المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله الفصل الثالث في فوائد الايمان وثمراته تملي الايمان الصحيح من الفوائد والثمرات العاجلة والاجلة في القلب والبدن والراحة والحياة الطيبة والدنيا والاخرة وكم لهذه الشجرة الايمانية من الثمار اليانعة والجنى اللذيذ والاكل الدائم والخير المستمر امور لا تحصى وفوائد لا تستقصى ومجملها ان خيرات الدنيا والاخرة ودفع الشرور كلها من ثمرات هذه الشجرة وذلك ان هذه الشجرة اذا ثبتت وقويت اصولها وتفرعت فروعها وزهت اغصانها واينعت افنانها عادت على صاحبها وعلى غيره بكل خير عاجل واجل فمن اعظم ثمارها الاغتباط بولاية الله الخاصة التي هي اعظم ما تنافس فيه المتنافسون واجل ما حصله الموفقون قال تعالى الا ان اولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ثم وصفهم بقوله الذين امنوا وكانوا يتقون فكل مؤمن تقي فهو لله ولي ولاية خاصة من ثمراتها ما قاله الله عنهم الله ولي الذين امنوا يخرجهم من الظلمات الى النور ان يخرجهم من ظلمات الكفر الى نور الايمان ومن ظلمات الجهل الى نور العلم ومن ظلمات المعاصي الى نور الطاعة ومن ظلمات الغفلة الى نور اليقظة والذكر وحاصل ذلك انه يخرجهم من ظلمات الشرور المتنوعة الى ما يرفعها من انوار الخير العاجل والاجل وانما حاجوا هذا العطاء الجزيل بايمانهم الصحيح وتحقيقهم هذا الايمان بالتقوى فان التقوى تمام الايمان كما تقدم تحقيقه ومن ثمرات الايمان الفوز برضا الله ودار كرامته قال تعالى والمؤمنون والمؤمنات بعضهم اولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله اولئك سيرحمهم الله ان الله عزيز حكيم وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الانهار خالدين خالدين فيها ومساكن طيبة في جنات عدن ورضوان من الله اكبر ذلك هو الفوز العظيم فنالوا رضا ربهم ورحمته والفوز بهذه المساكن الطيبة بايمانهم الذي كملوا به انفسهم وكملوا غيرهم بقيامهم بطاعة الله وطاعة رسوله والامر بالمعروف والنهي عن المنكر فاستولوا على اجل الوسائل وافضل الغايات وذلك فضل الله ومنها ان الايمان الكامل يمنع من دخول النار والايمان ولو قليلا يمنع من الخلود فيها فان من امن ايمانا ادى به الواجبات وترك المحرمات فانه لا يدخل النار فما تواترت بذلك الاحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الاصل اما تواتر عنه صلى الله عليه وسلم انه لا يخلد في النار من في قلبه شيء من الايمان ولو يسيرا ومن ثمرات الايمان ان الله يدافع عن المؤمنين جميع المكاره وينجيهم من الشدائد كما قال تعالى ان الله يدافع عن الذين امنوا ان يدافعوا عنهم كل مكروه يدافع عنهم شر شياطين الانس وشياطين الجن ويدافع عنهم الاعداء ويدافع عنهم المكاره قبل نزولها ويرفعها او يخففها بعد نزولها ولما ذكر تعالى ما وقع فيه يونس عليه الصلاة والسلام وانه نادى في الظلمات ان لا اله الا انت سبحانك اني سبحانك اني كنت من الظالمين قال فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين اذا وقعوا في الشدائد كما انجينا يونس قال النبي صلى الله عليه وسلم دعوة اخي يونس ما دعا بها مكروب الا فرج الله عنه كربته لا اله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين وقال تعالى ومن يتق الله اي بالقيام بالايمان ولوازمه يجعل له مخرجا اي من كل ما ضاق على الناس ومن يتق الله يجعل له من امره يسرا المؤمن المتقي ييسر الله اموره وييسره لليسرى ويجنبه العسرى ويسهل عليه الصعاب ويجعل له من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب وشواهد هذا كثيرة من الكتاب والسنة ومنها ان الايمان والعمل الصالح الذي هو فرعه يثمر الحياة الطيبة في هذه الدار وفي دار القرار قال تعالى من عمل صالحا من ذكر او انثى وهو مؤمن فلنحيينه فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم اجرهم باحسن ما كانوا يعملون وذلك ان من خصائص الايمان انه يثمر طمأنينة القلب وراحته وقناعته بما رزق الله وعدم تعلقه بغيره وهذه هي الحياة الطيبة فان اصل الحياة الطيبة راحة القلب وطمأنينته وعدم تشوشه مما يتشوش منه للايمان الصحيح ومنها ان جميع الاعمال والاقوال انما تصح وتكمل بحسب ما يقوم بقلب صاحبها من الايمان والاخلاص ولهذا يذكر الله هذا الشرط الذي هو اساس كل عمل مثل قوله فمن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا كفران لسعيه اي لا يجحد سعيه ولا يضيع عمله بل يضاعف بحسب قوة ايمانه وقال ومن اراد الاخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فاولئك فاولئك كان سعيهم مشكورا والسعي للاخرة هو العمل بكل ما يقرب اليها ويدني منها من الاعمال التي شرعها الله على لسان نبيه محمد صلى الله عليه وسلم فاذا تأسست على الايمان وانبنت عليه كان السعي مشكورا مقبولا مضاعفا لا يضيع منه مثقال ذرة واما اذا فقد العمل الايمان فلو استغرق العامل ليله ونهاره فانه غير مقبول قال تعالى وقدمنا الى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء ثورا وذلك لانها اسست على غير الايمان بالله ورسوله الذي روحه الاخلاص للمعبود والمتابعة للرسول وقال تعالى قل هل ننبئكم بالاخسرين اعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا اولئك الذين كفروا بايات ربهم ولقائه فحبطت اعمالهم فحبطت اعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا فهم لما فقدوا الايمان وحل محله الكفر بالله واياته حبطت اعمالهم وقال تعالى لئن اشركت ليحبطن عملك ولو اشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون ولهذا كانت الردة عن الايمان تحبط جميع الاعمال الصالحة كما ان الدخول في الاسلام والايمان يجب ما قبله من السيئات وان عظمت والتوبة من الذنوب المنافية للايمان والقادحة فيه والمنقصة له تجب ما قبلها ومنها ان صاحب الايمان يهديه الله الى الصراط المستقيم ويهديه في الصراط المستقيم يهديه الى علم الحق والى العمل به والى تلقي المحاب والمسار بالشكر وتلقي المكاره والمصائب بالرضا والصبر قال تعالى ان الذين امنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بايمانهم وقال تعالى ما اصاب من مصيبة الا باذن الله ومن يؤمن بالله يهدي قلبه قال بعض السلف هو الرجل تصيبه المصيبة فيعلم انها من عند الله فيرضى ويسلم ولو لم يكن من ثمرات الايمان الا انه يسلي صاحبه عن المصائب والمكاره التي كل احد عرضة لها في كل وقت ومصاحبة الايمان واليقين اعظم مصل عنها ومهون لها وذلك لقوة ايمانه وقوة توكله ولقوة رجائه بثواب ربه وطمعه في فضله فحلاوة الاجر تخفف مرارة الصبر قال تعالى ان تكونوا تألمون فانهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون ولهذا تجد اثنين تصيبهم مصيبة واحدة او متقاربة واحدهما عنده ايمان والاخر فاقد له تجد الفرق العظيم بين حاليهما وفي تأثيرها في ظاهرهما وباطنهما وهذا الفرق راجع الى الايمان والعمل بمقتضاه وكما انه يصلي عند ورود المصائب والمكاره فانه يسلي عند فقد المحاب فاذا فقد مؤمن حبيبه الذي تمكن حبه من قلبه من اهل وولد ومال وصديق وشبهها تسلى بحلاوة ايمانه والايمان خير عوض للمؤمن عن كل مفقود كما هو مشاهد مجرب وفقد المحبوب في الحقيقة معدود من المصائب ولولا ان يعقوب عليه الصلاة والسلام عنده من الايمان ما يهون عليه مصيبته في فقد يوسف مع شدة حبه العظيم بحيث قال لاخوته لما طلبوا منه بعض يوم ان يذهب معهم ليرتع ويلعب قال اني ليحزنني ان تذهبوا به فاخبر ان المانع له من ارساله انه لا يصبر على فراقه ولا ساعة من نهار ولكنهم عالجوه وذكروا له الاسباب التي توجب له ان يرسله معهم فارسله ليقضي الله امرا كان مفعولا فمن هذه حاله وهذا حبه البليغ الذي لا يمكن المعبر ان يعبر عنه هل يدخل في الذهن انه يبقى هذه المدة الطويلة على الوجود بل يغلب على الظن ان الحب يفتت كبده باسرع وقت ولكن قوة الايمان وقوة الرجاء بالله اوجب له ان يتماسك كل هذه المدة حتى جاء الله بالفرج الذي وعد به المؤمنون وكذلك ام موسى حين ذهب اليم بموسى واصبح فؤادها فارغا من كل شيء الا من الحزن على موسى لولا ان الله ربط على قلبها بالايمان وعلمت ان وعد الله حق لكادت تبدي بما في قلبها وتصرح بمصيبتها ولكن هو الايمان المثبت عند الشدائد المسلي عند المصائب المقوي اذا وهنت القوى المعزي اذا عز العزاء وقال النبي صلى الله عليه وسلم في وصيته العظيمة في حديث ابن عباس الصحيح الذي في السنن تعرف الى الله في الرخاء يعرفك في الشدة اي تعرف الى الله بالايمان واعمال الايمان وانت صحيح غني قوي يعرفك الله في الشدة يقويك الله على مباشرتها ويعينك على معالجتها واعظم شدة تنزل بالمؤمن شدة الموت وسكراته فهذا الحديث بشرى لكل مؤمن قد تعرف الى ربه في رخائه ان يعينه في ذلك المقام الحرج والشدة المزعجة وضعف القوى وتكاثف الشياطين الذين يريدون ان يحولوا بين العبد وبين ختم حياته بالخير فان الله يعينه بتأييده وروحه ورحمته ولا حول ولا قوة الا بالله ومن ثمرات الايمان ولوازمه من الاعمال الصالحة ما ذكره الله بقوله ان الذين امنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا اي بسبب ايمانهم واعمال الايمان يحبهم الله ويجعل لهم المحبة في قلوب المؤمنين ومن احبه الله واحبه المؤمنون من عباده حصلت له السعادة والفلاح والفوائد الكثيرة من محبة المؤمنين من الثناء والدعاء له حيا وميتا والاقتداء به وحصول الامامة في الدين وهذه ايضا من اجل ثمرات الايمان ان يجعل الله المؤمنين الذين كملوا ايمانهم بالعلم والعمل لسان صدق ويجعلهم ائمة يهتدون بامره كما قال تعالى وجعلنا منهم ائمة يهدون بامرنا لما صبروا وكانوا باياتنا يوقنون فبالصبر واليقين الذين هما رأس الايمان وكماله نالوا الامامة في الدين ومنها قوله تعالى يرفع الله الذين امنوا منكم والذين اوتوا العلم درجات فاهل الايمان والعلم يرفعهم الله في الدنيا والاخرة فهم اعلى الخلق درجة عند الله وعند عباده في الدنيا والاخرة وانما نالوا هذه الرفعة بايمانهم الصحيح وعلمهم ويقينهم والعلم واليقين من اصول الايمان ومن ثمرات الايمان حصول البشارة بكرامة الله والامن التام من جميع الوجوه كما قال تعالى وبشر المؤمنين فاطلقها ليعم الخير العاجل والاجل وقيدها في مثل قوله تعالى وبشر الذين امنوا وعملوا الصالحات ان لهم ان لهم جنات تجري من تحتها الانهار فلهم البشارة المطلقة والمقيدة ولهم الامن المطلق في مثل قوله تعالى الذين امنوا ولم يلبسوا ايمانهم بظلم اولئك اولئك لهم الامن وهم مهتدون ولهم الامن المقيد في مثل قوله تعالى فمن امن واصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون فنفى عنهم الخوف لما يستقبلونه والحزن مما مضى عليهم وبذلك يتم لهم الامن فالمؤمن له الامن التام في الدنيا والاخرة امن من سخط الله وعقابه وامن من جميع المكاره والشرور وله البشارة الكاملة بكل خير كما قال تعالى لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الاخرة ويوضح هذه البشارة قوله تعالى ان الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة تتنزل عليهم الملائكة الا تخافوا ولا تحزنوا وابشروا بالجنة وابشروا بالجنة التي كنتم توعدون نحن اوليائكم في الحياة الدنيا وفي الاخرة ولكم فيها ما تشتهي انفسكم ولكم فيها ما تدعون نزلا من غفور رحيم وقال تعالى يا ايها الذين امنوا اتقوا الله وامنوا برسوله يؤتكم كفلين يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نورا تمشون به ويغفر لكم والله غفور رحيم فرتب على الايمان حصول الثواب المضاعف وكمال النور الذي يمشي به العبد في حياته ويمشي به يوم القيامة يوم ترى المؤمنين يسعى نورهم بين ايديهم وبايمانهم وبايمانهم بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الانهار فالمؤمن يمشي في الدنيا بنور علمه وايمانه واذا طفأت الانوار يوم القيامة مشى بنوره على الصراط حتى يجوز به الى دار الكرامة والنعيم وكذلك رتب المغفرة على الايمان ومن غفرت سيئاته سلم من العقاب ونال اعظم الثواب ومن ثمرات الايمان حصول الفلاح الذي هو ادراك غاية الغايات فانه ادراك كل مطلوب والسلامة من كل مرهوب والهدى الذي هو اشرف الوسائل كما قال تعالى بعد ذكره المؤمنين بما انزل على محمد صلى الله عليه وسلم وما انزل على من قبله والايمان بالغيب واقامة الصلاة وايتاء الزكاة اللتين هما من اعظم اثار الايمان قال تعالى اولئك على هدى من ربهم واولئك هم المفلحون فهذا هو الهدى التام والفلاح الكامل فلا سبيل الى الهدى والفلاح الذين لا صلاح ولا سعادة الا بهما الا بالايمان التام بكل كتاب انزله الله وبكل رسول ارسله الله فالهدى اجل الوسائل والفلاح اكمل الغايات ومن ثمرات الايمان الانتفاع بالمواعظ والتذكير بالايات قال تعالى وذكر فان الذكرى تنفع المؤمنين ان في ذلك لاية للمؤمنين ومثل هذا قوله صلى الله عليه وسلم المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على اذاهم خير من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على اذاهم ومفهوم هذه النصوص الصحيحة المحكمة ان فاقد الايمان لا خير فيه لانه اذا عدم الايمان فاما ان يكون الشخص احواله كلها شر وضرر على نفسه وعلى المجتمع من جميع الوجوه واما ان يكون فيه بعض الخير الذي قد انغمر بالشر وغلب شره خيره والمصالح اذا انغمرت واضمحلت في المفاسد صارت شرا لان الخير الذي معه يقابله شر نظيره فيتساقطان ويبقى الشر الذي لا مقابل له من الخير يعمل عمله ومن تأمل الواقع في الخلق رأى الامر كما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم وهذا لان الايمان يحمل صاحبه على التزام الحق واتباعه علما وعملا وكذلك معه الالة العظيمة والاستعداد لتلقي المواعظ النافعة والايات الدالة على الحق وليس عنده مانع يمنعه من قبول الحق ولا من العمل به وايضا فالايمان يوجب سلامة الفطرة وحسن القصد ومن كان كذلك انتفع بالايات ومن لم يكن كذلك فلا يستغرب عدم قبوله للحق واتباعه له ولهذا يذكر الله في سياق تمنع الكافرين من تصديق الرسول صلى الله عليه وسلم وقبول الحق الذي جاء به السبب الذي اوجب لهم ذلك وهو الكفر الذي في قلوبهم يعني لان الحق واضح واياته بينة واضحة والكفر اعظم مانع يمنع من اتباعه اي فلا تستغربوا هذه الحالة فانها لم تزل دأب كل كافر ومنها ان الايمان يحمل صاحبه على الشكر في حالة السراء والصبر في حالة الضراء وكسب الخير في كل اوقاته كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال عجبا لامر المؤمن ان امره كله خير ان اصابته سراء شكر فكان خيرا له وان اصابته ضراء صبر فكان خيرا له وليس ذلك لاحد الا للمؤمن والشكر والصبر هما جماع كل خير فالمؤمن مغتنم للخيرات في كل اوقاته رابح في كل حالاته وفي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم انه قال لا يصيب المؤمن من هم ولا غم ولا اذى الا كفر الله عنه بها من خطاياه فيجتمع للمؤمن عند النعم والسراء نعمتان نعمة حصول ذلك المحبوب ونعمة التوفيق للشكر الذي هو اعلى من ذلك وبذلك تتم عليه النعمة ويجتمع له عند الضراء ثلاث نعم نعمة تكفير السيئات ونعمة حصول مرتبة الصبر التي هي اعلى من ذلك ونعمة سهولة الضراء عليه لانه متى عرف حصول الاجر والثواب والتمرن على الصبر هانت عليه وطأة المصيبة وخف عليه حملها ومنها ان الايمان يقطع الشكوك التي تعرض لكثير من الناس فتضر بدينهم قال الله تعالى انما المؤمنون الذين امنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا اي دفع الايمان الصحيح الذي معهم الريب والشك الموجود وازاله بالكلية وقاوم الشكوك التي تلقيها شياطين الانس والجن والنفوس الامارة بالسوء فليس لهذه العلل المهلكة دواء الا تحقيق الايمان ولهذا ثبت في الصحيحين من حديث ابي هريرة ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يزال الناس يتساءلون حتى يقال هذا الله خلق الخلق فمن خلق الله فمن وجد ذلك فليقل امنت بالله ولينتهي وليتعوذ بالله من الشيطان فذكر صلى الله عليه وسلم هذا الدواء النافع لهذا الداء المهلك وهو ثلاثة اشياء الانتهاء عن هذه الوساوس الشيطانية والاستعاذة من شر من القاها وشبه بها ليضل بها العباد والاعتصام بعصمة الايمان الصحيح الذي من اعتصم به كان من الامنين وذلك لان الباطل يتضح بطلانه بامور كثيرة اعظمها العلم انه مناف للحق وكل ما ناقض الحق فهو باطل فماذا بعد الحق الا الضلال ومنها ان الايمان ملجأ المؤمنين في كل ما يلم بهم من سرور وحزن وخوف وامن وطاعة ومعصية وغير ذلك من الامور التي لابد لكل احد منها فعند المحاب والسرور يلجأون الى الايمان فيحمدون الله ويثنون عليه ويستعملون النعم فيما يحب المنعم وعند المكاره والاحزان يلجأون الى الايمان من جهات عديدة يتسلون بايمانهم وحلاوته ويتسلون بما يترتب على ذلك من الثواب ويقابلون الاحزان والقلق براحة القلب والرجوع الى الحياة الطيبة المقاومة للاحزان والاتراح ويلجأون الى الايمان عند الخوف فيطمئنون اليه ويزيدهم ايمانا وثباتا وقوة وشجاعة ويضمحل الخوف الذي اصابهم كما قال تعالى عن خيار الخلق الذين قال لهم الناس ان الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم ايمانا آآ فزادهم ايمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لقد اضمحل الخوف من قلوب هؤلاء الاخيار وخلفه قوة الايمان وحلاوته وقوة التوكل على الله والثقة بوعده ويلجأون الى الايمان عند الامن فلا يبطرهم ولا يحدث لهم الكبرياء بل يتواضعون ويعلمون انه من الله ومن فضله وتيسيره فيشكرون الذي انعم بالسبب والمسبب الامن واسبابه ويعلمون انه اذا حصل لهم ظفر بالاعداء وعز انه بحول الله وقوته وفضله لا بحولهم وقوتهم ويلجأون الى الايمان عند الطاعة والتوفيق للاعمال الصالحة فيعترفون بنعمة الله عليهم بها وان نعمته عليهم فيها اعظم نعم العافية والرزق وكذلك يحرصون على تكميلها وعمل كل سبب لقبولها وعدم ردها او نقصها ويسألون الذي تفضل عليهم بالتوفيق لها ان يتم عليهم نعمته بقبولها والذي تفضل عليهم بحصول اصلها ان يتمم لهم منها ما انتقصوه ويلجأون الى الايمان اذا ابتلوا بشيء من المعاصي بالمبادرة الى التوبة منها وعمل ما يقدرون عليه من الحسنات لجبر نقصها قال تعالى ان الذين اتقوا اذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا تذكروا فاذا هم مبصرون وقال صلى الله عليه وسلم مثل المؤمن ومثل الايمان كالفرس المربوط في اخيته يجول ما يجول ثم يعود الى اخيته كذلك المؤمن يجول ما يجول بالغفلة والتجرؤ على بعض الاثام ثم يعود سريعا الى الايمان الذي بنى عليه اموره كلها فالمؤمنون في جميع تقلباتهم وتصرفاتهم ملجأهم الى الايمان ومفزعهم الى تحقيقه ودفع ما ينافيه ويضاده وذلك من فضل الله عليه ومنه ومنها ان الايمان الصحيح يمنع العبد من الوقوع في الموبقات المهلكة كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن الحديث ومن وقعت منه فانه لضعف ايمانه وذهاب نوره وزوال الحياء ممن يراه حيث نهاه وهذا معروف مشاهد والايمان الصادق الصحيح يصحبه الحياء من الله والحب له والرجاء القوي لثوابه والخوف من عقابه والنور الذي ينافي الظلمة وهذه الامور التي هي من مكملات الايمان لا ريب انها تأمر صاحبها بكل خير وتزجره عن كل قبيح فاخبر ان الايمان اذا صحبه عند وجود اسباب هذه الفواحش فان نور ايمانه يمنعه من الوقوع فيها فان النور الذي يصحب الايمان الصادق ووجود حلاوة الايمان والحياء من الله الذي هو من اعظم شعب الايمان بلا شك يمنع من مواقعة هذه الفواحش ومنها انه ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في الصحيحين من حديث ابي موسى رضي الله عنه انه قال مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كمثل الاترجة طعمها طيب وريحها طيب ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل التمرة طعمها طيب ولا ريح لها وهؤلاء القسمان هم خير الخليقة فان الناس اربعة اقسام الاول خير في نفسه متعد خيره الى غيره وهو خير الاقسام فهذا المؤمن الذي قرأ القرآن وتعلم علوم الدين فهو نافع لنفسه متعد نفعه الى غيره مبارك اينما كان كما قال الله تعالى عن عيسى عليه السلام وجعلني مباركا اينما كنت والثاني طيب في نفسه صاحب خير وهو المؤمن الذي ليس عنده من العلم ما يعود به على غيره فهذان القسمان هما خير الخليقة والخير الذي فيهم عائد الى ما معهم من الايمان القاصر والمتعدي نفعه الى الغير بحسب احوال المؤمنين والقسم الثالث من هو عادم للخير ولكنه لا يتعدى ضرره الى غيره والرابع من هو صاحب شر على نفسه وعلى غيره فهذا شر الاقسام الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا زدناهم عذابا فوق العذاب بما كانوا يفسدون اعاد الخير كله الى الايمان وتوابعه وعاد الشر الى فقد الايمان والاتصاف بضده والله الموفق وشبيه بهذا المعنى قوله صلى الله عليه وسلم المؤمن القوي خير واحب الى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير فقسم صلى الله عليه وسلم المؤمنين الى قسمين قسم قوي في عمله وقوة ايمانه وفي نفعه لغيره وقسم ضعيف في هذه الاشياء ومع ذلك ففي كل من القسمين خير لان الايمان واثاره كله خير وان تفاوت المؤمنون في هذا الخير