المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله عن ابي هريرة رضي الله عنه مرفوعا يمين الله ملأى لا تغيضها نفقة. سحاء الليل والنهار ارأيتم ما انفق منذ خلق السماوات والارض فانه لم يغض ما في يمينه والقسط بيده الاخرى يرفع ويخفض. اخرجاه في الصحيحين. هذا الحديث ان على ساعة فضل الله وكمال عدله. واثبات اليدين لله عز وجل. وسبيلهما سبيل جميع الصفات انه تعالى موصوف بكل بصفة كمال وله من تلك الصفة اعظمها واوسعها وانه كما لا يماثله احد في ذاته لا يماثله احد في شيء من صفاته ومن نفى شيئا منها متوهما ان ظاهر ذلك التشبيه فقد غرق افحش غلط فان الصفات تابعة للموصوف. ومن اثبت شيئا منها دون شيء فقد غرق فيما نفاه وتناقض تناقضا يدل على بطلان قوله وقد وضح النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث سعة غناه وسعة عطاياه وانه كما ان جميع الموجودات في فضله وكرمه خلقها ولا يخلو ان وحال من الاحوال الا ولله عليها كلها نعم واحسان لا تحصى انواعه فضلا عن افراده مع هذا العطاء الواسع الشامل لجميع المخلوقات في كل الافاق لم يغض من فضله وكرمه مثقال ذرة لان فضله وكرمه وغناه ومن لوازم ذاته وخزائن العوالم كلها بيده وتحت تصريفه وتدبيره. واذا اراد شيئا قال له كن فيكون. فلا يتصور ان ينقص شيء من كمال غناه ومن سعة عطاياه مثقال ذرة. والله ذو الفضل العظيم. وكذلك سائر صفاته. كعلمه وكلامه وقدرته وحكمته وغيرها فلو نسب علم الخلائق كلهم من اولهم الى اخرهم الى علمه سبحانه. لم ينقص من علم الله الا كما ينقص العصفور اذا نقر في البحر كما قال ذلك الخضر لموسى صلى الله عليهما وسلم ومن كمال غناه انه قال على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم يا عبادي، لو ان اولكم واخركم وانسكم وجنكم ورطبكم ويابسكم. قاموا في صعيد فسألوني فاعطيت كل انسان مسألته ما نقص ذلك من ملكي الا كما ينقص المخيط اذا غمس في البحر رواه مسلم واذا اخبرنا الله عز وجل في كتابه او على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم عن غناه وسعة كرمه. فذلك يتضمن امرين احدهما ان نعرف ربنا بهذا الوصف العظيم فان معرفة الله اجل المطالب واعلى الرغائب والثاني حث منه لنا ان نزداد طمعا في فضله وكرمه. وان نسأله كل وقت جميع مطالبنا الدينية والدنيوية ولما بين في هذا الحديث سعة فضله ذكر فيه ايضا شمول عدله. وان القسط بيده الاخرى يخفض من يستحق الخفض ويرفع من يستحق الرفع بحسب الاسباب التي جعلها الله عز وجل موصلة الى كل من الامرين. وهو المحمود على رفعه وحكمته وضعه للاشياء مواضعها وتنزيله للامور منازلها اللائقة بها. ولهذا كان المسلمون كلهم يقولون ان تفضل وتكرم واحسن الى عباده فذلك من فضله. وان عذب وعاقب فان ذلك من عدله وما احسن ما قاله بعضهم ما للعباد عليه حق واجب. كلا ولا سعي لديه ضائع. ان عذبوا فبعدله او نعموا فبفضله وهو الكريم الواسع وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم وبيده الاخرى القسط ولم يقل اليسرى ولا الشمال بيان انه لا يوصف الا بالكمال ولا يستعمل لذلك الا احسن الالفاظ. ولهذا في بعض الفاظ هذا الحديث وكلتا يدي الرحمن يمين وعن ابي ذر رضي الله عنه انه قال رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم شاتين ينتطحان فقال اتدري في ينتطحان يا ابا ذر؟ قلت لا. قال لكن الله عز وجل يدري وسيحكم بينهما. رواه احمد. هذا الحديث مع الحديث في الصحيح وهو قوله صلى الله عليه وسلم ان الله عز وجل ليقتص للشاة الجماء من الشاة القرناء مع قوله تعالى واذا الوحوش حشرت على قول اكثر المفسرين تدل على ان الحيوانات غير المكلفين يحشرها الله عز وجل ويقتص في بعضها من بعض ليرى العباد كمال عدله حتى في الحيوانات العجم. ولا ينافي ذلك ان التكليف بالامر والنهي والشرائع خاص الثقلين الانس والجن لان هذا نوع خاص من القصاص في ظلم بعضها بعضا. والله تعالى جعل لها معرفة لمنافعها ومضارها فانه اعطى كل شيء خلقه. ثم هدى كل مخلوق الى ما خلق له. فهي تعرف ما ينفعها من مأكل ومشرب ووقاية من الاضراب والقوي فيها اذا اذى الضعيف منها عرف ظلمه في ذلك. وكما انه تعالى يجري عليها في الدنيا من التنعم والتألم اسباب الاضرار ما يجري مما هو مقتضى طبيعتها. ومقتضى حكمة الله عز وجل. فاي مانع يمنع من بعثها؟ وان يجري عليه فيها من الجزاء المؤقت ما يوافق العدل والحكمة ولهذا ورد انه بعدما يقتص لبعضها من بعض يقول لها كوني ترابا واما الجزاء عن التكاليف الشرعية التي جاءت بها الرسل. ونزلت بها الكتب والانتهاء الى دار القرار اما الجنة او النار دائما ابدا فذلك خاص بالمتقين كما تواترت به النصوص. واذا كانت هذه الحيوانات في الدنيا قد تكون عند من يكرمها ويدفع عنها الاجر وعند من هو بضد ذلك وذلك راجع الى حسن الملكة او الى سوءها. وهي لم تعمل من الظلم ما يوجب عقوبتها ولا من باحسان ما يوجب اكرامها في كثير من الاوقات بل اباحة الله عز وجل للانسان ذبحها. الذي هو اعظم الامها تقديما لمصلحة الانسان على مصلحتها. واباح له استعماله ما لها بالحمل والركوب والحرث وغيرها من الاعمال لهذا الغرض. فكيف لا يجازي ظالمها على ظلمه؟ هذا كله بيان ان ذلك موافق للحكمة وللواقع ليعرف بذلك حكمة الشارع مع انه يجب على العبد ان يخضع لكل ما ثبتت به نصوص الكتاب والسنة. سواء فهم حكمته او فهم بعضها او لم يفهمها فاننا نعرف من حيث العموم ان لله عز وجل الحكمة في كل شيء. وفي كل تدبير قدري وشرعي وجزائي. وهو المحمود على ذلك وانما قلت ذلك دفعا لقول من قال ان مثل هذه النصوص يراد بها التمثيل لبيان عدله. وان الواقع بخلاف ذلك هذا قول ينافي صريح النصوص. ولكن بعض الناس اذا انعقد في قلبه بعض الشبه حمل على النصوص بالتأويل والتحريف الباطل. والواجب ان تكون تابعة لما جاءت به الرسل مهتدية بشرائع الله واحكامه التي هي غاية في الكمال والحسن. ومن احسن من الله حكما قومي يوقنون والعقول لا تكمل ولا تهتدي بغير ما جاءت به الرسل انظر الى من طغوا بعقولهم وعلومهم. واستكبروا بها عما جاءت به الرسل. كيف كان حالهم؟ وكيف كانت لهم العواقب الوخيمة في الدنيا والاخرة. كما قال تعالى فلما جاءتهم رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم. وحاق بهم ما كانوا به يستهزؤون الاية وقال تعالى وجعلنا لهم سمعا وابصارا وافئدة فما اغنى عنهم سمعهم ولا ابصارهم ولا افئدتهم من شيء اذ كانوا يجحدون بايات الله وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون. ثم انظر الى ائمة الهدى ومصابيح الدجى لما تم اهتدائهم بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم كيف فضلوا جميع الخلق في عقولهم وعلومهم وهدايتهم واخلاقهم. وكيف كانت لهم العواقب الحميدة والاثار الجميلة والذكر الحسن مدى الاوقات. وفي هذا وهذا عبرة لاولي الالباب. وفي هذا الحديث بيان احاطة علم الباري بجميع المخلوقات جلائلها ودقائقها حتى انه يعلم الاسباب التي دعت الحيوانات الى تصرفاتها المتنوعة. فهو يعلم السر واخفى. ومن باب اولى واحرى اعلم تعالى ما صدرت عنه اعمال المكلفين من النيات الصالحة وغيرها. ولهذا يخبر سبحانه وتعالى في كتابه عند ذكر الجزاء والثواب والعقاب. باطلاعه وعلمه بذات الصدور. وبنيات العباد ومقاصدهم. وسيجازيهم على ذلك. ان خير فخير وان شرا فشر