروع هذا المذهب الخبيث ان هذا العالم لا يزال ولا يزال. وان الله لا يغيره ولا ينقل العباد من هذه الدار الى دار الجزاء فانكروا مقصود ما جاءت به الكتب السماوية والرسل الكرام. وما دلت عليه الادلة العقلية الصريحة. التي لا تقبل ريبا ولا لا اشكال فان الطبيعة خلق من خلق الله. فهو الذي خلقها وطبعها ودبرها وسخرها. فتبا لمن جعلها ربه واله هو يشاهد في ايات الله في الافاق. وفي الانفس اكبر الادلة والبراهين على ربوبيته رب العالمين. وان الموجودات منقادة لارادته مصرفة بقدرته. فبهذا التفصيل يتضح ان هذا القول الاخير ليس مذهبا لاحد من المعترفين بالاديان وانما هو مأخوذ عن زنادقة الفلاسفة. القائلين بقدم العالم وان الله لا يقدر على شيء كي ولا يعلم شيئا من الجزئيات ومذهب هؤلاء معروف انهم لا يصدقون برسالة احد من الرسل. ولا يقرون بشيء من الكتب واما المذهب الذي حكيناه عن الجبرية فمع بطلانه فاهله احسن بكثير كثير من اولئك فانهم ينتسبون الى الدين ويعظمون الرسول ولكنهم غلوا في القضاء والقدر. فسلبوا العبد قدرته ضلالا منهم وجهل اهلا مع ايمانهم بالله وملائكته وكتبه ورسله. واليوم الاخر والقدر خيره وشره. لكنهم سلطوا اعداء الرسل على لمين ؟ حيث نسبوا مذهبهم للدين. والدين بريء منهم. فحمل عليهم الفلاسفة وسفهوا رأيهم في هذا. وظنوا انهم بذلك انتصروا على الدين ولكن الدين الحقيقي يخطئ هؤلاء ويضللهم. ويحث العباد على القيام بالاسباب النافعة في الدين والدنيا تضهم على الاجتهاد فيها وعلى الاستعانة بالله وبحوله وقوته. وكذلك الدين الحقيقي والعقل الصحيح. يخبر ان ضلال هؤلاء الفلاسفة المعطلين في الاسباب افظع من ضلال الجبرية. حيث جعلوا الاسباب مستقلة منقطعة عن قضاء الله وقدره وانكروا الاصول السابقة العظيمة لهذا الاصل القبيح