من الجهتين اداء لحق الله ووفاء بحق من وثق فيك ومكافأة له. فصل. قال الله تعالى ان خير من استأجرت القوي الامين. وقال يوسف اجعلني على خزائن الارض اني حفيظ عليم في بعض الايات بعدة قيود. قيد هدايته بانه هدى للمؤمنين المتقين. لقوم يعقلون ويتفكرون ولمن قصده الحق. وهذا بيان منه تعالى لشرط هدايته. وهو ان المحل لابد ان يكون قابلا وعاملا المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب اليه. ونعوذ بالله من شرور انفسنا وسيئات اعمالنا من يهدي الله فلا مضل له. ومن يضلل فلا هادي له. واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم تسليما كثيرا. اما بعد فقد كنت كتبت كتابا في تفسير القرآن مبسوطا مطولا. يمنع القراء من الاستمرار بقراءته. ويفطر العزم عن نشره. فاشار علي بعض العارفين الناصحين ان اكتب كتابا غير مطول. يحتوي على خلاصة ذلك التفسير. ونقتصر فيه على الكلام على بعض الايات التي نختارها وننتقيها من جميع مواضيع علوم القرآن ومقاصده. استعنت الله على العمل في هذا رأي الميمون لامور كثيرة منها انه بذلك يكون متيسرا على المشتغلين معينا للقارئين ومنها ان القرآن العظيم ليس كغيره من الكتب في الترتيب والتبويب. لانه بلغ في البلاغة نهايتها. وفي الحسن غايته وفي الاسلوب البديع والتأثير العجيب. ما هو اكبر الادلة على انه كلام الله. وتنزيل من حكيم حميد سنجده في اية واحدة يجمع بين الوسائل والمقاصد. وبين الدليل والمدلول وبين الترغيب والترهيب. وبين من العلوم الاصولية والفروعية. وبين العلوم الدينية والدنيوية والاخروية. وبين الاغراض المتعددة والمقاصد النافعة ويعيد المعاني النافعة على العباد. ليتم علمهم وتكمل هدايتهم. ويستقيم سيرهم على الصراط المستقيم وعمل فالوقوف على تفسير بعض القرآن يعين اعظم عون على معرفة باقيه. الله جعله مثاني تثنى فيه العلوم النافعة والمعاني الجليلة الكاملة. وهذا من تيسيره تعالى لكتابه. قال تعالى ولقد يسرنا القرآن كان للذكر فهل من مدكر؟ ومما يدعو الى هذا ما تحتوي عليه هذه المقدمة المذكورة بقولنا مقدمة في ذكر اوصاف القرآن العامة الجامعة. قد وصف الله كتابه باوصاف جليلة عظيمة تنطبق على جميعه. وتدل كل اكبر دلالة على انه الاصل والاساس لجميع العلوم النافعة. والفنون المرشدة لخير الدنيا والاخرة. وصفه الهدى والرشد والفرقان. وانه مبين وتبيان لكل شيء. فهو في نفسه هدى ويهدي الخلق لجميع ما يحتاجون من امور دينهم ودنياهم. ويرشدهم الى كل طريق نافع. ويفرق لهم بين الحق والباطل. والهدى ضلال وبين اهل السعادة والشقاوة بذكر اوصاف الفريقين. وفيه بيان الاصول والفروع. بذكر ادلتها النقلية والعقلية فوصفه بهذه الاوصاف المطلقة العامة. التي لا يشذ عنها شيء في ايات كثيرة. وقيد هدايته فلا بد لهدايته من عقل وتفكير وتدبر لاياته. فالمعرض الذي لا يتفكر ولا يتدبر اياته لا ينتفع ومن ليس قصده الحق ولا غرض له في الرشاد بل قصده فاسد وقد وطن نفسه على مقاومته ومعارضته ليس له من هدايته نصيب. فالاول حرم هدايته لفقد الشرط. والثاني لوجود المانع. فاما من اقبل عليه وتفكر في معانيه وتدبرها بحسن فهم. وحسن قصد وسلم من الهوى فانه يهتدي به الى كل مطلوب. وينال به كل غاية جليلة ومرغوب. ووصفه بانه رحمة وهو الخير الديني والدنيوي والاخروي. المترتب على الاهتداء بالقرآن. فكل من كان اعظم اهتداء به فله من الرحمة والخير والسعادة والفلاح بحسب ذلك. ووصفه بانه نور. وذلك لبيانه وتوضيحه العلوم النافعة والمعاني الكاملة. وان به يخرج العبد من جميع الظلمات. ظلمات الجهل والكفر والمعاصي والشقاء. الى العلم واليقين والايمان والطاعة والرشاد المتنوع. ووصفه بانه شفاء لما في الصدور. وذلك يشمل جميع امراض القلوب. فهو يوضح امراض القلوب ويشخصها. ويرشد العباد الى كل وسيلة يحصل بها زوالها وشفاؤها. فيذكر لهم امراض الجهل والشكوك والحيرة واسباب ذلك. ويرشدهم الى قلعها بالعلوم النافعة واليقين الصادق وسلوك الطرق الصحيحة المزيلة لهذه العلل. ويذكر لهم امراض الشهوات والغي. ويبين لهم اسبابها وعلاماتها واثارها الضارة. ويذكر لهم ما به تعالج من المواعظ والتذكر والترغيب والترهيب والمقابلة بين الامور وترجيح ما ترجحت مصلحته العاجلة والاجلة. ووصفه بانه كله محكم وكله متشابه في الحسن. وبعضه متشابه من وجه محكم من وجه اخر. فاما وصفه في عدة ايات انه كله انه محكم فلبلاغاته وبيانه التام. واشتماله على غاية الحكمة في تنزيل الامور منازلها. ووضعها مواضعها وانه متفق غير مختلف. ليس فيه اختلاف ولا تناقض بوجه من الوجوه. واما حسنه فلما فيه من البيان التام لجميع الحقائق. ولانه بين احسن المعاني النافعة في العقائد والاخلاق والاداب. فهي في غاية حسن لفظا ومعنى. واثارها احسن الاثار. وكل هذه المعاني المثناة في القرآن يشهد بعضها لبعض في الحسن والكمال ويصدق بعضها بعضا. واما وصفه بان منه ايات محكمات هن ام الكتاب واخر متشابهات فالمتشابهات هي التي يقع الاشكال في دلالتها لسبب من الاسباب اللفظية والعبارات المركبة. فامر الله بردها الى المحكمات الواضحة بينت المعاني. التي هي نص في المراد. فاذا ردت المتشابهات الى المحكمات صارت كلها محكمات. وزال الشك والاشكال. وحصل البيان للهدى من الضلال. ووصفه بانه قل له صلاح ويهدي الى الاصلاح. والى اقوم الامور وارشدها وانفعها في كل شيء من دون استثناء. وهذا قصف المحيط لا يخرج عنه شيء. فهو اصلاح للعقائد والقلوب. وللاخلاق والاعمال. ويهدي الى كل صلاة الصعاب وذلت له الرقاب. العظيم الجامع لجميع صفات العظمة والكبرياء والمجد. الذي تحبه قلوب وتعظمه الارواح. ويعرف العارفون ان عظمة كل موجود جلت عن الصفة فانها مضمحلة في جانب عظمة ديني ودنيوي. بحيث تقوم به الامور وتعتدل به الاحوال. ويحصل به الكمال المتنوع من كل وجه ارشادي الى كل وسيلة نافعة تؤدي الى المقاصد والغايات المطلوبة. فلا سبيل الى الهداية والصلاح والاصلاح لجميع الامور الا بسلوك الطرق التي ارشد القرآن اليها. وحث العباد عليها. فمتى عرفت ان القرآن العظيم موصول كله بهذه الاوصاف التي هي اعلى الاوصاف واكملها واتمها وانفعها للعباد. وانه اعيدت فيه هذه المعاني الجليلة ومزجت فيه مزجا عجيبا غريبا في كماله وحسنه. فهمت ان طالب العلم اذا وقف على تفسير في بعض الايات تدرب بها وتوسل بها الى معرفة بقية الايات. لهذه الاسباب وغيرها رأينا ان المصلحة حتى تدعو الى الاقتصار على خلاصة ذلك التفسير. راجين من الرب ان يتم نعمته وان يحصل به المقصود ان الاحسن ان نذكر كل موضوع على حدته. لما فيه من التقريب والسهولة وجمع المعاني التي هي من فن واحد في موضع واحد مع انه كما تقدم لابد ان يدخل في ايات الاصول كثير من الفروع. وفي ايات الفروع كثير من الاصول ويدخل فيها من الترغيب والترهيب والقصص شيء كثير. وهذا المزج العجيب من كمال القرآن عظم تأثيره فانه كتاب تعليم يزيل الجهالات المتنوعة. وكتاب تربية يقوم الاخلاق والاعمال فهو يعلم يقوم ويهذب ويؤدب باعلى ما يكون من الطرق. التي لا يمكن للحكماء والعقلاء ان يقترحوا ومثلها ولا ما يقاربها. علوم التوحيد والعقائد والاصول. بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين مين؟ الرحمن الرحيم. مالك يوم الدين. اياك نعبد واياك نستعين. اهدنا الصراط صراط المستقيم. صراط الذين انعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين اي ابتدأ بكل اسم لله تعالى. لان لفظ اسم مفرد المضاف فيعم جميع اسماء الله الحسنى. فيكون العبد مستعينا بربه وبكل اسم من اسمائه على ما يناسبه من المطالب. واجل ما يستعان به على عبادة الله. واجل ذلك الاستعانة على قراءة كلام وتفهم معانيه والاهتداء بهديه. الله هو المألوه المستحق لافراده بالمحبة والخوف والرجاء وانواع العبادة كلها. لما اتصف به من صفات الكمال. وهي التي تدعو الخلق الى عبادته والتأله له الرحمن الرحيم. اسمان دالان على انه تعالى ذو الرحمة الواسعة العظيمة. التي وسعت كل شيء. وعم كل مخلوق. وكتب الرحمة الكاملة للمتقين المتبعين لانبيائه ورسله. فهؤلاء لهم الرحمة المطلقة متصلة بالسعادة الابدية. ومن عاداهم محروم من هذه الرحمة الكاملة. لانه هو الذي دفع هذه الرحمة واباها بتكذيبه للخبر وتوليه عن الامر فلا يلومن الا نفسه. واعلم ان من القواعد المتفق عليها بين سلف الامة وائمتها ما دل عليه الكتاب والسنة من الايمان باسماء الله كلها وصفاته جميعها احكام تلك الصفات فيؤمنون مثلا بانه رحمن رحيم. ذو الرحمة العظيمة التي اتصف بها المتعلقة فالنعم كلها اثار رحمته. وهكذا يقال في سائر الاسماء الحسنى. فيقال عليم ذو علم عظيم يعلم به كل شيء. قدير ذو قدرة يقدر على كل شيء. فان الله قد اثبت لنفسه الاسماء حسنى والصفات العليا واحكام تلك الصفات. فمن اثبت شيئا منها ونفى الاخر كان مع مخالفته للنقل والعقل متناقضا مبطلا. الحمد لله الحمد هو الثناء على الله بصفات الكمال. وبافعاله الدابة بين الفضل والعدل المشتملة على الحكمة التامة. ولابد في تمام حمد الحامد من اقتران محبة الحامد ربه وخضوعه له. فالثناء المجرد من محبة وخضوع ليس حمدا كاملا. رب العالمين الرب هو المربي جميع العالمين بكل انواع التربية. فهو الذي خلقهم ورزقهم وانعم عليهم بالنعم الظاهرة والباطنة وهذه التربية العامة لجميع الخلق برهم وفاجرهم بل المكلفين منهم وغيرهم. واما التربية الخاصة لانبيائه واوليائه فانه مع ذلك يربي ايمانهم فيكمله لهم. ويدفع عنهم الصوارف والعوائق التي تحول بينهم وبين صلاحهم وسعادتهم الابدية. وتيسيرهم لليسرى وحفظهم من جميع المكاره. وكما دل ذلك على انفراد الرب بالخلق والتدبير والهداية وكمال الغنى. فانه يدل على تمام فقر العالمين اليه. بكل وجه واعتبار فيسأله من في السماوات والارض بلسان المقال والحال جميع حاجاتهم ويفزعون اليه في مهماتهم مالك يوم الدين المالك هو من اتصف بالصفات العظيمة الكاملة التي يتحقق بها الملك التي من اثارها انه يأمر وينهى ويثيب ويعاقب ويتصرف في العالم العلوي والسفلي التصرف التام اما المطلق بالاحكام القدرية والاحكام الشرعية واحكام الجزاء. فلهذا اضاف ملكه ليوم الدين. مع ان المالك المطلق في الدنيا والاخرة. فانه يوم القيامة الذي يدين الله فيه العباد باعمالهم خيرها وشرها ويرتب عليها جزاءها وتشاهد الخليقة من اثار ملكه وعظمته وسعته وخضوع الخلائق كلها لعظمته وكبريائه واستواء الخلق في ذلك اليوم على اختلاف طبقاتهم في نفوذ احكامه عليهم ما يعرفون به كمال ملكه وعظمته سلطانه اياك نعبد واياك نستعين. اي نخصك يا ربنا وحدك بالعبادة والاستعانة. فلا نعبد غيرك ولا الا نستعين بسواك. فالعبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه. من الاعمال والاقوال الظاهرة والباطنة فهي القيام بعقائد الايمان واخلاقه واعماله. محبة لله وخضوعا له. والاستعانة هي الاعتماد على الله في جلب المنافع ودفع المضار مع الثقة به في حصول ذلك. وهذا التزام من العبد بعبودية ربه. وطلب من ربه ان يعينه على القيام بذلك. وبذلك يتوصل الى السعادة الابدية والنجاة من جميع الشرور. فلا سبيل ذلك الا بالقيام بعبادة الله والاستعانة به. وعلم بذلك شدة افتقار العبد لعبادة الله والاستعانة به اهدنا الصراط المستقيم. اي دلنا وارشدنا ووفقنا للعلم بالحق والعمل به. الذي هو الصراط المستقيم المعتدل الموصل الى الله والى جنته وكرامته. وهذا يشمل الهداية الى الصراط. وهي التوفيق للزوم دين الاسلام وترك ما سواه من الاديان الباطلة. ويشمل الهداية في الصراط وقت سلوكه علما وعملا. فهذا الدعاء من اجمع الادعية وانفعها للعبد. ولهذا اوجبه الله ويسره. وهذا الصراط هو صراط الذين انعمت عليهم بالنعمة التامة المتصلة بالسعادة الابدية. هم الانبياء والصديقون والشهداء والصالحون غير المغضوب عليهم وهم الذين عرفوا الحق وتركوه. كاليهود ونحوهم ولا الضالين. الذين ضلوا عن الحق كالنصارى ونحوهم. فهذه السورة على ايجازها قد جمعت علوما جما. تضمنت انواع توحيد الثلاثة. توحيد الربوبية يؤخذ من قوله رب العالمين. وتوحيد الالوهية من قوله اياك نعبد واياك اياك نستعين فهو المألوه بعبادته والاستعانة به. توحيد الاسماء والصفات بان يثبت لله صفات الكمال كلها التي اثبتها لنفسه. واثبتها له رسوله صلى الله عليه وسلم. وقد دل على ذلك اثبات الحمد لله فان الاسماء الحسنى والصفات العليا واحكامها كلها محامد ومدائح لله تعالى. وتضمنت اثبات الرسالة في قوله اهدنا الصراط المستقيم. لانه الطريق الذي عليه النبي صلى الله عليه وسلم. وذلك فرع عن الايمان بنبوة ورسالته. وتضمنت اثبات الجزاء وانه بالعدل. وذلك مأخوذ من قوله مالك يوم الدين وتضمنت اثبات مذهب اهل السنة والجماعة في القدر. وان جميع الاشياء بقضاء الله وقدره. وان العبد فاعل حقيقي ليس مجبورا على افعاله. وهذا يفهم من قوله اياك نعبد واياك نستعين. فلولا ان مشيئة العبد مضطر فيها الى اعانة ربه وتوفيقه لم يسأل الاستعانة. وتضمنت اصل الخير ومادته وهو الاخلاص الكامل لله في قول العبد اياك نعبد واياك نستعين. ولما كانت هذه السورة بهذه العظمة والجلال اوجبها الشارع على كل المكلفين في كل ركعة من صلاتهم فرضا ونفلا. وفيها تعليم من الله لعباده كيف يحمدونه ويثنون عليه ويمجدونه بمحامده. ثم يسألون ربهم جميع مطالبهم. ففيها دليل على احتقارهم الى ربهم في الامرين. مفتقرين اليه في ان يملأ قلوبهم من محبته ومعرفته. ومفتقرين اليه في ان بمصالحهم ويوفقهم لخدمته. والحمد لله رب العالمين. اثنان قوله تعالى قولوا انا بالله وما انزل الينا وما انزل الى ابراهيم واسماعيل واسحاق ويعقوب واسحاق ويعقوب والاسباط وما اوتي موسى وعيسى وما اوتي النبي من ربهم لا نفرق بين احد منهم ونحن له مسلمون. هذه الاية الكريمة لها لها شأن كبير. كان عليه الصلاة والسلام يقرأها كثيرا في الركعة الاولى من سنة الصبح. وقد اشتملت على جميع ما يجري الايمان به. فان الايمان الشرعي هو تصديق القلب التام. واقراره بهذه الاصول. المتضمن لاعمال الجوارح ولاعمال القلوب. وهو بهذا الاعتبار يدخل فيه الاسلام. وتدخل فيه الاعمال الصالحة كلها. فهي ايمان وهي من اثار الايمان. فاذا اطلق الايمان دخل فيه ما ذكر. وكذلك اذا اطلق الاسلام فانه يدعو يدخل فيه الايمان. فاذا قرن بين الاسلام والايمان فسر الايمان بما في القلب من العقائد الصحيحة. والارادات الصالحة وفسر الاسلام بالاعمال الظاهرة. وكذلك اذا جمع بين الايمان والعمل الصالح فالايمان لما في الباطن والعمل الصالح هو الظاهر. ومع اطلاق الايمان يدخل فيه العمل الصالح. كما في كثير من الايات فقوله تعالى قولوا امنا بالله الى اخره اي قولوا ذلك بالسنتكم. متواطئة عليها قلوبكم. هذا هو القول التام الذي يترتب عليه الثواب والجزاء. فكما ان النطق باللسان بدون اعتقاد قلبي ليس بايمان بل هو نفاق. فكذلك القول الخالي من عمل القلب عديم التأثير قليل الفائدة. وفي قوله قولوا اشارة الى الاعلان بالعقيدة والصدع بها والدعوة لها. اذ هي اصل الدين واساسه. وفي مثل قوله من وما اشبهها من الايات التي يضاف الفعل فيها الى ضمير الجمع اشارة الى انه يجب على الامة الاعتقاد صاموا بحبل الله جميعا. والحث على الائتلاف والنهي عن الافتراق. وان المؤمنين كالجسد الواحد عليه السعي لمصالحهم كلها جميعا. والتناصح التام. وفيه دلالة على جواز اضافة الانسان الى نفسه الايمان على وجه التقييد بان يقول انا مؤمن بالله. كما يقول امنت بالله. بل هذا الاخير من اوجب الواجبات ما امر الله به امرا حتما بخلاف قول العبد انا مؤمن ونحوه. فانه لا يقال الا مقرونا بالمشيئة فيه من تزكية النفس. لان الايمان المطلق يشمل القيام بالواجبات وترك المحرمات. فهو كقوله انا اولي او من اهل الجنة. وهذا التفريق هو مذهب محققي اهل السنة والجماعة. فقوله امنا بالله اي بانه واجب الوجود. واحد احد فرد صمد. متصف بكل صفة كمال. منزه عن كل نقص مستحق لافراده بالعبودية كلها. وهو يتضمن الاخلاص التام. وما انزل الينا يدخل فيه الايمان بالفاظ الكتاب والسنة ومعانيهما. كما قال تعالى وانزل الله عليك الكتاب الكتاب والحكمة. وقال وانزلنا اليك الذكر لتبين للناس ما نزل اليهم. فيدخل فيها هذا الايمان ما تضمنه كتاب الله وسنة رسوله من اسماء الله وصفاته وافعاله وصفات رسله واليوم الاخر والغيوب كلها والايمان بما تضمنه الكتاب والسنة ايضا. من الاحكام الشرعية كالامر والنهي واحكام الجزاء وغيره لذلك وما انزل الى ابراهيم الى اخره فيه الايمان بجميع الكتب المنزلة على جميع الانبياء الايمان بالانبياء عموما. وخصوصا من نص عليهم منهم في الاية الكريمة وغيرها. لشرفهم ولكونهم اتوا بالشرائع الكبار فمن براهين الاسلام ومحاسنه وانه دين الله الحق. الامر بالايمان بكل كتاب انزله الله وقل لرسول ارسله الله مجملا ومفصلا. فكل من ادعى انه على دين حق كاليهود والنصارى ونحوهم فانهم يتناقضون فيؤمنون ببعض ويكفرون ببعض. فيبطل كفرهم وتكذيبهم تصديقهم. ولهذا اخبر عنهم انهم الكافرون حقا. وانه لا سبيل يسلك الى الله الا سبيل الايمان بجميع الرسل وبجميع الكتب المنزلة على الرسل. وفي قوله وما اوتي النبيون من ربهم برهان على ان الانبياء ووسائط بين الله وبين خلقه في تبليغ دينه. وانه ليس لهم من الامر شيء. وفي الاخبار بانه من ربهم بيان ان من كمال ربوبيته لعباده التربية التامة انه ارسل اليهم رسلا. وانزل عليهم كتبه ليعلموهم زكوهم ويخرجوهم من الظلمات الى النور. وانه لا يليق بربوبيته وحكمته ان يتركهم سدى لا يؤمرون ولا ينهون ولا يثابون ولا يعاقبون. ويفهم من الاية الكريمة الفرق بين الانبياء الصادقين. وبين من يدعي من الكاذبين. فان الانبياء يصدق بعضهم بعضا. ويشهد بعضهم لبعض. ويكون كل ما جاءوا به متفقا لا يتناقض لانه من عند الله محكم منتظم. واما الكذبة فانهم لابد ان يتناقضوا في اخبارهم اوامرهم ونواهيهم. ويعلم كذبهم بمخالفته لما يدعو اليه الانبياء الصادقون. فلما بين تعالى جميع ما فيجب الايمان به عموما وخصوصا وكان القول لا يغني عن العمل قال ونحن له مسلمون. اي خاضعون هنا لعظمته منقادون لعبادته بباطننا وظاهرنا. مخلصون له بذلك. فان تقديم المعمول على العام يدل على الحصر. فهذه الاصول المذكورة في هذه الاية قد امر الله بها في كتابه في عدة ايات من القرآن اجمالا وتفصيلا. واثنى على القائمين بها. واخبر بما يترتب عليها من الخير والثواب. وانها تكمل العبد وترقيه في عقائده واخلاقه وادابه. وتجعله عدلا معتبرا في معاملاته. وتوجب له خير الدنيا الاخرة. ويحيا بها الحياة الطيبة في الدارين. وتجلب له السعادتين وتدفع عنه شرور الدنيا والاخرة وقد اخبر في هذه السورة ان الرسول والمؤمنين قاموا بهذه الاصول علما وتصديقا واقرارا. وعملا ودعوة وهداية اية وارشادا. فكتب اهل العلم المصنفة في العقائد كلها تفصيل لما في هذه الاية الكريمة. ثلاثة الله لا اله الا هو الحي القيوم. لا تأخذه سنة ولا نوم. له ما في السماوات وما في ما في الارض من ذا الذي يشفع عنده الا باذنه. يعلم ما بين ايديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشيء من علمه الا بما شاء. وسع كرسيه السماوات والارض ولا يؤوده حفظهما وهو العلي العظيم. قد اخبر النبي صلى الله عليه وسلم ان هذه الاية اعظم ايات القرآن على الاطلاق. وانها تحفظ قارئها من الشياطين والشرور كلها لما احتوت عليه من معاني التوحيد والعظمة وسعة صفات الكمال لله تعالى. فاخبر انه الله الذي له جميع معاني الالوهية. وانه لا يستحق الالوهية غيره. فالوهية غيره وعبادة غيره باطلة ضارة في الحال والمآل وعبادته وحده لا شريك له هي الحق. الموصلة الى كل كمال. وانه الحي كامل الحياة فمن كمال حياته انه السميع البصير القدير. المحيط علمه بكل شيء الكامل من كل وجه فالحي يتضمن جميع الصفات الذاتية. والقيوم الذي قام بنفسه. واستغنى عن جميع المخلوقات. وقام بها فاوجدها وابقاها وامدها بكل ما تحتاج اليه في بقائها. فالقيوم يتضمن جميع صفات الافعال ولهذا ورد ان اسم الله الاعظم الذي اذا دعي به اجاب واذا سئل به اعطى الله لا اله الا هو الحي الحي القيوم. فان هذين الاسمين الكريمين يدخل فيهما جميع الكمالات الذاتية والفعلية. ومن كمال في حياته وقيمته انه لا تأخذه سنة ولا نوم. اي نعاس لانهما انما يعرضان للمخلوق. الذي يعتريه الضعف والعجز والانحلال. وينزه عنهما ذو العظمة والكبرياء والجلال. واخبر انه ما لك لجميع ما في السماوات وما في الارض. فكلهم عبيده ومماليكه. لا يخرج احد منهم عن هذا الوصف اللازم. فهو المالك لجميع الممالك وهو الذي اتصف بصفات الملك الكامل والتصرف التام النافذ والسلطان والكبرياء. ومن تمام ملكه انه لا يشفع عنده احد الا باذنه. فكل الوجهاء والشفعاء عبيد له. مماليك لا يقدمون على الشفاعة لاحد حتى يأذن لهم قل لله الشفاعة جميعا له ملك السماوات والارض. ولا يشفعون الا لمن ارتضاهم الله ولا يرضى الا عن من قام بتوحيده واتباع رسله. فمن لم يتصف بهذا فليس له في الشفاعة نصيب اسعد الناس بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم من قال لا اله الا الله خالصا من قلبه. ثم اخبر عن علمه الواسع المحيط. وانه يعلم ما بين ايدي الخلائق من الامور المستقبلة التي لا نهاية لها. وما خلفهم من الامور الماضية التي لا حد لها. وانه لا تخفى عليه خافية. يعلم خائنة الاعين وما تخفي الصدور وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها الا هو. ويعلم ما في البر والبحر. وما تسقط من ورقة الا يعلمها. ولا في ظلمات الارض ولا رطب ولا يابس الا في كتاب مبين. وان الخلق لا يحيط احد منهم بشيء من علم الله ولا معلوماته الا بما شاء منها. وهو ما اطلعهم عليه من الامور الشرعية والقدرية. وهو جزء يسير جدا بالنسبة الى علم الباري. تضمحل العلوم كلها في علم الباري ومعلوماته. كما قال اعلم المخلوقات وهم الرسل والملائكة سبحانك لا علم لنا الا ما علمتنا. ثم اخبر عن عظمته وجلاله وان كرسيه واسع السماوات والارض وانه قد حفظهما بما فيهما من العوالم بالاسباب والنظامات التي جعلها الله في مخلوقاته مع ذلك فلا يؤده اي يثقله حفظهما. لكمال عظمته وقوة اقتداره وسعة حكمته في احكامه. وهو العلي بذاته على جميع مخلوقاته. فهو الرفيع الذي باين جميع مخلوقاته. وهو العلي بعظمة صفاته الذي له كل صفة كمال من تلك الصفات اكملها ومنتهاها. وهو العلي الذي قهر جميع المخلوقات. ودانت له كل الموجودات. وخضعت العلي العظيم. فتبارك الله ذو الجلال والاكرام. فاية احتوت على هذه المعاني التي هي اجل المعاني وافرادها على العباد يحق ان تكون اعظم ايات القرآن. ويحق لمن قرأها متدبرا متفهما. ان يمتلئ قلبه من اليقين والعرفان والايمان. وان يكون بذلك محفوظا من شرور الشيطان. وقد نعت الباري نفسه الكريمة بهذه الاوصاف في عدة ايات من كتابه. اربعة شهد الله انه لا اله الا هو واولو العلم قائما بالقسط. لا اله الا هو العزيز الحكيم هذه اجل الشهادات على الاطلاق. فانها صدرت من الملك العظيم. ومن ملائكته وانبيائه واهل العلم على اجل مشهود عليه. وهو توحيد الله وقيامه بالقسط. وذلك يتضمن الشهادة على جميع احكام الشرع الثامن ما اقامه الله من الادلة والايات الافقية والنفسية. التي تدل على التوحيد اعظم دلالة واوضحها وتنادي عليه بلسان المقال ولسان الحال. بما اودعها من لطائف صنعته وبديع حكمته وغرائب خلقه واحكام الجزاء. فان الدين اصله وقاعدته توحيد الله. وافراده بالعبادة والاعتراف بانفراده بصفات العظمة والكبرياء والمجد والعز والجلال. وبنعوت الجود والبر والرحمة والاحسان والجمال وبكماله المطلق الذي لا يحصي احد من الخلق ان يحيطوا بشيء منه او يبلغوه او يصلوا الى الثناء عليه بل هو كما اثنى على نفسه وفوق ما يثني على عباده. واما القسط فهو العدل الكامل. والله تعالى وهو القائم بالعدل في شرعه وخلقه وجزائه فان العبادات الشرعية والمعاملات وتوابعها والامر فهي كله عدل وقسط. لا ظلم فيه بوجه من الوجوه. بل هو في غاية الاحكام والانتظام. وفي غاية الحكمة والجزاء وفي غاية الحكمة. والجزاء على الاعمال كله دائر بين فضل الله واحسانه على الموحدين المؤمنين به بين عدله في عقوبة الكافرين والعاصين. فانه لم يهضمهم شيئا من حسناتهم. ولم يعذبهم بغير ما كسبوا. ولا وازرة وزر اخرى. وقال تعالى قل اي شيء اكبر شهادة قل الله. فتوحيد الله ودينه قد ثبت ثبوتا لا ريب فيه. وهو اعظم الحقائق واوضحها. وقد شهد الله له بذلك بما اقام من الايات والبركات ابراهيم والحجج المتنوعة عليه. ومن شهادته تعالى انه اقام اهل العلم العارفين بهذه الشهادة فانهم المرجع للعباد في تحقيق كل حق. وابطال كل باطل. بما خصهم الله به من العلم الصحيح اليقين التام والمعرفة الراسخة. وهذا من جملة فضائل العلم واهله. فان الله جعلهم وسائط بينهم وبين عباده يبلغونهم توحيده ودينه وشرائعه الظاهرة والباطنة. وامر الناس بسؤالهم والرجوع الى قولهم وانهم هم الائمة المتبعون. وغيرهم تابع لهم في الدنيا والاخرة. ولهذا لهم كلمة رفيعة حتى في الاخرة. لما ذكر تعالى اختصاص الخلق واختلافهم ذكر القول الفصل في ذلك الصادر من اهل العلم وقال الذين اوتوا العلم والايمان. لقد لبثتم في كتاب الله الى يوم البعث. فهذا يوم البعث ولكن كنتم لا تعلمون. وفي هذا دليل على كمال عدل اهل العلم. فان الله استشهد بهم على عباده. وذلك تعديل منه لهم. وفي هذا من الشرف وعلو المكانة ما لا يخفى. خمسة فاعلم انه لا لا اله الا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات. والله يعلم متقلبكم ومثواكم العلم لابد فيه من اقرار القلب ومعرفته بمعنى ما طلب منه علمه. ولا يتم ذلك الا بالعمل قضى ذلك العلم في كل مقام بحسبه. وهذا العلم الذي امر الله به فرض عين على كل انسان. لا يسقط عن احد كائنا من كان. والضرورة الى هذا العلم والعمل بمقتضاه من تمام التأله لله فوق كل ضرورة والعلم بالشيء يتوقف على معرفة الطريق المفضية الى معرفته وسلوكها. وللطريق الى العلم بانه لا اله الا هو على وجه الاجمال والعموم امور. احدها وهو اعظمها واوضحها واقواها. تدبر اسماء الله وصفاته وافعاله الدالة على كماله وعظمته وجلاله. فان معرفتها توجب العلم بانه لا يستحق الالوهية سواه. وتوجب بذل الجهد في التأله والتعبد لله الكامل. الذي له كل حمد ومجد وجلال وجمال. الثاني العلم انه الرب المنفرد بالخلق والرزق والتدبير. فبذلك يعلم انه المنفرد بالالوهية. الثالث العلم بان انه المنفرد بالنعم الظاهرة والباطنة. الدينية والدنيوية. فان ذلك يوجب تعلق القلب به محبة وانابة التأله له وحده لا شريك له. الرابع ما يراه العباد ويسمعونه من الثواب لاوليائه قائمين بتوحيده من النصر لرسله واتباعهم. ومن النعم العاجلة المشاهدة. ومن عقوبته لاعدائه المشركين به ان هذا برهان على انه وحده المستحق للالوهية. الخامس معرفة اوصاف الاوثان والانداد التي عبدت مع الله اتخذت الهة وانها فقيرة الى الله من كل وجه. ناقصة من كل وجه لا تملك لنفسها ولا لمن عبدها نفعا ولا ضرا. ولا موتا ولا حياة ولا نشورا. فالعلم بذلك يعلم به بطلان الهي وان ما يدعون من دون الله هو الباطل. وان الله هو الاله الحق المبين. السادس اتفاق كتب الله على ذلك وتواطؤها عليه. السابع اتفاق الانبياء والرسل والعلماء الربانيين على ذلك وشهادتهم به. وهم خواص الخلق. واكملهم اخلاقا وعقولا وعلما ويقينا ربي انهم عصوني واتبعوا من لم يزده ما له وولده الا خسارا. ومكروا مكرا كبارا. وقالوا لا الهتكم ولا تذرن ودوا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا. فلما رأى ان التذكير لا ينفع فيهم التاسع ما اودعه الله في شرعه من الايات المحكمة والاحكام الحسنة. والحقوق العادلة والخير الكثير وجلب المنافع كلها ودفع المضار. ومن الاحسان المتنوع. وذلك يدل اكبر دلالة انه الله الذي لا يستحق العبادة سواه. وان شريعته التي نزلت على السنة رسله شاهدة بذلك. فهذه الطرق التي لا تحصى انواع وافرادها قد ابدعها الله في كتابه واعادها ونبه بها العباد على هذا المطلوب الذي هو اعظم المطالب اجل الغايات. فمن سلك طريقا من هذه الطرق افضت به الى العلم واليقين بانه لا اله الا هو وكلما ازداد العبد سلوكا لهذه الطرق ورغبة فيها ومعرفة ازداد يقينه ورسخ ايمانه انا الايمان في قلبه ارسخ من الجبال واحلى من كل لذيذ وانفس من كل نفيس. الطريق الاعظم الجامع لذلك كله تدبر القرآن العظيم والتأمل في اياته. فانه الباب الاعظم الى العلم بالتوحيد. ويحصل من تفاصيله وجمله ما لا يحصل من غيره. وقوله واستغفر لذنبك اي اطلب من ربك المغفرة لذنبك ان تفعل الاسباب التي تحصل بها المغفرة من الدعاء بالمغفرة والتوبة النصوح وفعل الحسنات الماحية وترك الذنوب والعفو عن الخلق والاحسان اليهم. ومن ذلك الاستغفار لهم. فلهذا قال وللمؤمنين والمؤمنات فهذا من ثمرات الايمان. بسبب ايمانهم كان لهم حق على كل مسلم ان يدعو لهم بالمغفرة. واذا كان العبد مأمورا للمؤمنين والمؤمنات. فمن لوازم ذلك ان يكون ناصحا لهم. يحب لهم من الخير ما يحب لنفسه ويكره لهم من الشر ما يكره لنفسه. ويحثهم على الخير وينهاهم عن الشر. ويعفو عن معايبهم مساوئهم ويحرص على اجتماعهم اجتماعا تتألف به قلوبهم. ويزول ما بينهم من الاحقاد المفضية للمعاداة والشقاق فانه بالائتلاف تقل الذنوب. وبالافتراق تكثر الشرور والمعاصي. الله يعلم ومثواكم. اي تصرفاتكم وحركاتكم وذهابكم ومجيئكم. وما اليه تنتهون وبه تستقرون والمحيط بكم في كل احوالكم. وهذا فيه التخويف والترغيب من الجزاء على الاعمال حسنها وسيئها. ستة هو الله الذي لا اله الا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم. والله الذي لا اله الا هو فهو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر. سبحان الله عما يشركون والله الخالق البارئ المصور له الاسماء الحسنى. يسبح له ما في السماوات والارض وهو العزيز الحكيم. هذه الايات الكريمة قد اشتملت على كثير من اسماء الله الحسنى. التي عليها دار التوحيد والاعتقاد. فاخبر انه المألوه الذي لا يستحق العبادة سواه. وذلك لكماله العظيم واحسانه الشامل تدبيره العام وحكمه الشاملة. فهو الاله الحق وما سواه فعبوديته باطلة. لانه خال من ومن الافعال التي فيها النفع والضر. ووصف نفسه بالعلم المحيط بما حضر وغاب. وما مضى وما يستقبل وما هو حاضر وما في العلم العلوي وما في العلم السفلي. وما ظهر وما بطن. فلا تخفى عليه خافية في مكان من الامكنة ولا زمان من الازمنة. ومن كمال علمه وقدرته انه يعلم ما تنقص الارض من الاموات. وما تفرق من جزائهم وما استحال من حال الى حال احاط علما بذلك على وجه التفصيل فلا يعجزه اعادتهم للبعث برحمته حصلت لها انواع الكمالات. وبرحمته اندفع عن كل العباد كل نقمة. وبرحمته عرف عباده نفسه والائه. وبين لهم كل ما يحتاجونه من امور دينهم ومصالح دنياهم. بارسال الرسل وانزال الكتب والجزاء. ووصف نفسه بانه الرحمن الرحيم. الذي وسعت رحمته الخليقة باسرها. وملأت الوجود كله. ووصف نفسه بانه الملك. وهو الذي له الملك التام المطلق. له صفات الملك التي هي نعوت العظمة والكبرياء والعز والسلطان وله التصرف المطلق في جميع الممالك الذي لا ينازعه فيها منازع. والموجودات كلها عبيده وملكه ليس لهم من الامر شيء. واخبر انه القدوس السلام. اي المقدس المعظم. السالم من جميع العيوب والنقائص المنافية لكماله. المؤمن المصدق لرسله وانبيائه بما جاءوا به من الايات البينات والبراهين القاطعات والحجج الواضحات. الذي له العلم كله. ويعلم من اوصافه المقدسة ونعوته العظيمة. ما لا بشر ولا ملك. ويحب نفسه وما هو عليه من الجلال والجمال. العزيز الذي له العزة كلها عزة القوة والقدرة فهو القوي المتين. عزة القهر والغلبة على كل مخلوق. فكلهم نواصيهم بيد وليس لهم من الامر شيء. وعزة الامتناع الذي تمنع بعزته عن كل مخلوق. فلا يعارض ولا يمانع وليس له نديد ولا ضديد. الجبار الذي قهر جميع المخلوقات. ودانت له الموجودات. واعتلى على الكائنات وجبر بلطفه واحسانه القلوب المنكسرات. المتكبر عن النقائص والعيوب وعن مشابهة احد من خلقه ومماثلتهم لعظمته وكبريائه. سبحان الله عما يشركون. وهذا تنزيه عام عن كل ما وصفه به من اشرك به ولم يقدره حق قدره. هو الله الخالق لجميع المخلوقات. البارئ بحكمته ولطفه لجميع البريات. المصور بحسن خلقه لجميع الموجودات. اعطى كل شيء خلقه ثم هدى كل مخلوق وكل عضو لما خلق له وهيئ. فالله تعالى قد تفرد بهذه الاوصاف المتعلقة بخلقه لم يشاركه في ذلك مشارك. وهذا من براهين توحيده. وان من تفرد بالخلق والبرء والتصوير. فهو المستحب للعبودية ونهاية الحب وغاية الخضوع. له الاسماء الحسنى. وقد ورد في الحديث الصحيح ان الهي تسعة وتسعين اسما. مائة الا واحدة. من احصاها دخل الجنة. يعني احصى الفاظها وحفظها وعقلها وتعبد لله بها. فهو تعالى الذي له كل اسم حسن. وكل صفة جلال وكمال. فيستحق من عباده كل اجلال وتعظيم وحب وخضوع. يسبح له ما في السماوات والارض. يعني من المكلفين حيوانات والاشجار والجمادات. يقول سبحانه وان من شيء الا يسبح بحمده. ولكن لا تفقهون تسبيحهم انه كان حليما غفورا. وهو العزيز الحكيم في خلقه وشرعه. سبعة بسم الله الرحمن الرحيم. قل هو الله احد. الله الصمد. لم يلد. ولم يولد ولم يكن له كفوا احد. قل اي قل قولا جازما فيه. معتقدا له عارفا بمعناه حاملا بمقتضاه من الايمان بالله والتعظيم والخضوع. هو الله احد اي الذي انحسرت فيه الاحدية هي التفرد بكل صفة كمال. الذي لا يشاركه في ذلك مشارك. الذي له الاسماء الحسنى والصفات العلى والافعال المقدسة التصرف المطلق. الله الصمد اي السيد الذي قد انتهى سؤددها. العليم الذي قد كمل علمه الحليم الذي قد كمل في حلمه وفي قدرته وفي جميع اوصاف كماله ولاجل هذا صمدت له المخلوقات كلها وقصدته في كل حاجاتها. وفزعت اليه الخليقة في مهماتها وملماتها. فالصمد هو الذي صمدت له المخلوقات لما اتصف به من جميع الكمالات. ومن كماله انه لم يلد ولم يولد انه الغني المالك. فاتخاذ الولد ينافي ملكه وغناه. ولم يكن له كفوا احد. اي ليس له مكافئ ولا تمثيل في اسمائه وصفاته وافعاله تبارك وتعالى. فهذه السورة اصل عظيم من اصول الايمان وقد تضمنت توحيد الاسماء والصفات. وهي من لوازم توحيد الالهية. وان المتفرد بالوحدانية من كل وجه الذي ليس له مثيل بوجه من الوجوه هو الذي لا تنبغي العبادة الاله. لا اله الا هو. ثمانية الهكم اله واحد. لا اله الا هو الرحمن الرحيم. يخبر الله تعالى وهو اصدق القائلين انه اله واحد. اي متوحد متفرد في اسمائه وصفاته وافعاله. فليس له شريك ولا سمي له ولا كفؤ ولا مثل ولا نظير ولا خالق ولا مدبر غيره. فاذا تقرر انه كذلك فهو المستحق ان يؤله ويعبد بجميع انواع العبادة. ولا يشرك به احد من خلقه. لانه الرحمن الرحيم المتصف بالرحمة العظيمة التي لا يماثلها رحمة احد. فقد وسعت كل شيء وعمت كل حي. فبرحمته وجدت المخلوقات في هديه وقوله وعمله. قال سبحانه ولكل وجهة هو موليها تستبق الخيرات. اينما تكونوا بكم الله جميعا. ان الله على كل شيء قدير. لما امر الله تعالى رسوله خصوصا والمؤمنين عموما واذا علم ان ما بالعباد من نعمة دقت او جلت فمن الله. وان احدا من المخلوقين لا ينفع احدا. علم انه لا يستحق العبادة الا المتفرد بالنعم. الدافع للمكاره. تعين على العباد ان يفردوه بالمحبة والخوف والرجاء والتعظيم التوكل وغير ذلك من انواع الطاعات. وان من اظلم الظلم واقبح القبيح واعظم الضلال. ان يعدل عن عباده الى عبادة العبيد وان يشرك المخلوقون من تراب بالرب العظيم. وان يسوى المخلوق العاجز القاصر الناقص من كل وجه بالرب الخالق المدبر القوي. الذي قهر كل شيء وخضعت له الرقاب. ففي هذه الاية اثبات وحداني النية الباري والهيته. وتقريرها بنفيها عن غيره من المخلوقين. والاستدلال على ذلك بتفرده بالرحمة من اثارها جميع البر والاحسان في الدنيا والاخرة. ثم ذكر الله الادلة التفصيلية بقوله تسعة ان في خلق السماوات والارض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر. والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما انزل الله من السماء ماء فاحيا به الارض بعد موتها وبث فيها من كل وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والارض. السحاب المسخر بين السماء والارض لايات لقوم يعقلون. اخبر تعالى ان في هذه المخلوقات العظيمة ايات اي ادلة على وحدانية الباري والهيته وعظيم سلطانه ورحمته. وسائر صفاته واية على البعث والجزاء لقوم يعقلون. اي لهم عقول يعملونها فيما خلقت له. فعلى حسب ما من الله على عبده من العقل وصرفه في التفكير في الايات ينتفع بها ويعرفها ويعقلها بعقله وفكره وتدبره ففي خلق السماوات في ارتفاعها واتساعها واحكامها واتقانها. وما جعل الله فيها من الشمس والقمر والنجوم وجريانها بانتظام عجيب لمصالح للعباد. وفي خلق الارض وجعلها مهادا للخلق يمكنهم القول عليها والانتفاع بما عليها والاعتبار ما يدل ذلك على انفراد الله بالخلق والتدبير وبيان قدرته العظيمة التي بها خلقها حكمته التي بها اتقنها واحسنها ونظمها وعلمه ورحمته التي بها اودع ما اودع فيها من منافع الخلق ومصالحهم وضروراتهم وحاجاتهم. ومن ذلك ابلغ دليل وبرهان على كماله من كل وجه من يفرد بالعبادة لانفراده بالخلق والتدبير والقيام بشؤون عباده. وفي اختلاف الليل والنهار وهو تعاقبهما على الدوام اذا ذهب احدهما خلفه الاخر. وفي اختلافهما في الحر والبرد والتوسط. وفي الطول والقصر والتوسط وما ينشأ عن ذلك من الفصول التي بها انتظام مصالح الادميين وحيواناتهم واشجارهم وزروعهم والنوابت كلها كل ذلك بتدبير وتسخير تحارب في حسنه العقول. ويعجز عن ادراك كونه الرجال الفحول. وذلك يدل على قدرة وسعة علمه وشمول حكمته وعموم رحمته ولطفه الشامل. وعظمته وكبريائه وسلطانه العظيم يضطر العباد الى معرفة ربهم. واخلاص العبادة له وحده لا شريك له. وفي الفلك التي تجري في البحر وهي السفن والمراكب ونحوها. مما الهم الله عباده صنعتها. واقدرهم عليها بتيسير اسبابها. ثم سخر لهم هذا البحر العظيم عظيم والرياح التي تحملها بما فيها من الركاب والاموال والبضائع التي هي من منافع الناس وبها تنظيم معايش فمن الذي الهمهم صنعتها واقدرهم عليها وخلق لهم من الالات المتنوعة ما به يعملونه؟ امن سخر لها هذا البحر تجري فيه باذنه وسخر لها الرياح. امن خلق للمراكب البرية والبحرية والهوائية النار والمعادن متنوعة. المعينة على حملها وحمل ما فيها من الاموال الثقيلة جدا. فهل هذه الامور حصلت صدفة واتفاقا؟ ام تقلب علمها وخلق اسبابها هذا المخلوق الضعيف العاجز الذي خرج من بطن امه لا يعلم شيئا. وليس له قدرة على شيء ثم اعطاه خالقه القدرة وعلمه ما لم يكن يعلم. ام تقول الحق تقول بل المسخر لذلك الرب الواحد العظيم العليم الحكيم القدير. الذي لا يعجزه شيء ولا يمتنع عليه شيء. بل الاشياء كلها قد دانت لربوبيته واستكانت لعظمته وخضعت لجبروته. وغاية العبد الضعيف ان جعله الله جزءا من اجزاء الاسباب. التي بها وجدت هذه الامور العظام فهذا يدل على رحمة الله وعنايته بعباده. ويدعو العباد الى ان يعبدوه وحده لا شريك له وينيبوا اليه في كل حال. وما انزل الله من السماء من ماء وهو المطر النازل من السحاب. فاحيا به الارض بعد موتها. فاظهرت انواع الاقوات واصناف الاشجار والنباتات. التي لا يمكن للعباد ان يعيشوا بدونها ليس ذلك برهانا على قدرة من انزله واخرج به ما اخرج. وعلى رحمته ولطفه بعباده. وشدة افتقار الخليقة اليه في كل احوالهم وهو يحدوهم الى اخلاص الدين له والانابة اليه. القيام بعبوديته ظاهرا وباطنا كذلك هو دليل على احياء الله للموتى. كما قال تعالى ومن اياته انك ترى الارض خاشعة فاذا انزلنا عليها الماء اهتزت وربت. ان الذي احياها لمحيي الموتى. انه على كل شيء ان قدير وقد ذكر الله هذا البرهان على البعث في عدة ايات. كما ذكر ابتداء خلق برهانا على اعادته. وكما ذكر كمال علمه وقدرته. وخلق السماوات والارض. وانه جعل للعباد من الشجر الاخضر نارا برهانا بينا على البعث. وقوله وبث فيها من كل دابة. اي نشر في اقطار في الارض من الدواب المتنوعة. وسخرها للادميين ينتفعون بها من وجوه كثيرة. ومع هذا فهو قائم بارزاق متكفل باقواتها. فما من دابة في الارض الا على الله رزقها. ويعلم مستقرها ومستودعها دعها وفي تصريف الرياح ايات عظيمة على وحدانية الله. وتفرده بالكمال المطلق. فتارة تكون باردة وحارة وبين ذلك. وجنوبا وشمالا وشرقا ودبورا. وبين ذلك وتارة تثير السحاب وتارة تؤلف بينه وتارة تلقحه وتدره. وتارة تمزقه وتزيل ضرره. وتارة ترسل بالرحمة وتارة ترسل بالعذاب. فمن الذي صرفها هذا التصريف؟ ورتب عليها من المنافع للعباد شيئا كثيرا. الا العزيز الحكيم الرحيم اللطيف بعباده. المستحق للمحبة والثناء والشكر والحمد من الخليقة. وفي تسخير السحاب من السماء والارض دليل على خفته ولطافته. يحمل الماء الكثير في سوقه الله الى حيث يشاء. ويجعله حياة للبلاد والعباد. ويروي به التلول والوهاد. وينزله على الخلق وقت حاجتهم اليه. ويصرف عنهم فينزله رحمة ولطفا ويصرفه عناية وعطفا. فما اعظم سلطانه واغزر احسانه والطف كنانة اليس من اقبح القبيح واظلم الظلم ان يتمتع العباد برزقه ويعيش ببره وهم يستعينون بذلك على مساخطه ومعاصيه. ومع ذلك فمن كمال حلمه وعفوه وصفحه يوالي عليهم الاحسان. خيره اليهم على الدوام نازل وشرهم اليه في كل وقت صاعد. والحاصل انه كلما تدبر العاقل في هذه المخلوقات غلغل فكره في بدائع الكائنات علم انها خلقت للحق وبالحق. وانها صحائف ايات وكتب براهين ودلال على جميع ما اخبر به عن نفسه ووحدانيته. وما اخبرت به الرسل من اليوم الاخر. وانها مدبرات مسخرات ليس لها تدبير ولا استعصاء على مدبرها ومصرفها. فتعرف ان العالم فتعرف ان العالم العلوي والسفلي اليه مفتقرون واليه صامدون وانه الغني بالذات عن جميع المخلوقات. فلا اله الا هو ولا رب سواه ولنقتصر على هذا الانموذج من الايات المتعلقة بالتوحيد. مع ما دخل في ضمنها من الايمان بالجزاء والبعث الرسل والكتب. وقد قرن الله ذلك بادلته وبراهينه الموصلة الى العلم التام واليقين الراسخ. وبذلك يعلم ان هذه الاصول الثلاثة متلازمة التوحيد والرسالة والمعاد. كما ان في ضمن الايات المتعلقة بالجزاء شيئا كثيرا من متعلقات التوحيد والرسالة فسبحان من جعل في كلامه الهدى والرشاد واصلاح العباد. فصل عشرة لقد من الله على المؤمنين اذ بعث فيهم رسولا من انفسهم يتلو عليهم اياته ويعلمهم الكتاب والحكمة. وان كانوا من قبل لفي ضلال مبين. هذه المنة التي امتن الله بها على عباده المؤمنين اكبر المنن. بل هي اصلها وهي الامتنان عليهم بهذا الرسول الكريم. الذي جمع الله به في جميع المحاسن الموجودة في الرسل. ومن كماله العظيم هذه الاثار التي جعلها الله نتيجة رسالته. التي بها مال المؤمنين علما وعملا واخلاقا وادابا. وبها زال عنهم كل شر وضرر. فبعثه الله من انفسهم وانفسهم وقبيلتهم يعرفون نسبه اشرف الانساب وصدقه وامانته وكماله الذي فاق به الاولين والاخرين. ناصحا له كن مشفقا حريصا على هدايتهم. يتلو عليهم اياته فيعلمهم الفاظها. ويشرح لهم معانيها. ويزكيهم تطهرهم من الشرك والمعاصي والرذائل وسائر الخصال الذميمة. ويزكيهم ايضا ان ينميهم. فيحثهم على الاخلاق الجميلة جاء بهم والتكذيب. فلو كان لنا اسماع واعية وعقول نافعة ما وصلنا الى هذه الدار. بل خالفنا المنقول اقول فاعترفوا بذنبهم فسحقا لاصحاب السعير. ما اشد شقائهم وعنائهم. ينوع عليهم العذاب فان التزكية تتضمن هذين الامرين التطهير من المساوئ والتنمية بالمحاسن. ويعلمهم الكتاب وهو القرآن والحكمة وهي السنة. فالكتاب والسنة بهما اكمل الله للرسول وامته الدين. وبهما حصل العلم باصول الدين وفروعه بهما حصلت جميع العلوم النافعة. وما يترتب عليه من الخيرات وزوال الشرور. وبهما حصل العلم اليقيني بجميع الحقائق نافعة وبهما الهداية والصلاح للبشر. فمحمد صلى الله عليه وسلم هو الامام الاعظم المعلم لهذين الامرين الذين ينابيع العلوم كلها تتفجر من معينهما. فعلم صلى الله عليه وسلم امته الكتاب والحكمة. واوقفها على حكم الاحكام واسرارها فكانت حياته كلها اقواله وافعاله وتقريراته وهديه واخلاقه الظاهرة والباطنة وسيرته الكاملة المتنوعة في كل فن من الفنون تعليما منه للمؤمنين. وشرحا للكتاب والحكمة. فجمع لهم بين تعليم الاحكام الاصولية والفروعية به تدرك وتنال. الطرق التي تفضي اليها عقلا ونقلا وتفكيرا وتدبرا. استخراجا للعلوم الكونية من مظانها ينابيعها. وبين لهم فوائد ذلك كله وثمراته. وشرح لهم الصراط المستقيم. اعتقاداته واخلاقه واعماله. وما تهلكه عند الله من الخير العاجل والاجل. وما على المنحرف عنه من العقاب والضرر العاجل والاجل. فكان خيار المؤمنين بهذا التعليم الصادر من النبي الكريم مباشرة وتبليغا من العلماء الربانيين الراسخين في العلم. من الهداة المهديين من اكابر الصديقين وحصل لسائر المؤمنين من هذا التعليم نصيب وافر من الخير العظيم. على حسب طبقاتهم ومنازلهم. وذلك فضل الله لمن يشاء. والله ذو الفضل العظيم. فخرجوا بهذا التعليم من جميع الضلالات. وانزالت عنهم الشرور المتنوعة والجهالات وتم لهم النور الكامل وانقشعت عنهم الظلمات. فيا لها من نعمة لا يقدر قدرها ولا يحصي المؤمنون كنه شكرها. الحادي عشر وقال الذين كفروا ان هذا الا افك افتراه واعانه عليه قوم اخرون. فقد جاءوا ظلم وزورا وقالوا اساطير الاولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة واصيلا. قل انزله الذي يعلم السر في السماوات والارض. انه كان غفورا رحيما. ذكر الله تعالى في هذا قدح المكذبين لمحمد محمد صلى الله عليه وسلم وادلاءهم بهذه الشبه التي يعلمون ويعلم الناس بطلانها. فزعموا انه افترى هذا القرآن الان وانه ساعده على ذلك قوم اخرون. فرد الله عليهم هذه المقالة المنتهية في القبح. بان هذا ظلم عظيم وجراءة يعجب السامع كيف سولت لهم انفسهم هذا القول الهراء. وانه من الزور والظلم فانهم قد كانوا يعرفون بلا شك صدقه وامانته التي لا يلحقه فيها احد. وانه لم يجتمع باحد من اهل العلم ولا رحل في طلبه. وقد نشأ بين امة امية في غاية الجهل والضلال. وقد جاءهم بهذا الكتاب العظيم الذي لم يطرق العالم اعظم منه ولا اعلى معاني واغزر علما. ولا ابلغ من الفاظه ومعانيه واتم من حكمه وحكمه ومبانيه. وقد تحدى اقصاهم وادلتهم وافرادهم وجماعتهم. واولهم واخرهم ان يأتي بمثله او بعشر سور من مثله. او بسورة واحدة من مثله وصرح لهم انهم اذا اتوا بشيء من مثله فهم صادقون. وهم اهل الفصاحة والبلاغة في الكلام. فعجزوا العجز عن معارضته والاتيان بمثله. واتضح لهم ولغيرهم عيهم وعجزهم. وتبين بطلان دعواهم. وكل من ان يأتي بكلام يعارض به ما جاء به الرسول صار كلامه ضحكة للصبيان. فضلا عن اهل النظر والعقول. وكل شبهة يدلون بها في معارضة الرسول من حين يوجه لها النظر الصحيح تضمحل وتزهق. ان الباطل كان زهوقا. ومن جرائتهم انهم قالوا ان هذا القرآن الذي جاء به محمد اساطير الاولين اكتتبها من كتب الاولين المستورة. فهي تملى عليه بكراتا واصيلا. فيا ويحهم من الذي عندهم في بطن مكة يمليها؟ وهل يوجد في ذلك الوقت في مكة او ما حولها كتب تملك ولو فرض وقدر انه يوجد احد لما يختص محمد وحده بالاخذ عنه. ولما كانت هذه مقالة زور وافتراء لا يخفى كذبها على احد. تشبثوا وقالوا كان محمد يجلس الى قين. حداد في مكة فارسي فيتعلم منه فلهذا قال عنهم ولقد نعلم انهم يقولون انما يعلمه بشر. لسان الذي يلحدون اليه اعجمي وهذا لسان عربي مبين. كان قوله بالغا في البيان والبلاغة نهايتها وغايتها. فلا يمكن الجمع بين النقيضين ان يتعلمه من هذا الابكم اعجمي اللسان. الذي لم يعرف عنه علم يرجع اليه. ولا معرفة يتميز بها. وهذا القرآن الذي جاء به مع كمال بلاغته حوى علوم الاولين والاخرين. ولما كان هذا القول الذي قالوه والمكابرة التي تجرأوا عليها قد علم الموافق والمخالف كذبها وافتراءها. وكان جميع اعداء الرسول لهم ورثة يقومون بالعداوة للرسول والدين. ولو جلبت عليهم ما جلبت من الدخول في الكذب والافتراء والمكابرة. وقد عرف هؤلاء الاعداء المتأخرون مكابرة اخوانهم الذين باشروا تكذيب الرسول. ورأوا ان مقالتهم قد بطلت واضمحلت. وبان زورها لكل احد. صاغها هؤلاء المكذبون بعبارة فوهوها وظنوا انها بهذا التمويه تروج. فزعموا وما اسمجه واكذبه من زعم. ان محمدا كان يتعلم من نفسه وانه كان يخلو بالطبيعة. السماء والارض والشمس والقمر والنجوم. فيعطيها لبه ويناجيها بقلبه ويخيل اليه اصناف التخاييل. فيأتي بها الى الناس زاعما انها من وحي الله على يد جبريل. وان هذه التخيلات من الامور العالية التي يعتاد الاتيان بها اهل الرأي والحجا. ولما رأوا اثارها الجليلة في الاسلام واهله وتعاليمه وتقويمه للامم. وظهرهم هذا النور العظيم لجأوا الى هذا التحذلق الذي منتهاه وغايته انهم صوروا النبي صلى الله عليه وسلم ورقوه الى رجل من الطبيعيين كما قال هذا القول الباطل احد ملاحدة الفرنسيين وتلقاها عنه بعض الملاحدة العصريين وهو مبني على انكار وجود رب العالمين. وانه ما ثم الا عمل الطبيعة. وقد علم الناس ان هذا القول المزور اعظم مكابرة مباهتة من قول الاولين وان هذا الافتراء الذي ولدوه بعد مئات السنين اوضحوا ضلالا وظلما وجراءة ووقاحة من زور الاولين وان هؤلاء الاراذل الذين اعجبوا بارائهم وتاهوا بعقولهم قد بين الله كذبهم فيما قالوه. وان عقولا ولدت هذه المؤتفكة والخيالات والمقالات الفاسدة لعقول سافلة واراء ساقطة. يعرف فسادها بنتائجها مخابراتها. وانكارها اجلى الحقائق. ولهذا قال تعالى قل انزله الذي يعلم السر في السماوات والارض رب القادر العظيم الذي احاط علمه بجميع الاسرار. وعلم احوال العباد حاضرها ومستقبلها. انزله لهدايتهم وجعله منارا وعلما يهتدي به المهتدون في كل وقت وحين. فجميع الحقائق التي دعا اليها هذا الرسول وهذا القرآن حقائق ثابتة نافعة للعباد. لا يأتي من الحقائق ما يغيرها. ومحال ان يأتي شيء اصلح منها او مثلها او قاربها ومن احسن من الله حكما لقوم يوقنون. ومن كمال علمه وقدرته انه لو تقول عليه احد بمثل هذه المقام قال لعاجله بالعقوبة. فلما ايد من جاء بها بنصره وحججه. وارى العباد اياته في الافاق وفي انفسهم. التي يتبين بها انه الحق. وما سواه ضلال. علم ان هذا الرسول اصدق الخلق. وانصحهم وابرهم واعلمهم واخشاهم واتقاهم لربه وان اعدائه المكذبين له اكذب الخلق واغشهم. واعظمهم جهلا وضلالا وغيا وفسادا. في كل زمان ومكان ومن مكابرة اعداء الرسول انهم جعلوا يتناقضون في مقالاتهم. ويتفننون في افكهم المكشوف كذبه. فمنهم من قال انه مجنون ومنهم من قال ساحر وكاهن. ومنهم من قال مسحور ومنهم من قال لو كان صادقا لجاءت الملائكة تؤيده. ولو كان صادقا لاغناه الله عن المشي في الاسواق. وجعل له جنات وانهارا واموالا كثيرة. وكل يعلم ان هذه الاقوال مع نقودها ليست من الشبه فضلا عن كونها من الحجج. ولهذا قال تعالى متعجبا انظر كيف ضربوا لك الامثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا. ومثل هذه الاقوال التي يذكرها الله على المكذبين للرسول هي بنفسها تدل على كذبهم ومكابرتهم قبل ان يعرف بطلانها من الادلة الاخرى. واذا وزنت هذه الاقوال الجارية من الاولين. رأيت نظيرها واقبح منها جارية من الملاحدة المتأخرين. ويأبى الله الا ان يتم نوره ولو كره الكافرون. هو الذي ارسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون. فما جاء به الرسول من الهدى في جميع ابواب العلوم النافعة والدين الحق الذي هو الصلاح المطلق. اكبر الادلة على انه رسول الله حقا. واكبر الادلة على ابطال كل ما ناقضه ومن اقوال المؤتفكين والحمدلله رب العالمين. اثنى عشر بسم الله الرحمن الرحيم. نون والقلم وما يسطرون. ما انت بنعمة ربك بمجنون. وان لك لاجرا غير ممنون. وانك لعلى خلق عظيم. فستبصر ويبصرون. بايكم ان ربك هو اعلم بمن ضل عن سبيله. وهو اعلم بالمهتدين. يقسم الله تعالى بالقلم وهو اسم جنس شامل للاقلام التي تكتب بها انواع العلوم. ويسطر بها المنثور والمنظوم وذلك ان القلم وما يسطر به من انواع الكلام من اياته العظيمة التي تستحق ان يقسم بها على براءة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم مما نسبه اليه اعداؤه من الجنون فنفى عنه ذلك بنعمة ربه عليه واحسانه اذ من عليه بالعقل الكامل والرأي السديد. والكلام الفصل الذي هو من احسن ما جرت به الاقلام. وسطره الانام هذا هو السعادة في الدنيا. ثم ذكر سعادته في الاخرة فقال وان لك لاجرا غير ممنون. اي لاجرا عظيما كما يفيده التنكير غير مقطوع. بل هو دائم متتابع مستمر. وذلك لما اسلفه صلى الله عليه وسلم من مقامات العالية في الدين والاخلاق الرفيعة. ولهذا قال وانك لعلى خلق عظيم. فعلى صلى الله عليه وسلم خلقه العظيم على جميع الخلق. وفاق الاولين والاخرين وكان خلقه العظيم. كما فسرته به عائشة رضي الله عنها هذا القرآن الكريم. وذلك نحو قوله تعالى خذ العفو وامر بالعرف واعرض عن الجاهلين. وقوله فبما من الله لنت لهم. وقوله لقد جاءكم رسول من انفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم. وما اشبهها من الايات الدالات على اتصافه صلى الله عليه وسلم بمكارم الاخلاق. والايات التي فيها الحث على كل خلق جميل. فكان اول الخلق امتثالا لها وسبقا اليها والى تكميلها. فكان له منها اكملها واجلها واعلاها. وهو في كل خصلة منها في الذروة العليا. فكان سهلا لينا قريبا من الناس مجيبا لدعوة من دعاه. قاضيا بحاجة من استقضاه. جابرا لقلب من سأله. لا يحرمه ولا يرد خائبا. واذا اراد اصحابه امرا وافقهم عليه وتابعهم فيه اذا لم يكن في ذلك محظور. واذا عزم على امر لم نستبد به دونهم. بل يشاورهم ويامرهم. وكان يقبل من محسنهم ويعفو عن مسيئهم. ولم يكن يعاشر جليسا الا فاتم عشرة واحسنها. فكان لا يعبس في وجهه ولا يغلظ له في كلامه. ولا يطوي عنه بشرة ولا يمسك عليه فلتان لسانه ولا يؤاخذه بما يصدر منه من جفوة. بل يحسن اليه غاية الاحسان. ويحتمله غاية الاحتمال. صلى الله عليه عليه وسلم. فلما انزله الله باعلى المنازل. وكان اعداؤه يقولون انه مجنون مفتون. قال فستبصر يبصروا ويبصرون بايكم المفتون. وقد تبين انه كان اهدى الناس واكملهم وانفعهم لنفسه ولغيره. وان اعداءه اضل الناس للناس وانهم هم الذين فتنوا عباد الله واضلوهم عن سبيله. وكفى علم الله بذلك. فانه المحاسب حجازي وهو اعلم بمن ضل عن سبيله وهو اعلم بالمهتدين. وفيه تهديد للضالين ووعد تدين وبيان لحكمة الله في هدايته من يصلح للهداية دون غيره. فصل ونفخ في الصور فصعق ما في السماوات ومن في الارض الا من شاء الله. ثم نفخ فيه اخرى فاذا هم قيام ينظرون الى اخر السورة الكريمة. من اهم اصول الايمان الايمان باليوم الاخر. وهو الايمان بكل ما اخبر الله به ورسوله بعد الموت من فتنة القبر ونعيمه وعذابه. واحوال يوم القيامة وما يكون فيه. ومن صفات الجنة والنار وصفات اهلهما. الايمان باليوم الاخر هو الايمان بذلك كله جملة وتفصيلا. اما احوال القبر وفتنته وعذابه ونعيمه وتفاصيل ذلك فقد تواترت به الاحاديث الصحيحة والحسنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما هو معروف القرآن اشار اليه في عدة ايات. واما ما يكون بعد ذلك فاذا اراد الملك القادر بعث العباد وحشرهم وجزاءهم نفخ في الصور وهو قرن عظيم لا يعلم عظمه الا الذي خلقه. كما ورد في حديث الصور المشهور او نفخ في الصور على وجه لا اعلم كنهه الا الله نفخة الصعق والفزع. انزعج لهذا اهل السماوات والارض. وصعقوا الا من شاء الله من ثم نفخ فيه اخرى نفخة البعث. فاذا هم قيام من اجداثهم كامل الخلقة ينظرون الى ما يستقبله من هذه الحياة الاخروية التي يجازى فيها العباد باعمالهم حسنها وسيئها. اما المؤمنون الطائعون فيقومون مطمئنين طامعين في فضل ربهم ورحمته. مستبشرين بثوابه وعفوه ومغفرته. يحشرون الى موقف القيامة وفدا مكرمين قالت التي فيها مع تكذيب الله ورسوله تسوية كفار الادميين وفجرتهم واولهم واخرهم بادم. ومضمون ذلك بل صريح قولهم ان الملائكة سجدت لجميع الادميين برهم وفاجرهم. فاين قول الناس في موقف القيامة واما المجرمون فيقومون فزعين خائفين متحسرين. يدعون بالويل والثبور. يقولون يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا فيساقون الى جهنم وردا. فحينئذ تكثر القلاقل والاهوال ويشيب الولدان من هول ذلك اليوم وفظاعته. يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما ارضعت. وتضع كل ذات حمل حملها. وترى الناس وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد. يوم يفر المرء من اخيه وامه وابيه وصاحبته وبنيه لكل امرئ منهم يومئذ شأني يغنيه. وجوهي يومئذ مسفرة ضاحكة مستبدة ووجوهي يومئذ عليها غبرة. ترهقها قترة. اولئك هم الكفرة الفجرة ويوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلا. الملك يومئذ الحق للرحمن. وكان يوما على الكافرين عسيرا. وتكور الشمس والقمر وتنثر النجوم. فتذهب هذه الانوار المشاهدة والارض بنور ربها. وينزل الله لفصل القضاء بين عباده. ومحاسبتهم على اعمالهم. اما المؤمنون فيحاسبهم حسابا يسيرا. يقررهم بذنوبهم ثم يغفرها ويسترها عن الخلائق. ويضاعف لهم الحسنات. ويعطيهم من فضله واحسانه ما لا تبلغه اعمالهم. ويعطون كتبهم بايمانهم اكراما واحتراما. كما تبيض وجوههم موازينهم ويغتبطون بذلك ويستبشرون به. فيقولون لاخوانهم ومعارفهم ومحبيهم هاؤم كتابية اني ظننت اي ايقنت اني ملاق حسابية. فهو في عيشة راضية في جنة قطوفها دانية. كلوا واشربوا هنيئا بما اسلفتم في الايام الخالية. ويساقون الى الجنة كل طائفة منهم مع نظرائهم في الخير بحسب طبقاتهم وسبقهم. كما يردون في عرصات القيامة حوض نبيهم فيشربون منه شربة هنيئة لا يظمأون بعدها. ويمرون على الصراط على قدر اعمالهم كلمح البصر. وكالبار الخاطف وكاجاويد الخيل والابل وكسعي الرجال وكمشيهم ودون ذلك. فاذا عبروا على الصراط وقفوا على قنطرة بين الجنة والنار. فيقتص بعضهم من بعض مظالم وتبعات كانت بينهم في الدنيا. حتى اذا هذبوا ونقوا ان لهم في دخول الجنة حتى اذا جاءوها وفتحت ابوابها بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم. فتلقاهم خزنة الجنة يسلمون عليهم ويهنئونهم بالنجاة من العذاب وحصول الخير والثواب والخلود الابدي بسبب طيبهم ولهذا قالوا سلام عليكم طبتم. اي طابت قلوبكم بالعقائد الصحيحة الصادقة. والاخلاق الجميلة والسنتكم بذكر الله والثناء عليه. وجوارحكم بخدمته والقيام بطاعته. فادخلوها خالدين. فاذا دخلتم ورأوا ما فيها من النعيم المقيم. مما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. حمدوا الله على منته عليهم بالسوابق والايمان والاعمال الصالحة. وبانجاز ما وعدهم به على السنة رسله. وعلى ان الله اورثهم الجنة يتبوأون من خيراتها حيث يشاؤون. وانا يشاؤون مما تشتهيه الانفس وتلذ الاعين. من نعيم القلوب والارواح ومن نعيم الابدان والاجسام. على سرر موضونة. متكئين عليها متقابلين. يطوف عليهم مخلدون باكواد واباريق وكأس من معين. لا يصدعون عنها ولا ينزفون فاكهة مما يتخيرون. ولحم طير مما يشتهون. وحور عين كامثال اللؤلؤ المكنون خيرات الاخلاق حسان الوجوه. قد جمع الله لهن حسن البواطن والظواهر. فهن سرور النفس وقرة النواظر وتمام ذلك ان الله يحل عليهم رضوانه فلا يسخط عليهم ابدا. وانه يقال لهم وان لكم ان تشبوا فلا تهربوا ابدا. وان لكم ان تصحوا فلا تمرضوا ابدا. وان لكم ان تنعموا فلا تبأسوا ابدا. وان لكم ان فلا تموتوا ابدا. فلهم كل ما يشاؤون فيها وتتعلق به امانيهم. ولهم فوق ذلك مما لم تبلغه امانيهم ولهم نعيم اعلى من ذلك كله. وهو التمتع بالنظر الى وجهه الكريم. وسماع خطابه والابتهاج برضاه وهو قربه والسرور بمحبته وذكره وحمده. والثناء عليه وشكره. مما يشاهدون من كثرة الخيرات. وثواب بالنعم والهبات وزيادة النعيم وتواصله. ومما يزدادون من معرفته والانس به. فتبارك الله ذو الجلال والاكرام واما الكافرون المجرمون فيحاسبهم الله على ما اسلفوه من الجرائم. ويقرعهم ويخزيهم بين ويعطون كتبهم من وراء ظهورهم بشمائلهم. تسود منهم الوجوه وتخف موازينهم. ويساقون يا جهنم جياعا عطاشا منزعجين مرعوبين زمرا. كل طائفة تحشر مع نظيرها من اهل الشر. حتى اذا جاءوها فتحت ابوابها في وجوههم ففاجأهم حرها المفظع وحل بهم الفزع الاكبر. الذي لا يشبهه فزع. وتلقتهم خزنة جحيم يوبخونهم على ما قدموه. وقالوا لهم الم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم ايات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا؟ قالوا بلى. قد جاءتنا الرسل وبلغتنا النذر. فما كان منا اليهم الا وحتى زعم بعضهم ان سجود الملائكة لادم ليس حقيقة وانما ذلك تسخير الله للادميين جميع ما في الارض من القوى والمعادن وغيرها. فانكر ما هو معلوم بالضرورة بخبر الله الصريح في كتابه وخبر رسوله. وقال هذه فتارة يعذبون بالسعير المحرق لظواهرهم وبواطنهم. كلما نضجت جلودهم بدلوا جلودا غيرها. وتارة الذي قد بلغ برده ان يهري اللحوم ويكسر العظام. وتارة بالجوع المفرط والعطش المفظع. واذا استغاثوا ذلك اغيثوا بعذاب اخر ولون من الشقاء ينسي ما سبقه. فيغاثون بطعام ذي غصة بشجرة الزقوم التي تخرج في اصل الجحيم. وثمرها في غاية المرارة والنتن والحرارة. اذا وصلت بطونهم غلت فيها كغلية الحميم الذي يوقد عليه في النار. وان يستغيثوا للشراب يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه. اذا قرب اليك فلا يدعهم العطش مع ذلك الا يتناولوها. فاذا وصلت الى بطونهم قطعت امعائهم. ولا يزالون في عذاب متنوع شديد لا يفتر عنهم العذاب ساعة. ولا يرجون رحمة ولا فرجا. يتمنون الممات ليستريحوا. فينادون مالكا رئيس خزنة النار. يا مالك ليقضي علينا ربك. فيقول لهم انكم ماكثون. فلا تلوموا ان انفسكم لما اسلفتموه من الجرائم. لقد جئناكم بالحق ولكن اكثركم للحق كارهون. وينادون اهل في الجنة مستغيثين بهم ان افيضوا علينا من الماء او مما رزقكم الله. فيقول لهم اهل الجنة ان الله على الكافرين. وينادون ربهم فيقولون ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوما ضالين. ربنا اخرجنا منها فان عدنا فانا ظالمون. فيجيبهم الله. اخسئوا فيها ولا تكلموا فحينئذ ييأسون من كل خير ومن كل فرج وراحة ويتيقنون انه الخلود الدائم والعذاب الابدي الشقاء المستمر. فنسأل الله الجنة وما قرب اليها من قول وعمل. ونعوذ بالله من النار وما قرب اليها من قول وعمل فصل اربعة عشر وله من في السماوات والارض ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا تحسرون يسبحون الليل والنهار لا يفترون. الايمان بالملائكة احد اصول الايمان. ولا يتم الايمان بالله وكتبه ورسله الا بالايمان بالملائكة. وقد وصفهم الله باكمل الصفات. وانهم في غاية القوة على عبادة الله رغبة العظيمة فيها. وانهم يسبحون الليل والنهار لا يفترون. وانهم لا يستكبرون عن عبادته. بل يرونها من اعظم عليهم وانهم لا يعصون الله ما امرهم ويفعلون ما يؤمرون. ففي هذا بيان كمال محبتهم لربهم وقوة انابتهم اليه. ونشاطهم التام في طاعته. وانهم لا يعصونه طرفة عين. وهم الوسائط بينه وبين رسله وخصوصا جبريل افضلهم واعظمهم واقواهم وارفعهم عند الله منزلة. فانه ذو قوة عند ذي العرش مكين ثم امين. وما هو على الغيب بضنين. وانه لتنزيل من رب العالمين نزل به الروح الامين. على قلبك لتكون من المنذرين. وكما انهم الوسائط بينه وبين عباده في تبليغ الوحي والشرائع الى الانبياء. فهم الوسائط في التدبير القدرية فان الله وصفهم بانهم المدبرات امرا. فكل طائفة منهم قد وكله على عمل هو قائم به باذن الله فمنهم الموكلون بالغيث والنبات. والموكلون بحفظ العباد مما يضرهم. وبحفظ اعمالهم وكتابتها بقبض الارواح. وبتصوير الاجنة في الارحام. وكتابة ما يجري عليها في الحال والمآل. والموكلون على الجنة والنار. ومنهم حملة العرش ومن حوله من الملائكة المقربين. الى غير ذلك مما وصفوا به في الكتاب والسنة فيجب الايمان بهم اجمالا وتفصيلا. وكثير من سور القرآن فيها ذكر الملائكة. والخبر عنهم. فعلينا ان نؤمن بذلك كله. ولا تكاد تجد احدا ينكر وجود الملائكة الا الزنادقة المنكرين لوجود ربهم. ومن تستر بالايمان منهم فانه ينكر الملائكة حقيقة. وينكر خبر الله ورسوله عنهم. ويفسر الملائكة تفسيرا سيئا وتحريفا خبيثا فيزعم ان الملائكة هي القوى الخيرية. والصفات الحسنة الموجودة في الانسان. وان الشياطين هي القوة الشريرة فيه وغرضهم من هذا التحريف دفع الشنعة عنهم. وقد ازدادوا بهذا التحريف شرا الى شرهم. وراج هذا التحريف الخبيث وراج شهادة تحريف الخبيث على بعض الذين يحسنون الظن بهؤلاء الزنادقة. وليس عندهم بصيرة في اديان الرسل. وان اظهروا فان زنادقة الفلاسفة اعظم في قلوبهم من الرسل. وكفى بالعبد ضلالا وبغيا ان يصل الى هذه الحال ونعوذ بالله من مضلات الفتن. ولم تزل بهم هذه الجرأة والخضوع لاقوال جهلة الزنادقة. حتى فسروا الملائكة بذلك التحريم يا ادم انت الذي خلقك الله بيديه ونفخ فيك من روحه واسجد لك ملائكته. ولولا ان مثل هذه التحريفات والتكذيب الله ورسوله. موجود في كتب من يشار اليهم بالعلم. لم يكن بنا حاجة الى دفع هذا القول الجريء. الذي يعلم كل مسلم لم تغيره العقائد الباطلة بطلانه. ولنقتصر على هذا المقدار من الاشارة الى العقائد المتعلقة بالتوحيد والرسالة واليوم الاخر والجزاء. وان كان القرآن معظمه في تقرير هذه الاصول العظيمة. لشدة الحاجة والضرورة اليها في كل وقت وحال ولكن حصل ولله الحمد التنبيه الذي يحصل به المقصود. ويعين على غيره والله اعلم. فصل في ذكر الفوائد والثمرات المترتبة على التحقيق بهذه العقائد الجليلة. اعلم ان خير الدنيا والاخرة من ثمرات الايمان الصحيح وبه يحيى العبد حياة طيبة في الدارين. وبه ينجو من المكاره والشرور. وبه تخف الشدائد. وتدرك جميع المطالب ولنشر الى هذه الثمرات على وجه التفصيل. فان معرفة فوائد الايمان وثمراته من اكبر الدواعي الى التزود فمن ثمرات الايمان انه سبب رضا الله الذي هو اكبر شيء. فما نال احد رضا الله في الدنيا والاخرة الا بالايمان وثمراته. بل صرح الله به في كتابه في مواضع كثيرة. واذا رضي الله عن العبد قبل يسير من عمله ونماه. وغفر الكثير من زلله ومحاه. ومنها ان ثواب الاخرة ودخول الجنة والتنعم بنا والنجاة من النار وعقابها. انما يكون بالايمان. فاهل الايمان هم اهل الثواب المطلق. وهم الناجون من جميع الشرور. ومنها ان الله يدفع ويدافع عن الذين امنوا شرور الدنيا والاخرة. فيدفع عنهم كيد شياطين الانس والجن. ولهذا قال تعالى انه ليس له سلطان على الذين امنوا وعلى ربهم يتوكلون ولما ذكر ان جاءه ذا النون قال وكذلك ننجي المؤمنين. اي من الشدائد والمكاره اذا وقعوا فيها والايمان بنفسه وطبيعته يدفع الاقدام على المعاصي. واذا وقعت من العبد دفع عقوباتها بالمبادرة الى التوبة كما قال صلى الله عليه وسلم لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن الى اخر الحديث. فبين ان الايمان يدفع وقوع الفواحش. وقال تعالى ان الذين اتقوا اذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فاذا هم مبصرين ومنها ان الله وعد المؤمنين القائمين بالايمان حقيقة بالنصر. واحقه على نفسه. فمن قام بالايمان ولا لوازمه ومتمماته فله النصر في الدنيا والاخرة. وانما ينتصر اعداء المؤمنين عليهم اذا ضيعوا الايمان. وضيعوا او حقوقه وواجباته المتنوعة. ومنها ان الهداية من الله للعلم والعمل ولمعرفة الحق وسلوكه هي بحسب الايمان والقيام بحقوقه. قال تعالى يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام. ومعلوم ان رضوان الله الذي هو حقيقة الاخلاص هو روح الايمان. وساقه التي يقوم عليها. وقال تعالى ومن يؤمن بالله يهد قلبه فهذه هداية عملية. هداية توفيق واعانة على القيام بوظيفة الصبر عند حلول المصائب. اذا علم انها من الله فرضي وسلم منقاد. ومنها ان الايمان يدعو الى الزيادة من علومه واعماله الظاهرة والباطنة. فالمؤمن بحسب ايمانه لا يزال يطلب الزيادة من العلوم النافعة. ومن الاعمال النافعة ظاهرا وباطنا. وبحسب قوة ايمانه ايمانه ورغبته وعمله. كما قال تعالى انما المؤمنون الذين امنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وقال انما المؤمنون الذين اذا ذكر الله وجلت قلوبهم. واذا تليت عليهم اياته زادتهم ايمانا كان وعلى ربهم يتوكلون. فاما الذين امنوا فزادتهم ايمانا وهم يستبشرون. ومنها ان المؤمنين بالله وبكماله وعظمته وكبريائه ومجده. اعظم الناس يقينا وطمأنينة وتوكلا على الله. وثقة بوعده الصادق ورجاء لرحمته وخوفا من عقابه. واعظمهم اجلالا لله ومراقبة واعظمهم اخلاص وصدقا هذا هو صلاح القلوب. لا سبيل اليه الا بالايمان. ومنها انه لا يمكن للعبد ان يقوم بالاخلاص لله ولعباده الله ونصيحتهم على وجه الكمال الا بالايمان. فان المؤمن تحمله عبودية الله وطلب التقرب الى الله. ورجاء ثواب والخشية من عقابه على القيام بالواجبات التي لله. والتي لعباد الله. ومنها ان المعاملات بين الخلق لا تتم ولا تقوم الا على الصدق والنصح وعدم الغش بوجه من الوجوه. وهل يقوم بها على الحقيقة الا المؤمنون؟ ومنها ان الايمان اكبر عون على تحمل المشقات. والقيام باعباء الطاعات وترك الفواحش التي في النفوس. وترك الفواحش التي في نفوس داع قوي الى فعلها. فلا تتم هذه الامور الا بقوة الايمان. ومنها ان العبد لابد ان يصاب بشيء من الخوف والجوع وناقص من الاموال والانفس والثمرات. وهو بين امرين اما ان يجزع ويضعف صبره فيفوته الخير والثواب. ويستحق على ذلك العقاب. ومصيبته لم تقلع ولم تخف. بل الجزع يزيدها. واما ان يصبر بثوابها. الصبر لا يقوم الا على الايمان. واما الصبر الذي لا يقوم على الايمان كالتجلد ونحوه فما اقل فائدته وما اسرع ما يعقبه الجزع. فالمؤمنون اعظم الناس صبرا ويقينا وثباتا في مواضع الشدة. ومنها ان الايمان يوجب للعبد قوة التوكل على الله. لعلمه وايمانه ان الامور كلها راجعة الى الله. ومندرجة في قضاء وقدره. وان من اعتمد عليه كفاه. ومن توكل على الله فقد توكل على القوي العزيز القهار. ومع انه يوجب قوة التوكل فانه يوجب السعي والجد في كل سبب نافع. لان الاسباب النافعة نوعان دينية ودنيوية. فالاسباب الدينية هي ايمان وهي من لوازم الايمان. والاسباب الدنيوية قسمان سبب معين على الدين ويحتاج اليه الدين. فهو ايضا من الدين كالسعي في القوة المعنوية والمادية التي فيها قوة المؤمنين وسبب لم يوضع في الاصل معينا على الدين. ولكن المؤمن لقوة ايمانه ورغبته فيما عند الله من الخير يسلك الى يا رب وينفذ اليه من كل سبب وطريق. فيستخرج من المباحات بنيته وصدق معرفته. ولطف علمه بابا يكون به معينا على الخير مجما للنفس. مساعدا لها على القيام بحقوق الله. وحقوق عباده الواجبة والمستحبة سيكون هذا المباح حسنا في حقه. عبادة لله لما صحبه من النية الصادقة. حتى ان بعض المؤمنين الصادقين في ايمانهم ومعرفتهم ربما نوى في نومه وراحاته ولذاته التقوي على الخير. وتربية البدن لفعل العبادات تقويته على الخير. وكذلك في ادويته وعلاجاته التي يحتاجها. وربما نوى في اشتغاله في المباحات او بعضها الاشتغال عن الشر ربما نوى بذلك جذب من خالطه وعاشره بمثل هذه الامور على فعل خير او انكفاف عن شر. ربما نوى بمعاشرته الحسنة ادخال السرور والانبساط على قلوب المؤمنين. ولا ريب ان ذلك كله من الايمان ولوازمه ولما كان الايمان بهذا الوصف قال تعالى في عدة ايات من كتابه وعلى الله فتوكلوا ان انتم مؤمنين. ومنها ان الايمان يشجع العبد ويزيد الشجاع شجاعة. فانه لاعتماده على الله العزيز الحكيم ولقوة رجائه وطمعه فيما عنده تهون عليه المشقات ويقدم على المخاوف واثقا بربه له راهبا من نزوله من عينه لخوفه من المخلوقين. ومن الاسباب لقوة الشجاعة ان المؤمن يعرف ربه حقا ويعرف الخلق حقا. فيعرف ان الله هو النافع الضار. المعطي المانع. الذي لا يأتي بالحسنات الا هو ولا يدفع السيئات الا هو. وانه الغني من جميع الوجوه. وانه ارحم بعباده من الوالدة بولدها. والطف به من كل احد. وان الخلق بخلاف ذلك كله. ولا ريب ان هذا داع قوي عظيم يدعو الى قوة الشجاعة. وقصر خوف في العبد ورجائه على ربه. وان ينتزع من قلبه خوف الخلق ورجاءهم وهيبتهم. ومنها ان الايمان هو السبب الاعظم لتعلق قلبي بالله في جميع مطالبه الدينية والدنيوية. والايمان القوي يدعو الى هذا المطلب الذي هو اعلى الامور على الاطلاق وهو غاية سعادة العبد. وفي مقابلة هذا يدعو الى التحرر من رق القلب للمخلوقين. ومن التعلق بهم ومن تعلق بالخالق دون المخلوق في كل احواله حصلت له الحياة الطيبة. والراحة الحاضرة والتوحيد الكامل كما ان ما انعكس القضية نقص ايمانه وتوحيده انفتحت عليه الهموم والغموم والحسرات. ولا ريب ان هذين الامرين لقوة الايمان وضعفه. وصدقه وكذبه وتحققه حقيقة او دعواه والقلب خال منه. ومنها ان الايمان يدعو الى حسن حسن الخلق مع جميع طبقات الناس. كما قال النبي صلى الله عليه وسلم اكمل المؤمنين ايمانا احسنهم خلقا وجماع حسن الخلق ان يتحمل العبد الاذى منهم. ويبذل اليهم ما استطاع من المعروف القولي والبدني والمالي ان يخالقهم بحسب احوالهم بما يحبون اذا لم يكن في ذلك محذور شرعي. وان يدفع السيئة بالتي هي احسن ولا يقوم بهذا الامر الا المؤمنون الكمل. قال تعالى وما يلقاها الا الذين صبروا. وما يلقاها الا ذو حق عظيم. واذا ضعف الايمان او نقص او انحرف اثر ذلك في اخلاق العبد انحرافا بحسب بعده عن الايمان. ومنها ان الايمان الكامل يمنع من دخول النار بالكلية. كما منع صاحبه في الدنيا من عمل المعاصي. ومن الاصرار على ما وقع منه منها والايمان الناقص يمنع الخلود في النار وان دخلها. كما تواترت بذلك النصوص بانه يخرج من النار. من كان معه مثقال حبة خردل من ايمان. ومنها ان الايمان يوجب لصاحبه ان يكون معتبرا عند الخلق امينا. ويوجب للعبد عفة عن دماء الناس واموالهم واعراضهم. وفي الحديث المؤمن من امنه الناس على دمائهم واموالهم. واي شرف ابلغ من هذا الشرف الذي يبلغ بصاحبه ان يكون من الطبقة العالية من الناس لقوة ايمانه وتمام امانته يكون محل الثقة عندهم. واليه المرجع في امورهم وهذا من ثمرات الايمان الجليلة الحاضرة. ومنها ان قوي الايمان يجب في قلبه من ذوق حلاوته ولذة طعمه واستحلاء اثاره والتلذذ بخدمة ربه واداء حقوقه وحقوق عباده التي هي موجب الايمان واثره. ما يزري بلذات الدنيا كلها باسرها. فانه مسرور وقت قيامه بواجبات الايمان حبيتي. ومسرور بما يرجوه ويأمله من ربه من ثوابه وجزاءه العاجل والاجل. ومسرور بانه ربح وقته الذي هو زهرة عمره واصل مكسبه. ومحشو قلبه ايضا من لذة معرفته بربه ومعرفته بكماله وكمال بره. وسعة جوده واحسانه ولذة محبته والانابة اليه. الناشئة عن معرفته باوصافه. وعن مشاهدة احسانه ومننه. فالمؤمن يتقلب في لذات الايمان وحلاوته المتنوعة. ولهذا كان الايمان مسليا عن المصيبات مهونا للطاعات. ومانعا من وقوع المخالفات جاعلا ارادة العبد وهو اه تبعا لما يحبه الله ويرضاه. كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لا يؤمن احدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به. ومنها ان الايمان هو السبب الوحيد للقيام بذروة سنام الدين. وهو الجهاد البدني والمالي والقولي. جهاد الكفار بالسيف والسنان. وجهاد الكفار والمنافقين والمنحرفين في اصول الدين وفروعه بالحكمة والحجة والبرهان. فكلما قوي ايمان العبد علما ومعرفة وارادة وعزيمة قوي جهاده. وقام بكل ما عليه بحسب حاله ومرتبته. فنالت درجة العالية والمنزلة الرفيعة. واذا ضعف الايمان ترك العبد مقدوره من الجهاد قولي بالعلم والحجة والنصيحة والامر بالمعروف والنهي عن المنكر. وضعف جهاده البدني بعدم الحامل له على ذلك لهذا قال تعالى انما المؤمنون الذين امنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا. وجاهدوا باموالهم في سبيل الله اولئك هم الصادقون. فصادق الايمان يحمله صدقه على القيام بهذه المرتبة التي هي مرتبة الطبقتين العاليتين بعد النبيين. طبقة الصديقين المجاهدين بالعلم والحجة والتعليم والنصيحة مطابقة الشهداء الذين قاتلوا في سبيل الله ثم قتلوا او ماتوا من دون قتل. وهذا كله من ثمرات الايمان ومن وكماله. وبالجملة فخير الدنيا والاخرة كله فرع عن الايمان ومترتب عليه. والهلاك والنقص. انما سيكون بفقد الايمان او نقصه. والله المستعان. فصل في ذكر بعض الايات الحاثة على القيام بحقوق الله وحقوق الخلق. قال تعالى واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا. وبالوالدين احسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار القربى والجار الجنب. وصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت ايمانكم. ان الله لا يحب من كان مختالا فخورا. والايات التي في سورة الاسراء وقضى ربك الا تعبدوا الا اياه وبالوالدين احسانا ما يبلغن عندك الكبر احدهما او كلاهما فلا تقل لهما اف ولا تنهرهما. وقل لهما قولا كريما الى قوله ذلك مما اوحى اليك ربك من الحكمة. ولا تجعل مع الله الها اخر فتلقى فيه في جهنم ملوما مدحورا. هذه الايات الكريمة فيها الامر بعبادة الله وحده لا شريك له. والدخول تحت رق عبوديته التي هي غاية شرف العبد والانقياد لاوامره واجتناب نواهيه. محبة وذلا له واخلاصا لله وانابة له في جميع الحالات وفي جميع العبادات الظاهرة والباطنة. وفيها النهي عن الشرك به شيئا. سواء كان شركا اكبر بان تأملوا ما لا يطيقون. وان يعاونوا على مهماتهم. وان يقام بتقويمهم وتأديبهم النافع. فمن قام بهذه المأمورات فهو الخاضع لربه المتواضع لعباد الله. المنقاد لامر الله وشرعه. الذي يستحق الثواب الجزيل والثناء اصرف نوعا من انواع العبادة لغير الله او شركا اصغر. مثل وسائل الشرك كالحلف بغير الله والرياء. ونحو ذلك مما يتذر به الى الشرك. بل الواجب المتعين اخلاص العبادة لمن له الكمال المطلق من جميع الوجوه. التدبير الكامل الشامل الذي لا يشركه ولا يعينه عليه احد. ثم بعدما امر بالقيام بحق الله المقدم على كل حق. امر بالقيام بحقوق ذوي الحقوق من الخلق. الاهم فالاهم. فقال وبالوالدين احسانا. اي احسنوا اليهم بالقول الكريم. والخطاب اللطيف وبالفعل بالقيام بطاعتهما واجتناب معصيتهما. والحذر من عقوقهما. والانفاق عليهما واكرام له تعلق بهما. وصلة الرحم التي لا رحم لك الا من جهتها. اما يبلغن عندك الكبر احدهما او كلاهما فلا تقل لهما اف ولا تنهرهما. وقل لهما قولا كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا. والامر بالاحسان الى الوالدين واطلاقه يدخل فيه كل ما عده الناس احسانا وذلك يختلف باختلاف الاوقات والاحوال والاشخاص. وفيه النهي عن ضد الاحسان اليهما. وهو امران الاساءة والعقوق الذي هو ايصال الاذى القولي والفعلي اليهما. وترك القيام ببعض حقوقهما الواجبة. والامر الثاني ترك احسان وترك الاساءة. فان ذلك داخل في العقوق. فلا يسع الولد ان يقول اذا قمت بواجب والدي وتركت معصيتهما فقد قمت بحقهما فيقال بل عليك ان تبذل لهما من الاحسان الذي تقدر عليه ما يجعلك في مرتبة الابرار البارين بوالديك وقوله كما ربياني صغيرا. بيان لبعض الاسباب الموجبة للبر. وان الوالدين اشتركا في تربية بدنك روحك بالتغذية والكسوة والحضانة والقيام بكل المؤن. وبالتعليم والارشاد والالزام بطاعة الله. والاداب والاخلاق الجميلة وفي هذا دليل على ان كل من له عليك حق تربية بقيام مؤونة نفقة وكسوة وغيرها. ان له حقا عليك بالاحسان والبر والدعاء. واعلى من ذلك من له حق عليك بتربية عقلك وروحك تربية علمية تهذيبية ان له الحق الاكبر عليك. وهذا من جملة فضائل اهل العلم المعلمين العاملين. ومن حقوقهم على الناس. فانهم ربما فاقوا في في هذه التربية تربية الوالدين باضعاف مضاعفة. وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء. وقوله وبذي القربى اي احسنوا الى اقاربكم القريب منهم والبعيد. بالقول والفعل. واوصلوا لهم من الهدايا والصدقات والبر والاحسان المتنوع فيشرح صدورهم وتتيسر به امورهم. فتكون بذلك واصلين. وللاجر من الله حائزين. واليتامى هم الذين فقدت اباؤهم وهم صغار. فمن رحمة ارحم الراحمين امر الناس برحمتهم. والحنو عليهم والاحسان اليهم وكفالتهم وجبر خواطرهم وتأديبهم. وان يربوهم احسن تربية. كما يربون اولادهم. سواء كان اليتيم ذكرا او انثى قريبا او غير قريب. والمساكين هم الذين اسكنتهم الحاجة والفقر. فلم يحصلوا على كفايتهم ولا كفاية من يمونون فامر تعالى بسد خلاتهم ودفع فاقاتهم والحض على ذلك وقيام العبد ما امكنه من ذلك من غير ضرر عليه والجار ذي القربى اي الجار القريب الذي له حق الجوار وحق القرابة. والجار الجنب الذي ليس بقريب. فعلى العبد القيام بحق جاره مطلقا. مسلما كان او كافرا قريبا او بعيدا بكف اذاه عنه. وتحمل اذاه وبذل ما يهون عليه من الاحسان وتمكينه من الانتفاع بجداره او طريق ماء على وجه لا يضر الجار. وتقديم الاحسان اليه على الاحسان على من ليس بجار. وكلما كان الجار اقرب بابا كان اكد حقا لحقه. فينبغي للجار ان يتعاهد جاره بالصدقة والهدية والدعوة واللطافة بالاقوال والافعال. تقربا الى الله واحسانا الى اخيه صاحب الحق. الصاحب بالجنب قيل هو في السفر وقيل هو الزوجة. وقيل هو الرفيق مطلقا في الحضر والسفر. وهذا اشمل فانه يشمل القولين الاولين. فعلى لصاحبه حق زائد على مجرد اسلامه من مساعدته على امور دينه ودنياه. والنصح له والوفاء معه في العسر واليسر والمنشط والمكره وان يحب له ما يحب لنفسه ويكره له ما يكره لنفسه. وكلما زادت الصحبة تأكد الحق وزاد وابن السبيل وهو الغريب من غير بلده سواء كان محتاجا ام غير محتاج. فحث الله على الاحسان الى الغرباء لكونهم في مظنة الوحشة والحاجة وتعذر ما يتمكنون عليه في اوطانهم فيتصدق على محتاجهم ويجبر خاطر غير المحتاج الاكرام والهدية والدعوة والمعاونة على سفره. وما ملكت ايمانكم اي من الرقيق والبهائم بالقيام بكفايتهم. والا ومن لم يقم بذلك فانه عبد معرض عن ربه عات على الله متكبر على عباد الله معجب بنفسه فخور باقواله على وجه الكبر والعجب واحتقار الخلق. وهو في الحقيقة السافل المحتقر. ولهذا قال ان الله لا من كان مختالا فخورا. فهؤلاء ما بهم من الاوصاف القبيحة تحملهم على البخل بالحقوق الواجبة. ويأمرون باقوالهم وافعالهم بالبخل. ويكتمون ما اتاهم الله من فضله. اي من العلم الذي يهتدي به الضالون. ويسترشد به فيكتمونه عنهم ويظهرون لهم من الباطل ما يحول بينهم وبين الحق. فهؤلاء جمعوا بين البخل بالمال والبخل بالعلم من السعي في خسارة انفسهم والسعي في خسارة غيرهم. وهذه هي صفات الكافرين. ولهذا قال واعتدنا للكافرين عذابا مهينا. اي كما استهانوا بالحق وتكبروا على الخلق. واستهانوا بالقيام بالحقوق. اهانهم الله بالعذاب الاليم والخزي الدائم. وقال تعالى ولا تجعل يدك مغلولة الى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا اي احذر هذين الخلقين الرذيلين البخل بالواجبات في بذل المال فيما ينبغي بذله فيه والتبذير بالنفقة فيما لا ينبغي او زيادة على ما ينبغي. فتقعد ان فعلت ذلك ملوما اي تلام على ما فعلت من الاسراف. لان كل عاقل يعرف ان الاسراف مناف للعقل الصحيح. كما انه مناف للشرع. فان الله جعل الاموال قياما لمصالح الخلق خلق. فكما ان منعها وامساكها عن وضعها فيما جعلت له مذموم. فكذلك بذلها في الامور الضارة او زيادة غير اللائقة في الامور العادية وغيرها مذموم. لانه اتلاف للمال بغير مصلحة. وانحراف في حسن التصرف والتدبير. وضعف التدبير عدم انتظامه مذموم في كل شيء. كما ان حسن التدبير محمود ونافع لفاعله وغيره. محصورا اي فارغ اليد. فلا بقي ما في يدك من المال ولا خلفه مدح وثناء. وهذا الامر بايتاء ذي القربى وغيرهم مع القدرة. فاما مع العدم او تعذر النفقة الحاضرة فامر تعالى ان يردوا. فامر تعالى ان يردوا ردا جميلا. فقال واما تعرضن عنهم ابتغاء رحمة من ربك ترجوها اي تعرضن عن اعطائهم حاضرا. ولكنك ترجو فيما بعد ذلك تيسير الامر من الله. فقل لهم قولا ميسورا اي لطيفا برفق ووعد بالجميل عند الوجود. واعتذار بعدم الامكان في الوقت الحاضر. لينقلبوا عنك مطمئنة عاذرين راجين كما قال تعالى قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها اذى. وهذا من لطف الله بالعباد امرهم بانتظار الرحمة والرزق منه. لان انتظار ذلك عبادة وسبب لحصوله. فان الله عند ظن عبده به كذلك وعدهم ان يعطوهم اذا وجدوا عبادة حاضرة لمن وعدوا. لان الهم بفعل الخير والحسنة خير. ولهذا ينبغي للعبد بان يفعل ما يقدر عليه من الخير. وينوي فعل ما لم يقدر عليه اذا قدر. ليثاب على ذلك. ولعل الله ييسره له في قوله ابتغاء رحمة من ربك ترجوها. فيه الحث على تعليق القلب والرجاء والطمع بالله. وصرف التعلق بالمخلوقين الموفق في حال الوجود والغنى قلبه متعلق بحمد الله وشكره والثناء عليه. لا ينسى ولا يبتر النعمة. وفي حال الفقد والفقر صابر راض راج من الله فضله وخيره ورحمته. وهذا من اجل عبادات القلوب المقربة الى علام الغيوب لا تقتلوا اولادكم خشية املاق. وذلك ان الله ارحم بعباده من الوالدة بولدها. فنهى الوالدين عن هذا الخلق الذي هو من ارذل الاخلاق واسقطها. قتل اولادهم خشية الفقر. ففيه عدة جنايات. قتل النفس الذي هو من اعظم الفساد واشنع من ذلك قتل الاولاد الذين هم فلذات الاكباد. وسوء الظن برب العالمين. وجهلهم وضلالهم البليغ. اذ ظنوا ان وجودهم يضيق الارزاق تتكفل لهم بقيامه برزق الجميع. فاين هذا الخلق الشنيع من اخلاق خواص المؤمنين؟ الذين كلما كثرت وعوائلهم قوي ظنهم بالله. ورجوا زيادة فضله وقاموا بمؤنته المطمئنة نفوسهم. ورجو زيادة فضله وقاموا مؤنتهم مطمئنة نفوسهم حامدين ربهم ان جعل رزقهم على ايديهم ومثنيين على ربهم ان اقدرهم على ذلك وراجين ثواب ذلك عنده ومشاهدينا لمنة الله عليهم بذلك. قال صلى الله عليه وسلم هل تنصرون وترزقون الا بضعفائكم؟ بدعاء ورغبتهم الى الله. قوله ولا تقربوا الزنا انه كان فاحشة وساء سبيلا. والنهي عن قربان الزنا يشمل النهي عنه. وعن دواعيه ومقدماته كالنظر المحرم والخلوة بالاجنبية وخطاب من يخشى الفتنة بخطابه ونحو ذلك. ووصف الزنا باقبح الاوصاف بانه فاحشة اي جريمة عظيمة تستفحش شرعا وعقلا. لان فيها انتهاك حرمة الشرع والتهاون به. وفيه افساد مرأة وافساد الانساب واختلاط المياه. وفيه اضرار باهلها وبزوجها. وبكل من يتصل بها. وفيه من المفاسد شيء كثير. وامر تعالى بايفاء المكاييل والموازين والمعاملات كلها بالقسط من غير بخس ولا نقص ولا غش ولا كتمان لذلك الامر بالصدق والنصح في جميع المعاملات. فانه بذلك يصلح الدين والدنيا. ولذلك قال ذلك خير واحسن تأويل اي هو خير في الحاضر. واحسن عاقبة في الاجل. يسلم به العبد من التبعات. وتحل البركة في هذه المعاملة. وقوله ولا تقف ما ليس لك به علم. ايوة لا تتبع ما ليس لك به علم. بل تثبت في كل ما تقوله وتفعله. فان التثبت في الامور فيها دليل على حسن الرأي وقوة العقل. وبه تتوضح الامور ويعرف بعد ذلك هل الاقدام خير ام الاحجام؟ لان المتثبت لابد ان يعمل فكره ويشاور في الامور التي عليه ان يتثبت فيها. والفكر والمشاورة اكبر الاسباب لاصابة الصواب والسلامة من التبعة ومن الندم الصادر من العجلة. ومن عدم استدراك الفارق. ولهذا قال ان السمع والبصر والفؤاد كل اولئك كان عنه مسئول اي لابد ان تسأل عن حركة هذه الجوارح وهل هي حركات نافعة بان وضعت فيما يقرب الى الله ام ضارة بان وجهت الى معصية الله. فليتعاهد العبد بحفظها عن الامور الضارة. ليعد لهذا السؤال جوابا. فمن استعملها بطاعة الله فقد زكاها ماها واثمرت له النعيم المقيم. ومن استعملها في ضد ذلك فقد دساها واسقطها واوصلته الى العذاب الاليم. وقوله ولا تمشي في الارض مرحا. اي لا تتكبر على الحق ولا على الخلق. فان التكبر ارزل الاخلاق. المتكبر المعجب بنفسه ليبلغ ما يظنه وتطمح له نفسه من الخيالات الفاسدة. انه في مقام رفيع على الخلق. بل هو ممقوت عند الله وعند خلقه مبغوض محتقر قد نزل بخلقه هذا الى اسفل سافلين. ففاته مطلوبه من كبره وعجبه. وحصل على نقيضه. ومن مضار للكبر انه صح الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة خردل من كبر. والنار مثوى مكبرين والكبر هو بطر الحق وغمط الناس اي احتقارهم وازدراؤهم. وهذه الاوامر الحسنة والارشادات في هذه الاية من الحكمة العالية التي اوحاها الله لرسوله صلى الله عليه وسلم. وهي من اعظم محاسن الدين. فالدين هو دين الحكمة التي هي معرفة الصواب والعمل به. ومعرفة الحق والعمل به في كل شيء. قال سبحانه وعباد الرحمن الذين يمشون على الارض هونا. واذا اذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما. الى اخر السورة. العبودية لله نوعان. عبودية لربوبية الله وملكه هذه يشترك فيها سائر الخلق مسلمهم وكافرهم. فكلهم عبيد لله مربوبون مدبرون وعبودية لالوهيتهم ورحمته وهي عبودية انبيائه واوليائه. وهي المراد هنا. ولهذا اضافها الى اسمه الرحمن. تنبيها على انهم كما وصلوا الى هذه الحال برحمته بهم ولطفه واحسانه. فذكر صفاتهم اكمل الصفات. وبالاتصاف بها يكون العبد متحرك تحقيقا بعبوديته الخاصة النافعة المثمرة للسعادة الابدية. فوصفهم بانهم يمشون على الارض هونا. اي ساكنين متواضعين لله وللخلق. فهذا وصف لهم بالوقار والسكينة والتواضع لله ولعباده. واذا خاطبهم الجاهلون اي خطاب اهل فانه اضاف الخطاب لهذا الوصف. قالوا سلاما اي خاطبوهم خطابا يسلمون فيه من الاثم. ولا يقابلون الجاهل وهذا ثناء عليهم بالرزانة والحلم العظيم والعفو عن الجاهل. ومقابلة المسيء بالاحسان. والذين يبيتون بهم سجادا وقياما ان يكثرون من صلاة الليل مخلصين فيها لربهم. متذللين له كما قال تعالى. تتجاوز جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا. وقال سبحانه والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذابك فجهنم اي دفاعه عنا بالعصمة من اسبابه ومغفرة ما وقع منا مما هو مقتض للعذاب. ان عذاب كان غراما. اي ملازما لاهلها ملازمة الغريم لغريمه. انها ساءت مستقرا ومقاما. وهذا منهم على وجه في التضرع لربهم وبيان شدة حاجتهم اليه. وانه ليس في طاقتهم احتمال هذا العذاب. وليتذكروا منة الله عليه فان صرف الشدة يعظم وقعه بحسب شدتها وفظاعتها. والذين اذا انفقوا اي نفقات الواجبة والمستحبة لم يسرفوا ان يزيدوا على الحد فيدخلوا في قسم التبذير واهمال الحقوق الواجبة. ولم يقتروا فيدخلوا في باب الشح والبخل وكان انفاقهم بين الاسراف والتقطير. قواما تقوم به الاحوال فانهم يبذلون في الواجبات من الزكوات والنفقات الواجبة. وفيما ينبغي من الامور النافعة على المحتاجين. وفي المشاريع الخيرية وفي الامور الضرورية والكمالية الدينية والدنيوية من غير ضرر ولا اضرار. وهذا من اقتصادهم وعقلهم وحسن تدبيرهم. والذين لا يدعون مع الله اله اخر لا دعاء عبادة ولا دعاء مسألة بل يعبدونه وحده مخلصين له الدين حنفاء. مقبلين عليه معرضين عما سواه ولا يقتلون النفس التي حرم الله وهي نفس المسلم والكافر المعاهد الا بالحق كقتل النفس بالنفس المحصن والتارك لدينه المفارق للجماعة. ولا يزنون. ومن يفعل ذلك ذلك المذكور من الشرك بالله للنفس التي حرم الله والزنا يلقى اثاما. يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه. اي العذاب مهانا. فالوعيد بالخلود لمن فعلها كلها ثابت في الكتاب والسنة واجماع الامة. وكذلك لمن اشرك بالله وكذلك الوعيد بالعذاب الشديد على كل واحد من هذه التلاتة لكونها كلها من اكبر الكبائر. واما خلود القاتل بغير حق والزاني في العذاب. فقد دلت النصوص القرآنية وتواترت الاحاديث النبوية ان جميع المؤمنين وان دخلوا النار فسيخرجون منها. ولا يخلد فيها مؤمن فان الايمان الكامل يمنع من دخولها ومطلق الايمان ولو مثقال ذرة يمنع من الخلود فيها كما تقدم. ونص الله على هذه الاشياء الثلاثة لانها اكبر الكبائر. وفسادها كبير. فالشرك فيه فساد الاديان بالكلية. والقتل فيه فساد الابدان والزنا فيه فساد الاعراض. الا من تاب عن هذه المعاصي وغيرها. بان اقلع عنها في الحال وندم على فعلها وعزم عزما جازما الا يعود. وامن بالله ايمانا صحيحا. يقتضي فعل الواجبات. وترك المحرمات قيل عملا صالحا فيدخل فيه جميع الصالحات من واجب ومستحب. فاولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات. بان يوفقهم خير كتبدل اقوالهم وافعالهم التي كانت مستعدة لفعل السيئات تتبدل حسنات. فيتبدل شركهم ايمانا شخصيتهم طاعة وتتبدل نفس السيئات التي عملوها. ثم احدثوا عن كل ذنب منها توبة وندما وانابة وطاعة. تبدل حسنات كما هو ظاهر الاية. ورد فيه حديث الرجل الذي حاسبه الله ببعض ذنوبه. فعددها عليه ثم ابدل مكان كل سيئة حسنة الى اخر الحديث. وكان الله غفورا رحيما. لمن تاب يغفر ذنوبه كلها. وكان الله غفورا لمن تاب يغفر ذنوبه كلها رحيمة بعباده اذا دعاهم الى التوبة بعد مبارزته بالعظائم. ثم وفقهم لها ثم قبلها منهم. ومن تاب عمل صالحا فانه يتوب الى الله متابا. اي فليعلم ان توباته في غاية الكمال بانها رجوع الى الطريق الموصل الى الله الذي هو عين سعادة العبد وفلاحه. فليخلص فيها وليخلصها من شوائب الاغراض الفاسدة. والمقصود من هذا الحث على تكميل التوبة وان تكون على اكمل الوجوه واجلها. لتحصل له ثمراتها الجليلة. والذين لا يشهدون اي لا يحضرون. الزور اي القول المحرم والفعل المحرم. فيجتنبون جميع المجالس المشتملة على كل قول وفعل محرم. كالخوض في ايات الله بالباطل والجهل بالباطل والغيبة والنميمة والسب والقذف. والاستهزاء وشرب الخمر والغناء المحرم. وفرش الحرير والصور نحو ذلك. واذا كانوا لا يشهدون الزور فانهم من باب اولى لا يفعلونه ولا يقولونه. شهادة الزور داخلة في قول الزور واذا مروا باللغو وهو الكلام الذي لا فائدة فيه دينية ولا دنيوية ككلام السفهاء ونحوهم مروا كراما اين الزهوا انفسهم واكرموها عن الخوض فيه ورأوه سفها منافيا لمكارم الاخلاق. وفي قوله واذا مروا باللغو شارك الى انهم لا يقصدون حضوره ولا سماعه. ولكن يحصل ذلك بغير قصد. فيكرمون انفسهم عنه. والذين اذا ذكروا ربهم التي امروا بالاستماع لها والاهتداء بها. لم يخروا عليها صما وعميانا. اي لم يقابلوها بالاعراض عنها الصمم عن سماعها وصرف القلب عنها كما يفعله من لم يؤمن بها ويصدق. وانما حال هؤلاء الاخيار عند سماعها كما قال قال تعالى انما يؤمن باياتنا الذين اذا ذكروا بها خروا سجدا وسبحوا بحمد ربهم وهم لا يستكبرون يقابلونها بالقبول والافتقار اليها والانقياد والتسليم لها. وتجد عندهم اذانا سامعة وقلوبا واعية يزداد بها ايمانهم ويتم بها يقينهم. وتحدث لهم فرحا ونشاطا واغتباطا. لما يعلمون انها افضل المنن الواصلة اليهم من ربهم والذين يقولون ربنا هب لنا من ازواجنا اي قرنائنا من اصحاب واخلاء واقران وزوجات. وذرياتنا قرة فاعين اي تقر بهم اعيننا. واذا استقرأنا حالهم وصفاتهم عرفنا من علو هممهم ومراتبهم ان مقصودهم بهذا دعائي لذرياتهم ان يطلبوا منه صلاحهم. فان صلاح الذرية عائد اليهم والى والديهم. لان النفع يعود على الجميع بل صلاحهم يعود الى نفع المسلمين عموما. لان بصلاح المذكورين صلاحا لكل من له تعلق بهم. ثم يتسلسل الصلاح والخير واجعلنا للمتقين اماما. اي اوصلنا يا ربنا الى هذه الدرجة العالية. درجة الصديقين والكمل من عباد الله الصالحين. وهي درجة الامامة في الدين. وان يكونوا قدوة للمتقين في اقوالهم وافعالهم يقتدى باقوالهم وافعالهم اطمأنوا اليها لثقة المتقين بعلمهم ودينهم. ويهتدي المهتدون بهم. ومن المعلوم ان الدعاء بحصول شيء دعاء به. وبما لا يتم الا به. وهذه الدرجة درجة الامامة في الدين. لا تتم الا بالصبر واليقين. كما قال تعالى وجعلنا منهم ائمة كي يهدون بامرنا لما صبروا وكانوا باياتنا يوقنون. فهذا الدعاء يستلزم من حصول الاعمال الصالحة والصابر على طاعة الله وعن معصيته وعلى اقداره المؤلمة. ومن العلم النافع التام الراسخ الذي يوصل صاحبه الى درجة اليقين خيرا كثيرا وعطاء جزيلا. ولما كانت هممهم واعمالهم عالية كان الجزاء من جنس العمل. فجازاهم من جنس عملهم فقال اولئك يجزون الغرفة. اي المنازل العالية الرفيعة الجامعة لكل نعيم روحي وبدني. بسبب صبرهم على القيام بهذا هذه الاعمال الجليلة ويلقون فيها تحية وسلاما من ربهم ومن الملائكة الكرام ومن بعضهم على بعض ويسلمون من جديد جميع المناغصات والمكدرات. والحاصل ان الله وصفهم بالوقار والسكينة. والتواضع له ولعباده وحسن الادب والحلم وسعة الخلق والعفو عن الجاهلين والاعراض عنهم ومقابلة اساءتهم بالاحسان. وقيام الليل والاخلاص فيه خوفي من النار والتضرع لربهم ان ينجيهم منها. وانهم يخرجون الواجبات والمستحبات في النفقات على وجه الاقتصاد. واذا كان مقتصدين في النفقات التي جرت عادة اكثر الخلق بالتفريط فيها او الافراط فاقتصادهم وتوسطهم في غيرها من باب اولى ووصفهم السلامة من كبائر الذنوب وفواحشها. وبالتوبة مما يصدر منهم منها. ومنها الاخلاص لله في عبادته. وانهم لا يحضرون مجالس المنكر والفسوق القولية والفعلية. ولا يفعلونها وانهم يتنزهون عن اللغو والاقوال الرديئة التي لا خير فيها ولا وذلك يستلزم كمال انسانيتهم ومروءتهم. وكمالهم ورفعة نفوسهم عن كل امر رذيل. وانهم يقابلون ايات الله بالقبول لها والتفهم لمعانيها والعمل بها. والاجتهاد في تنفيذ احكامها. وانهم يدعون ربهم باكمل دعاء ينتفعون به وينتفع به من يتعلق بهم. وينتفع به المسلمون من صلاح ازواجهم وذريتهم. ومن لوازم ذلك سعيهم في تعليمهم ووعظهم ونصحهم. لان من حرص على شيء ودعا الله في حصوله لابد ان يكون مجتهدا في تحصيله بكل طريق مستعينا بربه في تسهيل ذلك. وانهم دعوا الله في حصول اعلى الدرجات الممكنة لهم. وهي درجة الامامة والصدق فلله ما اعلى هذه الصفات. وارفع هذه الهمم واجل هذه المطالب. وازكى تلك النفوس. ولله فضل الله ولطفه بهم. الذي اوصلهم الى هذه المقامات والمنازل. ولله الحمد من جميع عباده. اذ بين لهم اوصافهم وحثهم على واعان السالكين ويسر الطريق لمن سلك رضوانه. والله الموفق المعين. قال سبحانه خذ العفو وامر بالعرف اعرض عن الجاهلين. هذه الاية الكريمة جامعة لمعاني حسن الخلق مع الناس. وما ينبغي للعبد سلوكه في معاملتهم معاشرتهم. فامر تعالى باخذ العفو وهو ما سمحت به انفسهم وسهلت به اخلاقهم من الاعمال والاخلاق. بل يقبل ما سهل ولا يكلفهم ما لا تسمح به طبائعهم. ولا ما لا يطيقونه. بل عليه ان يشكر من كل احد ما قابله به من قول وعمل وخلق جميل وما هو دون ذلك. ويتجاوز عن تقصيرهم. ويغض طرفه عن نقصهم. وعن ما اتوا به وعاملوه من النقص ولا يتكبر على صغير لصغره. ولا ناقص العقل لنقصه. ولا الفقير لفقره. بل يعامل الجميع باللطف ما تقتضيه الحال الحاضرة وبما تنشرح له صدورهم ويوقر الكبير ويحنو على الصغير ويجامل النظير وامر بالعرف وهو كل قول حسن وفعل جميل. وخلق كامل للقريب والبعيد. فاجعل ما ياتي الى الناس منك اما تعليم علم ديني او دنيوي او نصيحة او حثا لهم على خير من عبادة الله وصلة رحم وبر الوالدين واصلاح بين الناس او رأي مصيب او او معاونة على بر وتقوى او زاجر عن قبيح او ارشاد الى مصلحة دينية او دنيوية او تحذير ضد ذلك ولما كان لابد للعبد من اذية الجاهلين له بالقول او بالفعل امر الله بالاعراض عنهم. وعدم مقابلة الجاهلين بجهلهم. فمن اذاك بقوله او فعله فلا تؤذه. ومن حرمك فلا تحرمه. ومن قطعك فصله. ومن ظلمك فاعدل فيه ذلك يحصل لك الثواب من الله. ومن راحة القلب وسكونه. ومن السلامة من الجاهلين. ومن انقلاب العدو صديقا ومن التبوء من مكارم الاخلاق واعلاها اكبر حظ واوفر نصيب. قال تعالى ادفع بالتي هي احسن فاذا الذي بينك وبينه انه عداوة كانه ولي حميم. وما يلقاها الا الذين صبروا. وما يلقاها الا ذو حظ عظيم ولنقتصر في هذا الموضوع على هذه الايات. ففيها الهدى والشفاء والخير كله. فصل في احكام الشرع الفروعية المتنوعة في الصلاة والزكاة وما ينضم اليهما من المعاني الاخرى. قال تعالى اقم الصلاة لدلوك الشمس الى غسق الليل وقرآن الفجر ان قرآن الفجر كان مشهودا. ومن الليل فتهجد به نافلة لك. عسى ان بعتك ربك مقاما محمودا. هذا الامر من الله لعباده بالصلاة التي امر بها في ايات متعددة. ويأتي الامر بها في القرآن بلفظ الاقامة كهذه الاية. ومثل واقيموا الصلاة ونحوها. وهو ابلغ من قوله افعلوها. فان هذا امر بفعلها وبتكميل اركانها وشروطها ومكملاتها ظاهرا وباطنا. وبجعلها شريعة ظاهرة قائمة من اعظم شعائر الدين وفي هذه الاية زيادة عن بقية الايات. وهي الامر بها لاوقاتها الخمسة او الثلاثة. وهذه هي الفرائض. واضافاتها الى اوقات من باب اضافة الشيء الى سببه الموجب له. فلدلوك الشمس اي زوالها واندفاعها من المشرق نحو المغرب. فيدخل في هذا صلاة الظهر وهو اول الدلوك وصلاة العصر وهو اخر الدلوك. الى غسق الليل اي ظلمته. فدخل في ذلك صلاة المغرب وهو ابتداء الغسق. وصلاة العشاء الاخرة. وبها يتم الغسق والظلمة. وقرآن الفجر. اي صلاة الفجر وسماها قرآنا لمشروعية اطالة القراءة فيها. ولفضل قراءتها لكونها مشهودة. يشهدها الله وتشهدها ملائكة الليل وملائكة النهار. ففي هذه الاية الكريمة فوائد. منها ذكر الاوقات الخمسة صريحا ولم يصرح بها في القرآن في غيره هذه الاية واتت ظاهرة في قوله فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون. وفيها ان هذه المأمورات كلها فرائض لان الامر بها مقيد في اوقاتها. وهذه هي الصلوات الخمس. وقد تستتبع ما يتبعها من الرواتب ونحوها. ومنها ان واقت شرط لصحة الصلاة. وسبب لوجوبها ويرجع في مقادير الاوقات الى تقدير النبي صلى الله عليه وسلم. كما يرجع اليه في تقدير ركعات الصلاة وسجداتها وهيئاتها. وفيها ان العصر والظهر يجمعان للعذر. وكذلك المغرب والعشاء بان الله جمع وقتهما في وقت واحد للمعذور. ووقتان لغير المعذور. وفيهما فضيلة صلاة الفجر وفضيلة اطالة القرآن فيها. وان القرآن فيها ركن. لان العبادة اذا سميت ببعض اجزائها دل ذلك على فضيلته وركنيته وقد عبر الله عن الصلاة بالقراءة وبالركوع وبالسجود وبالقيام. وهذه كلها اركانها المهمة. قوله ومن الليل فتهجد به هيصلي به في اوقاته نافلة لك. اي لتكون صلاة الليل زيادة لك في علو المقامات. ورفع الدرجات. بخلاف غيرك انها تكون كفارة لسيئاته. ويحتمل ان يكون المعنى ان الصلوات الخمس فرض عليك وعلى المؤمنين. واما صلاة الليل فانها فرض عليك وحدك دون المؤمنين. بكرامتك على الله. اذ جعل وظيفتك اكثر من غيرك. ومن عليك بالقيام بها فليكثر ثوابك ويرتفع مقامك. وتنال بذلك المقام المحمود. وهو المقام الذي يحمده فيه الاولون والاخرون. مقام الشفاعة العظمى حين يستشفع الخلائق باكابر الانبياء. ادم ونوح وابراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام. وكلهم يعتدوا ويتأخر عنها حتى يستشفعوا بسيد ولد ادم. ليرحمهم الله من هم الموقف وكربه. ويفصل بينهم فيشفعه الله ويقيمه مقاما يغبطه به الاولون والاخرون. وتكون له اليد البيضاء على جميع الخلق. صلى الله عليه وسلم تسليما كثيرا وادخلنا في شفاعته ومن علينا بالسعي في اسباب شفاعته التي اهمها اخلاص الاعمال لله وتحقيق متابعة استقبال بيته الحرام اخبر ان كل اهل دين لهم وجهة يتوجهون اليها في عباداتهم. وليس الشأن في القبل والوجهات المعينة انها من الشرائع التي تختلف باختلاف الازمنة. ويدخلها النسخ والنقل من جهة الى اخرى. ولكن الشأن كل الشأن في امتثال طاعة الله على الاطلاق التقرب اليه وطلب الزلفة عنده. فهذا عنوان السعادة ومنشور الولاية. وهو الذي اذا لم تتصف به النفوس حصلت لها الخسارة في الدنيا والاخرة. كما انها اذا اتصفت به فهي الرابحة على الحقيقة. وهذا امر متفق عليه في في جميع الشرائع هو الذي خلق الله له الخلق وامرهم به. الامر بالاستباق الى الخيرات قدر زائد على الامر بفعلها. فان السباق اليها يتضمن الامر بفعلها. وتكميلها وايقاعها على اكمل الاحوال. والمبادرة اليها. ومن سبق في الدنيا الى خيرات فهو السابق في الاخرة الى الجنات. السابقون اعلى الخلق درجة. والخيرات تشمل جميع الفرائض والنوافل صلاة وصيام وزكاة وصدقة وحج وعمرة وجهاد. ونفع متعد وقاصر. فهذه الاية تحث على الاتيان بكل ما تكمل هذه العبادات من ركن وواجب وشرط ومستحب. ومكمل ومتمم ظاهرا وباطنا. كالمبادرة في اول الوقت وفعل السنن المكملات والمبادرة الى ابراء الذمم من الواجبات. وفعل جميع الاداب المتعلقة بالعبادات. فلله ما معها من اية وانفعها. ولما كان اقوى ما يحث النفوس الى المسارعة الى الخيرات. ما رتب الله عليها من الثواب. وما يخفي بتفويتها من الحرمان والعقاب. قال اينما تكونوا يأتي بكم الله جميعا. ان الله على كل شيء قدير يجمع الله العباد يوم القيامة بقدرته. ويجازيهم بما اسلفوه من الاعمال خيرها وشرها. حافظوا على الصلوات الصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين. فان خفتم فرجالا او ركبانا. فاذا امنتم فاذكروا الله كما علمكم ما لم تكونوا تعلمون. يأمر الله تعالى بالمحافظة على الصلوات عموما. وعلى الصلاة الوسطى وهي صلاة العصر خصوصا فضلها وشرفها وحضور ملائكة الليل والنهار فيها. ولكونها ختام النهار والمحافظة على الصلوات عناية العبد بها من جميع التي امر الشارع بها وحث عليها من مراعاة الوقت وصلاة الجماعة والقيام بكل ما به تكمل وتتم وان تكون صلاة كاملة تنهى صاحبها عن الفحشاء والمنكر. ويزداد بها ايمانه. وذلك اذا حصل فيها حضور القلب وخشوعه. الذي هو لبها وروحها ولهذا قال وقوموا لله قانتين. اي مخلصين خاشعين لله. فان القنوت هو دوام الطاعة مع الخشوع ومن تمام ذلك سكون الاعضاء عن كل كلام لا تعلق له بالصلاة. وفيها ان القيام في صلاة الفريضة ركن ان كان المراد اذ كانوا يجحدون بايات الله وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون. وفي الاية الاخرى فما اغنت عنه هم الهتهم التي يدعون من دون الله من شيء لما جاء امر ربك وما زادوهم غير القيام هنا الوقوف فان اريد به القيام بافعال الصلاة عموما دل على الامر باقامتها كلها. وان تكون قائمة تامة غير ناقصة. فان خفتم فرجالا او ركبانا اي فصلوا الصلاة رجالا اي ماشيين على ارجلكم او ساعين عليها. او على الابل وغيرها من المركوبات. وحدث المتعلق ليعم الخوف من العدو والسبع. ومن فوات ما يتضرر بفواته او تفويته وفي هذه الحال لا يلزمه استقبال القبلة. بل قبلته حيثما كان وجهه. ومثل ذلك اذا اشتبهت القبلة في السفر. ومثل ذلك صلاة النافلة في السفر على الراحلة. وكل هذا داخل في قوله ولله المشرق والمغرب. فاينما تولوا فثم وجه الله ان الله واسع عليم. فهذه صلاة المعذور بالخوف. فاذا حصل الامن صلى صلاة كاملة. ويدخل في قوله فاذا امنتم فاذكروا الله فاكميلوا الصلوات. ويدخل فيه ايضا الاكثار من ذكر الله شكرا له على نعمة الامن وعلى نعمة التعليم. وفي الاية الكريمة فضيلة العلم وان على من علمه الله ما لم يكن يعلم الاكثار من ذكر الله فيه تنبيه على ان الاكثار من ذكر الله سبب لنيل علوم اخر لم يكن العبد ليعرفها. فان الشكر مقرون بالمزيد وقد ذكر الله صلاة الخوف في سورة النساء في قوله واذا كنت فيهم فاقمت لهم الصلاة. فامر بها على كالصفة تحصيلا للجماعة لها وقياما للالفة. وجمعا بين القيام بالصلاة والجهاد حسب الامكان. وبالقيام مع التحرز من شرور الاعداء. فسبحان من جعل في كتابه الهدى والنور والرشاد. واصلاح الامور كلها. فصل قال تعالى واقيموا الصلاة واتوا الزكاة. وقال خذ من اموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم ان صلاتك سكن لهم. والله سميع عليم. وقال يا ايها الذين امنوا انفقوا من طيبات ما كسبتم. ومما اخرجنا لكم من الارض. ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه الا ان تغمضوا فيه. واعلموا ان الله غني حميد. وقال واتوا حقه يوم حق قد جمع الله في كتابه في ايات كثيرة بين الامر باقام الصلاة وايتاء الزكاة. لانهما مشتركتان في لهما من اهم فروض الدين. ومباني الاسلام العظيمة. والايمان لا يتم الا بهما. ومن قام بالصلاة وبالزكاة كان مقيما لدينه ومن ضيعهما كان لما سواهما من دينه اضيع. فالصلاة فيها الاخلاص التام للمعبود. وهي ميزان الايمان والزكاة فيها الاحسان الى المخلوقين. وهي برهان الايمان. ولهذا اتفق الصحابة على قتال مانعي الزكاة. وقال ابو بكر رضي الله عنه لاقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة. فقوله تعالى خذ من اموالهم صدقة. هذا الامر موجه للنبي صلى الله عليه وسلم. ومن قام مقامه ان يأخذ من اموال المسلمين صدقة. وهي الزكاة. وهذا شامل لجميع اموال المكمولة من انعام وحروف ونقود وعروض. كما صرح به في الاية الاخرى من طيبات ما كسبتم. من النقود والعروض والماشية المنماة. ومما اخرجنا لكم من الارض من الحبوب والثمار. وقد وضح النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الانواع كلها. وبين مقدار الواجب منها. وانها عشر الخارج من الارض مما يسقى بلا مؤونة ونصف العشر فيما سقي بمؤونة. وربع العشر من اموال التجارة. وذلك اذا حال الحول في اموال التجارة وحصل الحصاد والجذاب وقت حصول الثمار كما هو صريح الاية المذكورة. وامر تعالى باخراج الوسط فلا يظلم رب المال فيؤخذ العالي من الا ان يختار هو ذلك ولا يحل له ان يتيمم الخبيث. وهو الرديء من ما له وهو الرديء من ما له فيخرجه. ولا تبرأ بذلك ذمته ان كان فرضا. ولا يتم له الاجر والثواب ان كانت نفلا. وبين تعالى الحكمة في ذلك وانها حكمة معقولة فكما انكم لا ترضون ممن عليه حق لكم ان يعطيكم الرديء من ما له. الذي هو دون حقكم الا ان تقبلوه على وجه الكراهة والاغماض فكيف ترضون لربكم ولاخوانكم ما لا ترضونه لانفسكم. فليس هذا من الانصاف والعدل. وبينت تعالى الحكمة في الزكاة وبيان مصالحها العظيمة. فقال تطهرهم وتزكيهم بها. فهذه كلمة جامعة يدخل فيها من المنافع للمعطي والمعطى والمال والامور العمومية والخصوصية شيء كثير. فقوله تطهرهم اي من الذنوب ومن الاخلاق الرذيلة. فان من اعظم الذنوب واكبرها منع الزكاة. وايضا اعطاؤها سبب لمغفرة ذنوب اخرى. فانها من اكبر حسنات والحسنات يذهبن السيئات. ومن اشنع الاخلاق الرذيلة البخل. والزكاة تطهره من هذا الخلق الرذيل. ويتصف صاحبها بالرحمة والاحسان والشفقة على الخلق. وتطهر المال من الاوساخ والافات. فان للاموال افات مثل افات الابدان واعظم افاتها ان تخالطها الاموال المحرمة. فهي للاموال مثل الجرب تسحته. تحل به النكبات والنوائب المزعجة. فاخراج حج الزكاة تطهير له من هذه الافة المانعة له من البركة والنماء. فيستعد بذلك للنماء والبركة. وتوجيهه للامور النافعة واما قوله وتزكيهم بها فالزكاة هي النماء والزيادة. فهي تنمي المؤتي للزكاة. تنمي اخلاقه وتحل البركة في اعماله ويزداد بالزكاة ترقيا في مكارم الاخلاق ومحاسن الشيم. وتنمي المال بزوال ما به من وتنمي المال بزوال ما به ضرره وحصول ما فيه خيره. وتحل فيه البركة من الله. ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم ما نقصت صدقة من قال بل تزيده تنمي ايضا المخرج اليه. فتسد حاجته وتقوم المصلحة الدينية التي تصرف فيها الزكاة. كالجهاد والعلم والاصلاح بين الناس. والتأليف ونحوها. وايضا تدفع عادية الفقر والفقراء. فان ارباب الاموال اذا احتكروها واحتجزوها ولم يؤدوا منها شيئا للفقراء اضطر الفقراء وهم جمهور الخلق. وثاروا بالشر والفساد على ارباب الاموال. بهذا ونحوه تسلطت البلاشفة على الخلق. فالقيام بالدين الاسلامي على وجهه بعقائده وحقائقه واخلاقه واداء حقوقه هو الستر المانع شرعا وقدرا لهذه الطائفة. التي بها فساد الاديان والدنيا والاخرة. وامر تعالى الاخذ منهم الزكاة ان يصلي عليه فيدعو لهم بالبركة. فان من ذلك طمأنة بخواطرهم. وتسكينا لقلوبهم وتنشيطا لهم. وتشجيعا على هذا عملي الفاضل. وكما ان الامام والساعي مأمور بالدعاء للمزكي عند اخذها. فالفقير المحتاج اذا اعطيها من باب اولى ان يشرع له الدعاء دعاء للمعطي تسكينا لقلبه. وفي هذا اعانة على الخير. ودل تعليل الاية الكريمة ان كل ما اعان على فعل الخير ونشط فسكن قلب صاحبه انه مطلوب ومحبوب لله. وانه ينبغي للعبد مراعاته وملاحظته في كل شأن من شؤونه. فان من تفطن له فتح له ابوابا نافعة له ولغيره بلا تعب ولا مشقة. وانه ينبغي ادخال السرور على المؤمنين. ولما امر في اية البقرة بالنفقات. قال واعلموا ان الله غني حميد. غني بذاته عن جميع المخلوقين. وهو الغني عن نفقات المنفق وطاعات الطائعين. انما امرهم بها وحثهم عليها لمحض مصلحتهم ونفعهم. وبمحض فضله وكرمه عليهم تفضل عليهم بالامر بهذه الاعمال والتوفيق لفعلها. التي توصل اصحابها الى اعلى المقامات وافضل الكرامات. ومع كمال غناه وسعة عطاياه. فهو الحميد فيما يشرعه لعباده من الاحكام الموصلة لهم الى دار السلام. حميد في افعاله لا تخرج عن الفضل والعدل والحكمة وحميد الاوصاف. لان اوصافه كلها محاسن وكمالات. لا يدرك العباد كنهها ولا يقدرونها حق قدرها فلما حثهم على الانفاق النافع نهاهم عن الامساك الضار. وبين لهم انهم بين داعيين. داعي الرحمن يدعوهم الى الخير ويعدهم عليه الفضل والثواب العاجل والاجل وخلف ما انفقوا وداعي الشيطان الذي يحثهم على الامساك ويخوفهم ان انفقوا افتقروا. فمن كان مجيبا لداعي الرحمن وانفق مما رزقه الله. فليبشر بمغفرة الذنوب وحصول لكل مطلوب. ومن كان مجيبا لداعي الشيطان فانه انما يدعو حزبه ليكونوا من اصحاب السعير. فليختر العبد اي امرين اليق به. وختم الاية بالاخبار بانه واسع عليم. اي واسع الصفات كثير الهبات. عليم بمن يستحق المضاعفة من العاملين المخلصين الصادقين. وعليم بمن هو اهل لذلك. فيوفقه لفعل الخيرات وترك المنكرات. قال سبحانه انما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم. وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل لله وابن السبيل. فريضة من الله والله عليم حكيم. المراد بالصدقات هنا الزكاة. فهؤلاء الثمانية وهم اهلها. اذا دفعت الى جهة من هذه الجهات اجزأت ووقعت موقعها. وان دفعت في غير هذه الجهات لم تجز وهؤلاء المذكورون فيها قسمان قسم يأخذ لحاجته كالفقراء والمساكين والرقاب وابن السبيل والغارم لنفسه وقصة يأخذ لنفعه العمومي والحاجة اليه وهم البقية. فاما الفقراء والمساكين فهم خلاف الاغنياء. والفقير اشد حاجة من المسكين لان الله بدأ به. والاهم مقدم في الذكر غالبا. ولكن الحاجة تجمع الصنفين. والعاملين عليها وهم السعاة الذين يشبونها ويكتبونها ويحفظونها ويقسمونها على اهلها. فهم يعطون ولو كانوا اغنياء لانها بمنزلة اجرة في حقهم. المؤلفة قلوبهم وهم سادات العشائر والرؤساء. الذين اذا اعطوا حصل في اعطائهم مصلحة للاسلام والمسلمين. اما دفع شرهم عن المسلمين. واما رجاء اسلامهم واسلام نظرائهم. او جبايتها ممن لا فيها ويرجى قوة ايمانهم. وفي الرقاب اي في فكها من الرق كاعانة المكاتبين. وكبذلها في شراء الرقاب عتقها وفي فك الاسارى من المسلمين عند الاعداء. والغارمين للاصلاح بين الناس. اذا كان الصلح يتوقف على بذل ما فيعانون على القيام بهذه المهمة والمصلحة العظيمة. وهي الاصلاح بين الناس ولو اغنياء. ومن الغارمين من ركبتهم ديون الناس وعجزوا عن وفائها فيعانون من الزكاة لوفائها. وفي سبيل الله اي بذلها على اعانة المجاهدين والمزاد والركوب والسلاح. ونحوها مما فيه اعانة المجاهدين. ومن الجهاد التخلي لطلب العلم الشرعي. والتجرد الاشتغال به وابن السبيل وهو الغريب المنقطع به في غير بلده. فيعان على سفره من الزكاة. فالله تعالى فرضها لهؤلاء الاصناف بحسب حكمته وعلمه. ووضعه الاشياء مواضعها. فان سد الكفايات وقيام المصالح العمومية النافعة من الفروض على المسلمين. وهي على اهل الاموال شكر منهم لله تعالى على نعمته بالمال. وتطهير لهم ولها ونماء وبركة واتصاف بصفات الاخيار وسلامة من نعوت الاشرار. فصل في الطهارة بالماء والتيمم. قال تعالى يا ايها الذين امنوا اذا قمتم الى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وايديكم الى المرافق وامسحوا برؤوسكم وارجلكم الى الكعبين ان كنتم جنبا فاطهروا وان كنتم مرضى او على سفر او جاء احد منكم من الغائط او لامستم النساء او لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا. فامسحوا وجوهكم وايديكم منه. ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج. ولكن يريد ليطهركم. وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون. هذه الاية جمع الله فيها احكام طهارة الماء وطهارة التيمم. والتنبيه على شروطهم وبيان كيفياتهما. وذكر فوائد ذلك وثمراته الطيبة. فبين فيها الاحكام وحكمها واسرارها. وهي احكام كثيرة تستفاد من هذا الموضع. منها ان الطهارة من الحدثين شرط لصحة الصلاة. لقوله اذا قمتم الى الصلاة الى اخره. ومنها ان ذلك عام للفرائض من الصلوات والنوافل. فكل ما يسمى صلاة فلابد فيه من هذه الطهارة ومنها اشتراط النية للطهارة. لقوله اذا قمتم الى الصلاة فاغسلوا وجوهكم. اي لاجل الصلاة. فان المتطهر اما ان ينوي رفع ما عليه من الاحداث او ينوي الصلاة ونحوها مما يحتاج الى الطهارة او ينويهما. ومنها ان غسل هذه الاعضاء لابد منه في الحدث الاصغر. فحد الوجه ما يدخل في مسماه. وما تحصل به المواجهة. وذلك من الاذن الى الاذن عرضا ومن منابت شعر الرأس الى من حضر من اللحيين والذقن طولا. مع مسترسل اللحية. لان هذا هو الذي تحصل به المواجهة. واما اليدان فقد حدهما الله في المرفقين. فقال العلماء ان الى بمعنى مع المرفقين. وايدوا هذا ان النبي صلى الله عليه وسلم ادار الماء على مرفقيه. وكذلك يقال في الرجلين الى الكعبين. واما الرأس فانه يتعين استيعاب مسحه. فان الله امر بمسحه. والباء للالصاق الذي يقتضي الصاق المسح بهذا الممسوح. وليست تبعيض. ومنها ان الترتيب بين هذه الاعضاء الاربعة شرط. لان الله رتبها وادخل عضوا مسموحا بين الاعضاء المغسولة ولا يعلم لهذا فائدة سوى الترتيب. وعموم قوله صلى الله عليه وسلم ابدأ بما بدأ الله به فهو وان كان واردا في الحج فانه يعم كل شيء. مع ان جميع الواصفين لوضوئه صلى الله عليه وسلم ذكروه مرتبة. ومنها ان الموالاة شرط ايضا. ووجه ذلك ان الله تعالى ذكر الوضوء بعض الاعضاء ببعض. بالواجب او الدالة على اجتماع هذه العبادة بوقت واحد. فاذا فرقها في وقتين لم تكن عبادة واحدة كما لو فرق الصلاة وبفعل النبي صلى الله عليه وسلم الدائن الذي كانك تشاهده انه كان يوالي بين اعضاء وضوئه. وهذا اولى من لا لكثير من اهل العلم بقصة صاحب اللمعة الذي امره النبي صلى الله عليه وسلم ان يعيد الوضوء كله. فهو وان كان فيه بعض الدلالة على هذه المسألة لكنه يحتمل ان امره بالاعادة كامر المسيء في صلاته ان يعيد. لانه رآه مخلا بوضوءه في غير متمم له. ومنها بيان الطهارة الكبرى كيفياتها وذكر سببها. فكيفيتها ان يطهر العبد جميع ظاهر بدنه بقوله وان كنتم جنبا فاطهروا. فلم يخصه بعضو او باعضاء معينة. بل جعل الله التطهير لجميع البدن فعلى المتطهر ان يعمم التطهير لجميع ظاهر بدنه وما تحت الشعور. خفيفة او كثيفة وان يكون ذلك غسلا لا مسحة ومنها ان طهارة الحدث الاكبر لا ترتيب فيها ولا موالاة. ومنها ان من اسبابها الجنابة والجنابة قد عرفها المسلمون عن نبيهم صلى الله عليه وسلم انها انزال المني يقظة او مناما وان لم يكن جماع. او الجماع وان لم يحصل وجود الامرين كليهما. وقد بين الله ايضا في سورة البقرة سببا اخر للاغتسال وهو الحيض في قوله لا تقربوهن حتى يطهرن. فاذا تطهرن فاتوهن من حيث امركم الله. فاضاف التطهير فيها الى البدن كله كالجنابة ويشمل ذلك النفاس. واما التطهير من اسلام الكافر وتطهير الميت فانه يؤخذ من السنة. ومنها ما استدل به كثير من اهل العلم في قراءة الجر في قوله وامسحوا برؤوسكم وارجلكم. انها تدل على مسح الخفين الذي بينته السنة وصرحت به. واما قراءة النصب في ارجلكم فانها معطوفة على المغسولات. ومنها مشروعية التيمم. وان سببه احد امرين ان عدم الماء لقوله فلم تجدوا ماء او تضرروا باستعماله لقوله وان كنتم مرضى فكل ضرر يعتري العبد اذا استعمل الماء فانه يسوغ له العدول الى التيمم. وانواع الضرر كثيرة. واما ذكر سفر فلانه مظنة الحاجة الى التيمم بفقد الماء كتقييد الرهن في السفر. لا لان السفر وحده مسوغ للتيمم كما ظنه بعض الناس وهو مناف لقوله فلم تجدوا ماء. ومنها ان التيمم بكل ما تصاعد على وجه الارض. سواء كان كان له غبار ام لا؟ اذا كان طيبا غير خبيث. والخبيث هو النجس في هذا الموضع. ومنها ان التيمم خاص بعضوين بالوجه واليدين. وان اليدين عند الاطلاق وعدم التقييد هما الكفان كما في اية السرقة. واذا قيدت كما في اية الوضوء الى المرفقين تقيدت بذلك. ومنها التنبيه على ما يوجب الطهارة الصغرى. وهو الاتيان من الغائط. يعني خروج الخارج من احد السبيلين وملامسة النساء لشهوة. والسنة بينت الوضوء من النوم الكثير ولمس الفرج. واكل لحوم الابل على اختلاف من اهل العلم في ذلك. ومنها ان التيمم كما انه مشروع في الحدث الاصغر. فكذلك في الحدث الاكبر. لان الله الله تعالى ذكره بعد سبب الطهارتين. ومنها انه في طهارة التيمم تستوي فيه الطهارة الصغرى بالكبرى في مسح العضوين فقط. ومنها ان الاية الكريمة تدل على ان طهارة التيمم تنوب وتقوم مقام طهارة الماء عند عدمه. او التضرر لان الله انابه منابة وسماه طهارة. وكذلك الاحاديث الكثيرة تدل على هذا. وبهذا يعرف ان الصحيح وطهارة التيمم لا تبطل بخروج الوقت ولا دخوله. ولا غير ذلك مما قاله كثير من اهل العلم. بل انها تبطل في احد امرين اما حصول ناقض من نواقض الطهارة واما وجود الماء او زوال الضرر المانع من استعمال الماء. ومنها ان الماء المتغير بالطاهرات ولو تغير كثيرا انه يجب تقديمه على طهارة التيمم. لان قوله فلم تجدوا ماء نكرة في سياق النفي. فيعم اي ماء سوى الماء النجس. ومنها ما استدل به كثير من اهل العلم ان من كان في موضع ليس فيه ماء هو يشك في وجوده فيما يقاربه ان عليه ان يطلبه ويفتش فيما حوله قبل ان يعدل الى التيمم لان قوله فلم تجدوا لا يقال الا بعد طلب ما يمكن طلبه فيه من دون مشقة وهو استدلال لطيف. ومنها انه لابد في الطهارة من النية. لقوله في طهارة الماء اذا قمتم الى الصلاة فاغسلوا الى اخر الاية. وفي طهارة التيمم فتيمموا اي اقصدوا صعيدا طيبا. ومن لازم ذلك النية. ومنها ان هذه الاحكام التي شرعها الله لعباده انما ذلك رحمة منه بعباده. ليقوموا بالعبادات التي تتوقف سعادتهم وفلاحهم عليها. وانه يريد اتماما نعمته عليهم بالاوامر الشرعية التي لا مشقة فيها ولا حرج. لينالوا الفضل العظيم من ربهم. فمنه التفضل على عباده السبب والمسبب. ومنها ان طهارة التيمم وان لم يشاهد فيها نظافة حسية فان فيها طهارة معنوية ناشئة عن امتثال العبد لامر الله ورسوله. ومنها القاعدة الكلية في قوله ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج. وان الحرج منفي شرعا في جميع ما شرعه الله لعباده. فاصل العبادات في غاية السهولة على المكلفين. ثم اذا عرضت فيها عوارض عجز او مرض او تعذر لبعض شروطها فان الشارع يخففها تخفيفا يناسب ذلك العارض. ومنها ان هذه الاحكام وغيرها من محاسن الدين الاسلامي. لما فيها من المنافع للعباد في قلوبهم وابدانهم واخلاقهم. التقرب بها الى الله والتوسل بها الى ثوابه العاجل والاجل. فجميع الاحكام من اكبر الادلة على حسن دين الاسلام. وانه الدين الحق الذي فيه الصلاح والاصلاح. وان سعادة الدنيا والاخرة منوطة به. مترتبة عليه. فتأمل احكام الله فيها من الحكم والاسرار والمنافع ودفع المضار. تجد هذا مشاهدة. فصل في صلاة الجمعة والسفر والاذان قال تعالى يا ايها الذين امنوا اذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا الى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم ان كنتم تعلمون. فاذا قضيت الصلاة فانتشروا في الارض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون. واذا رأوا تجارة او لهوا انفضوا اليها. وتركوك قائما قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة. والله خير الرازقين. يأمر تعالى عباده المؤمنين بالحضور لصلاة الجمعة. والمبادرة اليها من حين ينادى لها. والمراد بالسعي هنا الاهتمام بها وعدم الاشتغال لا المراد به العدو الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم عند المضي الى الصلاة. فالمشي الى الصلاة بسكينة ووقار هو المراد بالسعي هنا. وذروا البيع. اي اتركوه في هذه الحالة التي امرتم بالمضي فيها الى الصلاة واذا امر بترك البيع الذي ترغب فيه النفوس وتحرص عليه فترك غيره من الشواغل من باب اولى. كالصيام صناعات وغيرها. ذلكم خير لكم ان كنتم تعلمون. حقائق الامور وثمراتها. وذلك الخير هو امتثال امر الله ورسوله. والاشتغال بهذه الفريضة التي هي من اهم الفرائض واكتساب خيرها وثوابها. وما رتب على السعي لها والمبادرة والتقدم والوسائل. والمتممات لها من الخير والثواب. ولما في ذلك من اكتساب الفضائل واجتناب الرذائل. فان من ارذل الخصال الحرص والجشع الذي يحمل العبد على تقديم الكسب الدنيء على الخير للضروري. ومن الخير ان من قدم امر الله واثر طاعته على هوى نفسه. كان ذلك برهان ايمانه ودليل رغبته وانابته الى ربه. ومن ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه. ومن قدم هواه على طاعة مولاه قد خسر دينه وتبع ذلك خسارة دنياه. وهذا الامر بترك البيع مؤقت الى انقضاء الصلاة. فاذا قضيت الصلاة فاذا قضيت الصلاة فانتشروا في الارض. بطلب المكاسب المباحة وابتغوا من فضل الله. اينبغي للمؤمن الموفق وقت اشتغاله في مكاسب الدنيا ان يقصد بذلك الاستعانة على قيامه بالواجبات. وان يكون مستعينا بالله في ذلك طالبا لفضله جاعلا الرجاء والطمع في فضل الله نصب عينيه. فان التعلق بالله والطمع في فضله من الايمان ومن العبادات. ولما كان الاشتغال بالتجارة مظنة الغفلة عن ذكر الله وطاعته. امر الله بالاكثار من ذكره فقال واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون. اي في حال قيامكم وقعودكم. وفي تصرفاتكم واحوالكم كلها فان ذكر الله طريق الفلاح الذي هو الفوز بالمطلوب. والنجاة من المرهوب. ومن المناسب في هذا ان يجعل المعاملة الة الحسنة والاحسان الى الخلق نصب عينيه. فان هذا من ذكر الله. فكل ما قرب الى الله فانه من ذكره. وكل امر يحتسبه العبد فانه من ذكره. فاذا نصح في معاملته وترك الغش تقرب في هذه المعاملة الى الله لان الله يحبها ولانها تمنع العبد من المعاملة الضارة. وكلما سامح احدا او حاباه في ثمن او او تيسير او انذار او نحوه فانه من الاحسان والفضل وهو من ذكر الله. قال تعالى ولا تنسوا الفضل بينكم واذا رأوا تجارة او لهوا انفضوا اليها وتركوك قائما. اي خرجوا من المسجد حرصا على تلك التجارة ولاه وتركوا ذلك الخير الحاضر. حتى انهم تركوا النبي صلى الله عليه وسلم قائما يخطب. وذلك في حاجتهم لتلك العير التي قدمت المدينة. وقبل ان يعلموا حق العلم ما في ذلك من الذم وسوء الادب. فاجتماع الامرين حملاهم على ما ذكر. والا فهم رضي الله عنهم كانوا ارغب الناس في الخير. واعظمهم حرصا على الاخذ عن الرسول وعلى توقيره وتبجيله. وحالهم المعلومة في ذلك اكبر شاهد. ولكن لكل جواد كبوة. ثمان الكبوة التي عوتب عليها العبد وتاب منها واناب وغفرها الله وابدل مكانها حسنة. لا يحل لاحد اللوم عليها قل لمن قدم اللهو والتجارة على الطاعة ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة التي وان حصل منها بعض المقاصد فان ذلك قليل منغص مفوت لخير الاخرة. وليس الصبر على طاعة الله مفوتا للرزق ان الله خير الرازقين. فمن اتقى الله رزقه من حيث لا يحتسب. ومن قدم الاشتغال بالتجارة على طاعة الله لم يبارك له في ذلك وكان هذا دليلا على خلو قلبه من ابتغاء الفضل من الله وانقطاع قلبه عن ربه وتعلقه بالاسباب. وهذا ضرر محض يعقب الخسران. وفي هذه الايات فوائد عديدة منها ان الجمعة فريضة على المؤمنين. يجب عليهم السعي لها والاهتمام بشأنها. وان الخيرات المترتبة عليها لا يقابله شيء. ومنها مشروعية الخطبتين وانهما فريضتان. وان المشروع ان يكون الخطيب قائما. لان قوله فاسعوا الى ذكر الله يشمل السعي الى الصلاة والى الخطبتين. وايضا فان الله ذم من ترك استماع الخطبة. ومنها النداء يوم الجمعة وغيره. لان التقييد بيوم الجمعة دليل على ان هناك نداء لبقية الصلوات الخمس. كما قال تعالى واذا ناديتم الى الصلاة اتخذوها هزوا ولعبا. ومنها النهي عن البيع والشراء بعد نداء الجمعة. وذلك يدل على التحريم وعدم النفوذ. ومنها ان الوسائل لها احكام المقاصد. فان البيع في الاصل مباح لكن لما كان وسيلة لترك الواجب نهى الله عنه. ومنها تحريم الكلام والامام يخطب. لانه اذا كان الاشتغال بالبيت ونحوه ولو كان المشتغل بعيدا عن سماع الخطبة محرما فمن كان حاضرا تعين عليه الا يشتغل بغير الاستماع كما ايد هذا لاستنباط الاحاديث الكثيرة. ومنها ان المشتغل بعبادة الله وطاعته اذا رأى من نفسه الطموح الى ما يلهيها عن هذا الخير من اللذات الدنيوية والحظوظ النفسية. شرع ان يذكرها ما عند الله من الخيرات. وما لمؤثر الدين على الهوى وما يترتب من الضرر والخسران على ضده. واذا ضربتم في الارض فليس عليكم جناح ان تقصروا من الصلاة ان خفتم ان يفتنكم الذين كفروا. ان الكافرين كانوا لكم عدوا مبينا. اي اذا سافرت في الارض لتجارة او عبادة او غيرهما فقد خفف الله عنكم ورفع عنكم الجناح. واباح لكم بل احب لكم ان تقصروا الصلاة الرباعية الى ركعتين. فان حصل مع ذلك خوف فلا حرج في قصر كيفية الصلوات كلها. وهذا الله اعلم الحكمة في تقييد القصر بالخوف. لانه من المعلوم المتواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم جواز القصر في سفر ولو كان ليس فيه خوف ولكن اذا اجتمع السفر والخوف كان رخصة في قصر العدد للرباعية والهيئة غيرها. فان وجد الخوف وحده ترتب عليه قصر الهيئات على الصفة التي ثبتت عن النبي صلى الله عليه وسلم. وان وجد سفر واحدة لم يكن فيه الا قصر العدد. ولهذا لما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا القيد قال صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته. او يقال هذا القصر المذكور في الاية الكريمة مطلق. السنة عن النبي صلى الله عليه عليه وسلم تقيده وتبين المراد منه. ولا تصلي على احد منهم مات ابدا. ولا تقم على قبره انهم كفروا بالله ورسوله. وماتوا وهم فاسقون. اي ولا تصلي على احد مات من المنافقين ولا تقم على قبره بعد الدفن لتدعو له. فان الصلاة عليهم والوقوف على قبورهم للدعاء لهم شفاعة لهم. وهم لا تنفع فيهم الشفاعة. انهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون. خارجون عن دين الله بالكلية ومن كان كافرا ومات على ذلك فما تنفعه شفاعة الشافعين. وفي ذلك عبرة لغيرهم وزجر ونكال لهم وهكذا كل من علم منه الكفر والنفاق فانه لا يصلى عليه ولا يدعى له بالمغفرة. وفي هذه الاية نوعية الصلاة على المؤمنين والوقوف على قبورهم خصوصا وقت دفنهم للدعاء لهم. وان هذا كان عادته صلى الله عليه عليه وسلم مع المؤمنين. وقد بينت السنة وجوب تجهيز الميت المسلم بالتغسيل والتكفين. والصلاة عليه وحمله ودفنه كما هو معلوم. فصل في الصيام وتوابعه. قال الله تعالى يا ايها الذين امنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون. الى قوله ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون. يخبر تعالى بمنته على عباده المؤمنين بفرضه عليهم الصيام كما فرضه على الامم السابقة. لانه من الشرائع الكبار التي هي مصلحة للخلق في كل زمان. وفي هذا حث الامة ان ينافسوا الامم في المسارعة اليه وتكميله. وبيان عموم مصلحته. وثمراته التي لا تستغني عنها جميع الامم ثم ذكر حكمته بقوله لعلكم تتقون. فان الصيام من اكبر اسباب التقوى. لان فيه امتثال امر الله واجتناب نهيه. فالصيام هو الطريق الاعظم للوصول الى هذه الغاية. التي فيها سعادة العبد في دينه ودنياه واخرته فالصائم يتقرب الى الله بترك المشتهيات. تقديما لمحبة ربه على محبة نفسه. ولهذا اختصه الله من بين الاعمال حيث اضافه الى نفسه في الحديث الصحيح وهو من اعظم اصول التقوى فان الاسلام والايمان لا يتم بدونه. وفي من حصول زيادة الايمان والتمرن على الصبر والمشقات. المقربة الى رب العالمين. وانه سبب لكثرة الطاعات من صلاة وقراءة وذكر وصدقة وغيرها. مما يحقق التقوى. وفيه من ردع النفس عن الامور المحرمة من اقوال عال ما هو من اصول التقوى. ومنها ان في الصيام مراقبة الله بترك ما تهوى نفسه مع قدرته عليه باطلاع ربه عليه ما ليس في غيره. ولا ريب ان هذا من اعظم عون على التقوى. ومنها ان الصيام يضيق مجاري الشيطان فانه يجري من ابن ادم مجرى الدم. فبالصيام يضعف نفوذه وتقل معاصي العبد. ومنها ان الغني اذا ذاق الم جوع اوجب له ذلك وحمله على مواساة الفقراء المعدمين. وهذا كله من خصال التقوى. ولما ذكر انه فرض عليه الصيام اخبر انها ايام معدودات. اي قليلة سهلة. ومن سهولتها انها في شهر معين يشترك فيه المسلمين. ولا ريب ان الاشتراك هذا من المهونات المسهلات. ومن الطاف المولى ومعونته للصائمين ثم سهل تسهيلا اخر فقال فمن كان منكم مريضا او على سفر فعدة من ايام اخر وذلك للمشقة غالبا رخص الله لهما في الفطر. ولما كان لا بد من تحصيل العبد لمصلحة الصيام امرهما ان تقضياه في ايام اخر. اذا زال المرض وانقضى السفر وحصلت الراحة. وفي قوله فعدة من ايام اخر دليل على انه يقضي عدد ايام رمضان كاملا كان او ناقصا. وعلى انه يجوز ان يقضي اياما قصيرة باردة عن ايام طويلة حارة كالعكس. وبهذا اجبنا عن سؤال ورد علينا انه يوجد مسلمون في بعض البلاد التي يكون في بعض الاوقات ليلها نحو اربع ساعات. او تنقص فيوافق ذلك رمضان. فهل لهم رخصة في الاطعام اذا كانوا يعجزون عن تتميمها فاجبنا ان العاجز منهم في هذا الوقت يؤخره الى وقت اخر يقصر فيه النهار تمكنوا فيه من الصيام كما امر الله بذلك المريض. بل هذا اولى. وان الذي يقدر على الصيام في هذه الايام الطوال الزامه ولا يحل له تأخيره اذا كان صحيحا مقيما. هذا حاصل الجواب. وقوله وعلى الذين يطيقونه في طعام مسكين. قيل هذا في اول الامر وفي ابتداء فرض الصيام. لما كانوا غير معتادين للصيام. وكان ابتداء فرض حتما فيه مشقة عليهم. درجهم الرب الحكيم باسهل ما يكون. وخير المطيق للصوم بين ان يصوم وهو الاب الاكمل او يطعم ويجزيه. ثم لما تمرنوا على الصيام وكان ضروريا على المطيقين فرضه عليهم حتما وقيل ان قوله على الذين يطيقونه ان يتكلفون الصيام ويشق عليهم مشقة لا تحتمل. كالكبير الميؤوس من برئه. ففدية طعام مسكين عن كل يوم يفطره. وقوله شهر رمضان الذي انزل فيه القرآن اي الصوم المفروض عليكم هو شهر رمضان. الشهر العظيم الذي قد حصل لكم من الله فيه الفضل العظيم وانزال القرآن الذي فيه هدايتكم لجميع مصالحكم الدينية والدنيوية. وفيه بيان الحق وتوضيحه. والفرقان بين الحق والباطل والهدى والضلال. واهل السعادة من اهل الشقاوة. فحقيق بشهر هذا فضله. وهذا احسان والله العظيم فيه عليكم ان يكون معظما محترما. موسما للعباد مفروضا فيه الصيام. فلما قرر فرضيته فحكمته في ذلك وفي تخصيصه قال فمن شهد منكم الشهر فليصمه. ايها من حضر الشهر وهو قادر تحتم عليه صيامه. ومن كان مريضا او على سفر فعدة من ايام اخر. عاد ذلك تأكيدا له. ولان لا يضحى ظن انه ايضا منسوخ مع ما نسخ من التخيير للقادر. يريد الله بكم اليسر اي يريد الله ان ييسر ويسهل عليه اليكم الطرق الموصلة الى رضوانه. اعظم تيسير ليسهل سلوكها. ويعين عليها بكل وسيلة ليرغب فيها العباد وهذا اصل عظيم من اصول الشريعة. بل الشريعة كلها تدور على هذا الاصل. فان جميع الاوامر لا تشق على المكلفين واذا حصل بعض المشاق والعجز خفف الشارع من الواجبات بحسب ما يناسب ذلك. فيدخل في هذا التخفيفات في جواز الفطر وتخفيفات السفر والاعذار لترك الجمعة والجماعة. وقوله ولتكملوا العدة. وذلك سيتوهم متوهم ان صيام رمضان يحصل المقصود ببعضه. دفع هذا الوهم بقوله ولتكملوا العدة. وامر شكره على اتمامه. لان من اكبر منن الله على عبده توفيقه لاتمامه وتكميله. وتبيين احكامه للعبيد ولتكبروا الله على ما هداكم. هداية التعليم وهداية التوفيق والارشاد. واذا سألك عبادي عني فاني قريب اجيب دعوة الداعي اذا دعان. فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون. هذا سؤال وجواب اذا سألك العباد عن ربهم وباي طريق يدركون منه مطالبهم؟ فاجبهم بهذا الجواب الذي يأخذ بمجامع ويوجب ان يعلق العبد بربه بكل مطلوب ديني ودنيوي. فاخبرهم ان الله قريب من الداعين. ليس على بال حجاب ولا بواب. ولا دونه مانع في اي وقت واي حال. فاذا اتى العبد بالسبب والوسيلة وهو الدعاء لله بالاستجابة له بالايمان به والانقياد لطاعته. فليبشر بالاجابة في دعاء الطلب والمسألة. وبالثواب والاجر والرشد اذا دعا دعاء العبادة وكل القربات الظاهرة والباطنة تدخل في دعاء العبادة لان المتعبد لله طالب بلسان مقاله ولسان حاله من ربه قبول تلك العبادة والاثابة عليها. وفي هذه الاية تنبيه على الاسباب الموجبة لاجابة الدعاء التي مدارها على الايمان بالله. وتحقيقه بالانقياد له امتثالا لامره واجتنابا لنهيه. وتنبيه ايضا على ان موانع الاجابة ترك حقيقة الايمان وترك الانقياد. وتنبيه ايضا على ان موانع الاجابة ترك حقيقة الايمان وترك الانقياد فاكل الحرام وعمل المعاصي من موانع الاجابة. وهي تنافي الاستجابة لله. وفيه تنبيه على ان الايمان بالله والاستجابة اجابة له سبب الى حصول العلم. لان الرشد هو الهدى التام علما وعملا. ونظير هذا قوله تعالى يا ايها الذين امنوا ان تتقوا الله يجعل لكم فرقانا. اي علما تفرقون به بين الحق والباطل. وبين كل ما فيحتاج الى تفصيله. احل لكم ليلة الصيام الرفث الى نسائكم. الى قوله كذلك يبين الله للناس لعلهم يتقون. كان اول ما فرض من الصيام منع المسلمين من الاكل والشرب في الليل اذا ناموا فحصلت المشقة لكثير منهم فخفف الله ذلك. واباح في ليالي الصيام كلها الاكل والشرب والجماع سواء نام او لم ينم. لكونهم يختانون انفسهم بترك بعض ما امروا به. لو بقي الامر على ما كان عليه اولا فتاب الله عليكم بان وسع لكم امرا. لولا توسعته لكان داعيا الى الاثم والاقدام على المعاصي. وعفا عنكم ما سلف ان التخون فالان بعد هذه الرخصة والسعة من الله باشروهن وطئا وقبلة ولمسا. وابتغوا ما كتب الله لكم اي اقصدوا في مباشرتكم لزوجاتكم التقرب الى الله بذلك. اقصد ايضا حصول الذرية واعفاف الفضل وحصول جميع مقاصد النكاح. وبتغو ايضا ليلة القدر. فاياكم ان تشتغلوا بهذه اللذة وتوابعها وتضيعوا ليلة القدر. وهي مما كتبه الله لهذه الامة. وفيها من الخير العظيم. ما يعد تفويته من اعظم الخسران اللذة مدركة. وليلة القدر اذا فاتت لم تدرك. ولم يعوض عنها شيء. وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الابيض من الخيط الاسود من الفجر. هذا غاية جواز الاكل والشرب والجماع في ليالي رمضان. وفيه ان هذه الثلاث اذا وقعت وصاحبها شاك في طلوع الفجر فلا حرج عليه. دليل على استحباب السحور وانه يستحب تأخيره اخذ اذا من معنى رخصة الله وتسهيله على العباد. ودليل على انه يجوز ان يدركه الفجر وهو جنب من الجماع. قبل ان يغتسل لان من اللازم اباحة الجماع الى طلوع الفجر ان يدركه الفجر وهو جنب. ولازم الحق حق. ثم اذا طلع الفجر اتم الصيام اي امسكوا عن المفطرات الى الليل وهو غروب الشمس. ولما كانت اباحة الوطء في ليالي الصيام ليست اباحة عامة لكل احد استثنى تعالى المعتكف بقوله ولا تباشروهن وانتم عاكفون في المساجد. اي انتم متصفون بذلك. ودلت الاية على مشروعية الاعتكاف. وهو لزوم المساجد لطاعة الله. وان الاعتكاف لا يصح الا بمسجد. ويستفاد من تعريف المساجد بالالف واللام. انها المساجد التي يعرفها المسلمون. وانها التي فيها الصلوات الخمس. وفيه ان الوطء من مفسدات الاعتكاف وتلك المذكورات. وهي تحريم الاكل والشرب والجماع ونحوها من مفطرات الصيام. تحريم الوطء على المعتكف. ونحو ذلك من المحرمات التي حدها لعباده. ونهاهم عنها فلا تقربوها اي لا تفعلوها. ولا تحوموا حولها ولا تفعلوا وسائلها. والعبد مأمور بترك المحرمات والبعد عنها بترك كل وسيلة تدعو اليها. واما الاوامر فيقول الله فيها تلك حدود الله فلا تقربوها. كما تنهى عن مجاوزاتها فلا تعتدوها. كذلك البيان السابق والتوضيح التام من الله لعباده. كذلك يبين الله اياته فان العلم الصحيح سبب للتقوى. لانهم اذا بان لهم الحق اتبعوه. واذا ليس لهم الباطل اجتنبوه. ومن علم الحق فتركه. والباطل فاتبعه. كان اعظم لجرمه واشد لاثمه. فصل في الحج وتوابعه. قال الله تعالى ولله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا. ومن كفر فان الله غني عن العالمين. وقال واتموا الحج والعمرة لله. الى اخر الايات المتعلقة بالحج لما قال الله تعالى ان اول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين فيه ايات بينات مقام ابراهيم. ومن دخله كان امنا. وكان في ذلك تنبيه على الحكم والاسرار والمصالح والبركات المتنوعة. المحتوي هذا البيت العظيم عليها. وكان ذلك داعيا الى تعظيمه. لغاية ما يمكن من التعظيم اوجب الله على العباد حجه وقصده لاداء المناسك التي فعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلمها امته وامرهم ان يأخذوا عنه مناسكهم. فاوجبه على من استطاع اليه سبيلا. بان قدر بان على الوصول اليه باي مركوب متيسر. وبزاد يتزوده ويتم به السبيل. وهذا هو الشرط الاعظم لوجوب الحج وهذه الاية صريحة في فرضية الحج. وانه لا يتم للعبد اسلام ولا ايمان وهو مستطيع الا بحجه. وان انما امر به العباد رحمة منه بهم. وايصالا لهم الى اجل مصالحهم واعلى مطالبهم. والا فالله غني عن العالمين وطاعتهم. فمن كفر فلم يلتزم لشرع الله فهو كافر. ولن يضر الا نفسه. واما اية البقرة فان ان الله امر فيها باتمام الحج والعمرة باركانهما وشروطهما. وجميع متمماتهما ولا فرق في ذلك بين الفرض والنفل وبهذا تميز الحج. وبهذا تميز الحج والعمرة عن غيرهما من العبادات. وان من شرع فيهما وجب عليه اتمام لله مخلصا. ويدخل في الامر باتمامهما انه ينبغي للعبد ان يجتهد غاية الاجتهاد. في فعل كل قول وفعل وصف وحالة بها تمام الحج والعمرة. وذلك شيء كثير مفصل في كتب اهل العلم. وان من دخل فيهما فلا يخرج منهما الا باتمامهما. والتحلل منهما الا بما استثناه الله وهو الحصر. ولهذا قال فان احصرتم اي منعتم من الوصول الى البيت ومن تتميم المناسك بمرض او عدو او ذهاب نفقة او ضللتم الطريق او غير ذلك من انواع الحصر الداخلة في عموم قوله احصرتم فاذبحوا ما تيسر من الهدي وهو شاة او سبع بدنة او سبع بقرة يذبحها احصر ويحلق رأسه. ويحل من احرامه بسبب الحصر. كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم واصحابه. لما صدهم المشركون عن البيت وهم محرمون عام الحديبية. فان لم يتيسر الهدي على المحصر فهل يكفيه الحلق وحده ويحل؟ كما فعله الصحابة الذين لم يكن معهم هدي وهو الصحيح. او ينوب عن الهدي صيام. او ينوب عن الهدي صيام عشرة ايام قياسا على هدي تمتع كما قاله اخرون ثم يحل. ثم قال تعالى ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله. وفي هذا ان المحرم يحرم عليه ازالة شيء من شعر بدنه تعظيما لهذا النسك. وقاس عليه اهل العلم ازالة الاظفار بجامع ويستمر المنع من ذلك حتى يبلغ الهدي محله. وهو وقت ذبحه يوم النحر. والافضل ان يكون الحلق بعد النحر. ويجوز يجوز ان يقدم الحلق على النحر كما رخص في ذلك النبي صلى الله عليه وسلم حين سئل عمن قدم الحلق او الرمي او الذبح او طواف بعضها على بعض فقال افعل ولا حرج. ويستدل بالاية الكريمة على ان المتمتع كالقارن والمفرد لا يحل من عمرته اذا كان سائقا للهدي حتى يبلغ الهدي محله. فقيل انه اذا حل من عمرته بان فرغ من الطواف والسعي بادر بالدخول بالحج بالنية. وقيل انه بسوقه للهدي صار قارنا. وان الهدي الذي استصحبه حيث انه وكان للنسكين كليهما مزج بين النسكين وصار صاحبه قارنا. وهذا هو القول الصواب. وانما منع تعالى من الحل لمن ساق الهدي قبل محله لما في سوق الهدي وما يتبعه من كشف الرأس. وترك اخذ الشعور ونحوها من الذل والخضوع لله والانكسار له. والتواضع الذي هو روح هذا النسك. وعين صلاح العبد وكماله. وليس عليه في ذلك ضرر فاذا حصل الضرر بان كان به اذى من رأسه من مرض ينتفع بحلق رأسه او قروح او قمل او نحو ذلك. فانه يحل له ان يحلق فرأسه ولكن يكون عليه فدية تخيير. يخير بين صيام ثلاثة ايام. او اطعام ستة مساكين. او ذبح شاة هذه تسمى فدية الاذى. والحق بذلك اذا قلم اظفاره. او لبس الذكر المخيط او غطى رأسه او تطيب احرم من ذكر او انثى. فكل هذا فديته فدية تخيير بين الصيام او الاطعام او النسك. واما فدية قتل الصيد قد ذكر الله التخيير فيها بين ذبح المثل من النعم. او تقويمه بطعام في طعم كل مسكين مد بر او نصف صاع من غير او يصوم عن اطعام كل مسكين يوما. فهذه الانواع فديتها تخيير. واما المتمتع والقارن فان هديهما هدي نسك غير هدي جبران. وهو على هذا الترتيب ان تيسر الهدي وجب الهدي. فان لم يتيسر فعليه صيام عشرة ايام ثلاثة في الحج ولا يؤخرها عن ايام التشريق. وسبعة اذا رجع اي فرغ من جميع شئون النسك. ودل اطلاق ايجاد بالصيام على انه يجوز فيها التتابع والتفريق. ذلك اي وجوب الهدي على المتمتع والقارن او بدله لمن لم يجد من الصيام لمن لم يكن اهله حاضر المسجد الحرام وهم الافقيه. لان من الحكمة في ايجاد الهدي على الافق انه لما حصل نسكين في سفرة واحدة كان هذا من اعظم نعم الله. فكان عليه ان يشكر الله على هذه من نعمة الجليلة ومن جملة الشكر ايجاب الهدي عليه. واما المقيمون في مكة او كانوا في قربها بحيث لا يقال مسافرون فليس عليهم هدي ولا بدله لما ذكرنا من الحكمة. واتقوا الله في جميع اموركم بامتثال اوامره اجتناب نواهيه. ومن ذلك امتثالكم لهذه المأمورات في هذه العبادة الجليلة. واجتنابكم لمحظوراتها. واعلموا ان ان الله شديد العقاب. اي لمن عصاه. وذلك موجب للتقوى. فان من خاف عقاب الله ان كف عن السيئات. كما ان من رجا ثواب الله عمل لما يوصله الى الثواب. واما من لم يخف الله فانه لابد ان يتجرأ على المحارم ويتهاون بالفرائض. ثم اخبر تعالى ان الحاج واقع في اشهر معلومات عند المخاطبين. بحيث لا تحتاج الى تعيين انت ما احتاج الصيام لتعيين شهره. وكما بين تعالى اوقات الصلوات الخمس. واما الحج فقد كان من ملة ابراهيم التي لم تزل مستمرة في ذريته معروفة بينهم. والمراد بالاشهر المعلومات عند الجمهور شوال وذو القعدة وعشر او ثلاثة عشر من ذي الحجة. فهي التي يقع فيها الاحرام بالحج غالبا. وهي التي تقع فيها افعال الحج. اركانه وواجباته ومكملاته. فمن فرض فيهن الحج اي عقده واحرم به. لان الشروع فيه يصيره فرضا ولو كان قبل ذلك نفلا واستدل بهذه الاية الشافعي ومن قال بقوله انه لا يجوز الاحرام بالحج قبل اشهره. ولو قيل ان الاية فيها دلالة لقول الجمهور بصحة الاحرام بالحج. قبل اشهره لكان قريبا. لان قوله فمن فرض فيهن الحج دليل على انه يقع الفرد فيهن وفي غيرهن. والا لما كان في القيد فائدة. فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج اي يجب عليكم ان تعظموا حرمة الاحرام بالحج. وخصوصا الواقع في اشهره. وتصونوه عن كل ما يفسده او ينقصه من وهو الجماع ومقدماته الفعلية والقولية. خصوصا التكلم في امور النكاح بحضرة النساء. ولا فسوق وجميع المعاصي ومنها محظورات الاحرام ولا جدال. الجدال هو المماراة والمنازعة والمخاصمة. لكونها تثير الشر وتوقع العداوة. المقصود من الحج الذل والانكسار لله. التقرب اليه بما امكن من القربات التنزه عن مقارفة السيئات. فانه يكون بذلك مبرورا. والحج المبرور ليس له جزاء الا الجنة. وهذه الاشياء وان كانت ممنوعة في كل زمان ومكان فانه يتأكد المنع منها في الحج. واعلم انه لا يتم التقرب الى الله ترك المعاصي حتى يفعل الاوامر. فلهذا اتبعه بقوله وما تفعلوا من خير يعلمه الله. اتى بمن؟ المفيدة تمصيص العموم. وكل عبادة وقربة فانها تدخل في هذا. والاخبار بعلمه يتضمن الحث على افعال الخير خصوصا والاخبار بعلمه يتضمن الحث على افعال الخير خصوصا في تلك البقاع الشريفة. والحرمات المنيفة. فانه ينبغي اغتنام الخيرات والمنافسة فيها. من صلاة وصيام وصدقة وقراءة وطواف واحسان قولي وفعلي. وتزودوا لهذا السفر المبارك فان التزود فيه الاستغناء عن الخلق وعدم التشوف لما عندهم واعانة المسافرين والتوسعة على الرفقة والانبساط والسرور في هذا السفر. وزيادة التقرب الى الله تعالى. وهذا الزاد المراد به اقامة البنية بلغة متاع واما زاد الحقيقي المستمر نفعه لصاحبه في دنياه واخراه. فهو زاد التقوى الذي هو زاد الى دار قرار وهو الموصل لاكمل لذة واجل نعيم دائما ابدا. ومن ترك هذا الزاد فهو المنقطع به. الذي هو عرضة لكل شر وممنوع من الوصول الى دار المتقين. وقد يتمكن الموفق من جعل الزاد الحسي بجمع الزادين. بان يقصد به وجه الله القيام بواجب النفس والرفقة ومن يتصل به. والقيام بالاحسان المستحب. وقصد امتثال امر الله النية هي الاساس لكل خير. وهي التي تجعل الناقص كاملا. والعادة عبادة. ثم قال واتقون يا اولي الالباب ايا اهل العقول الرزينة. اتقوا ربكم الذي تقواه اعلى ما تأمر به العقول. وتركها دليل على فساد العقل ولما امر بتقواه اخبر ان ابتغاء فضله بالاشتغال بالتكسب في التجارة في مواسم الحج وغيرها ليس فيه حرج اذا لم يشغل عما يجب اذا لم يشغل عما يجب اذا كان المقصود هو الحج. وكان الكسب حلالا منسوبا الى فضل لا معترفا فيه بنعمة الله لا منسوبا الى حذق العبد والوقوف مع السبب ونسيان المسبب. فان هذا هو الحرج عينه في كل وقت فكيف اذا قارن النسك الفاضل؟ وفي قوله فاذا افضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام دلالة على امور احدها ان الوقوف بعرفة من المشاعر الجليلة ومن اركان الحج. فان الافاضة من عرفات لا تكون الا بعد الوقوف الذي هو ركن الحج الاعظم بعد الطواف. الثاني الامر بذكر الله عند المشعل الحرام وهي المزدلفة. وذلك ايضا معروف. يكون الحاج ليلة النحر بائتا بها. وبعد صلاة الفجر يقف في المزدلفة داعية حتى يسفر جدا. ويدخل في ذكر الله عند المشعر الحرام. ما يقع في المشعر من الصلوات فرضها ونفلها. والثالث ان الوقوف بمزدلفة متأخر عن الوقوف بعرفة. كما تدل عليه الفاء المفيدة للترتيب. الرابع والخامس ان عرفات ومزدلفة كليهما من مشاعر الحج المقصود فعلها واظهارها. السادس ان مزدلفة في الحرم كما قيده بالمشعل الحرام. السابع ان عرفة بالحل كما هو مفهوم التقييد بمزدلفة. واذكروه كما وان كنتم من قبله لمن الضالين. ايذكروا الله كما من عليكم بالهداية بعد الضلالة وكما علمكم ما لم تكونوا تعلمون. فهذه من اكبر النعم التي يجب شكرها ومقابلتها بالاكثار من ذكر المنعم بالقلب واللسان. ثم افيضوا اي من مزدلفة من حيث افاض الناس من لدن ابراهيم الى هذا الوقت. والمقصود من هذه الافاضة كان معروفا عندهم وهو رمي الجمار وذبح الهدايا والطواف والسعي. والمبيت بمنى ليالي ايام التشريق وتكميل بقية المناسك. ولما كانت هذه الافاضة يقصد بها ما ذكر. والمذكورات اخر المناسك. امر تعالى بعد الفراغ منها باستغفاره. خشية الخلل الواقع من العبد في اداء العبادة وتقصيره فيها. وبالاكثار من ذكره شكرا له على نعمه. وبالاكثار من ذكره شكرا له على نعمة التوفيق لهذه العبادة العظيمة وتكميلها. وهكذا ينبغي للعبد كلما فرغ من عبادة ان يستغفر الله على التقصير. ويشكره على التوفيق. فهذا حقيقة بان الله يجبر له ما نقص منه منها ويتقبلها. ويزيده نعما اخرى. لان من جهل حق ربه فرأى نفسه انه قد كمل حقوق العبادة فاعجب بنفسه ومن بعبادته على ربه وتراءى له انها قد جعلت له محلا ومنزلة رفيعة فهذا حقيق بالمقت ويخشى عليه من رد العمل. ثم اخبر تعالى عن احوال الخلق وان الجميع يسألونه مطالبهم. ويستدفعونه ما يضره ولكن هممهم ومقاصدهم متباينة. فمنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا اي يسأل ربه من مطالب دنياه وشهواته فقط. وماله في الاخرة من خلاق. اي لا رغبة له فيها ولا حظ له منها. ومنهم عالي الهمة من يدعو الله لمصلحة الدارين ويفتقر الى ربه في مهمات دينه ودنياه. وكل من هؤلاء وهؤلاء له نصيب من كسبهم وعملهم وسيجازيهم الله على حسب اعمالهم ونياتهم. جزاء دائرا بين الفضل والاحسان والكرم للمقبرة وبين العدل والحكمة لغيرهم. وفي هذه الاية دليل على ان الله تعالى يقبل دعوة كل داع مسلما كان او برا او فاجرا. ولكن ليست اجابته دعاء. ولكن ليست اجابته دعاء من دعاه دليلا على محبته قربه منه الا في مطالب الاخرة ومهمات الدين. فمن اجيبت دعوته في هذه الامور الدائم نفعها. كان من البشرى وكان اكبر دليل على بره وقربه من ربه. والحسنة المطلوبة في الدنيا يدخل فيها كل ما يحسن وقعه عند العبد وما به تكمل حياته من رزق هنيء واسع حلال وزوجة صالحة وولد تقر به العين ومن راحة وعلم من نافع وعمل صالح. وما يتبع ذلك من المطالب النافعة المحبوبة والمباحة. واما حسنة الاخرة فهي السلامة من العقوق التي يستقبلها العباد من عذاب القبر والموقف وعذاب النار وحصول رضا الله والفوز بالنعيم المقيم والقرب من الرحيم. فهذا الدعاء اجمع الادعية واكملها واولاها بالايثار. ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من الدعاء به ويحث عليه. ولما اكمل الله تعالى احكام النسك. امر بالاكثار من ذكره في الايام المعدودات. وهي ايام التشريق في قول جمهور المفسرين وذلك لمزيتها وشرفها وكون بقية المناسك تفعل بها. ولكون الناس فيها اضيافا لله. ولهذا حرم صيامها. فلذكر فيها مزية ليست لغيرها. ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم. ايام التشريق ايام اكل وشرب وذكر لله. ويدخل في ذكر الله رمي الجمار. والتكبير عند رميها والدعاء بين الجمرتين والذبح والتسمية فيه. الصلوات التي تفعل فيها من فرائض ونوافل. والذكر المقيد بعد بعد الفرائض فيها. وعند كثير من اهل العلم انه يستحب فيها التكبير المطلق كالعشر. فجميع ما يقرب الى الله داخل بذكره فمن تعجل في يومين اي خرج من منى ونفر منها قبل غروب الشمس فلا اثم عليه. ومن تأخر بان بات بها ليلة الثالث من ايام التشريق. ليرمي من غده فلا اثم عليه. وهذا تخفيف من الله على عباده حين اباح مع ان التأخر ارجح لموافقته فعل النبي صلى الله عليه وسلم. وزيادة العبادات. وقوله لمن اتقى هذا من الاحتراز العالي. لان نفي الحرج يوهم العموم. فقيل ذلك بهذا الشرط الذي هو شرط لنفي الحرج في كل شيء واتقوا الله بامتثال اوامره واجتناب نواهيه. واعلموا انكم اليه تحشرون. فمجازيكم باعمالكم فمن اتقاه وجد عنده جزاء المتقين. ومن لم يتقه عاقبه عقوبة تارك التقوى. فان التقوى هي ميزان الثواب والعقاب في القائم بها والمضيع لها. فالعلم بالجزاء والايمان به هو اعظم الدواعي للقيام بالتقوى. واذ لابراهيم مكان البيت الا تشرك بي شيئا. الا تشرك بي شيئا وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود. الاية وما تلاها. يذكر الله تعالى عظمة البيت الحرام وجلالته. وعظمة وما تبانيه وهو خليل الرحمن. فقال واذ بوأنا لابراهيم مكان البيت. اي هيأناه له وانزلناه اياه حيث جعل قسما من ذرياته هم سكانه. وامره الله ببنيانه فبناه اسسه على تقوى الله ورضوانه. هو وابنه اسماعيل بنية صادقة وخضوع لله واخلاص. ودعاء منهما ان يتقبل منهما هذا العمل الجليل. فتقبله الله فهذه اثار القبول لهذا البيت في كل وقت وجيل متواصلة. ووصاه بالا يشرك به شيئا. بان ينفي الشرك عنه وعن ذريته. وعن من وصلت اليه دعوته. وطهر بيتي. اي من الشرك والمعاصي ومن الانجاس والاجناس واضافه الى نفسه ليكتسب شرفا الى شرفه. ولتعظم محبته في القلوب. لكونه بيت محبوبها الاعظم وتنصب وتهوي اليه الافئدة من كل جانب. وليكون اعظم لتطهيره وتعظيمه للطائفين به والقائمين عنده عبادات متنوعة والركع السجود اي المصلين اي طهره لهؤلاء الفضلاء الذين ليس لهم هم الا طاعة مولاهم وما يقربهم اليه. فهؤلاء لهم الحق ومن اكرامهم تطهير هذا البيت لهم. وتهيئته لما يريدون انه عنده ويدخل في تطهيره تطهيره من الاصوات اللاغية المرتفعة. التي تشوش على المتعبدين بالصلاة والطواف والقراءة وغيرها. وقدمت طواف لاختصاصه بهذا البيت. ثم الاعتكاف لاختصاصه بجنس المساجد. واذن في الناس بالحج اي اعلمهم به وادعهم اليه وبلغ دانيهم وقاصيهم فرضه وفضيلته. فانك اذا دعوتهم عن امر الله اتوك حجاجا وعمارا رجالا اي مشاة على ارجلهم من الشوق. وعلى كل ضامر اي ناقة ضامر تقطع المهامها والمفاهيم وتواصل السير حتى تأتي الى اشرف الاماكن. من كل فج عميق اي مكان وبلد بعيد. وقد فعل صلى الله عليه وسلم ذلك. ثم من بعده ابنه محمد صلى الله عليه وسلم. فدعوا الناس الى حج هذا البيت واعاد فيه فحصل ما وعد الله به. اتاه الناس رجالا وركبانا من مشارق الارض ومغاربها. ثم ذكر فوائد زيارة بيت الله الحرام مراغبا فيه فقال ليشهدوا منافع لهم اي لينالوا بوصولهم لبيت الله في الانساك منافع متنوعة دينية ومنافع دنيوية كالتكسب وحصول الارباح. وهذا امر مشاهد يعرفه كل احد. فجميع العلوم والعبادات الدينية التي تفعل في تلك البقاع الفاضلة. وما جعل الله لها من التضعيف داخل في هذه المنافع جميع المنافع الدنيوية التي لا تعد ولا تحصى داخلة في ذلك. فصدق الله وعده وانجز ما قاله. وكان ذلك اية وبرهانا على توحيده وصدق رسله. وقوله ويذكر اسم الله في ايام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الانعام قال ويوم حنين اذ اعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا. وضاقت عليكم الارض بما رحبت. ثم ثم وليتم مدبرين. فلما زال هذا الامر عنهم وعرفوا ضعفهم وعاقبة الاعجاب. انزل الله سكينته على وهذه تجمع الامرين الدينية والدنيوية. اي ليذكروا اسم الله عند ذبح الهدايا. شكرا لله على ما منها ويسرها لهم. فاذا ذبحتموها فكلوا منها واطعموا البائس الفقير. اي شديد الفقر. والاية الاخرى واطعموا القانع والمعتر. اي القانع وهو الفقير. الذي لا يسأل الناس والمعتر الفقير السائل في هذا الامر بالاكل والاهداء والصدقة. فان الامر يشمل اكل اهلها منها واهدائهم للاغنياء. ثم ليقضوا تفثهم ايستكملوا بقية انساكهم ويزيل عنهم محظورات الاحرام. وما ترتب عليها من الشعث ونحوه. وليوفوا نذورهم التي اوجبوها على انفسهم من الحج والعمرة والهدايا. فنفس عقد العبد للاحرام ايجاب منه على نفسه. وليطوعن بالبيت العتيق اي القديم اقدم المساجد على الاطلاق. المعتق من تسلط الجبابرة عليه. وتخصيص الطواف به دون غيره من المناسك لفضله وشرفه. ولكونه المقصود وما قبله وما بعده وسائل وتوابع. ولانه يتعبد به لله مع الانساك ووحده. واما بقية الانساك فلا تكون عبادة الا اذا كانت تابعة لنسك. فصل في ايات تتعلق بالجهاد وتوابعه. قال تعالى اذن للذين يقاتلون بانهم ظلموا. وان ان الله على نصرهم لقدير. كان المسلمون في اول الامر مأمورين بكف الايدي عن قتال الكفار. وانما جهادهم بالدعوة لحكمة ظاهرة. فلما اضطهدوا واضطرهم الاعداء الى ترك بلادهم واوطانهم. وقتلوا من قتلوا وحبسوا من حبسوا وجدوا في العداوة البليغة بكل طريق. وهجر المسلمون بسبب ذلك الى المدينة. وقواهم الله على قتال الاعداء رماهم الاعداء عن قوس واحدة. فحينئذ اذن الله لهم في القتال. ولهذا قال اذن للذين يقاتلون بانهم ظلموا لمنعهم عن دينهم واخراجهم من ديارهم ومطاردتهم لهم في كل مكان. وان الله على نصرهم لقدير وهذا مع امره لهم بفعل الاسباب ومقاومة الاعداء بكل مستطاع. امر لهم بالتوكل عليه. واستنصاره والطلب من ثم ذكر صفة عدوانهم وقال الذين اخرجوا من ديارهم بالاذية والفتنة بغير حق. الا ان ذنبهم ايمانهم بالله واعترافهم بانه ربهم والههم. وانهم اخلصوا له الدين وتبرأوا من عبادة المخلوقين هذا كما قال تعالى وما نقموا منهم الا ان يؤمنوا بالله العزيز الحميد. وهذا ظاهر في حكمة الجهاد وعظم مصلحته وانه من الضروريات في الدين. فان المقصود به اقامة دين الله. والدعوة الى عبادته التي خلق وفق الله المكلفين لها. واوجبها عليهم ودفع كل من قاوم الامر الضروري. ومقاومة الظالمين المعتدين على دين الله على المؤمنين من عباده كما قال تعالى وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله. ولهذا قال ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا فلولا مدافعة الله الناس بعضهم ببعض باسباب متعددة وطرق متنوعة قدرية وشرعية. واعظمها واجلها وازكاها الجهاد في سبيل الله. لاستولى الكفار الظالمون. ومحقوا اديان الرسل. فقتلوا المؤمنين بهم. وهدموا معابدهم ولكن الطاف الله عظيمة. واياديه جسيمة. وبهذا وشبهه يعرف حكمة الجهاد الديني. وانه من الضروريات لا كقتال الظلمة المبني على العداوات والجشع والظلم والاستعباد للخلق. بل الجهاد الاسلامي مرماه وغرضه اقامة العدل وحصول الرحمة واستعباد الخلق لخالقهم. واداء الحقوق كلها ونصر المظلومين الظالمين ونشر الصلاح والاصلاح المطلق بكل وجه واعتبار. وهو من اعظم محاسن دين الاسلام. يا ايها الذين امنوا اذا لقيتم فئة فاثبتوا. واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون. واطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم. واصبروا ان الله مع الصابرين. ولا تكونوا كالذين خرجوا من بطرا ورئاء الناس. ويصدون عن سبيل الله. والله بما يعملون محيط هذه الايات تضمنت الامر بجهاد الاعداء. والارشاد الى الاسباب التي ينبغي للجيوش والمجاهدين الاخذ بها. فمن اعظمها واهمها امران الصبر وهو الثبات التام وابداء كل مجهود في تحصيل ذلك. والثاني التوكل على الله التضرع اليه والاكثار من ذكره. فمتى اجتمع الامران على وجه الكمال والتكميل؟ فقد اتى المجاهدون بالاسباب الوحيدة للنصر والفلاح. فليبشروا بنصر الله وليثقوا بوعده. فيدخل بالامر بالصبر والثبات تمرين النفوس على ذلك. فانه من يتصبر يصبره الله. وتعلم الرمي والركوب والفنون العسكرية المناسبة للزمان. فان التعليم وتعلم امور الجهاد من اكبر العاون على الثبات والصبر. ومن ذلك الحث على الشجاعة والسعي في اسبابها. والترغيب في فضائل الجهاد. وما فيه من الثمرات العاجلة والآجلة. وما في تضييعه من ضياع الدين والدنيا واستيلاء الاعداء والذل والدمار. فان النفوس الابية والهمم العلية لا ترضى لانفسها بغير هذا الخلق الفاضل. الذي هو اعلى الاخلاق وانفعها. قال تعالى ان تكونوا تألمون فانهم يألمون كما تألمون. وترجون من الله ما لا يرجون. فحثهم على الصبر وطمعهم في الاجر والثواب. وادراك المقامات العالية. وقال ايضا في ذم الناكلين. وترغيب التائبين الصابرين ذلك بانهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصبوا ولا مخمصة في سبيل الله. ولا يطأون موطئا يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو ميلا الا كتب لهم به عمل صالح. ان الله لا يضيع اجر المحسنين. ولا ينفقون نفقة صغيرة ولا كبيرة ولا يقطعون واديا الا كتب لهم ليجزيهم الله احسن ما كانوا يعملون. وقال عن المنافقين ونقولهم عن مشقة الجهاد وقالوا لا تنفروا في الحر. قل نار جهنم اشد حرا. لو كانوا يفقهون. اي لو كان عندهم فقه دافع في تنزيل الاشياء منازلها. وتقديم ما ينبغي تقديمه. لاثاروا مشقة الجهاد على راحة القعود الضار عاجلا او اجلا وفي هذا انه بحسب فقه العبد وعلمه ويقينه يكون قيامه بالجهاد. وصبره عليه وثباته. ومن دواعي الصبر وهو من الفقه ايضا انه اذا علم المجاهد انه على الحق ويجاهد اهل الباطل علم ان هذا اعلى الغايات واشرفها واحق وان الحق منصور وعاقبته حميدة. ومن دواعي الصبر الثقة بالله وبوعده. فان الله وعد الصابرين والنصر وانه معهم في كل احوالهم. ومن كان الله معه فلو اجتمع عليه من باقطارها لم يخف الا الله. ومما تعين على الصبر والثبات. الامر الثاني وهو التوكل على الله وقوة الاعتماد عليه. التضرع اليه في طلب النصر والاكثار من ذكره. كما قال تعالى هنا حيث رتب على هذا الفلاح. واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون. وقال تعالى كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة باذن الله. والله مع الصابرين وقال تعالى وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا. فما وهنوا ما اصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا. والله يحب الصابرين. وما كان قولهم الا ان قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا واسرافنا في امرنا. وثبت اقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين فاتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الاخرة. وقال تعالى يا ايها الذين امنوا ان تنصروا الله اي تقوم بدينه وبالحق الذي جاء به رسوله مخلصين لله. قاصدين ان تكون كلمة الله هي العليا. ينصركم ثبت اقدامكم. وقال تعالى ان ينصركم الله فلا غالب لكم. وان يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده. وعلى الله فليتوكل المؤمنون. فاخباره بانه المتفرد بنصرهم. وان غيره لا تملك من النصر شيئا. وامرهم بالتوكل عليه امر لهم باقوى الاسباب النافعة في هذا المقام العظيم. وقال تعالى من يتوكل على الله فهو حسبه. وقال سبحانه اليس الله بكاف عبده؟ اي الذي قام بعبوديته فبحسب توكلهم عليه وقيامهم بعبوديته. يصلح لهم النصر والكفاية التامة. ومن اسباب النصر والصابر والثبات. اتفاق القلوب وعدم التفرق والتنازع. فان ذلك محلل للقوة موجب للفشل. واما اجتماع الكلمة وقيام بين المؤمنين. واتفاقهم على اقامة دينهم وعلى نصره. فهذا اقوى القوى المعنوية التي هي الاصل. القوة المادية تبع لها والكمال الجمع بين الامرين كما امر الله بذلك في هذه الاية. وفي قوله واعدوا لهم استطعتم من قوة. ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم. واخرين من دونهم لا اتعلمونهم ومن اسباب الثبات والنصر حسن النية وكمال الاخلاص في اعلاء كلمة الحق. فلهذا حذر تعالى من مشابهة الذين خرجوا من ديارهم بطرا. ورئاء الناس ويصدون عن سبيل الله. فهؤلاء لما لم يعتمدوا على ربهم واعجبوا بانفسهم وخرجوا اشرين باطرين. وكان قتالهم لنصر الباطل. بائوا بالخيبة والفشل والخذلان ولهذا ادب خيار الخلق لما حصل من بعضهم الاعجاب بالكثرة في غزوة حنين. حيث قال القائل لن نغلب اليوم عن قلة. فقال رسوله وعلى المؤمنين وانزل جنودا لم تروها. ومن الاسباب التي ارشد الله اليها في القتال. الثبات والصبر حسن التدبير والنظام الكامل في جميع الحركات العسكرية. قال تعالى واذ غدوت من اهلك تبوء المؤمنين مقاعد للقتال والله سميع عليم. وكان صلى الله عليه وسلم يرتب الجيش وينزلهم منازلهم. ويجعل في كل جنبة كفؤها ويسد الثغرات التي يخشى ان يتسرب منها العدو. يحفظ المكامن ويبعث العيون لتعرف احوال العدو. ويستعين مشاورة اصحابه كما امر الله بذلك. خصوصا في هذا الامر المهم. وتعرف اسرار العدو وبث العيون ووضع الجواسيس الذين لا يكاد يشعر بهم. كما ان من المهم التحرز من جواسيس العدو. وعمل الاسباب لاخذ الحذر من ذلك بحسب ما يليق ويناسب الزمان والمكان. ومن المهم ايضا ان تفعل جميع الاسباب الممكنة في اخلاص الجيوش. وقتالها عن الحق وان تكون غايتها كلها واحدة. لا يزعزعها عن هذا الغرض السامي فقد رئيس او انحراف كبير. او تزعزع مركز قائد او توقف في صمودها في طريقها النافع على امور خارجية. فانه متى كانت هذه الغاية العالية هي التي يسعى لها اهل الحل والعقد ويعملون لها التعليمات القولية والفعلية كانت الجيوش التي على هذا الوصف مضرب المثل في الكمال وسداد الاحوال وحصول المقاصد الجليلة. ولهذا ارشد الله المؤمنين يوم احد الى هذا النظام العجيب. فقال تعالى وما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل. افإن مات او قتل انقلبتم على اعقاب بكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين. فنبههم على انه وان كان محمد هو الامام الاعظم والرسول المعظم. فانه لا ينبغي لكم ان يفت فقده في عزيمتكم وانحلالكم قوتكم بل انتم تقاتلون لله. وعلى الحق الذي بعث به رسوله ولدفع الباطل والشرور. واجعلوا هذه الغاية نصب اعينكم واساس عملكم. وامضوا قدما في سبيل الله غير هائبين. ولا متأثرين اذا اتت الامور على خلاف مرادكم فان الامور هكذا تكون تارة لك وتارة عليك. والكمال كل الكمال ان يكون العبد عبدا لله في الحالين في السراء والضراء. في حال اتيان الامور على ما يحب. او ضد ذلك. وهذا الوصف هو كمال الفرد وكمال الجماعات والله الموفق. ومن الامور المهمة جدا ان يكون الرئيس رحيما برعيته. ناصحا محبا للخير. ساعيا فيه جهدا كثير المراودة والمشاورة لهم. خصوصا لاهل الرأي والحجا منهم. وان تكون الرعية مطيعة منقادة. ليس عندهم منازعات ولا مشاغبات. قال تعالى يا ايها الذين امنوا اطيعوا الله واطيعوا الرسول واولي الامر منكم تنازعتم في شيء فردوه الى الله والرسول. اي اذا حصل النزاع في اي امر من الامور خصوصا في الامور متعلقة في سياسة الحرب. ردت الى هذا الاصل الذي يطمئن اليه المؤمنون. ويلجأ اليه كبارهم وصغارهم. لعلم انه فرض على جميعهم. ولعلمهم ان حكم الله ورسوله هو الخير والصلاح. وان الله يعلم من مصالحهم ما لا يعلمون ويرشدهم الى كل ما به ينتفعون. ومن الامور المهمة جدا سلوك طريق الحق والعدل في قسمة الغنائم والا تكون ظالمة مستبدا بها الاقوياء محروما منها الضعفاء. او تكون فوضى. فان هذين الامرين مع ضررهما في الدين وان هذا لا يحل ولا يجوز. وهذا من اعظم المحرمات. فانهما يضران غاية الضرر في الجيوش في وقوع العداوات وحصول الجشع والطمع وكون وجهتها تكون متباينة. فبذلك ينحل النظام ويقع الفشل. ويكون هذا الامر اعظم سلاح للاعداء على المسلمين. ومن الامور المهمة جدا ايضا. وهي عون كبير في الحروب. السعي بقدر في ايقاع الانشقاق في صفوف الاعداء. وفعل كل سبب يحصل به تفريق شملهم وتفريق وحدتهم. ومهادنة من يمضي مهادنته منهم وبذل الاموال للرؤساء اذا غلب على الظن ان ينكف شرهم عن المسلمين. فكم حصل بهذا الطريق من نكاية العدو ما لا يحصل بالجيوش الكثيرة. ولهذا قال ان الذين يصلون الى قوم بينكم وبينهم ميثاق او جاءوكم حصرت صدورهم ان يقاتلوكم او يقاتلوا قومهم. ولو شاء الله لسلطهم عليكم لقاتلوكم. فذكر الله هذه المصلحة العظيمة في الكف عن امثال هؤلاء الموصوفين. وللموفقين من الرؤساء وادي الجيوش في هذه الامور مقامات معروفة. صار لهم فيها اليد البيضاء على المسلمين. فانظروا الى هذه التعاليم الالهية التي هي النظام الكامل الوحيد في جميع الازمنة والامكنة. استدل بذلك على ان الاسلام الحقيقي هو الدين الحق الذي فيه ملجأ الخليقة وبه سعادتها وسلامتها من الشرور. وان النقص والهبوط بتضييع تعاليم هذا الدين الذي اكمله الله واتم به النعمة على المؤمنين. فصل في البيوع وانواع المعاملات. قال تعالى واحل الله البيع وحرم الربا وقال سبحانه يا ايها الذين امنوا لا تأكلوا الربا اضعافا مضاعفة. وقال يا ايها الذين امنوا امنوا لا تأكلوا اموالكم بينكم بالباطل. الا ان تكون تجارة حاضرة عن تراض منكم فقال يا ايها الذين امنوا اذا تداينتم بدين الى اجل مسمى فاكتبوه. الى قول واتقوا الله ويعلمكم الله. والله بكل شيء عليم. اشتملت هذه الايات الكريمات على احكام جمة وفوائد مهمة. منها ان الاصل في البيوع والمعاملات والتجارات كلها الحل والاطلاق. كما هو صريح هذه الايات لا فرق بين تجارة الادارة التي يديرها التجار بينهم. هذا يأخذ العوض وهذا يأخذ المعوض. ولا بين التجارة في ديون الحال ثمنها. المؤجل مثمنها كالسلم. وبيع السلع باثمان مؤجلة لعموم قوله. اذا تداينتم بدين ولا بين تجارة التربص والانتظار. بان يشتري السلع في اوقات رخصها. وينتظر بها الفرص في مواسم وغيرها ولا بين التجارة بالتصدير والتوريد من محل الى اخر. ولا بين التجارة والتكسب افرادا ومشتركين. فكل هذه الانواع وما يتبعها قد اباحها الشارع واطلقها لعباده رحمة بهم. وقياما لمصالحهم ودفعا للاضرار عنهم الخلودي في النار على ذنوب وكبائر ليست بكفر. مثل قوله تعالى ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها. وغضب الله عليه ولعنه واعد له عذابا عظيما. وقوله ومن يعص الله وكلها جائزة بما يقترن بها ويتبعها من شروط ووثائق ونحوها اذا سلمت من المحاذير الشرعية التي نبه الله وعليها ورسوله يدخل في هذا العموم جميع اجناس المبيعات وانواعها وافرادها من عقارات وحيوانات وامتعة اطعمة واوان واشربة واكسية وفرش وغيرها. وكلها لابد ان تقترن بهذا الشرط الذي ذكره الله. وهو بين المتعاوضين الرضا الصادر عن معرفة. واما السفيه والمجنون ومن لا يعتبر كلامه فوليه يقوم مقامه في معاملاته واعظم المحاذير المانعة من صحة المعاملات. الربا والغرر والظلم. فالربا الذي حرمه الله ورسوله يدخل فيه الفضل فهو بيع المكيل بالمكيل من جنسه متفاضلا. وبيع الموزون بالموزون من جنسه متفاضلا. ويشترط في هذا النوع في في حله ما شرط الشارع وهو التماثل بين المبيعين بمعياره الشرعي مكيلا كان او موزونا والقبض للعوضين قبل تفرق وربا نسيئة. وهو بيع المكيل بالمكيل الى اجل. ولو من غير جنسه. وبيع الموزون بالموزون الى اجل او بلا لقد ويستثنى من هذا السلم واشد انواع هذا النوع قلب الديون في الذمم. وهو الذي ذكره بقوله لا تأكلوا ربا اضعافا مضاعفة. وذلك اذا حل ما في ذمة المدين قال له الغريم اما ان تقضيني ديني واما ان ما في ذمتك فيتضاعف ما في ذمة المعسر اضعافا مضاعفة. بلا نفع ولا انتفاع. ذلك ان المعسر قد اوجب الله على غريمه انذاره. كما قال تعالى وان كان ذو عسرة فنظرة الى ميسرة. وسواء كان قلب الدين مذكور صريحا او يتحايل عليه بحيلة ليست مقصودة. وانما يراد بها التوصل الى مضاعفة ما في ذمة الغريم. فهذا الذي الذي قد توعده الله بهذا الوعيد الشديد. وان الذين يأكلون الربا لا يقومون من قبورهم الى بعثهم ونشورهم. الا كما الذي يتخبطه الشيطان من المس. اي من الجنون فيقومون مرعوبين منزعجين. قد اختلت حركاتهم ما يعلمون ما امامهم من القلاقل والاهوال المزعجة. والعقوبات لاكلة الربا. وقد اذنهم الله بمحاربته ومحاربة رسوله اذا لم يتوبوا. ومن كان محاربا لله ورسوله فانه مخذول. وان عواقبه وخيمة. وان استدرج في وقت اخر. فاخر امره المحض والبوار. قال تعالى يمحق الله الربا ويربي الصدقات. وقال وما اتيتم من ربا ليربو في اموال الناس فلا يربو عند الله. المرابي يأخذه الامن والغرور الحاضر ولا يدري ما خبئ له في مستقبل امره. وان الله سيجمع له بين عقوبات الدنيا والاخرة. الا ان تاب واناب فان تاب فله ما سلف. واما العقود الحاضرة فالزيادة لا تحل. وعليه ان ينزل على رأس ما له. كما قال تعالى وان تبتم فلكم رؤوس اموالكم لا تظلمون. باخذ الزيادة ولا تظلمون باخذ بعض رؤوس اموالكم. ومن انواع الربا القرض الذي يجر نفعا. فان القرض من الاحسان والمرافق بين العباد. فاذا دخلته المعاوضة وشرط المقرض على المقترض رد خير منه بالصفة او المقدار او شرط نفعا او محاباة في معاوضة اخرى فهو من الربا. لانه في الحقيقة دراهم بدراهم مؤخرة. والربح ذلك النفع المشروط. والله تعالى وعظ المؤمنين عن تعاطي الربا كله والمعاملة به. وان يكتفوا بالمكاسب الطيبة. التي فيها البركة وصلاح الدين والدنيا وفيها تزكو الاخلاق. ويحصل الاعتبار وحسن المعاملة. الصدق والعدل واداء الحقوق والسلامة من جميع التبعات ومن المحاذير في المعاملات محظور الميسر والغرر. فان الله حرم في كتابه الميسر. وقرنه بالخمر لك رمضان ذلك ومفاسده. والميسر يدخل في المعاملات كما يدخل في المغالبات. فكما ان المراهنات وتوابعها من الميسر. فالبيوع التي فيها غرر ومخاطرات وجهالات داخلة في الميسر. ولهذا نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم كلمة جامعة في النهي عن بيع الغرر فيدخل في ذلك بيع الحمل في البطن بيع الابق والشارد. والشيء الذي لم يرى ولم يوصف. ودخل فيه بيع الملامسة والمنابذة. وجميع العقود التي فيها جهالة رسالة بينة وذلك لان احد المتعاملين اما ان يغنم واما ان يغرم وهذا مخالف لمقاصد المعاوضات التي يقصد ان يكون العوض في مقابلة المعوض على وجه يستوي فيه علم المتعاوضين. فان جهل الثمن او المثمن او كان الاجل في غير مسمى ولا معلوم. دخل هذا في بيع الغرر والميسر الذي زجر الله عنه. ومن المحاذير المنهي عنها في المعاملات الظلم والغش والتدليس. وبخس المكاييل والموازين. وبخس الحقوق اخذا واعطاء. بان يأخذ اكثر مما له او يعطي اقل مما عليه. فهذا من اعظم المحرمات. وقد توعد الله عليه بالعقوبات في الدنيا والاخرة. واهلك امة عظيمة بسبب هذه المعاملة الخبيثة. وهذه المعاملات المحرمة تدخل في قوله. لا تأكلوا اموالكم بينكم بالباطل كما يدخل فيه الغصب والسرقة ونحوهما. وفي اية الدين من الفوائد سوى ما تقدم. الامر بكتابة المعاملات والاشهاد عليها. وان يكون الكاتب عدلا عارفا بالكتابة وبما ينبغي ان يكتب. وهذا الامر للندب والاستحباب عند جمهوره للعلماء الا اذا وجب حفظ المال وكان على دين مؤجل او غير مقبوض فانه لا يتم حفظه الا بذلك وما لا يتم الواجب الا به فهو واجب. وفيها ان الكاتب لا يكتب الا ما املاه من عليه الحق ان كان رشيدا. ووليه ان كان عاجزا ضعيفا كالمجنون والصغير والسفيه. وان على صاحب الحق ان يقر بالحق كله من غير بخس. اي نقص بعدده او صفته. وتدل الاية ان الاقرار من اعظم الطرق التي تثبت بها الحقوق في الذمم. كما يثبت فيها براءة الذمم المشتغلة بالحقوق. اذا اقر من له الحق بالاقباض او الابراء المعتبر. وانه لا يعذر من اقر لو ادعى الغلط او الكذب ونحوه. وفيها الارشاد الى حفظ الحقوق بالاشهاد والكتابة والرهن اذا احتيج اليه في سفر او غيره. وان نصاب الشهادة في المعاملات كلها من عقود وفسوخ وثبوت وشروط وابراء ونحوها. رجلان مرضيان ان امكن والا رجل واحد وامرأتان وثبت في السنة قبول شهادة الواحد مع يمين صاحب الحق. وفيها ان شهادة الفاسق والمجهول غير مقبولة. وان الاعتبار بما يرضاه الناس ويعتبرونه. وفيها ان شهادة المرأتين تقوم مقام شهادة الرجل لحفظ الرجل وقوة ذاكرته. كما نبه عليه بقوله ان تضل احداهما فتذكر احداهما الاخرى. وفيها دلالة ان من نسي شهادة فتذكرها او ذكرها فذكرها ان شهادته صحيحة. وفيها انه لا يحل ان يشهد الا بما علمه وتيقنه فان شك فيه لم يحل له ان يشهد. وفيها بيان الحكمة العظيمة في هذه الارشادات من الرب في حفظ المعاملات وان ذلك صلاح للعباد في معاملاتهم. وان تكون جارية على القسط. وان تقطع الخصومات والمنازعات. وتبرئ الذمم وتمنع الظالم من ظلمه. فلهذا قال ذلكم ما قصة عند الله واقوم للشهادة وادنى الا ترتابوا فكم حصل بهذه الوثائق التي ارشد الله اليها من مصالح عظيمة؟ وكم اندفع بها من مفاسد وشرور كثيرة سبحان من جعل شرعه صلاحا لدين العباد ودنياهم. وفيها ان التجارة الحاضرة لا بأس بترك كتابتها لكون التقابض يغني غالبا عن ذلك ولمشقة كثرة ذلك. واما الشهادة فلا ينبغي تركها خصوصا في الامور المهمة. وقوله ولا يضار كاتب ولا شهيد. يحتمل انه مبني للفاعل او للمفعول. والمعنى يشمل الامرين فالكاتب والشهيد يجب عليه ان يعدل في كتابته وشهادته. ولا يحل له ان يميل مع احدهما لغرض من اغراضه. ولا باخذ اجرة لا تحل له على شهادته. او يماطل في شهادته وكتابته مماطلة تضرهما او تضر احد لهما وكذلك المعاملان لا يحل ان يضار الكاتب والشهيد بان يكلفاه ما لا يطيقه. او يتضرر به لان الشاهد والكاتب محسنان. حقهما ان يشكرا على ذلك. ومضارتهما تنافي ذلك. وفيها ان تعلم الكتابة من الامور المحبوبة لله. وانه نعمة من الله على من علمه الله الكتابة. فمن شكر هذه النعمة الا يأبى كاتب ان يكتب كما علمه الله ويستفاد من المعنى المقصود ان الله شرع هذه الامور حفظا للحقوق. وانه ينبغي تعلم كتابة الوثائق والاصطلاحات الجارية بين الناس في المعاملات. حتى يكون الكاتب بهذه الصفة التي يحرر فيها المعاملات. فينتفع الناس بحفظ حقوقهم. فلا يكفي مجرد الكتابة من غير معرفة بهذه الامور. كما انه لابد ان يكون الكاتب معتبرا ثقة ليحصل الاعتماد على كتابته والطمأنينة اليها. ويستفاد من هذا ان الخط المعروف صاحبه وثقته انه معتبر معلوم به ليتم المقصود من الكتابة في حياة الكاتب وبعد موته. وفيها وجوب اداء الشهادة تعينها على من تحملها. وان كتمان الشهادة من كبائر الذنوب. وكما ان شهادة الزور بان يشهد بثبوت ما ليس بثابت او بالبراءة من الحق الثابت وهو كاذب من اكبر الكبائر. فكذلك السكوت عن اداء الشهادة. وكلا الامرين ظلم لصاحب الحق بتفويت حقه وظلم ايضا للنفس بوقوع الاثم. وظلم للظالم لاعانته على الاثم والعدوان. وفيها مشروعية الوثائق بالحقوق. وهي اربعة الشهادة والرهن. كما هو مذكور في هذا الموضع. الضمان والكفالة يؤخذ من على هذا المعنى. ومن قوله وانا به زعيم. اي كفيل وضامن وشرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد شرعنا بخلاف وتقييد الرهن بالسفر لا يدل على انه لا يكون رهن في الحضر. بل قيد لاجل الحاجة اليه لعدم الكاتب غالبا. وفيها ثبوت الولاية على القاصرين لجنون او صغر او سفه. لقوله فان كان الذي عليه الحق سفيها او ضعيفا او لا يستطيع ان يمل هو فليمل وليه بالعدل. فاقامه في التصرفات في ما له مقام المالك الرشيد. وعليه يفعل في اموالهم ما هو الاصلح. قال تعالى ولا تقربوا مال اليتيم الا بالتي هي احسن. ولا يدفع اليهم حتى يرشدوا ويعرف ذلك بالاختبار والتجربة كما قال تعالى وبتالوا اليتامى حتى اذا بلغوا النكاح. فان انستم منهم رشدا فادفعوا اليهم اموالهم. وفيها في قوله ولا يضار كاتب ولا شهيد من الفوائد. التنبيه على ان كل من فعل احسانا ومعروفا ان عليه ان يتممه ويكمله بالتسهيل والتيسير وعدم المضار. وان للمحسنين على ان يشكروا لهم معروفهم. وان للمحسنين على الناس ان يشكروا لهم معروفهم. الا يكلفوهم الضرر والمشقة جزاء لهم على احسانهم وترغيبا في الاحسان. واستدل بقوله تعالى واتقوا الله ويعلمكم الله. ان تقوى الله وسيلة الى حصول العلم كما ان العلم سبب للتقوى. واوضح من هذا قوله تعالى يا ايها الذين امنوا ان تتقوا الله يجعل لكم فرقانا اي علما تفرقون به بين الحق والباطل. وبين الحقائق المحتاج اليها. وفيها كما انه من العلوم النافعة تعليم الدينية المتعلقة بالعبادات والمعاملات. فمنه ايضا تعليم الامور الدنيوية المتعلقة بالمعاملات. فان الله حفظ على العباد امور دينهم ودنياهم. وكتابه العظيم فيه تبيان لكل شيء. وفيها انه يجوز التعامل بغير وثيقة. بل بمجرد الاستئناف لقوله فان امن بعضكم بعضا فليؤد الذي اؤتمن امانته. ولكن في هذه الحال تتوقف الثقة على التقوى والخوف من الله. والا فصاحب الحق مخاطر. فلهذا وعد الله من عليه الحق ان يؤدي امانته. ويؤخذ من هذا ان من عامله ورضي بامانتك ووثق فيك انه قد فعل معك معروفا. ورآك موضع الثقة والامانة فيتأكد عليك اداء الامانة من هاتين الايتين انه ينبغي ان يتخير في الايجارات والجعلات والامانات والولايات كلها. كبيرة كانت او صغيرة. من جمع الوصفين القوة على ذلك العمل. والكفاءة والحفظ وتوابع ذلك من جميع ما تقوم به الاعمال. والامر الثاني الامانة فبالامانة تتم به الثقة. ويعلم نصحه وبذله الواجب. وبالكفاءة والقوة يحصل العمل ويتم فان وجد الجامع للوصفين على وجه الكمال فليستمسك بغرزه. والا اكتفي بالامثل فالامثل. ونقص الاعمال في كلها من الاخلال بالوصفين او احدهما. فصل في ايات المواريث. قال الله تعالى يوصيكم الله في اولادكم للذكر مثل حظ الانثيين. الى قوله تلك حدود الله ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات والتي في اخر السورة يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة. الى اخرها. تضمنت هذه الايات الكريمة احكام المواريث في غاية البيان والتفصيل والايضاح. وفي غاية الحكمة فتوصيته للعباد باولادهم من كمال رحمته وعنايته. وانه بهم من والديهم. ولذلك وصى الوالدين بالاولاد. فالاولاد عند والديهم وصايا من الله وامانات عندهم. على الوالدين ان تربية نافعة لدينهم ودنياهم. فان فعلوا فقد قاموا بهذه الامانة. والا فقد ضيعوها وباءوا باثمها وخسرانها فذكر الله ميراث الاولاد وان لهم ثلاث حالات. اما ان يجتمع الذكور والاناث. فحينئذ يتقاسمون المال او ما الفروض على عدد رؤوسهم. للذكر مثل حظ الانثيين. سواء كانوا اولاد صلب او اولاد ابن. ويؤخذ من هذا الحالة الثانية ان يكون الاولاد ذكورا فقط. فانهم يتقاسمونه متساوين. ومن ارتفعت درجته حجب من دونه من الاولاد اذا كان الرفيع من الذكور. الحالة الثالثة اذا كن اناثا فان كانت واحدة فلها النصف. سواء كانت بنت صلب او بنت ابناء وامكانات اثنتين فاكثر فلهما الثلثان. ومن الحكمة في الاتيان بقوله فوق اثنتين. التنبيه على انه لا يزيد الفضل فرض وهو الثلثان بزيادتهن على الاثنتين. كما زاد فرض النصف لما صرن اكثر من واحدة. وقد نص الله على ان الاختين فرضهما ثلثان فالبنتان من باب اولى واحرى. فان كان البنتان بنات صلب لم يبقى لبنات الابن شيء. وصار البقية بعد فرض البنات العاصي وان كانت العالية واحدة اخذت النصف. وباقي الثلثين وهو السدس لبنت او بنات الابن. هذا ميراث الاولاد الذي الاية استيعابا. وقد علمنا من ذلك ان لفظ الولد يشمل الذكر والانثى من اولاد الصلب او اولاد الابن وان نزل. واما اولاد البنات فلا يدخلون في اطلاق اسم الاولاد في المواريث. ثم ذكر الله ميراث الابوين الام والاب. فجعل الله للام سدسا وثلثا وجعل لهذا السدس مع وجود احد من الاولاد مطلقا منفردين او متعددين اولاد صلب او اولاد ابن. وكذلك جعل لها السدس بوجود جمع من الاخوة والاخوات اثنين فاكثر. وجعل لها الثلث اذا فقد الشرطان المذكوران. واما الثلث الباقي في زوج او زوجة وابوين وقيل انه يؤخذ من قوله وورثه ابواه. فاذا كان معهما احد الزوجين خرجت عن هذا فلم يكن لها ثلث كامل. او يقال ان الله اضاف الميراث للابوين. وهما الاب والام. فيكون لها ثلث ما ورثه الابوان ويكون ما يأخذه الزوج او الزوجة بمنزلة ما يأخذه الغريم فالله اعلم. واما الاب فقد فرض الله له السدس مع وجود احد ان الاولاد فاذا كان الاولاد ذكورا لم يزد الاب على السدس. وصار الابناء احق بالتقديم من الاب بالتعصيب بالاجماع. وان كان الاولاد اناث واحدة او متعددات فرض له السدس ولهن او لها الفرض. فان بقي شيء فهو لاولى رجل. وهو الاب هنا لانه اقرب من الاخوة وبنيهم ومن الاعمام وبنيهم فجمع لهم في هذه الحال بين الفرض والتعصيب. واذا استغرقت الفروض لم يبقى للاب زيادة على السدس. كما لو خلف ابوين وابنتين. فلكل واحد من الابوين السدس وللبنتين الثلثان ومفهوم الاية الكريمة انه اذا لم يكن اولاد ذكور ولا اناث ان الاب يرث بغير تقدير بل بالعصب بان يأخذ المال كله انه اذا انفرد او ما ابقت الفروض ان كان معه اصحاب فروض وهو اجماع. وحكم الجد حكم الاب في هذه الاحكام الا من عمريتين فان الام ترث ثلثا كاملا مع الجد. واما ميراث الجدة السدس عند عدم الام فهو في السنة. ثم ذكر الله ميراث قال تعالى للذين يؤلون من نسائهم تربص اربعة اشهر فان ثاؤوا فان الله غفور رحيم وان عزموا الطلاق فان الله سميع عليم. وقال قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها الايات. وقال في زوجين وان الزوج له نصف ما تركت زوجته ان لم يكن لها ولد. وان كان لها ولد فله الربع. وان الزوجة واحدة او متعددة لها الربع مما ترك الزوج ان لم يكن له ولد. فان كان للزوج ولد منها او من غيرها ذكر او انثى. ولد صلب او ولد فلها او لهن الثمن. ثم ذكر الله ميراث الاخوة من الام. وانهم لا يرثون اذا كانت الورثة كلالة. ليس فيهم احد من ولا الاب ولا الجد. فللواحد من الاخوة من الام او الاخوات السدس. وللاثنين فاكثر الثلث. يستوي فيهم ذكرهم وانثاهم هذه الفروض كلها ذكر الله انها من بعد الوصية اذا حصل الايصال بها. ومن بعد الدين وقد قضى النبي صلى الله عليه وسلم ان الدين قبل الوصية فقد اتفق العلماء على ذلك. وشرط الله في الوصية الا تكون على وجه المضارة بالورثة. فان كانت كذلك فانها فوصية اثم وجنف يجب تعديلها ورد الظلم الواقع فيها. واخبر تعالى ان هذه التقديرات والفرائض حدود الله قدرها حددها فلا يحل مجاوزتها ولا الزيادة فيها والنقصان بان يعطى وارث فوق حقه او يحرم وارث او ينقص من حقه ثم ذكر في اخر السورة ميراث الاخوة لغير ام واخواتهم بان الانثى الواحدة لها النصف وللاثنتين فاكثر الثلثان. وان رجال ونساء فللذكر مثل حظ الانثيين. ويقال فيهم كما يقال في الاولاد اذا كانوا ذكورا تساووا اذا كانوا اشقاء او فان وجد هؤلاء وهؤلاء حجب الاشقاء الاخوة للاب. وان كن نساء شقيقات واخوات لاب واستغرق الشقيق الثلثين لم يبقى للاخوات للاب شيء. فان كانت الشقيقة واحدة اخذت نصفها واعطيت الاخت للاب والاخوات السدس تكملة للثلثين وما سوى هذه الفروض فان الورثة من اخوة لغير ام وبنيهم واعمام بنيهم واولاء يدخلون في قوله صلى الله عليه عليه وسلم في حديث ابن عباس الصحيح الحقوا الفرائض باهلها فما بقي فهو لاولى رجل ذكر. رواه مسلم. فيقدم الاخوة بنوهم ثم الاعمام ثم بنوهم ثم الولاة. ويقدم منهم الاقرب منزلة. فان استوت منزلتهم قدم الاقوى. وهو الشقيق على الذي لاب والله اعلم. فصول تتعلق بالنكاح وتوابعه من الاحكام. قال الله تعالى وان خفتم الا تقسطوا في اليتامى انكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع. فان خفتم الا تعدلوا فواحدة او ما ملكت ايمانكم. ذلك ادنى الا تعولوا واتوا النساء صدقاتهن نحلة. فان طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه. فكلوه هنيء مريئ. لما من الباري على عباده بالنكاح قدرا واباحه شرعا. بل احبه ورضيه وحث عليه لما يترتب عليه من المصالح الكثيرة رتب عليه احكاما كثيرة وحقوقا متنوعة. تدور كلها على الصلاح واصلاح احواله الزوجين ودفع الضرر والفساد. وهي من محاسن الشريعة والشريعة كلها محاسن وجلب للمصالح ودرء للمفاسد. يقول تعالى هنا وان خفت الا تقسطوا اي تقوموا بحق النساء اليتامى اللاتي تحت حجوركم وولايتكم لعدم محبتكم اياهن فاعدلوا الى غيرهن انكحوا ما طاب لكم من النساء. اينبغي ان تختاروا منهن الطيبات في انفسهن؟ اللاتي تطيب لكم الحياة بالاتصال بهن. الجامعات للدين والحسب والعقل والاداب الحسنة. وغير ذلك من الاوصاف الداعية لنكاحهن. وفي هذه الاية الحث على الاختيار قبل الخطبة انه ينبغي الا يتزوج الا الجامعة للصفات المقصودة بالنكاح. فان النكاح يقصد لامور كثيرة. من اهمها كفاءة البيت والعائلة وحسن التدبير وحسن التربية. واهم صفة هذا النوع الدين والعقل. ويقصد به احصان الفرج. والسرور في الحياة وعمدة هذا حسن الاخلاق الظاهرة وحسن الخلائق الباطنة. ويقصد به نجابة الاولاد وشرفهم. واساسه الحسب والنسب الرفيع. ولهذا اباح الشارع بل امر بالنظر لمن يخطبها ليكون على بصيرة من امره مثنى وثلاث ورباع. اي من احب ان يتزوج اثنتين فليفعل او ثلاثا او اربعا فليفعل. ولا تزيد على الاربع لان الاية سيقت للامتنان فلا يجوز الزيادة على غير ما سمى الله اجماعا. وذلك ان الرجل قد لا تندفع شهوته بالواحد ايه ده! او لا يحصل مقصوده او مقاصده بها كما تقدم ان النكاح له عدة مقاصد. فلهذا اباح الله لهذا العدد. لان في الاربع غنية لكل احد الا ما نظر. فاذا خاف من نفسه الجور والظلم بالزيادة على الواحدة فليقتصر على الواحدة او على ملك يمينه التي لا يجب عليه لها قسم كالزوجات. ذلك اي الاقتصار على الواحدة من الزوجات. او ما ملكت اليمين ادنى الا تعولوا. اي تظلموا وتجوروا. ويستفاد من هذا المعنى ان تعرض العبد للامر الذي يخاف منه الجور والظلم وعدم القيام بالواجب ولو كان مباحا لا ينبغي له ان يتعرض له بل يلزم السعة والعافية. فان العافية خير ما اعطي العبد. ولما كان كثير من الناس يظلمون النساء ويهضمونهن حقوقهن. وخصوصا الصداق الذي يكون شيئا كثيرا دفعة واحدة يشق عليهم حثهم على ايتاء النساء صدقاتهن اي مهورهن نحلة اي عن حال طمأنينة وطيب من غير مطر ولا بخس منه شيئا. وفيه ان المهر للمرأة وانه يدفع اليها او الى وكيلها ان كانت رشيدة. او الى وليها ان لم تكن رشيدة وانها تملكه بالعقد لانه اضافه اليها وامر باعطائه لها. وذلك يقتضي الملك. فان طبن لكم عن شيء منه اي من نفسا باسقاط شيء منه او تأخيره او المحاباة في التعويض عنه. فكلوه هنيئا مريئا. لا تبعت عليكم فيه ولا حرج هذا دليل على ان للمرأة الرشيدة التصرف في مالها. ولو بالتبرع وانه ليس لوليها من الصداق شيء الا ما طابت نفسها به. اذا كانت ويؤخذ من الامر بنكاح ما طاب من النساء. تحريم نكاح الخبيثة التي لا يحل للمسلم نكاحها. وهي الكافرة غير الكتابية. وكذلك زانية حتى تتوب كما نص الله على الاثنتين. وفي هذه الاية دليل على انه لابد في النكاح من صداق. وانه يجوز في الكثير واليسير في العموم وانه لا يباح لاحد ان يتزوج بدون صداق. وان لم يسمى فمهر المثل الا النبي صلى الله عليه وسلم فان له ذلك قصة كما قال تعالى وامرأة مؤمنة ان وهبت نفسها للنبي ان اراد النبي ان يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين وفي قوله ولا تعضلوهن ان ينكحن ازواجهن. دليل على اعتبار الولي في النكاح وهو العاصب ويقدم منهم الاقرب فالاقرب. فانت حذر الولي القريب والبعيد بعدم او جهل او غيبة طويلة قام الحاكم مقام الولي. فالسلطان والحاكم ولي من لا ولي لها من النساء يا ايها الذين امنوا لا يحل لكم ان ترثوا النساء كرها. ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما اتيتموهن الا ان يأتين بفاحشة مبينة. وعاشروهن بالمعروف. فان كرهتموهن فعسى ان تكرهوا شيئا ويجعل الله الله فيه خيرا كثيرا. الى قوله ميثاقا غليظا. كان اهل الجاهلية اذا مات احدهم ورثت زوجته كما يورث ماله فرأى قريبه كاخيه وابن عمه انه احق بها من نفسها. ويحجرها عن غيره. فان رضي بها تزوجها على غير صداق. او على صداق يحبه هو دونها. وان لم يرضى بزواجها عضلها ومنعها من الازواج. والا بعوض من الزوج او منها. وكان منهم ايضا يعدل زوجته التي هي في حباله فيمنعها من حقوقها. ومن التوسعة لها لتفتدي منه. فنهى الله المؤمنين عن هذه الاحوال القبيحة يا ارا الا ان ياتينا بفاحشة مبينة كالزنا والكلام الفاحش واذيتها لزوجها. ومن يتصل به فيجوز في هذه الحال ان يعضلها مقابلة لها على فعلها لتفتدي منه. فان هذا الافتداء بحق لا بظلم. ثم قال وعاشروهن بالمعروف هذا يشمل المعاشرة القولية والفعلية. فعلى الزوج ان يعاشر زوجته ببذل النفقة والكسوة والمسكن اللائق بحاله. ويصاحبها جميلة بكف الاذى وبذل الاحسان وحسن المعاملة والخلق. والا يمطلها حقها. وهي كذلك عليها ما عليه من العشرة كل ذلك يتبع العرف في كل زمان ومكان وحال ما يليق به. قال تعالى ينفق ذو سعة من سعته. ومن قدر وعليه رزقه فلينفق مما اتاه الله. لا يكلف الله نفسا الا ما اتاها. وقوله فان كرهتموهن عسى ان تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا. اي ينبغي لكم يا معشر الازواج ان تمسكوا زوجاتكم ولو كرهتموهن فان في ذلك خيرا كثيرا. منها امتثال امر الله ورسوله الذي فيه سعادة الدنيا والاخرة. ومنها اجباره نفسه ومجاهدته اياها مع عدم حبه لزوجته. تمرين على التخلق بالاخلاق الجميلة. ربما زالت الكراهة وخلفتها المحبة. وربما زالت الاسباب التي كرهها لاجلها. وربما رزق منها ولدا صالحا. نفع الله به والديه في الدنيا والاخرة. ولابد لهذه الكراهة من اسباب مع الزوجة فينبغي اذا كره منها خلقا لحظ بقية اخلاقها. وما فيها من المقاصد الاخر. ويجعل هذا في مقابلة هذا وهذا عنوان الانصاف والرأي الاصيل. فان النازق الطائش الذي ليس عنده انصاف يلاحظ بعض اغراضه النفسية. فاذا لم يأت على ما يريد اهدر المحاسن والمناقب الاخر. هذا لا يكاد يصفو له خل في حياته. لا زوجة ولا صاحب ولا حبيب. بل هو سريع التقلب. اما الرجل الحازم الوتي الذكي فانه يوازن بين الامور ويقدم الحق السابق ويفي بالسوابق ويكون نظره للمحاسن ارجح من نظره للمساوئ وصل الى الدرجة العالية التي لا يصل اليها الا افراد من كمل الرجال. جعل المحاسن نصب عينيه واغضى عن المساوئ بالكلية وعفا عنها ولحق صاحب الحق. هذا قد كسب الاجر والراحة والخلق الذي لا يلحق. وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء. وهذا الصبر المأمور به انما هو مع الامكان. فان كان لا بد من الفراق. ولم يبقى للصابر والامساك موضع فالله قد اباح الفراق. فلهذا قال وان اردتم بدال زوج مكان زوج. اي فلا حرج عليكم. ولكن اذا اتيتم احداهن اي الزوجة السابقة او اللاحقة قنطارا وهو المال والكثير فلا تأخذوا منه شيئا. بل وفروه لهن ولا تمطلوهن. وهذا يدل على جواز اعطاء النساء من المهور وغيرها المآل الكثير انها بذلك تملكه. ولكن الاكمل والافضل التساهل في المهور. اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم وتسهيلا للنكاح وطرقه وبراءة ثم ذكر الحكمة في تحريم اخذ الزوج ما اعطاه لزوجته. فقال اتاخذونه بهتانا واثما مبينا؟ وكيف تأخذونه وقد افضى بعضكم بعض اخذنا منكم ميثاقا غليظا. وبيان ذلك ان الانثى قبل عقد النكاح محرمة على الزوج. وهي لم ترضى بهذا الحل الا بالعقل والميثاق الغليظ الذي عقد على ذلك العوض المشروط. فاذا دخل عليها وباشرها وافضى اليها وافضت اليه. وباشرها المباشرة كانت قبل هذه الامور حراما. فكيف يستوفي المعوض ثم يرجع على العوض؟ لا ريب ان هذا من المنكرات القبيحة شرعا وعقلا وفترة ولتنكحوا ما نكح ابائكم من النساء. ثم عدد المحرمات الى ان قال واحل لكم ما وراء ذلكم. قد استوفى الباري المحرم المحرمات في النكاح في هذه الايات في النسب والرضاع والمصاهرة. اما المحرمات بالمصاهرة فاذا تزوج الرجل امرأة ترتب على هذا الزواج اربعة احكام تحريم هذه الزوجة على اولاده. وان نزلوا نسبا ورضاعا وتحريمها على ابائه وان علوا نسبا ورضاعا عليه امها في الحال. اما بنتها فان كان قد دخل بزوجته حرمت ايضا. وصارت رديبة. لا فرق بين بنتها من زوج سابق له او من زوج خالفه عليها. واما المحرمات بالنسب فتحرم الامهات. وهن كل انثى لها عليك ولادة. وهي التي تخاطبها بالام والجدة. وان علت من كل جهة وتحرم البنات. وهن كل انثى تخاطبك بالابوة او بالجدودة من بنات لبن بنات البنات وان نزلن تحرم الاخوات شقيقات كن او لاب او لام. وبنات الاخوة وبنات الاخوات مطلقا. وتحرم والخالات. وهن كل اخت لاحد ابائك وان علا. او احدى امهاتك وان علون. وما سوى ذلك من الاقارب حلال في الاعمام وبنات العمات وبنات الاخوال وبنات الخالات. ولهذا ذكر الله هذا الحل والتحريم المهم في موضعين في هذا الموضع صرح بالمحرمات السبع وقال احل لكم ما وراء ذلكم. في سورة الاحزاب اتى بها باسلوب اخر. فقال في الحل وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك اللاتي هاجرن معك. اي فهن حلال وما عداهن من الاقارب حرام. واما المحرمات بالرضاع. فانهن نظير المحرمات بالنسب. من جهة المرضعة وصاحبة اللبن. فالمرضعة ام الرضيع. وامهاتها واخواتها واخواتها اخواله وخالاته. واولادها اخوته واخواته. وهو عم لاولادهم او خال. وكذلك صاحب اللبن واما الانتشار من جهة الطفل الرادع فلا ينتشر التحريم لاحد من اقاربه الا لذريته فقط. فتقييد الاية في الربيبة بقول اللاتي في حجوركم من نسائكم. بيان لاغلب احوالها. ولبيان اعلى حكمة تناسب حكمة التحريم. وانها اذا كانت في بمنزلة بناتك لا يليق الا ان تكون من محارمك. وتقييدها الاخر بقوله وحلائل ابنائكم الذين من اصلابكم يخرج ابن تبني لا يخرج ابن الرضاع في قول جمهور العلماء. والمحصنات من النساء اي من ذوات الازواج. فكل انثى في عصمة زوج او في بقية في عدته لا تحل لغيره. لان الاضلاع ليست محل اشتراك بل قصد تمييزها التام. ولهذا شرعت العدة والاستبراء ونحو ذلك وقوله الا ما ملكت ايمانكم المراد بهذا الملك السبي اذا سبيت المرأة ذات الزوج من الكفار في القتال الشرعي حقا ولكن بعد الاستبراء او العدة فزوجها الحربي الذي في دار الحرب لم يبق له فيها حق. ولا له حرمة. ولهذا حلت للمسلمين كما حل لهم ما له ودمه. لانه ليس له عهد ولا مهادنة. وقوله واحل لكم ما وراء ذلكم. اي ما سوى ما نص الله على تحريمه سبع بالنسب وسبع بالرضاع واربع بالصهر. فما عداهن فانه حلال. الا انه حرم تعالى الجمع بين الاختين. وحرم النبي صلى الله وعليه وسلم الجمع بين المرأة وعمتها او خالتها. وحرم على الاحرار نكاح المملوكات لما فيه من ارقاق الولد. ولما فيه من الدناءة والضرر العائد للاولاد بتنازع الملاك وتنقلات الارقاء. لكن اذا رجحت مصلحة الاباحة فقد اباحه الله بشرط المشقة بحاجة متعة او خدمة والا يقدر على الطول للحرة. وان تكون الامة مؤمنة وباذن اهلها. فعند اجتماع هذه الشروط كلها يحل للحرية لنكاح الاماء. وقوله الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض. وبما انفقوا من اموالهم. فالصالحون قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله. واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن. فان اطعناكم فلا تبغوا عليهن سبيلا. ان الله كان عليا كبيرا. هذا خبر وامر. اي الرجال قوامون على النساء في امور الدين والدنيا يلزمونهن بحقوق الله والمحافظة على فرائضه ويكفونهن عن جميع المعاصي والمفاسد. وبتقويمهن بالاخلاق الجميلة والاداب الطيبة وقوامون ايضا عليهن بواجباتهن من النفقة والكسوة والمسكن وتوابع ذلك. بما فضل الله بعضهم على بعض وبما انفقوا من اموالهم. اي ذلك بسبب فضل الرجال عليهن وافضالهم عليهن. فتفضيل الرجال على النساء من وجوه متعددة. من كون الولايات كلها مختصة بالرجال والنبوة والرسالة. وباختصاصهم بالجهاد البدني ووجوب الجماعة والجمعة ونحو ذلك. وبما تميزوا به عن من النساء من العقل والرزانة والحفظ والصبر والجلد والقوة. التي ليست للنساء. كذلك يده هي العليا عليها بالنفقات المتنوعة وكثير من النفقات الاخر والمشاريع الخيرية فان الرجال يفضلون النساء بذلك كما هو مشاهد. ولهذا حدث المتعلق في قوله وبما ما انفقوا من اموالهم ليدل على التعميم. فعلم من ذلك ان الرجل كالوالي والسيد على امرأته. وهي عنده اسيرة عانية تحت امره وطاعته. فليتق الله في امرها وليقومها تقويما ينفعه في دينه ودنياه. في بيته وعائلته. يجد ثمرات ذلك عاجلا والا يفعل فلا يلومن الا نفسه. وهن قسمان قسم هن اعلى طبقات النساء. وخير ما حازه الرجال وهن المذكورات في قوله الصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله. اي مطيعات لله ولازواجهن. قد ادت الحقين وفازت من الثواب. حافظات انفسهن من جميع الريب. وحافظات لامانتهن ورعاية بيوتهن. وحافظات للعائلة بالتربية الحسنة والادب النافع في الدين والدنيا. وعليهن بذل الجهد والاستعانة بالله على ذلك. ولهذا قال بما حفظ الله اي اذا وفقنا لهذا الامر الجليل ليحمدنا الله على ذلك. ويعلمن ان هذا من حفظه وتوفيقه وتيسيره لها. فان من وكل الى نفسه فالنفس امارة ومن شاهد منة الله وتوكل على الله وبذل مقدوره في الاعمال النافعة كفاه الله ما اهمه واصلح له اموره ويسر له خير واجراه على عوائده الجميلة. والقسم الثاني هن الطبقة النازلة من النساء. وهن بضد السابقات في كل خصلة. اللاتي من سوء اخلاقهن وقبح تربيتهن تترفع عن زوجها. وتعصيه في الامور الواجبة والمستحبة. وامر الله بتقويمهن بالاسهل فالاسهل وقال واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن. اي بينوا لهن حكم الله وحكم رسوله في وجوب طاعة الازواج. ورغبوهن في ذلك بما يترتب عليه من الثواب. فخوفوهن معصية الازواج. وذكروهن ما في ذلك من العقاب. وما يترتب عليه من قطع حقوقها باحة هجرها وضربها. فان تقومنا بالوعظ والتذكير فذلك المطلوب. فحصل الاتفاق الذي لا يشوبه مكدر. فان لم يفد التذكير اجروهن في المضاجع بالا ينام عندها ولا يباشرها بجماع ولا غيره. لعل الهاجر ينجح فيها. ذلك بمقدار ما يحصل به المقصود فقط فان القصد بالهاجر نفع المهجور وادبه. ليس الغرض منه شفاء النفس كما يفعله من لا رأي له اذا خالفته زوجته او غيرها. ولم يحصل مقصود هجر هجرا مستمرا اي بقي متأثرا بذلك. عاتبا على من لم يواته على ما يحب. ووصلت به الحال الى الحقد الذي هو من الخصال للذميمة هذا ليس من الهجر الجميل النافع. وانما هو من الحقد الضار بصاحبه. الذي لا يحصل به تقويم ولا مصلحة. فان نفع الهاجر زوجتي والا انتقل الى ضربها ضربا خفيفا غير مبرح. ان حصل المقصود ورجعت الى الطاعة وتركت المعصية. عاد الزوج الى عشرتها جميلة ولا سبيل له الى غير ذلك من اذيتها. لانها رجعت الى الحق. وهذا الدواء لكل عاص ومجرم. لان الشارع رغبه اذا ترك اجرام انه عاد حقه الخاص والعام كما في حق التائب من الظلم وقطع الطريق وغيرها. فكيف الزوج مع زوجته؟ وفي هذه الاية ونحوها فائدة نافعة وهي انه ينبغي لمن عاد الى الحق الا يذكر الامور السالفة. فان ذلك احرى للثبات على المطلوب. فان تذكير الامور الماضية ربما اثار الشر انتكس المرض وعاد الحال الى اشد من الاولى. وان خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من اهله وحكما من اهلها. يريد اصلاحا يوفق الله بينهما. ان الله كان عليما خبيرا. هذه حالة اخرى غير الحالة السابقة التي يمكن للزوجة معالجتها. وهذه اذا استطاع الشر بين الزوجين وبلغت الحال الى الخصام وعدم الالتئام. ولم ينفع في ذلك وعظ ولا كلام. فابعثه حكما من اهله وحكما من اهلها. عدلين عاقلين يعرفان الجمع والتفريق. ويفهمان الامور كما ينبغي. ان الحكم لا بد ان يتصف هذه الاوصاف فيبحثان في الاسباب التي ادت بهما الى هذه الحال. ويسألان كلا منهما ما ينقم على صاحبه ويزيلان ما يقدران عليه من العتبة بترغيب الناقم على الاخر بالاغضاء عن الهفوات واحتمال الزلات. وارشاد الاخر الى الوعد بالرجوع وارشاد كل منهما الى الرضا عن بعض حقه. فكم حصل بهذا الطريق من المصالح شيء كثير؟ وان امكنهما الزام المتعصب على الباطل منهما بالحق فعلا. ومهما وجد طريقا الى الاصلاح والاتفاق والملاءمة بينهما لم يعدلا عنها. اما بتنازل عن بعض الحقوق واما ببذل مال او غير ذلك. فان الطرق كلها ورأيا ان التفريق بينهما اصلح لتعذر الملاءمة. فرق بينهما بما تقتضيه الحال بعوض او بغير عوض لا يشترط في هذا رضا الزوج بان الله سماهما حكمين لا وكيلين. ومن قال انهما وكيلان اشترطا في التفريق رضا الزوج. ولكن هذا القول ضعيف ولمحبة الباري للاتفاق بينهما وترجيحه على الاخر قال ان يريدا اصلاحا يوفق الله بينهما. اي بسبب الرأي الميمون والكلام اللطيف والوعد الجميل الذي يجذب القلوب ويؤثر فيها. ان الله كان عليما خبيرا. بالسرائر والظواهر مطلعا على الخفايا. فمن كمال علمه وحكمته شرع لكم هذه الاحكام الجليلة التي هي الطريق الوحيد الى القيام بالحقوق. ومن احسن من الله حكما لقوم يوقنون. وان امرأة خافت من بعلها نشوزا او اعراضا فلا جناح عليهما ان يصلحا بينهما صلحا. والصلح خير الانفس الشح وان تحسنوا وتتقوا فان الله كان بما تعملون خبيرا. هذه حالة من احوال الزوجين غير الاحوال السابقة لان الحالتين السابقتين حالة نشوز الزوجة وحالة وقوع الخصام واستطالة الشر بينهما. وهذه اذا كان الزوج هو الراغب عن زوجته اما عدم محبة واما طمعا فارشد الله في هذه الحال الى الطريق التي تستقيم به الامور. وهو طريق الصلح من المرأة او وليها يعود الزوج الى الاستقامة بان تسمح المرأة عن بعض حقها اللازم لزوجها على شرط البقاء معه. وان يعود الى مقاصد النكاح او بعضها ترضى ببعض النفقة او الكسوة او المسكن او تسقط حقها من القسم او تهب يومها وليلتها لزوجها او لضرتها باذنه. فمتى اتفق وعلى شيء من ذلك فلا حرج ولا بأس. هذا احسن من المقاضاة في الحقوق المؤدية الى الجفاء او الى الفراق. ولهذا قال الصلح هذا اصل عظيم في جميع الاشياء وخصوصا في الحقوق المتنازع فيها. لان المصالحة فيها خير من استقصاء كل منهما على حقه في كله لما في الصلح من بقاء الالفة والاتصاف بصفة السماح. وهو جائز بين المسلمين في كل الابواب الا صلحا احل حراما او حلالا. واعلم ان كل حكم من الاحكام لا يتم ولا يكمل الا بوجود مقتضيه وانتفاء موانعه. فمن ذلك هذا الحكم الكبير الذي هو الصلح. فذكر الله تعالى المقتضي لذلك فقال والصلح خير. والخير كل عاقل يطلبه ويرغب فيه. فان كان مع ذلك قد امر الله به وحث عليه ازداد المؤمن طلبا له ورغبة فيه. وذكر المانع بقوله واحضرت الانفس الشح. اي جبلت النفوس على الشح وهو الاستئثار والتفرد في الحقوق وعدم الرغبة في بذل ما على الانسان. والحرص على الحق الذي له. فالنفوس مجبولة على ذلك طبعا. اي فينبغي لكم ان على قلع هذا الخلق الدنيء من نفوسكم وتقليله وتلطيفه وتستبدلوا به ضده. وهو السماحة ببذل جميع الحقوق التي عليك اقتناع ببعض الحق الذي لك والاغضاء عن التقصير. فمتى وفق العبد لهذا الخلق الطيب؟ سهل عليه الصلح بينه وبين كل من بينه وبين انه منازعة ومعاملة وتساهلت الطرق الموصلة الى المطلوب. ومن لم يكن بهذا الوصف تعسر الصلح او تعذر بانه لا يرضيه الا جميع له كاملا مكملا. ولا يهون عليه ان يؤدي ما عليه. فان كان خصمه مثله اشتد الامر. ثم قال وان تحسنوا وتتقوا. اي في عبادة الخالق والاحسان ان تعبد الله كأنك تراه. فان لم تكن تراه فانه يراك. وتحسنه الى المخلوقين بكل احسان قولي او فعلي اتقوا الله بفعل جميع المأمورات وترك جميع المحظورات. وتحسنوا بفعل المأمور وتتقوا بترك المحظور. فان الله كان بما تعملون خبيرا. فيجازيكم على قيامكم بالاحسان والتقوى. او على عدم ذلك بالجزاء والفضل والعدل. ولن تستطيعوا ان تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة. وان تصلحوا وتتقوا فان الله كان غفورا رحيما. يخبر الله تعالى انه ليس في قدرة الازواج العدل التام بين زوجاتهم. فان العدل التام يقتضي ان يكون الداعي الحب على السواء. والميل القلبي على السواء. ويقتضي مع ذلك الايمان الصادق. الرغبة في مكارم الاخلاق للعمل بمقتضى ذلك. وهو متعذب غير ممكن. فلذلك عذر الله الازواج وعفا عنهم عما لا يقدرون عليه. ولكنه امرهم بالعدل الممكن. فقال فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة. اي لا تميل الى احداهن عن الاخرى ميلا كثيرا. بحيث لا تؤدون حقوقهن الواجبة. بل افعلوا ما استطاعكم من العدل النفقة والكسوة والقسم في المبيت والفراش. ونحو ذلك مقدور. فعليكم العدل فيها بينهن. بخلاف الحب والوطء وتوابع ذلك فالعبد لا يملك نفسه فعذره الله. وقوله فتذروها كالمعلقة. يعني ان الزوج اذا مال عن زوجته وزهد فيها ولم يقم بحقوقه الواجبة وهي في حباله اسيرة عنده صارت كالمعلقة التي لا زوج لها فتستريح. ولا ذات زوج يقوم بحقوقها. وان تصلحوا فيما ما بينكم وبين زوجاتكم بوجه من وجوه الصلح كما تقدم. وبمجاهدة انفسكم عن فعل ما لا تهواه النفس احتسابا وقياما بحق الزوجة ايضا فيما بينكم وبين الناس فيما تنازعتم به من الحقوق. وتتقوا الله بامتثال امره واجتناب نهيه فان الله كان غفورا رحيما وان يتفرقا يغني الله كلا من سعته. وكان الله واسعا حكيما. يعني اذا تعذر الاتفاق والالتئام فلا بأس بالفراق فقال وان يتفرقا بفسخ او طلاق او خلع او غير ذلك يغني الله كلا من الزوجين من سعته اي من فضله واحسانه في العام الشامل فيغني الزوجة بزوجة خير له منها. ويغنيها من فضله برزق من غير طريقه. فانها وان توهمت انه اذا فارقها زوجها زوجها المنفق عليها القائم بمؤنتها ينقطع عنها الرزق. فسوف يغنيها الله من فضله. فان رزقها ليس على الزوج ولا على غيره. بل على المتكفل القائم بارزاق الخليقة كلها. وخصوصا من تعلق قلبه به ورجاءه رجاء قلبيا طامعا في فضله كل وقت. فان الله عند ظن عبده به. ولعل الله يرزقها زوجا خيرا لها منه وانفع. وكان الله واسعا اي واسع الرحمة كثير الاحسان في وضع الامور في مواضعها. وفي الاية تنبيه على انه ينبغي للعبد ان يعلق رجاءه بالله وحده. وان الله اذا قدر له سببا من اسباب الرزق والراحة ان يحمده على ذلك. ويسأله ان يبارك فيه له. فان انقطع او تعذر ذلك السبب فلا يتشوش قلبه. فان هذا السبب من جملة اسباب لا تحصى. لا يتوقف رزق العبد على ذلك السبب المعين. فليفتح له سببا غيره احسن منه وانفع فما فتح له عدة اسباب فعليه في احواله كلها ان يجعل فضل ربه والطمع في بره نصب عينيه وقبلة قلبه. ليكثر من الدعاء بالرجاء فان الله يقول على لسان نبيه انا عند ظن عبدي بي. فان ظن بي خيرا فله. وان ظن بي شرا وقال انك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا ابالي. فصل قال الله تعالى في احكام الطلاق والعدد الطلاق مرتان الى قوله اعلموا ان الله بكل شيء عليم. وقال يا ايها النبي اذا طلقتم نساء فطلقوهن لعدتهن. الايات وما بعدها. ذكر الله احكام الفراق. كما ذكر احكام النكاح والدخول فيها. تقدمت انه تعالى حث الزوج على الصبر على زوجته ما دام متمكنا من الصبر. وفي هذا ذكر الله انه اذا كان لابد له من الطلاق فعليه ان طلق زوجته لعدتها اي لتستقبل عدتها. وذلك ان يطلقها مرة واحدة في طهر لم يجامعها فيه. او يطلقها وهي حامل قد تبين حملها او هي ايسة او صغيرة لانها في هذه الاحوال كلها تبتدأ بالعدة البينة الواضحة. فمن طلقها اكثر من واحدة وهي حائض او نفساء او في طهر قد وطئ فيه. ولم يتبين حملها فانه اثم متعد لحدود الله. واذا طلقها هذا الطلاق المشروع فله ان يراجعها ما دامت في العدة. كما قال تعالى وبعولتهن احق بردهن في ذلك ان ارادوا اصلاحا. وسواء رضيت او كرهت وهذا الطلاق الذي يتمكن فيه العبد من الرجعة هو الطلاق بواحدة او اثنتين بلا عوض. فان طلقها الطلقة الثالثة فلا تحل له حتى تنقضي عدتها وتنكح زوجا غيره نكاح رغبة لا نكاح تحليل. ويطأها ويطلقها رغبة في طلاقها تنقضي عدتها منه فله ان ينكحها برضاها. وبقية شروط النكاح من الولي ومن الصداق وغيره. فان طلقها وبعوض بلفظ الطلاق او الخلع او الفداء او غيرها من الالفاظ. فقد اباح الله هذا الفداء عند الحاجة وهي التي نص عليها بقوله فان خفتم الا يقيما حدود الله. فلا جناح عليهما فيما افتدت به. وسواء كان العوض بقليل او كثير لعموم الاية. فاذا فارقها على هذا الوجه حصل لها الفكاك منه ولم يكن له عليها رجعة الا اذا شاءت بنكاح جديد. وعند التراجع بين الزوجين اذا رغب كل منهما في الاخر فليس لولي الانثى ان يعضلها ويمنعها ان تراجع بعلها الاول او الذي فارقها بغضا له ونكاية له وغضبا عليه او طمعا في بذلها او بذله له شيئا من المال. فكل هذا لا يحل للولي ان يفعله. بل عليه ان يسعى في التأليف بين بينها وبين زوجها واقل ما عليه الا يعارض في ذلك. واذا كان منهيا عن ذلك بعد الطلاق او الفداء ونحوهما. فكيف في ابتداء الامر؟ ولكن بشرط ان يكون الزوج كفئا وطرد المرأة به. واما اذا منعها من تزوج من ليس كفأ لها في دينه او غيره من الصفات المعتبرة شرعا هو محسن بان منعها عما فيه ضررها احسان عليها. وهذا احد الاسباب في اعتبار الولي للمرأة في النكاح. وفي قوله في الرجعة ان قادوا اصلاحا وفي التراجع ان ظنا ان يقيما حدود الله اعتبار هذا الشرط في الرجعة والتراجع والا فلا يراجع ولا مراجعة للضرار وللبقاء على غير ما يحبه الله. وفي هذا ان الافعال مبنية على مقاصدها. وان الامر الذي يقصد فيه الخير والصلاح لابد ان ان يجعل الله فيه بركة. كما ان الذي يقصد به غير ذلك ولو مكن منه العبد فانه ضرر حاضر ويخشى ان تكون عواقبه ذميمة يستفاد من هذا معنى كلي نافع. وهو انه ينبغي للعبد اذا اراد ان يدخل في امر من الامور مثل الامور التي يترتب عليها حقوق كثيرة ومثل الولايات الكبار والصغار والامور المهمة التي يتأنى وينظر في نفسه وعاقبة امره. فان رأى من نفسه قوة على ذلك ووثق بقيامه بما فيها من الحقوق. تقدم اليها متوكلا على الله. والا احجم واغتنم السلامة عن الدخول في الامور الخطرة. وامر تعالى الازواج ان يمسكوا زوجاتهم بمعروف او يسرحوهن بمعروف. فان امسكها امسكها بعشرة حسنة. وان فارقها فليكن على وجه الشرع بطمأنينة من غير بمغاضبة ولا مشاتمة ولا عداوات تقع بينه وبينها او بينه وبين اهلها. ومن التسريح بالمعروف ان يعطيها شيئا من المال تتمتع به وينجبر به خاطرها. وتذهب عن زوجها شاكرة. ولا يكون لهذا الفراق على هذا الوجه الا العواقب الطيبة للطرفين. ولما بين هذه الاحكام الجليلة غاية التبيين. وكان القصد بها ان يعلمها العباد ويعملوا بها. ويقفوا عندها ولا يتجاوزوها. فانه لم ينزلها عبثا بل انزلها بالعلم والصدق والحق النافع والجد. نهى عن اتخاذها هزوا. اي لعبا بها. وهو التجري عليها وعدم الامتثال لواجبها في المضارة في الامساك والارسال او كثرة الطلاق وجمع الثلاث. وقال اذكروا نعمة الله عليكم عموما باللسان حمدا وثناء وبالقلب اعترافا واقرارا. وبالاركان بان يستعان بنعمه على طاعته. وخصوصا ما انزل عليكم من الكتاب والحكمة. فان في الكتاب والسنة من بيان الحق والهدى من الضلال والحلال من الحرام. وجميع ما يحتاجه العباد من امور دينهم ودنياهم. ما يوجب للعباد ان يشكروه شكرا كثيرا ويقوم بحقه ويخضع لاحكامه وختم الايات بعموم علمه تنبيها على ان احكامه قد شرعها العليم الحكيم صالحة للعباد في كل زمان ومكان. وقد ذكر عدة المفارقة بحسب احوالها في كتابه ذكر ان المفارقة بطلاق كانت تحيض استكمال قروء من بعد وقوع الطلاق عليها. وان الايسة وان لم تحض لصغر ونحوه عدتها ثلاثة اشهر. وان المفارقة بموت زوجها فقال يا داوود انا جعلناك خليفة في الارض فاحكم بين الناس بالحق. ولا تتبع الهوى فيضله عن سبيل الله. وقال ومن احسن من الله حكما لقوم يوقنون. وقال وتمت كلمة ربك صدقا وعدل تربص اربعة اشهر وعشرا. وان الحامل من المفارقات في الحياة وبعد الممات عدتها بوضع الحمل. وفي هذه العدد وتقديرها من الاسرار الحكم والمنافع للزوجين وغيرهما. ما هو من ايات الله للمتأملين المستبصرين. وقال تعالى يا ايها الذين امنوا اذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل ان تمسوهن فما لكم عليهن. فما لكم عليهن من عدة تعتدونها فمتعوهن وسرحوهن سراحا جميلا. ففي هذه الاية ان المفارقة في الحياة بطلاق ونحوه ليس لزوجها عليها عدة اذا لم يدخل او يخلو بها بل بمجرد ما يطلقها لها التزوج في الحال. وفي هذا ان العدة تثبت بالدخول وكذلك الخلوة. كما ثبت عن الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم. ومفهوم الاية ان الفراق بالموت تعتد له الزوجة المعقود عليها ولو قبل الدخول. وكما يؤخذ من مفهوم هذه فانه يؤخذ من عموم قوله. والذين يتوفون منكم ويذرون ازواجا يتربصن. وفيها ان العدة من حقوق الزوج لتمكنهم كونه من الرجعة ولحفظ فراشه ومائه من الاختلاط. وحق لها ايضا فان المعتدة نوعان نوع حامل لها النفقة بكل حال قال تعالى وان كنا اولة حمل فانفقوا عليهن حتى يضعن حملهن. ونوع غير حامل وهي ايضا نوعان. مفارقة كائنة بموت او فسخ او خلع او ثلاث او عوض فهؤلاء كلهن لا نفقة لهن ولا كسوة ولا مسكن الا على وجه المعروف والاحسان ومفارقة رجعية فما دامت في العدة فلها النفقة والكسوة والمسكن وتوابعها على الزوج. وحكمها حكم الزوجة التي في في كل حال الا في القسم. فلا قسم لها. لان الله سماه بعلا لها في قوله وبعولتهن احق بردهن في ذلك. ولان له ان يرجعها الى الزوجية التامة رضيت او كرهت ما دامت في العدة. وفي قوله ولا يحل لهن ان يكتمن ما خلق الله في ارحامهن دليل على امانتها على نفسها. وقبول قولها في وجود الحيض وانقطاعه لانه توعدها بكتمان ذلك. وهذا دليل على ان قولها معتبر وفي قوله اذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن. دليل على انه لا يقع الطلاق الا بعد النكاح. وان من علق طلاقا بنكاح امرأة لم ينعقد هذا التعليق ولم يقع عليها شيء اذا نكحها. لان النكاح لا يراد به خلاف مقصوده. وهذا بخلاف تعليق عتق المملوك للغير بملكه اياه فانه صحيح. ويعتق اذا ملكه. لان تملك الرقيق يقصد به العتق. وهو مقصود شرعي صحيح. وقوله به الامر بتمتيع المفارقة بالطلاق قبل المسيس مطلقا. وفي اية البقرة الامر بالتمتيع اذا لم يسمي لها مهرا. ان سم لها مهرا فانه يتنصف اذا طلقها قبل الدخول. ويكون نصف الصداق هو المتعة. كما قال تعالى لا جناح عليكم ان طلقتم النساء اهن فريضة ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعا معروف متاعا بالمعروف حقا على المحسنين. وان طلقتموهن من قبل ان تمسوهن وقد فرضتم لهن ان فريضة فنصف ما فرضتم الا ان يعفون او يعفو الذي بيده عقدة النكاح. وان تعفو اقرب للتقوى فحث على العفو في هذا الموضع الخاص لنفعه وعظم موقعه. وقال ولا تنسوا الفضل بينكم. وهذا ارشاد عظيم نافع في جميع معاملات انه ينبغي للعبد فيها الا يستقصي في كل شيء. بل يجعل للفضل محلا من عفو ومحاباة واعطاء ازيد مما في الذمة قدرا او وصفا وقبول ادنى من الحق كمية وكيفية. فكم حصل بهذا الفضل وان كان طفيفا خير كثير واجر كبير. ومعروف وبركة وراحة فكر وطمأنينة قلب. وفي قوله وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين. فهذا العموم يقتضي ان كل مطلقة لها على زوجها متعة. لكن ان كانت غير مدخول بها ولم يسم لها مهر. فالمتعة واجبة كما تقدم بحسب يسار زوج واعساره وان كان قد سمي لها مهر تنصف المهر. وكان النصف الحاصل لها هو المتعة. فان لم يكن الامر كذلك كانت حقا معروفا واحسانا جميلا. لما فيها من جبر خاطرها وقضاء نوائبها. التي هي مظنة الحاجة اليها في تلك الحال وكون ذلك عنوانا على التسريح بالمعروف. ودفعا للمشاغبات والعداوات التي تحدث لكثير من الناس عند الطلاق. واحتياطا براءة ذمته مما لعله لحقه لها من الحقوق. وتسهيلا للرجعة او المراجعة اذا تغيرت الحال. واحدث الله بعد ذلك امرا ولها من الفوائد شيء كثير. ومدح الله هذه الاحكام الجليلة بقوله كذلك يبين الله لكم اياته لعل لكم تعقلون. فسمى هذه الاحكام ايات لانها تدل اكبر دلالة على عنايته ولطفه بعباده. وانه شرع لهم من احكام الاحكام الصالحة لكل زمان ومكان. ولا يصلح العباد غيرها. فصل في ايات الايلاء والظهار واللعان والذين يرمون ازواجهم الايات من جملة الاحكام المنتشرة المتعلقة بالزوجة انه قد يؤلى منها او يظاهر منها والفرق بين الايلاء والظهار ان الايلاء هو الحلف بالله على ترك وطأ زوجته ابدا. او مدة طويلة تزيد على اربعة اشهر اذا كان قادرا على الوطء. فاذا فعل ذلك وحلف هذا الحلف فلا يخلو اما ان تطالبه الزوجة بحقها من الوطء او لا نطالبه فان لم تطالبه ترك وشأنه. فان وطئ في هذه المدة فقد حنف. وعليه كفارة يمين. والا فلا كفارة عليه وان طالبته بالوطأ امر بذلك وجعل له اربعة اشهر فان فاء ورجع الى الوطء فذلك هو المطلوب منه وهو احب الامرين الله وان ابى وامتنع ومضت الاربعة الاشهر وهو مصر على عدم وطئها وهي مقيمة على طلب حقها اجبر على احد امرين اما ان يفيء ويكفر كفارة يمين. واما ان يطلق فان امتنع من كل منهما طلق الحاكم عليه. واما الظهار ان يحرم زوجته ويقول لها انت علي كظهر امي او نحوه من الفاظ التحريم الصريحة. فهذا قد اتى منكرا من القول وزورا وكذب اعظم كذب. اذ شبه من هي حلال بمن هي اعظم المحرمات. وهي الام. ولهذا قال الذين يظاهرون من من نسائهم ما هن امهاتهم. ان امهاتهم الا اللائي ولدينهم. وانهم ليقولون من كرم من القول وزورا. ثم عرض التوبة فقال وان الله لعفو غفور. ثم ذكر طريقها بالكفارة امر المظاهر ان يعتق رقبة من قبل ان يمسها. فاذا لم يجد صام شهرين متتابعين من قبل المسيس ايضا. فان لم يك يستطع اطعم ستين مسكينا. فبعد هذه الكفارة تحل له الزوجة وتنحل يمينه. واما اللعان فان الزوج اذا رمى زوجته بالزنا ولم يكن له على ذلك اربعة شهود. ولم تعترف بان اقامت على الانكار. فعليهما على من قذف المحصنات من جلد ثمانين جلدة الا ان يلاعنها. وذلك بان يشهد اربع مرات انه لمن الصادقين. لما رماها به من الزنا. ويقول في الخامسة داعيا على نفسه وان لعنة الله عليه ان كان من الكاذبين. فحينئذ يترتب عليها الحد او الحبس حتى تقر. الا ان تقابله بلعان يدرأ عنها العذاب. بان تقول اربعا اشهد بالله انه لمن الكاذبين. في مرماني به من الزنا. وتزيد في الخامسة غضب الله عليها ان كان من الصادقين. فعند ذلك يحدث الفراق الابدي بينه وبينها. والحكمة في تخصيص الزوج بسقوط حد القذف عنه اذا لاعن ان الزوج محتاج وربما كان مضطرا الى رميها لنفي ما يلحقه من اولاد غيره ولحقه بافساد فراشه. واما القاذف اذا كان غير زوج. اذا قذف غيره بالزنا فان الله قال في حده. والذين يرمون المحصنات. ثم لم يأتوا شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا منهم شهادة ابدا. واولئك هم الفاسقون في ايات القصاص والحدود. قال تعالى يا ايها الذين امنوا كتب عليكم القصاص في القتلى. الحر بالحر الى اخرها والتي بعدها يمتن الله على عباده بان فرض عليهم القصاص في القتلى. اي المساواة فيه وان يقتل القاتل حمدا على الصفة التي قتل عليها المقتول اقامة للعدل بين العباد. توجيه الخطاب لعموم المؤمنين فيه دليل على انه يجب عليهم كلهم حتى اولياء القاتل. حتى القاتل نفسه. اعانة ولي المقتول اذا طلب القصاص. وتمكينه من القاتل. وانه لا يحل لهم ان يحولوا بينه وبين القاتل اذا تمت الشروط كما يفعله اهل الجاهلية. ومن اشبههم من ايواء المحدثين. ثم فصل ذلك بقوله الحر بالحر يدخل في منطوقها وفي منطوق قوله ان النفس بالنفس ان الذكر يقتل بالانثى كما تقتل بالذكر فيكون هذا المنطوق مقدما على مفهوم قوله والانثى بالانثى. مع دلالة صريح السنة الصحيحة في قتل النبي صلى الله عليه وسلم اليهودي بالجارية. وخرج من هذا العموم الابوان وان علوا فلا يقتلان بالولد بورود السنة بذلك. مع ان في لفظ القصاص ما يدل على انه ليس من العدل ان يقتل الوالد بولده. ولان ما في قلب الوالدين من الرحمة المانعة من صدور هذه جريمة منهما على ولدهما ما يحدث الشبهة. مع انه لابد في عقلهما اختلالا او اذية شديدة احوجته الى قتل ولده او لم يحرر ان القتل عمد محض. وخرج من هذا العموم ان المسلم لا يقتل بالكافر لثبوت السنة بذلك. مع ان الاية في خطاب مؤمنين خاصة وليس ايضا من العدل ان يقتل ولي الله بعدوه. والعبد بالعبد ذكرا كان او انثى تساوت قيمتهما او اختلفت ودل مفهومهما على ان الحر لا يقتل بالعبد بكونه غير مساو له. وفي هذه الاية دليل على ان الاصل وجوب القود في العمد العدوان وان الدية بدل عنه. فلهذا قال فمن عفي له من اخيه شيء اي عفا ولي المقتول عن القاتل الى الدية او عفا بعض بعض الاولياء فانه يسقط القصاص وتجب الدية. وتكون الخيرة في القوض واختيار الدية الى الولي. فاذا عفا عنه وجب على ولي ان يتبع القاتل بالمعروف من غير ان يشق عليه. ولا يحمله ما لا يطيق. بل يحسن الاقتضاء والطلب ولا يحرجه. وعلى القاضي اداء اليه باحسان. من غير مطل ولا نقص ولا اساءة فعلية او قولية. فهل جزاء الاحسان اليه بالعفو الا الاحسان بحسن هذا مأمور به في كل ما ثبت في ذمم الناس للانسان. مأمور من له الحق بالاتباع بالمعروف. ومن عليه الحق بالاداء باحسان كما قال صلى الله عليه وسلم رحم الله عبدا سمحا اذا قضى سمحا اذا اقتضى. وفي قوله عفي له من اخيه ترقيق وحث على العفو الى الدية. واكمل من ذلك العفو مجانا. وفي قوله اخيه دليل على ان القاتل عمدا لا يكفر. لان المراد بالاخوة هنا اخوة الاسلام. فلم يخرج بالقتل عنها. ومن باب اولى سائر المعاصي التي هي دون القتل. ان صاحبها لا ولكنه يستحق العقاب وينقص بذلك ايمانه ان لم يتب. واذا عفا اولياء المقتول او بعضهم احتقن دم القاتل صار معصوما منهم ومن غيرهم. فلهذا قال فمن اعتدى بعد ذلك اي بعد العفو فله عذاب اليم. اي في الاخرة. واما قتله وعدمه فيؤخذ مما تقدم لانه قتل مكافئا له فيجب قتله بذلك. ثم بين تعالى حكمته العظيمة في مشروعية القصاص فقال ولكم في القصاص حياة. اي تنحقن بذلك الدماء وتنقطع به الاشقياء. لان من عرف انه اذا قتل قتل لا يكاد يصبر منه قتله. واذا رؤي القاتل مقتولا انزجر غيره بذلك. فلو كانت عقوبة القاتل غير القتل لم يحصل من انكفاف الشر ما تحصل بالقتل. وهكذا سائر الحدود الشرعية فيها من النكاية والانزجار. ما يدل على حكمة الحكيم الغفار. ونكر الحياة سادة التعظيم ولما كان هذا الحكم لا يعرفه حقيقة المعرفة الا اهل العقول الكاملة قال ولكم في القصاص حياة يا اولي الالباب لعلكم تتقون. وهذا يدل على انه يحب من عباده ان يعملوا افكارهم وعقولهم. بتدبر ما في احكامه من الحكم والمصائب الدالة على كماله وكمال حكمته وحمده وعدله ورحمته الواسعة. وان من كان بهذا الوصف فقد استحق الثناء والمدح بانه من ذوي الالباب الذين وجه اليهم الخطاب وكفى بذلك فضلا وشرفا. وقوله لعلكم تتقون. وذلك ان من عرف ربه وعرف في دينه وشرعه من الاسرار العظيمة والحكم البديعة والايات الرفيعة اوجب له ان ينقاد لامر الله ويخضع لشرعه طاعة لله ولرسوله قوله تعالى الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله ان كنتم تؤمنون بالله واليوم الاخر. وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين. هذا حد الزاني غير المحصن من ذكر او انثى يجلد مائة جلدة. جلدات تؤلمه وتزجره ولا تهلكه. ويتعين ان يكون ذلك علنا لا سرا. بحيث يشهده طائر صفة من المؤمنين كأن اقامة الحدود من الضروريات لقمع اهل الجرائم. واشتهارها هو الذي يحصل به الردع والانزجار. واظهار شعائر الدين والاستتار به او على احد دون احد فيه مفاسد كثيرة. وردت السنة بتغريب عام كامل عن وطنه مع الجد. اما تواترت السنة واجمع المسلمون على رجم الزاني المحصن يرجم بالحجارة حتى يموت. وقال تعالى فالسارق والسارقة فاقطعوا ايديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله. والله عزيز حكيم. السارق هو من اخذ مال غيره المحترم بغير رضاه ومن كبائر الذنوب الموجبة لترتب هذه العقوبة. وهو انه يجب قطع يده اليمنى كما هي قراءة بعض الصحابة. واليد اذا اطلقت هي الكف الى الكوع فقط. فاذا قطعت حسمت وجوبا في زيت او ودك مغلي لتنسد العروق فيقف الدم. ولكن السنة قيدت عموم الاية الكريمة بامور كلها ترجع الى تحقيق السرقة للاموال. ومنها لابد ان يكون المأخوذ منه حرزا. وحرز كل ما مما يحفظ به عادة فلو سرق من مال غير محرز فلا قطع عليه. ويؤخذ هذا من لفظ السارق فانه الذي يأخذ المال على وجه لا يمكن التحرز منه. فان عاد السارق قطعت رجله اليسرى. فان عاد فقيل تقطع يده اليسرى. ثم ان عاد قطعت رجله اليمنى وقيل يحبس حتى يموت. وورد في ذلك اثار عن السلف مختلفة. وقوله جزاء بما كسب. من التجري على اموال الناس نكالا من الله اي ترهيبا منه للسراق ليرتدعوا اذا علموا انهم يقطعون. هذا نظير قوله في القتل في القصاص حياة. والله عزيز حكيم. اي عز وحكم. وقطع بحكمته يد السارق. تنكيلا للمجرمين وحفظا للاموال وقد ذكر الله قبل هذا حد قطاع الطريق المحاربين في قوله انما جزاء الذين يحاربون الله. وقيل ان الامام مخير فيهم بين هذه الامور وعليه ان يفعل ما تقتضيه المصلحة. ويحصل به النكاية. وقيل ان هذه العقوبة مرتبة بحسب الجريمة جمعوا بين القتل واخذ المال جمع لهم بين القتل والصلب. وان قتلوا ولم يأخذوا مالا قتلوا ولم يصلبوا. وان اخذوا مالا ولم قطعت ايديهم وارجلهم من خلاف. وان اخافوا الناس ولم يقتلوا ولا اخذوا مالا. نفوا من الارض فلا يتركون يأوون الى بلد او يلبسون كما قاله بعضهم فصل في الايمان ونحوها. قال الله تعالى يا ايها الذين امنوا لا تحرموا طيبات ما احل الله الله لكم ولا تعتدوا ان الله لا يحب المعتدين. فكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا. واتقوا الله الذي انتم به مؤمنون. لا يؤاخذكم الله باللغو في ايمانكم. ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الايمان. فكفروا اطعام عشرة مساكين. من اوسط ما تطعمون اهليكم او كسوتهم او تحرير رقبة. فمن لم يجد فصيام ثلاثة ايام ذلك كفارة ايمانكم اذا حلفتم واحفظوا ايمانكم. كذلك يبين الله لكم اياته لعلكم تشكرون يقول الباري يا ايها الذين امنوا اعملوا بمقتضى ايمانكم في تحليل ما احل الله وتحريم ما حرم الله فلا تحرموا ما احل الله لكم من المطاعم والمشارب وغيرها. فانها نعم تفضل الله بها عليكم فاقبلوها. فاشكروا الله عليها اذ احلها شرعا ويسرها قدرا ولا تردوا نعمة الله بكفرها او عدم قبولها او اعتقاد تحريمها او الحلف على عدم تناولها فان ذلك كله من الاعتداء ولهذا قال ولا تعتدوا ان الله لا يحب المعتدين. بل يبغضهم ويمقتهم على ذلك. وكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا. اي كلوا من رزقه الذي ساقه اليكم ويسره لكم باسبابه المتنوعة. اذا كان حلالا لا سرقة ولا غصبا ما حصل في معاملة خبيثة. وكان ايضا طيبا نافعا لا خبث فيه. واتقوا الله بامتثال اوامره واجتناب نواهيه. الذي انت به مؤمنون فان الايمان لا يتم الا بذلك وهو يدعو الى ذلك او سرية ونحو ذلك. ان هذا التحريم منه لا يحرم ذلك الحلال لكن اذا فعله فعليه كفارة يمين. لان التحريم يمين كما قال تعالى. يا ايها النبي لما تحرم ما احل الله لك ابتغي مرضات ازواجك والله غفور رحيم. قد فرض الله لكم تحلة ايمانكم. وهذا عام في تحريم كل طيب الا ان تحريم الزوجة يكون ظهارا فيه كفارة الظهار السابقة. وكما انه ليس له ان يحلف على ترك الطيبات فليس له ان يمتنع من اكلها ولو بلا حلف تنسكا وغلوا في الدين. بل يتناولها مستعينا بها على طاعة ربه. لا يؤاخذكم الله باللغو في ايمانكم ويشمل هذا الايمان التي حلف بها من غير نية ولا قصد. او عقدها يظن صدق نفسه فبان بخلاف ذلك. ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الايمان. اي بما عقدت عليه قلوبكم كما قال في الاية الاخرى. ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم فاذا عقد العبد اليمين وحنف بان فعل ما حلف على تركه او ترك ما حلف على فعله خير في الكفارة بين اطعام عشرة مساكين من اوسط ما تطعمون اهليكم فذلك يختلف باختلاف الناس والاوقات والامكنة او كسوتهم بما يعد كسوة وقيد ذلك بكسوة وفي الصلاة او تحرير رقبة صغير او كبير ذكر او انثى. بشرط ان تكون الرقبة مؤمنة. كما في الاية المقيدة بالايمان وان تكون تلك الرقبة سليمة من العيوب الضارة بالعمل. فمتى كفر بواحد من هذه الثلاثة انحلت يمينه؟ فهذا من نعمة الله على هذه الامة انه فرض لهم تحلة ايمانهم ورفع عنهم الالزام والجناح. فمن لم يجد واحدا من هذه الثلاثة فعليه صيام ثلاثة ايام اي متتابعة مع الامكان. كما قيدت في قراءة بعض الصحابة واحفظوا ايمانكم. اي ان تحلفوا بالله وانتم عن كثرة الايمان لا سيما عند البيع والشراء. فاحفظوها اذا حلفتم عن الحنث فيها الا اذا كان الحنث خيرا من المضي فيها الاصول والفروع. قال الله تعالى وان احكم بينهم بما انزل الله. وقال لتحكم بين الناس بما اراك الله وقال وان حكمت فاحكم بينهم بالقسط فقال فاذا تنازعتم في شيء فردوه الى الله والرسول كما قال تعالى ولا تجعلوا الله عرضة لايمانكم ان تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس. اي لا تقولوا اننا قد حلفنا على ترك البر وترك التقوى وترك الاصلاح بين الناس. فتجعلوا ايمانكم مانعة لكم من هذه الامور. التي يحبها الله ورسوله. بل وكفروا وافعلوا ما هو خير وبر وتقوى. واحفظوا ايضا ايمانكم اذا حلفتم وحنفتم بالكفارة فان الكفارة بها حفظ الذي معناه تعظيم المحلوف به. فمن كان يحلف ويحنث ولا يكفر. فما حفظ يمينه ولا قام بتعظيم ربه. كذلك يبين الله لكم اياته. المبينة للحلال من الحرام الموضحة للاحكام. لعلكم تشكرون. فعلى العباد ان يشكروا ربهم على بيانه وتعليمه لهم ما لم يكونوا يعلمون. فان العلم اصل النعم وبه تتم. فصل في ايات في الاطعمة ونحوها والصيود وتوابعها. قال الله تعالى والذي خلق لكم ما في الارض جميعا. وقال الذين يتبعون الرسول النبي الامي الذي يجدونه انه مكتوبا عندهم في التوراة والانجيل. يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر. ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث وقال حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما اهل لغير الله به. والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما اكل السبع الا ما ذكيتم. وبعدها ويسألونك ماذا احل لهم؟ قل احل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن. تعلمونهن مما علمكم الله. فكلوا مما امسكنا عليكم واذكروا اسم الله عليه. وقال ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه. وقال قل لا اجد فيما اوحي الي محرما على طاعم يطعمه الا ان يكون ميتة من اودما مسفوحا او لحم خنزير فانه رجس او فسقا اهل لغير الله به. فمن اضطر غير باغ ولا عاد فان ربه غفور رحيم. دلت هذه الايات الكريمات على ان الاصل في الاشياء الحل من طعام وشراب وغيرها. لان الله تعالى خلق لنا ما في الارض جميعا ننتفع به بكل وجوه الانتفاعات. من اكل وشرب واستعمال وفصل لنا ما حرم علينا. فما لم يذكر في الكتاب والسنة في تحريمه فهو حلال واباح لنا كل طيب وحرم علينا كل خبيث. فمن الخبائث المحرمة الميتة سوى ميتة الجراد والسمك وهي ما مات حتف انفه او ذكي زكاة غير شرعية. والدم المسفوح كما قيدته الاية الاخرى. واما الدم الذي يبقى في اللحم والعروق بعد الذبح فانه طيب حلال. ولحم الخنزير وما اهل لغير الله به بان ذبح لغير الله من اصنام او ملائكة او انس او جن وغيرها من المخلوقات. ومن الخبائث كل ذي ناب من السباع. وكل ذي مخلب من الطير كما صح بذلك الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. ومن الميتة المنخنقة اي التي تخنق بالحبال وغيرها. او تختنق فتموت. والموقوذة وهي التي بالحصى او بالعصا حتى تموت. ومن هذا اذا رمى صيدا فاصاب الصيد بعرضه فقتله. والمتردية وهي التي تسقط من موضع من عال كسطح وجبل فتموت. والنطيحة التي تنطحها غيرها فتموت بذلك. وما اكله ذئب او غيره من السباع. وكل هذه المذكورات اذا لم تدرك زكاتها ان ادركها حية فزكاها حلت. لقوله الا ما ذكيتم. سواء غلب على الظن او تلفه اذا لم يذكى ام لا. ومن المحرمات الحشرات وخشاش الارض من فأرة وحية ووزغ. ونحوها من المستخبثة شرعا ومن المحرمات ما ذكي زكاة غير شرعية. اما ان الذابح غير مسلم ولا كتابي. واما ان يذبحها في غير محل الذبح وهي مقدور عليها. واما الا يقطع حلقومها ومرئها. واما ان يذبحها بغير ما ينهر الدم او بعظم او ظفر. وما امر الشارع بقتله او نهى عن قتله دل على تحريمه وخبثه. وكل هذه الاشياء تحريمها في حال السعة. واما اذا اضطر اليها غير باغ لاكلها قبل ان يضطر ولا متعد الى الحرام وهو يقدر على الحلال. فانه اذا اضطر اليها غير باغ ولا عاد. فان الله غفور رحيم ومن رحمته اباح المحرمات في حال الضرورة. ومن رحمته والسعى لعباده طرق الحلال. فاباح الصيد اذا جرح في اي موضع من بدنه واباح صيد السهام اذا سمى الرامي عند رميها. واباح ايضا صيد الكلاب المعلمة والطيور المعلمة. والتعليم يختلف اختلاف الحيوانات. قال العلماء تعليم الكلب ان يسترسل اذا ارسل وينزجر اذا زجر. واذا امسك لم يأكل من صيده بقول فكلوا مما امسكنا عليكم واذكروا اسم الله عليه. اي عند ارسالها لقصد الصيد. فصل في جوامع الحكم والقضايا في الى الحكم بين الناس بالحق والقسط وهو الحكم بما انزل الله. وهو الرد الى الله ورسوله. فان هذه الايات يصدق بعضها بعض تدل على ان الحق والعدل لا يخرج عما جاء به الرسول. وان حكم الله ورسوله احسن الاحكام على الاطلاق. اي اعدالها اقوامها واصلحها واحسنها للشرور. واعظم احكام توسل بها الى تحصيل المصالح ودرء المفاسد. وان رد مسائل النزاع والاختلافات الدينية والدنيوية الى الله والرسول خير في الحال واحسن عاقبة وان كلمات الله تمت وكملت من كل وجه. صدقا في اخبار عدلا في احكامها واوامرها ونواهيها. فكل مسألة خارجة عن العدل الى الظلم. وعن الصلاح الى الفساد. فليست من الشرع وقد جاء شرع الله محكم الاصول والفروع. موافقا للمعقول الصحيح والاعتبار والميزان العادل. وقد حكم الله ورسوله باحكام متنوعة متفرعة عن هذا الاصل العظيم. تفصيل لمجمله. فحكم الله بان اقرار من عليه الحق معتبر في القليل والكثير. كما تقدم عليه في اية الدين. وحكم ان البينة على المدعي لاثبات حق. او المدعي براءة الذمة من الحقوق الثابتة. وان اليمين على من وهاتان القاعدتان عليهما مدار جمهور القضايا. اعتبار اقرار من عليه الحق اذا كان جائز التصرف. وتكليف المدعين كلهم بالبينات البينة شرعا اسم جامع لكل ما بين الحق. والبيان مراتب. بعضها يصل الى درجة اليقين. وبعضها كالقرائن وشواهد والترجيحات كثيرة جدا. عند تساوي الترجيحات ومقادير الاشياء وكمياتها بالتوسط بينها. اما بقسماتها متساوية واجعل الزيادة والنقص بحسب ذلك. والا بالقرعة اذا تعذرت القسمة. ومن احكام الشارع العادلة الغاؤه المعاملات الظالمة الجائرة كانواع الغرر والظلم والميل على احد المتعاملين بغير حق. ومن احكامه الكلية اعتباره التراضي بين المتعاملين في عقود وفي عقود التبرعات وانه لا يحل مال امرئ مسلم او معاهد الا بطيب نفسه. ومن احكامه الكلية منع الضرر والاضرار بغير حق في كل معاملة وخلطة وجوار واتصال. ومن احكامه الكلية ان على العمال تكميل اعمالهم. ومن احكامه الكلية ان على العمال تكميل اعمالهم بغير نقص. وعلى من عمل لهم تكميل اجورهم. ومن احكامه الكلية ايجابه الوفاء بالعقود والشروط التي يشترطها احد المتعاقدين على الاخر في ابواب العقود كلها. مما لكل منها او لاحدهما فيه مصلحة. الا شرطا احل حراما او حلالا فهذا قد اهدره الشارع والغاه وقال من عمل عملا ليس عليه امرنا فهو رد. من احكامه الكلية اعتبار المقاصد في ابواب المعاملات والاعمال. كما تعتبر في باب العبادات. وبهذا الاصل ابطل جميع الحيل التي يتوسل بها الى فعل محرم او اسقاط حق مسلم ونحوها. ومن احكامه الكلية ان جميع العقود اللازمة والجائزة عقود المعارضة وعقود التبرع. كذلك الفسوخ تنعقد بما دل عليها من الالفاظ التي يتعارفها المتعاقدان. ومن الافعال الدالة على ذلك. ومن احكامه الكلية ان تلف الشيء بيد الظالم كالغاصب ونحوه فيه الضمان فرط او لم يفرط. فان ثبوت يده على وجه الظلم والعدوان. وان تلف الشيء تحت يد الامين لا فيه ان لم يفرط او يتعدى. ومن احكامه الكلية ان الشيء المشكوك فيه يرجع فيه الى اليقين في العبادات والمعاملات. فمن ادعى الاصل فقول مقبول. ومن ادعى خلاف الاصل لم يقبل الا ببينة. وان الاصل بقاء ما كان على ما كان. الاصل براءة الذمة حتى يتيقن كما ان الاصل بقاء ما كان ثابتا في الذمة. حتى يتيقن البراءة بوفاء او اسقاط او سقوط. وان الاصل في عقود المسلمين الصحة والسلامة حتى نعرف انه جرى ما يفسدها. ومن احكامه الكلية ان جميع الاحكام من اصول وفروع لا تتم وتكمل ويحصل مقتضى الا باجتماع شروطها واركانها ومقوماتها. وانتفاء موانعها ومفسداتها. ومن احكامه الكلية وجوب المماثلة في المتلفات والمضمونات بمثلها ان امكن المثل. وبالقيمة ان تعذر المثل. وكذلك الاعمال. فمن عمل لغيره عملا بعوض لم يسمى او سم هي تسمية فاسدة او جهلت التسمية او عاوضه معاوضة تعذر معرفة العوض فيها فانه يرجع في ذلك الى اجرة المثل وعوض المثل من احكامه الكلية وجوب العدل بين الاولاد والزوجات. ووجوب العدل بين ذوي الحقوق الذين لا مزية لواحد منهم على الاخر. كالعول الدائم يا الله على هذا الوصف الذي ذكره الله تعالى. وعدوهما يراقبهما ويراصدهما. وينظر الفرصة فيهما ما رأى سرور ادم بهذه الجنة ورغبته العظيمة في دوامها. جاءه بطريق لطيف. في صورة الصديق الناصح. فقال على اهل الفروض بالسوية. وكقسمة المال بين الغرماء اذا لم يف بحقوقهم. يعطون على قدر حقوقهم اذا لم يكن لاحدهم مزية ونحوه وكاشتراك الملاك في الزيادة المترتبة عليها على قدر املاكهم. وكالنقص على قدر املاكهم اذا اعتراها نقص. سواء كان النقص بحق تعلق بها او بتلف او خسارة او وقع ظلما. فانهم يشتركون في الزيادة والنقص على قدر املاكهم. ومن احكامه الكلية اثبات الخيار في كل عقد ظهر في العوض المعين او المعوض عيب ينقصه. وانه اذا لم يمكن الرد تعين الارش واسقاط اقصى. وعلى الصحيح لا فرق بين البيوع وغيرها. فان هذا من قاعدة العدل. ومن احكامه الكلية جعل المجهول كالمعدوم. ويندرج تحت هذا الاصل الاموال التي جهل ملاكها انه يتصدق بها عنهم. او تبذل في المصالح نيابة عنهم. وتملك اللقطة. ومن لا وارث له بفرض ولا تعصيب ولا رحم. تركته في بيت المال للمصالح العامة جعلا للمجهول في ذلك كالمعدوم. ومن احكامه الكلية الرجوع الى العرف اذا تعذر التعيين شرعا ولفظا. فالرجوع للعرف في نفقة الزوجات والاقارب والاجراء. وكالشروط العرفية في المعاملات اذا اضطردت بين الناس. وكالقبض والحرز ونحوها مما لا يعد ولا يحصى. ومن احكامه الكلية ان الاصل في عبادات الحظر فلا يشرع منها الا ما شرعه الله ورسوله. والاصل في المعاملات والاستعمالات كلها الاباحة. فلا يحرم منها الا ما حرمه الله ورسوله. وعلى هذا جميع احكام العبادات والمعاملات وغيرها. مما لا يمكن احصاؤه. ولهذا من شرع في عبادة الله تنقل عن الشارع فهو مبتدع. ومن حرم من العادات شيئا لم يرد عن الشارع فهو مبتدع. ومن احكامه الكلية حثه على الصلح والاصلاح بين من بينهم حقوق وخصوصا عند اشتباهها او عند تناكرها. واذا تعذر استيفاء الحق كله او تعسر. فقد شرع في ذلك كله الصلح بالعدل وسلوك الحالة المناسبة لتلك القضية بما تقتضيه الحال. وفيه من الفوائد والثمرات الطيبة ما لا يعد ولا يحصى. ومن احكامه الكلية اعتبار العدالة في الشهود. وان يكونوا ممن يرضى من الشهداء. وذلك يختلف باختلاف الاحوال والاشكال خاص الشارع اعتبر شهادة العدل المرضي من الشهداء. واسقط شهادة الكاذب والقادف قبل التوبة. وامر بالتثبت في خبر الفاسق وكذلك المجهول لانه اعتبر المرضي العدل عند الناس فلابد من تحقيق هذا الوصف. واما عدد الشهود ونصابها فذلك يختلف المشهود به كما فصله اهل العلم. واما احكامه الكلية ان من سبق الى مباح فهو احق به. ويدخل فيه السبق الى النزول في المساكن والاوقاف التي لا تتوقف على نظر ناظر. ويدخل في ذلك السبق الى المباحات من الصيود البرية والبحرية. والى ما يستخرج من البحاري والمعادن والى الاحتشاش والاحتطاب وغير ذلك. والى احياء الموات وغيرها من المسائل المتنوعة الداخلة في هذا الاصل. ومن احكامه الكلية قبول قول الامناء على ما في ايديهم مما هم عليه اولياء من قبل الشارع او من قبل المالك بالوكالة او الوصاية او النظارة للاوقاف. وكل هؤلاء مقبول قولهم بما يدعونه من داخل وخارج ومصرف ونحوه. اذا كان ذلك ممكنا هذا معنى تأمينهم وتوليهم ولايتهم. واعلم ان قبول قول هؤلاء في هذه الامور لا يمنع محاسبتهم. وطلب الوقوف على كيفية تلك المصارف الداخلية والخارجية. وتبين وجه النقص والتلف ونحو ذلك. ليستظهر بذلك على صدقهم وكذبهم. واما تمكينهم من اطلاق سراحهم بحجة انهم امناء. مقبول قولهم فهذا غلط على الشريعة وعلى الحقيقة. الشارع حاسب عماله واستدرك عليه الحقيقة والوقوف عليها مطلوب باتفاق اهل الاعتبار. فكم من امين ظهرت خيانته يقينا حين استدرك عليه. ومن احكامه ان الواجب يسقط بالعجز عنه بالكلية. وانه اذا قدر على بعض الواجب وجب عليه ما يقدر عليه منه. فسقط عنه ما يعجز هذا مضطرد في العبادات والحقوق الواجبة وغيرها. كما ان الضرورة تبيح المحظور وتقدر بقدرها. ومن احكامه الكلية انه اقام البدل مقام مبدله في احكام العبادات والمعاملات والحقوق وغيرها. فمتى كان للشيء بدل وتعذر الاصل هذا مقامه وحكم له باحكامه. وان النماء تابع للاصل. ومن احكامه الكلية ان من وجب عليه امر من الامور فانه يجبر عليه بحق. وان من اتلف شيئا لدفع اذاه له دفعا عن نفسه. ولا ضمان عليه فان اتلفه للانتفاع به ضمنه. وان ما ترتب على المأذون فيه من تلف فغير مضمون. وما ترتب على غير المأذون فانه مضمون. ومن احكامه الكلية ان الاستثناءات والقيود والاوصاف الملحقة بالالفاظ تعتبر وتقيد الكلام. ويرتبط بها بشرط الاتصال لفظا او حكما. ويدخل في هذا الفاظ العقود والفسوق والوقف والوصايا والعتق والطلاق والايمان والاقرارات وغيرها. ومن احكامه الكلية ان الشركاء في الاملاك والمنافذ يلزمون بكل ما يعود الى حصول المنافع الضرورية ودفع المضار. ويجبر الممتنع منهما من ذلك من المصارف والنفقات والضرائب التي تلحق الاملاك هم فيها شركاء على كل منهم. ويجبر الممتنع منهما من ذلك من المصارف والنفقات والضرائب التي تلحق الاملاك هم فيها شركاء على ما كان منهم بقدر ملكه. ومن احكامه الكلية ان المباشر لاتلاف الاموال او المتسببة لذلك ضامن لها متعمدا كان او ناسيا او جاهلا. وانه اذا اجتمع المباشر والمتسبب كان الضمان على المباشر الا ان تعذر تضمينه لفقد او ناع او عسر او نحوه فيحال الضمان على المتسبب بغير حق. ومنها ان من ادى عن غيره دينا واجبا بنية الرجوع فانه ارجع ولو لم يأذن له في ذلك. ومنها ان الوصف في الشيء الذي بيد الغير وذلك الغير لا يدعيه لنفسه بينة. ومنها ان من تعجل شيئا قبل اوانه على وجه محرم عوقب بحرمانه. ومن احكامه الكلية انه اذا تزاحمت المصالح قدم الاعلى منها. وان تزاحمت المفاسد وكان لابد من فعل احداها ارتكب الاخف منها لدفع الاشد مفسدة. وعلى هذا من مسائل الفقه ما لا يعد ولا يحصى لان الشارع شرع الشريعة لتحصيل المصالح او تكميلها. ولتقليل المفاسد وتعطيلها بحسب الامكان. ومنها ان اطلاق التشريك في الوسائط والهبات والاقرارات وايقاع العقود والفسوخ على الاعيان وغير ذلك. كل ذلك يقتضي المساواة بين من شرك بينهم في شيء من الا ان دل دليل على المفاضلة بينهم. وكذلك في الاشياء المشتبهة التي يعلم انها لهؤلاء الاشخاص. ولا يعلم مقدار لكل فانهم يتساوون فيها. وادلة هذه الاصول من الكتاب والسنة ظاهرة. وهي اصول جامعة عظيمة النفع. ينتفع بها الحاكم والمفتي وطالب العلم وهي من محاسن الشريعة ومن اكبر البراهين على ان ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم حق من عند الله محكم الاصول متناسب الفروع. عدل في معانيه. تابع للحكم والصلاح في مبانيه. فلنقتصر على هذه القواعد غيرها تبع لها. وهي تغني عن غيرها ولا يغني عنها سواها والله اعلم. فصل في ذكر ما قص الله علينا في كتابه اخبار الانبياء مع اقوامهم. قد قص الله علينا في كتابه قصصا طيبة من اخبار انبيائه. ووصفها بانها احسن القصص. فهذا من الله العظيم يدل على انها اصدقها وابلغها وانفعها للعباد. فمن اهم منافع هذه القصص ان بها يتم ويكمل الايمان بالانبياء صلى الله عليهم وسلم فاننا وان كنا مؤمنين بجميع الانبياء على وجه العموم والاجمال فالايمان التفصيلي المستفاد من قصصهم وما وصفهم الله به من الصدق الكامل والاوصاف الكاملة. التي هي اعلى الاوصاف وما لهم من الفضل والفواضل والاحسان على جميع نوع الانسان بل وصل احسانهم الى جميع الحيوانات بما ابدوه للمكلفين في الاعتناء بها والقيام بحقها. فهذا الايمان التفصيلي بالانبياء يصل به العبد الى الايمان الكامل. وهو من مواد زيادة الايمان. فمن ذلك ان في قصصهم تقرير الايمان بالله. وتوحيده واخلاص العمل له. والايمان وباليوم الاخر وبيان حسن التوحيد ووجوبه وقبح الشرك. وانه سبب الهلاك في الدنيا والاخرة. وفي قصصهم ايضا عبرة للمؤمنين يقتدون بهم في جميع مقامات الدين. في مقام التوحيد والقيام بالعبودية. وفي مقامات الدعوة والصبر والثبات عند جميع النوائب المقلقة مقابلة ذلك بالطمأنينة والسكون والثبات التام. وفي مقام الصدق والاخلاص لله في جميع الحركات والسكنات. واحتساب الاجر والثواب من الله تعالى لا يطلبون من الخلق اجرا ولا جزاء ولا شكورا الا الامور النافعة للخلق. وفيها ايضا عبرة لاتفاقهم على دينهم من واحد واصول واحدة. ودعوة الى كل خلق جميل وعمل صالح واصلاح. وزجرهم عن كل ما يضاد ذلك. وفيها ايضا من الفوائد الفقهية والاحكام الشرعية والاسرار الحكمية شيء عظيم لا غنى لكل طالب علم عنها. من الوعظ والتذكير والترغيب والترهيب والفرج بعد الشدة وتيسير الامور بعد تعسرها وحسن العواقب المشاهدة في هذه الدار وحسن الثناء والمحبة في قلوب الخلق ما فيه زاد يقين وسرور للعابدين وسلوة للمحزونين. ومواعظ للمؤمنين. فليس المقصود من قصصهم ان تكون فقط سمرة. وانما الغرض الاعظم منها ان تكون تذكيرا وعبرا. واعلم قبل الشروع فيها ان كثيرا من قصصهم صلوات الله وسلامه عليهم. اعادها الله في كتابه مرات عديدة باساليب مناسبة لمقاماتها. وربما يكون في موضع منها ما ليس في المواضع الاخر من الزيادات والفوائد. او يأتي بها بالفاظ من غير الفاظ القصة الاخرى. والمعاني متفقة او متقاربة. على حساب ان هذا التعليق مختصر. سوف اتي بهذه القصص واجمع القصة وفي موضع واحد واحرص على ما دلت عليه الفاظ الكتاب من سياقها. من اولها الى اخرها. واتبع كل قصة بما يفتح الله به من فوائد الاصولية والفروعية والاخلاق والاداب والمواضيع المتنوعة. راجيا من الله ان يوفقني بذلك للصواب اللفظي والاخلاص الباطني وموافقة رضاه. وان يجعل بذلك النفع العام انه جواد كريم. فصل في قصة ادم ابي البشر لم يزل الله اولا ليس قبله شيء. ولم يزل فعالا لما يريد. ولا خلا وقت من الاوقات من افعال واقوال تصدر عن مشيئته وارادته بحسب ما تقتضيه حكمة الله. الذي هو حكيم في كل قدره وقضاه. كما هو حكيم في كل ما شرعه لعباده. فلما قضت الحكمة الشاملة. والعلم المحيط من الله. والرحمة السابغة خلق ادم ابي البشر. الذين فضلهم الله على كثير مما من خلق تفضيلا. اعلم الملائكة وقال اني جاعل في الارض خليفة. يخلف من كان قبلكم من المخلوقات التي لا يعلمها الا هو. قالوا اتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء؟ وهذا منهم تعظيم لربهم. واجلال له على انه وربما يخلق مخلوقا يشبه اخلاق المخلوقات الاول. او ان الله تعالى اخبرهم بخلق ادم وبما يكون من مجرمي قال الله للملائكة اني اعلم ما لا تعلمون. فانه محيط علمه بكل شيء. وبما يترتب على هذا المخلوق من المصالح والمنافع التي لا تعد ولا تحصى. فعرفهم تعالى بنفسه بكمال علمه. وانه يجب الاعتراف بسعة العلم والحكمة التي من جملتها انه لا يخلق شيئا عبثا. ولا لغير حكمة. ثم بين لهم على وجه التفصيل فخلقه بيده تشريفا له على جميع المخلوقات. قبض قبضة من جميع الارض سهلها وحزنها. طيبها وخبيثها ليكون النسل على هذه الطبائع. فكان ترابا اولا. ثم القى عليه الماء فصار طينا. ثم لما طالت مدة بقاء المال على الطين تغير ذلك الطين فصار حمأ مسنونا. طينا اسود ثم ايبسه بعدما صوره فصار كالفخار الذي له صلصلة وفي هذه الاطوار هو جسد بلا روح. فلما تكامل خلق جسده نفخ فيه الروح. فانقلب ذلك الجسد الذي كان جمادا حيوانا له عظام ولحم واعصاب وعروق. وروح هي حقيقة الانسان. واعده الله لكل علم وخير ثم اتم عليه النعمة فعلمه اسماء الاشياء كلها. والعلم التام يستدعي الكمال التام. وكمال الاخلاق. فاراد الله ان يري الملائكة كمال هذا المخلوق. فعرض هذه المسميات على الملائكة وقال لهم انبئوني باسمائها ان كنتم صادقين. في مضمون كلامكم الاول الذي مقتضاه ان ترك خلقه اولى. هذا بحسب فيما بدا لهم في تلك الحال فعجزت الملائكة عليهم السلام عن معرفة اسماء هذه المسميات. وقالوا سبحانك لا علم ما لنا الا ما علمتنا. انك انت العليم الحكيم. قال الله يا ادم انبئهم باسمائهم. فلما باسمائهم. شاهد الملائكة من كمال هذا المخلوق وعلمه. ما لم يكن لهم في حساب. وعرفوا بذلك على وجه بالتفصيل والمشاهدة كما لحكمة الله. اعظموا ادم غاية التعظيم. فاراد الله ان يظهر هذا التعظيم والاحترام ادم من الملائكة ظاهرا وباطنا. فقال للملائكة اسجدوا لادم. احتراما له وتوقيرا وتبجيلا. وعبادة منكم لربكم وطاعة ومحبة وذلا. فبادروا كلهم اجمعون. فسجدوا. وكان ابليس بينهم. وقد وجه اليه الامر بالسجود معهم. وكان من غير عنصر الملائكة. كان من الجن المخلوقين من نار السموم. وكان مبطنا للكل الكفر بالله والحسد بهذا الانسان الذي فضله الله هذا التفضيل. فحمله كبره وكفره على الامتناع عن السجود لادم كفرا بالله واستكبارا ولم يكفه الامتناع حتى باح بالاعتراض على ربه والقدح في حكمته فقال انا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين. فقال الله له يا ابليس ما منعك ان تسجد لما خلقت بيدي. استكبارت ام كنت انت من العالين. فكان هذا الكفر والاستكبار والاباء منه. وشدة النفاق هو السبب الوحيد ان يكون مطرودا ملعونا فقال الله له فاهبط منها فما يكون لك ان تتكبر فيها فاخرج انك من الصابرين. فلم يخضع الخبيث لربه ولم يتب اليه بل بارزه بالعداوة. وصمم التصميم التام على عداوة ادم وذريته. ووطن نفسه لما علم انه حتم عليه الشقاء الابدي ان يدعو الذرية بقوله وفعله وجنوده الى ان يكونوا من حزبه. الذين لهم دار البوار فقال رب انظرني الى يوم يبعثون. فيتفرغ لاعطاء العداوات حقها في ادم ذريته. ولما كانت حكمة الله اقتضت ان يكون الادمي مركبا من طبائع متباينة. واخلاق طيبة او خبيثة وكان لابد من تمييز هذه الاخلاق وتصفيتها بتقدير اسبابها من الابتلاء والامتحان الذي من اعظمه تمكين هذا هو من دعوتهم الى كل شر. اجابه فانك من المنظرين. الى يوم الوقت المعلوم. فقال لربه معلنا معصيته وعداوته ادم وذريته. فبما اغويتني لاقعدن لهم صراطك المستقيم. ثم لاتينهم من من بين ايديهم ومن خلفهم وعن ايمانهم وعن شمائلهم. ولا تجد اكثرهم شاكرين. قال ابليس هذه المقالة ظنا منها لانه عرف ما جبل عليه الادمي. ولقد صدق عليهم ابليس ظنه فاتبعوه الا فريقا من المؤمنين فمكنه الله من الامر الذي يريده ابليس في ادم وذريته. فقال الله له اذهب فمن تبعك منه فان جهنم جزاؤكم جزاء موفورا. واستفزز من استطعت منهم بصوتك. واجلب عليهم خيرك ورجلك وشاركهم في الاموال والاولاد. اي ان قدرت فاجعلهم منحرفين في تربية اولادهم. الى التربية الضالة وفي صرف اموالهم المصارف الضارة وفي الكسب الضار. وايضا شارك منهم من اذا تناول طعاما او شرابا او نكاحا. ولم يذكر اسم الله عليه ذلك في الاموال والاولاد. وعدهم اي مرهم ان يكذبوا بالبعث والجزاء والا يقدموا على خير. وخوفهم من اوليائك. وخوفهم عند الانفاق النافع بالفحشاء والبخل. وهذا من الله لحكم عظيمة واسرار. وانك ايها العدو المبين لا تبقي من مقدورك في اغوائهم شيئا. فالخبيث منهم يظهر خبثه ويتضح شره والله لا يعبأ به ولا يبالي. واما خواص الذرية من الانبياء واتباعهم من الصديقين والاصفياء طبقات الاولياء والمؤمنين. فان الله تعالى لم يجعل لهذا العدو عليهم تسلطا. بل اقام عليهم سورا منيعا وهو حمايته وكفايته. وزودهم بسلاح لا يمكن عدوهم مقاومتهم. بكمال الايمان بالله وقوة توكلهم عليه انه ليس له سلطان على الذين امنوا وعلى ربهم يتوكلون. ومع ذلك فاعانهم على مقاومة هذا العدو بامور كثيرة. انزل عليهم كتبه المحتوية على العلوم النافعة. والمواعظ المؤثرة. الترغيب الى فعل الخيرات والترهيب من فعل الشرور. وارسل اليهم الرسل مبشرين من امن بالله واطاعه بالثواب العاجل. ومنذرين من كفر كذب وتولى بالعقوبات المتنوعة. وضمن لمن اتبع هداه الذي انزل به كتبه وارسل به رسله الا يضل في الدنيا ولا يشقى في الاخرة. وانه لا خوف عليه ولا حزن يعتريه. وارشدهم في كتبه. وعلى السنة رسله الى الامور بها يحتمون من هذا العدو المبين. وبين لهم ما يدعو اليه هذا الشيطان. وطرقه التي يصطاد بها الخليقة ما بينها لهم ووضحها فقد ارشدهم الى الطرق التي ينجون بها من شره وفتنته. واعانهم على ذلك اعانة قدرية خارجة عن قدرتهم بانهم لما بذلوا المجهود واستعانوا بالمعبود سهل لهم كل طريق يوصل الى المقصود ثم ان الله تعالى اتم نعمته على ادم. فخلق منه زوجته حواء من جنسه وعلى شكله. ليسكن اليها وتتم اما المقاصد المتعددة من الزواج والالتئام. وتنبث الذرية بذلك. وقال له ولزوجته ان الشيطان عدو لكما فاحذراه غاية الحذر. فلا يخرجنكما من الجنة التي اسكنكما الله اياها. واباحكما ان تأكلا من جميع ثمارها. وان تتمتع بجميع لذاتها. الا شجرة معينة في هذه الجنة. فحرمها عليهما فقال فكلا من حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين. وقال الله لادم في تمتيعه بهذه الجنة ان لك الا تجوع فيها ولا تعرى. وانك لا تظمأ فيها ولا تضحى. فمكثا في الجنة ما قال يا ادم هل ادلك على شجرة اذا اكلت منها خلدت في هذه الجنة؟ ودام لك الملك الذي لا يبلى. فلم يزل يوسوس ويزين ويسول ويعد ويمني ويلقي عليهما من النصائح الظاهرة. وهي اكبر الغش حتى غرهما. فاكلا من الشجرة التي نهاهما الله عنها وحرمها عليهما. فلما اكلا منها بدت لهما سوءاتهما. بعدما كانا مستورين وطفق يقصفان على انفسهما من اوراق تلك الجنة. اي يلزقان على ابدانهما العارية. ليكون بدل اللباس وسقط في ايديهما. وظهرت في الحال عقوبة معصيتهما. وناداهما ربهما. الم انهكما عن تلكما الشجرة واقل لكما ان الشيطان لكما عدو مبين. فاوقع الله في قلوبهما التوبة التامة والانابة الصادقة تتلقى ادم من ربه كلمات. وقال ربنا ظلمنا انفسنا وان لم تغفر لنا وترحمنا لنا من الخاسرين. فتاب الله عليهما ومحى الذنب الذي اصابا. ولكن الامر الذي حذرهما الله منه وهو الخروج من هذه الجنة ان تناول منها تحتم ومضى. فخرجا منها الى الارض التي حشي خيرها بشرها. وسرورها واخبرهما الله انه لابد ان يبتليهما وذريتهما. وان من امن وعمل صالحا كانت عاقبته خيرا من حالته الاولى ومن كذب وتولى فاخر امره الشقاء الابدي والعذاب السرمدي. وحذر الله الذرية منه فقال يا بني ادم انما لا يفتننكم الشيطان كما اخرج ابويكم من الجنة. ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوءا انه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم. وابدلهم الله بذلك اللباس الذي نزعه الشيطان من الابوين بلباس يواري السوءات. ويحصل به الجمال الظاهر في الحياة. ولباس اعلى من ذلك وهو لباس التقوى والذي هو لباس القلب والروح بالايمان والاخلاص والانابة. والتحلي بكل خلق كريم. والتخلي عن كل خلق ثم بث الله من ادم وزوجه رجالا كثيرا ونساء ونشرهم في الارض واستخلفهم فيها لينظر وكيف يعملون؟ فوائد مستنبطة من هذه القصة. اصولية وفروعية واخلاق واداب. فمنها ان هذه القصة العظيمة ذكرها الله في كتابه في مواضع كثيرة صريحة لا ريب فيها ولا شك. وهي من اعظم القصص التي اتفقت عليها الرسل ونزلت بها الكتب السماوية. واعتقدها جميع اتباع الانبياء من الاولين والاخرين. حتى نبغت في هذه الازمان المتأخرة فرقة خبيثة زنادقة انكروا جميع ما جاءت به الرسل. وانكروا وجود الباري. ولم يثبتوا من العلوم الا العلوم الطبيعية التي وصلت اليها معارفهم القاصرة. فبناء على هذا المذهب الذي هو ابعد المذاهب عن الحقيقة شرعا انكروا ادم وحواء. وما ذكره الله ورسوله عنهما. وزعموا ان هذا الانسان كان حيوانا قردا. او شبيها بالقرد حتى ارتقى الى هذه الحال الموجودة. وهؤلاء اغتروا بنظرياتهم الخاطئة. المبنية على ظنون وعقول من اصلها فاسدة وتركوا لاجلها جميع العلوم الصحيحة. خصوصا ما جاءتهم به الرسل. وصدق عليهم قوله تعالى فلما هم رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم. فرحوا بما عندهم من العلم وحاق بهم ما كانوا يستهزئون. وهؤلاء امرهم ظاهر لجميع المسلمين. ولجميع المثبتين وجود الباري. يعلمون انهم اضلوا الطواف واقف ولكن تسرب على بعض المسلمين من هذا المذهب الدهري بعض الاثار والفروع المبنية على هذا القول. اذ فسر طائفة من العصريين سجود الملائكة لادم ان معناه تسخير هذا العالم للادميين. وان المواد الارضية والمعدنية ونحوها قد سخرها الله للادمي. وان هذا هو معنى سجود الملائكة. ولا يستريب مؤمن بالله واليوم الاخر ان هذا مستمد من ذلك الرأي الاثم. وانه تحريف لكتاب الله. لا فرق بينه وبين تحريف الباطنية والقرامطة وانه اذا اولت هذه القصة الى هذا التأويل توجه نظير هذا التحريف لغيرها من قصص القرآن. وانقلب القرآن بعدما كان تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة رموزا يمكن كل عدو للاسلام ان يفعل بها هذا الفعل. فيبطل بذلك القرآن وتعود هدايته اضلالا ورحمته نقمة. سبحانك هذا بهتان عظيم. والمؤمن في هذا الموضع يكفيه لابطال هذا القول الخبيث ان يتلو ما قصه الله علينا من قصة ادم وسجود الملائكة. في علم ان هذا مناف ما قصد الله ورسوله غاية المنافاة. وازخرفه اصحابه ولووا له العبارات. ونسبوه الى بعض من يحسن بهم الظن فالمؤمن لا يترك ايمانه ولا كتاب ربه لمثل هذه الترويجات المغررة او المغرور اصحابها. ومنها فضيلة العلم وان الملائكة لما تبين لهم فضل ادم بعلمه عرفوا بذلك كماله. وانه يستحق الاجلال والتوقير. ومنها ان من من الله عليه بالعلم عليه ان يعترف بنعمة الله عليه. وان يقول كما قالت الملائكة والرسل سبحانك لا علم لنا الا ما علمتنا. وان يتوقى التكلم بما لا يعلم. فان العلم اعظم المنن. وشكر هذه النعمة الاعتراف الله بها والثناء عليه بتعليمها. وتعليم الجهال والوقوف على ما علمه العبد. والسكوت عما لم يعلمه منها ان الله جعل هذه القصة لنا معتبرا. وان الحسد والكبر والحرص من اخطر الاخلاق على العبد. فكبر ابليس وحسده لادم سيره الى ما ترى. وحرص ادم وزوجه حملهما على تناول الشجرة. ولولا تدارك رحمة الله لهما العودة بهما الى الهلاك. ولكن رحمة الله تكمل الناقص. وتجبر الكسير. وتنجي الهالك وترفع الساقط ومنها انه ينبغي للعبد اذا وقع في ذنب ان يبادر الى التوبة والاعتراف. ويقول ما قاله الابوان من قلب خالص نابت صادقة فما قص الله علينا صفة توبتهما الا لنقتدي بهما فنفوز بالسعادة وننجوا من الهلكة. وكذلك كما اخبرنا بما قاله الشيطان من توعدنا وعزمه الاكيد على اغوائنا بكل طريق. الا لنستعد لهذا العدو الذي تظاهر بهذه العداوة البليغة المتأصلة. والله يحب منا ان نقاومه بكل ما نقدر عليه. من تجنب طرقه وخطواته وفعل الاسباب التي يخشى منها الوقوع في شباكه. ومن عمل الحصون من الاوراد الصحيحة. والاذكار القلبية والتعوذات المتنوعة ومن السلاح المهلك له من صدق الايمان وقوة التوكل على الله ومراغمته في اعمال الخير ومقاومة والافكار الرديئة التي يدفع بها الى القلب كل وقت. بما يضادها ويبطلها من العلوم النافعة والحقائق الصادقة ومنها ان فيها دلالة لمذهب اهل السنة والجماعة. المثبتين لله ما اثبته لنفسه من الاسماء الحسنى والصفات كلها لا فرق بين صفات الذات ولا بين صفات الافعال. ومنها اثبات اليدين لله كما هو في قصة ادم صريح لما خلقت بيدي فله يدان حقيقية. كما ان ذاته لا تشبهها الذوات. فصفاته تعالى لا تشبهها قصة نوح عليه السلام مكث البشر بعد ادم قرونا طويلة. وهم امة واحدة على الهدى ثم اختلفوا وادخلت عليهم الشياطين الشرور المتنوعة بطرق كثيرة. فكان قوم نوح قد مات منهم اناس صالحون. فحزن عليهم. فجاءهم الشيطان فامرهم ان يصوروا تماثيلهم. ليتسلوا بها وليتذكروا بها احوالهم. فكان هذا ابتدأ الشر. فلما هلك الذين صوروهم بهذا المعنى جاء من بعدهم وقد اضمحل العلم. فقال لهم الشيطان ان هؤلاء ودوا وسواعا ويغوث ويعوق ونسرا. قد كان اولوكم يدعونهم ويستشفعون بهم. وبهم يسقون الغيث. وتزول امراض فلم يزل بهم حتى انهمكوا في عبادتهم على رغم نصح الناصحين. ثم بعث الله فيهم نوحا صلى الله عليه وسلم يعرفونه ويعرفون صدقه وامانته. وكمال اخلاقه. فقال يا قومي اعبدوا الله ما لكم من اله غيره. ورغبهم في خير الدنيا والاخرة. فقال يا قومي اني لكم نذير مبين. ان اعبدوا الله واتقوه واطيعوه. يغفر لكم من ذنوبكم ويؤخركم الى اجل مسمى. فلما بادأهم بالامر بالاخلاص لله وتسفيه ارائهم وتخويفهم بعقوبات الدنيا والاخرة الاخرة قالوا ما نراك الا بشرا مثلنا. وما نراك اتبعك الا الذين هم اراذلنا بادي الرأي. وما نرى لكم علينا من فضل بل نظنكم كاذبين. وطلبوا منه ان يطرد من كان معه من المؤمنين. استكبارا منهم واستنكافا على الحق وعلى الخلق فبين لهم انه ليس به ضلال. واننا به تزول الضلالة عن الخلق. وانه رسول امين على بينة من ربه وبراهين واضحة. وان المؤمنين لا يحل طردهم بل حقهم الاكرام والاحترام. وانه لا يدعي لهم طورا يزاحم الرب فقال ولا اقول لكم عندي خزائن الله ولا اعلم الغيب ولا اقول اني ملك ولا اقول للذين تزدري اعينكم لن يؤتيهم الله خيرا. فلم يزل يدعوهم ليلا ونهارا وسرا وجهارا. فلم يزدهم دعاؤه الا فرارا ونفورا واعراضا. وتواصيا منهم على الاقامة على ما هم عليه من عبادة غير الله والتمسك بها. فقال نوح بوجه من الوجوه وانه كلما جاء قرن كان اخبث مما قبله قال ربي لا تذر على الارض من الكافرين ديارا انك ان تذرهم يضلوا عبادك. ولا يلدوا الا فاجرا كفارا. فاجاب الله دعوته وامره ان يصنع الفلك برعاية منه. وحسن نظر وتعليم من الله له هذه الصنعة. التي امتن الله بها على العباد. وصار نوح له الفضل الابتداء بهذه الصناعة التي حصل بها من المنافع الدينية والدنيوية في جميع الاوقات ما لا يعد ولا يحصى. واخبره الله بتحتم اغراقهم. وانه لا يخاطب ربه فيهم فانهم ظالمون. وجعل يصنع الفلك. وكلما مر عليه من قومه سخروا منه. فقال لهم ان تسخروا منا اليوم فانا نسخر منكم اذا وقع الهلاك بكم. واوحى الله اليه انه اذا جاء ذلك الوقت وفار التنور اي جعلت الارض كلها تنفجر عيونا من كل جانب. حتى المواضع بعيدة عن الماء عادة. وامره ان يحمل من البهائم من كل زوجين اثنين ذكرا وانثى. ليبقى نسلها لانه يتعذر حملها كلها. والحكمة تقتضي ابقاء هذه الحيوانات التي خلقها الله. مسخرة لمصالح البشر. ويحمل معه جميع من امن من رجال ونساء. والحال انهما امن معه الا قليل. وامره ان يحمل اهله الا من سبق عليه القول للهلاك. فلما اركب جميع من امر بهم قال لهم سموا الله كلما جرت وكلما رست. لان الاسباب مهما عظمت فهي من لطف الله ولا تمام لها الا بالله. فحينئذ فجر الله الارض عيونا. وامر السماء ان تصب الماء الكثير فالتقت مياه السماء بمياه الارض وساحت على الاماكن المنخفضة. ثم ارتفعت شيئا فشيئا على كل المرتفعات حتى خفيت قمم الجبال الشاهقة. والسفينة تجري بهم في موج كالجبال. تضرب يمينا وشمالا. وفي تلك الحال المزعجة رأى نوح ابنه الكافر الذي كان على دين قومه وقد اعتزل اباه. حتى في هذه الحال فرآه مثل سائر قومه قد فر هاربا من المياه الجارفة. فناداه نوح مترفقا فقال يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين تتمادى به الغرور في تلك الحال التي تنقشع فيها الغياهب الا عن القلوب المحجوبة. فقال سآوي الى جابر فليعصمني من الماء. لم يخطر ببالهم ان المياه سترتفع فوق رؤوس الجبال. فقال له نوح لا عاصم اليوم من امر الله الا من رحم لا يعصم جبل ولا حصن ولا غير ذلك الا من رحم الله. ورحمته في تلك الحالة في ركوب السفينة مع نوح. وحال بينهما الموج. فكان ذلك الابن من المغرقين. فاغرق الله جميع الكافرين ونجى نوحا ومن معه اجمعين. وكان ذلك اية على ان ما جاء به نوح من التوحيد والرسالة والبعث والدين حق وان من خالفه فانه مبطل. ودليل على الجزاء في الدنيا لاهل الايمان بالنجاة والكرامة. ولاهل الكفر بالهلاك والاهانة فلما حصل هذا المقصود العظيم امر الله السماء ان تقلع عن الارض. والارض ان تبلع ما فيها وغيض الماء نقص شيئا فشيئا. واستوت السفينة بعد غيض الماء على الجودي. وهو جبل شامخ معروف في نواحي الموصل هذا دليل على ان جميع الجبال قد غمرتها المياه وجاوزها الطوفان. وحزن نوح على ابنه فقال مناديا ربه مرفقا متضرعا يا رب. ان ابني من اهلي وان وعدك الحق. ان احمل معي اهلي وانت ارحم الراحمين. فقال له ربه انه ليس من اهلك. اي الموعود بنجاتهم. لان الله قيد ذلك بقوله الا من سبق عليه القول انه عمل غير صالح. اي هذا الدعاء لابنك الذي على دين قومه بالنجاة. فلا تسألني ما ليس لك به علم. اني اعظك ان تكون من الجاهلين. وهذا عتاب منه لنوح وتعليم له. وموعظة عن مثل هذا الدعاء. الذي انما له عليه الشفقة الابوية. وانما الواجب في الدعاء ان يكون الحامل له العلم والاخلاص في طلب رضا الله تعالى. فقال ربي اني اعوذ بك ان اسألك ما ليس لي به علم. والا تغفر لي وترحمني اكن من الخاسرين. قيل يا روح اهبط بسلام منا وبركات عليك. وعلى امم ممن معك. وامم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب اليم. فهبط وبارك الله في ذريته. وجعل ذريته هم الباقين. فكان اولاده ياثف ملأ المشرق من الذرية وحام ملأ المغرب من النسل. وسام ملأ ما بين ذلك ومكث في قومه الف سنة الا خمسين عاما ومكث بعد هلاكهم ما شاء الله. وكان من اولي العزم من المرسلين. ومن الخمسة الذين تدور عليهم الشفاعة يوم القيامة وهو اول الرسل الى الناس. وهو الاب الثاني للبشر صلى الله عليه وسلم تسليما. يستفاد من هذه من قصة امور منها ان جميع الرسل من نوح الى محمد صلى الله عليه وسلم متفقون على الدعوة الى التوحيد الخالص والنهي عن الشرك. فنوح وغيره اول ما يقولون لقومهم اعبدوا الله ما لكم من اله غيره. ويكررون هذا اصلب طرق كثيرة. ومنها اداب الدعوة وتمامها. فان نوحا دعا قومه ليلا ونهارا. وسرا وجهارا. بكل وقت وقت وبكل حالة يظن فيها نجاح الدعوة. وانه رغبهم بالثواب العاجل وبالسلامة من العقاب. وبالتمتيع بالاموال والبنين وادرار الارزاق اذا امنوا. وبالثواب الاجل. وحذرهم من ضد ذلك. وصبر على هذا صبرا عظيما كغيره من الرسل فخاطبهم بالكلام الرقيق والشفقة. وبكل لفظ جاذب للقلوب محصل للمطلوب. واقام الايات وبين البراهين. ومنها ان الشبه التي قدح فيها اعداء الرسل برسالتهم من الادلة على ابطال قول المكذبين فان الاقوال التي قالوها ولم يكن عندهم غيرها ليس لها حظ من العلم والحقيقة عند كل عاقل. فقول قوم نوح ما نراك الا بشرا مثلنا. وما نراك اتبعك الا الذين هم اراذلنا بادي الرأي. وما نرى لكم علينا من بفضل بل نظنكم كاذبين. تأمل جملها تجدها تمويهات دالة على انهم مبطلون مكابرون للحقيقة قولهم ما نراك الا بشرا مثلنا فهل في كون الحق جاء على يد بشر شيء من الشبهة تدل على انه ليس حقوق هذا الكلام ان كل قول قاله البشر من اي مصدر يكون باطلا وهذا قدح منهم في جميع العلوم البشرية المستفادة من البشر. ومعلوم ان هذا يبطل العلوم كلها. فهل عند البشر علوم الا مستفيدها بعضهم من بعض وهي متفاوتة اعظمها واصدقها ما تلقاه الناس عن الرسل. الذين علومهم عن وحي الهي. وكذلك قولهم وما نرى لكم علينا من الفضل اي نحن وانتم بشر. وقد اجابت الرسل كلهم عن هذه المقالة فقالوا ان نحن الا بشر مثلكم لكن الله يمن على من يشاء من عباده. فمن الله على الرسل وخصهم بالوحي والرسالة. مع ان انكارهم عليه من هذه الجهة من اكبر الجهل واعظم القدح في نعمة الله. فان رحمة الله وحكمته اقتضت ان يكون الرسل من البشر يتمكن العباد من الاخذ عنهم. وتتيسر عليهم هذه النعمة. ويسهل الله لهم طرقها. فهؤلاء المكذبون كفروا باصل النعمة وبالطريق المستقيم النافع الذي جاءتهم به. وكذلك قولهم وما نراك اتبعك الا الذين هم اراذلنا من المعلوم لكل احد عاقل ان الحق يعرف انه حق بنفسه لا بمن تبعه. وان هذا القول الذي قالوا صدر عن كبر وتيه. والكبر اكبر مانع للعبد من معرفة الحق ومن اتباعه. وايضا قولهم اراذلنا ان ارادوا الفقر فالفقر ليس من العيوب. وان ارادوا اراذلنا في الاخلاق فهذا كذب معلوم بالبديهة. وانما الاراذل الذين قالوا هذه المقالة فهل الايمان بالله ورسله وطاعة الله ورسله والانقياد للحق والسلامة من كل خصلة ذميمة. هل هذا الوصف رذيلة واهله اراذل ام الرذيلة بضده من ترك افرض الفروض توحيد الله وشكره وحده وامتلاء القلب من التكبر على الحق وعلى الخلق. هذا والله ارذل الرذائل. ولكن القوم مباهتون. فما نقموا من هؤلاء الاخيار الا الا ان يؤمنوا بالله العزيز الحميد. وقولهم بادي الرأي اي مبادرة منهم الى الايمان بك يا نوح. لم يشاوروا ولم يتأنوا ويترووا. لو فرض ان هذا حقيقة فهذا من ادلة الحق. فان الحق عليه من البراهين والنور الدلالة والبهاء والصدق والطمأنينة ما لا يحتاج الى مشاورة احد باتباعه. وانما التي تحتاج الى مشاورة هي الامور خفية التي لا تعلم حقيقتها ولا منفعتها. اما الايمان الذي هو اجل من الشمس في نورها واحلى من كل شيء. فما تأخر عنه الا كل متكبر جبار. امثال هؤلاء الطغاة البغاة. وقولهم وما نرى لكم علينا من فضل في هذا الكلام شيء من الانصاف بوجهه. لانهم يخبرون عن انفسهم. وكلامهم يحتمل انه الذي في قلوبهم. ويحتمل انهم يقولون ما لا يعتقدون. وعلى كلا الامرين فالحق يجب قبوله. سواء اقاله الفاضل ام المفضول. الحق اعلى من كل شيء. وكذلك قولهم بل نظنكم كاذبين. معلوم ان الظن اكذب الحديث. ثم لو قالوا بل نعلمكم كاذبين. فهذا كل مبطل يقدر ان يقولها. ولكن باي شيء استدللتم انهم كاذبون؟ فهذه ادلتهم وبراهينهم فاستبشروا وقالوا هذا عارض ممطرنا. قال الله بل هو ما استعجلتم به بقولكم فاتنا بما تعدنا ان كنت من الصادقين ريح فيها عذاب اليم. تدمر كل شيء. تمر عليه. سخرها الله سبع ليال نفسها بنفسها كما ترى. فكيف وقد قابلها الرسل بالادلة والبراهين المتنوعة؟ التي لا تبقي ريبا لاحد في بطلانه منها ومنها ان من فضائل الانبياء وادلة رسالتهم اخلاصهم التام لله تعالى في عبوديتهم لله القاصرة وفي عبوديتهم المتعدية لنفع الخلق كالدعوة والتعليم وتوابع ذلك. ولذلك يبدون ذلك ويعيدونه على اسماعه قومهم كل منهم يقول ويا قومي لا اسألكم عليه مالا. ان اجري الا على الله. ولهذا كان من اجل لاتباع الرسل ان يكونوا مقتدين بالرسل في هذه الفضيلة. والله تعالى يجعل لهم من فضله من رفعة الدنيا والاخرة اعظم مما يتنافس فيه طلاب الدنيا. ومنها ان القدح في نيات المؤمنين. وفيما من الله عليهم به من الفضائل والتألي على الله انه لا يؤتيهم من فضله من مواريث اعداء الرسل. فلهذا قال نوح لقومه حين تألوا على الله وتوسلوا في ذم المؤمنين به بذلك. فقال ولا اقول للذين تزدري اعينكم لن يؤتيهم الله خيرا الله اعلم بما في انفسهم. ومنها انه ينبغي الاستعانة بالله. وان يذكر اسمه عند الركوب والنزول. وفي التقلبات والحركات. وحمد الله والاكثار من ذكره عند النعم. لا سيما النجاة من الكربات والمشقات. كما قال تعال وقال اركبوا فيها بسم الله مجريها ومرساها. وقال فاذا استويت انت ومن معك على الفلك فقل الحمد لله الذي نجانا من القوم الظالمين. وانه ينبغي ايضا الدعاء بالبركة في نزول المنازل العارضة. كالمنازل في اقامات السفر وغيره والمنازل المستقرة كالمساكن والدور. لقوله وقل رب انزلني منزلا مباركا وانت خير المنزلين. وفي ذلك كله من استصحاب ذكر الله. ومن القوة على الحركات والسكنات. ومن قوة الثقة بالله ومن بركة الله التي هي خير ما صحبت العبد. في احواله كلها. ما لا غنى للعبد عنه طرفة عين. ومنها ان تقوى الله والقيام بواجبات الايمان من جملة الاسباب التي تنال بها الدنيا وكثرة الاولاد والرزق وقوة الابدان. وان كان لذلك ايضا اسباب اخر وهي السبب الوحيد الذي ليس هناك سبب سواه في نيل خير الدنيا والاخرة والسلامة من عقابها. ومنها ان ان النجاة من العقوبات العامة الدنيوية هي للمؤمنين. وهم الرسل واتباعهم. واما العقوبات الدنيوية العامة فانها اختص بالمجرمين. ويتبعهم توابعهم من ذرية وحيوان. وان لم يكن لها ذنوب. لان الوقائع التي اوقعها الله باصناف المكذبين شملت الاطفال والبهائم. فاما ما يذكر في بعض الاسرائيليات ان قوم نوح او غيرهم لما اراد الله اهلاكهم اعقم الارحام حتى لا يتبعهم في العقوبة اطفالهم فهذا ليس له اصل. وهو مناف للامر المعلوم وذلك مصداق لقوله تعالى واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة قصة هود عليه السلام. بعث الله هودا عليه السلام الى قومه عادا الاولى. المقيمين بالاحقاف من رماله حضرموت لما كثر شرهم وتجبروا على عباد الله وقالوا من اشد منا قوة مع شركهم بالله وتكذيبهم لرسل الله ارسله الله اليهم يدعوهم الى عبادة الله وحده. وينهاهم عن الشرك والتجبر على العباد. ويدعوهم بكل وسيلة ويذكرهم ما انعم الله عليهم به من خير الدنيا والبسطة في الرزق والقوة. فردوا دعوته وتكبروا عن اجابته وقالوا يهود جئتنا ببينة وهم كاذبون في هذا الزعم فانه ما من نبي الا اعطاه الله من الايات ما على مثله يؤمن البشر. ولو لم تكن من ايات الرسل الا نفس الدين الذي جاءوا به اكبر دليل انه من عند الله. لاحكامه وانتظامه للمصالح في كل زمان بحسبه وصدق اخباره. وامره بكل خير ونهيه عن كل شر. وان كل رسول يصدق من قبله ويشهد له ويصدقه ومن بعده ويشهد له. ومن ايات هود الخاصة انه متفرد وحده في دعوته وتسفيه احلامهم وتضليلهم. والقدر في الهتهم وهم اهل البطش والقوة والجبروت. وقد خوفوه بالهتهم ان لم ينتهي ان تمسه بجنون او سوء. فتحداه انهم علنا. وقال لهم جهارا اني اشهد الله واشهدوا باني بريء مما تشركون. من دونه دوني جميعا ثم لا تنظرون. اني توكلت على الله ربي وربكم. ما من داب الا هو اخذ بناصيتها. ان ربي على صراط مستقيم. فلم يصلوا اليه بسوء. فاي اية اعظم من هذا التحدي لهؤلاء الاعداء. الحريصين على ابطال دعوته بكل طريق. فلما انتهى طغيانهم تولى عنهم وحذرهم نزول العذاب. فجاءهم العذاب معترضا في الافق. وكان الوقت وقت شدة عظيمة. وحاجة شديدة الى المطر ثمانية ايام حسوما. فترى القوم فيها صرعى. كانهم اعجاز نخل خاوية. فاصبحوا لا يرى الا مساكنهم كذلك نجزي القوم المجرمين. فبعدما كانت الدنيا لهم ضاحكة. والعز بليغ. ومطالب الحياة متوفرة وقد خضع لهم من حولهم من الاقطار والقبائل. اذ ارسل الله اليهم ريحا صرصرا في ايام نحسات. لنذيقهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا والعذاب الاخرة اخزى وهم لا ينصرون. واتبعوا في هذه الدنيا لعنة ويوم يوم القيامة الا ان عادا كفروا ربهم الا بعدا لعاد قوم هود. ونجى الله هود ومن معه من مؤمنين ان في ذلك لاية على كمال قدرة الله واكرامه الرسل واتباعهم ونصرهم في الحياة الدنيا ويوم الاشهاد واية على ابطال الشرك. وان عواقبه شر العواقب واشنعها. واية على البعث والنشور. فوائد من هذه القصة فيها ما تقدم من قصة نوح من الفوائد المشتركة بين الرسل. ومنها ان الله بحكمته يقص علينا نبأ الامم المجاورين لنا في جزيرة العرب وما حولها. لان القرآن يذكر اعلى الطرق في التذكير. والله تعالى صرف فيه التذكيرات تصريفا نافعا ولا ريب ان الاقطار النائية عنا في مشارق الارض ومغاربها قد بعث الله اليهم رسلا ولهم لهم نظير ما للمذكورين من اجابة ورد واكرام وعقوبة. وما من امة الا بعث الله فيهم رسولا. ولكن نفعل انا بتذكيرنا بما حولنا وما نتناقله جيلا بعد جيل. بل نشاهد اثارهم ونمر بديارهم كل وقت ونفهم لغاتهم وطبائعهم اقرب الى طبائعنا. لا ريب ان نفع هذا عظيم وانه اولى من تذكيرنا بامم لم نسمع لهم بذكر ولا خبر ولا نعرف لغاتهم. ولا تتصل الينا اخبارهم بما يطابق ما يخبرنا الله به. فيؤخذ من هذا ان تذكير الناس بما هو اقرب الى عقولهم وانسب لاحوالهم. وادخل على مداركهم وانفع لهم من غيره. او لا من التذكيرات بطرق اخرى وان كانت حقا. لكن الحق يتفاوت. والمذكر والمعلم اذا سلك هذا الطريق واجتهد في ايصال العلم والخبر الى الناس بالوسائل التي يفهمونها. ولا ينفرون منها او تكون اقرب لاقامة الحجة عليهم ارتفع وانتفع. واشار الباري الى هذا في اخر قصة عاد فقال ولقد اهلكنا ما حولكم من القرى وصرفنا الايات اي نوعناها بكل فن ونوع لعلهم يرجعون. اي ليكون اقرب لحصول الفائدة. ومنها ان اتخاذ المباني فخمة للفخر والخيلاء والزينة وقهر العباد بالجبروت من الامور المذمومة الموروثة عن الامم الطاغية. كما قال الله في عاد وانكار هود عليهم قال اتبنون بكل ريع اية تعبثون؟ وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون. وبالجملة فالبنايات للقصور والحصون والدور وغيرها من الابنية. اما ان تتخذ مساكن للحاجة اليها والحاجات تتنوع وتختلف. فهذا النوع من الامور المباحة. وقد يتوسل به بالنية الصالحة الى الخير. واما ان تكون البناية حصونا واقية لشرور الاعداء. وشهورا تحفظ بها البلاد ونحوها مما ينفع المسلمين. ويقيهم الشر. فهذا النوع يدخل في الجهاد في سبيل الله. وهو داخل في الامر باتخاذ الحذر من الاعداء. واما ان يكون للفخر والخيلاء والباطن بعباد الله وتبذير الاموال التي يتعين صرفها في طرق نافعة. فهذا النوع هو المذموم الذي انكره الله على عاد وغيرهم. ومنها ان العقول والاذهان والذكاء وما يتبع ذلك من القوة المادية. وما يترتب عليها من النتائج والاثار وان عظمت وبلغت مبلغا هائلا فانها لا تنفع صاحبها الا اذا قارنها الايمان بالله ورسله. واما الجاحد لايات المكذب لرسل الله فانه وان استدرج في الحياة وامهل فان عاقبته وخيمة. وسمعه وبصره وعقله لا تغني عنه شيئا اذا جاء امر الله كما قال الله عن عاد ولقد مكناهم فيما ان مكناكم فيه لهم سمعا وابصارا وافئدة. فما اغنى عنهم سمعهم ولا ابصارهم. ولا افئدتهم من شيء وتتبيب قصة صالح عليه السلام. كان الثمود وهي عاد الثانية يسكنون في الحجر وما حولها. وكانوا اهل كثيرة واهل حروف وزروع. وتواصلت عليهم النعم. فكانوا يتخذون من السهول قصورا مزخرفة. ومن الجبال بيوتا منحوتة متقنة. فبطروا النعم وكفروها. وعبدوا غير الله. فارسل الله اليهم اخاهم صالحا من قبيلتهم يعرفون نسبه وحسبه. وفضله وكماله وصدقه وامانته. فدعاهم الى الله والى اخلاص الدين لله. وترك فيما كانوا يعبدون من دونه وذكرهم بنعم الله. وبايامه بالامم المجاورة لهم. فلم يتبعه الا القليل نذكرهم واقام الادلة والبراهين على وجوب توحيد الله. اشمئزوا ونفروا واستكبروا وقالوا يا صالح قد كنت في مرجو قبل هذا اي قد كنا قد تخايلنا فيك انك تفضلنا جميعا بكمالك وكمال اخلاقك وادابك الطيبة. وهذا اعتراف منهم له بهذه الامور. قبل ان يقول ما قال فما نزله عن هذه المرتبة عند الا انه دعاهم الى عبادة الخالق من عبادة العبيد. والى السعادة الابدية. وما ذنبه؟ الا انه خالف ابى جاءهم الضالين. وهم كانوا اضل منهم. ثم اقام لهم بينة عظيمة. واية وبرهانا ونعمة على القبيلة باسرها. فقال هذه ناقة الله لا يشبهها شيء من النوق في ذاتها وشرفها. ومنافعها اية على صدق وعلى سعة رحمة ربكم. فذروها تأكل في ارض الله. على الله رزقها ولكم تلد الماء يوما فتلد القبيلة باسرها على ضرعها. كل يصدر عن ضرعها قد ملأ انيته. ثم تريدون انتم في اليوم الثاني فمكثت على هذا ما شاء الله. وكان في مدينتهم تسعة رهط من شياطينهم. قد قاوموا ما جاء به صالح اشد المقاومة يصدون عن سبيل الله ويفسدون في الارض ولا يصلحون. وكان صالح قد حذرهم من عقر الناقة لما رأى من كبرهم وردهم الحق فاول ما فعل اولئك الملأ الاشرار انعقدوا مجلسا عاما ليتفقوا على عقد الناقة فاتفقوا فانتدب لذلك اشقى القبيلة. ولهذا قال الله تعالى اذ انبعث اشقاها. اي بعد اتفاقهم وندبهم اياه بعثوه لذلك. فانبعث واستعد وتكفل لهم بعقرها. وهم جميعا راضون بل امرون فعقروها. فكان هذا العقر مؤذنا بهلاك القبيلة باسرها. فلما شعر صالح بالامر ورأى منظرا فظيعا. علم ان العذاب قد تحتم لا حالة لان الجريمة قد تفاقمت ولم يبق حالة يرجى فيها لهم تقويم. فقال لهم صالح تمتعوا في داركم ثلاثة ايام ذلك وعد غير مكذوب. ونبه بهذا الكلام دانيهم وقاصيهم. ففي اثناء هذه المدة اتفق هؤلاء الرهط التسعة على امر اغلظ من عقر الناقة على قتل نبيهم صالح. وتعاهدوا وتعاقدوا وحلفوا الايمان المغلظة وكتموا امرهم خشية من منع اهل بيته. لانه في بيت عز وشرف. وقالوا لنبيتنه واهله ثم اذا ظلم بنا اننا قد قتلناه حلفنا لاوليائه اننا ما شهدنا مهلك اهله وانا لصادقون. فدبروا هذا المكر العظيم ولكنهم يمكرون ويمكر الله لنبيه صالح. فحين كمنوا في اصل جبل لينظروا الفرصة في صالح بدأ الله بعقوبة فكانوا سلفا مقدما لقومهم الى نار جهنم. فارسل الله صخرة من اعلى الجبل فشدختهم وقتلوا اشنع قتلة ثم لما تمت ثلاثة هذه الايام جاءتهم صيحة من فوقهم. ورجفة من اسفل منهم. فاصبحوا خامدين ونجى الله صالحا ومن معه من المؤمنين. وتولى عنهم وقال يا قومي لقد ابلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحين. فوائد تتعلق بهذه القصة. منها ان جميع الانبياء دعوتهم واحدة وان من كذب واحدا منهم فقد كذب الجميع. لانه لا يكذب الحق الذي جاء به كل واحد منهم. ولهذا يقول فيكم قصة كذبت قوم نوح المرسلين. كذبت عاد المرسلين. كذبت ثمود المرسلين. ومنها ان عقوبات الله للامم الطاغية عند تناهي طغيانها وتفاقم جرائمها. فكفرهم وتكذيبهم موجب للهلاك ولكن تحتم الاهلاك عند تناهي الشرور. ولهذا ارجى ما يكون لوقوع العقوبة بالظالمين المجرمين عند تناهي اجرامهم. لان الله تعالى بالمرصاد فيمهل ثم يمهل حتى اذا اخذهم اخذهم اخذ عزيز مقتدر منها ان العقائد الباطلة الراسخة المأخوذة عمن يحسن بهم الظن من اباء او غيرهم من اكبر الموانع لقبول الحق والحال انها ليست في العير ولا في النفير. ولا لها مقام في الحجج الصحيحة الدالة على الحقائق. فلهذا اكبر ما رد به قوم صالح لدعوته ان قالوا اتنهانا ان نعبد ما يعبد اباؤنا؟ وقالت جميع الامم المكذبة رادين لدعوة الرسل انا وجدنا اباءنا على امة وانا على اثارهم مقتدون. وهذا سبيل لا يزال معمورا سالكين من اهل الباطل نهجته الشياطين ليصدوا به العباد عن سبيل الله. ومن المعلوم ان طريق الرسل هي طريق الهدى والحق. فماذا بعد الحق الا الضلال؟ قصة ابراهيم خليل الرحمن عليه السلام. قد ذكر الله في كتابه كثيرة واخبارا كثيرة من سيرة ابراهيم. فيها لنا الاسوة بالانبياء عموما. وبه على وجه الخصوص. ان الله امرنا نبينا وامرنا باتباع ملته. وهي ما كان عليه من عقائد واخلاق واعمال قاصرة ومتعدية. فقد اتاه الله رشده وعلمه الحكمة منذ كان صغيرا. واراه ملكوت السماوات والارض. ولهذا كان اعظم الناس يقينا وعلما وقوة في الله ورحمته بالعباد. وكان قد بعثه الله الى قوم مشركين. يعبدون الشمس والقمر والنجوم. وهم فلاسفة الصابرون الذين هم اخبث الطوائف واعظمها ضررا على الخلق. فدعاهم بطرق شتى. فاول ذلك دعاهم بطريقة لا يمكن صاحب عقل ان ينفر منها. ولما كانوا يعبدون السبع السيارات التي منها الشمس والقمر وقد بنوا لها البيوت سموها الهياكل قال لهم ناظرا ومناظرا هلم يا قوم ننظر هل يستحق منها شيء الالهية والربوبية؟ فلما فجن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربي. والمناظرة تخالف غيرها في امور كثيرة. منها ان المناظر يقول الشيء الذي لا يعتقده يبني عليه حجته وليقيم الحجة على خصمه. كما قال في تكسيره الاصنام لما قالوا له اانت فعلت هذا بالهتنا يا ابراهيم؟ فاشار الى الصنم الذي لم يكسره. فقال بل فعله كبيرهم هذا ومعلوم ان غرضه الزامهم بالحجة وقد حصلت. فهنا يسهل علينا فهم معنى قوله هذا ربي. اي ان كان يستحق الالهية بعد النظر في حالته ووصفه فهو ربي. مع انه يعلم العلم اليقيني انه لا يستحق من الربوبية والالهية مثقال ذرة. ولكن اراد ان يلزمهم بالحجة. فلما افل اي غاب قال لا احب الافلين. فان من كان له حال وجود وعدم او حال حضور وغيبة قد علم كل عاقل انه ليس بكامل فلا يكون الها. ثم انتقل الى القمر فلما رآه بازغا قال هذا ربي. فلما افل قال لان لم يهدني ربي لاكونن من القوم الضالين. يريهم صلوات الله وسلامه عليه. وقد صور نفسه بصورة الموافق لهم. لكن على وجه التقليد بل يقصد اقامة البرهان على الهية النجوم والقمر. فالان وقد افلت وتبين بالبرهان العقلي مع السمعي الهيتها. فانا الى الان لم يستقر لي قرار على رب واله عظيم. فلما رأى الشمس بازغة قال هذا اكبر من النجوم ومن القمر فان جرى عليها ما جرى عليهما كانت مثلهما. فلما افلت وقد تقرر عند الجميع فيما سبق ان عبادة من يأفل من ابطل الباطل فحين اذ الزمهم بهذا الالزام ووجه عليهم الحجة فقال يا قومي اني بريء مما تشركون اني وجهت وجهي اي ظاهري وباطني. للذي فطر السماوات والارض حنيفا. وما انا من المشركين هذا برهان عقلي واضح. ان الخالق للعالم العلوي والسفلي هو الذي يتعين ان يقصد بالتوحيد والاخلاص. وان هذه الافلاك والكواكب وغيرها مخلوقات مدبرات. ليس لها من الاوصاف ما تستحق العبادة لاجلها. فجعلوا يخوفونه الهتهم ان تمسوا له بسوء. وهذا دليل على ان المشركين عندهم من الخيالات الفاسدة والاراء الرديئة ما يعتقدون ان الهتهم تنفع من عبد وتضر من تركها او قدح فيها. فقال لهم مبينا انه ليس عليه شيء من الخوف. وانما الخوف الحقيقي عليكم فقال وكيف اخاف ما اشركتم ولا تخافون انكم اشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانا. فاي الفريقين احق الامن ان كنتم تعلمون. فاجاب الله هذا الاستفهام جوابا يعم هذه القصة وغيرها في كل وقت. فقال الذين امنوا ولم يلبسوا ايمانهم بظلم. اي بشرك. اولئك لهم الامن وهم مهتدون. فرفع الله خليله ابراهيم بالعلم واقامة الحجة. وعجزوا عن نصر باطلهم. ولكنهم صمموا على الاقامة على ما هم عليه. ولم ينفع فيهم الوعظ والتذكير واقامة الحجج. فلم يزل يدعوهم الى الله وينهاهم عما كانوا يعبدون نهيا عاما وخاصا. واخص من دعاه ابوه ازر فانه دعاه بعدة طرق نافعة. ولكن ان الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون ولو جاءتهم كل اية حتى يروا العذاب الاليم. فمن جملة مقالاته لابيه يا ابتي لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا. يا ابتي اني قد جاءني من العلم ما لم يأتك. انظر الى حسن هذا الخطاب وبالجاذب للقلوب. لم يقل لابيه انك جاهل لان لا ينفر من الكلام الخشن. بل قال له هذا القول فاتبعني اهدني صراطا سويا. يا ابتي لا تعبد الشيطان ان الشيطان كان للرحمن عصيا. يا ابتي اني اخاف ان يمسك عذاب من الرحمن فتكون للشيطان وليا. فانتقل بدعوته من اسلوب لاخر لعله ينجح فيه او يفيد. ولكنه مع ذلك قال له ابوه اراغب انت عن الهتي يا ابراهيم؟ لان لم تنتهي لارجمنك واهجرني مليا. هذا وابراهيم لم يغضب. ولم يقابل اباه ببعض ما قال. بل قابل هذه الاساءة الكبرى بالاحسان. فقال قال سلام عليك. اي لا اتكلم معك الا بكلام طيب لا غلظة فيه ولا خشونة. ومع ذلك فلست بايس من هدايتك استغفر لك ربي انه كان بي حفيا. اي برا رحيما قد عودني لطفه واجراني على عوائده الجميلة ولم يزل لدعائي مجيبا. فلم يزل ابراهيم مع قومه في دعوة وجدال. وقد افحمهم وكسر جميع حججهم وشبههم فاراد صلى الله عليه وسلم ان يقاومهم باعظم الحجج. وان يصمد لبطشهم وجبروتهم وقدرتهم وقوتهم غير هائب ولا وجل. فلما خرجوا ذات يوم لعيد من اعيادهم وخرج معهم فنظر نظرة في النجوم. فقال اني سقيم انه خشي ان تخلف لغير هذه الوسيلة لم يدرك مطلوبه لانه تظاهر بعداوتها والنهي الاكيد عنها وجهاد اهلها فلما برزوا جميعا الى الصحراء كر راجعا الى بيت اصنامهم فجعلها جذاذا كلها. الا صنما كبيرا ابقى عليه. ليلزمهم بحجة فلما رجعوا من عيدهم بادروا الى اصنامهم صبابة ومحبة. فرأوا فيها افظع منظر رآه اهلها فقالوا من فعل هذا بالهتنا انه لمن الظالمين. قالوا سمعنا فتى يذكرهم اي يعيبها ويذكرها باوصاف النقص والسوء. يقال له ابراهيم فلما تحققوا انه الذي كسرها قالوا فاتوا به على اعين الناس لعلهم يشهدون. اي بحضرة الخلق العظيم. ووبخوه اشد ده التوبيخ ثم نكلوا به. وهذا الذي اراد ابراهيم يظهر الحق بمرأى الخلق ومسمعهم. فلما جمع الناس وحضروا وحضروا ابراهيم قالوا اانت فعلت هذا بالهتنا يا ابراهيم؟ قال بل فعله كبيرهم هذا. مشيرا الى الصنم الذي كلمة من تكسيره وهم في هذا بين امرين اما ان يعترفوا بالحق وان هذا لا يدخل عقل احد ان جمادا معروفا مصنوعا من مواد معروفة لا يمكن ان يفعل هذا الفعل واما ان يقولوا نعم هو الذي فعلها وانت سالم ناج من تبعتها. وقد بما انهم لا يقولون الاحتمال الاخير. قال فاسألوهم ان كانوا ينطقون. وهذا تعليق بالامر الذي يعترفون انه فحينئذ ظهر الحق وبان. واعترفوا هم بالحق. فرجعوا الى انفسهم فقالوا انكم انتم الظالمون ثم نكسوا على رؤوسهم اي ما كان اعترافهم ببطلان الهيتها الا وقتا قصيرا. ظهرت الحجة مباشرة التي لا يمكن مكابرتها. ولكن ما اسرع ما عادت عليهم عقائدهم الباطلة التي رسخت في قلوبهم صفات ملازمة ان وجد ما ينافيها فانه عارض يعرض ثم يزول. ثم نكسوا على رؤوسهم لقد علمت ما هؤلاء ينطقون. فحينئذ وبخهم بعد اقامة الحجة التي اعترف بها الخصوم على رؤوس الاشهاد. فقال لهم اعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئا ولا يضركم اف لكم ولما تعبدون من دون الله افلا تعقلون فلو كان لكم عقول صحيحة لم تقيموا على عبادة ما لا ينفع ولا يضر. ولا يدفع عن نفسه من يريده بسوء. فلما اعيته المقاومة بالبراهين والحجج عدلوا الى استعمال قوتهم وبطشهم وجبروتهم. في عقوبة ابراهيم فقالوا حرقوه وانصروا ان كنتم فاعلين. فاوقدوا نارا عظيمة جدا. فالقوه بها. وقال وهو في تلك الحال حسبي الله اه ونعم الوكيل. فقال الله للنار يا نار كوني بردا وسلاما على ابراهيم. فلم تضره بشيء وارادوا به كيدا لينصروا الهتهم. ويقيموا لها في قلوبهم وقلوب اتباعهم الخضوع والتعظيم. فكان مكرهم وبالا عليهم وكان انتصارهم لالهتهم نصرا عظيما عند الحاضرين والغائبين والموجودين والحادثين عليهم. وانتصر الخليل على الخواص والعوام والرؤساء والمرؤوسين. حتى ان ملكهم حاج ابراهيم في ربه بغيا وطغيانا. ان اتاه الله الله الملك. فقال ابراهيم ربي الذي يحيي ويميت. قال انا احيي واميت. فالزمه الخليل بطرد دليله بالتصرف المطلق فقال فان الله يأتي بالشمس من المشرق. فات بها من المغرب فبهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين ظالمين فصل. ثم خرج من بين اظهرهم مهاجرا وزوجته وابن اخيه لوط. الى الديار الشامية. وفي اثناء مدة اقامته بالشام ذهب الى مصر بزوجته سارة. وكانت احسن امرأة على الاطلاق. فلما رآها ملك مصر وكان جبارا عنيدا لم يملك نفسه حتى ارادها على نفسها. فدعت الله عليه فكاد ان يموت ثم اطلق ثم عاد ثانية وكلما اراد ارادها دعت عليه فصرع ثم دعت عليه فاطلق فكفاها الله شره. ووهب لها هاجر جارية قبطية. وكانت عاقرا منذ كانت شابة فوهبت هذه الجارية لابراهيم ليتسررها لعل الله يرزقه منها ولدا. فاتتهاجر اسماعيل على كبر ابراهيم. ففرح به فرحا شديدا. وكانت سارة رضي الله عنها ادركتها الغيرة. فحلفت الا يساكنها انها بها. وذلك لما يريده الله. وهذا من جملة الاسباب لذهابه بها الى موضع البيت الحرام. والا فهو متقرر عنده ذلك صلى الله عليه وسلم. فذهب بها وبابنها اسماعيل الى مكة. وهي في ذلك الوقت ليس فيها ساكن ولا مسكن ولا ماء ولا زرع ولا غيره وزودها بسقاء فيه ماء. وجراب فيه تمر. ووضعهما عند دوحة قريبة من محل بئر زمزم. ثم قفى عنهما فلما كان في الثنية بحيث يشرف عليهما دعا الله تعالى فقال ربنا اني اسكنت من ذريتي غير ذي زرع عند بيتك المحرم. ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل افئدة من الناس تهوي اليك وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون. الى اخر الدعاء. ثم استسلمت لامر الله وجعلت تأكل من ذلك التمر وتشرب من ذلك الماء حتى نفد. فعطشت ثم عطش ولدها فجعل يتلوى من العطش. ثم ذهبت في تلك الحال لعلها ترى احد او تجد مغيثا فصعدت ادنى جبل منها وهو الصفا. فتطلعت فلم ترى احدا. ثم ذهبت الى المروة فصعدت عليه. فتطلعت فلم ترى احدا. ثم جعلت تتردد في ذلك الموضع وهي مكروبة مضطرة. مستغيثة بالله لها ولابنها. وهي تمشي وتلتفت اليه خشية السباع عليه. فاذا هبطت الوادي سعت حتى تصعد من جانبه الاخر. لان لا يخفى على بصرها ابنها. والفرج مع الكرب حرب والعسر يتبعه اليسر. فلما تمت سبع مرات تسمعت حس الملك. فبحث في الموضع الذي فيه زمزم فنبع الماء ففرح ام اسماعيل به فشربت منه وارضعت ولدها. وحمدت الله على هذه النعمة الكبرى. وحوطت على الماء لئلا يسيح قال النبي صلى الله عليه وسلم رحم الله ام اسماعيل لو تركت ماء زمزم اي لم تحوطه لكانت زمزم عينا معينا ثم عثر بها قبيلة من قبائل العرب يقال لهم جرهم. فنزلوا عندها وتمت عليهم النعمة. وشب اسماعيل شبابا حسنا واعجب القبيلة باخلاقه وعلو همته وكماله. فلما بلغ تزوج منهم امرأة ففي اثناء هذه المدة ماتت امه رضي الله عنها. وجاء ابراهيم بغيبة اسماعيل يتصيد. فدخل على امرأته فسألها عن زوجها وعن عيشهم. فاخبرته ان زوجها فقد ذهب يتصيد. وان عيشهم عيش الشدة. فقال لها اذا جاء زوجك فاقرئيه مني السلام. وقولي له يغير عتبك ورجع من ثوره لحكمة ارادها الله. فلما جاء اسماعيل كانه انس شيئا. فسأل امرأته فاخبرته انه جاءهم شيء بهذا الوصف وانه سأل عنك فاخبرته. وسألنا عن عيشنا فاخبرته اننا في شدة وانه يقرأ عليك السلام. ويقول لك غير عتبة بابك. فقال ذاك ابي وانت العتبة. الحقي باهلك. ثم تزوج اسماعيل غيرها. ثم جاء ابراهيم مرة اخرى واسماعيل ايضا في الصيد. فدخل على امرأته فسألها عن اسماعيل فاخبرته. وسألها عن عيشهم. فاخبرته انهم في وخير. وكانت امرأة طيبة شاكرة لله. وشاكرة لزوجها. ثم قال لها اذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلام قولي له يثبت عتبة بابه. ثم رجع ايضا من فوره قبل مواجهة اسماعيل لحكمة ارادها الله تعالى. فلما رجع اسماعيل من صيده قال هل جاءكم من احد؟ فقالت جاءنا شيخ بهذا الوصف. فقالت سألنا عنك فاخبرته. وسألنا عن عيشنا انى في نعمة واثنيت على الله. فقال فما قال؟ قال هو يقرأ عليك السلام. ويأمرك ان تثبت عتبة بابك. فقال ذلك ابي وانت العتبة امرني ان امسكك. ثم عاد ابراهيم المرة الثالثة فوجد اسماعيل يجري نبلا عند زمزم. فلما رآه قام اليه فصنع كما يصنع الوالد الشفيق والولد الشفيق. فقال يا اسماعيل ان الله امرني ان ابني ها هنا بيتا يكون معبدا للخلق الى يوم القيامة. قال ساعينك على ذلك. فجعلا يرفعان القواعد من البيت. ابراهيم يبني واسماعيل ينادي الحجارة وهما يقولان ربنا تقبل منا انك انت السميع العليم. ربنا واجعلنا مسلمين لك من ذريتنا امة مسلمة لك. وارنا مناسكنا وتب علينا انك انت التواب الرحيم. ربنا وضعت فيهم رسولا منهم يتلو عليهم اياتك. ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم. انك انت العزيز الحكيم فلما تم بنيانه وتم للخليل هذا الاثر الجليل امره الله ان يدعو الناس ويؤذن فيهم بحج هذا البيت فجعل يدعو الناس وهم يفدون الى هذا البيت من كل فج عميق. يشهدوا منافع دنياهم واخراهم. ويسعدوا ويزول عنهم شقاؤهم. وفي هذه الاثناء حين تمكن حب اسماعيل من قلبه. واراد الله ان يمتحن ابراهيم لتقديم محبة ربه وخلته التي لا تقبل المشاركة والمزاحمة. فامره في المنام ان يذبح اسماعيل. ورؤيا الانبياء وحي من الله. فقال اسماعيل اني ارى في المنام اني اذبحك. فانظر ماذا ترى. قال يا ابتي افعل ما تؤمر. ستجدني ان يا الله من الصابرين. فلما اسلما اي خضع لامر الله وانقاد لامره ووطنا انفسهما على هذا الامر المزعج الذي لا تكاد النفوس تصبر على عشر معشاره. وتلهو للجبين. نزل الفرج من الرحمن الرحيم. وناديناه ان يا ابراهيم قد صدقت الرؤيا فحصل توطين النفس على هذه المحنة والبلوة الشاقة المزعجة. وحصلت المقدمات والجزم المصمم وتم لهما الاجر والثواب. وحصل لهما الشرف والقرب والزلفة من الله. وما ذلك من الطاف الرب بعزيز. قال تعالى انا كذلك نجزي المحسنين. ان هذا لهو البلاء المبين. وفديناه بذبح عظيم واي ذبح اعظم من كونه حصل به مقصود هذه العبادة التي لا يشبهها عبادة. وصار سنة في عقبه الى يوم القيامة يتقرب به الى الله ويدرك به ثوابه ورضاه. وتركنا عليهم في الاخرين. سلام على ابراهيم فصل ثمان الله اتم النعمة على ابراهيم ورحم زوجته سارة على الكبر والعقم واليأس. بالبشارة بالابن وهو اسحاق. ومن وراء اسحاق يعقوب. فحين ارسل الله لوطا الى قومه وتمردوا عليه. وحطم الله عقوبتهم. وكان صلى الله عليه وسلم تلميذا لابراهيم. ولابراهيم عليه حقوق كثيرة. فمرت الملائكة الذين ارسلوا لاهلاك قوم لوط بابراهيم بسورة ادميين. فلما دخلوا عليه وسلموا رد عليهم السلام وبادرهم بالضيافة. وكان الله قد الله الرزق الواسع والكرم العظيم. وكان بيته مأوى للأضياف. فبالحال راغ الى اهله بسرعة وخفية منهم. فجاء بعجل مين المحنوز مشوي على الردف فقربه اليهم فقال الا تأكلون؟ فلما رأى ايديهم لا تصل اليه نكرهم واوجسهم منهم خيفة. اذ ظن انهم لصوص. قالوا لا تخف انا ارسلنا الى قوم لوط. وكانت سارة قائمة في خدمتهم بشروه بغلام عليم. فصرخت سارة وصكت وجهها متعجبة ومستبشرة ومترددة ومتحيرة. فقالت االد وانا عجوز. وقبل ذلك كنت عقيما. وهذا بعلي شيخا. ان هذا لشيء عجيب. قالوا اتعجبين من امر الله؟ رحمة الله وبركاته عليكم اهل البيت. انه حميد مجيد. فبشروهما باسحاق وانه يعيش ويولد له يعقوب ويدركانه. ولهذا حمد الله ابراهيم على تمام نعمته. وقال الحمدلله الذي وهب لي على الكبر اسماعيل واسحاق ان ربي لسميع الدعاء. فصل فيما في قصة الخليل من الفوائد. ليعلم ان جميع ما قصه الله علينا من سيرة ابراهيم الخليل صلى الله عليه وسلم فاننا مأمورون به امرا خاصا. قال تعالى ملة ابيكم ابراهيم اي الزموها ثم اوحينا اليك ان اتبع ملة ابراهيم حنيفا. قد كانت لكم اسوة حسنة في ابراهيم والذين معه اذ قالوا لقومهم الاية فما هو عليه في التوحيد والاصول والعقائد والاخلاق وجميع ما قص علينا من نبأه فان اتباعنا اياه من ديننا. ولهذا لما كان هذا امرا عاما لاحواله كلها استثنى الله حالة من احواله فقال الا قول ابراهيم لابيه لاستغفرن لك. اي فلا تقتدوا به في هذه الحال بالاستغفار للمشركين فان استغفار ابراهيم لابيه انما كان عن موعدة وعدها اياه. فلما تبين له انه عدو لله تبرأ منه ومنها ان الله اتخذه خليلا. والخلة اعلى درجات المحبة. وهذه المرتبة لم تحصل لاحد من الخلق الا للخليلين ابراهيم ومحمد صلى الله عليهما وسلم. ومنها ما اكرمه الله به من الكرامات المتنوعة. جعل في ذريته النبوة والكتاب واخرج من صلبه امتين هما افضل الامم. العرب وبنو اسرائيل واختاره الله لبناء بيته. الذي هو اشرف واول بيت وضع للناس ووهب له الاولاد بعد الكبر واليأس. ملأ بذكره ما بين الخافقين. وامتلأت قلوب الخلق من محبته والسنتهم من الثناء عليه. ومنها ان الله رفعه بالعلم واليقين وقوة الحجج. قال جل ذكره وكذلك نريد ابراهيم ملكوت السماوات والارض. وليكون من الموقنين. وقال وتلك حجتنا اتيناها ابراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء. ان ربك حكيم عليم. ومن شوقه الى الوصول الى غاية العلم ونهايته ان سأل ربه رب ارني كيف تحيي الموتى؟ قال او لم تؤمن؟ قال بلى ولكن ليطمئن قلبي. قال فخذ اربعة من الطير. فصرهن اليك. ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا. ثم ادعهن يأتينك سعيا واعلم ان الله عزيز حكيم. ومنها ان من عزم على فعل الطاعات وبذل مقدوره في اسبابها. ثم حصل مانع امنع من اكمالها ان اجره قد وجب على الله. كما قال الله ذلك في المهاجر الذي يموت قبل ان يصل الى مهاجره. وكما الله في قصة الذبح. وان الله اتم الاجر لابراهيم واسماعيل حين اسلما لله واذعنا لامره. ثم رفع عنهما المشقة واوجب لهما الاجر الدنيوي والاخروي. ومنها ما في قصصه من اداب المناظرة وطرقها ومسالكها النافعة. وكيفية الخصم بالطرق الواضحة. التي يعترف بها اهل العقول. والجاؤه الخصم الالد الى الاعتراف ببطلان مذهبه. واقامة الحجب على المعاندين وارشاد المسترشدين. ومنها ان من نعمة الله على العبد هبة الاولاد الصالحين. وان عليه في ذلك ان يحمد الله ويدعو الله لذريته كما فعل الخليل صلى الله عليه وسلم في قوله الحمدلله الذي وهب لي على الكبر اسماعيل واسحاق الى اخر الدعاء. وقال جل ذكره في الثناء عموما على من يدعو الله بصلاح ذريته. حتى اذا بلغ اشده وبلغ اربعين سنة. قال رب اوزعني ان اشكر نعمتك التي انعمت علي وعلى والدي. وان اعمل صالحا ترضاه واصلح لي في ذريتي اني تبت اليك واني من المسلمين. فان العبد اذا مات انقطع عمله الا من ثلاث صدقة جارية او علم ينتفع به. او ولد صالح يدعو له. ومنها ان المشاعر ومواضع الانساك من جملة الحكم فيها ان فيها تذكيرات بمقامات الخليل واهل بيته في عبادات ربهم. وايمان بالله ورسله وحث على الاقتداء بهم في كل احوالهم الدينية لقوله تعالى واتخذوا من مقام ابراهيم مصلى. ومنها ان الامر بتطهير المسجد للحرام من الانجاس ومن جميع المعاصي القولية والفعلية تعظيما لله واعانة وتنشيطا للمتعبدين فيه. ومثل بقية المساجد لقوله عز وجل طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود. وقال في بيوت ان اذن الله ان ترفع ويذكر فيها اسمه. ومنها ان افضل الوصايا على الاطلاق ما وصى به ابراهيم بنيه ويعقوب وهي الوصية بملازمة القيام بالدين وتقوى الله والاجتماع على ذلك. وهي وصيته تعالى للاولين والاخرين بها السعادة الابدية والسلامة من شرور الدنيا والاخرة. ومنها ان العامل كما عليه ان يتقن عمله ويجتهد في ايقاعه على اكمل الوجوه فعليه مع ذلك ان يكون بين الخوف والرجاء. وان يتضرع الى ربه في قبوله وتكميل نقصه. والعفو عما وقع فيه من خلل او نقص. كما كان ابراهيم واسماعيل يرفعان القواعد من البيت. وهما بهذا الوصف الكامل. ومنها الجمع بين الدعاء لله بمصالح الدنيا والدين. من سبيل انبياء الله وكذلك السعي في تحصيلهما الدين هو الاصل والمقصود الذي خلق له الخلق والدنيا وسيلة ومعونة عليه. لدعاء الخليل لاهل البيت الحرام بالامرين. وتعليله الدعاء بالامور دنيوية انه وسيلة الى الشكر. فقال وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون. ومنها ما اشتملت عليه قصة ابراهيم من مشروعية الضيافة وادابها. فان الله اخبر عن ضيفه انهم مكرمون. يعني انهم كرماء على الله وايضا ابراهيم اكرمهم بضيافته قولا وفعلا. فاكرام الضيف من الايمان. وانه خدمهم بنفسه وبادر وبضيافتهم قبل كل شيء. واتى باطيب ما له عجل حنيذ سمين. وقربه اليهم ولم يحوجهم الى الذهاب الى عمله من اخر وعرض عليهم الاكل بلفظ رقيق. فقال الا تأكلون ومنها مشروعية السلام. وان المبتدأ في هو الداخل وهو الماشي. وانه يجب رده ومشروعية الوقوف على اسم من يتصل بك من صاحب ومعامل وضيف. لقوله قوم منكرون. اي لا اعرفكم فاحب ان تعرفوني بانفسكم. وهذا الطف من قوله انكرتكم ونحوه. ومن الترغيب في ان يكون اهل الانسان ومن يتولى شئون بيته حازنين مستعدين لكل ما يرد منهم من الشؤون. والقيام بمهمته مات البيت فان ابراهيم في الحال بادر الى اهله فوجد طعام ضيوفه حاضرا لا يحوج الى تقديمه. ومنها ان اتيان الولد البشارة به من سارة وهي عجوز عقيم يعد معجزة لابراهيم وكرامة لسارة. ففيه معجزة نبي وكرامة ولي ونظيره بشارة الملائكة لمريم بعيسى. وبشارتهم بيحيى لزكريا وزوجته. وكون زكريا جعل الله اية المبشر به الا يكلم الناس ثلاثة ايام. وهو سوي لا افة فيه الا بالرمز والاشارة. وكل هذا وما اشبهه من ايات الله. واعجب من هذا ايجاده ادم من تراب. فسبحان من هو على كل شيء قدير. ومنها ثناء الله على يا ابراهيم انه اتى ربه بقلب سليم. وقد قال يوم لا ينفع مال ولا بنون الا من اتى الله بقلب سليم. والجامع لمعناه انه سليم من الشرور كلها. ومن اسبابها ملآن من الخير والبر والكرم سليم من الشبهات القادحة في العلم واليقين. ومن الشهوات الحائلة بين العبد وبين كماله. سليم من الكبر ومن الرياء والشقاق والنفاق وسوء الاخلاق. وسليم من الغل والحقد. ملآن بالتوحيد والايمان والتواضع للحق وللخلق والنصيحة للمسلمين والرغبة في عبودية الله وفي نفع عباد الله. ومنها ما ذكره في قصة نوح وابراهيم موسى وهارون والياس سلام على نوح في العالمين. سلام على ابراهيم. نتبعها بقوله انا كذلك نجزي المحسنين. فوعد الباري ان كل محسن في عبادته محسن الى عباده ان الله يجزيه الثناء الحسن والدعاء من العالمين بحسب احسانه. وهذا ثواب عاجل واجل. وهو من البشرى في الحياة الدنيا. ومن علامات السعادة. قصة لوط عليه السلام. وقصة لوط عليه السلام تبع لقصة ابراهيم. لانه تلميذه وقد تعلم تعلم من ابراهيم وكان له بمنزلة الابن. تنبأه الله بحياة الخليل. وارسله الى قرى سدوم من غور فلسطين وكانوا مع شركهم بالله يلوطون بالذكور. ولم يسبقهم احد الى هذه الفاحشة الشنعاء. فدعاهم الى عبادة الله واحدة وحذرهم من هذه الفاحشة. فلم يزدادوا الا عتوا وتماديا فيما هم فيه. ولما اراد الله هلاكهم الملائكة لذلك. فمروا بطريقهم على ابراهيم واخبروه بذلك. فجعل ابراهيم يجادل في اهلاكهم. وكان رحيما حليما. وقال ان فيها لوطا. قالوا نحن اعلم بمن فيها لننجينه واهله. فقيل يا ابراهيم واعرض عن هذا انه قد جاء امر ربك وانهم اتيهم عذاب غير مردود. ولما ذهب الملائكة الى لوط بصورة اضياف ادميين شباب سألوطا ذلك وضاق بهم ذرعا. وقال هذا يوم عصيب حلمه بما عليه قومه من هذه الجراءة الشنيعة ووقع ما خاف منه. فجاءه قومه يهرعون اليه يريدون فعل الفاحشة بأضياف لوط. فقال يا قومي هؤلاء بناتي هن اطهر لكم. لعلمه انه لا حق لهم فيهن. كما عرض سليمان للمرأة حين اختصمتا في الولد فقال ائتوني بالسكين اشقه بينكما. ومن المعلوم انه لا يقع ذلك. وهذا مثله ولهذا قال قومه لقد علمت ما لنا في بناتك من حق. وانك لتعلم ما نريد. وايضا يريد بعض العذر من اضياف وعلى هذا التأويل لا حاجة الى العدول الى قول بعض المفسرين هؤلاء بناتي يعني زوجاتهم يعني لان النبي اب لامته فان هذا يمنعه امران. احدهما قوله هؤلاء بناتي يشير اليهن اشارة الحاضر. ثانيا هذا يطلق على زوجاتهم لا نظير له. وايضا النبي انما هو بمنزلة الاب للمؤمنين به لا للكفار. والمحظور الذي توهموه يزول بما ذكرنا وانه يعلم انه لا حق لهم فيهن. وانما يريد مدافعتهم بكل طريق. فاشتد الامر بلوط وقال لو ان لي بكم قوة او اوي الى ركن شديد. اي لدافعتكم. فلما رآهم جازمين على مرادهم الخبيث قال لقومه فاتقوا الله ولا تخزوني في ضيفي. اليس منكم رجل رشيد؟ فاستجلوا في وسكرهم. فحينئذ اخبرتهم ملائكة الرحمن بامرهم. وانهم ارسلوا لاهلاكهم. فصدم جبريل او غيرهم من الملائكة الذين يعالجون الباب ليدخلوا على لوط. فطمس بهذه الصدمة اعينهم. فكان هذا عذابا معجلا وانموذجا لمن باشروا مراودة لوط على اضيافه. وامروا لوطا ان يسري باول الليل باهله. ويلح في السير. حتى لا يخلف ديارهم وينجو من معرة العذاب. فخرج بهم فما اصبح الصباح حتى خلفوا ديارهم. وقلب الله اليهم ديارهم فجعل اعلاها اسفلها. وامطر عليهم حجارة من سجيل منضود. مسومة عند ربك وما هي من الظالمين الذين يعملون عملهم ببعيد. وفي هذه القصة اكبر دليل على ان فاحشة اللواط اشنع القبائح وانها توجب العقاب الشديد. وان من ابتلي بهذه الفاحشة فمع ذهاب دينه قد انقلب عليه الحسن بالقبيح فاستحسن ما كان قبيحا ونفر من الطيب. وذلك دليل على انحراف الاخلاق. وفيها وفي قصة ابراهيم جواز التعريض. اما قصة ابراهيم ففي قوله فنظر نظرة في النجوم فقال اني سقيم. واما لوط ففي قوله هؤلاء بناتي هن اطهر لكم. والتعريض يكون في الاقوال ويكون في الافعال. وهو ان يقصد او العامل لعمل امرا من الامور التي لا بأس بها. ويوهم السامع والرائي امرا اخر. ليستجلب منفعة او مضرة ومنها ان من علامة الرجل الرشيد انه هو المسدد في اقواله وافعاله. ومن ذلك انه ينصر المظلوم مين؟ ويفرج الكرب عن المكروبين. ويأمر بالخير. وينهى عن الشر. هذا هو الرشيد حقيقة. فلهذا قال لوط اليس منكم رجل رشيد؟ اي فيأمر بمعروف وينهى عن منكر ويدفع اهل الشر والبغي. ومنها الحث على السعي في الاعوان على امور الخير ودفع الشر. ولو كان المعاون على ذلك من اهل الشر. فان الله يؤيد الدين بالرجل الفاجر وباقوام لا خلاق لهم عند الله. ولهذا قال لوط لو ان لي بكم قوة او اوي الى ركن شديد واكثر الانبياء يبعثهم الله في اشراف قومهم. ويحصل بذلك من تأييد الحق وقمع الباطل. والتمكن من دعوة ما لا يحصل لو لم يكن كذلك. واعتبر هذا بحال شعيب وقول قومه له. ولولا رهطك لرجمناك وما فانت علينا بعزيز. وكذلك نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. بعث في اشرف بيت في قريش واعزه وقد رماه قومه بالعداوة البليغة. وعقدوا المجالس المتعددة في ابطال قوله ودينه. بل وفي كيفية الفتك به ومن التي اوقفتهم عند حدهم خوفهم من قبيلته. وانظر الى حالته في تضييقهم عليه بالشعب. وانحياز قبيلته مع مسلمهم وكافرهم. ولم يخطر ببالهم انهم يصلون الى الفتك بشخصه الكريم. حتى مكروا ذلك المكر العظيم اذ اتفق رأيهم ان ينتدب لقتله من كل قبيلة رجل ليتفرق دمه في القبائل فيعجز قومه عن الاخذ بفأره ولكنهم يمكرون ويمكر الله. والله خير الماكرين. قصة شعيب عليه السلام. نبأه الله وارسله الى اهل مدين. وكانوا مع شركهم يبخسون المكاييل والموازين. ويغشون في المعاملات وينقصون الناس اشياءهم ودعاهم الى توحيد الله. ونهاهم عن الشرك به وامرهم بالعدل في المعاملات. وزجرهم عن البخس في المعاملات. وذكرهم الخير الذي اضره الله عليهم والارزاق المتنوعة. وانهم ليسوا بحاجة الى ظلم الناس في اموالهم. وخوفهم العذاب في الدنيا قبل الاخرة. فاجابوا ساخرين وردوا عليه متهكمين فقالوا يا شعيب اصلاتك تأمرك ان نترك ما يعبد واباؤنا او ان نفعل في اموالنا ما نشاء انك لانت الحليم الرشيد. اي فنحن جازمون على عبادة ما كان اباؤنا يعبدون. وجازمون على اننا نفعل في اموالنا ما نريد من اي معاملة تكون. فلا ندخل تحت اوامر الله واوامر رسله فقال لهم يا قومي ارأيتم ان كنتم على بينة من ربي ورزقني منه رزقا حسنا. اي اغناني اه وما اريد ان اخالفكم الى ما انهاكم عنه. اي ما نهيتكم عن المعاملات الخبيثة وظلم الناس فيها الا وانا اول تارك لها مع ان الله اعطاني ووسع علي وانا محتاج الى هذه المعاملة. ولكني متقيد بطاعة ربي ان اريد في فعلي وامري لكم الا الاصلاح اي ان تصلح احوالكم الدينية والدنيوية ما استطعت وما توفيقي الا الا بالله عليه توكلت واليه انيب. ثم خوفهم اخذات الامم التي حولهم في الزمان والمكان فقال لا يجرم انكم شقاقي ان يصيبكم مثل ما اصاب قوم نوح. او قوم هود او قوم صالح. وما قوم لوط من انكم ببعيد. ثم عرض عليهم التوبة ورغبهم فيها فقال واستغفروا ربكم ثم توبوا اليه. ان ربي رحيم ودود. فلم يفد فيهم فقالوا ما نفقه كثيرا مما تقول. وهذا لعنادهم وبغضهم البليغ للحق وانا لنراك فينا ضعيفا. ولولا رهتك لرجمناك وما انت علينا بعزيز. قال يا قومي ارهتي عليكم من الله واتخذتموه وراءكم ظهريا. ان ربي بما تعملون محيط. ثم لما رأى وهم قال سوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ومن هو كاذب. وارتقبوا اني معكم رقيب ولما جاء امرنا نجينا شعيبا والذين امنوا معه برحمة منا. فارسل الله عليهم حرا اخذ انفاسهم حتى كادوا يختنقون من شدته. ثم في اثناء ذلك ارسل سحابة باردة فاضلتهم. فتنادوا الى في مذاهبهم من الزيغ والفساد والاضطراب والتناقض المزلول للعقائد الداعي لتركها. ويذكرون بما في ايديهم وما خلفهم من ايام الله ووقائعه بالامم المكذبة للرسل. المنكرة للتوحيد. ويذكرون بما في الايمان وظلها غير الظليل. فلما اجتمعوا فيها التهبت عليه النار فاحرقتهم واصبحوا خامدين معذبين مذمومين ملعونين في جميع الاوقات. وفي قصة شعيب فوائد متعددة. منها ان بخس المكاييل والموازين خصوصا وبخس الناس اشياءهم عموما من اعظم الجرائم الموجبة لعقوبات الدنيا والاخرة. ومنها ان المعصية الواقعة لمن عدم منها الداعي والحاجة اليها اعظم. ولهذا كان الزنا في الشيخ اقبح من الشباب. والكبر في الفقير اقبح من الغني. والسبب ممن ليس بمحتاج اعظم من وقوعها من المحتاج. لهذا قال شعيب لقومه اني اراكم بخير اي بنعم كثيرة. فاي امر احوجكم الى الهلع الى ما بايدي الناس بطرق محرمة. ومنها قوله بقية الله خير لكم فيه الحث على الرضا بما اعطى الله. والاكتفاء بحلاله عن حرامه. وقصر النظر على الموجود عندك من غير تطلع الى ما عند الناس. ومنها فيه دلالة على ان الصلاة سبب لفعل الخيرات وترك المنكرات. وللنصيحة لعباد الله قد علم ذلك الكفار بما قالوا لشعيب اصلاتك تأمرك ان نترك ما يعبد اباؤنا او ان نفعل في اموالنا ما نشاء انك لانت الحليم الرشيد. وقال تعالى ان الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر. ومن ها هنا تعرف حكمة الله ورحمته في انه فرض علينا الصلوات تتكرر في اليوم والليلة لعظم وقعها وشدة نفعها وجميل اثارها. فلله على ذلك اتم الحمد. ومنها ان العبد في حركات بدنه وتصرفاته وفي معاملاته المالية داخل تحت حجر الشريعة فما ابيح له منها فعله. وما منعه الشرع تعين عليه تركه. ومن يزعم انه في ما له حر له ان يفعل ما يشاء من معاملات طيبة وخبيثة فهو بمنزلة من يرى ان عمل بدنه كذلك وانه لا فرق عنده بين من الكفر والايمان والصدق والكذب وفعل الخير والشر. الكل مباح. ومن المعلوم ان هذا هو مذهب الاباحيين الذين هم شر الخليقة. ومذهب قوم شعيب يشبه هذا. لانهم انكروا على شعيب لما نهاهم عن المعاملات الظالمة واباح لهم سواها. فردوا عليه انهم احرار في اموالهم لهم ان يفعلوا فيها ما يريدون. ونظير هذا قول من قال انما البيع مثل الربا. فمن سوى بينما اباحه وبينما حرمه الله. فقد انحرف في فطرته وعقله بعدما انحرف في ومنها ان الناصح للخلق الذي يأمرهم وينهاهم من تمام قبول الناس له انه اذا امرهم بشيء ان يكون اول له واذا نهاهم عن شيء كان اول التاركين لقول شعيب وما اريد ان اخالفكم الى ما انهاكم عنه ومنها ان الانبياء جميعهم بعثوا بالاصلاح والصلاح. ونهوا عن الشرور والفساد. فكل صلاح واصلاح ديني دنيوية فهو دين الانبياء. وخصوصا امامهم وخاتمهم محمدا صلى الله عليه وسلم. فانه ابدى واعاد في هذا الاصل ووضع للخلق الاصول النافعة التي يجرون عليها في الامور العادية والدنيوية. كما وضع لهم الاصول في الامور الدينية وانه كما ان على العبد السعي والاجتهاد في فعل الصلاح والاصلاح. فعليه ان يستمد العون من ربه على ذلك. وان يعلم انه لا اقدر على ذلك ولا على تكميله الا بالله. لقول شعيب ان اريد الا الاصلاح ما استطعت. وما توفيقي الا الا بالله عليه توكلت واليه انيب. ومنها ان الداعي الى الله يحتاج الى الحلم وحسن الخلق. ومقابلة باقوالهم وافعالهم بضد ذلك. والا يحفظه اذى الخلق ولا يصده عن شيء من دعوته. وهذا الخلق كماله للرسل صلاة الله عليهم وسلم تنظر الى شعيب عليه السلام وحسن خلقه مع قومه ودعوته لهم بكل طريق وهم يسمعون الاقوال السيئة. ويقابلونه المقابلة الفعلية. وهو عليه السلام يحلم عليهم ويصفح. ويتكلم معهم كلام من لم يصدر منهم له في حقه الا الاحسان. ويهون هذا الامر ان هذا خلق من ظفر به وحازه فقد فاز بالحظ العظيم وان لصاحبه عند الله المقامات العالية والنعيم المقيم. ويهونه انه يعالج امما قد طبعوا على اخلاق ازالتها وقلعها اصعب من قلع الجبال الرواسي. ومرنوا على عقائد ومذاهب بذلوا فيها الاموال والارواح. وقدموها على المهمات عندهم افتظن مع هذا ان امثال هؤلاء يقتنعون بمجرد القول بان هذه مذاهب باطلة اقوال فاسدة ام تحسبهم يغتفرون لمن نالها بسوء؟ كلا والله ان هؤلاء يحتاجون الى معالجات متنوعة التي دعت اليها الرسل يذكرون بنعم الله. وان الذي تفرد بالنعم يتعين ان يتفرد بالعبادة. ويذكرون بما وتوحيده ودينه. من المحاسن والمصالح والمنافع الدينية والدنيوية. الجاذبة للقلوب المسهلة لكل مطلوب ومع هذا كله فيحتاج الخلق الى الاحسان اليهم وبذل المعروف. واقل ذلك الصبر على اذاهم. وتحمل ما يصدر منهم ولين الكلام معهم وسلوك كل سبيل حكمة معهم. التنقل معهم في الامور بالاكتفاء ببعض ما به انفسهم يستدرج بهم الى تكنيله. والبداءة بالاهم فالاهم. واعظمهم قياما بهذه الامور وغيرها سيدهم وخاتمهم وامام الخلق على الاطلاق. محمد صلى الله عليه وسلم. قصة موسى وهارون عليهما السلام قد ذكر الله لموسى ابن عمران ومعه اخوه هارون عليهما السلام سيرة طويلة. وساق قصصه في مواضع من كتابه باساليب متنوعة واختصار او بسط يليق بذلك المقام. وليس في قصص القرآن اعظم من قصة موسى لانه عالج فرعون وجنوده. وعالج بني اسرائيل اشد المعالجة. وهو اعظم انبياء بني اسرائيل. وشريعته وكتابه التوراة ومرجع انبياء بني اسرائيل وعلمائهم واتباعه اكثر اتباع الانبياء غير امة محمد صلى الله عليه عليه وسلم. وله من القوة العظيمة في اقامة دين الله والدعوة اليه. والغيرة العظيمة ما ليس لغيره. وقد ولد في وقت قد اشتد فيه فرعون على بني اسرائيل. فكان يذبح كل مولود ذكر يولد من بني اسرائيل. ويستحيي النساء للخدمة امتهان. فلما ولدته امه خافت عليه خوفا شديدا. فان فرعون جعل على بني اسرائيل من يرقب نسائهم وموالي وكان بيتها على ضفة نهر النيل. فالهمها الله ان وضعت له تابوتا اذا خافت عليه احدا القته في اليم وربطته بحبل لان لا يجري به جرية الماء. ومن لطف الله بها انه اوحى لها. ولا تخافي ولا تحزني. انا رادوه اليك وجاعلوه من المرسلين. فلما القته ذات يوم انفلت رباط التابوت. فذهب الماء بالتابوت الذي في وسطه موسى. ومن قدر الله ان وقع في يد ال فرعون. وجيء به الى امرأة فرعون اسية. فلما رأته احبته حب شديدا. وكان الله قد القى عليه المحبة في القلوب. وشاع الخبر ووصل الى فرعون. فطلبه ليقتله. فقالت امرأته لا تقتلوه قرة عين لي ولك. عسى ان ينفعنا او نتخذه ولدا. فنجا بهذا السبب من قتلهم. وكان هذا الاثر الطيب والمقدمة الصالحة من السعي المشكور عند الله. فكان هذا من اسباب هدايتها وايمانها بموسى بعد ذلك اما ام موسى فانها فزعت. واصبح فؤادها فارغا. وكاد الصبر ان يغلب فيها. ان كادت لتبدي به لو ان ربطنا على قلبها لتكون من المؤمنين. وقالت لاخته قصيه. وتحسسي عنه. وكانت امرأة فرعون قد عرضت عليه المراضع فلم يقبل ثدي امرأة. وعطش وجعل يتلوى من الجوع. واخرجوه الى الطريق. فلعل الله ان ييسر له احدا. فحانت من اخته نظرة اليه فبصرت به عن جنب وهم لا يشعرون. بشأنها فلما اقبلت عليه وفهمت منهم انهم يطلبون له مرضعا قالت لهم هل ادلكم على اهل بيتي يكفلونه لكم وهم له ناصحون ورددناه الى امه كي تقر عينها ولا تحزن. ثم ذكر الله في هذه السورة قصة مفصلة واضحة. وكيف تنقلت الاحوال قراءتها كافية عن شرح معناها لوضوحها وتفصيلاتها. الله تعالى ما فصل لنا الا ما ننتفع به ونعتبر ولكن في قصته من العبر والفوائد شيء كثير ننبه على بعضها. ذكر الفوائد المستنبطة نصا او ظاهرا او تعميما او تعليلا من قصة موسى عليه السلام. منها لطف الله بام موسى بذلك الالهام الذي به سلم ابنها ثم تلك البشارة من الله لها برده اليها. التي لولاها لقضى عليها الحزن على ولدها. ثم رده اليها بالجاء اليها قدرا بتحريم المراضع عليه. وبذلك وغيره يعلم ان الطاف الله على اوليائه. لا تتصورها العقول ولا تعبر عنها العبارات. تأمل موقع هذه البشارة. وانه اتاها ابنها ترضعه جهرا. وتأخذ عليه اجرا وتسمى امه شرعا وقذرا. وبذلك اطمئن قلبها وازداد ايمانها. وفي هذا مصداق لقوله تعالى عسى ان تكرهوا شيئا وهو خير لكم. فلا اكره لام موسى من وقوع ابنها بيد ال فرعون. ومع ذلك ظهر عواقبه الحميدة واثاره الطيبة. ومنها ان ايات الله وعبره في الامم السابقة انما يستفيد منها ويستنير بها المؤمن والله يسوق القصص لاجلهم. كما قال تعالى في هذه القصة نتلو عليك من نبأ موسى وفرعون بالحق لقومي يؤمنون. ومنها ان الله اذا اراد شيئا هيأ اسبابه واتى به شيئا فشيئا. بالتدريج لا دفعة واحدة ومنها ان الامة المستضعفة ولو بلغت في الضعف ما بلغت لا ينبغي ان يستولي عليها الكسل عن السعي في حقوقها ولا اليأس من الارتقاء الى اعلى الامور خصوصا اذا كانوا مظلومين. كما استنقظ الله بني اسرائيل على ضعفها لفرعون وملأه منهم. ومكنهم في الارض وملكهم بلادهم. ومنها ان الامة ما دامت ذليلة مقهورة لا تطالب بحقها لا يقوم لها امر دينها كما لا يقوم لها امر دنياها. ومنها ان الخوف الطبيعي من الخلق لا ينافي الايمان يزيله كما جرى لام موسى ولم موسى من تلك المخاوف. ومنها ان الايمان يزيد وينقص لقوله لتكون من منين؟ المراد بالايمان هنا زيادته وزيادة طمأنينته. ومنها ان من اعظم نعم الله على العبد تثبيت الله له عند والمخاوف. فانه كما يزداد به ايمانه وثوابه. فانه يتمكن من القول الصواب والفعل الصواب. ويبقى رأيه وافكاره ثابتة. واما من لم يحصل له هذا الثبات فانه لقلقه وروعه يضيع فكره. ويذهل عقله ولا ينتفع بنفسه في تلك الحال. ومنها ان العبد وان عرف ان القضاء والقدر حق. وان وعد الله نافذ لابد منه. فانه سيهمل فعل الاسباب التي تنفع. فان الاسباب والسعي فيها من قدر الله. فان الله قد وعد ام موسى ان يرده عليها. ومع ذلك لما التقطه آل فرعون سعت بالاسباب وارسلت اخته لتقصه وتعمل بالاسباب المناسبة لتلك الحال ومنها جواز خروج المرأة في حوائجها وتكليمها للرجال. اذا انتفى المحظور كما صنعت اخت موسى وابنتا صاحب مدين. ومنها جواز اخذ الاجرة على الكفالة والرضاع. كما فعلت ام موسى. فان شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد من شرعنا ما ينسخه ومنها ان قتل الكافر الذي له عهد بعقد او عرف لا يجوز. فان موسى ندم على قتله القبطي واستغفر الله منه وتاب اليه. ومنها ان الذي يقتل النفوس بغير حق يعد من الجبارين المفسدين في الارض. ولو كان غرضه من ذلك الارهاب. ولو زعم انه مصلح حتى يرد الشرع بما يبيح قتل النفس. ومنها ان اخبار الغير بما قيل فيه وعنه على وجه التحذير له من شر يقع به لا يكون نميمة. بل قد يكون واجبا. كما ساق الله خبر ذلك الرجل الذي جاء من المدينة يسعى محذرا لموسى على وجه الثناء عليه. ومنها اذا خاف التلف بالقتل بغير حق في اقامته في فلا يلقي بيده الى التهلكة ويستسلم للهلاك. بل يفر من ذلك الموضع مع القدرة كما فعل موسى. ومنها اذا كان لابد من ارتكاب احدى مفسدتين تعين ارتكاب الاخف منهما. الاسلم دفعا لما هو اعظم واخطر. فان موسى لما صار الامر بين بقائه في مصر ولكنه يقتل او ذهابه الى بعض البلدان البعيدة التي لا يعرف الطريق اليها وليس له دليل يدله غير هداية ربه. ومعلوم انها ارجى للسلامة لا جرم اثرها موسى. ومنها فيه تنبيه لطيف على ان الناظر في العلم عند الحاجة الى العمل او التكلم به. اذا لم يترجح عنده احد القولين فانه يستهدي ربه ويسأله ان يهديه الى الصواب بين القولين. بعد ان يقصد الحق بقلبه ويبحث عنه. فان الله لا يخيب من هذه حاله كما جرى لموسى لما قصدت القاء مدين ولا يدري الطريق المعين اليها قال عسى ربي ان سواء السبيل. وقد هداه الله واعطاه ما رجاه وتمناه. ومنها ان الرحمة والاحسان على الخلق من عرفه عبد ومن لا يعرفه من اخلاق الانبياء. وان من جملة الاحسان الاعانة على سقي الماشية. وخصوصا اعانة العاجز كما قال موسى مع ابنتي صاحب مدين. حين سقى لهما. لما رآهما عاجزتين عن سقي ماشيتهما قبل صدور الرعاة. ومن منها ان الله كما يحب من الداعي ان يتوسل اليه باسمائه وصفاته ونعمه العامة والخاصة فانه يحب منه ان يتوسل اليه بضعفه وعجزه وفقره. وعدم قدرته على تحصيل مصالحه. ودفع الاضرار عن نفسه كما قال موسى ربي اني لما انزلت الي من خير فقير. لما في ذلك من اظهار التضرع والمسكنة. والافتقار لله الذي هو حقيقة كل عبد ومنها ان الحياة والمكافأة على الاحسان لم يزل دأب الامم الصالحين. ومنها ان العبد اذا عمل العمل لله خالصا ثم حصل به مكافأة عليه بغير قصده فانه لا يلام على ذلك ولا يخل باخلاصه واجره. كما قبل موسى مكافأة صاحب مدين عن معروفه الذي لم يطلبها. ولم يستشرف له على معاوضة. ومنها جواز الاجارة على كل عمل معلوم في نفع معلوم او في زمن مسمى. وان مرد ذلك الى العرف وانه تجوز الاجارة وتكون المنفعة البضع. كما قال صاحب مدين اني اريد ان انكحك احدى ابنتي هاتين. وانه يجوز للانسان ان يخطب الرجل لابنته ونحوها ممن هو ولي عليها ولا نقص في ذلك. بل قد يكون نفعا وكمالا كما فعل صاحب مدينة مع موسى. ومنها قولوا ان خير من استأجرت القوي الامين. هذان الوصفان بهما تمام الاعمال كلها. فكل عمل من الولايات او من الخدمات او من الصناعات او من الاعمال التي القصد منها الحفظ والمراقبة على العمال والاعمال اذا جمع الانسان الوصفين ان يكونا قويا على ذلك العمل بحسب احوال الاعمال وان يكون مؤتمنا عليه تم ذلك العمل وحصل مقصود وثمرته. والخلل والنقص سببه الاخلال بهما او باحدهما. ومنها من اعظم مكارم الاخلاق تحسين الخلق مع كل لمن يتصل بك من خادم واجير وزوجة وولد ومعامل وغيرهم. ومن ذلك تخفيف العمل عن العامل لقوله اريد ان اشق عليك ستجدني ان شاء الله من الصالحين. وفيه انه لا بأس ان يرغب المعامل في معاملته بالمعاوضات والايجارات. بان يصف نفسه بحسن المعاملة. بشرط ان يكون صادقا في ذلك. ومن جواز عقد المعاملات من ايجارة وغيرها بغير اشهاد. لقوله والله على ما نقول وكيل. فتقدم ان الاشهادة تنحط به الحقوق وتقل به المنازعات. والناس في هذا الموضع درجات متفاوتة وكذلك الحقوق. ومنها الايات بينات التي ايد الله بها موسى من انقلاب عصاه التي كان يعرفها حية تسعى. ثم عودها سيرتها الاولى ان يده اذا ادخلها في جيبه ثم اخرجها صارت بيضاء من غير سوء للناظرين. ومن رحمة الله وحمايته لموسى موسى وهارون من فرعون وملأه. ومن انفلات البحر لما ضربه موسى بعصاه فصار اثني عشر طريقا. وسلكه هؤلاء فنجوا وقوم فرعون فهلكوا. وغير ذلك من الايات المتتابعات. التي هي براهين وايات لمن رآها وشاهدها وبراهين لمن سمعها. فانها نقلتها معظم مصادر اليقين. الكتب السماوية ونقلتها القرون كلها فلم ينكر مثل هذه الايات الا جاهل مكابر زنديق. وجميع ايات الانبياء بهذه المثابة. ومنها ان ايات انبياء وكرامات الاولياء. وما يخرقه الله من الايات. ومن تغيير الاسباب او منع سببيتها او احتياجها الى باب اخر او وجود موانع تعوقها هي من البراهين العظيمة على وحدانية الله. وانه على كل شيء قدير اقدار الله لا يخرج عنها حادث جليل ولا حقير. وان هذه المعجزات والكرامات والتغييرات لا تنافي ما جعل الله في هذه المخلوقات من الاسباب المحسوسة والنظامات المعهودة. وانك لا تجد لسنة الله تبديلا ولا تحويلا ان سنن الله في جميع الحوادث السابقة واللاحقة قسمان. احدهما وهو جمهور الحوادث والكائنات والاحكام الشرعية واحكام الجزاء لا تتغير ولا تتبدل عما يعهده الناس ويعرفون اسبابه. وهذا القسم ايضا مندرج في قدرة الله وقضائه ويستفاد من هذا العلم بكمال حكمة الله في خلقه وشرعه. وان الاسباب والمسببات من سلك طرقها على وجه كامل افضت به الى نتائجها وثمراتها. ومن لم يسلكها او سلكها على وجه الناقص لم يحصل له الثمرات التي على الاعمال شرعا ولا قدرا. وهذه توجب للعبد ان يجد ويجتهد في الاسباب الدينية والدنيوية النافعة مع استعانته بالله والثناء على ربه في تيسيرها وتيسير اسبابها والاتها. وكل ما تتوقف عليه. والقسم الثاني حوادث معجزة ذات الانبياء التي تواترت تواترا لا يتواتر مثله في جميع الاخبار. وتناقلتها القرون كلها. وكذلك ما الله به عباده. من اجابة الدعوات وتفريج الكربات. وحصول المطالب المتنوعة. ودفع المكاره التي لا قدرة للعبد على دفعها والفتوحات الربانية والالهامات الالهية. والانوار التي يقذفها الله في قلوب خواص خلقه. فيحصل لهم بذلك من اليقين والطمأنينة والعلوم المتنوعة. ما لا يدرك بمجرد الطلب وفعل السبب. ومن نصره للرسل واتباعهم وخذلانه لاعدائه وهو مشاهد في كثير من الاوقات. فهذا القسم ليس عند الخلق اهتداء الى اسباب هذه الحوادث ولا جعل لهم في الاصل وصول الى حقيقتها وكونهها. وانما هي حوادث قدرها الرب العظيم. الذي هو على كل شيء قدير باسباب وحكم وسنن لا يعقلها الخلق. ولا لحواسهم وتجاربهم وصول اليها بوجه من الوجوه. وبها الرسل من اولهم الى اخرهم واتباعهم الاولون منهم والاخرون. وبها يعرف عظمة الباري. وان نواصي العباد بيده وانه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن. ويعرف بذلك صحة ما جاءت به الرسل. كما يعرف ايضا بالقسم الاول وكما انه لا سبيل الى العباد في هذه الدار الى ادراك كنه صفات اليوم الاخر وكنهما في الجنة والنار. وان كما يعلمون منها ما علمتهم به الرسل ونزلت به الكتب ولا سبيل لاهل هذا الكون الارضي للوصول الى العالم السماوي ولا سبيل لهم الى احياء الموتى وايجاد الارواح في الجمادات. فكذلك هذا النوع العظيم من حوادث الكون. وانما اطلنا الكلام على هذه المسألة. وان كانت تستحق من البسط اكثر من هذا. لامرين احدهما ان الزنادقة المتأخرين الذين حين انكروا وجود الباري وانكروا جميع ما اخبرت به الرسل والكتب السماوية من امور الغيب. ولم يثبتوا من العلوم الا ما وصلت اليه باسهم وتجاربهم القاصرة على بعض علوم الكون. وانكروا ما سوى ذلك. وزعموا ان هذا العالم وهذا النظام الموجود فيه لا يمكن ان يغيره مغير او يغير شيئا من اسبابه. وانه وجد صدفة من غير ايجاد موجد. وانه الة تمشي بنفسها وطبيعتها ليس لها مدبر ولا رب ولا خالق. وهؤلاء جميع اهل الاديان يعرفون مكابرتهم ومباهتتهم لانهم كما عدموا الدين بالكلية فقد اختلت عقولهم الحقيقية. اذ انكروا اجل الحقائق واوضحها واعظمها ابراهيم وايات وتاهوا بعقولهم القاصرة واراؤهم الفاسدة. هؤلاء امرهم معلوم ولكن الامر الثاني ان بعض اهل العلم العصريين الذين يتظاهرون بنصر الاسلام والدخول مع هؤلاء الزنادقة في الجدال عنه يريدون باجتهادهم او اغترارهم ان يطبقوا السنن الالهية وامور الاخرة. على ما يعرفه العباد بحواسهم. ويدركونه بتجاربهم فحرفوا لذلك المعجزات. وانكروا الايات البينات. ولم يستفيدوا الا الضرر على انفسهم. وعلى من قرأ كتاباتهم في هذه المباحث اذ ضعف ايمانهم بالله بتحريفهم لمعجزات الانبياء تحريفا يؤول الى انكارها. وانكار هذا النوع العظيم من قضاء الله وقدره. وضعف ايمان من وقف على كلامهم ممن ليست له بصيرة. ولا عنده من العلوم الدينية ما يبطل هذا النوع ولم يحصل ما زعموه من جلب الماديين الى الهدى والدين. بل زادوهم اغراء في مذاهبهم. لما رأوا قال هؤلاء يحاولون ارجاع النصوص الدينية ومعجزات الانبياء وامور الغيب الى علوم هؤلاء القاصرة على التجارب بركات بالحواس. فيا عظم المصيبة ويا شدة الجرم المزوق. ولكن ضعف البصيرة والاعجاب بزنادقة الدهريين اوجب الخضوع لاقوالهم فلا حول ولا قوة الا بالله. ومنها ان من اعظم العقوبات على العبد ان يكون اماما في وداعيا اليه. كما ان من اعظم نعم الله على العبد ان يجعله اماما في الخير هاديا مهديا. قال تعالى في فرعون وجعلناهم ائمة يدعون الى النار. وقال وجعلناهم ائمة يهدون بامرنا. ومنها ما في هذه قصة من الدلالة على رسالة محمد صلى الله عليه وسلم. اذ اخبر بهذه القصة وغيرها خبرا مفصلا مطابقا موافقا قصه قصا صدق به المرسلين. وايد به الحق المبين. وهو لم يحضر في شيء من تلك المواضع ولا درس شيئا عرف به احوال هذه التفصيلات. ولجالس واخذ عن احد من اهل العلم ان هو الا رسالة الرحيم. وحي انزله عليه الكريم المنان. ينذر به العباد اجمعين. ولهذا يقول في اخر هذه القصة وما كنت بجانب الغربي اذ قضينا الى موسى الامر وما كنت ساويا في اهل مدين. وهذا نوع من انواع براهين رسالته. ومنها ذكر كثير من اهل العلم انه يستفاد من قوله تعالى عن جواب موسى لربه لما سأله عن العصا وقال وما تلك بيمينك يا موسى؟ قال هي عصاي اتوكأ عليها واهش بها على غنمي. استحباب استصحاب العصا بما فيه من هذه المنافع المعينة والمجملة في قوله مآرب اخرى. وانه يستفاد منها ايضا الرحمة بالبهائم الاحسان اليها والسعي في ازالة ضررها. ومنها ان قوله جل ذكره واقم الصلاة لذكري. اي ان ذكر العبد لربه هو الذي خلق له العبد وبه صلاحه وفلاحه. وان المقصود من اقامة الصلاة اقامة هذا المقصود الاعظم. ولولا الصلاة التي تتكرر على المؤمنين في اليوم والليلة لتذكرهم بالله ويتعاهدون فيها قراءة القرآن والثناء على الله دعاءه والخضوع له. الذي هو روح الذكر. لولا هذه النعمة لكانوا من الغافلين. وكما ان الذكر هو الذي خلق الخلق ولاجله والعبادات كلها ذكر لله. فكذلك الذكر يعين العبد على القيام بالطاعات وانشقت. ويهون عليه الوقوف بين يدي الجبابرة ويخوف عليه الدعوة الى الله. قال تعالى في هذه القصة كي نسبحك كثيرا ونذكرك كثيرا وقال اذهب انت واخوك باياتي ولا تنيا في ذكري. ومنها احسان موسى صلى الله عليه وسلم على اخيه هارون اذ طلب من ربه ان يكون نبيا معه. وطلب المعاونة على الخير والمساعدة عليه. اذ قال واجعل لي وزيرا من اهلي هارون اخي اشدد به ازري واشركه في امري. ومنها ان الفصاحة والبيان مما يعين على التعليم وعلى اقامة الدعوة. لهذا طلب موسى من ربه ان يحل عقدة من لسانه. ليفقهوا اقواله. وان اللافقة لا عيب فيها اذا حصل الفهم للكلام. ومن كمال ادب موسى مع ربه انه لم يسأل زوال اللذغة كلها. بل سأل ازالة ما ما يحصل به المقصود. ومنها ان الذي ينبغي في مخاطبة الملوك والرؤساء ودعوتهم وموعظتهم. الرفق والكلام اللين الذي يحصل به الافهام بلا تشويش ولا غلظة. وهذا يحتاج اليه في كل مقام. لكن هذا اهم المواضع وذلك لانه الذي يحصل به الغرض المقصود. وهو قوله لعله يتذكر او يخشى. ومنها ان من كان في طاعة الله مستعينا بالله واثقا بوعد الله راجيا ثواب الله. فان الله معه. ومن كان الله معه فلا خوف عليه. لقوله تعالى لا تخافا ثم علله بقوله انني معكما اسمع وارى. وقال تعالى اذ يقول لصاحبه لا تعلم احزن ان الله معنا. ومنها ان اسباب العذاب منحصرة في هذين الوصفين. انا قد اوحي الينا ان العذاب تاب على من كذب وتولى. اي كذب خبر الله وخبر رسله. وتولى عن طاعة الله وطاعة رسله. ونظيرها قوله تعالى لا يصلاها الا الاشقى. الذي كذب وتولى. ومنها ان قوله تعالى واني لغفار لمن تاب وامن وعمل صالحا ثم اهتدى. استوعب الله بها الاسباب التي تدرك بها مغفرة الله. احدها توبة وهي الرجوع عما يكرهه الله ظاهرا وباطنا. الى ما يحبه الله ظاهرا وباطنا. وهي تجب ما قبلها من الذنوب في صغارها وكبارها. الثاني الايمان وهو الاقرار والتصديق الجازم العام بكل ما اخبر الله به ورسوله الموجب اعمال القلوب ثم تتبعها اعمال الجوارح. ولا ريب ان ما في القلب من الايمان بالله وكتبه ورسله واليوم الاخر الذي لا ريب فيه اصل الطاعات واكبرها واساسها. ولا ريب انه بحسب قوته يدفع السيئات. يدفع ما لم يقع يسمع صاحبه من وقوعه ويدفع ما وقع بالاتيان بما ينافيه وعدم اصرار القلب عليه. فان المؤمن ما في قلبه من الايمان نوره لا يجامع المعاصي. الثالث العمل الصالح. وهذا شامل لاعمال القلوب واعمال الجوارح واقوال اللسان والحسنات يذهبن السيئات. الرابع استمرار على الايمان والهداية. والازدياد منها. فمن كمل هذه الاسباب فليبشر بمغفرة الله العامة الشاملة. ولهذا اتى فيه بوصف المبالغة فقال واني لغفار ولنكتفي من قصة موسى بهذه الفوائد مع ان فيها فوائد كثيرة للمتأملين. قصة يونس عليه السلام وهو من انبياء بني اسرائيل العظام. بعثه الله الى اهل نينوى من ارض الموصل. فدعاهم الى الله تعالى فابوا عليه ثم كرر عليهم الدعوة فابوا. فوعدهم العذاب وخرج من بين اظهرهم. ولم يصبر الصبر الذي ينبغي ولكنه ابق مغاضبا لهم. وهم لما ذهب نبيهم وهم لما ذهب نبيهم القيت في قلوبهم التوبة الى الله والانابة بعدما شهدوا مقدمات العذاب. فكشف الله عنهم العذاب. والظاهر ان يونس علم انكشاف العذاب عنهم واستمر في ذهابه عنهم. ولهذا قال تعالى وذا النون اذ ذهب مغاضبا. وقال تعالى اذ ابق الفلكي المشحون. فركب في سفينة موقرة من الركاب والاحمال. فلما توسطوا البحر شارفت على الغرق ودار الامر بين ان يبقوا جميعا فيها فيهلكوا وبين ان يلقوا بعضهم بمقدار ما تخف السفينة فيسلم الباقون اختاروا الاخيرة لعدلهم وتوفيقهم. فاقترعوا فاصابت القرعة اناسا منهم. ومنهم يونس عليه السلام. ولهذا قال تساهم فكان من المدحضين. اي المغلوبين في القرعة فالقوا. فابتلعه حوت في البحر ابتلاعا لم يكسر له عظما. ولم يمضغ له لحما. فلما صار في جوف الحوت في تلك الظلمات نادى لا اله الا انت فسبحانك اني كنت من الظالمين. فامر الله الحوت ان تلقيه بالعراء. فخرج من بطنها كالفرخ المنعوط من البيضة في غاية الضعف والوهن. فلطف الله به. وانبت عليه شجرة من يقطين. فاضلته بظلها الظليل حتى قوي يشتد وامره الله ان يرجع الى قومه فيعلمهم ويدعوهم فاستجاب له اهل بلده مائة الف او يزيدون امنوا فمتعناهم الى حين. وفي هذه القصة عتاب ليونس عليه السلام اللطيف. وحبسوه في بطن الحوت كفارة واية عظيمة وكرامة ليونس. ومن نعمة الله عليه انه استجاب له هذا العدد الكثير من قومه كثرة اتباع الانبياء من جملة فضائلهم. وفيها استعمال القرعة عند الاشتباه في مسائل الاستحقاق والحرمان. اذا لم يكن مرجح سواها. وفي عمل اهل السفينة هذا العمل دليل على القاعدة المشهورة انه يرتكب اخف الضررين لدفع الضرر الذي هو اكبر منه. ولا ريب ان القاء بعضهم وان كان فيه ضرر فعطب الجميع اذا لم يلقى احد اعظم. وفيها ان العابد اذا كانت له مقدمة صالحة من ربه قد تعرف الى ربه في حال الرخاء. ان الله يشكر له ذلك ويعرفه في حال الشدة بكشفها بالكلية او تخفيفها. ولهذا قال في قصة يونس فلولا انه كان من المسبحين للبث في بطنه الى يوم يبعثون. وفيها ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم. دعوة اخي ذي النون ما دعا الا فرج الله عنه. لا اله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين. وفيها ان الايمان كان ينجي من الاهوال والشدائد لقوله تعالى وكذلك ننجي المؤمنين. اي اذا وقعوا فيها لايمانهم قصة داوود وسليمان عليهما الصلاة والسلام. وكان من اعظم انبياء بني اسرائيل. وجمع الله لهما بين النبوة الحكمة والملك العظيم القوي. اما داود صلى الله عليه وسلم فكان من جملة العسكر الذين مع طالوت. الذي اختاره احد انبياء بني اسرائيل ملكا على بني اسرائيل لشجاعته وقوته وعلمه في السياسة ونظام الجيوش. كما قال تعال وزاده بسطة في العلم والجسم. ولما برزوا لجالوت وجنوده وصبر عسكر طالوت. واستعانوا الهي تفوق داوود عليه السلام على الجميع بالشجاعة العظيمة. فباشر بنفسه قتل ملكهم جالوت. وحصلت الهزيمة على بقيتهم. ونصر الله بني اسرائيل ذلك النصر. نبأ الله داود واعطاه الحكمة والملك القوي. كما قال تعالى وشددنا ملكه واتيناه الحكمة وفصل الخطاب. وكان قد اعطاه الله قوة في العبادة وبصيرة الله بهذين الوصفين اللذين بهما كمال العبد فقال اصبر على ما يقولون واذكر عبدنا داوود ذا الايدي ان انه اواب. فوصفه بالقوة على ما امر الله. وبانه اواب لكمال معرفته بالله. وكان الله تعالى قد سخر له الطير والجبال تسبح الله معه. وكان قد اعطي من حسن الصوت ورخامته ما لم يؤت احد من العالمين كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه. ويصوم يوما ويفطر يوما. وكان اذا لاقى العدو رأى الخلق من شجاعة ما يعجب الناظرين. وقد الان الله له الحديد. وعلمه صنعة الدروع الواقية في الحروب. وهو اول من صنع السردية ذوات الحلق التي يحصل فيها الوقاية وهي خفيفة المحمل. وقد عاتبه الله بسبب ذنب اذنبه بان ارسل اليه ملكين بصورة خصمين. فدخلا عليه وهو في محرابه ففزع منهما. لانهما دخلا عليه في وقت لا يدخل يدخل عليه فيه احد. وتصوروا المحراب وقال لا تخف خصمان بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق ولا تشتط واهدنا الى سواء الصراط. ثم قص عليه احدهما القصة فقال ان هذا اخي له تسع وتسعون نعجة. والمراد بها المرأة ولي نعجة واحدة. فقال اكفلنيها وعزني في الخطاب اي صار خطابه اقوى مني فغلبني. فقال داود صلى الله عليه وسلم لقد ظلمك بسؤال نعجتك الى نعاجه وان كثيرا من ليبغي بعضهم على بعض. الا الذين امنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم وعلم داوود انه هو المراد بهذه القضية. فانتبه لذلك وظن داوود ان ما فتناه فاستغفر ربه وخر وراكعا واناب. فغفرنا له ذلك وانه وان له عندنا لزلفى وحسن مآب سمح الله عنه الذنب وعاد به بعد التوبة احسن مما كان قبل ذلك. حصل له القرب العظيم من ربه وحسن العاقبة وقال الله له يا داوود انا جعلناك خليفة في الارض. فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله. واما سليمان ابن داوود عليه السلام فان الله اعطاه النبوة وورث اباه. علم ونبوته وملكه. وزاده الله ملكا عظيما لم يحصل لاحد قبله ولا بعده. سخر الله له الريح تجري بامره وتدبيره رخاء. اي بسهولة حيث اراد. غدوها شهر ورواحها شهر. وسخر الله له الجن والشياطين والعفاف يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات. وتذهب وتجيء بامره الى حيث اراد وسخر له من الجنود من الانس والجن والطير. فهم يوزعون بتدبير عجيب ونظام غريب. وعلمه الله منطق الطير وسائر الحيوانات. فكانت تخاطبه ويفهم ما تكلم به. لهذا خاطب الهدهد وراجعه تلك المراجعة وسمع النملة التي نادت في قومها يا ايها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون فحذرت وامرت بما يقي من الخطر واعتذرت عن سليمان وجنوده. فلهذا ابتسم سليمان ضاحكا من قولها وقال رب اوزعني ان اشكر نعمتك التي انعمت علي وعلى والدي. وان اعمل صالحا ترضاه. وادخلني برحمتك في عبادك الصالحين. ومن حسن نظامه وحزمه انه يتفقد الجنود بنفسه. مع انه قد جعل لهم مدبرين. فان فقوله فهم يوزعون دليل على ذلك. حتى انه تفقد الطيور لينظر هل هي ملازمة لمراكزها؟ فقال ما لي لا ارى الهدهد ام كان من الغائبين. وليس الامر كما يقول كثير من المفسرين انه طلبه لينظر له الارض وبعد مائها فان هذا خلاف اللفظ القرآني. فان الله لم يقل وطلب الهدهد. بل قال وتفقد الطير. ثم لمخالفته لامره. ولما كان ملكه مبنيا على كمال العدل استثنى فقال لاعذبنه عذابا شديدا او لاذبحنه او ليأتيني بسلطان مبين. فمكث غير بعيد فقال احط بما لم تحط به. وجئتك من من سبأ بنبأ يقين اني وجدت امرأة تملكهم واوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله. وزين لهم الشيطان اعمالهم. فصدهم عن السبيل فهم لا يهتدون الا يسجدوا لله الذي يخرج الخبأ في السماوات والارض. ويعلم ما تخفون وما تعلنون. الله لا اله الا هو رب العرش العظيم. ففي هذه المدة القصيرة جاء الهدهد بهذه المعلومات العظيمة اخبر سليمان عن ملك الديار اليمانية. وان ملكتهم امرأة وانها قد اعطيت من كل شيء يحتاج الملك اليه. وان لها عظيما ومع فهمه لملكهم وقوتهم فهم ايضا دينهم. وانهم مشركون يعبدون الشمس. وانكر الهدهد عليهم غاية الانكار. هذا من الادلة على ان الحيوانات تعرف ربها وتسبحه وتوحده وتحب المؤمنين وتدين ربها بذلك وتبغض الكفار المكذبين. وتدين الله بذلك. فقال له سليمان سننظر اصدقت ام كنت من الكاذبين. اذهب بكتابي هذا فالقه اليهم. ثم تول عنهم فانظر ماذا يرجعون فذهب بالكتاب فالقاه في حجر المرأة. ملكة سبأ. فلما قرأته عظمته جدا. وارعبت منه فزعا. وجمعت رؤساء قومها فقالت يا ايها الملأ اني القي الي كتاب كريم انه من سليمان وانه باسم بسم الله الرحمن الرحيم. الا تعلوا علي واتوني مسلمين. كتاب مختصر جامع فيه المقصود كله قالت يا ايها الملأ افتوني في امري. اي اشيروا علي وهذا من حزمها وحسن تدبيرها. استعملت المشورة مع رؤساء قومها اكنت قاطعة امرا حتى تشهدون. قالوا نحن اولو قوة واولو بأس شديد. والامر اليك فانظري ماذا اي مستعدين لما تقولين حربا وسلما وارجعن الامر الى ما تختارين. فمن عزمها وحزمها وبعد نظرها عدلت عن الحرب واختارت السلم. لكن بصورة حازمة. فقالت ساهدي له هدية حاضرة. فناظرة بما يرجع سالون ان كان من الملوك الذين ليس لهم هم الا الدنيا فربما ان فربما ان الهدية كسرت سورته وفلت متى؟ وسألنا وسالمنا وسالمناه من بعيد. وان كان غير ذلك بان لنا الامر. فارسلت اناسا ذوي عقل وحسن حزم وخبرة ومعرفة. فلما جاءوا سليمان بالهدية قال اتمدونني بمال فما اتاني الله خير مما اتاه بل انتم بهديتكم تفرحون. فبين لهم انه لا غرض له في الدنيا. وانما غرضه اقامة الدين ودخول عباد الله في الاسلام. ثم وصى الرسل واستغنى بذلك عن الكتاب. وقال للرسول ارجع اليهم فلنأتين انهم بجنود لا قبل لهم بها. ولنخرجنهم منها اذلة وهم صاغرون. وعلم سليمان انهم سينقادون ويسلمون فقال لاهل مجلسه ايكم يأتيني بعرشها قبل ان يأتوني مسلمين. قال عفريت من الجن انا اتيك به قبل ان تقوم من مقامك. واني عليه لقوي امين. وسليمان بالديار الشامية. وبينه وبينها مسافة شهرين ذهابا وشهرين ايابا. ثم قال الذي عنده علم من الكتاب انا اتيك به قبل ان يرتد اليك طرفا يحتمل انه كما قال اكثر المفسرين انه رجل صالح قد اعطي الاسم الاعظم الذي اذا دعي الله به اجاب. وانه الله فاتى به قبل ان يرتد اليه طرفه. ويحتمل ان الذي عنده علم من الكتاب عنده من الاسباب التي سخرها الله سليمان اسباب يحصل بها تقريب المواصلات وجلب الاشياء البعيدة. وعلى كل فهذا ملك عظيم بلحظة يحضر له هذا العرش العظيم. لهذا لما رآه مستقرا عنده حمد الله على ذلك. فقال هذا من فضل ربي ليبلوني اشكر اكفر ومن شكر فانما يشكر لنفسه. ومن كفر فان ربي غني كريم. ثم خاطب من حوله. قال نكروا لها عرشي اي غيروا فيه وزيدوا وانقصوا. ننظر اتهتدي ام تكون من الذين لا يهتدون. وكان قد مدح له رأيها وعقلها. فاحب ان يقف على الحقيقة. فلما جاءت قيل اهكذا عرشك وعرض عليها فلما رأته عرفته. ورأت ما فيه من التنكير فانكرته وقالت مرددة للاحتمالين كأنه هو. لم تقل هو بما فيه من التغيير. ولم تنف انه هو لما كانت تعرفه. فاتت بلفظ صالح للامرين فعرف سليمان رجاحة عقلها. واوتينا العلم من قبلها وكنا مسلمين. ان كان هذا من سليمان ومعناه اننا اخبرنا عن عقلها. وعلمنا بذلك قبل هذه الحالة تتحققناها لما صبرناها وان كان الكلام كلام ملكة سبأ. فانها تقول واوتينا العلم عن ملك سليمان. وانه ملك نبوة ورسالة وقوة هائلة من قبل هذه الحالة وكنا مسلمين مذعنين. لما قاله سليمان بعدما تحققنا امره. فكأنه قيل مع عقلها هذا ورأيها السديد. فكيف كانت تعبد غير الله؟ وكيف اجتمع العقل عبادة ما لا ينفع ولا يضر. وانما يضر ومن عبده حاصل الجواب قوله وصدها ما كانت تعبد من دون الله انها كانت من قوم كافرين اي العقائد التي نشأت عليها والمذاهب الفاسدة تسيطر على عقل العاقل وتذهب لب اللبيب حتى يقيض فله من الاسباب المباركة ما يبين له الحق ويمن عليه باتباعه. وكان له صرح من قوارير اجرى تحته الانهار فكان من ينظر اليه يظنه ماء يجري. لان الزجاج شفاف. فلما قيل لها دخول الصرح فرأته لجة وكشف عن ساقيها قال انه صرح ممرد من قوارير. قالت ربياني ظلمت نفسي واسلمت مع سليمان لله لله رب العالمين. فاسلمت لله واتبعها قومها. فيقال ان سليمان تزوجها. فالله اعلم. ولما كانت شياطين زمن سليمان قد سخرهم الله له. وبلغه انهم باجتماعهم بالانس يعلمونهم السحر. فجمعهم وتوعدهم واخذ كتبهم ودفنها. فلما توفي سليمان جاءت الشياطين للناس وقالوا ان ملك سليمان مشيد على السحر واستخراج الكتب التي دفنها واشاعوا من اغوائهم للناس انها مأخوذة من سليمان. وان سليمان ساحر وروج ذلك طائفة من اليهود. فبرأ الله سليمان من هذا الامر. وبين ان السحر من العلوم الضارة فقال تعالى واتبعوا ما الشياطين على ملك سليمان. وما كفر سليمان. اي بتعليم السحر والرضا به. ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر. وهذا من عظمة القرآن انه يأمر الخلق بالايمان بجميع الرسل. ويذكرهم باوصافهم الجميلة وينزههم عما قاله الناس فيهم مما ينافي رسالتهم. وكان الله قد ابتلى سليمان والقى على كرسيه جسد اي شيطانا عتابا له على بعض الهفوات. وارجاعا له الى كمال الخضوع لربه. ولهذا قال تعالى ثم اناب الى الله بقلبه ولسانه وبدنه بظاهره وباطنه فقال ربي اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي احد من بعدي انك انت الوهاب. فاستجاب الله له دعاءه. واعطاه جميع ما طلب كما تقدم وقد اثنى الله على داوود وسليمان بالعلم والحكم. وخص سليمان بزيادة الفهم فقال وداوود وسليمان وداود وسليمان اذ يحكمان في الحرث اذ نفشت فيه غنم القوم. اي دخلت الغنم بستانهم ليلا. فرعت زرعه واشجاره حكم داود بحسب اجتهاده وتقديره ان الغنم تكون لصاحب الحرث. لظنه ان الذي تلف من الحرث يقابل قيمتها. ثم رفعت القضية الى سليمان. فحكم على صاحب الغنم ان يقوم على حرث صاحب البستان بالسقي والتعمير والملاحظة حتى يعود كما كان قبل نفشها. ويدفع له صاحب الغنم الغنم ينتفع بدرها ولبنها ودهنها ومغليها مقابلة ما كان بصدد ان ينتفع بحرثه في هذه المدة. فكان هذا الحكم من سليمان اقرب الى الصواب وانفع لصاحب الغنم والحرث. فلهذا قال تعالى ففهمناها سليمان. وكلا اتينا حكما وعلما الماء ونظير هذه القضية حكم داود وسليمان بين المرأتين اللتين خرجتا ومع كل واحدة ابنها. فعدل الذئب على ابن الكبرى. فادعت الكبرى على الصغرى ان الذئب اكل ابني الصغرى. وان الذي سلم من الذئب ابنها. والمرأة انكرت وقالت بل الذئب اكل ابن الكبرى. فتحاكما الى داوود. فلم يرى لكل منهما بينة الا قولها رأى ان يحكم به للكبرى اجتهادا ورحمة بها لكبرها. وان الصغرى في مستقبل عمرها سيرزقها الله ولدا بدله ثم رفعت القضية الى سليمان فقال لهما ائتوني بالسكين اشقه بينكما. فرضيت الكبرى وقالت الصغرى قالت الصغرى لما دار الامر بين تلفه او بقائه بيد غيرها وهو اهون الامرين عليها هو ابنها يا نبي الله علم سليمان بهذا الامر الطبيعي. الذي هو من اقوى البينات انه ليس ابنا للكبرى. لكونها رضيت بشقه واتلافه. وان دعواه على الاخرى انما حملها عليها الحسد. وانه ابن الصغرى حين فزعت من شقه الى التنازل عن دعواها. فقضى به سليمان للصغرى ولا ريب ان استخراج الصواب في القضايا بالبينات والقرائن وشواهد الاحوال من الفهم الذي يخص الله وبه من يشاء. فصل في بعض الفوائد المستنبطة من قصة داود وسليمان عليهما السلام. فمنها ان الله الله يقص على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم. اخبار من قبله لتثبيت فؤاده وتطمين نفسه. ويذكر له من عباده وشدة صبرهم. وانابتهم ما يشوق الى منافستهم. والتقرب الى الله الذي تنافسوا في قربه والصبر على اذى قومه. ولهذا ذكر الله تعالى في اول سورة صاد ما قاله المكذبون لمحمد صلى الله عليه وسلم. وما اذوه وبه قال بعدها اصبر على ما يقولون واذكر عبدنا داوود ذا الايد انه اواب. ومنها ان قوله ذا انه اواب. مدح عظيم من الله لهذين الوصفين. قوة القلب والبدن على طاعة الله. والانابة باطنا وظاهرا الى الله المستلزمة لمحبته وكمال معرفته. وان هذين الوصفين للانبياء على وجه الكمال. ولمن بعدهم من اتباعهم على حسب اتباعهم. والثناء من الله عليهما. يقتضي الحث على جميع الاسباب التي تعين على القوة والانابة. وان العبد رجاعا الى الله في حال السراء والضراء. وفي جميع الاحوال. ومنها ما اكرم الله به نبيه داود عليه السلام من حسن الصوت ورخامته. وان الجبال والطيور تسبح الله معه وتجاوبه. وذلك من زيادة درجاته ومقاماته العالية ومنها ان من اكبر نعم الله على عبده ان يرزقه العلم النافع ويعرف الحكم بين الناس في المقالات والمذاهب وفي الخصومات والمشاحنات كما قال تعالى واتيناه الحكمة وفصل الخطاب. ومنها كمال اعتناء المولى بانبياء واصفيائه. عندما تقع منهم بعض الهفوات بفتنته اياهم. وابتلائهم بما يزيل عنهم المحذور. حتى يعودوا اكمل احوالهم الاولى كما جرى لداوود وسليمان. ومنها ان الانبياء معصومون فيما يبلغون عن الله. فان الله امر بطاعتهم المطلقة ومقصود الرسالة لا يحصل الا بذلك. وقد جرى منهم احيانا بعض مقتضيات الطبيعة من المخالفات. ولكن الله تعالى يبادرهم بلطفه. ويتداركهم بالتوبة والانابة. ومنها ان داود في اغلب اوقاته ملازم محرابه لخدمة ربه وله وقت يجلس فيه لحوائج الخلق. فقد اتم القيام بحق الله وحق عباده. ومنها انه ينبغي استعمال الادب في الدخول على الناس خصوصا الحكام والرؤساء فان الخصمين لما دخلا على داوود في حالة غير معتادة ومن غير الباب فزعا منهم واشتد عليه ذلك ورآه غير لائق بالحال. ومنها انه لا يمنع الحاكم من الحكم بالحق سوء ادب الخصم وفعله ما لا ينبغي. ومنها كمال حلم داوود فانه ما غضب منهما حين جاءه بغير استئذان. ولا انتهرهما ولا ولا وبخهما. ومنها جواز قول المظلوم لمن ظلمه انت ظلمتني او يا ظالم ونحوه. او يا باغي لقوله خصمان بغى بعضنا على بعض. ومنها ان المنصوح ولو كان كبير القدر كثير العلم. عليه الا يغضب ولا يشمل عز من يبادر بقبول النصيحة والشكر لمن نصحه. ويحمد الله اذ قيض له النصيحة على يد الناصح. فان داود لم يشمئن من قول الخصمين فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط واهدنا الى سواء الصراط. بل حكم بالحق الصرف ومنها ان المخالطة بين الاقارب والاصحاب والمعاملين. وكثرة التعلقات الدنيوية المالية موجبة للتعادي بغي بعضهم على بعض وانه لا يرد عن هذا الداء العضال الا التقوى والصبر والايمان والعمل الصالح. وان هذا من اقل شيء في الناس ومنها اكرام الله لداوود وسليمان بالزلفة عنده وحسن المئاب. فلا يتوهم احد ان ما جرى منهما منقص لدرجتهما عند الله. هذا من تمام لطفه بعباده المخلصين. لانه اذا غفر لهم وازال عنهم اثر الذنوب زال الاثار المترتبة عليها حتى ما يقع في قلوب الخلق وما ذلك على فضل الكريم بعزيز. ومنها ان مرتبة الحكم بين الناس مرتبة دينية تولاها رسل الله وخواص خلقه. وان على القائم بها الحكم بالحق. والا يتبع الهوا فالحكم بالحق يقتضي العلم بالامور الشرعية والعلم بصورة القضية المحكوم بها وكيفية ادخالها في الاحكام الشرعية فالجاهل بواحد من هذه الامور لا يحل له الاقدام على الحكم بين الناس. ومنها ان سليمان يعد من فضائل داوود ومن منن الله عليه قال تعالى ووهبنا لداوود سليمان نعم العبد انه اواب. وهذا اعظم تزكية واكبر فخر لسليمان. ومنها كثرة الخير وفضله على عبيده الاخيار. يمن عليهم بالاخلاق الجميلة والاعمال الصالحة. ثم يثني عليهم بها ويرتب عليها من الثواب انواعا منوعة. وهو المتفضل بالاسباب ومسبباتها. ومنها ان سليمان قدم محبة الله على محبة كل شيء واتلف الخيل التي الهته عن ذكر ربه حتى توارت الشمس بالحجاب. فهو مشؤوم فليفارقه وليقبل على ما هو له. ومنها انه يؤخذ من ان سليمان لما اتلف الخيل الجياد. التي الهته عن طاعة الله. سخر الله له الريح والشياطين ان من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه. ومنها ان تسخير الشياطين وتسخير الريح على الوجه الذي سخرت لسليمان لا تكون لاحد بعد سليمان. ولهذا لما رأى النبي صلى الله عليه وسلم ان يأخذ الشيطان الذي تفلت عليه ليلة فيربطه في سارية المسجد قال ذكرت دعوة اخي سليمان فتركته. ومنها ان سليمان كان ملكا نبيا مباحا له ان يفعل ما يريد. ولكنه ماله لا يريد الا الخير والعدل. وهذا بخلاف النبي العبد. فانه لا يكون له ارادة مستقلة. بل ارادته تابعة لمراد الله منه فلا يفعل ولا يترك الا تبعا للامر كحال نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. ومنها ان الله اعطى سليمان ملكا عظيما فيه امور لا يمكن ان تدرك بالاسباب. وانما هي من تقدير الملك الوهاب. مثل تسخير الريح تبعا لامره. وتسخير الشياطين وكون جنوده من الانس والجن والطير. وان الطيور كانت تخدمه الخدمة العظيمة. يرسلها للجهات توصل منه الاخبار وتأتيه باخبار تلك الجهات. وقد اعطاها الله من الفهم ومعرفة احوال الادميين. ما قص الله علينا نبأه في هذه القصة وكذلك الذي عنده علم من الكتاب. حين استعد ان يأتيه بعرش ملكة سبأ. قبل ان يرتد اليه طرفه. وهذه ايات انبياء ولهذا مهما بلغ الخلق من الترقي في علوم الطبيعة والمهارة بالمخترعات. فلن يصلوا الى ما اعطيه سليمان. ومنها انه ينبغي للملوك والرؤساء ان يسألوا عن احوال الامراء والرؤساء والرجال المتميزين. ولا يكتفوا بمجرد السؤال بل يختبرونهم يختبرون معرفتهم للامور وعقولهم. كما فعل سليمان مع ملكة سبأ. امتحنها ليستدل على كمال عقلها ورجاحته. ولم يكتف السؤال وهذا فيه للملوك فوائد عظيمة. وهم محتاجون لهذا اشد الحاجة. تمام الملك ان يدير دفته الرجال الكاملون قصة ايوب عليه السلام. كان ايوب من انبياء بني اسرائيل ومن الاصفياء الكرام. وقد ذكره الله في كتابه واثنى عليه بالخصال الحميدة عموما. وبالصبر على البلاء خصوصا. فان الله تعالى ابتلاه بولده واهله وماله ثم بجسده. فاصابه من البلاء ما لم يصب احدا من الخلق. فصبر لامر الله ولم يزل منيبا لله. ولما تطاول به المرض العظيم ونسيه الصاحب الحميم نادى ربه اني مسني الضر وانت ارحم الراحمين. فقيل له اركض برجلك فركض فنبعت بركضته عينا ماء بارد. فقيل له اشرب منها واغتسل ففعل ذلك. فاذهب الله ما في باطنه وظاهره من البلاء. ثم اعاد الله له اهله وماله واعطاه من النعم والخيرات شيئا كثيرا. وصار بهذا الصبر قدوة للصابرين. وسلوة للمبتلين. وعبرة للمعتبرين وكان في مرضه قد وجد على زوجته المرأة البارة الرحيمة في بعض شيء. فحلف ان يجلدها مائة جلدة فخفض الله عنه وعنها وقيل له وخذ بيدك ضعفا اي حزمة حشيش او علف او شماريخ او نحوها فيها مائة عود فاضرب بها ولا تحنث. اينحل بذلك يمينك؟ وفي هذا دليل على ان كفارة اليمين لم تشرع لاحد من قبل شريعتنا. وان اليمين عندهم بمنزلة النذر الذي لابد من وفائه. وفي هذا دليل على ان من لا يحتمل اقامة الحد عليه لضعفه ونحوه ان يقام عليه مسمى ذلك. لان الغرض التنكيل وليس الاتلاف والاهلاك. قصة الخضر مع موسى ومحلها في اثناء قصص موسى وذلك ان موسى صلى الله عليه وسلم قام ذات يوم في بني اسرائيل مقاما عظيما. علمهم فيه علوما جما. واعجب الناس بكمال علمه فقال له قائل يا نبي الله هل يوجد او هل تعلم في الارض احدا اعلم منك؟ فقال لا بناء على ما يعرفه بترغيبا لهم في الاخذ عنه. فاخبره الله ان له عبدا في مجمع البحرين عنده علوم ليست عند موسى. والهامات خارجة عن الطور المعهود فاشتاق موسى الى لقياه رغبة في الازدياد من العلم. وطلب من الله ان يأذن له في ذلك. واخبره موضعه وتزودا حوتا وقيل له اذا فقدت الحوت فهو في ذلك المكان. فذهب فوجده وكان ما قص الله من نبأه في سورة الكهف واذ قال موسى لفتاه لا ابرح حتى ابلغ مجمع البحرين او امضي حقبا. الى قوله سبحانه تأويل ما لم تسطع عليه صبرا. وفي هذه القصة من الفوائد والاحكام والقواعد شيء كثير. ننبه على بعضه لله ونذكر المهمة منه. فمنها ما اشتملت عليه القصة من فضيلة العلم وشرفه. ومشروعية الرحلة في طلبه. وانه اهم الامور فان موسى رحل في طلبه مسافة طويلة. ولقي في ذلك النصب وترك الاقامة عند بني اسرائيل لتعليمهم وارشادهم. واختار سافر لزيادة العلم على ذلك. ومنها البداءة في العلم بالاهم فالاهم. ان زيادة علم الانسان بنفسه اهم من ترك ذلك اشتغالا فقط بل يتعلم ليعلم. ومنها جواز اخذ الخادم في السفر والحضر لكفاية المؤن وطلب الراحة. كما فعل موسى عليه السلام ومنها ان المسافر بطلب العلم او الجهاد او غيرهما من اسفار الطاعة. بل وكذلك غيرهما اذا اقتضت المصلحة الاخبار بمطلبه واين مراده فانه اكمل من كتمه. فان في اظهاره من فوائد الاستعداد له عدته. واتيان الامر على بصيرة والاعلان بالترغيب في هذه العبادة الفاضلة لقول موسى لا ابرح حتى ابلغ مجمع البحرين او امضي حقبا. ولما غزا صلى الله عليه وسلم تبوك اخبر الناس بمقصده. مع انه كان في الغالب اذا اراد غزوة ور بغيرها تبعا للمصلحة في الحالتين. ومنها اضافة الشر واسبابه الى الشيطان. وكذلك النقص لقول فتى موسى وما انسانيه الا الشيطان ان اذكره. ومنها جواز الانسان عما يجده مما هو مقتضى الطبيعة البشرية. من نصب او جوع او عطش. اذا لم يكن على وجه التسخط وكان صدقا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا. ومنها انه ينبغي ان يتخذ الانسان خادما ذكيا فطنا كيسا. ليتم له امره وما يريد ومنها استحباب اطعام الانسان خادمه من مأكله. واكلهما جميعا. لان ظاهر قوله اتنا غدائنا انه للجميع ومنها ان المعونة تنزل على العبد بحسب قيامه بالامر الشرعي. وان ما وافق رضا الله يعان عليه ما لا يعان على غيره قوله لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا. والاشارة الى السفر المجاوز لمجمع البحرين. واما الاول فلم يشتكي منه مع طوله. ومنها ان ذلك العبد الذي لقياه ليس نبيا. بل هو عبد صالح عالم ملهم. لان الله ذكره بالعلم والعبودية الخاصة والاوصاف الجميلة. ولم يذكر معها انه نبي او رسول. واما قوله في اخر القصة وما فعلته عن امري فانه لا تدل على انه نبي. وانما يدل على الالهام والتحديث. وذلك يكون لغير الانبياء. قال تعالى واوحى ربك الى النحل وقال واوحينا الى ام موسى. ومنها ان العلم الذي يعلمه الله للعبد نوعان. علم مكتسب يدركه العبد بطلبه وجده وعلم الهي لدني. يهبه الله لمن يمن عليه من عباده. لقوله وعلمناه من لدنا علما. فالخضر اعطي من هذا النوع اوفر ومنها التأدب مع المعلم والتلطف في خطابه لقول موسى هل اتبعك على ان تعلمني مما علمت رشدا؟ فاخرج الكلام بصورة الملاطفة والمشاورة. وانك هل تأذن لي ام لا؟ واظهار حاجته الى المعلم وانه يتعلم منه ومشتاق الى ما عنده بخلاف حال اهل الكبر والجفاء. الذين لا يظهرون حاجتهم الى علم المعلم. فلا انفع للمتعلم من اظهار الحاجة الى علم المعلم وشكره على تعليمه. ومنها تواضع الفاضل للتعلم ممن هو دونه. فان موسى بلا ريب افضل من الخضر. ومنها تعلم العالم الفاضل للعلم الذي لم يتمهر فيه ممن مهر فيه وان كان دونه في العلم درجات. فان موسى من اكابر اولي العزم من الرسل الذين منحهم الله واعطاهم من العلوم ما لم يعطي سواهم ولكن في هذا العلم الخاص ولكن في هذا العلم الخاص كان عند الخضر ما ليس عنده. فلهذا اشتد حرصه على التعلم منه ومنها انه يتعين اضافة العلم وغيره من الفضائل الى فضل الله ورحمته. والاعتراف بذلك وشكر الله عليه لقوله تعلمني مما ما علمت رشدا. ومنها ان العلم النافع هو العلم المرشد الى الخير. وكل علم فيه رشد وهداية لطريق الخير. وتحذير عن طريق الشر او وسيلة الى ذلك فانه من العلم النافع. وما سوى ذلك فاما ان يكون ضارا او ليس له فائدة. لقوله ان تعلمني مما علمت رشدا ومنها ان من ليس له صبر على صحبة العالم. ولا قوة على الثبات على طريق التعلم. فانه قاصر ليس باهل لتقى العلم لا صبر له لا يدرك العلم. ومن استعمل الصبر ولازمه ادرك به كل امر سعى اليه. فان الخضر اعتذر عن موسى انه لا يصبر على علمه خاص ومنها ان مما يعين على الصبر على الاشياء احاطة العبد بها علما وبمنافعها وثمراتها ونتائجها. فمن لا يدري هذه الامور يصعب عليه صبر لقوله وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا. ومنها الامر بالتأني والتثبت وعدم المبادرة على الحكم على الاشياء. حتى وصل الى حيث منتهى الخف والحافر من بلاد افريقية. ووجد في ذلك المحل وتلك الاقطار قوما منهم المسلم والكافر. منهم المسلم والكافر والبر والفاجر بدليل قوله قلنا يا ذا القرنين اما ان تعذب واما ان تتخذ فيهم حسنا. اما ان ما يراد منه وما هو المقصود؟ ومنها مشروعية تعليق ايجاد الامور المستقبلة على مشيئة الله لقوله ستجدني ان شاء الله صابرا ولا اعصي لك امرا. وان العزم على الشيء ليس بمنزلة فعله. فموسى عزم على الصبر. ولكن لم يفعل. ومنها ان المعلم اذا رأى من المصلحة ان يخبر المتعلم ان يترك الابتداء في السؤال عن بعض الاشياء حتى يكون المعلم هو الذي يوقفه عليها فان المصلحة تتبع كما اذا كان فهم قاصرا او نهاه عن التدقيق الشديد او الاسئلة التي لا تتعلق بالموضوع. ومنها جواز ركوب البحر اذا لم يكن في ذلك خطر ومنها ان الناس هي غير مؤاخذ لا في حق الله ولا في حق العباد الا ان ترتب على ذلك اتلاف مال ففيه الضمان حتى على الناس لقوله لا تؤاخذني بما نسيت. ومنها انه ينبغي للعبد ان يأخذ من اخلاق الناس ومعاملاتهم العفو منها. وما سمحت به انفسهم ولا ينبغي له ان يكلفهم ما لا يطيقون. او يشق عليهم او يرهقهم فان هذا داع الى النفور. بل يأخذوا المتيسر ليتيسر له الامر ومنها ان الامور تجري على ظاهرها وتعلق بها الاحكام الدنيوية في كل شيء. لان موسى عليه السلام انكر على الخضر خرق السفينة وقتل الغلام بحسب احكامها العامة. ولم يلتفت الى الاصل الذي الصلاة هو والخضر. الا يسأله ولا يعترض عليه حتى يكون الخضر هو مبتدئ ومنها فيه تنبيه على القاعدة المشهورة الكبيرة. وهو انه يدفع الشر الكبير بارتكاب الشر الخفيف. ويراعى اكبر المصلحتين بتفويت في ادناهما فان قتل الغلام الصغير شر. ولكن بقائه حتى يبلغ ويفتن ابويه عن دينهما اعظم شراء. وبقاء الغلام من دون قتل وان كان في الحالي انه خير فالخير ببقاء ابويه على دينهما خير من ذلك. فلذلك قتله الخضر بعدما الهمه الله الحقيقة. فكان الهامه بمنزلة البينات الظاهرة في حق غيره. ومنها القاعدة الكبيرة الاخرى وهي ان عمل الانسان في مال غيره اذا كان على وجه المصلحة ودفع المضرة يجوز بلا اذن. حتى ولو ترتب عليه اتلاف بعض المال. كما خرق الخضر السفينة لتعيب. فتسلم من غصب الملك الظالم وتحت هاتين القاعدتين من الفوائد ما لا حصر له. ومنها ان العمل يجوز في البحر كما يجوز في البر لقوله يعملون في البحر. ومنها ان قتلى من اكبر الذنوب. ومنها ان العبد الصالح يحفظه الله في نفسه وفي ذريته وفيما يتعلق به. بقوله وكان ابوهما صالحا. وان الصالحين عمل مصالحهم افضل من غيرهم. لانه علل افعاله بالجدار بقوله وكان ابوهما صالحا. ومنها استعمال الادب مع الله حتى في الالفاظ ان الخاضر اضاف عيب السفينة الى نفسه بقوله فاردت ان اعيبها. واما الخير فاضافه الى الله لقوله فاراد ربك ان يبلغا اشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك. فقال ابراهيم واذا مرضت فهو يشفين. وقالت الجن وانا لا ندري اشر اريد بمن في الارض ام اراد بهم ربهم رشدا. مع ان الكل بقضاء الله وقدره. ومنها انه ينبغي عبدي الا يفارق صاحبه في حالة من الاحوال ويترك صحبته. فليفي له بذلك حتى لا يجد للصبر محلا. وان موافقة لصاحبه في غير الامور المحذورة مدعاة وسبب لبقاء الصحبة وتأكدها. كما ان عدم الموافقة سبب لقطع المرافقة قصة ذي القرنين. وكان ذو القرنين ملكا صالحا. وقد اعطاه الله من القوة واسباب الملك والفتوح ما لم يكن لغيره. فذكر الله حسن سيرته ورحمته وقوة ملكه وتوسعه في المشارق والمغارب ما يحصل به المقصود التام من سيرته ومعرفة احواله. ولهذا ويسألونك عن ذي القرنين قل ساتلو عليكم منه ذكرا. اي من بعض اخباره. ومن المعلوم ان ما قصه الله في كتابه هو وانفع ما يقص على العباد. فاخبر انه اعطاه من كل شيء سببا. يحصل به قوة الملك وعلم السياسة وحسن التدبير. والسلاح تخضع للامم وكثرة الجنود وتسهيل المواصلات وجميع ما يحتاجه. ومع ذلك فقد عمل بالاسباب التي اعطيها. فما كل احد يعطى اسبابا نافعة ولا كل من اعطيها يتبعها ويعمل بها. اما ذو القرنين فانه تم له اما ذو القرنين فانه تم له الامران اعطي سببا فاتبع سببا. فغزا بجيوشه الجرارة ادنى افريقية واقصاها. حتى بلغ البحر المحيط الغربي. فوصل الى محل اذا غرق الشمس وجدها تغرب في عين حمئة. اي رآها في رؤية العين كانها تغرب في البحر. البحر لونه اسود كالحمئة. فالقصد القائل له نبي من انبياء الله او احد العلماء او ان المعنى انه بسبب قدرته كان مخيرا قدرا. والا فمن المعلوم ان الشرع ما يسوي بين الامرين المتفاوتين في الاحسان والاساءة. فقال اما من ظلم فسوف نعذبه ثم يرد الى ربه يعذبه عذابا نكرا. واما من امن وعمل صالحا فله جزاء الحسنى. وسنقول له من امرنا يسرا. وهذا يدل على على عادله وانه ملك صالح وعلى حسن تدبيره. ثم اتبع سببا اي ثم عمل بالاسباب التي اوتيها. بعدما اخضع اهل المغارب رجع الارض قطرا قطرا. حتى وصل الى مطلع الشمس من بلاد الصين. وشواطئ البحر المحيط الهادي. وهذا منتهى ما وصل اليه الفاتحون وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها سترا. اي لا ستر لهم عن الشمس لا ثياب ينسجونها ويلبسونها. ولا بيوت يبنون ويأوون اليها. اي وجد هؤلاء القوم الذين في اقصى المشرق بهذه الصفة والوحشية بمنزلة الوحوش التي تأوي الى الغياض والغيران والاسراب منقطعين عن الناس. وكانوا في ذلك الوقت على هذه الحالة التي وصف الله. والمقصود من هذا انه وصل الى ما لم لم يصل اليه احد ثم كرر راجعا واتبع سببا يمكنه من مناهج البلاد وتخضيع العباد قاصدا نحو الشمال. حتى اذا بلغ بينهم من السدين اي بلغ محلا متوسطا بين السدين الموجودين منذ خلق الله الارض. وهما سلاسل جبال عظيمة شاهقة متواصلة من تلك الفجوة وهو الريع الى البحار الشرقية وهو الريع الى البحار الشرقية والغربية وهي في بلاد الترك. على هذا اتفق المفسرون والمؤرخون وانما اختلفوا هل هي سلاسل جبال القفقاس؟ ام دون ذلك في اذربيجان؟ ام سلاسل جبال الطاي؟ ام الجبال المتصلة بالسور الصيني في بلاد من غوليا وهو الظاهر وعلى الاقوال كلها فوجد عند تلك الفجوة التي بين سلاسل هذه الجبال قوما لا يكادون يفقهون قولا من بعد لغتهم وثقل فهمهم للغات الامم. قالوا يا ذا القرنين ان يأجوج ومأجوج مفسدون في الارض. وهم عظيمة من نسل يافث ابن نوح. من العناصر التركية وغيرهم. كما هو مذكور مفصل من احوالهم ومشروح من صفاتهم. فهل اجعل لك خرجا على ان تجعل بيننا وبينهم سدا. قال ما مكني فيه ربي اي من القوة والاسباب والاقتدار. خير فاعينه بقوة اي ان هذا بناء عظيم يحتاج في الاعانة عليه الى مساعدة قوية في الابدان. اجعل بينكم وبينهم ردما ولم يقل سدا لان الذي بنى فقط هو تلك الثنية والريع الواقعة بين السدين الطبيعيين. اي بين سلاسل تلك الجبال. فدبرهم على كيفية الته فقال اتوني زبر الحديد. اي اجمعوا لي جميع قطع الحديد الموجودة من صغار وكبار. ولا تبعوا من الموجود شيئا وارقموه بين السدين ففعلوا ذلك. حتى كان الحديد تلولا عظيمة موازنة للجبال. ولهذا قال حتى ساوت ما بين الصدفين اي بين الجبلين المكتنفين لذلك الردم قال انفخوا حتى اذا جعله نارا قال اتوني افرغ عليه قط اي امر بالنحاس فاذيب بالنيران وجعل يسيل بين قطع الحديد. فالتحم بعضها ببعض وصارت جبلا هائلا متصلا بالسدين وحصل بذلك المقصود من حيث يأجوج ومأجوج. ولهذا قال فما اسطاعوا ان يظهروه ان يصعدوا ذلك الردم. وما استطاعوا له نقبا. قال هذا رحمة من ربي. اي ربي الذي وفقني لهذا العمل الجليل والاثر الجميل. فرحمكم اذ منعكم من ضرر يأجوج ومأجوج بهذا السبب الذي لا قدرة لكم عليه. فاذا جاء وعد ربي جعله دكاء. اي هذا العمل والحيلولة بينكم وبين يأجوج ومأجوج مؤقت الى اجل فاذا جاء ذلك الاجل قدر الله للخلق من اسباب القوة والقدرة والصناعات والاختراعات الهائلة ما يمكن يأجوج ومأجوج من بلادكم ايها المجاورون. بل من وطأ مشارق الارض ومغاربها واقطارها كما قال تعالى. حتى اذا فتحت يأجوج ومأجوج من كل حدب ينسلون. اي من كل مكان مرتفع. سواء مثل هذه السدود والبحار وجو السماء. ينسلون ان يسرعون فيها غير ولا حاجز يحجزهم. فلفظة من كل حدب تشمل جميع المواضع والاقتار. سهلها وصعبها منخفضها ارتفعها وانما نص الله على المرتفعات لان السهول والاماكن المنخفضة من باب اولى واحرى. وقد ورد في صفاتهم احاديث في الصحيحين ما في هذه الايات من صفاتهم. واورد اصحاب السير والتواريخ الاول من صفاتهم وهيئاتهم اثارا لا خطام لها ولا زمام. شوشت افكارهم صار اكثر الناس ومنعتهم من الاستدلال بالايات القرآنية والاحاديث الصحيحة النبوية وتطبيقها على الواقع. فعليك بلزوم ما دل على عليه الكتاب والسنة. ودع ما سوى ذلك فان فيه الهدى والرشد والنور. قصة عيسى وامه وزكريا ويحيى عليهم السلام. كانت زوجة عمران وهو من اكابر بني اسرائيل ورؤسائهم وذوي المقامات العالية عندهم نظرت حين ظهر حملها ان تحرر ما في بطنها لبيت المقدس يكون خادما لبيت الله معدا لعبادة الله ظنا ان الذي في بطنها ذكر. فلما وضعتها قالت معتذرة الى الله شاكية اليه الحال باني وضعتها انثى والله اعلم بما وضعت وليس الذكر كالانثى. اي ان الذكر الذي له القوة والقدرة على ما يراد منه من القيام بخدمة بيته بيت المقدس واني سميتها مريم واني اعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم. فحصنتها بالله من عدوها هي وذريتها. وكان هذا اول حفظ وحماية من الله لها. ولهذا استجاب الله لها في هذه الدنيا. فتقبلها ربها بقبول حسن. اي ان الله اي ان الله جبر امها وصار لها عند ربها من القبول اعظم مما للذكور. وانبتها نباتا حسنا وكفلها زكريا. فجمع الله لها بين التربية الجسدية والتربية الروحية. حيث ان يكون كافلها اعظم انبياء بني اسرائيل في ذلك الوقت. فان امها لما جاءت بها لاهل بيت المقدس تنازعوا ايهم يكفلها لانها ابنة رئيسهم فاقترعوا والقوا اقلامهم فاصابت القرعة زكريا رحمة به وبمريم فكفلها احسن كفالة. واعانه على كفالتها بكرامة عظيمة منه فكانت قد نشأت نشأة الصالحات الصديقات. وعكفت على عبادة ربها ولزمت محرابها. فكان زكريا كلما دخل عليها المحراب فوجد عندها رزقا. قال يا مريم انى لك هذا؟ فانه ليس لك كافل غير زكريا. قالت هو من عند الله ان الله يرزق من يشاء بغير حساب. اي رزقه تعالى يأتي بطرق معهودة وبطرق اخرى. والله على كل شيء قدير. فحين رأى هذه الحالة تذكره ذلك لطف ربه ورجاءه الى رحمته. فدعا الله ان يهب له ولدا يرثه علمه ونبوته. ويقوم بعده في بني اسرائيل في تعليمهم وهدايتهم فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب ان الله يبشرك بيحيى. مصدقا بكلمة من الله اي بعيسى صلى الله عليه وسلم وسيدة وحصورا وسيدا اي عظيما عند الله وعند الخلق. لما جبله الله عليه من الاخلاق الحميدة والعلوم العظيمة والاعمال الصالحة. وحصورا اي ممنوعا بعصمة الله وحفظه ووقايته من مواقعة المعاصي. فوصفه الله بالتوفيق لجميع الخيرات. والحماية من السيئات والزلات وهذا غاية كمال العبد. فتعجب زكريا من ذلك وقال انى يكون لي غلام وكانت امرأتي عاقرا؟ وقد بلغت من الكبر عتيا. قال كذلك قال ربك هو علي هين وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا. وهذا اعجب من حملها وهي عاقر على كبرك. فمن فرحه ورغبته العظيمة في طمأنينة قلبه قال رب اجعل لي اية تدلني على وجود الولد. قال اياتك الا تكلم الناس ثلاثة ايام الا رمزا. واذكر ربك كثيرا وسبح بالعشي والابكار. وهي اية كبرى يمنع من الكلام الذي هو اسهل ما يقدر عليه الانسان. وهو سوي فلا يقدر ان يكلم احد الا بالاشارة. ومع ذلك لسانه منطلق بذكر الله وتسبيحه وتحميده. فحينئذ تمت له البشارة من الله. وعرف انه لابد ان يكون فولدت زوجته يحيى وانشأه الله نشأة عجيبة فتعلم وهو صغير ومهر في العلم وهو صغير. ولهذا قال واتيناه حكم صبيا حتى قيل ان الله ايضا نبأه وهو صغير. وكما اعطاه الله العلم العظيم فقد من عليه باكمل الصفات فقال وحنانا من لدن وزكاة وكان تقيا وبرا بوالديه ولم يكن جبارا عصيا. وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث ومضمون هذا وصفه بالقيام بحقوق الله وحقوق والديه. وحقوق الخلق وان الله سيحسن له العواقب في احواله كلها. واما فانها انتبذت من اهلها مكانا شرقيا متجردة لعبادة ربها. فاتخذت من دونهم حجابا. لئلا يشغلها احد عما هي بصدده. فارسل الله لها الروح الامينة جبريل في صورة بشر سوي من اكمل الرجال واجملهم. فظنت انه يريدها بسوء فقالت اني اعوذ بالرحمن منك ان كنت تقيا فتوسلت بالله في حفظها وحمايتها وذكرته وجوب التقوى على كل مسلم يخشى الله. فكان هذا الورع العظيم منها في هذه في الحالة التي يخشى منها الوقوع في الفتنة. ورفع الله بذلك مقامها ونعتها بالعفة الكاملة. وانها احصنت فرجها. فقال لها جبريل انما انا رسول ربك لاهب لك غلاما زكيا. قالت انى يكون لي غلام ولم يمسسنى بشر ولم اك بغيا. ولكذلك قال ربك هو علي هين ولنجعله اية للناس ورحمة منا به وبك وبالناس. وكان امرا مقضيا. فلا تعجبي مما قدره وقضاه فانتبذت به اي ابتعدت به عن الناس. مكانا قصيا خشية الاتهام والاذية منهم. فجاءها اي الجأها المخاض اي الطلق الى جذع النخلة قالت يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا. لما تعرفه مما هي متعرضة له من الناس. وانهم لا يصدقونها ولم تدري ما الله صانع لها. فناداها الملك من تحتها وكانت في مكان مرتفع. واويناهما الى ربوة ذات قرار ومعين الا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا. اي نهرا جاريا وهزي اليك بجذع النخلة من دون ان تحوجك الى صعود. اي طريا خديجة فكلي من الرطب واشربي من السري وقري عين بولادة عيسى وليذهب روعك وخوفك فاما ترين من البشر احدا فقولي اني نذرت للرحمن صوما اي سكوتا. وكان معهودا عندهم انهم يتعبدون بالصمت في جميع النهار. ولهذا فسره بقوله ان اكلم اليوم انسيا. فاطمئن قلبها وزال عنها ما كانت تجد. ثم لما تعالت من نفاسها واصلحت من شأنها وقويت بعد الولادة. فاتت به قومها تحمله علنا غير هائبة ولا مبالية. فلما رآه قومها وقد علموا انه لا زوج لها جزموا انه من وجه اخر. فقالوا يا مريم لقد جئت شيئا ثريا. يا اخت هارون ما كان ابوك امرأ سوء وما كانت امك بغيا. فاشارت اليه. كما امرت بذلك فقالوا منكرين عليها مقالتها لهم. كيف نكلم من كان في المهد صبيا؟ فقال وهو في تلك الحال له ايام يسيرة بعد ولادته اني عبد الله اتاني الكتاب وجعلني نبيا. وجعلني مباركا اينما كنت واوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا. والسلام علي يوم ولدت ويوم اموت ويوم ابعث حيا. فكان هذا الكلام منه في هذه الحالة من ايات الله وادلة رسالته وانه عبدالله لا كما يزعمه النصارى. وحصل لامه البراءة العظيمة مما يظن بها من السوء. لانها لو اتت بالف شاهد على البراءة وهي على هذه الحال ما صدقها الناس. ولكن هذا الكلام من عيسى وهو في المهد جل كل ريب يقع في فانقسم الناس فيه بعد هذا ثلاثة اقسام. قسم امنوا به وصدقوه في كلامه هذا. وفي الانقياد له بعد النبوة. وهم المؤمنون وقسم غلوا فيه وهم النصارى. وقالوا فيه المقالات المعروفة. ونزلوه منزلة الرب. تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا. وقسم كفروا به وجفوه وهم اليهود. ورموا امه بما برأها الله منه. ولهذا قال تعالى فاختلف الاحزاب من بينهم. فويل الذين كفروا من مشهد يوم عظيم. ولما ارسله الله الى بني اسرائيل امن به من امن وكفر به من كفر. وجعل يريهم الايات العجائب فكان يصور الطين فينفخ فيه فيكون طيرا باذن الله. ويبرئ الاكمه والابرص ويحيي الموتى باذن الله. وينبئهم عن مما يأكلون ويدخرون في بيوتهم. ومع هذا فتكالبت عليه اعداءه وارادوا قتله. فالقى الله شبهة على واحد من الحواريين اصحاب او من غيرهم ورفعه الله اليه وطهره من قتلهم. فاخذوا شبيهه فقتلوه وصلبوه وباءوا بالاثم العظيم والجرم الجسيم صدقهم النصارى انهم قتلوه وصلبوه ونزهه الله في هذه الحالة فقال وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم قد قام عيسى في بني اسرائيل فبشر واعلن برسالة محمد صلى الله عليه وسلم. فلما جاءهم محمد الذي يعرفونه كما يعرفون ابناءهم قالوا هذا سحر مبين. كما قالوا في عيسى ان هذا الا سحر مبين. وفي هذه القصة من الفوائد امور. منها ان النذر ما زال مشروعا في الامم السابقة والنبي صلى الله عليه وسلم قال فيه كلمة جامعة للصحيح النافذ منه والباطل فقال من نذر ان يطيع الله فليطعه من نذر ان يعصي الله فلا يعصه. ومنها ان من نعمة الله على العبد ان يكون في كفالة الصالحين الاخيار. فان المربي والكافل له الاثر العظيم في حياته المكفول واخلاقه وادابه. لهذا امر الله المربين بالتربية الطيبة المشتملة على الحث على الاخلاق الجميلة والترهيب من مساوئ الاخلاق منها اثبات كرامات الاولياء. فان الله كرم مريم بامور. يسر لها ان تكون في كفالة زكريا بعدما حصل الخصام في شأنها. واكرمها بان كان يأتيها من الله بلا سبب. واكرمها بوجود عيسى وولادتها اياه. وبخطاب الملك لها بما يطمئن قلبها. ثم بكلامه في المهد لله يرد في القرآن على نوعين. نوع عام مثل قوله ان كل من في السماوات والارض الا الرحمن عبدا. اي معبدا مملوكا. والنوع الثاني العبودية الخاصة. وهي تقتضي ان العبد بمعنى العابد فهذه الاخيرة جمعت كرامة ولي ومعجزة نبي. ومنها الايات العظيمة التي اجراها الله على يد عيسى ابن مريم. من احياء الموتى وابراء الاكمه والارض فرص ونحوهما ومنها ما اكرم الله به عيسى بان جعل له حواريين وانصارا في حياته وبعد مماته. في بث دعوته والنصر لدينه. ولذلك تابعوه. ولكن منهم المستقيم وهو الذي امن به حقيقة. وامن بجميع الرسل. ومنهم المنحرف وهم الذين غلوا فيه. وهم جمهور من يدعي ان انهم من اتباعه وهم ابعد الناس عنه. ومنها ان الله اثنى على مريم بالكمال بالصديقية وانها صدقت بكلمات ربها وكتبه. وكانت من قانتين وهذا وصف لها بالعلم الراسخ والعبادة الدائمة والخشوع لله. وانه اصطفاها وفضلها على نساء العالمين. ومنها ان اخبار النبي صلى الله عليه وسلم بهذه القصة وغيرها مفصلة مطابقة للحقيقة من ادلة رسالته وايات نبوته لقوله ذلك من ان داء الغيب نحيه اليك. قصة يوسف ويعقوب عليهما الصلاة والسلام. هذه القصة من اعجب القصص وذكرها الله جميعا بصورة مطولة مفصلة تفصيلا واضحا. قراءتها تغني عن التفسير. فان الله ساق فيها حالة يوسف من ابتداء امره الى اخره وما بين ذلك من التنقلات واختلاف الاحوال. وقال فيها لقد كان في يوسف واخوته ايات للسائلين. فلنذكر ما من هذه القصة العظيمة من الفوائد. فنقول مستعينين بالله ذكر ما فيها من الفوائد. منها ان هذه القصة من احسن القصص لما فيها من انواع التنقلات من حال الى حال. ومن محنة الى محنة ومن محنة الى منحة ومنة ومن ذل الى عز. ومن امن الى خوف وبالعكس ومن ملك الى رق وبالعكس ومن فرقة وشتات الى انضمام وائتلاف وبالعكس ومن سرور الى حزن وبالعكس ومن رخاء الى جد وبالعكس ومن ضيق الى سعة وبالعكس ومن وصول الى عواقب حميدة فتبارك من قصها وجعلها عبرة لاولي الالباب. ومنها ما في من اصول تعبير الرؤية المناسبة. وان علم التعبير علم مهم يعطيه الله من يشاء من عباده. وان اغلب ما تبنى عليه المناسبات وضرب الامثال تساءلوا بينهم وليقفوا في اخر الامر على الحقيقة. قال قائل منهم كم لبثتم؟ قالوا لبثنا يوما او بعض يوم قالوا ربكم اعلم بما لبثتم. فبعثوا احدكم بورقكم هذه الى المدينة. فلينظر ايها ازكى المشابهة في الصفات فوجه مناسبة رؤيا يوسف انه رأى الشمس والقمر والكواكب الاحد عشر ساجدين له. ان هذه زينة للسماء وفيها وكذلك الانبياء والعلماء والاصفياء زينة الارض. وبهم يهتدى في الظلمات كما يهتدى بالانوار السماوية. ولان اباه وامه واخوته فرع عنهما. فمن المناسب ان يكون الاصل اعظم نورا وجرما من الفرع. فلذلك كانت الشمس امه او اباه. والقمر اخر منهما والكواكب اخوته. ومن المناسب ان الساجد محترم لمن سجد له. والمسجود له معظم محترم. فدل ذلك على ان يوسف يصير معظما محترما لابويه واخوته. ولا يتم هذا الا بمقدمات تقتضي الوصول الى هذا من علوم واعمال واجتباء من الله. فلهذا وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل الاحاديث. ويتم نعمته عليك. ومنها المناسبة في رؤيا الفتيين. حيث عبر رؤيا من رأى انه يعصر خمرا ان الذي يعمل هذا العمل يكون في العادة خادما لغيره. وايضا العصر مقصود لغيره. والخادم تابع لغيره قولوا ايضا الى السقي الذي هو خدمته. فلذلك اوله بما يؤول اليه. واما تعبيره لرؤيا من رأى انه يحمل فوق رأسه خبزا تأكل الطير منه بانه يقتل ويصلب مدة حتى تأكل الطير من مخ رأسه الذي هو يحمل. وعبر رؤيا الملك بالبقرات والسنبلات. بانها السنون المخصبة والمجدبة ووجه المناسبة ان المالك به ترتبط امور الرعية ومصالحها. وبصلاحه تصلح وبفساده تفسد. فهذه نسبته اذا رأى هو الرؤيا وكذلك السنون بخصبها وجذبها تنتظم امور المعاش او تختل. والبقرة هي الة حرث الارض واستخراج مغلها. والمغل هو الزرع. فرأى السبب والمسبب فرؤيته السبع السمانة من البقر ثم السبع العجاف والسبعة السنبلات الخضر ثم السبع اليابسات اي لابد ان تتقدم السبع السنين المخصبات ثم تتلوها المجدبات وتأكل ما حصل فيها من غلال. ولا تبقي الا شيئا يحصنونه عنها. والا فهي بصدد كلها. فان قيل من اين اخذ قوله؟ ثم ياتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون. فان بعض المفسرين قال هذه زيادة من يوسف في التعبير بوحي اوحي اليه. فالجواب ليس الامر كذلك وانما اخذها من رؤيا الملك. فان السنين المجدبة سبع فقط. فدل على انه سيأتي بعدها عام عظيم الخصب. كثير البركات. يزيل الجد العظيم الحاصل من السنين المجذبة. التي لا يزيلها عام خصب عادي من لابد فيه من خصب خلاف العادة. وهذا واضح وهو من مفهوم العدد. ومنها ما فيها من الادلة والبراهين على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم حيث قص عليه هذه القصة المفصلة المبسوطة الموافقة للواقع التي اتت بالمقصود كله. وهو لم يقرأ كتب الاولين. ولا دارس احد كما هو معلوم لقومه. وهو بنفسه امي لا يقرأ ولا يكتب. ولهذا قال ذلك من انباء الغيب نوحيه اليك وما كنت لديهم اذ اجمعوا امرهم وهم يمكرون. ومنها انه ينبغي للعبد البعد عن اسباب الشر. وكتمان ما تخشى مضرته. لقول يعقوب اليوسف لا لا تقسص رؤياك على اخوتك فيكيدوا لك كيدا. ومنها ذكر الانسان بما يكره على وجه الصدق والنصيحة له او لغيره لقوله لك كيدا. ومنها ان نعمة الله على العبد نعمة على من يتعلق به. ويتصل من اهل بيته واقاربه واصحابه. فانه لابد ان يصلهم ويشملهم منها جانب لقوله. ويتم نعمته عليك وعلى ال يعقوب. اي بما يحصل لك. ولهذا لما تمت النعمة على يوسف حصل اليعقوب من العز والتمكين والسرور وزوال المكروه وحصول المحبوب. ما ذكر الله في اخر القصة. ومنها ان النعم الكبيرة الدينية دنيوية لابد ان يتقدمها اسباب ووسائل اليها. لان الله حكيم. وله سنن لا تتغير. قضى بان المطالب العالية لا تنال الا بالاسباب النافعة خصوصا العلوم النافعة. وما يتفرغ عنها من الاخلاق والاعمال. فلهذا عرف يعقوب ان وصول يوسف الى تلك الحالة التي يخضع وله فيها ابوه وامه واخوته مقام عظيم ومرتبة عالية. وانه لابد ان ييسر الله ليوسف من الوسائل ما يوصله اليها ماذا قال؟ وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل الاحاديث ويتم نعمته عليك. ومنها ان العدل مطلوب في جميع الامور الصغار والكبار في معاملة السلطان لرعيته ومعاملة الوالدين للاولاد. والقيام بحقوق الزوجات وغير ذلك في المحبة والايثار ونحوها. وانه القيام بالعدل في ذلك تستقيم الامور صغارها وكبارها. ويحصل للعبد ما احب. وفي الاخلال بذلك تفسد الاحوال. ويحصل للعبد المكروه من حيث لا يشعر بهذا لما قدم يعقوب عليه السلام يوسف في المحبة وجعل وجهه له يرى منهم على ابيهم واخيهم من المكروه ما جرى. ومنها الحظر من شؤم الذنوب. فكم من ذنب واحد استتبع ذنوبا كثيرة. وتسلسل الشر المؤسس على الذنب الاول. وانظر الى جرم اخوة يوسف. فانهم لما ارادوا التفريق بينه وبين ابيه الذي هو من اعظم الجرائم. احتالوا على ذلك بعدة حيل. وكذبوا عدة مرات. وزوروا على ابيهم في القميص والدم الذي وفي صفة حالهم حين اتوا عشاء يبكون. ولابد ان الكلام في هذه القضية تسلسل وتشعب. بل ربما انه اتصل الى الاجتماع بيوسف وكل ما بحث في هذا الموضوع فهو بحث كذب وزور مع استمرار اثر المصيبة على يعقوب. بل وعلى يوسف فليحذر العبد من الذنوب خصوصا الذنوب المتسلسلة. وضد ذلك بعض الطاعات تكون طاعة واحدة. ولكن يتسلسل نفعها وبركتها. حتى تستتبع طاعات من الفاعل وغيره وهذا من اعظم اثار بركة الله للعبد في علمه وعمله. ومنها ان العبرة للعبد في حال كمال النهاية لا بنقص البداية. فان اولاده يعقوب عليه السلام جرى منهم ما جرى في اول الامر من الجرائم المتنوعة. ثم انتهى امرهم الى التوبة النصوح والاعتراف التام والعفو التام عنهم من يوسف ومن ابيهم والدعاء لهم بالمغفرة والرحمة. واذا سمح العبد بحق فالله اولى بذلك وهو خير الراحمين الغافلين. ولهذا في اصح الاقوال ان الله جعلهم انبياء لمحو ما سبق منهم وكانه ما كان. ولقوله وما انزل الينا وما انزل الى ابراهيم واسماعيل اسحاق ويعقوب والاسباط. هم اولاد يعقوب الاثنى عشر وذريتهم. ومما يؤيد هذا ان في رؤيا يوسف انهم هم الكواكب التي فيها النور الهداية وهي من صفات الانبياء. ان لم يكونوا انبياء فانهم علماء عباد. ومنها ما من الله به على يوسف من العلم والحلم والاخلاق الكاملة والدعوة الى الله والى دينه. وعفوه عن اخوته الخاطئين عفوا بادرهم به. وتمم ذلك بان اخبرهم انه لا تثريب عليهم بعد هذا العفو. ثم بروا العظيم بابيه وامه واحسانه على اخوته. واحسانه على عموم الخلق. كما هو بين في سيرته وقصته. ومنها ان بعض الشر اهون من بعض وارتكاب اخف الضررين اولى من ارتكاب اعظمهما. فان اخوة يوسف لما قالوا اقتلوا يوسف او اطرحوه ارضا. وقال قائل منهم لا تقتلوا يوسف والقوه في غيابة الجب يلتقطه بعض السيار. يلتقطه بعض السيارة ان كنتم فاعلين. كان قوله احسن منهم واخف. وبسببه خف عن اخوته الاثم الاكبر. وهو من جملة الاسباب التي قدر الله ليوسف في وصوله الى الغاية التي يريد. ومنها ان الشيء اذا تداولته الايدي وصار من جملة الاموال ولم يعلم المعاملون انه على غير وجه الشرع فلا اثم على من باشره ببيع او شراء او خدمة او انتفاع او استعمال فان يوسف باعه اخوته بيعا محرما عليهم. واشترته السيارة بناء على انه عبد لاخوة يوسف البائعين. ثم ذهبوا به الى مصر فباعوه بها وبقي عند سيده غلاما رقيقا. وسماه الله سيدا وكان عندهم بمنزلة الرقيق المكرم. وسمى الله شراء السيارة وشراءه في مصر معاملة مما ذكرنا. ومنها الحذر من الخلوة بالنساء الاجنبيات. وخصوصا اللاتي يخشى منهن الفتنة. والحذر ايضا من المحبة التي يخشى فان امرأة العزيز جرى منها ما جرى بسبب توحدها بيوسف وحبها الشديد له الذي ما تركها حتى راودته تلك المراودة ثم كذبت علي فسجن ذلك السجن الطويل ومنها ان الهم الذي هم به يوسف ثم تركه لله ولبرهان الايمان الذي وضعه الله في قلبه ما يرقيه الى الله زلفى. لان الهم داع من دواعي النفس الامارة بالسوء. وهو طبيعة طبع عليها الادمي. فاذا حصل الهم بالمعصية ولم يكن عند العبد ما يقاوم ذلك من الايمان والخوف من الله وقع الذنب. وان كان العبد مؤمنا كامل الايمان فان الهم الطبيعي اذا قابله ذلك الايمان ايمان الصحيح القوي منعه من ترتب اثره ولو كان الداعي قويا ولو كان الداعي قويا. ولهذا كان يوسف من اعلى هذا النوع. قال تعالى قال لولا ان رأى برهان ربه بدليل قوله كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء. انه من عبادنا المخلصين استخلاص الله اياه وقوة ايمانه واخلاصه خلصه الله من الوقوع في الذنب. فكان ممن خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى. ومن اعلى الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل الا ظله. فذكر صلى الله عليه وسلم منهم رجلا دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال اني اني اخاف الله فهمها لما كان لا معارض له استمرت في مراودته. وهمه عارض عرض ثم زال في الحال ببرهان ربه. ومنها ان من دخل الايمان قلبه ثم استنار بمعرفة ربه ونور الايمان به. وكان مخلصا لله في كل احواله. فان الله يدفع عنه ببرهان ايمانه واخلاصه من انواع السوء والفحشاء واسباب المعاصي. ما هو جزاء لايمانه واخلاصه؟ لان الله علل صرف هذه الامور عن يوسف بقوله انه من المخلصين على قراءة من قرأها بكسر اللام. ومن قرأها بالفتح فان من اخلصه الله واجتباه فلابد ان يكون مخلصا. فالمعنيان ومنها انه ينبغي للعبد اذا ابتلي بالوقوع في محل فيه فتنة. واسباب معصية ان يفر ويهرب غاية ما يمكنه. يتمكن من التخلص من ذلك الشر كما فر يوسف هاربا للباب. وهي تمسك بثوبه وهو مدبر عنها. ومنها ان القرائن يعمل بها عند الاشتباه في الدعاوى وذلك ان الشاهد الذي شهد اي حكم على يوسف وعلى المرأة اعتبر القرينة فقال ان كان قميصه قد من قبل الى اخر القضية صار حكمه هذا موافقا للصواب. ومن القرائن وجود السواع في رحل الاخ. وقد اعتبر هذا وهذا. ومنها ما عليه يوسف من الجمال الباهر ظاهره ظاهرا وباطلا. فان جماله الظاهر او جبل امرأة العزيز ما اوجب من الحب المفرط والمراودة المستمرة. ولما لامها النساء دعتهن واعتد لهن متكأ واتت كل واحدة منهن سكينا. وقالت اخرج عليهن. فلما رأيناه اكبرنه وقطعن ايديهن. وقلن حاشا لله ما هذا بشرا ان هذا الا ملك كريم. واما جماله الباطن فهو العفة العظيمة منه مع وجود الدواعي الكثيرة لوقوع السوء منه لكن الايمان ونوره والاخلاص وقوته لا يشذ عنهما فضيلة. ولا تجامعهما رذيلة. وقد بينت امرأة العزيز للنساء من يوسف الامرين. فانها لما قرتهن جماله الظاهر الذي اعترفنا ان هذا الجمال لا يوجد في الادميين قالت ولقد راوى الته عن نفسه فاستعصم. وقالت بعد ذلك الان حصحص الحق انا راودته عن نفسه وانه لمن الصادقين. ومنها ان يوسف عليه السلام اختار السجن على المعصية. فهكذا اذا العبد باحد امرين اما ان يلجأ الى فعل المعصية واما ان يعاقب عقوبة دنيوية فعليه ان يختار العقوبة الدنيوية التي فيها الثواب من هذا الوجه بعدة امور. ثواب من جهة اختياره الايمان على السلامة من العقوبة الدنيوية. وثواب من جهة ان هذا من باب التخليص للمؤمن والتصفية وهو يدخل في الجهاد في سبيل الله. وثواب من جهة المصيبة التي نالته والالم الذي اصابه. وسبحان من ينعم ببلائه ويلطف باصفيائه وهذا ايضا عنوان الايمان وعلامة السعادة. ومنها انه ينبغي للعبد ان يلتجأ الى ربه. ويحتمي بحماه عند وجود اسباب المعصية. ويتبرأ ومن حوله وقوته لقول يوسف والا تصرف عني كيدهن اصب اليهن واكن من الجاهلين. فالعبد الموفق يستعين وهو على دفع المعاصي واسبابها. كما يستعين به عند فعل الطاعات والخيرات. والله كافي المتوكلين. ومنها ان العلم والعقل الصحيح يدعوان صاحبهما الى الخير وينهيانه عن الشر. وان الجهل يدعو صاحبه الى ضد ذلك لقوله اصب اليهن واكن من الجاهلين. اي الجاهلين الامور الدينية والجاهلين بالحقائق النافعة والحقائق الضارة. ومنها انه كما على العبد عبودية لربه في حال رخائه عبودية في حال الشدة. فيوسف عليه السلام لم يزل يدعو الى الله. فلما دخل السجن استمر على ذلك ودعا من يتصل به من اهل ودعا الفتيين الى التوحيد ونهاهما عن الشرك ومن كمال رأيه وحكمته انه لما رأى فيهما قابلية لدعوته حين احتاج اليه في تعبير رؤياهما وقالا له انا نراك من المحسنين. رأى ذلك فرصة فدعاهما الى الله قبل ان يعبر رؤياهما. ليكون اقرب الى حصول المطلوب. ويبين لهما ان الذي اوصله الى هذه الحال التي رأياه فيها من الكمال والعلم وايمانه وتوحيده. التي رأيها فيها من الكمال والعلم. ايمانه وتوحيده وتركه لملة المشركين. وهذا دعاء لهما بالحال. ثم دعاهما بالمقال وبرهن لهما على حسن التوحيد ووجوبه. وعلى قبح الشرك وتحريمه. ومنها ان يبدأ بالاهم فالاهم. وانه اذا سئل المفتي وكان السائل حاجته في غير سؤاله اشد انه ينبغي له ان يعلمه ما يحتاج اليه قبل ان يجيب سؤاله. فان هذا علامة على نصح المعلم وفطنته وحسن ارشاده وتعليمه فان يوسف لما سأله الفتيان عن رؤياهما وكانت حاجتهما الى التوحيد والايمان اعظم من كل شيء قدمها. ومنها ان من وقع في مكروه من شدة فلا بأس ان يستعين بمن له قدرة على تخليصه بفعله. او بالاخبار بحاله. وان هذا لا يكون نقصا ولا شكوى الى المخلوق ممنوعة. فان من الامور العادية التي جرى العرف باستعانة الناس بعضهم ببعض فيها. ولهذا قال يوسف للذي ظن انه ناج منهما اذكرني عند ربك ومنها انه يتعين على المعلم والداعي الى الله استعمال الاخلاص التام في تعليمه ودعوته. والا يجعل ذلك وسيلة الى معاوضة في ما او جاه او نفع. والا يمتنع من التعليم اذا لم يفعل السائل ما كلفه به المعلم. فان يوسف قد وصى احد الفتيين ان يذكره عند ربه فلم يذكره ونسي. فلما بدت حاجتهم الى سؤال يوسف ارسلوا ذلك الفتى. وجاءه سائلا مستفتيا عن تلك الرؤيا. فلم يعنفه يوسف ولا بل ولا قال له لما لم تذكرني عند ربك؟ واجابه جوابا تاما من جميع الوجوه. ومنها انه ينبغي للمسئول اذا اجاب السؤال ان يدل سائل على الامر الذي ينفعه مما يتعلق بسؤاله. ويرشده الى الطريق التي ينتفع بها في دينه ودنياه. فان هذا من كمال نصحه وجزالة رأيه ان هذا من كمال نصحه وجزالة رأيه وحسن ارشاده. فان يوسف لم يقتصر على تعبير رؤيا الملك بل دلهم مع ذلك وارشدهم. بل دلهم مع ذلك واشار عليهم بما يصنعونه في تلك السنين المقصدات من الاكثار من الزراعة وحسن الحفظ والجباية. ومنها انه لا يلام العبد على دفع التهمة عن نفسه. بل ذلك مطلوب. كما امتنع يوسف من الخروج من السجن حتى تتبين لهم براءته مع النسوة اللاتي قطعن ايديهن. ومنها فضيلة العلم علم الشرع والاحكام وعلم تعبير الرؤيا وعلم التدبير والتربية وعلم السياسة. فان يوسف عليه السلام انما حصلت له الرفعة في الدنيا والاخرة بسبب علمه المتنوع. وفيه ان علم التعبير داخل في الفتوى فلا يحل لاحد ان يجزم بالتعبير قبل ان يعرف ذلك. كما ليس له ان يفتي في الاحكام بغير علم. لان الله سماها فتوى في هذه السورة. ومنها انه لا بأس ان يخبر الانسان عما في نفسه من الصفات الكاملة من العلم وغيره اذا كان في ذلك مصلحة وسلم من الكذب ولم يقصد به الرياء. لقول يوسف اجعلني على خزائن الارض اني حفيظ عليم وكذلك لا تذم الولاية اذا كان المتولي لها يقوم بما يقدر عليه من اقامة الشرع. وايصال الحقوق الى اهلها. وانه لا بأس ان كان اهلا وانه لا بأس بطلبها ان كان اهلا واعظم كفاءة من غيره. وانما المذموم اذا لم يكن فيه كفاءة او كان موجودا من هو امثل منه ومثله او لم يرد بها اقامة امر الله بل اراد الترأس والمأكلة المالية. ومنها ان الله واسع الجود والكرم. يجود على عبده بخير الدنيا والاخرة وان خير الاخرة له سببان لا ثالث لهما. الايمان بكل ما اوجب الله الايمان به. والتقوى التي هي امتثال الاوامر الشرعية واجتنابها النواهي وان خير الاخرة خير من ثواب الدنيا وملكها. وانه ينبغي للعبد ان يدعو نفسه ويشوقها لثواب الله. ولا يدعها تحزن اذا رأى لذات الدنيا ورياستها. وهي عاجزة عنها بل يسليها بالثواب الاخروي. ليخفف عنها عدم حصول الدنيا. لقول يوسف ولا اجر الاخرة خير للذين امنوا وكانوا يتقون. ومنها ان جباية الارزاق اذا اريد بها التوسعة على الناس من غير ضرر يلحقهم لا بأس بل ذلك مطلوب لان يوسف امرهم بجباية الارزاق والاطعمة في السنين المقصبات للاستعداد به للسنين المجدبات. وقد حصل به الخير كثير ومنها حسن تدبير يوسف لما تولى خزائن الديار المصرية من اقصاها الى اقصاها فنهض بالزراعة حتى كثرت الغلال جدا. فصار اهل الاقطار يقصدون مصر لطلب الميرة منها عندما فقدوا ما عندهم لعلمهم بوفورها في مصر. ومن عدله وتدبيره وخوفه ان يتلاعب به التجار انه لا يكيل لاحد الا مقدار الحاجة الخاصة او اقل. لا يزيد كل قادم عن كيل بعير وحمله. وظاهر حاله هذا انه لا يعطي اهل البلد الا اقل من ذلك بكثير لحضورهم عنده. ومنها مشروعية الضيافة. وانها من سنن المرسلين. واكرام الضيف لقول يوسف الا ترون اني اوفي الكيل وانا خير المنزلين؟ ومنها ان سوء الظن مع وجود القرائن الدالة عليه غير ممنوع ولا محرم. فان فيعقوب قال لاولاده الامانكم عليه الا كما امنتكم على اخيه من قبل. وقال بل سولت لكم انفسكم امرا فهم في الاخير وان لم يكونوا مفرطين فقد جرى منهم ما اوجب لابيهم ان يقول ما قال من غير لوم عليه. ومنها ان استعمال الاسباب الدافعة عين وغيرها من المكاره او الرافعة لها بعد نزولها غير ممنوع. وان كان لا يقع شيء الا بقضاء الله وقدره. فان الاسباب ايضا من القضاء قدر بقول يعقوب يا بني لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من ابواب متفرقة. ومنها جواز استعمال الحيل والمكايد التي يتوصل بها الى الحقوق وان العلم بالطرق الخفية الموصلة الى مقاصدها مما يحمد عليه العبد. واما الحيل التي يراد بها اسقاط واجب او فعل محرم منها انه ينبغي لمن اراد ان يوهم غيره بامر لا يحب بيانه له ان يستعمل المعاريض القولية والفعلية المانعة له من الكذب. كما فعل يوسف حين القى الصواع في رحل اخيه ثم استخرجها منه موهما انه سارق. وليس في ذلك تصريح بسرقته. وانما استعمل المعاريض. ومثل هذا قول معاذ الله ان نأخذ الا من وجدنا متاعنا عنده. ولم يقل من سرق متاعنا. ومنها انه لا يجوز ان يشهد الا بما علمه. وتحققه رؤية او سماع لقولهم وما شهدنا الا بما علمنا الا من شهد بالحق وهم يعلمون. ومنها هذه المحنة العظيمة التي امتحن الله بها نبيه وصفيه يعقوب صلى الله عليه وسلم اذ قضى بالتفريق بينه وبين ابنه يوسف الذي لا يقدر على فراقه ساعة واحدة يحزنه اشد الحزن. فتم لهذه الفرقة مدة طويلة. ويعقوب لم يفارق الحزن قلبه. وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم. ثم ازداد به الامر حين اتصل فراق الابن الثاني بالاول وهو في ذلك صابر لامر الله محتسب الاجر من الله. وقد وعد من نفسه الصبر الجميل ولا غيب انه وفى بما وعد به. ولا ينافي ذلك قوله انما اشكو بثي وحزني الى الله. فان الشكوى الى الله لا تنافي الصبر. وانما الذي ينافيه الشكوى الى المخلوقين. ولا ريب ان الله رفعه بهذه المحنة درجات عالية ومقامات سامية. لا تنال الا بمثل هذه الامور ومنها ان الفرج مع اشتداد الكرب فانه لما تراكمت الشدائد المتنوعة وضاق العبد زرعا بحملها فرجها فارج الهم كاشف الغم اجيب دعوة المضطرين. وهذه عوائده الجميلة خصوصا لاوليائه واصفيائه. ليكون لذلك الوقع الاكبر والمحل الاعظم. وليجعل من المعرفة بالله والمحبة له. ما يوازن ويرجح بما جرى على العبد بلا نسبة. ومنها جواز اخبار العبد بما يجد. وما هو فيه من مرض او فقر او غيرهما على غير وجه التسخط. لقول يعقوب يا اسفا على يوسف وقول اخوتي وقول اخوة يوسف مسنا واهلنا الضر واقرهم يوسف ومنها فضيلة التقوى والصبر. وان كل خير في الدنيا والاخرة فمن اثار التقوى والصبر. وان عاقبة اهلهما احسن العواقب لقوله قد من الله علينا انه من يتق ويصبر فان الله لا يضيع اجر المحسنين. ومنها انه ينبغي للعبد اذا انعم عليه بنعمة بعد ضدها ان يتذكر الحالة السابقة ليعظم وقع هذه النعمة الحاضرة ويكثر شكره لله تعالى. ولهذا قال يا يوسف وقد احسن بي اذ اخرجني من السجن وجاء بكم من البدو من بعد ان نزغ الشيطان بيني وبين اخوتي ومنها ما في هذا القصة من الالطاف المتنوعة المسهلة للبلاء. منها رؤيا يوسف السابقة فان فيها روحا ولطفا ليوسف وبيعقوب. وبشارة بالوصول الى تأويلها ولطف الله بيوسف اذ اوحى اليه وهو في الجب لتنبئنهم بامرهم هذا وهم لا يشعرون. وتنقلاته من حال الى محال فان فيها الطافا ظاهرة وخفية. ولهذا قال في اخر الامر ان ربي لطيف لما يشاء. يلطف به في احواله ويلطف له في الامور الخارجية ويوصله الى اعلى المطالب من حيث لا يشعر. ومنها انه ينبغي للعبد ان يلح دائما على ربه في تثبيت ايمانه وان يحسن له الخاتمة وان يجعل خير ايامه اخرها. وخير اعماله خواتمها. فان الله كريم جواد رحيم قصة اصحاب الكهف. وهم فتية وفقهم الله والهمهم الايمان. وعرفوا ربهم وانكروا ما عليه قومهم من عبادة الاوثان وقاموا بين اظهرهم معلنين فيما بينهم عقيدتهم. خائفين من سطوة قومهم فقالوا ربنا رب السماوات والارض لن ندعو من دونه الها لقد قلنا اذا شططا. اي ان دعونا غيره شططا. اي زورا وبهتانا وظلما. هؤلاء قومنا اتخذوا من دونه الهة لولا يأتون عليهم بسلطان بين. فمن اظلم ممن افترى على الله كذبا فلما اتفقوا على هذا الامر وعرفوا انهم لا يمكنهم اظهار ذلك لقومهم. سألوا الله ان يسهل امرهم فقالوا ربنا اتنا من لدنك رحمة وهيء لنا من امرنا رشدا. فووا الى غار يسره الله غاية التيسير. واسع الفجوة. بابه نحو الشمال لا تدخله الشمس لا في طلوعها ولا في غروبها. فناموا في كهفهم بحفظ الله ورعايته ثلاثمائة سنين ازدادوا تسعا. وقد ضرب الله عليهم نطاقا من الرعب على قربهم من مدينة قومهم. ثم انه في الغار تولى حفظهم بقول ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال. وذلك لان لا تبلي الارض اجسادهم ثم ايقظهم بعد هذه المدة الطويلة طعاما فليأتكم برزق منه وليتلطف. الى اخر القصة. ففيها ايات بينات وفوائد متعددة. منها ان قصة اصحاب الكهف وان كانت عجيبة فليست من اعجب ايات الله. فان لله ايات عجيبة وقصصا فيها عبرة معتبرين ومنها ان من اوى الى الله اواه الله ولطف به وجعله سببا لهداية الضالين. فان الله لطف بهم في هذه النومة الطويلة ابقاء على ايمانهم وابدانهم من فتنة قومهم وقتلهم. وجعل هذه القومة من اياته التي يستدل بها على كمال قدرة الله وتنوع احسانه. وليعلم العباد ان وعد الله حق. ومنها الحث على تحصيل العلوم النافعة والمباحثة فيها لان الله بعثهم لاجل ذلك. وببحثهم ثم بعلم الناس بحالهم حصل البرهان والعلم بان وعد الله حق وان الساعة اتية لا ريب فيها. ومنها الادب فيما اشتبه عليه العلم ان يرده الى عالمه. وان يقف عندما ومنها صحة الوكالة في البيع والشراء. وصحة الشركة في ذلك لقولهم ابعثوا احدكم بورقكم هذه الى المدينة فلينظر ايها ازكى طعاما فليأتكم برزق منه. ومنها جواز اكل الطيبات والتخير من الاطعمة ما يلائم الانسان ويوافقه. اذا لم تخرج الى حد الاسراف المنهي عنه لقوله فلينظر ايها ازكى طعاما فليأتكم برزق منه. ومنها الحث والتحرز والاستخفاء والبعد عن مواقع الفتن في الدين. واستعمال الكتمان الذي يدرأ وعن الانسان الشر. ومنها بيان رغبة هؤلاء الفتية في الدين. وفرارهم من كل فتنة في دينهم. وتركهم لاوطانهم وعوائدهم في الله ومنها ذكر ما اشتمل عليه الشر من المضاد والمفاسد الداعية لبغضه وتركه. وان هذه الطريقة طريقة المؤمنين ومنها ان قوله قال الذين غلبوا على امرهم لنتخذن عليهم مسجدا. فيه دليل على ان هؤلاء القوم الذين بعثوا في زمان اناس اهل تدين لانهم عظموهم هذا التعظيم. حتى عزموا على اتخاذ مسجد على كهفهم. وهذا وان كان ممنوعا وخصوصا في شريعتنا. فالمقصود بيان ان ذلك الخوف العظيم من اهل الكهف وقت ايمانهم ودخولهم في الغار. ابدلهم الله به بعد ذلك امنا وتعظيما من الخلق. وهذه عوائد الله في من تحمل المشاق من اجله. ان يجعل له العاقبة الحميدة منها ان كثرة البحث وطوله في المسائل التي لا اهمية لها. لا ينبغي الانهماك به لقوله فلا تمارسيهم الا مرارا اه ظاهرا. ومنها ان سؤال من لا علم له في القضية المسؤول فيها. او لا يوثق به منهي عنه لقوله ولا استفتي فيهم منهم احدا. قصة خاتم النبيين وامام المرسلين. ومن انزل عليه القرآن هدى ورحمة للمؤمنين اعلم ان سيرة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم اعظم عون على معرفة تفسير كتاب الله. والقرآن انما كان ينزل تبعا لمناسبات سيرته. وما يحصل به تحقيق الحق الذي جاء به. وابطال المذاهب التي جاء لابطالها. وهذا من حكمة انزاله مفرقا. كما ذكر الله هذا المعنى بقوله كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا. ولا يأتونك في مثل الا جئناك بالحق واحسن تفسيرا. وقال وكلا نقص عليك من انباء الرسل ما نثبت به فؤادك وجاءك في هذه الحق فلنشر من سيرته صلى الله عليه وسلم على الاحوال المناسبة لنزول الايات المعينات او لجنس النوع من علوم القرآن ليكون عونا في هذا المقام. فاول مقاماته في انزال القرآن عليه انه كان قبل البعثة قد بغضت اليه عبادة الاوثان. وبغض اليه كل قول وفعل قبيح. وفطر صلى الله عليه وسلم فطرة مستعدة متهيئة لقبول الحق علما وعملا. والله تعالى هو الذي طهر قلبه وزكاه وكمله. فكان من رغبته العظيمة في فيما يقرب الى الله انه كان يذهب الى غار حراء. الايام ذوات العدد. ويأخذ معه طعاما يطعم منه المساكين. ويتعود واتحنس فيه. وقلبه في غاية التعلق بربه. ويفعل من العبادات ما وصل اليه علمه في ذلك الوقت الجاهلي الخالي من علم ومع ذلك فهو في غاية الاحسان الى الخلق. فلما تم عمره اربعين سنة وتمت قوته العقلية. وصلح تلقي اعظم رسالة ارسل الله بها احدا من خلقه. تبدى له جبريل صلى الله عليه وسلم. فرأى منظرا هاله وازعجه اذا لم يتقدم له شيء من ذلك اذ لم يتقدم له شيء من ذلك. وانما قدم الله له الرؤيا التي كان لا يرى رؤيا الا جاءت مثل فلق الصبح. فاول ما انزل الله عليه اقرأ باسم ربك. فجاءه بها جبريل وقال له اقرأ واخبره انه ليس بقارئ. اي لا يعرف ان يقرأ كما قال تعالى ووجدك ضالا فهدى. وتفسيرها الاية الاخرى ما كنت تدري ما الكتاب ولا الايمان. ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا فغطه جبريل مرتين او ثلاثا ليهيأه لتلقي القرآن العظيم. فتجرد قلبه وهمته وظاهره وباطنه لذلك فنزلت هذه السورة التي فيها نبوته وامره بالقراءة باسم ربه. وفيها اصناف نعمه على الانسان بتعليمه البيان العلمي والبيان اللفظي والبيان الرسمي. فجاء بها الى خديجة ترعد. فجاء بها الى خديجة ترعد فرائسه من واخبرها بما رآه وما جرى عليه فقالت خديجة رضي الله عنها كلا ابشر فوالله لا يخزيك الله ابدا انك لتصل الرحم وتقري الضيف وتحمل الكل وتكسب المعدوم وتعين على نوائب الحق. ايها من كانت هذه صفة فانها تستدعي نعما من الله اكبر منها واعظم. وكان هذا من توفيق الله لها ولنبيه. ومن تهوين القلق الذي اصابه وبهذه الصورة ابتدأت نبوته ثم فطر عنه الوحي مدة ليشتاق اليه. وليكون اعظم لموقعه عنده. وكان قد رأى الملك على صورته فانزعج فجاء الى خديجة ايضا ترعى بفرائصه فقال دثروني دثروني. فانزل الله عليه يا يا ايها المدثر قم فانذر وربك فكبر وثيابك فطهر والرجز فاهجر. فكان في هذا الامر له بدعوة في الخلق وانذارهم. فشمر صلى الله عليه وسلم عن عزمه. وصمم على الدعوة الى ربه. مع علمه انه سيقاوم بهذا الامر البعيد والقريب. وسيلقى كل معارضة من قومه ومن غيرهم وشدة. ولكن الله ايده وقوى عزمه وايده بروح من وبالدين الذي جاء به وجاءته سورة الضحى في فترة الوحي لما قال المكذبون ان رب محمد قال قال الى اخرها. وهذا اعتناء عظيم من الله برسوله. ونفي لكل نقص وبشارة بان كل حالة له احسن منها ما قبلها وخير منها. وان الله سيعطيه على النصر والاتباع والعز العظيم. وانتشار الدين ما يرضيه. فكان اعظم مقامات دعوته دعوته الى التوحيد الخالص والنهي عن ضده. دعا الناس لهذا وقرره الله في كتابه وصرفه بطرق كثيرة واضحة تبين وجوب التوحيد وحسنه. وتعينه طريقا الى الله والى دار كرامته. وقرار ابطال الشرك والمذاهب الضارة بطرق كثيرة احتوى عليها القرآن وهي اغلب السور المكية. فاستجاب له في هذا الواحد بعد الواحد على شدة عظيمة من قومه وقاومه قومه وغيرهم وبغوا له الغوائل. وحرصوا على اطفاء دعوته بجهدهم وقولهم وفعلهم. وهو يجادلهم ويتحداهم ان يأتوا بمثل هذا القرآن. وهم يعلمون انه الصادق الامين. ولكنهم يكابرون ويجحدون ايات الله كما قال تعالى فانهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بايات الله يجحدون. ولهذا لما كان استماعهم للقرآن على وجه الكفر والجحد والتكذيب. وتوطين نفوسهم على معاداته اخبر الله تعالى انه جعل على قلوبهم اكنة ان يفقهوه. وفي اذانهم وقرا. وانهم لا يهتدون بسبب ما اسسوا من هذا الاصل خبيث المانع لصاحبه من كل خير وهدى. وهذا مما يعلم به حكمة الباري في اضلال الضالين. وانهم لم فاختاروا لانفسهم الضلال. ورغبوا فيه ولاهم الله ما تولوا لانفسهم. وتركهم في طغيانهم يعمهون. وانهم لما ردوا نعمة الله عليهم حين جاءتهم قلب الله افئدتهم واصم اسماعهم واعمى ابصارهم وافئدتهم. وهذا الوصف الذي اشرنا اليه قد ذكره الله في كتابه عنهم وهو يعينك على فهم ايات كثيرة يخبر الله فيها بضلالهم وانسداد طرق الهداية عليهم وعدم قبول محالهم وقلوبهم للهدى. والذنب ذنبهم وهم السبب في ذلك. قال تعالى فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة. انهم اتخذوا الشياطين اولياء من دون الله. وبضده تعرف الحكمة في هدايته للمؤمنين. وانهم لما كانوا منصفين ليس غرضهم الا الحق. ولا لهم قصد الا طلب رضا ربهم. هداهم الله بالقرآن وازدادت بهم علومهم ومعارفهم وايمانهم وهدايتهم المتنوعة. قال تعالى يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات الى النور باذنه. ويهديهم الى صراط مستقيم. وهذا الوصف الجليل للمؤمن هو الاساس لهدايتهم وزيادة ايمانهم وانقيادهم. وبه ينفتح لك الباب في فهم الايات في اوصاف المؤمنين. وسرعة للحق اصوله وفروعه. ومن مقامات النبي صلى الله عليه وسلم مع المكذبين له. انه يدعوهم بالحكمة والموعظة الحسنة ويجادلهم بالتي هي احسن ويدعوهم افرادا ومجتمعين. ويذكرهم بالقرآن ويتلوه في الصلاة وخارجها. وكانوا اذا فسمعوه صموا اذانهم. وقد يسبونه ويسبون من انزله. فانزل الله على رسوله ايات كثيرة في هذا المعنى يبين حالهم مع سماع القرآن وشدة نفورهم. كانهم حمر مستنفرة. فرت من قسورة. وان شياطينه هم ورؤساءهم في الشر فكروا وقدروا ونظروا فيما يقولون عن القرآن ويصفونه به. لينفروا عنه الناس حتى قراره رئيسهم الوليد بن المغيرة الذي سماه الله وحيدا. فقال ان هذا الا سحر يؤثر. ان هذا الا قول البشر ولكن ابى الله الا ان يعلو هذا الكلام كل كلام. ويزهق هذا الحق كل باطل. وكانوا من افكهم يقولون في القرآن الاقوال المتناقضة. يقولون انه سحر انه كهانة. انه شعر انه كذب انه اساطير. فجعلوا القرآن كل هذا اثر البغض الذي احرق قلوبهم حتى قالوا فيه مقالة المجانين. فكلما قالوا قولا من هذه الاقوال انزل الله ايات يبطل بها ما قالوا. ويبين زورهم وافتراءهم وتناقضهم. وكان من الادلة والبراهين على رسالة محمد صلى الله عليه وسلم وان القرآن من عند الله مقابلة المكذبين له. فان من نظر اليها علم انها سلاح عليهم. واكبر دليل على انهم مقاومون للحق ساعون في ابطاله. وانهم على الباطل الذي ليس له حظ من العقل. كما ليس له حظ من الدين. وكانوا ايضا يقولون في النبي صلى الله عليه وسلم الاقوال التي ليس فيها دلالة على ما كانوا يعتقدون. وليس فيها نقص بالنبي صلى الله عليه وسلم يقولون لو ان محمدا صادق لانزل الله ملائكة يشهدون له بذلك. ولاغناه الله عن المشي في الاسواق. وطلب الرزق كما يطلبه غيره. ولجعل له كذا وكذا مما توحي اليه عقولهم الفاسدة. ويذكرها الله في القرآن في مواضع متعددة ايه ده؟ تارة يصورها للعباد فقط. لان من تصورها عرف بطلانها. وانها ليست من الشبه القادحة فضلا عن الحجج المعتبرة وتارة يصورها ويذكر ما يبطلها من الامور الواضحة. وهذا كثير في القرآن. ومن مقاماتهم مع النبي صلى الله عليه وسلم انهم يسعون اشد السعي ان يكف عن عيب الهتهم والطعن في دينهم. ويحبون ان يتاركهم ويتاركوه انه اذا ذكر الهتهم ووصفها بالصفات التي هي عليها من النقص. وانها ليس فيها شيء من الصفات يوجب ان تستحق شيئا من العبادة يعرفون ان الناس يعرفون ذلك ويعترفون به. فلا احب اليهم من التزوير وابقاء الامور على علاتها من غير عن الحقائق لانهم يعرفون حق المعرفة ان الحقائق اذا بانت ظهر للخلق بطلان ما هم عليه وهذا الذي منه يفرون هذا المقام ايضا ذكره الله في ايات متعددة. مثل قوله ودوا لو تدهن فيدهنون. ونحوها من الايات واما قوله تعالى ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم. فهذا اذا ترتب على السب المذكور سبهم لله فانه يترك لما يترتب عليه من الشر. ومن مقاماتهم المتنوعة مع النبي صلى الله عليه وسلم انهم كانوا يقترحون الايات بحسب اهوائهم. ويقولون ان كنت صادقا فاتنا بعذاب الله او بما تعدنا. او ازل عنا جبال فمكة واجعل لنا فيها انهارا وعيونا. وحتى يحصل لك كذا وكذا مما ذكره الله عنهم. فيجيبهم الله عن هذه الاقوال بان رسوله صلى الله عليه وسلم قد ايده الله بالايات. والله اعلم بما ينزل من اياته. واعلم بما هو لهم وانه قد حصل المقصود من بيان صدقه. وقامت الادلة والبراهين على ذلك. فقول الجاهل الاحمق لو كان كذا جهل منه وكبر ومشاغبة محضة. وتارة يخبرهم انه لا يمنعه من الاتيان بها الا الابقاء عليهم. وانها لو جاء يؤمنون. فعند ذلك يعاجلهم الله بالعقاب. وتارة يبين لهم ان الرسول انما هو نذير مبين. ليس له من الامر شيء ولا من الايات شيء. وان هذا من عند الله فطلبهم من الرسول محض الظلم والعدوان. وهذه المعاني في القرآن كثيرة اساليب متعددة. واحيانا يقدحون في الرسول قدحا يعترضون فيه على الله. وانه لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم ومحمد ليس كذلك. وانك يا محمد لست باولى بفضل الله منا. فبأي شيء تفضل علينا بالوحي ونحوه من الاقوال الناشئة عن الحسد. فيجيبهم الله بذكر فضله. وان فضله يؤتيه من يشاء. وانه اعلم حيث يجعل رسالته والمحل اللائق بها. ويشرح لهم من صفات رسوله التي يشاهدونها رأي العين. ما يعلمونهم وغيرهم انه اعظم رجل في العالم وانهم ما وجد ولن يوجد احد يقاربه في الكمال. مؤيدا ذلك بالامور المحسوسة والبراهين المسلمة. وقد احب الله هذه المعاني واعادها معهم في مواضع كثيرة. ومن مقاماته صلى الله عليه وسلم مع المؤمنين. الرأفة العظيمة لهم والمحبة التامة والقيام معهم في كل امورهم. وانه لهم ارحم وارأف من ابائهم وامهاتهم فعليهم من كل احد كما قال تعالى لقد جاءكم رسول من انفسكم عزيز عزيز عليهما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف الرحيم. وقوله سبحانه فيهم رسولا من انفسهم يتلو عليهم اياته ويزكيهم وان كانوا من قبل وقوله سبحانه انت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك. فاعف عنا واستغفر لهم وشاورهم في الامر. فلم يزل يدعو الى التوحيد وعقائد الدين واصوله. ويقرر ذلك براهين والايات المتنوعة. ويحذر من الشرك والشرور كلها. منذ بعث الى ان استكمل بعد بعثته نحو عشر سنين. وهو ادعو الى الله على بصيرة. ثم اسري به من المسجد الحرام الى المسجد الاقصى. ليريه من اياته وعرج به الى فوق السماوات السبع وفرض الله عليه الصلوات الخمس باوقاتها وهيئاتها. وجاءه جبريل على اثرها فعلمه اوقاتها وكيفياتها وصلى به يومين. اليوم الاول صلى الصلوات الخمس في اول وقتها. واليوم الثاني في اخر الوقت وقال الصلاة ما بينها هذين الوقتين وفرضت الصلوات الخمس قبل الهجرة بنحو ثلاث سنين. ولم يفرض الاذان في ذلك الوقت ولا بقية اركان وانتشر الاسلام في المدينة وما حولها. ومن جملة الاسباب ان الاوس والخزرج كان اليهود في المدينة جيرانا لهم. وقد انهم ينتظرون نبيا قد اطل زمانه. وذكروا من اوصافه ما دلهم عليه. فبادر الاوس والخزرج لما اجتمعوا بالنبي صلى الله عليه عليه وسلم في مكة. وتيقنوا انه رسول الله. واما اليهود فاستولى عليهم الشقاء والحسد. فلما جاءهم ثم عرفوا كفروا به. وكان المسلمون في مكة في اذى شديد من قريش. فاذن لهم النبي صلى الله عليه وسلم في الهجرة اولا الى الحبشة. ثم لما اسلم كثير من اهل المدينة صارت الهجرة الى المدينة. وحين خاف اهل مكة من هذا الحال اجتمع ملأهم رؤساؤهم في دار الندوة يريدون القضاء التام على النبي صلى الله عليه وسلم. فاتفق رأيهم ان ينتخبوا من قبائل قريش كل قبيلة رجلا شجاعا فيجتمعون ويضربونه بسيوفهم ضربة واحدة. قالوا لاجل ان يتفرق دمه في القبائل بنو هاشم عن مقاومة سائر قريش فيرضون بالدية. فهم يمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين. فجاء وحيوا الى النبي صلى الله عليه وسلم وعزم على الهجرة. واخبر ابا بكر بذلك وطلب منه الصحبة. فاجابه الى ذلك وخرج في تلك الليلة التي اجتمعوا على الايقاع به. وامر عليا ان ينام على فراشه. وخرج هو وابو بكر الى الغار. فلم يزالوا يرصدون انه حتى برق الفجر فخرج اليهم علي فقالوا اين صاحبك؟ قال لا ادري. ثم ذهبوا يطلبونه في كل وجهة وجعلوا جعلات الكثيرة لمن يأتي به. وكان الجبل الذي فيه الغار قد امتلأ من الخلق. يطلبون رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ابو بكر يا رسول الله لو نظر احدهم الى قدميه لابصرنا فقال يا ابا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما. وانزل الله تعالى الا تنصروه فقد نصره الله اذ اخرجه الذي حين كفروا. ثاني اثنين اذ هما في الغار اذ يقول لا تحزن ان الله معنا. فانزل الله سكينته عليه وايده بجنود لم تروها. وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا. والله عزيز حكيم. فهاجر الى المدينة اقر بها واذن له في القتال بعد ما كان قبل الهجرة ممنوعا لحكمة المشاهدة. فقال قاتلون بانهم ظلموا. وان الله على نصرهم لقدير وجعل يرسل السرايا ولما كانت السنة الثانية فرض الله على العباد الزكاة والصيام. فايات الصيام والزكاة انما نزلت في هذا العام وكان وقت فرضها. واما قوله تعالى وويل للمشركين. فان المراد زكاة القلب وطهارته بالتوحيد ترك الشرك وفي السنة الثانية ايضا كانت وقعة بدر. وسببها ان عيرا لقريش تحمل تجارة عظيمة من الشام. خرج النبي صلى الله عليه وسلم بمن خف من اصحابه لطلبها. فخرجت قريش لحمايتها وتوافوا في بدر على غير ميعاد. فالعير نجت وكان النفير التقوا مع الرسول واصحابه. وكانوا الفا كامل العدد والخيل. والمسلمون ثلاثمائة وبضعة عشر على سبعين بعير يتعقبونها. فهزم الله المشركين هزيمة عظيمة. قتلت صلواتهم وصناديدهم واسر من اسر منهم واصاب المشركين مصيبة ما اصيبوا بمثلها. وهذه الغزوة انزل الله فيها وفي تفاصيلها سورة الانفال. وبعدها ما رجع الى المدينة منها مظفرا منصورا. ذل من بقي منهم ممن لم يسلم من الاوس والخزرج. ودخل بعضهم في الاسلام نفاقا ولذلك كانت جميع الايات التي نزلت في المنافقين انما كانت بعد غزوة بدر. ثم في السنة الثالثة كانت غزوة احد غزى المشركون وجيشوا الجيوش على المسلمين حتى وصلوا الى اطراف المدينة. وخرج اليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم باصحابه وعبأهم ورتبهم والتقوا في احد عند الجبل المعروف شمالي المدينة. وكانت الدائرة في اول الامر على المشركين. ثم لما ترك الرماة مركزهم الذي رتبهم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال لهم لا تبرحوا عنه ظهرنا او غلبنا وجاءت الخيل مع تلك الثغرة وكان ما كان. حصل على المسلمين في احد مقتله اكرمهم الله بالشهادة في سبيله ذكر الله تفصيل هذه الغزوة في سورة ال عمران وبسط متعلقاتها. فالوقوف على هذه الغزوة من كتب السير يعين على على فهم الايات الكثيرة التي نزلت فيها كبقية الغزوات. ثم في السنة الرابعة توعد المسلمون والمشركون فيها في بدر. فجاء المسلمون فلذلك الموعد وتخلف المشركون معتذرين ان السنة مجدبة. فكتبها الله غزوة للمسلمين. فانقلبوا بنعمة من الله الله وفضل لم يمسسهم سوء. واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم. ثم في سنة خمس كانت غزوة الخندق اتفق اهل الحجاز واهل نجد وظاهرهم بنو قريظة من اليهود على غزو النبي صلى الله عليه وسلم. وجمعوا ما يقدرون عليه من الجنود قد اجتمع نحو عشرة الاف مقاتل وقسدوا المدينة. فاجتمع نحو عشرة الاف مقاتل وقصدوا المدينة. ولما سمع بهم النبي صلى الله عليه وسلم خندق على المدينة. وخرج المسلمون نحو الخندق. وجاء المشركون كما وصفهم الله بقوله اذ جاءوكم من فوقكم ومن اسفل منكم. واذ زاغت الابصار وبلغت القلوب الحناجر. ومكثوا محاصرين عدة ايام وحال الخندق بينهم وبين اصطدام الجيوش. وحصلت مناوشات يسيرة بين افراد من الخيل. وسبب الله عدة اسباب لانخذال المشركين. ثم انشمروا الى ديارهم. فلما رجعوا خائبين لم ينالوا ما كانوا جازمين على حصوله. تفرغ النبي صلى الله عليه وسلم لبني قريظة الذين ظاهروا المشركين بقولهم وتشجيعهم على قصد المدينة ومظاهراتهم الفعلية ونقض مما كان بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم فحاصرهم فنزلوا على حكم سعد ابن معاذ فحكم ان تقتل مقاتلتهم وتسبى وفي هذه الغزوة انزل الله صدر سورة الاحزاب. من قوله يا ايها الذين امنوا اذكروا نعمة الله عليكم. اذ جاءتكم جنود فارسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها. الى قوله واورثكم ارضهم وديارهم واموالهم وارضا لم تطأوها. وكان الله على كل شيء قديرا. ثم في سنة ست من الهجرة اعتمر صلى الله عليه وسلم واصحابه عمرة الحديبية. وكان البيت لا يصد عنه احد. عزم المشركون على صد النبي صلى الله عليه وسلم عنه. ولما بلغ الحديبية وراء المشركين اخذتهم الحمية الجاهلية جازمين على القتال. دخل معهم في صلح لحقن الدماء في بيت الله الحرام. ولما في ذلك من المصالح وصار الصلح على ان يرجع النبي صلى الله عليه وسلم عامه هذا. ولا يدخل البيت ويكون القضاء من العام المقبل. وتضع الحق الحرب اوزارها بينهم عشر سنين. فكره جمهور المسلمين هذا الصلح حين توهموا ان فيه غضاضة على المسلمين. ولم يطلعوا على ما فيه من المصالح الكثيرة. رجع صلى الله عليه وسلم عامه ذلك. وقضى هذه العمرة في عام سبع من الهجرة. فانزل الله في هذه القضية سورة الفتح باكملها انا فتحنا لك فتحا مبينا. فكان هذا الفتح لما فيه من الصلح الذي تمكن فيه المسلمون من الدعوة الى الاسلام ودخول الناس في دين الله حين شاهدوا ما فيه من الخير والصلاح والنور. وقد تقدم ان قصة بني قريظة دخلت في ضمن قصة الخندق اما قبيلة بني النضير من اليهود فانها قبل ذلك حين هموا بالفتك بالنبي صلى الله عليه وسلم. وكانوا على جانب المدينة غزاهم صلى الله عليه وسلم واحتموا بحصونهم. ووعدهم المنافقون حلفاؤهم بنصرتهم. فالقى الله الرعب في وانزلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على ان يجلوا عن ديارهم ولهم ما حملت ابلهم ويضعوا الارض والعقار وما الم تحمله الابل للمسلمين؟ فانزل الله في هذه القضية اول سورة الحشر. هو الذي اخرج الذين كفروا من اهل الكتاب من من ديارهم لاول الحشر الى اخر القصة. وفي سنة ثمان من الهجرة وقد نقضت قريش العهد الذي بينهم وبين النبي صلى صلى الله عليه وسلم غزا مكة في جند كثيف من المسلمين يقارب عشرة الاف مقاتل فدخلها فاتحا لها ثم تممها بغزوة حنين على هوازن وثقيف. فتم بذلك نصر الله لرسوله وللمسلمين. وانزل الله في ذلك اول سورة التوبة في سنة تسع من الهجرة غزى تبوك واوعب المسلمون معه. ولم يتخلف الا اهل الاعذار. واناس من المنافقين. وثلاثة من صلحاء المؤمنين. كعب بن مالك وصاحباه. وكان الوقت شديدا والحر شديدا. والعدو كثيرا. والعسرة مشتدة وصل الى تبوك ومكث عشرين يوما. ولم يحصل قتال فرجع الى المدينة. فانزل الله في هذه الغزوة ايات كثيرة من سورة التوبة يذكر تعالى تفاصيلها وشدتها. ويثني على المؤمنين. ويذم المنافقين وتخلفهم. ويذكر توبته على النبي والمهاجرين والانصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة. ويدخل معهم الثلاثة الذين خلفوا بعد توبتهم وانابتهم. وفي مطاوي هذه الغزوات يذكر الله ايات الجهاد وفرضه وفضله وثواب اهله. وما للناكلين عنه من الذل العاجل والعقاب الاجل. كما انه في اثناء هذه المدة ينزل الله الاحكام الشرعية شيئا فشيئا. بحسب ما تقتضيه حكمته. في سنة تسع من الهجرة او سنة عشر. رضى الله الحج جعل المسلمين وكان ابو بكر حج بالناس سنة تسع ونبذ الى المشركين عهودهم واتم عهود الذين لم ينقضوا. ثم حج النبي النبي صلى الله عليه وسلم بالمسلمين سنة عشر. واستوعب المسلمين معه واعلمهم بمناسك الحج والعمرة. بقوله وفعله وانزل الله الايات التي في الحج واحكامه. وانزل الله يوم عرفة. اليوم اكملت لكم دينكم. واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا. الم يبقى من العلوم النافعة علم الا بينه لهم. فان القرآن تبيان لكل شيء. وعلوم الاصول وعلوم والاحكام وعلوم الاخلاق والاداب وعلوم الكون وكل ما يحتاجه الخلق. وكل ما يحتاجه الخلق من ذلك اليوم الى ان تقوم الساعة ففي القرآن بيانه والارشاد اليه. وهو الذي اليه المرجع في جميع الحقائق الشرعية والعقلية. ومحال وممتنع ان يأتي علم صحيح لا محسوس ولا معقول ينقض شيئا مما جاء به القرآن. فانه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد. افلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا ان هذا القرآن يهدي للتي هي اقوم. والله يقول الحق وهو يهدي السبيل. هذه الاية جمعت بيننا وعي العلوم فان العلوم وسائل ومقاصد. فنوع المقاصد وهو الحق الذي يقول الله في كتابه وعلى لسان رسوله ونوع وسائل وهو الهداية الى السبيل الى كل علم وعمل. كما ان قوله تعالى ولا يأتونك بمثل الا جئناك بالحق واحسن تفسيرا جمعت الكمال في الفاظه ومعانيه. فالفاظه اوضح الالفاظ وابلغها واحسنها تفسيرا. لكل ما تفسره من الحقائق. بوضوح واحكامها وقوامها ومعانيه كلها حق. وذلك انه تمت كلمة ربك صدقا وعدلا. صدقا في اخبارها عدلا في احكامها واوامرها ونواهيها. ومن احسن من الله حكما لقومي يوقنون. فاحكامه على الاطلاق احسن الاحكام وانفعها للعباد فهذا في شرعه ودينه ونظيره في خلقه الذي احسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الانسان من وقد جمع الله في كتابه بين المتقابلات العامة. وذلك لكمال هذا الكتاب واحكامه كالامثلة السابقة. وكما في قوله تعالى وتعاونوا على البر والتقوى. فان البر اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من العقائد والاخلاق والاعمال. والتقوى اسم لما يجب اتقاؤه من جميع الاثام والمضار. ولهذا قال ولا تعاونوا على الاثم والعدوان. الاثم المعاصي المتعلقة بحقوق الله والعدوان البغي على خلق الله في الدماء والاموال والاعراض والحقوق. وكذلك قوله تعالى وتزودوا فان خير زاد التقوى فجمع بين زاد سفر الدنيا وزاد سفر الاخرة بالتقوى. وكذلك قوله تعالى يا بني ادم قد انزلنا عليكم كان سيواري سوءاتكم وريشا. هذا اللباس الحسي الضروري والكمالي. ثم قال ولباس التقوى ذلك خير. فهذا لباس معنوي وان شئت قلت عن الاول انه لباس البدن وعن لباس التقوى انها لباس القلب والروح. وكذلك قوله تعالى ولقاهم نظرة وسرورا. جمع لهم بين نعيم الظاهر بالنظرة والحسن والبهاء. ونعيم الباطن بكمال الفرح والسرور وكذلك قوله في صفة نساء الجنة فيهن خيرات حساب. فوصفهن بجمال الباطن بحسن الخلق الكامل. وجمال الظاهر بانهن حسان الوجوه وجميع الظاهر. ولما ذكر السير الحسي ذكر السير المعنوي وقال وعلى الله قصد السبيل منها جائر. وكذلك قوله فانثروا ثبات. اي افرادا بدليل قوله او انفروا جميعا. وكذلك قوله لا يصلها الا الاشقى الذي كذب وتولى. كذب الخبر وتولى عن الطاعة. والتكذيب انحراف الباطن. والتولي انحرافه ظاهر ونظيره قوله انا قد اوحي الينا ان العذاب على من كذب وتولى. وضد ذلك ما رتب الله على الايمان الايمان والعمل الصالح من خير الدنيا والاخرة. فان الايمان ضد التكذيب والتولي ضد الاستقامة والعمل الصالح. وكذلك قوله اياك نعبد واياك نستعين. فاعبده وتوكل عليه. تجمع جميع ما يراد من العبد. العبادة حق الله على العبد. والاعانة من رب به اسعافه بما استعان عليه من عبودية ربه وغيرها من منافعه. فالعبد في عبادة الله واستعانة به. وكذلك قوله تعالى من عمل صالحا من ذكر او انثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة. ولنجزينهم اجرهم باحسن ما كانوا يعملون فجمع للمؤمن العامل للصالحات بين طيب الحياة في الدنيا والاخرة. ونظيره للذين احسنوا في هذه الدنيا حسنة مدار الاخرة خير. ربنا اتنا في الدنيا حسنة وفي الاخرة حسنة. وكذلك قوله ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون في مواضع نفي جميع المكروه الماضي بنفي الحزن المستقبل بنفي الخوف. وكذلك قوله تعالى فروحوا وريحان وجنة نعيم. الروح اسم جامع لنعيم القلب. والريحان اسم جامع لنعيم الابدان. وجنة نعيم تجمع الامرين وكذلك قوله ومن اعرض عن ذكري اي القرآن اي القرآن الذي انزله فان له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة اعمى. جمع له بين عذاب الدنيا وعذاب البرزخ وعذاب دار القرار. وكذلك قوله يطبع الله على كل لقلب متكبر جبار. اي متكبر عن الحق. جبار على الخلق ومثله معتد اثيم. معتد اي معتاد في البغي على عباد الله. اثيم اي متجرأ على محارم الله. وكذلك قوله في مواضع من ولي ولا نصير الولي الذي يجلب لمواليه المنافع. والنصير الذي يدفع عنه المضار. فوائد منثورة منوعة غير مرتبة الامة جاء في القرآن لعدة معان. جاء بمعنى الامام الجامع لخصال الخير. مثل قوله ان ابراهيم كان امة وبمعنى الطائفة مثل قوله وان من امة الا خلا فيها نذير. وهذا المعنى كثير. وبمعنى عن الملة والدين. وان هذه امتكم امة واحدة. وبمعنى المدة الطويلة وادكر بعد امه سلطان اكثر استعماله في القرآن بمعنى الحجة. مثل قوله ان عندكم من سلطان. فاتونا سلطان مبين. ويأتي بمعنى الملك مثل قوله هلك عني سلطانيه. ويأتي بمعنى التسلط والسيطرة قوله انه ليس له سلطان على الذين امنوا وعلى ربهم يتوكلون. انما سلطانه على الذي حين يتولونه والذين هم به مشركون. اللسان ورد في القرآن لعدة معان. ورد بمعنى الجارحة لا تحرك به لسانك يقولون بالسنتهم وهو كثير. وبمعنى اللغة وما ارسلنا من رسول الا لسان قومه بلسان عربي مبين. وبمعنى الثناء الحسن واجعل لي لسان صدق في الاخرين استوى وردت في القرآن على ثلاثة اوجه. تارة تعدى بعلى. فتدل على العلو والارتفاع. مثل ثم على العرش لتستووا على ظهوره. وتعد بالا فتدل على القصد مثل ثم استوى الى السماء وتأتي بلا تعدية بحرف فتدل على الكمال ومنه قوله ولم بلغ اشده واستوى اي كمل في عقله واحواله كلها. التأويل اكثر وروده في القرآن بمعنى عظيم عاقبة الشيء وما يؤول اليه وقت وقوعه مثل قوله هل ينظرون الا تأويله يوم يأتي تأويله يقول قولوا الذين نسوه من قبل. اي وقوع المخبر به من العذاب. هذا تأويل رؤياي من قبل. اي هذا ما ال اليه وهذا وقوعها. وقد يأتي بمعنى التفسير وهو قليل. ومنه على احد ومنه على احد التفسيرين. وما تأويله الا الله. اي تفسيره. وعلى القول الاخر يكون من المعنى الاول. اي وما يعلم حقيقة المخبر عنه الا الله وحده. فعلى هذا المعنى يتعين الوقوف على الله. وعلى المعنى الاول بمعنى التفسير يعطف عليه والراسخون في العلم اي كما يعلم تفسير المتشابه الذي يتشابه فهمه على اذهان اكثر الناس الا الله والا اهل العلم علم فانهم يعلمون تأويله بهذا المعنى الغافل. ورد في القرآن بمعنى الجاهل مثل قوله لتنذر وقوما ما انذر اباؤهم فهم غافلون. وبمعنى النسيان لذكر الله وذكر طاعته. كقوله واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة. ودون الجهر من القول بالغدو والاصال. ولا تكن من الغافلين. ولا تطع من اغفلنا قلبه عن ذكرنا. فائدة. اخبار الله انه مع عباده يرد في القرآن على احد معنيين. احدهما المعية العامة كقوله ما يكون من نجوى ثلاثة الا هو رابعهم. ولا خمسة الا هو سادسهم ولا ادنى من ذلك ولا اكثر الا هو معهم. اي هو معهم بعلمه واحاطته. الثاني المعية الخاصة وهي اكثر ورودا في القرآن. وعلامته ان يقرنها الله بالاتصاف بالاوصاف التي يحبها. والاعمال التي يرتضيها مثل قوله واعلموا ان الله مع المتقين. مع المحسنين مع الصابرين. لا تحزن ان الله معنا. قال لا تخافا انني معكما اسمع وارى. وهذه المعية تقتضي العناية من الله والنصر والتأييد والتسديد بحسب قيام العبد بذلك الوصف الذي رتبت عليه المعية. ونظير هذا التقسيم وصف العباد بانهم عبيد المتعبد لربه القائم بعبوديته. وذلك مثل قوله وعباد الرحمن. وقوله تبارك الذي نزل الفرق على عبده وقوله سبحانه اليس الله بكاف عبده؟ اليس الله بكاف عبده؟ فبحسب قيام العبد عبودية ربه تحصل له كفاية الله. ونظير هذا القنوت يرد في القرآن على قسمين. قنوت عام مسل قوله وله من في السماوات والارض كل له قانتون. اي الكل عبيد خاضعون لربوبيته وتدبيره. النوع الثاني وهو الاكثر في القرآن القنوت الخاص. وهو دوام الطاعة لله على وجه الخشوع. مثل قوله امن هو قانت اناء الليل ساجدا وقائما. وقوله وقوموا لله قانتين. يا مريم قنوت لربك واسجدي والقانتين والقانتات ونحوها. فائدة طغيان الرئاسة وطغيان المال يحملان صاحبهما على الكبر والبطر والبغي على الحق وعلى الخلق. برهان ذلك قوله تعالى الم تر الى الذي حاج ابراهيم في ربه ان اتاه الله الملك. وقوله ان الانسان ليطغى. ان رآه استغنى لعل لهذا التجرؤ والطغيان بحصول الملك ورؤيته لنفسه الاستغناء. اما الموفقون الاصفياء فانهم في هذه الاحوال يخضعون لله ويعترفون له بالنعمة ويزداد تواضعهم. ولهذا لما رأى سليمان عليه السلام من ملكه كبيرا ورأى عرش الملكة سبأ مستقرا عنده لم يطغى ويقل هذا من حولي وقوتي ونحوه. بل قال هذا فمن فضل ربي ليبلوني ااشكر ام اكفر؟ وقال قبل ذلك ربي اوزعني ان اشكر نعمتك التي انعمت علي وعلى والدي وان اعمل صالحا ترضاه. وادخلني برحمتك في عبادك الصالحين. فائدة من الحكمة استعمال اللين في معاشرة المؤمنين. وفي مقام الدعوة للكافرين. كما قال تعالى فبما رحمة من الله لنت لهم. ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك. وقال فقولا له قولا لينا لعله يتذكر او يخشى. فامر باللين في هذه المواضع وذكر ما يترتب عليه من المصالح. كما ومن الحكمة استعمال الغلظة في موضعها. قال تعالى يا ايها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم لان المقام هنا مقام لا تفيد فيه الدعوة. بل قد تعين فيه القتال. فالغلظة فيه من تمام القتال. وقد جمع الله بين الامرين في قوله في وصف خواص الامة اشداء على الكفار رحماء بينهم. والفرق بين قول انك لا تهدي من احببت. وبين قوله وانك لتهدي الى صراط مستقيم. ان هداية الارشاد والتعليم البيان هي التي اثبتها لرسوله بل ولكل من له تعليم وارشاد للخلق. كما قال وجعلناهم ائمة يهدون بامرنا. وقال ولكل قوم هادئ. واما هداية التوفيق ووضع الايمان في القلوب. فانها مختصة الله فكما لا يخلق ولا يرزق ولا يحيي ويميت الا الله فلا يهدي الا الله. الفرق بين التبصرة والتذكرة في مثل لقوله تبصرة وذكرى لكل عبد مبين. ان التبصرة هي العلم بالشيء. والتبصر فيه. والتذكرة هي العمل بالعلم اعتقادا وعملا. وتوضيح هذا ان العلم التام النافع يفتقر الى ثلاثة امور. التفكر اولا في ايات الله والمشهودة. اذا تفكر ادرك ما تفكر فيه بحسب فهمه وذكائه. فعرف ما تفكر فيه وفهمه. وهذا هو التبصر فاذا علمه عمل به فان كان اعتقادا وايمانا صدقه بقلبه واقر به واعترف. وان اقتضى عملا قلبيا او قوليا او بدنيا عمل به. وهذا هو التذكر وهو التذكرة. وحاصل ذلك هو معرفة الحق واتباعه. ومعرفة الباطل والفرق بين المواضع التي ورد في القرآن ان الناس لا يتساءلون ولا يتكلمون والمواضع التي ذكر فيها احتجاجهم وتكلمهم وخطاب بعضهم لبعض من وجهين. اوجهها تقييد هذه المواضع بقوله لا يتكلمون الا من اذى قيل له الرحمن وقال صوابا. فاثبات الكلام المتعدد من الخلق يوم القيامة تبع لاذن الله لهم في ذلك. ونفي التساؤل والكلام في الحالة التي لم يؤذن لهم. الوجه الثاني ما قاله كثير من المفسرين. ان القيامة لها احوال ومقابر ففي بعض الاحوال والمقامات يتكلمون. وفي بعضها لا يتكلمون. وهذا الوجه لا ينافي الاول. فيقال هذه الاحوال والمقامات تبع لاذن الله لهم او عدمه. والفرق بين اثبات الله في القرآن الانساب بين الناس في مواضع كثيرة. ونفيه في مواضع ان المواضع المنفية المراد بها ان الانساب لا تنفع كما ان جميع الاسباب لا تنفع يوم القيامة الا سببا واحدة. وهو الايمان والعمل الصالح. كما ذكره في كتابه في مواضع. واما المواضع المثبتة فهو المطابق للحقيقة ويذكر في كل مقام بحسبه. ففي مقامات الفضل والثواب يذكر الله فضله على الجميع بالحاق الناقص من المؤمنين بالكامل من غير نقص لدرجة الكامل. مثل قوله والذين امنوا واتبعتهم ذريتهم بايمان بهم ذريتهم وما من عملهم من شيء. اي ما نقصناهم ومثل جنات توعدني يدخلونها ومن صلح من ابائهم وازواجهم وذرياتهم. وفي مقامات العدل والعقوبة يذكر وانها لا تنفع. وان الامر اعظم من ان يلتفت الانسان الى اقرب الناس اليه. مثل قوله يود المجرم لو افتدي من عذاب يومئذ ببنيه. وصاحبته واخيه وفصيلته التي تؤويه. ومثل يوم يفر الموت المرء من اخيه وامه وابيه وصاحبته وبنيه. لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه ونظير هذا الاخبار عن المجرمين انهم يسألون عن اعمالهم. وذلك على وجه اظهار العدل والتوبيخ والتقريع لهم والفضيحة وفي بعض المواضع مثل فيومئذ لا يسأل عن ذنبه انسوا ولا جان اي لا يحتاجك علم ذلك وجزائه عليه الى سؤاله سؤال استعلام. لانها مسطرة عليهم. قد حفظت شهود من الملائكة والجوارح في الارض وغيرها. فائدة. النفي المحض لا يكون كمالا. ولهذا في مقامات المدح كل نفي في القرآن فانه يفيد فائدتين. نفي ذلك النقص المصرح به. واثبات ضده ونقيضه. فيدخل في هذا اشياء كثيرة اعظمها انه اثنى على نفسه بنفي امور كثيرة تنافي كماله. نفى الشريك في مواضع متعددة. فيقتص توحده بالكمال المطلق. وانه لا شريك له في ربوبيته والهيته واسمائه وصفاته. وسبح نفسه في مواضع واخبر في مواضع عن تسبيح المخلوقات. والتسبيح تنزيه الله عن كل نقص. وعن ان يماثله احد. وذلك يدل وعلى كماله ونفى عن نفسه الصاحبة والولد ومكافأة احد. وذلك يدل على كماله المطلق وتفرده بالوحدانية والغنى المطلق والملك المطلق. ونفى عن نفسه السنة والنوم والموت. لكمال حياته وقيمته. ونفى كذلك الظلم في مواضع كثيرة. وذلك يدل على كمال عدله وسعة فضله. ونفى ان يخفى عليه شيء في الارض ولا في السماء. او شيء. وذلك لاحاطة علمه وكمال قدرته. ونفى العبث في مخلوقاته وفي شرعه. وذلك لكمال حكمته. وهذه فائدة عظيمة فاحفظها في خزانة قلبك. فانها خير الكنوز وانفعها. وكذلك نفى عن كتابه القرآن الريب والعوج شك ونحوها. وذلك يدل على انه الحق في اخباره واحكامه. فاخباره اصدق الاخبار واحكمها وانفعها للعباد كلها محكمة في كمال العدل والحسن والاستقامة على الصراط المستقيم. وقال عن نبيه صلى الله عليه وسلم ما ضل صاحبكم وما غوى. فنفى عنه الضلال من جميع الوجوه. وهو عدم العلم او قلته او نقصه. او عدم جودته. والغي وهو سوء القصد يدل ذلك على انه اعلم الخلق على الاطلاق. واهداهم واعظمهم علما ويقينا وايمانا. وانه انصح الخلق للخلق واعظمهم اخلاصا لله وطلبا لما عنده. وابعدهم عن الاغراض الرديئة. وكذلك نفى عنه كل نقص قاله اعداؤه فيه وانه في الذروة العليا من الكمال المضاد لذلك النقص. وكذلك نفى الله عن اهل الجنة الحزن والكدر والنصر واللغوب والموت. وغيرها من الافات. فيدل ذلك على كمال سرورهم وفرحهم. واتصال نعيمهم وكماله. وكمال حياتهم وقوة شبابهم وكمال صحتهم. وتمام نعيمهم الروحي والقلبي والبدني من كل وجه. وانه لا اعلى منه حتى يطلب عنه حولا. وعكس هذا ما نفى القرآن عنه صفات الكمال. فانه يثبت له ضد ذلك من النقص. كما نفى عن الهة المشركين جميع الكمالات القولية والفعلية والذاتية. وذلك يدل على نقصها من كل وجه. وانها لا تستحق العبادة مثقال ذرة فائدة. قوله تعالى ان الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسر اي القوة والشجاعة في هذه الاية؟ على ان الملك اذا اجتمعت فيه هاتان الخصلتان العلم بالولاية والسياسة وحسن تدبير والشجاعة والقوة فهو الذي يصلح للولاية والملك. وان لم يكن من بيت الملك ولا ذا مال. فان العبرة بجميع الولايات ان كانوا اقامتها والنهوض بها على اكمل الحالات. وولاية الملك لا تتم الا بالعلم والشجاعة القلبية والبدنية فائدة. قوله تعالى واتوا البيوت من ابوابها. يؤخذ من عمومها اللفظي والمعنوي ان كل مطلوب من المطالب المهمة ينبغي ان يؤتى من بابه وهو اقرب طريق ووسيلة يتوصل بها اليه. وذلك يقتضي معرفة الاسباب والوسائل معرفة تامة ليس لك الاحسن منها والاقرب والاسهل. الاقرب نجاحا. لا فرق بين الامور العلمية والعملية. ولا بين الامور المتعدية والقاصرة وهذا من الحكمة فائدة. لما ذكر الله الانبياء واثنى عليهم قال اولئك الذين هدى الله فبهداهم اولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتضى. تدل على اتباع جميع الانبياء في جميع هداهم. والله هداهم في عقائدهم واخلاقهم واعمالهم واقوالهم وافعالهم. فكل امر اثنى الله فيه على احد من انبيائه من عقد او خلق او عمل فاننا مأمورون بالاقتداء بهم. وذلك من هداهم وهو ايضا من شريعتنا. فان الله امرنا بذلك كما امرنا بالاوصاف العامة التي تدخل فيها مفردات كثيرة. فائدة اذا امرنا الله في كتابه بامر كان امرا بذلك وبكل امر لا يتم الا به. فالامر مثلا بالصلاة امر بالطهارة وستر العورة واجتناب النجاسة واستقبال القبلة. وبجميع شروطها واركانها. وكذلك هو امر بمعرفتها ومعرفة ما لا تتم الا به. وهذا من اعظم الادلة على وجوب طلب العلم. فان المأمورات يتوقف تكميلها على معرفتها. وكذلك اذا نهانا الله عن شيء كان نهيا عن كل وسيلة توصل اليه. الامر بالجهاد امر به وبكل ما يتوقف عليه في كل زمان ومكان. الامر بتبليغ الشريعة امر بكل ما يحصل به التبليغ. ويتم ويشمل ويدخل في هذا ايصال الاحكام الشرعية وتبليغها للناس بجميع المقربات الحادثة. فائدة قد اخبر الله في عدة ايات بهدايته الكفار على اختلاف مللهم ونحلهم. وتوبته على كل مجرم. واخبر في اياته اخر انه لا يهدي القوم الظالمين. لا يهدي القوم الفاسقين. فما الجمع بينها؟ فيقال قوله تعالى ان الذين عليهم كلمة ربك لا يؤمنون. ولو جاءتهم كل اية حتى يروا العذاب الاليم. هي الفاصلة بين من الله ومن لم يهدهم. فمن حقت عليه كلمة العذاب لعنادهم ولعلم الله انهم لا يصلحون للهداية بحيث صار الظلم والفسق وصفا لهم ملازما غير قابل للزوال. ويعلم ذلك بظاهر احوالهم وعنادهم ومكابرتهم للحقائق فهؤلاء يطبع الله على قلوبهم فلا يدخلها خير ابدا. والجرم جرمهم فانهم رأوا سبيل الرشد فزهدوا فيه. ورأوا سبيل الغي فرغبوا فيه. واتخذوا الشياطين اولياء من دون الله. فائدة ورد في كثير من الايات اضافة الامور الى قدرة الله ومشيئته وعموم خلقه. وفي ايات كثيرة اضافتها الى عامليها وفاعليها. وهذه الايات المتنوعة تنزل على الاصل العظيم المتفق عليه بين سلف الامة. والذي دل عليه العقل والنقل. وهو ان جميع الامور واقعة قضاء الله وقدره. اعيانها واوصافها وافعالها وجميع ما حدث ويحدث لا يخرج شيء منه عن قضائه وقدره. ومع ذلك فقد جعل الله الحوادث تبعا لاسبابها ولارادة الفاعلين لها وقدرتهم عليها. فالايات المتعددة المضافة الى قدرة تدل على الاصل الاول. والايات المتعددة المضافة الى فاعليها تدل على الاصل الثاني ولا منافاة بينهما ان اعمال العباد مثلا تقع بفعلهم وارادتهم وقدرتهم. والله خالقهم وخالق قدرتهم وارادتهم. وخالق السبب التام خالق للمسبب. ومع ذلك فقد جعلهم في افعالهم وتروكهم مختارين غير مجبورين. فائدة يختم الله كثيرا من الايات عندما يبين للعباد الاصول والاحكام النافعة بقوله لعلكم تعقلون. وهذا يدل على امور منها ان الله يحب منا ان نعقل احكامه وارشاداته وتعليماته. فنحفظها ونفهمها ونعقلها بقلوبنا. ونؤيد هذا العقل ونثبته بالعمل بها. ومنها انه كما يحب منا ان نعقل هذا الحكم الذي بينه بيانا خاصا. فانه يحب ان نعقل بقية ما انت انزل علينا من الكتاب والحكمة. وان نعقل اياته المسموعة واياته المشهودة. ومنها ان في هذا اكبر دليل على ان معرفة ما انزل الله الينا من اعظم ما يربي عقولنا. ويجعلها عقولا تفهم الحقائق النافعة والضارة. وترجح هذه على هذه ولا تميل بها الاهواء والاغراض والخيالات والخرافات الضارة المفسدة للعقول. واذا اردت معرفة مقادير عقول الخلق على الحقيقة تدعي كثرة النفقات. ولهذا قال تعالى ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا. اي تلام على ما فعلت لانه في غير طريقه محصورا فارغ اليد. واخباره انه لا يحب المسرفين. دليل على انه يحب المقتصدين فانظر الى عقول المهتدين بهداية القرآن والسنة. والى عقول المنحرفين عن ذلك. تجد الفرق العظيم ولا تحسبن العقل هو الذكاء والفطنة والفصاحة اللفظية وكثرة القيل والقال. وانما العقل الصحيح ان يعقل العبد في قلبه الحقائق النافعة. عقلا يحب بمعرفتها ويميز بينها وبين ضدها. ويعرف الراجح من الامور فيؤثره. والمرجوح او الضار فيتركه. وبعبارة اخرى مختصرة نقول العقل هو الذي يعقل به العلوم النافعة ويعقل صاحبه ويمنعه من الامور الضارة فائدة. ورد في القرآن ايات عامة عطف عليه بعض افرادها الداخلة فيها. وذلك يدل على فضيلة المخصوص واكديته. وان له من المزايا ما اوجب النص عليه مثل قوله من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكائيل فان الله عدو للكافرين. وقوله سبحانه تنزل الملائكة والروح فيها. وهو جبريل. وقوله حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى. وقوله والذين يمسكون بالكتاب دخل فيه الدين كله ثم قال ومثله اي اتبعه. ويدخل في ذلك جميع الشرائع. ثم قال واقم الصلاة اه وذكر السبب في ذلك الى غير ذلك من الايات التي اذا تأملت المخصوص من العام علمت ان ذلك لشرفه نكديته وما يترتب عليه من الثمرات الطيبة. فائدة لطيفة. في عدة ايات من القرآن اذا ذكر الله الحكم لم ينص على نفس الحكم عليه. بل يذكر من اسمائه الحسنى ما اذا علم ذلك الاسم وعلمت اثاره. علم ان ذلك الحكم من اثار ذلك الاسم. وهذا انهاض من الله لعباده. ان يعرفوا اسمائه حق المعرفة. وان يعلموا انها الاصل في الخلق امر وان الخلق والامر من اثار اسمائه الحسنى. وذلك مثل قوله وان عزموا الطلاق فان الله سميع عليم ايستفاد ان الفيئة يحبها الله وانه يغفر لمن فاء ويرحمه. وان الطلاق كريه الى الله. واما المؤذي اذا فان الله تعالى سيجازيه على ما فعل من السبب. وهو الايلاء. والمسبب وهو ما ترتب عليه. ومثل هذا قوله تعالى الا الذين تابوا من قبل ان تقدروا عليهم. فاعلموا ان الله غفور رحيم. اي فانكم اذا علمتم ذلك رفعتم عنه العقوبة المتعلقة بحق الله. وهذا كثير. وقد الله بالحكم ويعلله بذكر الاسماء الحسنى المناسبة له. فائدة. قوله تعالى وكلوا واشربوا ولا تسرفوا انه لا يحب المسرفين. جمع الله فيها امورا كثيرة نافعة في الدين والبدن والحال والمآل. فالامر بالاكل والشرب يدل على وان العبد لا يحل له ترك ذلك شرعا. كما لا يتمكن من ذلك قدرا ما دام عقله معه. وان الاكل والشرب مع نية امتثال امر الله يكون عبادة. وان الاصل في جميع المأكولات والمشروبات الاباحة. الا ما نص الشارع على تحريمه لضرره لاطلاق وكذلك وعلى ان كل احد يأكل ما ينفعه ويناسبه ويليق به. ويوافق لغناه وفقره. ويوافق لصحته ومرضه ولعادته وعدمها. ولانه حذف المأكول. والاية ساقها الله لارشاد العباد الى منافعهم. وهي تدل على ذلك كله على ان اصل صحة البدن تدبير الغذاء بان يأكل ويشرب ما ينفعه. ويقيم صحته وقوته. وعلى الامر بالاقتصاد في الغذاء والتدبير الحسن لانه لما امر بالاكل والشرب نهى عن السرف. وعلى ان السرف منهي عنه. وخصوصا في الاطعمة والاشربة. فان السرف يضر الدين والعقل والبدن والمال. اما ضرره الديني فكل من ارتكب ما نهى الله ورسوله عنه. فقد انجرح دينه. وعليه ان يداوي هذا الجرح بالتوبة والرجوع. واما ضرره العقلي فان العقل يحمل صاحبه ان يفعل ما ينبغي على الوجه الذي ينبغي. ويوجب له ان يدبر حياته ومعاشه. ولهذا كان حسن التدبير في المعاش من ابلغ ما يدل على عقل صاحبه. فمن تعدى الطور النافع الى طور الاسراف فلا ريب ان ذلك لنقص عقله فانه يستدل على نقص العقل بسوء التدبير. واما ضرره البدني فان من اسرف بكثرة المأكول والمشروبات انضر بدنه واعترته امراض خطيرة. وكثير من الامراض انما تحدث بسبب الاسراف في الغذاء. ثم انه ينضر ايضا ايضا من وجه اخر فان من عود بدنه شيئا اعتاده. فاذا عوده كثرة الاكل واكل الاطعمة المتنوعة فربما تعذرت في بعض الاحوال لفقر او غيره وحينئذ يفقد البدن ما كان معتادا له فتنحرف صحته. واما ضرره المالي فظاهر فان الاسراف في هذه الاية اثبات صفة المحبة لله. وانها تتعلق بما يحبه الله من الاشخاص والاعمال والاحوال كلها. فسبحان من جعل كتابه كنوزا للعلوم النافعة المتنوعة. فائدة ذكر الله في كتابه عدة ايات فيها وصف القلوب بالمرض وبالعمى وبالقلب قسوة وبجعل الموانع عليها من الران. والاكنة والحجاب وبموتها وبحيرتها. فاعلم ان القلب يكون صحيحا ويكون مريضا ويجتمع فيه المرض والموانع من وصول الصحة. وقد يكون لينا وقد يكون قاسيا. فاما القلب الصحيح فهو السليم من جميع هذه الافات وهو القلب الذي صحت وقويت قوته العلمية وقوته العملية الارادية وهو الذي عرف الحق فاتبعه بلا تردد وعرف الباطل فاجتنبه بلا توقف. فهذا هو القلب الصحيح الحي السليم. وصاحبه من اولي النهى واولي الحجى واولي الالباب واولي الابصار والمخبت لله والمنيب اليه. واما القلب المريض فهو الذي انحرفت احدى قوتيه العلمية والعملية او كلاهما ومرض الشبهات والشكوك الذي هو مرض المنافقين. لما اختل علمهم وبقيت قلوبهم في شكوك واضطراب. ولم تتوجه الى الخير كان مهلكا ومرض الشهوات. الذي هو ميل القلب الى المعاصي. مخل بقوة القلب العملية. فان القلب الصحيح لا يريد ولا الا الى الخير او الى ما اباحه الله له. فمتى رأيت القلب ميالا الى المعاصي سريع الانقياد لها فهو مريض. هو سريع الافتتان عند وجوب اسباب الفتنة. كما قال تعالى فيطمع الذي في قلبه مرض. واما القلب القاسي فهو الذي لا يلين لمعرفة الحق وان عرفه لا يلين للانقياد له. فتأتيه المواعظ التي تلين الحديد وقلبه لا يتأثر بذلك. اما لقسوة هذه الاصلية او لعقائد منحرفة اعتقدها ورسخ قلبه عليها. وصعب عليه الانقياد للحق اذا خالفها. وقد يجتمع واما الران والاكنة والاغطية التي تكون على القلوب. فانها من اثار كسب العبد وجرائمه. فاذا اعرض عن الحق وعارض وجاءه الحق فرده وفتح الله له ابواب الرشد فاغلقها عن نفسه عقبه الله بهذا العمل بان سد عنه طرق الهداية التي كانت مفتوحة له ومتيسرة. فتكبر عنها وردها وطبع على قلبه وختم عليه. واحاطت به الجرائم ورانت عليه الذنوب وغطت قلبه وجعلت بينه وبين الحق حجابا واقفلت القلب. فهذه المعاني التي اكثر الله من ذكرها في كتابه اذا عرفت هذه الضابط المذكورة في هذه الفائدة اتضحت لك معانيها. وعرفت بذلك حكمة الله وعدله في عقوبة هذه القلوب. وان الله ولاهم ما تولوه لانفسهم ورضوه لها. فائدة. قوله تعالى لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة واصيلا. جمع الله فيها الحقوق الثلاثة. الحق المختص بالله. الذي لا يصلح لغيره. وهو العبادة في قوله. وتسبحوه وبكرة واصيلا. والحق المختص بالرسول وهو التوقير والتعزير. والحق المشترك وهو الايمان بالله ورسوله. فائدة ذكر الله اليقين في مواضع كثيرة من القرآن في المحل العالي من الثناء. اخبر ان اليقين هو غاية الرسل بقوله وليكون من موقنين وانه بالصبر واليقين تنال الامامة في الدين. وان الايات انما ينتفع بها الانتفاع الكامل الموقنون. فحقيقة اليقين هو العلم الثابت الراسخ التام المثمر للعمل القلبي والعمل البدني. اما اثار اليقين العلمية فثلاث مراتب علم اليقين وهي العلوم الناتجة عن الادلة والبراهين الصادقة الخبرية. كجميع علوم اهل اليقين الحاصلة عن خبر الله وخبر رسوله واخبار الصادقين وعين اليقين وهي مشاهدة المعلومات بالعين حقيقة كما طلب الخليل ابراهيم من ربه ان يريه كيف يحيي الموتى فاراه الله ذلك بعينه وغرضه صلى الله عليه وسلم الانتقال من مرتبة علم اليقين الى عين اليقين. وحق اليقين وهي المعلومات التي تحقق بالذوق. كذوق القلب لطعم الايمان والذوق باللسان للاشياء المحسوسة. واما اثار القلبية فسكون القلب وطمأنينته. كما قال ابراهيم ولكن ليطمئن قلبي. وقال صلى الله عليه وسلم سر مطمأن اليه القلب وفي لفظ. الصدق ما اطمئن اليه القلب. فان العبد اذا وصل الى درجة اليقين في علومه اطمأن قلبه لعقائد الايمان كلها. واطمئن قلبه لحقائق الايمان واحواله التي تدور على محبة الله وذكره. وهما متلازمان. قال تعالى الا بذكر الله تطمئن القلوب. فتسكن القلوب عند الاخبار فلا يبقى في القلب شك ولا ريب. من كل خبر اخبر الله به في كتابه وعلى لسان رسوله. بل يفرح بذلك مطمئنا عالما ان هذا اعظم فائدة حصلتها القلوب. ويطمئن عند والنواهي مكملا للمأمورات. تاركا للمنهيات. راجيا لثواب الله واثقا بوعده. ويطمئن ايضا عند المصائب والمكاره يتلقاها بانشراح صدر واحتساب. ويعلم انها من عند الله فيرضى ويسلم. فيخف عليه حملها ويهون عليه ثقلها وقد علم بذلك اثارها البدنية فان الاعمال البدنية مبنية على اعمال القلوب. فاهل اليقين هم اكمل الخلق في جميع صفات كمال فان اليقين روح الاعمال والاخلاق وحاملها. والله هو الموفق الواهب له ولاسبابه. فائدة الظن ورد في القرآن على وجهين وجه محمود ووجه مذموم. اما المحمود ففي مقام مدح وجزاء بالخير والثواب. فانه بمعنى العلم واليقين. مثل قوله تعالى الذين يظنون انهم ملاقوا ربهم. اي يتيقنون لذلك ومثل اني ظننت اني ملاق حسابيا. واما المذموم ففي اغلب الايات الواردة في الظن. مثل الا الظن وان الظن لا يغني من الحق شيئا. ومثل قوله وان هم الا يظنون. وهو كثير. فهذا وما اشبهه فمن قدم الظنون الكاذبة على الاخبار الصادقة. لان الظن في الاصل يحتمل الصدق والكذب. ولكنه اذا ناقض الصدق قطعنا بكذبه فائدة. قوله تعالى يمحق الله الربا ويربي الصدقات. وقوله وما اتيتم من ربا ليوم وفي اموال الناس فلا يربو عند الله. وما اتيتم من زكاة تريدون وجه الله. فاولئك اولئك هم المضعفون. تدل الايتان على ان الزيادة من المحرمات وخصوصا المكاسب المحرمة. نقص في البركة. وقد ينسحب المال بذاته عاجلا او اجلا. وعلى ان من اخرج شيئا لله او فعل شيئا لله فان الله يزيده وينزل له البركة. فان المال وان نقص حسا بما يخرج منه لله فانه يزداد معنى ووصفا. وقد يفتح للعبد بسبب ذلك ابواب من الرزق. او يدفع عن عبدي من اسباب النقص ما كان بصدد ان يصيبه. فائدة. الفرح ورد في القرآن محمودا مأمورا به في مثل قوله. قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون. فهذا فرح بالعلم والعمل بالقرآن والاسلام. وكذلك قوله فرحين بما اتاهم الله من فضله. فهذا فرح بثواب الله. وورد منهيا عنه مذموما مثل الفرح بالباقي وبالرياسات والدنيا المشغلة عن الدين. في مثل قوله تعالى انه لفرح فخور. وقوله عن قارون قال له قومه لا تفرح ان الله لا يحب الفرحين. وما اشبه ذلك. فصار الفرح تبعا لما تعلق به. اذا تعلق بالخير وثمراته فهو محمود والا فهو مذموم. قوله ومن اراد الاخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فاولئك اولئك كان سعيهم مشكورا. وقوله اذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا الى ذكر الله. وقوله ان سعيكم لشتى. وايات كثيرة كلها بمعنى الاهتمام للعمل. الا في مثل قوله تعالى وجاء رجل من اقصى المدينة يسعى. وفي قوله وجاء من اقصى المدينة رجل يسعى. فالمراد بذلك العدو وهو يتضمن الاول وزيادة فائدة. امر الله بالصدق واثنى على الصادقين. وذكر جزاء الصادقين في ايات كثيرة. والمراد صدق ان يكون العبد صادقا في عقيدته. صادقا في خلقه صادقا في قوله وعمله. فهو الذي يجيء بالصدق في ظاهره وباطنه. ويصدق وبالصدق لمن جاء به. كما قال تعالى والذي جاء بالصدق وصدق به اولئك هم المتقون. ولما كان من هذا وصفه هو اعلى الخلق في كل حالة ذكر جزاءه اعلى الجزاء وافضله فقال لهم ما يشاؤون ربهم ذلك جزاء المحسنين. ليكفر الله عنهم اسوأ الذي عملوا. ويجزيهم اجرهم مم باحسن الذي كانوا يعملون. وخواص اهل هذا الوصف هم الصديقون الذين ليس بعد درجة النبوة اعلى منهم قال تعالى والذين امنوا بالله ورسله اولئك هم الصديقون. والمراد الايمان الكامل كما قال قال النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر لاصحابه الغرف العالية التي يتراءها اهل الجنة من علوها وارتفاعها. ونورها كالكوكب بالذري في الافق الشرقية او الغربية. فقالوا يا رسول الله تلك منازل الانبياء لا يبلغها غيرهم. فقال بلى والذي نفسي بيده رجال امنوا بالله وصدقوا المرسلين. وهؤلاء هم الهداة المهديون كما قال تعالى وجعلنا منهم ائمة تهدون بامرنا لما صبروا وكانوا باياتنا يوقنون. فالصديقية شجرة اصلها العلوم الصحيحة. والعقائد السلفية المأخوذة من كتاب الله وسنة رسوله. وقوامها وروحها. الاخلاص الكامل لله والانابة اليه. والرجوع اليه في جميع الاحوال رغبة ورهبة ومحبة وتعظيما وخضوعا وذلا لله. وثمراتها الاخلاق الحميدة والاقوال السديدة والاعمال الصالحة والاحسان في عبادة الخالق والاحسان الى المخلوقين بجميع وجوه الاحسان. وجهاد جميع اصناف المنحرفين. فهي في الحقيقة القيام بالدين ظاهرا وباطنا. وحالا ودعوة الى الله. والله هو الموفق وهو المعين لكل من استعان به صدقا. فائدة قوله تعالى في المصطفين الذين اورثهم الله الكتاب فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات اشترك هؤلاء الثلاثة في اصل الايمان. وفي اختيار الله لهم من بين الخليقة. وفي انه من عليهم بالكتاب وفي دخول الجنة وافترقوا في تكميل مراتب الايمان. وفي مقدار الاصطفاء من الله وميراث الكتاب. وفي منازل الجنة ودرجات بحسب اوصافهم. اما الظالم لنفسه فهو المؤمن الذي خلط عملا صالحا واخر سيئا. وترك من واجبات الايمان ما لا يزول معه الايمان بالكلية وهذا القسم ينقسم الى قسمين. احدهما من يرد القيامة وقد كفر عنه السيئات كلها. اما بدعاء او شفاعة او اثار خيرية ينتفع بها في الدنيا. او عذب في البرزخ بقدر ذنوبه. ثم رفع عنه العقاب. وعمل الثواب عمله فهذا من اعلى هذا القسم وهو الظالم لنفسه. القسم الثاني من ورد القيامة وعليه سيئات فهذا توزن حسناته وسيئاته. ثم هم بعد هذا ثلاثة انواع. احدها من ترجح حسناته على سيئاته. فهذا لا يدخل النار هل يدخل الجنة برحمة الله وبحسناته؟ وهي من رحمة الله. ثانيها من تساوت حسناتهم وسيئاتهم. فهؤلاء هم اصحاب الاعراف وهي موضع مرتفع بين الجنة والنار يكونون عليه. وفيه ما شاء الله. ثم بعد ذلك يدخلون الجنة فكما وصف ذلك في القرآن. ثالثها من رجحت سيئاته على حسناته. فهذا استحق دخول النار الا ان يمنع من ذلك مانع من شفاعة الرسول له. او شفاعة احد اقاربه او معارفه. مما يجعل الله لهم في القيامة شفاعة لعلو مقاماتهم على الله وكرامتهم عليه. او تدركه رحمة الله المحضة بلا واسطة. والا فلابد له من دخول النار يعذب فيها بقدر ذنوبه ثم مآله الى الجنة. ولا يبقى في النار احد في قلبه ادنى مثقال حبة خردل من ايمان. كما تواترت بذلك الاحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم واجمع عليه سلف الامة وائمتها. واما المقتصد فهو الذي ادى الواجبات وترك المحرمات ولم يكثر من نوافل العبادات. واذا صدر منه بعض الهفوات بادر الى التوبة فعاد الى مرتبته. فهؤلاء اهل اليمين واما من كان من اصحاب اليمين فسلام لك من اصحاب اليمين. فهؤلاء سلموا من عذاب البرزخ وعذاب النار. وسلم الله لهم ايمانهم واعمالهم فادخلهم بها الجنة. كل على حسب مرتبته. واما السابق الى الخيرات فهو الذي كمل مراتب الاسلام وقام بمرتبة الاحسان فعبد الله كانه يراه. فان لم يكن يراه فانه يراه. وبذل ما استطاع من النفع لعباد فكان قلبه ملآن من محبة الله والنصح لعباد الله. فادى الواجبات والمستحبات. وترك المحرمات والمكروهات. وفضول المباحات المنقصة لدرجته. فهؤلاء هم صفوة الصفوة. وهم المقربون في جنات النعيم الى الله. وهم اهل الفردوس الاعلى فان الله كما انه رحيم واسع الرحمة. فانه حكيم ينزل الامور منازلها. ويعطي كل احد بحسب حاله ومقامه فكما كانوا هم السابقين في الدنيا الى كل خير. كانوا في الاخرة في اعلى المنازل. وكما تخيروا من الاعمال احسنها جعل الله لهم من الثواب احسنه. ولهذا كانت عين التسنيم اعلى اشربة اهل الجنة. يشرب منها هؤلاء المقربون صرفا لاصحاب اليمين مزجا في بقية اشربة الجنة. التي لا نقص فيها بوجه من الوجوه. كما قال تعالى ومزاجه من تسنيم عيني يشرب بها المقربون. وهكذا بقية الوان واصناف نعيم الجنة لهؤلاء السابقين. منه واكمله وانفسه. وان كان ليس في نعيم الجنة دني ولا نقص ولا كدر بوجه من الوجوه. بل كل من تنعم باي نعيم من نعيمها لم يكن في قلبه شيء اعلى منه. فان الله اعطاهم وارضاهم. وخيار هؤلاء الانبياء على مراتبهم اما الصديقون على مراتبهم. ولكل درجات مما عملوا. فسبحان من فاوت بين عباده هذا التفاوت العظيم والله يختص برحمته من يشاء. والله ذو الفضل العظيم. فائدة ورد في القرآن الظلم معنى الكفر والشرك الاكبر. كما قال تعالى والكافرون هم الظالمون. وقال ان الشرك لظلم عظيم وورد كثيرا بمعنى الجرائم التي دون الشرك كما سبق في الظالم لنفسه ومثل ومن يعمل سوءا او اظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما. وورد ايضا عدة ايات يدخل فيها هذا وهذا ومثل هذا الفسق والمعصية والذنب والسيئة والجرم والخطيئة ونحوها. فانها وردت في القرآن لكل واحد من هذه الثلاثة فتفسر في كل مقام بما يناسب ذلك المقام. فائدة. قوله تعالى فاما من اعطى واتقى وصدق الحسنى فسنيسره لليسرى. الايات جمعت السعادة وجميع الاسباب التي تنال بها السعادة. وهي ثلاثة اشياء فعل المأمور واجتناب محظور وتصديق خبر الله ورسوله. فهذه الثلاثة يدخل فيها الدين كله. وذلك ان قوله اعطى جميع ما امر به من قول وعمل ونية. واتقى جميع ما نهي عنه من كفر وفسوق وعصيان. وصدق بالحسنى بما اخبر الله به ورسوله من الجزاء تصدق بالتوحيد وحقوقه وجزاء اهله. فمن جمع ثلاثة الامور يسره الله يسرى اي لكل حالة فيها تيسير اموره واحواله كلها. ومقابل هذا قوله واما من بخل. اي ترك ما امر به ليس خاصا بالنفقة بل معنى البخل المنع. فاذا منع الواجبات المتوجهة اليه القولية او الفعلية او المالية فقد بخل واستغنى اي رأى نفسه غير مفتقر الى ربه. وذلك عنوان الكبر والتجرؤ على محارم الله. وكذب بالحسنى اي بلا اله الا الله وحقوقها. وجزاء المقيمين لها والتاركين لها. فسنيسره للعسرى اي لكل حالة عسرة في معاشه ومعاده فائدة. خطابات القرآن للناس خبرا وامرا ونهيا قسمان. احدهما وهو الاكثر جدا. خطاب عام يخاطب به جميع الناس. ويتعلق الخبر او الحكم فيهم في حالة واحدة. مثل الخبر عن الله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الاخر. ومثل الامر بالصلاة والزكاة والصوم والحج والجهاد والبر والصلة والعدل والنهي عن ضد ذلك. وهذا لان هداية وبيان للناس. وهم مستوون في تعلق تلك الاحكام فيهم. ما لم يمنع مانع عجز عن بعض الواجبات فيرتب عليه حكمه. القسم الثاني الخطاب العام من جهة. الخاص من جهة اخرى. وذلك كالخطاب المتعلق بالعبادات المعلقة على اوقاتها كالامر بالصلوات الخمس لاوقاتها. كقوله اقم الصلاة لدلوك الشمس الى غسق الليل وقرآن وبالامساك عن المقطرات مثل قوله وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الابيض من الخيط الاسود من الفجر اتموا الصيام الى الليل. فمن جهة انه موجه الى جميع المكلفين. فانه خطاب عام. جميع اهل المشارق والمغارب مخاطبون بذلك ومن جهة ان لكل موضع حكما بنفسه فانه معلوم ان الوقت الذي تطلع فيه الشمس على هؤلاء او تغرب او يطلع الفجر وتزول الشمس غير الوقت الذي توجد فيه هذه الامور عند الاخرين. فكل يخاطب بحسب حاله وحسب الموضع الذي فيه بلا ريب. ونظير هذا الامر باستقبال القبلة للصلاة. موجه الى جميع اهل الارض. ومع ذلك فكل قطر ومحل فلهم جهة يتوصلون بها الى الكعبة. ولهذا صرح الله بهذا المعنى بقوله وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطرا فالمقصود واحد الطرق والوسائل الى هذا المقصود متباينة. وكل واحد مأمور بطريقه الخاص. ونظير ذلك الاخبار بطلوع الشمس والقمر والكواكب وغروبها. ولو تحذلق جاهل فقال ان مثل قوله حتى اذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمأة اي في البحر برؤية العين. وقوله وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها سترا. ينافس معلومة ان الشمس والقمر والكواكب لا تغرب عن الدنيا بالكلية. فيقال هذا من الجهل والعجمة بمكان سحيق عن الحقائق. وذلك ان الله لم يقل وجدها تغرب عن جميع الارض او تطلع على جميع الارض. حتى يكون لهذا الجاهل اعتراض. بل اخبر عن غروبها وطلوعها عن ذلك الموضع وذلك القطر. كما يفهم الناس كلهم سابقا ولاحقا. ولا فرق بين الاخبارات والاحكام بوجهه. ومن المعلوم ان لكل اهل قطر مطلعا ومغربا. فهذه الخطابات في الاحكام والاخبارات في غاية الاحكام. التي لا يتطرق اليها اعتراضات المعترض ومن اعترض على شيء من ذلك عرف الناس ان ذلك من اثار جهله وحمقه. وهذا واضح لا يحتاج الى كل هذا. يفهمه والبليد. وهذا مقتضى كون القرآن عربيا. انزله الله بما يعقله العباد. ورد في القرآن عدة ايات فيها ذكر ورسوله ويتعدى حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين. وقوله بلى من كسب سيئة واحاطت به خطيئته. فاولئك اصحاب النار هم فيها خالدون. فما جمع بينها وبين النصوص المتواترة من الكتاب والسنة انه لا يخلد في النار الا الكفار. وان جميع المؤمنين مهما عملوا من المعاصي التي دون الكفر فانهم لابد ان يخرجوا منها. فهذه الايات قد اتفق السلف على تأويلها وردها الى هذا الاصل المجمع عليه بين سلف الامة واحسن ما يقال فيها ان ذكر الخلود على بعض الذنوب التي دون الشرك والكفر انها من باب ذكر السبب. وانها سبب للخلود في النار لشناعتها. وانها بذاتها توجب الخلود اذا لم يمنع من الخلود مانع. ومعلوم بالضرورة من دين الاسلام ان ايمان مانع من الخلود. فتنزل هذه النصوص على الاصل المشهور. وهو انه لا تتم الاحكام الا بوجود شروطها واسبابها موانعها. وهذا واضح ولله الحمد. مع ان بعض الايات المذكورة فيها ما يدل على ان الخطيئة المراد بها الكفر. لان قوله واحاطت به خطيئته دل على ذلك لان المعاصي التي دون الكفر لا تحيط بصاحبها بل لابد ان يكون معه يمنع من احاطتها. وكذلك قوله ومن يعص الله ورسوله ويتعدى حدوده يدخله نارا خالدا فيها المعصية تطلق على الكفر وعلى الكبائر وعلى الصغائر. ومن المعلوم انه اذا دخل فيها الكفر زال الاشكال. فائدة ورد في القرآن ايات كثيرة فيها مضاعفة الحسنة بعشر امثالها. وورد ايضا ايات اخر فيها مضاعفة اكثر ذلك فما وجه ذلك؟ فيقال اما مضاعفة الحسنة بعشر امثالها فلابد منها في كل عمل صالح كما قال تعالى جاء بالحسنة فله عشر امثالها. واما مضاعفة العمل اكثر من ذلك فله اسباب. اما متعلقة بنفس العامل او بالعمل ومزيته او نتائجه وثمراته او بزمانه او مكانه. فمن اعظم اسباب مضاعفة العمل اذا حقق العبد في عمله اخلاص للمعبود والمتابعة للرسول. فمضاعفة الاعمال تبع لما يقوم بقلب العامل من قوة الاخلاص وقوة الايمان ذلك من الاسباب اذا كان العمل ناشئا عن عقيدة صحيحة سلفية خالصة متلقاة من الكتاب والسنة فهذا العبد يكون اليسير من هذه ابرك من الكثير من عمل من ليس كذلك. ومن ذلك ترك ما تهواه النفوس من الفواحش. مع قوة الداعي اليها لبرهان الايمان والتوكل والاخلاص. ومن اسباب المضاعفة ان يكون العمل فيه نفع للمسلمين وغناه. وذلك كالجهاد في سبيل الله. الجهاد بالحجة والبرهان وبالسيف والسنان. كما قال تعالى في نفقات اهل هذا الصنف. مثل الذين ينفقون اموالهم في لله كمثل حبة انبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة. والله يضاعف لمن يشاء آآ والله واسع عليم. ويدخل في هذا سلوك طريق التعليم والتعلم للعلوم الشرعية. وما يعين عليها. وفي الحديث ان سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له طريقا الى الجنة. ومن ذلك العمل والسعي في المشاريع الخيرية التي بها المسلمون في دينهم ودنياهم. ويتسلسل نفعها. ومن ذلك العمل الذي اذا عمله العبد كثر مشاركوه. والمقتدون به فيه ومن ذلك اذا كان العمل له وقع عظيم ونفع كبير. كانجاء المضطرين وكشف كربات المكروبين. فكم من عمل من هذا النوع الله به ذنوب العبد كلها. واوصله به الى رضوانه. وقصة البغي التي سقت الكلب الذي كاد يموت من العطش شاهدا بذلك. ومن ذلك علو مقام العامل عند الله ورفعة درجته. كما قال تعالى يا نساء النبي لستن احد من النساء ان اتقيتن. فقوله قبلها ومن يقنت منكن لله ورسوله اعمل صالحا نؤتها اجرها مرتين. ومن ذلك الصدقة من كسب طيب وقوة واخلاص. ومن ذلك العمل الواقع في زمان فاضل او في مكان فاضل. ومن اهم واعظم ما يضاعف به العمل تحقيق مقام الاحسان في القيام بعبودية الله. وفي الحديث ليس لك من صلاتك الا ما عقلت منها. فالصلاة والقراءة والذكر وغيرها من العبادات. اذا كانت بقوة حضور قلب وايمان كامل فلا ريب ان بينها وبين عبادة الغافل درجات تنقطع دونها اعناق المطي. واسباب مضاعفة الثواب كثيرة ولكن نبهنا على اصولها ومما هو كالمتفق عليه بين العلماء الربانيين ان الاتصاف في جميع الاوقات بقوة الاخلاص لله والنصح لعباده الله ومحبة الخير للمسلمين مع اللهج بذكر الله بقوة لا يلحقها شيء من الاعمال. واهلها سابقون لكل فضيلة واجر ثواب وبقية الاعمال تبع لها. فاهل الاخلاص والاحسان والذكر هم السابقون السابقون. اولئك المقربون في جنات النعيم فائدة. قد امر الله في كتابه بالتفكر والتدبر والنظر والتبصر. وغيرها من الطرق التي تنال بها العلوم. واثنى على اهلها واخبر ان كتابه انزل لهذه الحكم واثنى على العلم واليقين ومدح اهلهما. ومن نهج اي طريق يوصل اليهما فاعلم ان الذي يجمع اشتات هذه الطرق وانواعها واجناسها ثلاثة طرق كلية. احدها طريق الاخبارات الصادقة طريق الحس والثالث طريق العقل. ووجه الحصر ان المعلومات اما ان تدرك بحاسة السمع او البصر او اللمس او الذوق. واما ان تدرك بالعقل واما ان تنال بالاخبار. وكل واحد من هذه الثلاثة قد يقارن الاخر. وخصوصا العقل والاخبار الصادقة فانهما لا يتفارقان. وقد يكون العلم ضروريا بديهيا يضطر الانسان الى علمه. والتصديق به من غير حاجة الى زيادة نظر وتفكر. وقد يكون نظريا يحتاج الى ذلك. ثم العلم بهذه الامور مراتب متفاوتة. واعلى درجات العلم واليقين اوضحها وانفعها للعباد خبر الله وخبر رسله. فانه لا اصدق من الله قيلا. ولا اصدق منه حديثا. الله يقول يقول الحق وهو يهدي السبيل. فكل ما قاله الله وقاله رسوله فهو الحق والصدق. وماذا بعد الحق الا الضلال؟ وهو يهدي الى كل دليل عقلي ونقلي. وفي خبر الله وخبر رسله من البيان العظيم والتفصيلات لجميع اجناس العلوم النافعة. ما لا تصل اليه علوم الخلائق كلهم. اولهم واخرهم. واذا اردت ان تعرف ان الحق الصحيح هو ما قاله الله وقاله رسوله. وانما ناقضه ونفاه فهو باطل بلا ريب مبني على جهالات ومواد فاسدة. فانظر الى اصول الدين وقواعده واسسه. كيف اتفقت عليها الادلة النقلية والعقلية والحسية انظر الى توحيد الله ووجوب تفرده وافراده بالوحدانية وتوحده بصفات الكمال. كيف كانت الكتب السماوية مشحونة منها. بل هي المقصود الاعظم منها. وخصوصا القرآن الذي هو من اوله الى اخره. يقرر هذا الاصل الذي هو اكبر اصول واعظمها وانظر كيف اتفقت جميع الرسل من اولهم الى اخرهم. وخصوصا امامهم وخاتمهم محمدا صلى الله عليه وسلم. على توحيد الله وتفرده بالوحدانية. وسعة الصفات وعظمتها من سعة العلم والحكمة. وعموم القدرة والارادة وشمول الحمد والملك تلك حدود الله فلا تعتدوها. فهذه الحدود التي حدها فهذه الحدود التي حددها الله للمباحات فعلى العبد الا يتجاوزها لانه اذا تجاوز المباح وقع في الحرام فافهم الفرق بين الامرين. وجعل الله السبب الوحيد القوي والمجد والجلال والجمال والحسن. والاحسان في اسمائه وصفاته وافعاله. ثم انظر الى هذا الاصل العظيم في قلوب سادات الخلق اولي الالباب الكاملة والعقول التامة. كيف تجده اعظم من كل شيء واقوى واكبر من كل شيء. واوضح من كل شيء. وانه مقدم عندهم على الحقائق كلها. وانهم يعلمونه علما ضروريا بديهيا قبل الادلة النظرية. ويعلمون ان كل ما عارضه فهو ابطل الباطل ثم انظر الى كثرة البراهين المنقولة والمعقولة والمحسوسة الشاهدة لله بالوحدانية. ففي كل شيء له اية تدل على انه واحد. فوجود جميع الاشياء في العالم العلوي والسفلي. وبقاؤها وما هي عليه من الاوصاف المتنوعة. كل ذلك من الادلة والبراهين على وجود مبدعها ومعدها. وممدها بكل ما تحتاج اليه. ومن انكر هذا فقد باهت وكابر وانكر اجل واعظم الحقائق. ومن هنا تعلم ان الماديين الملحدين اضل الخلق واجهلهم واعظمهم غرورا واغترارا. حيث اغتروا حين وقفوا على بعض علوم الكون الارضي المادي الطبيعي. وقفت عقولهم القاصرة عندها واستولت عليهم الحيرة وتكبروا بمعارفهم الضئيلة قالوا نثبت ما وصلت اليه معارفنا وننفي ما سواه. فتعرف بهذا ان نفيهم هذا جهل وباطل باتفاق العقلاء. فانما ما لا يعرفه فقد برهن على كذبه وافتراءه. فكما ان من اثبت شيئا بلا علم فهو ضال غاو. فكذلك من نفى شيئا بلا علم وتعرف ايضا ان اثباتهم لعلوم الطبيعة التي عرفوها وانتهت اليها معارفهم ان هذا الاثبات منهم قاصر لم يصلوا الى غايته وحقيقته. فلم يصلوا بذلك الى خالق الطبيعة ومبدعها. ولم يعرفوا المقصود من نظامها وسببيتها. بل عرفوا بل عرفوا ظاهرا منه وهم عن النافع غافلون. فاثبتوا بعض السبب وعموا عن المقصود. وهم في علمهم هذا حائرون. لا تثبت لهم قدم على كامر من الامور ولا تثبت لهم نظرية صحيحة مستقيمة. فهم دائما في خلط وخط وتناقض. وكلما جاءهم من البراهين الحق ما يبطل قولهم قالوا هذا من فلتات الطبيعة. وكلما برز مبرز من فحولهم واذكيائهم ابتكر له طريقة غير طريق اخوانه فصدق عليهم قوله تعالى بل كذبوا بالحق لما جاءهم فهم في امر مريج. وقوله فلما جاءتهم رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم. وحاط بهم ما كانوا به يستهدفون والمقصود ان هذا الاصل العظيم قد دلت عليه جميع الادلة باجناسها وانواعها. ودل عليه الشرع المحكم والقدر العام المنظم ولم يقدح فيه الا هؤلاء الضلال. الذين كان قدحهم فيه قد اسقط اعتبارهم وبرهن على فساد عقولهم. انظر الى الاصل الثاني وهو اثبات الرسالة وان الله قد اقام على صدق رسله من الايات ما على مثله يؤمن البشر. وخصوصا محمدا صلى الله عليه وسلم فان ايات نبوته وادلة رسالته وصدقه متنوعة سيرته واخلاقه وما جاء به من الدين القويم. وحثه على كل خلق كريم وعمل صالح ونفع واحسان وعدل. ونهيه عن ضد ذلك. وما جاء به من الوحي الكتابي والسنة. كله جملة وتفصيلا براهين على نبوته وصدقه. مع ما اكرمه الله به من النصر العظيم واظهار دينه على الاديان كلها. ومن اجابة الدعوات وحلول انواع الحركات التي لا تعد انواعها فضلا عن افرادها. وهذا بقطع النظر عن شهادة الكتب السابقة. وعن عجز المعارضين له في مقامات التحدي كله وعجزهم عن نصر باطلهم. ولا يزال الباطل بين يدي ما جاء به الرسول مخذولا زاهقا. بحيث ان القائمين بما جاء به الرسول. القائمين بمعرفة دينه يتحدون جميع اهل الارض ان يأتوا بصلاح او فلاح او رقي حقيقي او سعادة حقيقية بجميع وجوهها وانه محال ان يتوصل الى شيء من ذلك بغير ما جاء به الرسول. وارشد اليه ودل الخلق عليه. ولولا الجهل بما جاء به الرسول والتعصبات الشديدة من الاعداء والمقاومات العنيفة واقامة الحواجز المتعددة العنيفة لمنع الجماهير والدهماء من رؤية الحق الصريح والدين الصحيح لم يبق على وجه الارض دين سوى دين محمد صلى الله عليه وسلم. لدعوته وارشاده وحثه على كل صلاح واصلاح وخير ورشد. ولكن مقاومات الاعداء ونصر القوة للباطل بالتمويهات. والتزويرات وتقاعس اهل الدين عن القيام به ونصرته هي التي منعت اكثر الخلق من الوقوف على حقيقته. ثم انظر الى الاصل الثالث وهو اثبات المعاد والجزاء. كيف نفقت الكتب السماوية والرسل العظام واتباعهم على اختلاف طبقاتهم. وتباين اقطارهم وازمانهم واحوالهم. على الايمان به والاعتراف وكيف اقام الله عليه من الادلة النقلية والعقلية. وكذلك الحسية المشاهدة. ما يدل اكبر دلالة عليه. كم اشهد عباده في هذه الدار انموذجا من الثواب والعقاب. واراهم حلول المثلات بالمكذبين. وانواع العقوبات الدنيوية بالمجرمين. كما اراهم الرسل ومن تبعهم من المؤمنين واكرامهم في الدنيا قبل الاخرة. وكم ابطل الله كل شبهة يقدح فيها المكذبون بالميعاد. كما اقام الادلة على ابطال الشبهة الموجهة من المكذبين الى توحيده وصدق رسله. وبين سفههم وفساد عقولهم. وانه ليس لهم من مستندات على انكار ذلك الا استبعادات مجردة. وقياس قدرة رب العالمين على قدر المخلوقين. المقصود ان هذه الاصول العظيمة قد قامت البراهين القواطع عليها من كل وجه وبكل اعتذار. وجميع الحقائق الصحيحة غيرها لم يقم على ثبوتها عشر معشار ما قام على هذه الاصول من البراهين المتنوعة. ففي هذا دليل على ان كل من اثبت معلوما او حقيقة من بطريق عقلي او خبري او حسي. ثم نفى مع ذلك واحدا من هذه الاصول الثلاثة التي هي اساس الدين. فقد كابر وحسه وعلمه ونادى على نفسه بالتناقض العظيم. لان الطرق التي دلته على اثبات معلوماته هي واضعافها واضعاف عافها وما هو اقوى منها واوضح قد دلت على التوحيد والرسالة والمعاد. واعلم ان المعلومات بخبر الله وخبر رسله عامة يدخل فيها الاخبار عن الله وعن ملائكته وعن الغيوب كلها. وامور الشرع والقدر وهي الاخبار المعصومة الصادقة التي يعلم كذب من خالفها وبطلانه ولنكتفي بهذا الانموذج من الامثلة والله اعلم. وبعد هذا اخبار الصادقين عن المواضع والحوادث والوقائع التي شاهدوها وهذا النوع بحسب صدق المخبرين وتواتر خبرهم يفيد العلم القطعي. وكذلك اخبار الصادقين عن العلوم التي سمعوها والالفاظ التي نقلوها واصدق الناقلين هنا حملة الشريعة المحمدية لشدة عنايتهم وكمال صدقهم وقوة دينهم انهم بالخصوص حفظوا حفظوا عن الخطأ العمومي والاتفاق على غير الصواب. ومن الامور التي تعلم بالعقل ان العقول الصحيحة التي لم تتغير فطرتها ولم تفسد بالعقائد الفاسدة. تعلم علما يقينا حسن التوحيد والاخلاص لله. كما تعلم قبح الشرك وتعلم حسن الصدق والعدل والاحسان الى المخلوقين. كما تعلم قبح ضده. وتعلم وجوب شكر المنعم ووجوب بر الوالدين وصلة الارحام. والقيام بحق من له حق عليك. وتستحسن كل صلاح واصلاح وتستقبح كل فساد وضرر. ومن اشرف ما يعلم بالعقل انه مركوز في العقول ان الكمال المطلق لله وحده وان له الحكمة التامة في خلقه وشرعه وانه لا يليق به ان يترك خلقه سدى لا يؤمرون ولا ينهون لا يثابون ولا يعاقبون. ومن المعلوم بالحس ما يدرك بالحواس كسمع الاصوات وابصار الاعيان. وهو من اتم المعارف انه ليس الخبر كالمعاينة ومما يدرك بالحس ما يدرك بالشم كشم الروائح الطيبة والخبيثة. وما يدرك باللمس كالحرارة والبرودة. وما بتحليل الاشياء والوقوف على موادها وجواهرها وصفاتها. كل هذا من مدركات الحس وبالجملة فطرق العلم الى المعلومات كثيرة جدا. وكلما كان الشيء اعظم ومعرفته اهم. كانت الطرق الموصلة اليه اكثر واوضح واصح واقوى. كما تقدمت الاشارة الى التوحيد والرسالة والمعاد والله اعلم. فائدة لما ذكر الباري نعمته على العباد بتيسير الركوب للانعام والفلك قال وتقولوا سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وانا الى ذكر فيها اركان الشكر الثلاثة وهي الاعتراف والتذكر لنعمة الله والتحدث بها والثناء على الله بها. والخضوع لله والاستعانة بها على عبادته. لان المقصود من قوله وان الى ربنا لمنقلبون. الاعتراف بالجزاء. والاستعداد له. ان تكون عونا للعبد على ما خلق له من طاعة الله. وفي قوله ثم تذكروا نعمة ربكم اذا استويتم عليه تقييدها في هذه الحالة وقت تبوء النعمة لان كثيرا من الخلق من نعم وتغفلهم عن الله. وتوجب لهم الاشر والبطر. فهذه الحالة التي امر الله بها هي دواء هذا الداء المهلك فانه متى ذكر العبد انه مغمور بنعم الله وان اصولها وتيسيرها وتيسير اسبابها وبقائها ودفع ما يضادها او ينقصها كله من فضل الله واحسانه ليس من العبد شيء. خضع لله وذل وشكره واثنى عليه. وبهذا تدوم النعمة ويبارك الله وفيها وتكون نعمة حقيقية. فاما اذا قابلها بالاشر والبطر ونسي المنعم وربما تكبر بها على عباد الله. فهذه نقمة في سورة نعمة وهي استدراج من الله للعبد سريعة الزوال. وشيكة بالعقاب عليها والنكال. نسأل الله ان يوزعنا شكر نعمه فائدة فائدة بل فوائد عظيمة في ذكر شيء من الاسباب التي ذكرها الله في كتابه موصلة الى المطالب العالية. لا ان من حكمة الله ورحمته ان جعل العباد مفتقرين الى جلب المنافع الدينية والدنيوية. والى دفع المضار الدينية والدنيوية اقتضت حكمته وسنته التي لا تتبدل ان هذه المنافع المتنوعة وخصوصا الامور العظام لا تحصل الا بالسعي باسبابها الموصلة اليها وكذلك المضار لا تندفع الا بالسعي بالاسباب التي تدفعها. وقد بين في كتابه غاية التبيين هذه الاسباب. وارشد العباد اليها فمن سلكها فاز بالمطلوب ونجا من كل مرهوب. فاصل الاسباب كلها الايمان والعمل الصالح. جعل الله خيرات الدنيا والاخرة وحصولها بحسب قيام العبد بهذين الامرين. وقد ذكر الله في القرآن من هذا شيئا كثيرا جدا. وقد تقدم في هذا الكتاب شيء من ذلك عند ذكر فوائد الايمان وجعل الله القيام بالعبودية والتوكل سببا لكفاية الله للعبد جميع مطالبه. شاهده قوله تعالى هلا ومن يتوكل على الله فهو حسبه. وقوله اليس الله بكاف عبده اي بمن يقوم بعبوديته ظاهرا وباطنا. وجعل الله التقوى والسعي والحركة سببا للرزق. شاهده قوله تعالى ومن يتق الله يجعل له مخرجا. ويرزقه من حيث لا يحتسب. وقوله شو في مناكبها وكلوا من رزقه. وجعل الله التقوى والايمان وتكرار دعوة ذي النون سببا للخروج من كل كرب وضيق وشدة. شاهده الاية السابقة وكذلك قوله فنادى في الظلمات ان لا اله الا انت اني كنت من الظالمين. فاستجبنا له ونجيناه من الغم. وكذلك ننجي المؤمنين. وجعل الله الدعاء والطمع في فضله سببا لحصول جميع المطالب. دليله قوله تعالى. وقوله وادعوه خوفا وطمعا. ان رحمة الله قريب من المحسنين وجعل الله الاحسان في عبادة الخالق والاحسان الى الخلق سببا يدرك به فضله واحسانه العاجل والاجل. شاهدوا السابقة ان رحمة الله قريب من المحسنين. وقوله هل جزاء الاحسان الا الاحسان وقوله سبحانه واحسنوا ان الله يحب المحسنين. ومن احب الله نال جميع ما يطلب. وجعل الله التوبة والاستغفار والايمان والحسنات والمصائب مع الصبر عليها. اسبابا لمحو الذنوب والخطايا شاهدوا قوله تعالى واني لغفار لمن تاب وامن وعمل صالحا ثم اهتدى. وقوله ان الحسنات يذهبن السيئات. وقوله انه من يتق ويصبر فان الله لا يضيع اجر المحسنين وجعل الله الصبر سببا والة تدرك بها الخيرات. ويستدفع بها الكريهات. شاهدوه الاية السابقة وقوله واستعينوا بالصبر والصلاة اي على جميع اموركم. ولما ذكر الله ما وصل اليه اهل الجنة من كمال النعيم وزوال كل محظور. ذكر ان هذا اثر صبرهم فقال سلام عليكم بما صبرتم وقوله اولئك يجزون الغرفة بما صبروا. ومنه انه جعل الصبر واليقين حين تنال بهما اعلى المقامات وهي الامامة في الدين. دليله قوله تعالى وجعلنا منهم ائمتين يهدون بامرنا لما صبروا لما صبروا وكانوا باياتنا وجعل الله مفتاح العلم حسن السؤال وحسن الانصات والتعلم والتقوى وحسن القصد. شاهدوا قوله تعالى فاسألوا اهل الذكر ان كنتم لا تعلمون. وقوله يا ايها الذين امنوا لا تسألوا عن اشياء لكم تسوءكم. وان تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبدى لكم. وقوله يا ايها الذين امنوا ان فاتقوا الله يجعل لكم فرقانا. اي نورا وعلما اي نورا وعلما تفرقون به بين الحقائق كلها. وقوله به الله من اتبع رضوانه سبل السلام. وقوله والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا. وجعل الله الاستعداد للاعداء بكل مستطاع من القوة. واخذ الحذر منهم سببا لحصول النصر والسلامة من شرورهم. شاهدوا قوله تعالى يا ايها الذين امنوا خذوا حذركم وقوله واعدوا لهم ما استطعتم من قوة. وجعل الله اليسر يتبع العسر والفرج عند اشتداد الكرب. شاهده قوله تعالى ان مع العسر يسرا. وقوله سيجعل الله بعد عسري يسرا وقوله امن يجيب المضطر اذا دعاه. وجعل الله الشكر سببا للمزيد منها ومن غيرها. وغفران النعم سببا لزوال مثمرة للثمرات الجميلة للدعوة الى سبيله هو ما تضمنته هذه الاية ادعوا الى سبيل ربك بالحكمة موعظة الحسنة. وجادلهم بالتي هي احسن. فالحكمة وضع الدعوة في موضعها. ودعاية كل احد شاهدوا قوله تعالى لان شكرتم لازيدنكم ولان كفرتم ان عذابي لشديد. وجعل الله الصبر والتقوى سببا للعواقب الحميدة والمنازل الرفيعة. شهده قوله تعالى والعاقبة للمتقين. وقوله انه من يتق ويصبر فان الله لا يضيع اجر المحسنين. وجعل الله الجهاد سببا للنصر وحصول الاغراض المطلوبة من الاعداء والوقاية من شرورهم. شاهده قوله تعالى قاتلوهم يعذبهم الله بايديكم ويخزهم وينصرهم عليهم وقوله فقاتل في سبيل الله لا تكلف الا نفسك. وحرض المؤمنين. عسى الله ان يكف بأس الذين كفروا وجعل الله لمحبته التي هي اعلى ما ناله العباد اسبابا. اهمها واعظمها متابعة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم في الاقوال والافعال وسائر الاحوال. قال تعالى قل ان كنتم تحبون الله فاتبعوه يحببكم الله. ومن اسبابها ما ذكره بقوله والله يحب الصابرين. وقوله وقوله يحب المحسنين. يحب المتقين. وقوله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كانهم بنيان مرصوص. وجعل الله النظر الى النعم. وجعل الله النظر الى النعم والفضل الذي اعطيه العبد. وغض البصر عما لم يعطه سببا للقلب ساعة يا موسى اني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي فخذ اتيتك وكن من الشاكرين. وجعل الله القيام بالعدل في الامور كلها سببا لصلاح الاحوال. وضد سببا لفسادها واختلافها. شاهده قوله تعالى رفعها ووضع الميزان الا تطغوا في الميزان واقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان وجعل الله كمال اخلاص العبد لربه سببا يدفع به عنه المعاصي. واسبابها وانواع الفتن. شاهدوا قوله تعالى ذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء. انه من عبادنا مخلصين وجعل الله قوة التوكل عليه مع الايمان حصنا حصينا. يمنع العبد من تسلط الشيطان خصوصا اذا انضم الى ذلك الاكثار من ذكر الله والاستعاذة بالله من الشيطان. شاهدوا قوله تعالى انه ليس له سلطان على الذين امنوا وعلى ربهم يتوكلون. وقوله من شر ما خلق ومن شر غاسق اذا وقب. ومن شر النفاثات في العقد ومن شر حاسد اذا حسد. وقوله ملك الناس اله الناس من شر الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس من الجن وجعل الله مفتاح الايمان واليقين التفكر في ايات الله المتلوة واياته المشهودة المقابلة بين الحق والباطل بحسن فهم وقوة بصيرة. شهدوا قوله تعالى كتاب انزلناه اليك والامر بالتفكر بالمخلوقات في عدة ايات وقوله فهي سبب للايمان الايمان موجب للانتفاع بها. وجعل الله القيام بامور الدين سببا لتيسير الامور. وعدم القيام بها سببا للتعسير. شاهده قوله تعالى واما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى. فسنيسره للعسر اه وجعل الله العلم النافع للرفعة في الدنيا والاخرة. شاهدوا قوله تعالى والذين اوتوا العلم درجات. وجعل الله كون العبد طيبا في عقيدته وخلقه وعمله سببا لدخول الجنة. وللبشارة عند الموت. شاهدوا قوله تعالى طبتم فادخلوها خالدين وقوله الذين تتوفاهم الملائكة طيبين. وجعل الله مقابلة المسيء بالاحسان وحسن الخلق سببا يكون به العدو صديقا. وتتمكن فيه صداقة الصديق دليله قوله تعالى لا تستوي الحسنة ولا السيئة. ادفع بالتي هي احسن فاذا الذي بينك وبينه عد وقوله والله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك. وبذلك تحصل الراحة للعبد وتتيسر له كثير من احواله. وجعل الله الانفاق في محله سببا للخلف العاجل والثواب العاجل. شاهدوا قوله تعالى وما انفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين وجعل الله لرزقه ابوابا واسبابا متنوعة. فمتى انغلق على العبد باب منها فلا يحزن. فان الله يفتح له غيره قد يكون اقوى منه واحسن وقد يكون مثله ودونه. شاهدوا قوله تعالى وان يتفرقا يغني الله كله كم من سعته. وقوله يا ايها الذين امنوا انما المشركون نجس فلا يقرب المسجد الحرام. فلا يقرب المسجد الحرام بعد عامهم هذا الله من فضله. وجعل الله والبعد عن الموبقات المهلكة. والحذر من وسائلها طريقا سهلا هينا لتركها. شاهدوا قوله تعالى تلك حدود الله اي محارمه فلا تقربوها اي لا تفعلوها ولا تحوموا حولها. فمن رعى حول الحمى يوشك ان يقع فيه واذا قيل مثل هذه الاية كان المراد بالحدود المحارم واما اذا قيل بحسب ما يليق بحاله ويناسبه. ويكون اقرب لحصول المقصود منه. والموعظة الحسنة البالغة في الحسن مبلغا. يصير لها تأثير وسرعة الانقياد ما يناسب مقتضى الحال. فالموعظة بيان الاحكام مع ذكر ما يقترن بها من الترغيب في ذكر مصالحها ومنافعها وخيراتها الحاملة عليها. وذكر ما يقترن بها من الترهيب على فاعل المحرمات او تارك الواجبات من العقوبات والخسران والحسرات وحرمان الخير العاجل والاجل. والمجادلة بالتي هي احسن بالعبارات الواضحة والبراهين البينة التي تحق الحق وتبطل الباطل مع الرفق واللين وعدم المغاضبة والمشاتمة. وقد علم الله مع ذلك ان الناس ثلاثة اقسام كل يدعى بالطريق التي تناسبه القسم الاول المنقادون الملتزمون الراغبون في الخير. الراغبون من الشر. فهؤلاء لما عندهم من الاستعداد لفعل المأمورات وترك المنهيات والاشتياق الى الاعتقاد الصحيح. فقد يكتفى ببيان الامور الدينية لهم والتعليم المحض. والقسم الثاني الذي عندهم غفلة واعراض واشتغال بامور صادة عن الحق. فهؤلاء مع هذا التعليم يدعون بالموعظة الحسنة بالترغيب والترهيب. لان النفوس لا نلتفت الى منافعها ولا تترك اغراضها الصادة لها عن الحق علما وعملا. الا مع البيان لها ان ترغب وترهب بذكر ما يترتب على بحق من المنافع وعلى الباطل من المضار. والموازنة بين الامور النافعة والضارة. القسم الثالث المعارضون او المعاندون المكبرون المتصدون لمقاومة الحق ونصرة الباطل. فهؤلاء لابد ان يسلك معهم طريق المجادلة بالتي هي احسن. بحسب ما يليق المجادل والمجادل وبتلك المقالة وما يقترن بها. واذا اردت تطبيق هذه الامور الثلاثة تماما تنظر الى دعوات الرسل صلوات الله وسلامه عليهم التي حكاها الله في كتابه مع اممهم المستجيبين. والمعرضين والمعارضين تجدها محتوية على غاية الحسنى في كل احوالها. ثم انظر الى دعوة سيدهم وامامهم محمد صلى الله عليه وسلم. وما سلك من الطرق المتنوعة في دعاية الخلق عموما خصوصا على اختلاف طبقاتهم ومنازلهم. وبحسب احوالهم. وبحسب الاقوال والاحكام التي يدعو اليها. تجده قد فاق في ذلك الاولين والاخرين اخرين والاثار اكبر دليل على قوة المؤثر. وجعل الله السبب لفصل الخصام المرضي للمتشاجرين المنصفين في جميع المقالات الذي هو خير في الحال واحسن في المآل. ردها الى كتاب الله وسنة رسوله. شاهده قوله تعالى الى الله والرسول ان كنتم تؤمنون بالله واليوم ذلك خير واحسن تأويلا. وجعل الله صلة ما امر به ان يوصل من البر وصلة الارحام والقيام بحق من له حق عليك. سببا تنال به مكارم الاخلاق. ويتبوأ به المنازل العالية في جنات النعيم شاهدوا قوله تعالى والذين يصلون ما امر الله به ان يوصل ويخشون ربه ويخافون سوء الحساب. الى قوله جنات عدن يدخلونها اه شاهده قوله تعالى والذين يصلون ما امر الله به ان يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب. الى قوله جنات عدن يدخلونها. وجعل الله السوابق الحميدة للعبد. وتعرفه لربه في حال الرخاء سببا للنجاة من الشدائد اعظم الفوائد شاهده قوله تعالى في بطنه الى يوم يبعثون. وقول اهل الجنة فيها انا كنا قبل في اهلنا مشفقين. فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم انا كنا من قبل ندعوه انه هو البر الرحيم جعل الله لشرح الصدور ونعيمه وطمأنينته اسبابا متعددة. اليقين والايمان والاكثار من ذكر الله. وقوة الانابة اليه. والقناعة بما اعطى من الرزق وحصول العلم النافع وترك الذنوب. والمبادرة بالتوبة مما وقع منها. وشواهد هذا كثيرة منها قول تعالى الذين امنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله. الا بذكر وقوله سبحانه افمن شرح الله صدره الاسلام فهو على نور من ربه. وقوله ان الابرار لفي نعيم وشمول هذا النعيم لنعيم القلوب في الدنيا ظاهر. من عمل صالحا من ذكر او انثى الا وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة. ولنجزينهم اجرهم باحسن ما كانوا يعملون. وقوله سبحانه ما كانوا يكسبون. كلا انهم مع ربهم يومئذ لمح وجعل الله ضرب الامثال في كتابه طريقا عظيما من طرق التعليم التي تتبين وتتوضح به المطالب العالية والعقائد الصحيحة والفاسدة. كما مثل كلمة التوحيد والعقيدة الحقة الصحيحة. كشجرة طيبة اصلها ثابت. في قلب المؤمن نوعها من الاعمال والاخلاق وفي السماء تؤتي اكلها. اي منافعها كل حين باذن ربها. ومثل ضد ذلك بالشجرة الخبيثة التي لا اصل ثابت ولا فرع نافع. ومثل المشرك بربه كالعبد الذي يتنازعه شركاء متشاكسون والموحد المخلص لله السالمة من تعلقه بغيره. وكذلك مثل الشرك والمشرك واتخاذه وليا من دون الله يتعزز به وينتصر كمثل العنكبوت اتخذت بيتا وان اوهن البيوت لبيت ومثل وحيه بمنزلة الغيث النافع. وقلوب الخلق بمنزلة الاراضي الطيبة القابلة والخبيثة. وبين ذلك وهي امثلة محسوسة يوضح الله بها المطالب النافعة. وهو يقسم تعالى على اصول الدين. التي يجب على الخلق الايمان بها كالتوحيد الرسالة والمعاد وما يتفرع عنها. وضرب الامثال من تصريف الله الايات لعباده باعلى اساليب الكلام المؤثرة الموضحة للحقائق فتأمل اقسامات القرآن تجدها كذلك. ولذلك حث الله عليها ومدح من يتفكر فيها ويعقلها فقال وتلك الامثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون. وفي الاية الاخرى فصل في ذكر حدود الفاظ كثر مرورها في القرآن امرا بها ونهيا عنها او مدحا لها او ذما. فالله تعالى اثنى على من عرف حدود ما انزل على رسوله. وثم من جهلها. وهذه الفاظ جليلة يتعين على طالب العلم معرفة حدودها. ليعرف ما يدخل فيها وما يخرج منها. وتتفق الالفاظ المأمور بها في كثير من الامور قد يكون بينها فروق. وكذلك المنهيات. وهذا من احكام القرآن. وانه يصدق بعضه بعضا. ولو كان منا لوجدوا فيه اختلافا كثيرا. الاسلام والايمان اما الاسلام فهو استسلام القلب لله وانابته. القيام بالشرائع الظاهرة والباطنة. واما الايمان فهو التصديق التام والاعتراف باصوله. التي امر الله بالايمان بها ولا يتم ذلك الا بالقيام باعمال القلوب واعمال الجوارح. ولهذا سمى الله كثيرا من الشرائع الظاهرة فاطنة ايمانا. وبعض الايات يذكر انها من لوازم الايمان. فعلى هذا الايمان عند الاطلاق يدخل فيه الاسلام. وكذلك بالعكس واذا جمع بين الايمان والاسلام فسر الايمان بما في القلب من التصديق والاعتراف وما يتبع ذلك. وفسر الاسلام بالقيام بعبودية الله كلها الظاهرة والباطنة. الاحسان قسمان احسان في عبادة الخالق وهو بذل الجهد في اكمالها واتقانها والقيام بحقوقها الظاهرة والباطنة. واحسان الى المخلوقين. بايصال جميع ما يستطيعه العبد من نفع علمي وبدني ومالي للخلق ونصيحة دينية او دنيوية او مساعدة وحض على الخير. ولهذا كان المحسنون يتفاوتون تفاوتا عظيما. بحسب لقيامهم بالاحسان المتنوع الى الخلق. برهم وفاجرهم. حتى الحيوان البهيم. كما قال صلى الله عليه وسلم ان الله الله كتب الاحسان على كل شيء. الحديث الهدى والهداية. نوعان هداية العلم والارشاد والتعليم. وهداية التوفيق وجعل الهدى في القلب. وهداية التوفيق وجعل الهدى في القلب. وهذان يطلبان من الله تعالى. اما على وجه الاطلاق كقول العبد اللهم اهدني او اللهم اني اسألك الهدى واما على وجه التقييد بطريقها النافع كقول المصلي اهدنا الصراط المستقيم. ومن حصلت له الهداية سمي مهتديا. واعظم ما تحصل به الهداية القرآن. ولهذا سماه الله هدى مطلقا فقال هدى للمتقين. وقال ان هذا القرآن يهدي للتي هي اقوم. ويشمل جميع الدينية والدنيوية النافعة. العلم واليقين. فالعلم هو تصور المعلومات على ما هي عليه. ولهذا يقال العلم ما قام الدليل والعلم النافع ما كان مأخوذا عن الرسول. واليقين اخص من العلم بامرين. احدهما انه العلم الراسخ القوي الذي ليس عرضة للريب والشك والموانع. ويكون علم اليقين اذا ثبت بالخبر. وعين يقين اذا شاهدته العين والبصر ولهذا يقال ليس الخبر كالمعاينة. وحق يقين اذا ذاقه العبد وتحقق به. الامر الثاني ان اليقين هو العلم الذي يحمل صاحبه على الطمأنينة بخبر الله. والطمأنينة بذكر الله والصبر على المكاره والقوة في امر الله. والشجاعة القولية والفعلية والاستحلاء للطاعات. وان يهون على العبد في ذات الله المشقات وتحمل الكريهات. فهذه الاثار الجميلة التي اعلى واحلى من كل شيء من اثار اليقين. الصبر حبس النفس عن المشقات طلبا لرضى الله. وينقسم الى ثلاثة اقسام صبر على طاعة الله. وخصوصا الطاعات الشاقة حتى يؤديها على وجه الكمال. وصبر عن معصية الله. خصوصا المعصية التي تدعو النفس اليها دعاء قويا. حتى يجاهد نفسه في تركها لله. وصبر على اقدار الله المؤلمة. خصوصا اذا عظمت المصيبة حتى لا يتسخطها. ربما وصلت به الحال الى الرضا عن الله. الشكر لله هو الاعتراف بنعم الله الظاهرة والباطنة العامة والخاصة والتحدث بها والاستعانة بها على طاعة المنعم دون معصيته. ولابد ان يقترن هذا بالخضوع المنعم ومحبته. فبهذه الاركان الخمسة يكون الشكر تاما. البر والتقوى لله اذا اطلق احدهما دخل فيه الاخر فانه اسم جامع للقيام بكل ما يحبه الله ورسوله ظاهرا وباطنا. وترك ما يكرهه الله ورسوله ظاهرا وباطنا واذا جمع بينهما نحو وتعاونوا على البر والتقوى فسر البر بالقيام بعقائد الايمان واخلاقه واعمال البر بكلها القاصرة والمتعدية. وفسرت التقوى باتقاء ما يسخط الله من الكفر والفسوق والعصيان. الصدق والكذب الصدق هو استواء الظاهر والباطن على الاستقامة على الصراط المستقيم. فالصدق في العقائد ان تكون عقيدة العبد صادقة سلفية متلقاة عن كتاب الله وسنة رسوله. وما كان عليه الصحابة رضي الله عنهم. الصدق في الاخلاق ان يكون القلب ملآن من الايمان والاخلاص والرغبة. والنصيحة لعباد الله ومحبة الخير لهم. والصدق في الاقوال ان يكون قائلا للصدق مصدقا به والصدق في الاعمال. الاجتهاد في تكميلها واتقانها. والكذب ما ناقض ذلك كله. ولذلك كان الصدق الكذب مراتب ولا يزال العبد يصدق ويتحرى الصدق. حتى يكتب عند الله صديقا. ولا يزال العبد يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا. العدل والظلم. العدل هو سلوك الطريق المستقيم المعتدل في العقائد والاخلاق والاقوال افعال كما يقال في الصدق. والظلم ما ناقض ذلك. ولهذا انقسم الظلم الى ثلاثة اقسام كلها منافية للعدل الظلم في التوحيد بالاشراك بالله. قال تعالى ان الشرك لظلم عظيم. وظلم الخلق في دمائهم واموالهم واعراضهم حقوقهم وظلم العبد نفسه فيما دون الشرك. ولا يتم للعبد العدل الكامل حتى يدع جميع هذه الاقسام. ويتوب الى به مما وقع منه ويخرج من حق العباد اليهم. ولهذا كان القيام بالدين كله من العدل والقسط. العبادة عبودية لله. اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من العقائد واعمال القلوب واعمال الجوارح. فكل ما يقرب الى الله من الافعال والتروك فهو عبادة. ولهذا كان تارك المعصية لله متعبدا متقربا الى ربه بذلك. ولا تتم العبادة الا بالاخلاص. الاخلاص لله وحده بان يقصد العبد وجه الله ورضاه وثوابه في اعماله الظاهرة والباطنة وضده العمل للرياء والسمعة. ولاجل عرض الدنيا. وميزان هذا قوله تعالى عن خيار الخلق. يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا. وقوله صلى الله عليه وسلم انما الاعمال بالنيات وانما لكل امرئ ما نوى. فمن كان هجرته الى الله ورسوله. فهجرته الى الله ورسوله. ومن كانت هجرته الى دنيا يصيبها او امرأة ينكحها فهجرته الى ما هاجر اليه. وجميع الاعمال على هذا النمط وقد يراد بالهجرة هنا الهجرة العامة التي قال فيها النبي صلى الله عليه عليه وسلم والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه. الخوف والخشية والخضوع والاخبات والوجل. معانيها فالخوف يمنع العبد عن محارم الله. وتشاركه الخشية في ذلك. وتزيد ان خوفه مقرون بمعرفة الله. واما الخضوع الاخبات والوجل فانها تنشأ عن الخوف والخشية لله. فيخضع العبد ويخبت الى ربه منيبا اليه بقلبه. ويحدث له الوجل واما الخشوع فهو حضور القلب وقت تلبسه بطاعة الله. وسكون ظاهره وباطنه. فهذا خشوع خاص. واما الخشوع الدائم الذي هو وصف خواص المؤمنين. فينشأ من كمال معرفة العبد بربه ومراقبته. فيستولي ذلك على القلب كما تستولي المحبة فيستولي ذلك على القلب كما تستولي المحبة. القنوت ورد في القرآن على احد معنيين معنى خاص بمعنى الخشوع ومعنى عام وهو قنوت المخلوقات كلها لخلق الله وتدبيره وتصريفه. الذكر لله الذي ورد في القرآن الامر به والثناء على اهله وما رتب عليه من الجزاء. يطلق على جميع الطاعات الظاهرة والباطنة. القولية والفعلية. فكل ما القلب او ارادة او فعله العبد او تكلم به مما يقرب الى الله فهو ذكر لله. والله تعالى شرع العبادات كلها اقامة ذكره فهي ذكر لله. ويطلق على ذكر الله باللسان بذكر اوصافه وافعاله والثناء عليه. بنعمه وتسبيحه وتكبيره وتحميده والتهليل والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم. ومن ذكره ذكر احكامه تعلمها وتعليمها هذا مجالس التعلم والتعليم يقال لها مجالس الذكر وافضل انواع الذكر ما تواطأ عليه القلب واللسان. حدود الله اه يراد بها ما حرمه ومنعه عباده. فيقال فيها تلك حدود الله فلا تقربوها. ويراد بها كذلك ما ابى باحه واحله لعباده وقدره وفرضه. فيقال فيها تلك حدود الله فلا تعتدوها. اي لا تجاوزوا ما احل الله الى ما حرم الله. ولا تتجاوزوا ما قدره الله للعباد الى ما يخالف تقديره. الامانة هي الامور التي يؤتمن عليها العبد فتشمل الامانة التي بينه وبين الله فانه ان ائتمن عبده على اقامة الواجبات وترك المحرمات بذلك اداء للامانة ومراعاة لها. وترك بعض الواجبات وخصوصا السرية التي لا يطلع عليها الا الله. او جروا على بعض المحرمات ترك للامانة واتصاف بالخيانة. ويشمل ايضا الامانات التي بينك وبين الخلق في الدماء والاموال والحقوق. فمن قام بها فقد ادى الامانة وحفظها. ومن تعدى فيها او فرط او خان فقد تجرأ على الخيانة العهد والعقد يشمل العهود والعقود التي بين العبد وبين ربه. فان الله عقد بينه وبين المكلفين عقدا. وعاهدهم عهدا اقامة ما خلقوا له من عبادته. والقيام بحقوقه فاقامة ذلك وفاء لهذا العقد والعهد. واهماله نقد للعهد والعقد والثقة وكذلك العهود والعقود التي بينه وبين الخلق يتعين الوفاء بها. ويشمل ذلك عقود المعاملات كلها دون استثناء. الشجاعة والجبن والتهور اثنى الله في كتابه على الشجاعة ومدح اهلها وامر بها وذم الجبن والتهور. فالشجاعة قوة القلب وثباته واقدامه على الاقوال والافعال في موضع الاقدام بحكمة وحنكة. فان اقدم عليها في حال لا يحل له الاقدام قيل لذلك تهور وجراءة وحمق. والقاء بالنفس الى التهلكة. واما الجبن فهو ضد الشجاعة ضعف القلب وخبره تتبع ذلك خبر الاعمال والخوف مما لا يخاف. وهيبة من لا يهاب. فالشجاعة خلق فاضل جليل بين خلقين ذميمين مزيلين بين التهور الذي هو غلو وزيادة عن الحد وبين الجبن الذي هو تفريط وتقصير وضعف وخبر. ونظير ذلك القوام والبخل والتبذير في تصريف الاموال. بذلها فيما ينبغي من واجب ومستحب ونافع على الوجه الذي ينبغي يقال لذلك قوام واعتدال وتوسط واقتصاد. فاذا منع الواجبات فهو البخل. فاذا منع الواجبات فهو البخل. وصاحبه بخيل واذا اسرف وزاد في النفقة عما ينبغي قيل لذلك اسراف وتبذير. قال تعالى والذين اذا انفقوا لم ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما. الاستقامة هي لزوم الصراط المستقيم. بان يستقيم العبد على الايمان بالله اداء فرائضه وترك محارمه. مداوما لذلك تائبا مما اخل به من حقوقها. ولهذا قال فاستقيموا اليه استغفروه اي مما وقع منكم من الخلل في الاستقامة. التوبة والاستغفار. اما التوبة فهي الرجوع الى الله مما يكرهه الله وباطنا الى ما يحبه الله ظاهرا وباطنا. ندما على ما مضى وتركا في الحال. وعزما على الا يعود. والاستغفار طلب المغفرة من الله. فان اقترن به توبة فهو الاستغفار الكامل الذي رتبت عليه المغفرة. وان لم تقترن به التوبة فهو دعاء من العبد لربه ان يغفر له. فقد يجاب دعاؤه وقد لا يجاب. وهو بنفسه عبادة من العبادات. فهو دعاء عبادة ودعاء مسألة. التوكل على الله والاستعانة به. بمعنى واحد هو اعتماد القلب على الله في جلب المنافع ودفع المضار للدين والدنيوية الخاصة والعامة مع الثقة بالله في ذلك المطلوب. المحبة لله والانابة اليه. هي قوة الود لله في كماله ونعمه الظاهرة والباطنة. وانجذاب القلب الى الله. تألها ورغبة ورهبة في كل المطالب. وطمأنينة القلب بذكره واللهج بدعائه. والرجوع اليه في الامور الدينية والدنيوية الجليلة والحقيرة. فمن كان قلبه منيبا الى الله فهو محب لله هو الاواه الرجاع الى الله الاواب اليه. المعروف والمنكر متقابلان. فالمعروف اسم جامع لكل ما عرف حسنه شرعا وعقل والمنكر ضده. الخبيث والطيب متقابلان. فالطيب ما كان طيب الصفات كثير المنافع. والخبيث بالعكس. حسن الخلق سوء الخلق يكون مع الله ومع خلقه. فحسن الخلق مع الله القيام بعبوديته ظاهرة وباطنة. مع قوة محبته والطمأنينة اليه. واللهج بذكره وقوة الثقة به. ومع الخلق بذل الاحسان لهم ومنع الاذى لهم واحتمال الاذى منهم. وسوء الخلق بعكس ذلك كله. الشرك والكفر. الكفر اعم من الشرك. فمن جحد ما جاء به الرسول او جحد بعضه بلا تأويل فهو الكافر. من اي حين يكون سواء كان صاحبه معاندا او جاهلا ضالا. والشرك نوعان شرك في ربوبيته كشرك الثانوية الذين يثبتونه خالقا مع الله وشرك في الوهيته. كشرك سائر المشركين الذين يعبدون الله ويعبدون غيره. ويشركون بينه وبين المخلوقين ويسوونهم بالله في شيء من خصائص الهيته. وقد يكون هذا الشرك اكبر جليا كأن يصرف العبد نوعا من انواع العبادة لغير وقد يكون اصغر كوسائل الشرك من الرياء والحلف بغير الله ونحو ذلك. النفاق هو ان يظهر الخير ويبطن الشر وهو نوعان نفاق اكبر كأن يظهر الايمان بالله ورسوله وقلبه منطو على الكفر ونفاق اصغر كالكذب واخلافه في المواعيد والفجور في الخصومة. الكبر والتواضع. فسر النبي صلى الله عليه وسلم الكبر بانه بتر الحق وغمط الناس. وضده التواضع للحق يعني قبوله حيث كان ومع من كان ولين الجانب والتواضع للخلق. هذه الحدود ينبغي ان تعتبرها في كل ما يمر عليك من نصوص الكتاب والسنة. لتهتدي الى معرفة ما يدخل في الامور التي حكم الله عليها بالاحكام المتنوعة وما لا يدخل فيحصل لك الفرقان والرشاد والبيان. فنسأل الله ان يهدينا الى الصراط المستقيم. وهو العلم بالحق والعمل به ويجنبنا الطرق المخالفة لذلك. قد يسر الله تتميم هذا التعليق المبارك. في ثالث شوال من شهور سنة ثمان وستين بعد الثلاث والالف من الهجرة النبوية. فكان على اختصاره وايجازه ووضوحه. فيه معونة عظيمة على فهم كلام رب العالمين. وان كان كلام الله كفيل ببيان كل شيء ينتفع به العباد في معاشهم ومعادهم. وارشادهم الى كل ما فيه مصالحهم المتنوعة المتعددة. وانه يتعذر الصلاح والاصلاح للاحوال كلها. الا بسلوك الطرق التي ارشد اليها القرآن في اصول الدين وفروعه وفي الاخلاق والاداب وفي الامور الداخلية والخارجية. والحمد لله الذي جعل كتابه هدى وشفاء ورحمة ونورا والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. وصلى الله على محمد وعلى اله وصحبه ومن تبعهم باحسان الى يوم الدين بخط الفقير الى الله من كافة الوجوه. عبدالرحمن بن ناصر بن عبدالله السعدي. غفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين امين. ووقع الفراغ من نقله من خط المؤلف في سابع من الشهر المذكور والسنة المذكورة. بقلم الفقير الى ربه محمد السليمان العبدالعزيز البسام غفر الله له ولوالديه والمسلمين امين