المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله المثال الاول محاورة في احكام المياه وانقسامها. قال المتوكل على الله المياه باعتبار ما تتنوع اليه شرعا ثلاثة اقسام احدها طهور بنفسه مطهر لغيره وهو الذي لم يتغير بشيء طاهر ولا بشيء نجس. تغيرا بمقره او ممره بشيء طاهر. وهذا النوع هو المختص برفع الاحداث وازالة الاخباث من الابدان والثياب وغيرها طاهر في نفسه غير مطهر لغيره لاسباب. اما ان يكون مرفوعا به حدث اكبر او اصغر وهو يسير. وذلك لانه استعمل في عبادة على وجه الائتلاف. فلم يستعمل فيها ثانيا قياسا على الكفارات. واما ان ينتقل الماء وعن اسمه المطلق الى التقييد فيتغير بشيء من الطاهرات تغيرا كثيرا. بحيث يقال فيه ماء زعفران او ماء حبر او نحوها من التقييدات فهذا وجه انه طاهر لكونه لا يدخل في لفظ الماء المطلق الذي امر الشارع بالتطهر به ماله فحيث انتقل عن الاسم المطلق انتقل عن الحكم. فتعين انه طاهر غير مطهر. ويصير وجوده كعدمه. كما لو كان معدوما حس او معجوزا عن ثمنه. ويتفرع على هذا النوع الماء الذي خلت به المرأة برفع الحدث. فانه لا يرفع وحدث الرجل فهذا يشارك الطاهر في منع رفع حدث الرجل ويشارك الطهور في جواز استعماله في غير هذا النوع من الطهارات في الشرعية. الثالث من المياه النجس. وهو نوعان متغير احد اوصافه بالنجاسة مطلقا. وملاق للنجاسة اذا كان اقل من قلتين ولو لم يتغير. اما المتغير فللإجماع واما الملاقي فلحديث ابن عمر المشهور اذا بلغ ماء كلتين لم يحمل الخبث او لم ينجسه شيء. رواه اهل السنن. فمفهومه انه اذا لم يبلغ قلتين فانه بمجرد الملاقاة وعلى هذا الحديث المقيد تحمل بقية الاحاديث المطلقة. كقوله ان الماء طهور لا ينجسه شيء ونستثني من هذا النوع الماء المتغير بمجاورة نجاسة فانه لا ينجس ولا يكره لانه تغيير مجاورة لا مخالطة فبانما ذكرنا على وجه الاختصار ان المياه ثلاثة طهور وطاهر ونجس. وقد ذكرنا احكامها. فقال المستعين بالله انما دلت الادلة الشرعية الظاهرة على ان المياه نوعان طهور ونجس. فما تغير احد اوصافه بالنجاة فهو نجس قليلا كان او كثيرا. تغير بمخالطة او مجاورة او غيرها. وما سوى ذلك فانه طهور لا فرق بين الباقي على خلقته والمتغير بملوحة او مرارة او حرارة او مقره او ممره او وضع فيه شيء طاهر طير به او استعمل في حدث او غيره. فكل ما لم يتغير بالنجاسات فانه طهور. يجوز بل يجب استعماله في طهارة الاحداث والاخباث في الابدان والثياب وغيرها. وعلى هذا الاصل تدل الادلة الشرعية فان الله اخبر ان الماء الذي انزله من السماء وانبعه من الارض طهور مطهر. كذلك النبي صلى الله عليه وسلم اخبر ان الماء طهور لا ينجسه شيء. الا ما غير احد اوصافه بالنجاسة فاذا وجد الانسان ماء متغيرا بالطاهرات على اختلاف انواعها فانه داخل في قوله تعالى الا فلم تجدوا ما ان فتيمموا فلا يحل العدول عنه الى التيمم. فلا يحل العدول الى التيمم مع وجود هذا المال سواء كان ماء مطلقا او مقيدا بماء زعفران او غيره. وايضا فاثبات قسم طاهر غير مطهر. لم يدل عليه حديث كن صحيح ولا حسن ولا اصل من الاصول الشرعية ولو كان هذا النوع ثابتا شرعا. تعين ان يبينه الشارع بيانا تاما واضحا لا يخفى على احد عظم مصلحته وشدة الحاجة اليه. فكل امر اشتدت حاجة العباد اليه بينه الشارع. وبرهن عليه التي لا تبقي شبهة ولا اشكالا. ولم يحوجنا الى ان نأخذ المسألة العظيمة من قولهم. لانه ليس بماء مطلق او نقيسه الكفارات ثم ان القائلين بهذا القول لم يطردوا قولهم. القول المتناقض من اكبر الادلة على ضعفه تناقضه وعدم اضطرابه فانهم قالوا المتغير بالطاهرات ان كان بمقره او ممره او بما يشق صون الماء عنه لا يضر هذا تغير فان وضع فيه الطاهر قصدا او تغير به عن ممازجة سلبه الطهورية. ومن المعلوم ان الشارع لا يفرق بين متماثلين بل يحكم لهما بحكم واحد كما لو تغير ماء بالنجاسة فان الشارع لم يفرق بين تغيره بمقره او ممره او وضع واضح قصدا او بغير قصد فكله نجس. وكذلك هذا كله طهور. كذلك من هذا النوع تفريقكم بين تغيره بما هو من جنس التراب او بملح مائي اصله الماء او ملح معدني هو من هذا النوع. لا يمكن ان يفرق الشارع بين امرين من دون باوصاف شرعية متباينة. واما ما خلت به المرأة فقد اعترفتم انتم بضعف هذا القول. فقلتم لو لم يجد ما يرفع به حدثه الا هذا الماء استعمله ثم تيمم وهذا لا نظير له شرعا. بل ان كان طهورا لم يعدل الى التيمم. وان كان ممنوعا وعدل الى التيمم من دون استعماله. كما قد اعترفتم بضعفه باعترافكم بانه ماء طهور. تستعمله النساء في الحدث والخبث منه الصبيان كذلك ويستعمله الرجال في ازالة الخبث. واذا لم تتم المرأة طهارتها بل بقي من غسلها او وضوئها اصبع مثلا جاز للرجل ان يرفع به الحدث فعلم بهذا انه طهور من كل وجه. مع ان الاصل طهارته مع قوله صلى الله عليه وسلم ان الماء لا يجنب. والحديث الذي فيه نهي النبي صلى الله عليه وسلم ان يتوضأ الرجل بفضل المرأة ضعفه اهل العلم ولو فرض الاحتجاج به لم يقاوم الادلة الواضحة الصحيحة. ولو احتج به لوجب منع الرجل منه من كل شيء. فعلم ان قول بالمنع من اضعف الاقوال ولله الحمد. واما قولكم ان الماء الملاقي للنجاسة اذا لم يبلغ قلتين ينجس او لم يتغير لحديث ابن عمر السابق فحديث ابن عمر انما الاستدلال به استدلال بالمفهوم. والمفهوم باتفاق الاصوليين لا عموم له فانه اخبر انه اذا بلغ كلتين لم يحمل الخبث. فمفهومه انه اذا لم يبلغهما فقد يحمله. فبين به وصف الجنس لكثرة النجاسة وقوتها وقلته. وقد لا يحملها. فالقائلون ان الماء لا ينجس الا بالتغير. لا يمتنعون من القول بحديث ابن عمر فيقولون ان حمل الخبث يعني ان كان الخبث فيه محمولا اي قد ظهرت فيه اوصافه نجس والا افلا فان قلتم على هذا ايضا اذا بلغ قلتين فان هذا حكمه ان تغير نجس والا فلا. قلنا ان هذا اخبار عن ان الماء اذا بلغ هذا المبلغ فانه لا يحمل الخبث غالبا. لكثرته ودفعه النجاسات. وقد تكثر النجاسة او الا عليه فيبين به اوصافها فينجس بالاتفاق. حديث بئر بضاعة اصح من هذا الحديث. ويدل بمنطوقه على ان الماء طهور وظاهره سواء بلغ كلتين او لم يبلغ ما لم يتغير فيدل على صحة هذا القول انه لو كان ملاقاة الماء الذي دون القلتين للنجاسة ينجسه. ولو لم يغيره لبين الشارع بيانا مزيلا للاشكال. رافعا اكتمال وايضا فان الشارع يحكم للمتماثلات بحكم واحد لا يفرق بينها. فالماء الذي وقعت فيه نجاسة لم تغيره سواء كان ثلاث قرب او اربع قرب او خمسا او اكثر الكل لم تؤثر فيه ولا في صفاته شيئا فيتعين ان حكمها واحد وهو الطهورية. وايضا فقوله تعالى فلم تجدوا ماء يتناولوا هذا الماء الذي لم تغيره النجاسة ولو كان قليلا فلما وصل البحث الى هذا قال المتوكل على الله هب اننا وافقناك على القول بان الماء نوعان فقط كما قررته دلت عليه فانه ليس عندنا ما ندفع به هذه الادلة. وليس لنا ان ندفعها بمجرد الجمود على قولنا. فان القصد ظهور الحق فلا نبالي ظهر في جانب القول الذي ننشره او تنصره انت. ولكن ما جوابك عن امر النبي صلى الله عليه وسلم باهراق ما بلغ فيه الكلب ثم غسله سبع مرات احداها بالتراب. اليس في هذا اكبر دليل على ان الماء القليل اذا لاقته النجاة انه ينجس ولو لم يتغير لان ظاهر هذا انه يسير. فقال المستعين بالله جوابي عنه من وجوه. احدها ان الماء اليسير جدا اذا لاقته النجاسة وخصوصا اذا تكررت عليه تكرر الوغ فاننا نحكم بنجاسته. لان القليل تجد في مظنة التغير وخصوصا اذا لم تتميز النجاسة في لونها عن الماء. وبهذا الجواب قال بعض المالكية وهم يقولون ان الماء لا ينجس الا بالتغير. ثانيا انه يحتمل ان هذا في الماء الذي تغير بلعاب الكلب. ويكون هذا جمعا بين الادلة الدالة على انه لا ينجس الماء الا بالتغير. ثالثا ما قاله المالكية ان الامر بغسل ولوغ الكلب ليس لاجل نجاسته وانما هو لمخالطة لعابه الضار بالشارب والمتطهر. واحسن الاجوبة هو الجواب الاول. الحاصل ان قول الصحيح الذي تدل عليه الادلة الشرعية ان المتغير بالنجاسة نجس لكونه خبيث. فيدخل في الخبائث التي حرمها الله واجمع العلماء عليه وما عداه فانه طهور مطهر على اي صفة كان وما سوى هذا القول فضعيف لعدم الدليل على اثباته وتكون مسائله غير مضطردة ولا جارية على القواعد الشرعية والله اعلم