ان ذلك على الله يسير وقال تعالى يعلم ما بين ايديهم اي من الامور الماضية وما خلفهم اي من الامور المستقبلة ولا يحيطون بشيء من علمه الا بما شاء وقال فرعون لموسى ايذانا بقربه تعالى من المحسنين فكأنه قال ان الله برحمته قريب من المحسنين وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال اقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد واقرب ما يكون الرب من عبده في جوف الليل فهذا قرب خاص غير قرب الاحاطة وقرب البطون وفي الصحيح من حديث ابي موسى انه كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فارتفعت اصواتهم بالتكبير فقال ايها الناس اربعوا على انفسكم فانكم لا تدعون اصم ولا غائبا ان الذي تدعونه سميع قريب اقرب الى احدكم من عنق راحلته فهذا قربه من داعيه وذاكره يعني فاي حاجة بكم الى رفع الاصوات وهو لقربه يسمعها وان خفضت كما يسمعها اذا رفعت فانه سميع قريب وهذا القرب هو من لوازم المحبة فكلما كان الحب اعظم كان القرب اكثر وقد تستولي محبة المحبوب على قلب محبه بحيث يفنى بها عن غيرها ويغلب محبوبه على قلبه حتى كأنه يراه ويشاهده فان لم يكن عنده معرفة صحيحة بالله وما يجب له وما يستحيل عليه ذلك ظن الذين كفروا ثم استدل المصنف رحمه الله بدليل عقلي على جمال الباري فقال كيف لا اي كيف لا يكون جميلا والحال ان جمال جميع الاكوان من بعض اثار الجميل فربها الذي اعطاها الجمال احق واجدر منها بالجمال فكل جمال في الدنيا والاخرة باطني وظاهري مما تبهر له العقول وتحير له الافئدة خصوصا ما يعطى اهل الجنة في الجنة من الجمال لهم ولنسائهم اللاتي لو بدا كف واحدة منهن الى الدنيا لطمس نوره نور الشمس كما تطمس الشمس ضوء النجوم اليس الذي كساهم ذلك الجمال؟ ومن عليهم بذلك الكمال احق منهم به فهذا دليل عقلي واضح مسلم المقدمات على هذه المسألة العظيمة قال تعالى ولله المثل الاعلى اي كل ما وجد في المخلوقات من كمال لا يستلزم نقصا فان معطيه احق به من المعطى ذو رحمة وحنان اي قد اتصف بالرحمة وعم خلقه بالنعم والاحسان والبر والحنان. واللطف والامتنان هو اول هو اخر هو ظاهر هو باطن هي اربع بوزان ما قبله شيء كذا ما بعده شيء تعالى الله ذو السلطان ما فوقه شيء كذا ما دونه شيء وذا تفسير ذي البرهان فانظر الى تفسيره بتدبر وتبصر وتعقل لمعاني وانظر الى ما فيه من انواع مع وانت الظاهر فليس فوقك شيء وانت الباطن فليس دونك شيء الحديث ولهذا فسر المصنف هذه الاسماء الاربعة المباركة بما فسرها به النبي صلى الله عليه وسلم وقال وذا تفسير ذي البرهان واقرب اليه من نفسه مع كونه ظاهرا ليس فوقه شيء ومن كثر ذهنه وغلظ طبعه عن فهم هذا المعنى فليضرب عنه صفحا الى ما هو اولى به فقد قيل اذا لم تستطع شيئا فدعه وجاوزه الى ما تستطيع فله العلم المحيط والقدرة النافذة والكبرياء والعظمة حتى ان من عظمته ان السماوات والارض في كف الرحمن كالخردلة في يد المخلوق كما قال ذلك ابن عباس رضي الله عنهما وقال تعالى والتعبد باسمه الجميل يقتضي محبته والتأله له وان يبذل له خالص المحبة وصفو الوداد بحيث تسبح القلوب في رياض معرفته وميادين جماله وتبتهج بما يحصل لها من اثار جماله وكماله ريفة لخالقنا العظيم الشاني قال الله تعالى هو الاول والاخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الثابت عنه انت الاول فليس قبلك شيء. وانت الاخر فليس بعدك شيء المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله فصل بالنوع الثاني من النوع الاول وهو الثبوت وهذا اشرف القسمين واجلهما وهو المقصود لذاته ومجمله ما ذكره المصنف في هذا البيت حيث قال هذا ومن توحيدهم اثبات او صافي الكمال لربنا الرحمن اي من توحيد الانبياء والمرسلين واتباعهم اثبات كل صفة للرحمن وردت في الكتب الالهية والنصوص النبوية ثم شرع يفصل شيئا منها فقال كعلوه سبحانه فوق السماء وات العلا بل فوق كل مكان فهو العلي بذاته سبحانه اذ يستحيل خلاف ذهب بياني وهو الذي حقا على العرش استوى قد قام بالتدبير للاكوان اما علو الباري تعالى فوق جميع المخلوقات ومباينته لها فقد دل عليها مع النصوص الكثيرة العقل الصريح فانه علي بذاته فوق جميع مخلوقاته ويستحيل الا يكون عليا فانه يستحيل ويمتنع ان يكون هو نفس المخلوقات ويمتنع ايضا ان يكون حالا فيها فتعين ان يكون فوقها مباينا لها واما استواؤه على العرش العظيم فيستفاد من النقل صريحا. قال تعالى الرحمن على العرش استوى وسئل الامام ما لك رحمه الله عن كيفية الاستواء فقال الاستواء معلوم والكيف مجهول والايمان به واجب والسؤال عنه اي عن الكيفية بدعة فكما انه تثبت لله صفاته على الوجه اللائق بجلاله وعظمته فالاستواء من جملة اوصافه الفعلية فاستوى على العرش واحتوى على جميع الملك يدبر الامر في اقطار العالم العلوي والسفلي فلا يتحرك متحرك الا باذنه ولا يوجد شيء الا بمشيئته قال تعالى الرحمن على العرش استوى وقال ثم استوى على العرش يدبر الامر حي مريد قادر متكلم ذو رحمة وارادة وحنان اي هو تعالى حي حياة كاملة جامعة لجميع صفات الذات لا تأخذه سنة ولا نوم قال تعالى وتوكل على الحي الذي لا يموت وهو المريد القادر اي كامل الارادة والقدرة وجمع بينهما لان جميع الافعال المتعلقة بذاته كالاستواء والنزول الى السماء الدنيا والمجيء يوم القيامة ونحو ذلك والمتعلقة بخلقه كالاحياء والاماته والخلق وجميع انواع التدبير وجميع الاقوال تصدر عن القدرة والارادة فما وجد علم ان الله اراده وخلقه وما لم يوجد علم ان الله لم يرده فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن واذا كان كامل القدرة والارادة علم انهما في الكون من حول وقوة الا مستفادة وتابعة لحول الله وقوته متكلم اي لم يزل ولا يزال موصوفا بالكلام فيكلم بما اراد كيف اراد وحيث اراد اي تفسير الرسول الذي كلامه اعلى مراتب البيان والايضاح بعد كلام الله تعالى فانه مشتمل على اثبات معانيها ونفي ما ينافيها ويضادها وحث المصنف على تدبر هذه الاسماء الاربعة وتعقل معانيها وانها مشتملة على امور عظيمة من انواع معرفة الله تعالى التي بها تحيا القلوب وتستنير الافئدة فلنسق كلام المؤلف في سفر الهجرتين على هذه الاسماء الاربعة فان فيه الشفاء والكفاية قال رحمه الله على كلام شيخ الاسلام الانصاري في قوله الثانية الرجوع الى فضل الله ومطالعة سبقه الاسباب والوسائط فبفضل الله ورحمته وجدت منه الاعمال والاقوال الشريفة والمقامات العلية وبفضله ورحمته وصلوا الى رضاه ورحمته وقربه وكرامته وموالاته وكان سبحانه هو الاول في ذلك كله كما انه الاول في كل شيء وكان هو الاخر في ذلك كما هو الاخر في كل شيء فمن عبده باسمه الاول والاخر حصلت له حقيقة هذا الفقر فان انضاف الى ذلك عبوديته باسمه الظاهر والباطن فهذا هو العارف الجامع لمتفرقات التعبد ظاهرا وباطنا فعبوديته باسمه الاول تقتضي التجرد من مطالعة الاسباب والوقوف والالتفات اليها وتجريد النظر الى مجرد سبق فضله ورحمته وانه هو المبتدئ بالاحسان من غير وسيلة من العبد اذ لا وسيلة له في العدم قبل وجوده واي وسيلة كانت هناك وانما هو عدم المحض وقد اتى عليه حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا فمنه سبحانه الاعداد ومنه الامداد وفضله سابق على الوسائل والوسائل من مجرد فضله وجوده لم تكن بوسائل اخرى فمن نزل اسمه الاول على هذا المعنى اوجب له فقرا خاصا وعبودية خاصة وعبوديته باسمه الاخر تقتضي ايضا عدم ركونه وبوثوقه بالاسباب والوقوف معها فانها تعدم لا محالة وتنقضي بالاخرية ويبقى الدائم الباقي بعدها التعلق بها تعلق بما يعدم وينقضي والتعلق بالاخر سبحانه تعلق بالحي الذي لا يموت ولا يزول فالمتعلق به حقيق الا يزول ولا ينقطع بخلاف التعلق بغيره مما له اخر يفنى به كما نظر العارف اليه بسبق الاولية حيث كان قبل الاسباب كلها فكذلك نظره اليه ببقاء الاخرية حيث يبقى بعد الاسباب كلها فكان الله ولم يكن شيء غيره وكل شيء هالك الا وجهه فتأمل عبودية هذين الاسمين وما يوجبانه من صحة الاضطرار الى الله وحده ودوام الفقر اليه دون كل شيء سواه وان الامر ابتدأ منه واليه يرجع فهو المبتدئ بالفضل حيث لا سبب ولا وسيلة واليه تنتهي الاسباب والوسائل فهو اول كل شيء واخره وكما انه رب كل شيء وفاعله وخالقه وبارئه فهو الهه وغايته التي لا صلاح له ولا فلاح ولا كمال الا بان يكون وحده غايته ونهايته ومقصوده فهو الاول الذي ابتدأت منه المخلوقات والاخر الذي انتهت اليه عبودياتها واراداتها ومحبتها فليس وراء الله شيء يقصد ويعبد ويتأله كما انه ليس قبله شيء يخلق ويبرأ فكما كان واحدا في ايجادك فاجعله واحدا في تألهك اليه لتصح عبوديتك كما ابتدأ وجودك وخلقك منه فاجعله نهاية حبك وارادتك وتألهك اليه لتصح عبوديته باسمه الاول والاخر واكثر الخلق تعبدوا له باسمه الاول وانما الشأن في التعبد له باسمه الاخر فهذه عبودية الرسل واتباعهم فهو رب العالمين واله المرسلين سبحانه وبحمده واما عبوديته باسمه الظاهر فكما فسره النبي صلى الله عليه وسلم بقوله وانت الظاهر فليس فوقك شيء وانت الباطن فليس دونك شيء فاذا تحقق للعبد علوه المطلق على كل شيء بذاته وانه ليس فوقه شيء البتة وانه قاهر فوق عباده يدبر الامر من السماء الى الارض ثم يعرج اليه اليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه صار لقلبه امن يقصده وربا يعبده والها يتوجه اليه بخلاف من لا يدري اين ربه فانه ضائع مشتت القلب ليس لقلبه قبلة يتوجه نحوها ولا معبود يتوجه اليه قصده وصاحب هذه الحال اذا سلك وتأله وتعبد طلب قلبه الها يسكن اليه ويتوجه اليه وقد اعتقد انه ليس فوق العرش الا العدم وانه ليس فوق العالم اله يعبد ويصلى له ويسجد وانه ليس على العرش من يصعد اليه الكلم الطيب ولا يرفع اليه العمل الصالح جال قلبه في الوجود جميعه فوقع في الاتحاد ولا بد وتعلق قلبه بالوجود المطلق الساري في المعينات فاتخذه الهه من دون اله الحق وظن انه قد وصل الى عين الحقيقة وانما تأله وتعبد لمخلوق مثله ولخيال نحته بفكره واتخذه الها من دون الله سبحانه واله الرسل وراء ذلك كله ان ربكم الله الذي خلق السماوات والارض في ستة ايام في ستة ايام ثم استوى على العرش يدبر الامر ما من شفيع الا من بعد اذنه ذلكم الله ربكم فاعبدوه افلا تذكرون اليه مرجعكم جميعا وعد الله حقا انه يبدأ الحلق ثم يعيده ليجزي الذين امنوا ليجزي الذين امنوا وعملوا الصالحات بالقسط والذين كفروا لهم شراب من حميم وعذاب اليم وعذاب اليم بما كانوا يكفرون وقال الله الذي خلق السماوات والارض وما بينهما وما بينهما في ستة ايام ثم استوى على العرش ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع افلا تتذكرون يدبر الامر من السماء الى الارض ثم يعرج اليه ثم يعرج اليه في يوم كان مقداره الف سنة مما تعدون الى قوله قليلا ما تشكرون فقد تعرف سبحانه الى عباده بكلامه معرفة لا يجحدها الا من انكره سبحانه وان زعم انه مقر به والمقصود ان التعبد باسمه الظاهر يجمع القلب على المعبود ويجعل له ربا يقصده وصمدا يصمد اليه في حوائجه وملجأ يلجأ اليه فاذا استقر ذلك في قلبه وعرف ربه باسمه الظاهر استقامت له عبوديته وصار له معقل وموئل يلجأ اليه ويهرب اليه ويفر كل وقت اليه واما تعبده باسمه الباطن فامر يضيق نطاق التعبير عن حقيقته ويكل اللسان عن وصفه ثم تستلم الاشارة اليه وتجفوا العبارة عنه فانه يستلزم معرفة بريئة من شوائب التعطيل مخلصة من فرث التشبيه منزهة عن رجس الحلول والاتحاد وعبارة مؤدية للمعنى كاشفة عنه وذوقا صحيحا سليما من اذواق اهل الانحراف فمن رزق هذا فهم معنى اسمه الباطن وصح له التعبد به وسبحان الله كم زلت في هذا المقام اقدام. وضلت فيه افهام وتكلم فيه الزنديق بلسان الصديق واشتبه فيه اخوان النصارى بالحنفاء المخلصين لنبو الافهام عنه وعزة تخلص الحق من الباطل فيه والتباس ما في الذهن بما في الخارج الا على من رزقه الله بصيرة في الحق ونورا يميز به بين الهدى والضلال وفرقانا يفرق به بين الحق والباطل ورزق مع ذلك اطلاعا على اسباب الخطأ وتفرق الطرق ومثار الغلط وكان له بصيرة في الحق والباطل وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء. والله ذو الفضل العظيم وباب هذه المعرفة والتعبد هو معرفة احاطة الرب سبحانه بالعالم وعظمته وان العوالم كلها في قبضته وان السماوات السبع والاراضين السبع في يده كخردلة في يد العبد قال تعالى واذ قلنا لك ان ربك احاط بالناس وقال والله من ورائهم محيطا ولهذا يقرن سبحانه بين هذين الاسمين الدالين على هذين المعنيين اسم العلو الدال على انه الظاهر وانه لا شيء فوقه واسم العظمة الدال على الاحاطة وانه لا شيء دونه كما قال تعالى وهو العلي العظيم وقال وهو العلي الكبير وقال ولله المشرق والمغرب فاينما تولوا فثم وجه الله ان الله واسع عليم وهو تبارك وتعالى كما انه العالي على خلقه بذاته فليس فوقه شيء فهو الباطن بذاته فليس دونه شيء بل ظهر على كل شيء فكان فوقه وبطن فكان اقرب الى كل شيء من نفسه وهو محيط به حيث لا يحيط الشيء بنفسه وكل شيء في قبضته وليس شيء في قبضة نفسه فهذا قرب الاحاطة العامة واما القرب المذكور في القرآن والسنة فقرب خاص بين عابديه وسائليه وداعيه وهو من ثمرة التعبد باسمه الباطن قال تعالى واذا سألك عبادي عني فاني قريب اجيب دعوة الداع اذا دعان فهذا قربه من داعيه وقال ان رحمة الله قريب من المحسنين تذكر الخبر وهو قريب عن لفظ الرحمة وهي مؤنثة والا طرق باب الحلول ان لم يلجه وسببه ضعف تمييزه وقوة سلطان المحبة واستيلاء المحبوب على قلبه بحيث يغيب عن ملاحظة ما سواه وفي مثل هذه الحال يقول سبحاني او ما في الجبة الا الله ونحو هذا من الشطحات التي نهايتها ان يغفر له ويعذره لسكره وعدم تمييزه في تلك الحال التعبد بهذا الاسم هو التعبد بخالص المحبة وصفو الوداد وان يكون الاله اقرب اليه من كل شيء فمن لم يكن له ذوق من قرب المحبة ومعرفة بقرب المحبوب من محبيه غاية القرب وان كان بينهما غاية المسافة ولا سيما اذا كانت المحبة من الطرفين وهي محبة بريئة من العلل والشوائب والاعراض القادحة فيها فان المحب كثيرا ما يستولي محبوبه على قلبه وذكره ويفنى عن غيره ويرق قلبه وتتجرد نفسه فيشاهد محبوبه كالحاضر معه القريب اليه وبينهما من البعد ما بينهما وفي هذه الحال يكون في قلبه وجوده العلمي وفي لسانه وجودة اللفظي فيستولي هذا الشهود عليه ويغيب به فيظن ان في عينه وجوده الخارجي لغلبة حكم القلب والروح كما قيل خيالك في عيني وذكرك في فمي. ومثواك في قلبي فاين تغيب هذا ويكون ذلك المحبوب بينه وبين عدوه وما بينهما من البعد وان قربت الابدان وتلاصقت الديار والمقصود ان المثال العلمي غير الحقيقة الخارجية وان كان مطابقا لها لكن المثال العلمي محله القلب والحقيقة الخارجية محلها الخارج فمعرفة هذه الاسماء الاربعة وهي الاول والاخر والظاهر والباطن هي اركان العلم والمعرفة فحقيق بالعبد ان يبلغ في معرفتها الى حيث ينتهي به قواه وفهمه واعلم ان لك انت اولا واخرا وظاهرا وباطنا بل كل شيء فله اول واخر وظاهر وباطن حتى الخطرة واللحظة والنفس وادنى من ذلك واكثر فاولية الله عز وجل سابقة على اولية كل ما سواه واخريته ثابتة بعد اخرية كل ما سواه فاوليته سبقه لكل شيء واخريته بقاؤه بعد كل شيء وظاهريته سبحانه فوقيته وعلوه على كل شيء ومعنى الظهور يقتضي العلو وظاهر الشيء هو ما علا منه واحاط بباطنه وبطونه سبحانه احاطته بكل شيء بحيث يكون اقرب اليه من نفسه وهذا قرب غير قرب المحب من حبيبه هذا لون وهذا لون فمدار هذه الاسماء الاربعة على الاحاطة وهي احاطتان زمانية ومكانية فاحاطة اوليته واخريته بالقبل والبعد فكل سابق انتهى الى اوليته وكل اخر انتهى الى اخريته فاحاطة اوليته واخريته بالاوائل والاواخر واحاطة ظاهريته وباطنيته بكل ظاهر وباطن فما من ظاهر الا والله فوقه وما من باطن الا والله دونه وما من اول الا والله قبله وما من اخر الا والله بعده فالاول قدمه والاخر دوامه وبقاؤه والظاهر علوه وعظمته والباطن قربه ودنوه فسبق كل شيء باوليته وبقي بعد اخر كل شيء باخريته وعلى على كل شيء بظهوره ودنا من كل شيء ببطونه فلا تواري منه سماء سماء ولا ارض ارضا ولا يحجب عنه ظاهر باطنا بل الباطن له ظاهر والغيب عنده شهادة والبعيد منه قريب والسر عنده علانية فهذه الاسماء الاربعة تشتمل على اركان التوحيد فهو الاول في اخريته والاخر في اوليته والظاهر في بطونه والباطن في ظهوره لم يزل اولا واخرا وظاهرا وباطنا هذا اخر كلام المصنف رحمه الله وهو في غاية النفاسة في هذا الموضع وكرر العبارات المتنوعة لاجل ان يفهم المعنى فهما صحيحا تاما لان هذا الموضع من اهم المواضع واعظمها حاجة وهو العلي فكل انواع العلو وله فثابتة بلا نكران يعني ان الله تعالى هو العلي الذي له جميع انواع العلو ثابتة شرعا وعقلا. بلا انكار ولا تعطيل لشيء منها فله علو الذات لانه فوق المخلوقات فوق العرش العظيم قد باين العالم العلوي والسفلي وله علو القدر وهو علو صفاته وعظمتها بحيث كانت صفاته عالية عظيمة لا يماثلها ولا يقاربها صفة شيء من المخلوقات بل لا يقدر الخلق كلهم ان يحيطوا علما ببعض صفاته قال تعالى ولا يحيطون به علما وله علو القهر فعلا على جميع المخلوقات وقهرها فكلها تحت قبضته ونواصيها بيده لا يتحرك منها متحرك ولا يسكن ساكن الا باذنه ولو اجتمعوا على ايجاد فعل او حركة لم يردها الله لم يقدروا على ذلك وذلك لكمال اقتداره وعظمته وشدة افتقار المخلوقات اليه من كل وجه وهو العظيم بكل معنى يوجب تعظيم لا يحصيه من انسان يريد ان الله تعالى عظيم له كل وصف ومعنى يوجب التعظيم بحيث لا يقدر انسان ولا مخلوق ان يحصي الثناء على الله بعظمته ومعاني التعظيم نوعان احدهما انه تعالى موصوف بكل صفة كمال وله من ذلك الكمال الذي وصف به اكمله واعظمه واجله وما قدروا الله حق قدره والارض جميعا قبضته يوم القيامة قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه وقال تعالى ان الله يمسك السماوات والارض ان تزولا ولئن زالتا ان امسكهما من احد من بعده انه كان حليما غفورا وقال تعالى وهو العلي العظيم تكاد السماوات يتفطرن من فوقهن والملائكة يسبحون بحمد ربهم وقال النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل انه قال الكبرياء ردائي والعظمة ازاري فمن نازعني شيئا منه ما عذبته وقال النبي صلى الله عليه وسلم جنتان من ذهب انيتهما وحليتهما وما فيهما وجنتان من فضة انيتهما وحليتهما وما فيهما وما بين القوم وبين ان ينظروا الى ربهم الا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن فلله تعالى الكبرياء والعظمة الوصفان اللذان لا يقادر قدرهما ولا يبلغ كنههما النوع الثاني من معاني عظمته تعالى انه لا يستحق احد التعظيم من الخلق غيره تعالى فيستحق على العباد ان يعظموه بقلوبهم والسنتهم واعمالهم وذلك ببذل الجهد في معرفته ومحبته والذل له والخوف منه واعمال اللسان بالثناء عليه وقيام الجوارح بشكره وعبوديته ومن تعظيمه ان يطاع فلا يعصى ويذكر فلا ينسى ويشكر فلا يكفر ومن تعظيمه واجلاله الا يعترض على شيء مما خلقه او شرعه بل يخضع لحكمته وينقاد لحكمه وهو الجليل فكل اوصى في الجلاء له محققة بلا بطلان وهو الجميل على الحقيقة كيف لا وجمال سائر هذه الاكوان من بعض اثار الجميل فربها اولى واجدر عند ذي العرفان فجماله بالذات والاوصاف افعالي والاسماء بالبرهان لا شيء يشبه ذاته وصفاته سباحة عن افك ذي بهتان يعني ان الله تعالى هو الجليل الذي له جميع اوصاف الجلال وهي اوصاف العظمة والكبرياء ثابتة لله محققة لا يفوته منها وصف جلال وكمال وكذلك هو الجميل بالذات والاوصاف والافعال والاسماء فان ذاته تعالى لها من الجمال ما لا يمكن مخلوقا ان يعبر عن بعض جماله حتى ان اهل الجنة مع ما هم فيه من النعيم الذي لا يوصف واللذات التي لا يقادر قدرها والافراح والسرور اذا رأوا ربهم وتمتعوا بجماله نسوا ما هم فيه من النعيم وتلاشى ما هم فيه من الافراح وودوا ان لو تدوم لهم هذه الحال واكتسوا من جماله جمالا الى جمالهم وكانت قلوبهم دائما في شوق ونزوع الى رؤية ربهم حتى انهم يفرحون بيوم المزيد فرحا تكاد تطير له القلوب وكذلك هو الجميل في اسمائه لان اسمائه كلها حسنى بل هي احسن الاسماء على الاطلاق واجملها قال تعالى ولله الاسماء الحسنى فدعوه بها وقال هل تعلم له سميا ولهذا لا يسمى باسم محتمل لمدح وغيره بل لا يسمى الا بالاسماء الدالة على غاية المدح والحمد وكذلك هو الجميل في اوصافه فان اوصافه كلها اوصاف كمال ونعوت ثناء وحمد فهي اوسع الصفات واعمها واكثرها تعلقا خصوصا اوصاف الرحمة والبر والاحسان والجود والكرم وكذلك افعاله تعالى كلها جميلة فانها دائرة بين افعال البر والاحسان التي يحمد عليها ويشكر ويثنى عليه بها وبين افعال العدل التي يحمد عليها لموافقتها الحكمة والحمد فليس في افعاله عبث ولا سفه ولا ظلم بل كلها هدى ورحمة وعدل ورشد ان ربي على صراط مستقيم وما خلقنا السماء والارض وما بينهما باطلا بما لا نسبة له بينه وبينهم الا كنسبة ذواتهم الى ذاته وصفاتهم الى صفاته الذي اعطاهم السمع والبصر والعلم والقدرة والجمال والكمال احق منهم بذلك وكيف يعبر احد عن جماله وقد قال اعلم الخلق به لا احصي ثناء عليك انت كما اثنيت على نفسك وقال حجابه النور ولو كشفه لاحرقت سبحات وجهه ما انتهى اليه بصره من خلقه ولهذا قال المؤلف لا شيء يشبه ذاته وصفاته سبحانه عن افك ذي بهتان سبحانه اي تنزه وتقدس افك ذي بهتان اي كذب المفترين الذين لم يقدروا الله حق قدره ولا عظموه حق عظمته حين عطلوا اوصافه التي نطقت بها الكتب وصرحت بها الرسل وحسبهم خسارا ومقتا ان حرموا من الوصول الى معرفته والابتهاج بمحبته وجمع المؤلف بين الجليل والجميل لان تمام التعبد لله هو التعبد له بهذين الاسمين الكريمين فالتعبد بالجليل يقتضي تعظيمه وخوفه وهيبته واجلاله فان الله ذو الجلال والاكرام وهو المجيد صفاته اوصاف متع فشأن الوصف اعظم شأن. يعني ان معنى اسمه المجيد انه عظيم الصفات واسعها فكل وصف من اوصافه فشأنه عظيم فهو العليم الكامل في علمه الرحيم الذي وسعت رحمته كل شيء القدير الذي لا يعجزه شيء الحليم الكامل في حلمه قال المصنف في بدائع الفوائد فان المجيد من اتصف بصفات متعددة من صفات الكمال ولفظه يدل على هذا فانه موضوع للسعة والكثرة والزيادة فمنه استمجد المرخ والعفار وامجد الناقة علفا ومنه رب العرش المجيد صفة للعرش لسعته وعظمته وشرفه وتأمل كيف جاء هذا الاسم مقترنا بطلب الصلاة من الله على رسوله كما علمناه صلى الله عليه وسلم يعني قوله اللهم صل على محمد وبارك على محمد انك حميد مجيد لانه في مقام طلب المزيد والتعرض لسعة العطاء وكثرته ودوامه فاتى في هذا المطلوب باسم يقتضيه كما تقول اغفر لي وارحمني انك انت الغفور الرحيم ولا يحسن انك انت السميع البصير فهو راجع الى التوسل اليه باسمائه وصفاته. وهو من اقرب الوسائل واحبها اليه ومنه الحديث الذي في المسند والترمذي الظوا بيا ذا الجلال والاكرام. ومنه اللهم اني اسألك بان لك الحمد لا اله الا انت المنان بديع السماوات والارض يا ذا الجلال والاكرام فهذا سؤال له وتوسل اليه بحمده وانه لا اله الا هو المنان فهو توسل اليه باسمائه وصفاته وما احق ذلك بالاجابة واعظمه موقعا عند المسؤول وهذا باب عظيم من ابواب التوحيد اشرنا اليه اشارة وقد فتح لمن بصره الله انتهى كلامه وهو السميع يرى ويسمع كل ما في الكون من سر ومن اعلان ولكل صوت منه سمع حاضر فالسر والاعلان مستويان والسمع منه واسع الاصوات لا. يخفى عليه بعيدها والداني وهو البصير يرى دبيب النملة سوداء تحت الصخر والصوان ويرى مجاري القوت في اعضائها. ويرانياط عروقها بعياني ويرى خيانات العيون بلحظها ويرى كذاك تقلب الاجفان هذه الابيات في شرح هذين الاسمين الكريمين السميع البصير وكثيرا ما يقرن الله بينهما كمثل قوله وكان الله سميعا بصيرا فكل من السمع والبصر محيط بجميع متعلقاته الظاهرة والباطنة فالسميع هو الذي احاط سمعه بجميع المسموعات فكل ما في العالم العلوي والسفلي من الاصوات يسمعها سرها وعلانيتها حتى كأنها لديه صوت واحد لا تختلط عليه الاصوات ولا تغلطه اللغات والقريب منها والبعيد والسر والعلانية كلها عنده سواء قال تعالى سواء منكم من اسر القول ومن جهر به ومن هو ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار وقال تعالى قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي الى الله وتشتكي الى الله والله يسمع تحاوركما ان الله سميع بصير قالت عائشة رضي الله عنها تبارك الذي وسع سمعه الاصوات. لقد جاءت المجادلة تشتكي الى رسول الله صلى الله عليه وسلم لم وانا في جانب الحجرة وانه ليخفى علي بعض كلامها. فانزل الله قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها الاية وسمعه تعالى نوعان احدهما سمعه لجميع الاصوات الظاهرة والخفية واحاطته بها احاطة تامة والثاني سمع الاجابة منه للسائلين والعابدين والمتضرعين فيجيبهم ويثيبهم ومنه قول العبد في صلاته سمع الله لمن حمده اي استجاب الله لمن حمده واثنى عليه وعبده ومنه قول ابراهيم عليه السلام الحمد لله الذي وهب لي على الكبر اسماعيل واسحاق ان ربي لسميع الدعاء ثم قال المصنف وهو البصير اي الذي احاط بصره بجميع المبصرات في اقطار الارض والسماوات حتى اخفى ما يكون منها فيرى دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء ويرى جميع اعضائها الظاهرة والباطنة حتى انه يرى سريان القوت في اعضائها الصغار جدا ويرى سريان المياه في الاشجار واغصانها وعروقها وجميع النباتات ويرانياط عروق النملة والبعوضة واصغر من ذلك فتبارك من تنبهر العقول عند التأمل لبعض صفاته المقدسة وتشهد البصائر كماله وعظمته ولطفه وخبرته بالغيب والشهادة والحاضر والغائب والخفي والجلي ويرى تعالى خيانات العيون بلحظها اي حين يلحظ العبد منظرا يخفيه على جليسه فالله تعالى يراه في تلك الحالة التي يحرص على اخفاء ملاحظته عن كل احد ويرى تقلب الاجفان حين يقلبها الناظر من ادمين او ملك او جني او حيوان وحين يطبقها ويفتحها قال تعالى الذي يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين وقال تعالى يعلم خائنة الاعين وما تخفي الصدور وقال تعالى والله على كل شيء شهيد اي مطلع ومحيط علمه بجميع المعلومات وسمعه بجميع المسموعات وبصره بجميع المرئيات ما نبصره وما لا نبصره وهو العليم احاط علما بالذي في الكون من سر ومن اعلان وبكل شيء علمه سبحانه فهو المحيط وليس ذا نسياني وكذاك يعلم ما يكون غدا وما قد كان والموجود في ذا الان وكذا تأمر لم يكن لو كان كي فيكون ذاك الامر ذا ان كان هذا تفسير للعليم باحسن تفسير واجمعه فهو تعالى العليم الذي له العلم العام للواجبات والممتنعات والممكنات فيعلم نفسه الكريمة وصفاته المقدسة ونعوته العظيمة وهي الواجبات التي لا يمكن الا وجودها ويعلم الممتنعات حال امتناعها ويعلم ما يترتب على وجودها لو وجدت كما قال تعالى لو كان فيهما الهة الا الله لفسدتا وقال تعالى ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من اله اذا لذهب كل اله بما خلق ولعلى بعضهم على بعض فهذا ونحوه من ذكره للممتنعات التي يعلمها واخباره بما ينشأ عنها لو وجدت على وجه الفرض والتقدير ويعلم تعالى الممكنات وهي التي يجوز وجودها وعدمها ما وجد منها وما لم يوجد ما لم تقتضي الحكمة ايجاده فهو العليم الذي احاط علمه بالعالم العلوي والسفلي بحيث لا يخلو عن علمه مكان ولا زمان ويعلم الغيب والشهادة والظواهر والبواطن والجلي والخفي قال تعالى ان الله بكل شيء عليم. وفي غيرها وقال تعالى هو الله الذي لا اله الا هو عالم الغيب والشهادة وقال تعالى ان الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الارحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس باي ارض تموت ان الله عليم خبير وقال تعالى وعنده مفاتيح الغيب لا يعلمها الا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة الا يعلمها ولا حبة ولا حبة في ظلمات الارض ولا رطب ولا يابس الا في كتاب مبين وقال تعالى يعلم السر واخفى وقال تعالى والله عليم بذات الصدور وقال تعالى الا انهم يثنون صدورهم ليستخفوا منه الا حين يستغشون ثيابهم يعلم ما يسرون وما يعلنون انه عليم بذات الصدور وقال تعالى ان الله لا يخفى عليه شيء في الارض ولا في السماء وقال تعالى عالم الغيب لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الارض ولا اصغر من ذلك ولا اصغر من ذلك ولا اكبر الا في كتاب مبين وقال تعالى اليه يرد علم الساعة وما تخرج من ثمرات من اكمامها وما تحمل من انثى وما تحمل من انثى ولا تضع الا بعلمه الى غير ذلك من النصوص الدالة على شمول علم الله لكل شيء وانه لا يخفى عليه ظاهر ولا باطن ولا بعيد ولا قريب ولا يغفل عنه ولا ينساه ولا يعرض لعلمه ما يعرض لعلم غيره فان علم المخلوق يعرض له عدم الاحاطة ويعرض له النسيان لما علمه والله تعالى كما قال المصنف فهو المحيط وليس ذا نسيان كما قال تعالى علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى وقال الخضر الذي قد علمه الله من لدنه علما كثيرا وخصه من علم الباطن بما ليس لموسى ولا لغيره لموسى كريم الرحمن اعلم الخلق على الاطلاق بعد محمد وابراهيم عليهم السلام لما لقي الخضر ليتعلم منه مرا على البحر فنقر عصفور من البحر بمنقاره فقال الخضر لموسى ما نقص علمي وعلمك وعلم سائر الخلق من علم الله الا كما نقص هذا العصفور من هذا البحر ولما ذكر المصنف رحمه الله احاطة علم الله بجميع الاكوان ذكر احاطته بجميع الازمان الحاضرة والماضية والمستقبلة فقال وهو العليم بما يكون غدا اي المستقبلات وما قد كان اي مضى من جميع الامور الماضيات والموجود في ذا الان اي الحاضرات كلها دقيقها وجليلها قد احاط الله بها علما ولما خلق الله القلم قبل ان يخلق السماوات والارض بخمسين الف سنة قال له اكتب قال ما اكتب قال اكتب ما هو كائن الى يوم القيامة فجرى بما هو كائن الى يوم القيامة ولهذا يجمع الله كثيرا بين علمه المحيط وكتابته المحيطة بالاشياء كما قال تعالى الم تعلم ان الله يعلم ما في السماء والارض ان ذلك في كتاب فما بال القرون الاولى قال علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى وحين تستكمل خلقة الادمي يرسل الله اليه الملك ويأمره باربع كلمات بكسب رزقه واجله وعمله وشقي ام سعيد فما اصاب العبد لم يكن ليخطئه وما اخطأه لم يكن ليصيبه جفت الاقلام وطويت الصحف واذا مات الخلق وتفرقوا في جهات الارض وفلوات القفار ولجج البحار وبطون الطيور والسباع وصاروا رفاتا واضمحلت اوصالهم وتلاشت اعضاؤهم فعلم الله محيط بهم قد علمنا ما تنقص الارض منهم وعندنا كتاب حفيظ فاذا نفخ في الصور ارسل الله كل روح الى جسدها الذي كانت تعمره ثم يوقفهم على كل ما عملوا من خير وشر احصاه الله ونسوه في علم مقادير اعمالهم ومقادير ثوابها وعقابها ثم اذا استقر اهل الجنة بالجنة واهل النار بالنار وجرت عليهم احكام الجزاء فعلم الله محيط بتفاصيل احوالهم وما هم فيه من النعيم والعذاب فتبارك الله رب العالمين ما اعظمه واجله وما اوسع صفاته واكملها واجملها وقول المؤلف وكذاك امر لم يكن لو كان كي فيكون ذاك الامر دائم كان اي وكذلك يعلم تعالى الامور التي لم تكن ولا تكون من الممكنات التي لم يوجدها الباري ولن يوجدها يعلم لو وقعت كيف تكون وكيف ينشأ عنها مثل قوله تعالى ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه فردهم لا يكون ولو كان على الفرض والتقدير لعادوا لما نهوا عنه فان اخلاقهم التي اكتسبوا فيها الشر معهم وقد عمرهم الله عمرا يتذكر فيه من تذكر وجاءهم النذير فسؤالهم هذا لا محل له وهم كذبة ايضا في هذا السؤال لم يكن قصدهم الا دفع العذاب الذي عليهم فقالوا ما قالوا ومثل قوله ولو اننا نزلنا اليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم وحشرنا عليهم كل شيء قبلا ما كانوا ليؤمنوا الا ان يشاء الله الله وقال تعالى قل لو كان في الارض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا ونحو ذلك من الايات التي فيها الاخبار عن امر لم يكن انه لو كان لكان كذا وكذا