المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله الدعوة الى الحق هذه كلمة يستلذ لها كل سامع ويأنس بها كل متوحش نافر وتوزن بها المذاهب والمقالات وينقاد لها كل منصف قصده طلب الحقيقة. ويدعيها كل احد محق او غير محق. ولكن لكل حق حقيقة ولكل دعوة برهان قل هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين. فالله هو الحق ودينه حق. وكتبه المنزلة من السماء حقا ورسله حق ووعده ووعيده حق. وماذا بعد الحق الا الضلال؟ والحق هو الشيء الصحيح الثابت الشيء النافع الذي له النتائج الطيبة والثمرات الصالحة. الله تعالى هو الحق الذي قامت الادلة العقلية والنقلية على نيته وعظمته وسعة اوصافه. وكماله المطلق الذي لا غاية فوقه. الذي لا يستحق العبادة والحمد والثناء والمجد الا هو ودينه هو الحق الذي دارت اخباره على الحقائق الصادقة والعقائد النافعة المصلحة للقلوب والارواح واحكامه على العدل المتنوع في العبادات والمعاملات في اداء حقوقه وحقوق الخلق. باختلاف احوالهم وحقوقهم ومراتبهم. وتم كلمة ربك صدقا وعدلا. صدقا في اخبارها عدلا في احكامها واوامرها ونواهيها. ورسله صلوات الله وسلامه عليهم صادقون مصدقون. قد تحلوا باعلى الفضائل واكمل الصفات. وقد تخلوا عن كل خلق دنيء ووصف النار وقد دلت البراهين القواطع على صدقهم وصحة ما جاءوا به كما دلت على بطلان ما ناقض هذه الاصول التي تأسست عليها الحقائق. فالدعوة الى هذه الاصول هي الدعوة الى الحق. ومن احسن قولا ممن دعا الى الله وعمل صالحا وقال انني من المسلمين. وقال سبحانه ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة. وجادلهم بالتي هي احسن. وقال عز وجل قل هذه سبيلي ادعو الى الله على بصيرة انا ومن اتبعني. فالدعوة الى الحق هي افرض الفروض واكمل الفضائل وصاحبها مبارك اينما كان على نفسه وعلى غيره. وخصوصا اذا دعا نفسه قبل غيره واتصف بما دعا اليه كما في الاية السابقة وهي قوله سبحانه ومن احسن قولا ممن دعا الى الله وعمل صالحا وقال انني من المسلمين. فبهذا لاحسن قولا منه ولا اكمل منه لانه دعا الخلق الى الله وقام بما دعا اليه وانقاد للدين والطاعة من كل وجه. قد امر تعالى بالدعوة الى سبيله وهي طريقة الرسول ودينه الذي هو الصراط المستقيم بالحكمة اي بكل دعوة وكل وسيلة يحصل بها المقصود كله او بعضه. وذلك متوقف على علم اعي ومعرفته وبصيرته ولا يكفي هذا حتى يعرف كيف الطريق الى دعاية الخلق. وكيف سلوك الوسائل التي يتوصل بها الى ايصال الحق الى القلوب بالعلم والرفق واللين. واحسن الوسائل الى ذلك وانجحها السبل التي دعا الرسل اليها قومهم او اولياءهم واعدائهم فانهم يدعون الى الله بتوضيح الحق وبيان ادلته وبراهينه وابطال ما يناقضه. ليس عندهم رضاة لما جاء به الرسل يبينون لهم الحق ويخبرونهم بمواضع مراض الله ومواضع سخطه. فانما معهم من الايمان الصادق والانقياد الصحيح والاستعداد لطلب الحق. اكبر داع الى سلوك سبيله اذا بان. والانقياد له اذا اتضح. ولهذا يخبر الله في كتابه في عدة ايات انه هدى ورحمة للمؤمنين وهدى للمتقين وهدى ورحمة لقوم يوقنون. لان ان هؤلاء لا يحتاجون الى مجادلة. فعندهم الاستعداد الكامل لسلوك الصراط المستقيم. وهو الايمان واليقين بصحة ما جاء به الرسول طول وصدقه. واما اهل الاغراض والاهواء المانعة من اتباع الحق فانهم يدعونهم مع التعليم والتوضيح للحقائق بالموعظة بذكر ما في الاوامر من المصالح والخيرات والثمرات العاجلة والاجلة. وكانوا يجادلون المعارضين والمعاندين بالتي هي احسن من الترغيب والترهيب في اتباع الحق بذكر فضائله ومحاسنه والترهيب من الباطل بذكر مضاره ومساوئه واقامة الادلة والبراهين المقنعة على ذلك بحسب الحال والمقام. وذلك كله بالرفق واللين وعدم المخاشنة المنفرة. لان الغرض المقصود نفع الخلق وردهم عن ما هم عليه من الباطل. قال تعالى لموسى وهارون اذهبا الى فرعون انه وطغى فقولا له قولا لينا. لعله يتذكر او يخشى. وفسر ذلك بقوله اذهب الى فرعون انه طغى وقل هل لك الى ان تزكى واهديك الى ربك فتخشى. فتأمل حسن هذا الخطاب ورقته ولينة. وكانوا مع هذا يصبرون على اذاهم ويتحملون من المخالفين المعارضين. ما لا تحمله الجبال الرواسي. ويستعينون بالله على هدايتهم بالحلم والعفو والصفح ومقابلتهم بضد ما يقابلونهم به. لعلمهم ان العقائد الراسخة في القلوب لا تزحزحها مجرد الدعوة ومجرد النصيحة بل لا بد من الصبر والعفو والتأني والتنقل مع المخالفين شيئا فشيئا. وكان النبي صلى الله عليه وسلم مع ذلك وحسن تعليمه ودعوته وصبره الذي فاق به جميع الرسل يعطي المؤلفة قلوبهم شيئا من الدنيا لانهم اذا كرهوا هذا مالوا الى هذا ويبقي سادات العشائر على مراتبهم ورياستهم في قومهم. ويأمر رسله الدعوة الى الاهم فالاهم كما قال لمعاذ رضي الله عنه حين بعثه الى اليمن داعيا ومعلما انك تأتي قوما من اهل الكتاب وادعوهم ان يشهدوا ان لا اله الا الله واني رسول الله. فانهم اطاعوك لذلك فاخبرهم ان الله قد افترض عليهم خمس في كل يوم وليلة. فان اطاعوك بذلك فاخبرهم ان الله قد افترض عليهم صدقة تؤخذ من اغنيائهم فترد الى فقرائهم. وكان صلى الله عليه وسلم يدعو كل احد بحسب ما يناسب حاله. ويليق به ويلاطف الضعفاء من الجهال والنساء والصبيان ترغيبا لهم في الخير وترهيبا لهم من الشر. فمتى كانت الدعوة الى الحق على هذا الوصف الجميل كان لها موقعها الاكبر وتأثيرها الجميل ومنفعتها العظيمة واجرها الكثير والله الموفق. عنيزة عبدالرحمن ابن ناصر السعدي