ووجه دلالة الاية على فطرية التوحيد هو ان الامر بالاستقامة على الدين الحنيف اقترن ببيان ان ذلك هو مقتضى الفطرة التي فطر الله الناس عليها وان خلق الله للناس على تلك الفترة نبين فيما يلي ان الفطرة دليل يقيني على التوحيد ومعرفة الله عز وجل والفطرة لغة هي الابتداء والخلق قال تعالى الحمد لله فاعطي السماوات والارض اي خالقهما ومبتدئهما اما اصطلاحا فهي الاسلام في مذهب اكثر الصحابة والتابعين والائمة وقد دلت نصوص الكتاب والسنة على ان كل انسان يولد على خلقة مقتضية للتوحيد وما يتضمنه من معرفة الله والاقرار بوجوده وان مقتضى هذه الفطرة لابد ان يتحقق اذا انتفت الموانع الصارفة عن ذلك ومن هذه الادلة قول الله تعالى في سورة الروم فاقم وجهك للدين حنيفا كثرة الله التي كفر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن اكثر الناس لا يعلمون سنة مضطردة لا تبديل لها الدليل الثاني قول الله عز وجل واذ اخذ ربك من بني ادم من ظهورهم ذريتهم واشهدهم على انفسهم الست بربكم قالوا بلى شهدنا ان تقولوا يوم القيامة انا كنا عن هذا غافلين او تقول انما اشرك اباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم افتهلكنا بما فعل المبطلون وكذلك نفصل الايات ولعلهم يرجعون وعن انس بن مالك رضي الله تعالى عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال يقول الله لاهون اهل النار عذابا لو ان لك ما في الارض من شيء كنت تفتدي به قال نعم قال فقد سألتك ما هو اهون من هذا وانت في صلب ادم الا تشرك بي فابيت الا الشرك والحديث متفق عليه في جملة من الاحاديث والاثار التي تدل على ان الفطرة هي الاسلام ووجه دلالتها على ذلك هي ان هذا الاشهاد على معرفة الله وتوحيده جعل هذه المعرفة والتوحيد علما ضروريا. لابد من تحققه في كل احد فلا يحتاج في معرفته الى النظر والاستدلال بل هو فطري ضروري في كل احد وهذا هو مقتضى القول بان الفطرة هي الاسلام اذا هذا الميثاق الذي اخذه الله من بني ادم واشهدهم عليه هو ما يفطر عليه كل مولود منهم ولا يحتاج الى موجب من خارج الدليل الثالث دلت ايات القرآن الكريم على ان جميع الرسل افتتحوا دعوتهم بقولهم اعبدوا الله ما لكم من اله غيره واول صيغة امر في المصحف الشريف هي قوله تعالى يا ايها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون هذه اول صيغة امر في القرآن العظيم. اعبدوا ربكم ولم يقل اعرفوا ربكم بمعنى اثبتوا وجوده وقال صلى الله عليه واله وسلم لقومه قولوا لا اله الا الله تفلحوا ولم يقل اعرفوا الله تفلحوا فلم يرد اي تكليف بمعرفة وجود الصانع وانما ورد لمعرفة التوحيد ونفي الشرك قال تعالى فاعلم انه لا اله الا الله وقال صلى الله عليه واله وسلم امرت ان اقاتل الناس حتى يقولوا لا اله الا الله ولهذا جعل محل النزاع بين الرسل وبين الخلق في التوحيد قال تعالى ذلكم بانه اذا دعي الله وحده كفرتم وان يشرك به تؤمنوا وقال تعالى واذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالاخرة وقال عز وجل واذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا على ادبارهم نفورا ان معرفة الله فطرية ضرورية اولية وهي اشد رسوخا في النفس من مبدأ العلم الرياضي بقولنا ان الواحد نصف الاثنين ومبدأ العلم الطبيعي لقولنا ان الجسم لا يكون في مكانين فمن ثم دعا الانبياء اول ما دعوا قومهم الى عبادة الله وحده لانهم بحكم الفطرة يعرفون الله فاذا دعوا الى الاقرار بوجود الله تعالى اولا كان ذلك تحصيل حاصل وهم لا يؤمرون بتحصيل الحاصل واذا دعوا الى عبادته وحده تضمن ذلك الامر انهم يعرفونه فلم يكن الله ليدعو خلقه الى عبادته وحده وهو لم يعرفهم نفسه اذ يلزم من ذلك انه كلفهم الايمان بما لا يعرفون فالامر بتوحيده وعبادته فرع عن الاقرار به وبربوبيته فلابد ان يكون بعده وما اكثر الايات التي تدل على ان المشركين كانوا يقرون بان الله عز وجل وحده هو الذي خلقهم ورزقهم ودبر امورهم منها قوله سبحانه ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله ان المأمور اذا لم يعرف الامر امتنع ان يعرف انه امره لان الامر بتوحيده في عبادته فرع عن الاقرار به وبربوبيته. ولو لم تكن المعرفة ثابتة في الفطرة لكان الرسول اذا قال لقومه اعبدوا الله لاجابوه كيف ذلك ونحن لا نعرفه اصلا فاثبتوا ايها الرسل ربكم اولا ثم مرونا بعبادته او لقالوا مثل ما قال فرعون وما رب العالمين انكارا له وجحدا وامكن ان يكون قولهم متوجها وفرعون لم يقل هذا لعدم معرفته في الباطن بالخالق لكن اظهر خلاف ما في نفسه كما قال تعالى وجحدوا بها واستيقنتها انفسهم ظلما وعلوا. ومثل فرعون اولئك المكذبون للرسل. لما قالوا رسلهم وانا لفي شك مما تدعوننا اليه مريب فاجابهم الله قالت رسلهم افي الله شك وهذا استفهام انكار بمعنى النفي والانكار على من لم يقر بهذا النفي والمعنى ما في الله شك وانتم تعلمون انه ليس في الله شك ولكن تجحدون ذلك وتستحقون ان ينكر عليكم جحودكم فدل هذا على انه ليس في الله شك عند الخلق المخاطبين وانهم جميعا مفتورون على الاقرار به عز وجل وان الرسل لم يبعثوا ليعلموا الناس بوجود الرب الخالق وانما اتوا ليدعوهم الى عبادة الله وحده لا شريك له واكثر الناس غافلون عما فطروا عليه من العلم فيذكرهم الرسل بالعلم الذي فطروا عليه ولذلك قال تعالى تبصرة وذكرى لكل عبد منيب وقال عز وجل فذكر انما انت مذكر. وقال تعالى فذكر ان نفعت الذكرى فيذكر من يخشى. وقال عز وجل فقولا له قولا لينا. لعله يتذكر او يخشى وهذه الاوصاف ذكرى ومذكر فبكر الى اخره تدل على معرفة سابقة بشيء معين وهو ما فطروا عليه من الاقرار في الميثاق القديم والفطرة التي فطروا عليها حتى انهم لو غفلوا عن هذه الفطرة في حال السراء فلا شك انها تستيقظ في حال الضراء قال تعالى هو الذي يسيركم في البر والبحر حتى اذا كنتم في الفلك وجرينا بهم بريح طيبة وفرحوا بها وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف. وجاءهم الموج من كل مكان وظنوا انهم احيط بهم دعوا الله مخلصين له الدين. لان انجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين وقال سبحانه وتعالى واذا مسكم الضر في البحر ظل من تدعون الا اياه لقد ارسل الله الرسل بتقرير الفطرة وتكميلها لا لتغييرها وتحويلها ولابد لهذه الفطرة من قوت وغذاء يمدها بنظير ما هو مغروس فيها وما قد فترت عليه علما وعملا ولهذا كان كمال الدين التام بالفطرة المكملة بالشريعة المنزلة وقد قال تعالى في اول ما انزل من كتابه الكريم اقرأ باسم ربك الذي خلق وقال ايضا اقرأ وربك الاكرم قال شيخ الاسلام رحمه الله ذكر اي الرب في الموضعين بالاضافة التي توجب التعريف وانه معروف عند المخاطبين اذ الرب تعالى معروف عند العبد بدون الاستدلال بكونه خلق وان المخلوق مع انه دليل وانه يدل على الخالق لكن هو معروف في الفطرة قبل هذا الاستدلال ومعرفته فطرية مغروزة في الفطر ضرورية بديهية اولية انتهى كلام شيخ الاسلام رحمه الله تعالى الدليل الرابع ما رواه ابو هريرة رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قال كل مولود يولد على الفطرة فابواه يهودانه او ينصرانه او يمجسانه كمثل البهيمة تنتج البهيمة هل ترى فيها جدعاء وفي رواية تنتج بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء ثم يقول ابو هريرة اقرأوا ان شئتم فطرة الله التي فطر الناس عليها وفي رواية سألوه عن اطفال المشركين اي من يموت منهم صغيرا فقال الله اعلم بما كانوا عاملين وهذا الحديث اخرجه البخاري والترمذي وابو داوود وهو يدل بوضوح على ان النبي صلى الله عليه وسلم لم يقصد بالفطرة فيه معناها اللغوي وانما اراد معناها الشرعي المعهود في نصوص الوحيين الدليل الخامس حديث عياض بن حمار المجاشعي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الا ان ربي امرني ان اعلمكم ما جهلتم مما علمني يومي هذا كل مال نحلته عبدا حلال واني خلقت عبادي حنفاء كلهم وانهم اتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم وحرمت عليهم ما احللت لهم وامرتهم ان يشركوا بي ما لم انزل به سلطانا وهذا رواه مسلم والامام احمد ومعنى نحلته اعطيته ومعنى حنفاء جمع حنيف قال ابن عبدالبر رحمه الله والحنيف في كلام العرب المستقيم المخلص ولا استقامة اكثر من الاسلام الدليل السادس انه وجد في الجاهلية قبل البعثة المحمدية من اقر بتوحيد الله ورفض الشرك ونفر منه وهم طائفة الحنفاء وهذا يدل على ان العبد قد يصيب الحق بخواطر تجول في نفسه وادلة قد انتظمت وترتبت بداخله على وجوب التمسك به دون ان تلقى عليه حجج وبينات من خارج ذاته ويدل ايضا على ان بالفطرة قوة تقتضي حب الفاطر ووجوب عبادته وحده وان هذا يتم في النفس بغير سبب منفصل عنها فوجوده فيها لا يتوقف على توفر شرط ولكن يتوقف على انتفاء مانع وهذا بخلاف احداث الكفر فهو متوقف على وجود شرط منفصل عن الفطرة وليس على انتفاء مانع خارج عنها مثل تربية وتنشئة الوالدين بطفلهما عليه قال صلى الله عليه واله وسلم فابواه يهودانه او ينصرانه او يمجسانه ولو لم يكن ذلك كذلك لاستحال ان يصل عبد الى الحق الا بعد ان يسمعه مدللا عليه بالبينات والحجج من خارج نفسه وهذا بخلاف الواقع. ويدل على هذا حال هؤلاء المتحنفين الذين اهتدوا الى الاسلام بالمعنى العام والى التوحيد قبل ان يبعث النبي صلى