المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله القاعدة الثالثة الايمان بالله هو الاصل الذي دعت اليه جميع الرسل. وبه الرقي الحقيقي في الدنيا والاخرة جميع الكتب التي انزلها الله وجميع رسول ارسله الله. الاصل الذي اسدت اليه. والدعوة التي دعت اليها هو الايمان وبالله والايمان بوجوده وايجاده المخلوقات. والايمان بما له من الاسماء الحسنى وصفات الكمال. والاذعان الكامل عبوديته والافتقار اليه القرآن العظيم الذي هو اجل الكتب واعظمها. والمهيمن عليها حث على هذا الاصل بالطرق كلها ففيه من اسماء الله الحسنى اكثر من ثمانين اسما معرفتها ومعرفة معانيها تملأ القلوب ايمانا ونورا ويقينا علما وعرفانا. وافضل ما حصلته القلوب. وارقى الاعتقادات النافعة. قال تعالى قولوا امنت انا بالله وما انزل الينا وما انزل الى ابراهيم ميم واسماعيل واسحاق ويعقوب والاسباط وما اوتي موسى وعيسى وما اوتي النبيون وما اوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين احد منهم. ونحن له مسلمون وقال سبحانه والمؤمنون كل امن بالله وملائكته وكتبه اصولي لا نفرق بين احد من رسله. وقالوا سمعنا واطعنا. غفرا ربنا واليك المصير. وقال سبحانه والذين امنوا بالله ورسله اولئك هم الصديقون. وقالوا وعملوا الصالحات بمواضع كثيرة يرتب عليها خيرات الدنيا والاخرة. ويرتب على عدم الايمان جميع الشرور الدنيوية والاخروية ويخبر ان الاعمال والتعبدات كلها ناشئة عن الايمان. فمن امتلأ قلبه من الايمان بالله كانت قوة عبوديته لله بحسب ذلك الايمان الذي في قلبه. وكذلك اعمال الاسباب النافعة التي تنفع الافراد والشعوب لا يمكن العبد ان يقوم بها على وجه الكمال والصدق والاخلاص والبناء على الاصول النافعة الا بالايمان الايمان اصل الخير الديني والدنيوي وبه توزن الامور صالحها وطالحها. واذا اردت تفصيل هذه الجمل العظيمة تمثيل لها على وجه يعترف به اهل العقول والالباب والامور التي يحصل بها الرقي الحقيقي والسعادة والفلاح. الاعتقادات الصحيحة والاخلاق المزكية للقلوب. المطهرة للارواح الباعثة للهمم والعزائم الى كل خير. والاعمال الصالحة النافعة في الدين والدنيا. وهذه الامور متلازمة لا يتم بعضها الا ببعض. وبتمامها السعادة والفلاح. فاذا اعتقد العبد ما اخبرت به الرسل عن الله تعالى. وان فله الكمال المطلق من جميع الوجوه بكل وجه واعتبار. وان الاشياء وجودها وبقاؤها وكمالها بالله تعالى. ومنها اتستمد كل شيء. علم ان الله هو الخالق وحده وما سواه مخلوق. وهو الرازق المحسن وما سواه مرزوق مضطر الى احسان ربه وكرمه من كل وجه. وهو المدبر المصرف للعالم العلوي والسفلي بحكمته وعلمه وعنايته وحسن تدبيره وهو بكل شيء عليم. يعلم السر واخفى. لا تخفى عليه خافية في الارض ولا في السماء اه يسمع الاصوات سواء منكم من اسر القول ومن جهر به. ويرى جميع ما حواه العالم العلوي والسفلي. لا يخفى على ادق المخلوقات في اخفى الامكنة. وهو مع ذلك واسع الرحمة والجود والكرم والبر والامتنان. يفيض الاحسان على مخلوقات اوقاته اناء الليل والنهار. يده بالخير سحاء الليل والنهار. ما من دابة الا هو اخذ بناصيتها. وموصل اليها من بره واحسانه جميع ما تحتاجه في وجودها وبقائها وتمام احوالها قد امر المخلوقات ان تنيب اليه وتسأله حاجاتها وتفزع اليه في جميع مهماتها وملماتها. فيجيب الداعين ويكشف كربات المكروبين ويزيل الضر عن المضطرين. ويسوق الالطاف واصناف البر لعباده المنيبين. فمتى فقدت القلوب هذه الاعتقادات الصحيحة في ربها والهها. فلابد ان تنيب اليه بالخوف والرجاء والمحبة. وتمتلئ من تعظيم والايمان به وتطلب السعي في كل امر يرضيه وتتجنب كل امر يسخطه. فيضطرها هذا الامر الى الاخلاص الذي هو رح الاعمال فالمخلص لله تنبني اعماله الظاهرة والباطنة على ان يكون الداعي لها والباعث عليها هو الايمان بالله. وغايتها الذي تنتهي اليه وتسعى اليه طلب رضاه والتنعم بثوابه وخيراته. وبذلك يزول عن القلوب جميع الاخلاق الرذيلة. من الرياء والنفاق ومساوئ الاخلاق. وتتحلى بالاخلاق الجميلة من الحب والاخلاص والطمع في فضل الله. والخوف من عقابه والصدق الكافي في طلب مرضاته. والانابة التامة الى ربها في رغباتها ورهباتها. لانها تعلم انه لا ملجأ ولا منجى ولا مولى ولا نصير الا ربها ومليكها ويكون محبتها للخير الذي يقربها الى مولاها. مقدمة على كل محبة. وترى ان قوتها وغذاءها وكمالها هذه الانابة وهذا الافتقار وتعطف بهذا التعبد على عباد الله فتحب للمسلمين ما تحب لنفسها من الخير. وتسعى لذلك بحسب مقدورها ثم اذا اصابتها النكبات وحلت بها المصيبات فزعت الى ربها ليكشف ضرها ويثيبها على ما قدر عليها. وتطمع غاية الطمع في فضل ربها ورجاء رحمته وطلب ثوابه. وبهذا المعنى الذي تتصف به وهذه العقيدة النافعة تهون عليها المصيبات وتخف عنها المكروهات لما تعلمه من حكمة الله واستناد الامور الى تدبيره وقدرته. ولما ترجوه من تفريج كربها لانها تعلم انه لا يفرج الكربات. ولا يزيل الشدات الا هو ولما ترجوه من الثواب الذي رتبه على المكاره والصبر عليها واما من لم يحصل له هذا الايمان فانه عند المصائب والملمات يجري له من الالام القلبية والفظائع الروحية والزلات العظيمة ما لا يمكن التعبير عنه. ربما ان بعض هؤلاء تصل بهم الحال الى اتلاف نفسه او الى زوال عقله لعدم ما يستند اليه ويرجوه وكما ان المؤمن الحقيقي يتلقى المكاره والمصيبات بالصبر والقوة والطمأنينة للاسباب التي اشرنا اليها فانه يتلقى اوامر ربه بالقوة والعزيمة الصادقة. ويؤدي حقوقه وحقوق خلقه بالكمال تمام بحسب استطاعته. ومع ذلك فانه يعلم انه لا يمكنه ان تتم له العبودية واداء الحقوق الواجبة والمستحبة والمصالح الكلية والجزئية الا بالسعي بالاسباب الدنيوية النافعة. وبالقيام بالقوة المعنوية والمادية انبعثت همته لداعي الايمان وداعي العقل وداعي الفطرة الى ذلك. وابدى ما يقدر عليه في تحصيل ذلك وعلم ان المقاصد لا تتم الا بالوسائل. وان الوسائل التي تتعين على المصالح مما امر الله به ومما رتب عليه الثواب وعلى الاستهانة به العقاب فدخل في هذا جميع الاسباب الموجودة والتي ستحدث بعد ذلك. فعلم بذلك ان الايمان المذكور هو الباعث على تحصيل خير الدنيا والاخرة. وان من لا يرجو ثوابا من الله ولا يخشى منه عقابا. ولا له ايمان يستند اليه انه ضعيف الهمة ضعيف العزم النافع وانما عزماته في تحصيل لذاته البهيمية وشهواته السفلية وطمعه الدنيء. فربما كانت قوته في هذه الامور واسبابه المادية في تحصيلها فوق ما يتصوره المتصور ويعبر عنه المتكلم. ولكن الايمان يستند اليه ولا غاية حميدة يرتجيها ولا حياة ابدية يعمل لها. فمن كانت هذه حاله لم ينل في هذه الحياة طيبها ولا نجح في تحصيل سعادتها بقطع النظر عن الحياة الاخرى فانه ليس له في الاخرة من خلاق ولا نصيب وبهذا يتضح لنا ما عليه المعرضون الان عن الايمان بالله. وان هذه المناظر وما متعوا به من الحياة. ما هي الا لذات مؤقتة تحتها ما شئت من الالام والاكدار. وانه لا غاية لها وان المؤمنين بالله مهما تنقلت بهم الاحوال وتطورت بهم الامور فانهم خير من هؤلاء واحسن عاقبة. فلو وفق المؤمن للقيام الكامل بالايمان على الوصف الذي ذكرنا لحازوا الحياة الطيبة في هذه الدنيا والحياة التي هي اطيب منها في دار القرار. وازيدك ايضا ان الايمان والذي وصفنا هو الذي يحث صاحبه على كل خلق جميل ويزجره عن كل خلق رذيل الايمان يدعو صاحبه الى الصدق في الاقوال. الصدق في معاملة الخلق فمن لم يكن مؤمنا هذا الايمان لم تكن مطمئنا من اقواله ولا من معاملاته. وربما راعاك في شيء وكذلك في وهو الذي يحث على النصح لله ورسوله وكتابه وائمة المسلمين وعامتهم. فايمان العبد يوجب ان يبذل في هذه الامور كل ما يستطيعه من النصح ويقدر عليه. ومن لم يكن كذلك فانت غير امن من غشه ان نصحك فيما يظهر ويبين. فما الذي يمنعه ان يغشك فيما يظن انه لا يبين. ليس معه ومن الايمان ما يعصمه من هذا الخلق الرذيل. الايمان المذكور يحمل صاحبه على الصبر والقوة. والشجاعة والاقدام في التي يحجم عنها ضعفاء النفوس الذين لا ايمان معهم. فالمؤمن لقوة ايمانه وتوكله على الله ورجائه لثوابه. وعلمه ان الثواب الديني والدنيوي والاخروي يكون بحسب ما قام به من واجبات الايمان ومكملاته وما قام به من الجهاد ويسهل عليه القيام بالاعمال الشاقة. ويهون عليه. وما يلقى من الاهوال والمعارضات ولا يأخذه هم في ذلك لوم لائمين وقدح القادحين ولا يصعب عليه ما اصابه من جراء ذلك من المصائب. وكلما قوي الايمان كان قيامه بهذه الامور اعظم واتم اما من لم يكن معه ذلك الامام الصحيح. فمن اين له الثبات على الصبر وعلى المقاومات الشاقة؟ نعم قد يكون له صبر بعض اوقاتي في تحصيل اغراضه السفلية وشهواته النفسية. وقد يكون عنده من الشجاعة والقوة في تحصيل ذلك. ولكن له ما ارزلها واخطرها واقلها بقاء. فان الوسائل تابعة لمقاصدها. فاين من كانت مقاصده اجل المقاصد نصر الدين واعانة المؤمنين وقمع اعداء الدين ومقاومة الباطل. وتحصيل الفلاح الابدي والسعادة السرمدية والقيام بحقوق الله كليها وجزئيها اين هذا مما نهايته ادراك رئاسة مؤقتة ولذات فانية مشوبة بالاقدار وكان عاقبتها الهلاك والبوار فوالله ان بين حاليها لك ما بين المشارق والمغارب الايمان المذكور يحمل صاحبه على العدل. وينهاه عن الظلم فانه يعلم ان ايمانه لا يتحقق الا بذلك واما من عدم الايمان فاين العدل الذي يتأسس عليه؟ فما تأسس العدل الا بالايمان بالله واتباع الرسل والكتب السماوية والا فبطبيعة الانسان الظلم والفوضوية لا في جماعاتهم ولا في افرادهم. واما من لم يتأسس على العدل فليس من الدين وكيف تأمن من لا ايمان له ان يظلمك في دمك ومالك. فان النفوس مجبولة على محبة الاثرة ان لم يكن معها ايمان يردها دعها وعلم صحيح وعدل يحجرها. الايمان الموصوف بما ذكرنا. كما انه يدعو اهله الى الاخلاق الحميدة وينهاهم عن الاخلاق الرذيلة ويحثهم على الاداب الحسنة. فكذلك يحثهم على الاخلاق الدينية. فكذلك يحثهم على ترك الاخلاق الرديئة والحقيقة الاسلامية عليه من فنون الصناعات وانواع المخترعات الحديثة. واستعداد للاعداء بجميع الوسائل النافعة على حسب الحال المقتضية ولا يذهب الى الكسل والضعف وان يكونوا كلا على غيرهم. كذلك يحثهم على ما تقتضيه المصلحة. وعلى جمع كلمة مسلمين واتفاقهم على الخير. فالمؤمنون بالمعنى الحقيقي يقومون بهذه الامور لداعي الدين. اذا قام غيرهم فيها للامر الثاني فقط. ولكن لمصلحة دنيوية ان يسبقهم هؤلاء القوم في تحصيل الفنون العصرية. التي فيها المقاومة والاقتدار على المهاجرين عندما وعند المسلمين من الدواعي وطلب المصلحة ما ليس عند غيرهم. واللوم موجه الى المؤمنين. فليس لهم عذر عند الله ولا عند خلقه ولا تعذرهم نفوسهم الابية ولا اخلاقهم وتعاليمهم الدينية الايمانية اذا كان الايمان الحقيقي يدعو الى هذه الفضائل ويزجر عن جميع الرذائل. اتضح انه الطريق الوحيد والصراط الاقوم للسعادة الحقيقية والرقي الحقيقي وان ما نراه في بعض الامم الفاقدة للايمان ليس الا كالسراب حتى اذا جاءه المنصف وحقق امره لم يجده شيئا حتى قال بعض منصفيهم في هذا المقام ان الناس قد كانوا ولا يزالون يطلبون الحق. ولم يكونوا في زمان ابعد عنه وفي هذا الزمان يريد بذلك قومه فما هم عليه من مظاهر السعادة الدنيوية فان حشوه الالام الشاغلة لقلوبهم اجمعين ان ما يرحمهم لاجله المقصرون عنهم ويزهد الراغبين في مثلها لهم ويصدها عن اتباعهم. والسبب بعدهم عن الايمان والحق وتزوغوا انفسهم الى الباطل وهرولتهم خوف دواعي الشهوة. والسبب الاصلي في ذلك كله خلو نفوسهم من الركوع كوني الى الاله الواحد خالق الجميع ورازق الاحياء ومقدر الاسباب لمكاسبهم. فهذه الاحوال والظواهر التي لم تبنى على هل يقول صحيح العقل انها حياة سعيدة؟ والقلوب قلقة والنفوس محترقة وانما الراحة والحياة الطيبة المؤمنين الذين اكتسبوا راحة الضمائر وطمأنينة السرائر والرضا الحقيقي مع السعي الجميل في طلب المنافع والمكاسب المؤمن حيث تجده تجد هذا الوصف منطبقا عليه فهو سعيد وان كان بين الاشقياء. حكيم وان وجد بين السفهاء. واما من اخذ اسم الايمان رسما ولم يتحقق به عقدا ولا خلقا ولا ادبا. فلم تضمن له الحياة الطيبة