المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله المثال الثاني في تطهير الابدان والثياب وغيرها من النجاسات. قال المستعين بالله كل محل نجس يطرأ نجاسة عليه ماء او بدن او ثوب او انية او اراض او غيرها فانه يطهر بزوال النجاسة عنه بان تزول عينها ولا يشترط ثلاث غسلات ولا سبع ولا اقل ولا اكثر الا نجاسة الكلب. وما الحق به لورود الشرع به فانه لا بد فيه من سبع غسلات واحداها بتراب. وهذا القول هو الذي تكثر الادلة على صحته. فان الشارع امر وبتطهير النجاسات على الابدان والثياب وغيرها من غير اشتراط عدد معين. ولم يثبت في العدد حديث يحتج به. يؤيد ان النجاسات اعيان فما دامت العين باقية فحكمها باق فاذا زالت عينها زال الحكم معها. ويؤيد هذا ان النجاسات انما نجست لخبثها. فما دام الخبث باقيا فالنجاسة باقية. فاذا زال الخبث زالت النجاسة. يؤيد هذا ان الماء الكثير المتغير بالنجاسة نجس. فاذا زال تغيره طهر. فعلم ان الحكم يدور مع علته وجودا وعدما. يؤيدها هذا ان النجاسة لو لم تزل بعد سبع الغسلات لم يطهر المحل حتى تزول. فعلم ان العدد غير معتبر وهو المطلوب قال المتوكل على الله النجاسة قسمان. قسم حكمه كما ذكرت وهو النجاسة على الارض. وما اتصل بها من الحيطان والاحواض ونحوها. فيكفي غمرها بالماء بحيث تزول عين النجاسة كما امر النبي صلى الله عليه وسلم بصب ذنوب من ماء ماء على بول الاعرابي ولم يؤمر بتكرار فيه. وقسم يشترط فيه سبع غسلات مع زوال عين النجاسة. وذلك قياسا على نجاسة الكلب فان الشارع امر فيه بسبع وتراب. فنقيس عليه كل نجاسة على غير الارض من جهة العدد. لا من جهة التراب يؤيد هذا الحديث الذي ذكره فقهاؤنا رحمهم الله وهو حديث ابن عمر رضي الله عنهما امرنا بغسل الانجاس سبعا. وهذا نص صريح في المسألة. واذا قال الصحابي امرنا او نهينا او نحوهما فانه ينصرف ذلك الى امر النبي صلى الله عليه وسلم ونهيه لانه هو المشرع الذي يطاع امره ويجتنب نهيه. اتضح بهذا ان النجاسات كلها اذا لم تكن على الارض لابد فيها من سبع غسلات مع زوالها وهو المطلوب. فقال المستعين بالله هذه الادلة التي استدللت بها على هذا التفريق لا تدل على المطلوب. اما حديث ابن عمر فما افرحه من حديث لو كان ثابتا عن النبي صلى الله عليه وسلم. ولكنه حديث ساقط لا يصوغ الاحتجاج به. واما قياس سائر النجاسات على نجاسة الكلب. فغير صحيح من وجهين. احدهما شارع فرق بين الامرين وامر بغسل نجاسة الكلب سبعا مع التراب وامر بغسل سائر النجاسات لازالتها من دون اشتراط عدد الوجه الثاني ان قياسكم هذا غير مضطرد والقياس المنتقض لا يصلح الاحتجاج به. فانكم لا تقولون باشتراط التراب في غير نجاسة الكلب والخنزير فلو كان الالحاق صحيحا لوجب الالحاق في العدد والتراب. واما احتجاجكم بحديث امر النبي صلى الله عليه وسلم بصب الذنوب على بول الاعرابي فهو من جملة حججنا فانه لم يأمر بتكرار غسلها وما سوى الارض والارض كلها على حد سواء لا يفرق الشارع بين متماثلين لو فرض انه لم يرد سوى حديث انس المذكور فكيف وبقية النصوص الدالة على ازالة ليس فيها شيء يأمر بالعدد. فقال المتوكل على الله من لوازم قولكم هذا ان الاستحالة تطهر ولو لم تغسل النجاسة فقال المستعين بالله نقول بهذا اللازم وان العين اذا كانت خبيثة نجسة ثم استحالت فصارت طيبة وزال عنها فانها تطهر وهذا متفق عليه في مسائل مختلف فيه في اخرى. فالماء اذا استحال من تغيره بالنجاسة الى زواله تغير طهر قولا واحدا اذا كان كثيرا. والعلقة اذا صارت حيوانا طهرت قولا واحدا. الخمرة اذا استحالت وزالت خمريا وصارت خلا طهرت قولا واحدا. فكذلك بقية المسائل كما اذا استحالت النجاسة بمخالطة ملح او صابون او غيرهما ان النجاسة في الحقيقة دائرة مع الخبث وجودا وعدما. فالشيء الخبيث نجس لخطفه. فاذا زال خبثه طهر لزوال علته فهذه الادلة كما ترى قوتها. فان كان عندك شيء تجيب به عنها جوابا صحيحا فات به. لنرى مرتبته والحق ضالة المحق واذا لم يكن عندك سوى ما ذكرت من الادلة وهو كذلك فيلزمك الانقياد الى الحجة والانقياد الى الحجة الراجحة هو مطلوب الطرفين. فقال المتوكل على الله قد رجعت الى قولك واحمد الله على ظهور البرهان وبيانه. كما اني احمد الله ان وفقني انقيادي له. اخبرك ايها الاخ اني وان كنت ارى في الوقت الماضي القول الذي نصرته اولا. فاني جازم بحول الله وقوته انني مثاب على تقريره ونصرته. لان هذا هو اعتقادي فيه سابقا. ومن كان معتقدا لقول ضعيف ثم تبين له بعد ذلك كضعفة فانه بمنزلة من كان يعمل على حكم ثم نسخ. فانه مأجور على عمله السابق واللاحق. وما كان الله ليضيع ايمانكم ان الله بالناس لرؤوف رحيم. وانما الخشية على من اصر على التعصب على قول اتضح له ضعفه. ولكن من الاغراض اصر عليه فنسأل الله العافية والسلامة والتوفيق لمعرفة الصواب واتباعه