يا ايها الذين امنوا اذا تداينتم بدين الى اجل مسمى فاكتبوه وليكتب بينكم فليكتب ان لا تغتابوا الا ان تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم. فليس عليكم ولا واتقوا الله ويعلمكم هذه اية الدين وهي اطول اية القرآن وقد اشتملت على احكام عظيمة جليلة المنفعة والمقدار. احدها انه تجوز انواع المداينات من سلام وغيره. لان الله اخبر عن المداينة التي عليها المؤمنون مقرر لها ذاكرا لاحكامها. وذلك يدل على الجواز. الثاني والثالث انه لابد للسلم من اجل. وانه لا بد ان يكون المعلومة فلا يصح حالا ولا الى اجل مجهول. الرابع الامر بكتابة جميع عقود المداينات. اما وجوبا واما استحبابا من شدة الحاجة الى كتابتها لانها بدون الكتابة يدخلها من الغلط والنسيان والمنازعة والمشاجرة شر عظيم. الخامس امر الكاتب ان يكتب السادس ان يكون عدلا في نفسه لاجل اعتبار كتابته. لان الفاسق لا يعتبر قوله ولا كتابته. السابع انه يجب عليه العدل بين فلا يميل لاحدهما لقرابة او صداقة او غير ذلك. الثامن ان يكون الكاتب عارفا بكتابة الوثائق. وما يلزم فيها كل واحد منهم وما يحصل به التوثق لانه لا سبيل الى العدل الا بذلك. وهذا مأخوذ من قوله وليكتب بينكم كاتم بالعدل. التاسع اذا وجدت وثيقة بخط المعروف بالعدالة المذكورة يعمل بها ولو كان هو الشهود قد ماتوا العاشر قوله ولا يأبى كاتب ان يكتب اي لا يمتنع من من الله عليه بتعليمه الكتابة. ان يكتب بنا المتدينين. فكما احسن الله اليه بتعليمه. فليحسن الى عباد الله المحتاجين اهتدينا الى كتابته ولا يمتنع من الكتابة لهم. الحادي عشر امر الكاتب الا يكتب الا ما املاه من عليه الحق. الثاني عشر ان الذي يملي من المتعاقدين من عليه الدين. الثالث عشر امره ان يبين جميع الحق الذي عليه. ولا يبخس منه شيئا. الرابع عشر ان اقرار الانسان على لنفسه مقبول لان الله امر من عليه الحق ان يمل على الكاتب. فاذا كتب اقراره بذلك ثبت موجبه ومضمونه وهو ما اقر به على نفسه ولو ادعى بعد ذلك غلطا او سهوا. الخامس عشر ان من عليه حقا من الحقوق التي البينة على مقدارها وصفتها. من كثرة وقلة وتأجيل ان قوله هو المقبول دون قول من له الحق. لانه تعالى لم ينهه عن بخس الحق الذي عليه. الا ان قوله مقبول على ما يقوله من مقدار الحق وصفته. السادس عشر انه يحرم على من عليه حق من الحقوق. ان يبخس وينقص شيئا من مقداره. او طيبه او حسنه او اجله او غير ذلك من توابعه ولواحقه. السابع عشر ان من لا يقدر على املاء الحق لصغره او سفهه او خرسه. او نحو ذلك فانه ينوب وليه منابه في الاملاء والاقرار. الثامن عشر انه يلزم الولي من العدل ما يلزم من عليه الحق من العدل. وعدم البخس لقوله العدل التاسع عشر انه يشترط عدالة الولي لان الاملاء بالعدل المذكور لا يكون من فاسق. العشرون ثبوت الولاية في الاموال الحادي والعشرون ان الحق يكون على الصغير والسفيه والمجنون والضعيف. لا على وليهم. الثاني والعشرون ان اقرار الصغير والسفيه النون والمعتوه ونحوهم وتصرفهم غير صحيح. لان الله جعل الاملاء لوليهم ولم يجعل لهم منه شيئا لطفا بهم ورحمة. خوفا من تلافي اموالهم الثالث والعشرون صحة تصرف الولي في مال من ذكر. الرابع والعشرون فيه مشروعية كون الانسان يتعلم الامور التي يتوثق بها المتداينون كل واحد من صاحبه. لان المقصود من ذلك التوثق والعدل. وما لا يتم المشروع الا به فهو مشروع. الخامس والعشرون ان تعلم الكتابة مشروع. بل هو فرض كفاية. لان الله امر بكتابة الديون وغيرها. ولا يحصل ذلك الا بالتعلم. السادس والعشرون انه مأمور بالاشهاد على العقود. وذلك على وجه الندب. لان المقصود من ذلك الارشاد الى ما يحفظ الحقوق. فهو عائد لمصلحة المكلفين. نعم ان كان المتصرف ولي يتيم او وقف ونحو ذلك مما يجب حفظه. تعين ان يكون الاشهاد الذي به يحفظ الحق واجبا. السابع والعشرون ان صعب الشهادة في الاموال ونحوها رجلان او رجل وامرأتان. ودلت السنة ايضا انه يقبل الشاهد مع يمين المدعي. الثامن والعشرون ان شهادة الصبيان غير مقبولة بمفهوم لفظ الرجل التاسع والعشرون ان شهادة النساء منفردات في الاموال ونحوها لا تقبل لان الله لم يقبلهن الا مع الرجل. وقد يقال ان الله اقام المرأتين مقام رجل. للحكمة التي ذكرها وهي موجودة سواء كن مع رجل او منفردات والله اعلم الثلاثون ان شهادة العبد البالغ مقبولة كالشهادة الحر. لعموم قوله واستشهدوا شهيدين من رجالكم. والعبد البالغ من رجالنا الحادي والثلاثون ان شهادة الكفار ذكورا كانوا او نساء غير مقبولة لانهم ليسوا منا ولان مبنى الشهادة على وهو غير عدل. الثاني والثلاثون فيه فضيلة الرجل على المرأة. وان الواحد في مقابلة المرأتين بقوة حفظه ونقص حفظها الثالث والثلاثون ان من نسي شهادته ثم ذكرها فذكر. فشهادته مقبولة. لقوله فتذكر احداهما الاخرى. الرابع والثلاثون يؤخذ من المعنى ان الشاهد اذا خاف شهادته في الحقوق الواجبة وجب عليه كتابتها لان ما لا يتم الواجب الا به فهو واجب. الخامس ثلاثون انه يجب على الشاهد اذا دعي للشهادة وهو غير معذور. لا يجوز له ان يأبى لقوله. ولا يأبى الشهداء اذا ما دعوا. السادس هو ان من لم يتصف بصفة الشهداء المقبولة شهادتهم. لم يجب عليه الاجابة لعدم الفائدة بها. ولانه ليس من الشهداء. السابع والثلاثون النهي عن السآمة والضجر من كتابة الديون كلها من صغير وكبير. وصفة الاجل وجميع ما احتوى عليه العقد من الشروط والقيود. الثامن والثلاثون بيان الحكمة في مشروعية الكتابة والاشهاد في العقود. وانه اقسط عند الله واقوم للشهادة وادنى ان لا ترتابوا فانها متضمنة للعدل الذي به قوام العباد والبلاد. والشهادة المقترنة بالكتابة تكون اقوم واكمل. وابعد من الشك والريب والتنازع والتشاجر التاسع والثلاثون يؤخذ من ذلك ان من اشتبه وشك في شهادته لم يجز له الاقدام عليها بل لابد من اليقين الاربعون قوله الا ان تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم فليس عليكم جناح الا تكتبوها. فيه الرخصة في ترك الكتابة اذا كانت حاضرا بحاضر لعدم شدة الحاجة الى الكتابة الحادي والاربعون انه ان رخص في ترك الكتابات في التجارة الحاضرة فانه يشرع الاشهاد لقوله واشهدوا اذا تبايعتم. الثاني والاربعون النهي عن مضارة الكاتب بان يدعى وقت اشتغال وحصول مشقة عليه. الثالث اربعون النهي عن مباراة الشهيد ايضا بان يدعى الى تحمل الشهادة او ادائها في مرض او شغل يشق عليه. او غير ذلك هذا على جعل قوله ولا يضار كاتب ولا شهيد. مبنيا للمجهول. واما على جعلها مبنيا للفاعل. ففيه نهي الشاهد والكاتب ان يضارا صاحب الحق بالامتناع او طلب اجرة شاقة ونحو ذلك. وهذان هما الرابع والاربعون والخامس والاربعون. السادس والاربعون ان ارتكاب هذه المحرمات من الفسق لقوله وان تفعلوا فانه فسوق بكم. السابع والاربعون ان الاوصاف كالفسق والايمان والنفاق والعداوة والولاية. ونحو لذلك تتجزأ في الانسان فتكون فيه مادة فسق وغيرها. وكذلك مادة ايمان وكفر. لقوله فانه فسوق بكم. ولم يقل انتم فاسقون او فساق. الثامن والاربعون وحقه ان يتقدم على ما هنا. يتقدم بموضعه. اشتراط العدالة في الشاهد. لقوله ممن ترضون من الشهداء. التاسع والاربعون ان العدالة يشترط فيها العرف في كل مكان وزمان. فكل من كان مرضيا معتبرا عند الناس قبلت شهادته الخمسون يؤخذ منها عدم قبول شهادة المجهول حتى يزكى. فهذه الاحكام مما يستنبط من هذه الاية الكريمة على حسب الحال الحاضرة والفهم القاصر. ولله في كلامه حكم واسرار. يخص بها من يشاء من عباده. وقوله تعالى ان كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضا. فان امن بعضكم بعضا فليؤثر الذي اؤتمن امانته وليتق الله ربه ولا تكتموا الشهادة. ومن يكتمها فانه واثم قلبه والله بما تعملون عليم. اي ان كنتم مسافرين ولم تجدوا كاتبا يكتب بينكم ويحصل به التوثق فرهان مقبوضة اي يقبضها صاحب الحق. وتكون وثيقة عنده حتى يأتيه حقه. ودل هذا على ان الرهن غير المقبول لا يحصل منها التوثق ودل ايضا على ان الراهن والمرتهن لو اختلفا في قدر ما رهنت به كان القول قولا مرتهن. ووجه ذلك ان الله جعل كرهنا عوضا عن الكتابة في توثق صاحب الحق. فلولا ان قول المرتهن مقبول في قدر الذي رهنت به. لم يحصل المعنى المقصود. ولما كان المقصود اهل التوثق جاز حضرا وسفرا. وانما نص الله على السفر. لانه في مظنة الحاجة اليه لعدم الكاتب فيه. هذا كله اذا كان صاحب الحق يحب ان يتوثق لحقه. فما كان صاحب الحق امنا من غريمه. واحب ان يعامله من دون رهن. فعلى من عليه الحق ان يؤدي اليه كاملا غير ظالم له ولا باخس حقه. وليتق الله ربه في اداء الحق. ويجازي من احسن به الظن بالاحسان. ولا تكتموا الشهادة. لان الحق مبني عليها لا يثبت بدونها فكتمها من اعظم الذنوب. لانه يترك ما وجب عليه من الخبر الصدق. ويخبر بضده وهو الكذب. ويترتب على ذلك فوات حق من له الحق. ولهذا قال تعالى ومن يكتمها فانه اثم قلبه. والله بما تعملون عليم. وقد اشتملت هذه الاحكام الحسنة التي الله عباده اليها على حكم عظيمة ومصالح عميمة. دلت على ان الخلق لو اهتدوا بارشاد الله لصلحت دنياهم مع صلاح دينهم. لاشتمال العدل والمصلحة وحفظ الحقوق وقطع المشاجرات والمنازعات وانتظام امر المعاش. فلله الحمد كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه لا نحصي ثناء عليه