يا ايها الذين امنوا لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لاخوانهم اذا ضربوا في الارض او كانوا لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم ويميت والله بما تعملون بصير. ينهى تعالى عباده المؤمنين ان يشابهوا الكافرين. الذين لا يؤمنون بربهم ولا بقضائه وقدره من المنافقين وغيرهم ينهاهم عن مشابهتهم في كل شيء. وفي هذا الامر الخاص وهو انهم يقولون لاخوانهم في الدين او في النسب اذا ضربوا في الارض اي سافروا للتجارة او كانوا غزا اي غزاة ثم جرى عليهم قتل او موت يعارضون القدر يقولون لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا. وهذا كذب منهم. فقد قال الله تعالى قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل الى مضاجعهم ولكن هذا التكذيب لم يفدهم الا ان الله يجعل هذا القول وهذه العقيدة حسرة في قلوبهم فتزداد مصيبتهم واما المؤمنون بالله فانهم يعلمون ان ذلك بقدر الله فيؤمنون ويسلمون فيهدي الله قلوبهم ويثبتها ويخفف ذلك عنهم المصيبة قال الله ردا عليهم والله يحيي ويميت اي هو المنفرد بذلك فلا يغني حذر عن قدر. والله بما تعملون فيجازيكم باعمالكم وتكذيبكم ثم اخبر تعالى ان القتل في سبيله او الموت فيه ليس فيه في نقص ولا محذور وانما هو مما ينبغي ان يتنافس فيه المتنافسون. لانه سبب مفض وموصل الى مغفرة الله ورحمته. وذلك خير مما يجمع اهل الدنيا من دنياهم. وعن ان الخلق ايضا اذا ماتوا او قتلوا باي حالة كانت. فانما مرجعهم الى الله ومآلهم اليه. فيجازي كلا بعمله. فاين الفرار الا الى الله وما للخلق عاصم الا الاعتصام بحبل الله لدفع ذلك. ولذلك اتى بصيغة يمتنع معها وجود الفعل منهم. فقال وما كان لنبي ان يغل. اي يمتنع ذلك ويستحيل على من اختارهم الله لنبوته ثم ذكر الوعيد على من غل فقال ومن يغلل يأتي بما غل يوم القيامة اي يأتي به حامله على ظهره الغليظ القلب ننفض من حولك. فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الامر. فاذا فتوكل على الله ان الله يحب المتوكلين. اي برحمة الله لك ولاصحابك من الله عليك النت لهم جانبك وخفضت لهم جناحك وترقدت عليهم وحسنت لهم خلقك فاجتمعوا عليك واحبوك وامتثلوا امرك ولو كنت الظن اي سيء الخلق غليظ القلب اي قاسية لانفضوا من حولك. لان هذا ينفرهم ويبغضهم لمن قام به هذا الخلق السيء. فالاخير اخلاق حسنة من الرئيس في الدين تجذب الناس الى دين الله وترغبهم فيه. مع مال صاحبه من المدح والثواب الخاص. والاخلاق السيئة من الرئيس في الدين تنفر الناس عن الدين وتبغضهم اليه. مع مال صاحبها من الذم والعقاب الخاص. فهذا الرسول المعصوم يقول الله له ما يقول فكيف بغيره اليس من اوجب الواجبات واهم المهمات الاقتداء باخلاقه الكريمة ومعاملة الناس بما يعاملهم به صلى الله عليه وسلم من اللين وحسن الخلق والتأليف. امتثالا لامر الله وجذبا لعباد الله لدين الله. ثم امره الله تعالى بان يعفو عنهم ما صدر منهم من التقصير في صلى الله عليه وسلم ويستغفر لهم في التقصير في حق الله في جمع بين العفو والاحسان. وشاورهم في الامر. اي الامور التي تحتاج الى استشارة ونظر وفكر فان في الاستشارة من الفوائد والمصالح الدينية والدنيوية ما لا يمكن حصره. منها ان المشاورة من العبادات المتقرب بها بها الى الله ومنها ان فيها تسبيحا لخواطرهم وازالة لما يصير في القلوب عند الحوادث فان من له الامر على الناس اذا جمع اهل الرأي فضل وشاورهم في حادثة من الحوادث اطمأنت نفوسهم واحبوه. وعلموا انه ليس بمستبد عليهم. وانما ينظر الى المصلحة الكلية العامة للجميع فبذلوا جهدهم ومقدورهم في طاعته. لعلمهم بسعيه في مصالح العموم بخلاف من ليس كذلك. فانهم لا يكادون يحبونه محبة ولا يطيعونه. وان اطاعوه فطاعة غير تامة. ومنها ان في الاستشارة تنور الافكار بسبب اعمالها فيما قطعت له فصار في ذلك زيادة للعقول. ومنها ما تنتجه الاستشارة من الرأي المصيب. فان المشاور لا يكاد يخطئ في فعله. وان اخطأ او لم يتم له مطلوب فليس بملوم فاذا كان الله يقول لرسوله صلى الله عليه وسلم وهو اكمل الناس عقلا واوزرهم علما رأيا وشاورهم في الامر فكيف بغيره؟ ثم قال الله تعالى فاذا عزمت اي على امر من الامور بعد الاستشارة فيه ان كان يحتاج الى استشارة فتوكل على الله. اي اعتمد على حول الله وقوته. متبرأ من حولك وقوتك. ان الله يحب المتوكلين عليه اللاجئين اليه وعلى الله فليتوكل المؤمنون اي ان يمددكم الله بنصر ومعونته فلا غالب لكم. فلو اجتمع عليكم من في اقطارها وما عنده من العدد والعدد. لان الله لا مغالب له. وقد قهر العباد واخذ نواصيهم فلا تتحرك دابة الا باذنه. ولا تسكن الا باذنه. وان يخذلكم ويكلكم الى انفسكم. فمن ذا الذي ينصركم من بعده فلا بد ان تنخذلوا ولو اعانكم جميع الخلق. وفي ضمن ذلك الامر بالاستنصال بالله والاعتماد عليه. والبراءة من الحول والقوة. ولهذا قال وعلى الله فليتوكل المؤمنون تقديم المعمول يؤذن بالحصر اي على الله توكلوا لا على غيره لانه قد علم انه هو الناصح وحدة فالاعتماد عليه توحيد محصن للمقصود. والاعتماد على غيره شرك غير نافع لصاحبه. بل ضار. وفي هذه الاية الامر بالتوكل على الله وحده وانه بحسب ايمان العبد يكون توكله. وما كان لنبي ان يغل ومن يغلل يأتي بما غل يوم القيامة. ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يبلغون كن الغلول هو الكتمان من الغنيمة. والخيانة في كل مال يتولاه الانسان. وهو محرم اجماعا. بل هو من الكبائر. كما تدل عليه هذه الاية الكريمة وغيرها من النصوص. فاخبر الله تعالى انهما ينبغي ولا يليق بنبي ان يغل. لان الغلول كما علمت من اعظم الذنوب وشر العيوب. وقد صان الله تعالى انبيائه عن كل ما يدنسهم ويقدح فيهم. وجعلهم افضل العالمين اخلاقا. واطهرهم نفوسا. وازكى واطيبهم ونزههم عن كل عيب. وجعلهم محل رسالته ومعدن حكمته. الله اعلم حيث يجعل رسالته. فبمجرد علم العبد للواحد منهم يجزم بسلامته من كل امر يقدح فيهم ولا يحتاج الى دليل على ما قيل فيه من اعدائهم. لان معرفته بنبوتهم حيوانا كان او متاعا او غير ذلك ليعذب به يوم القيامة. ثم توفى كل نفس ما كسبت. الغال وغيره كل يوفق فاجره ووزره على مقدار كسبه. وهم لا يظلمون. اي لا يزاد في سيئاتهم. ولا يهضمون شيئا من حسناتهم. وتأمل حسن هذا الاحتراز في هذه الاية الكريمة لما ذكر عقوبة الغال وانه يأتي يوم القيامة بما غل ولما اراد ان يذكر توفيته وجزاءه وكان الاقتصار على قال يوهم بالمفهوم ان غيره من انواع العاملين قد لا يوفون اتى بلفظ عام جامع له ولغيره فمن اتبع رضوان الله كمن باء بسخط من الله ومأواه جهنم وبئس المصير هم درجات عند الله والله بصير بما يعملون يخبر تعالى انه لا يستوي من كان قصده رضوان الله. والعمل على ما يرضيه. كمن ليس كذلك. ممن هو مكب على المعاصي. مسخط قل لربك هذان لا يستويان في حكم الله. وحكمة الله وفي فطر عباد الله. افمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون لهذا قال هنا هم درجات عند الله. اي كل هؤلاء متفاوتون في درجاتهم ومنازلهم. بحسب تفاوتهم في اعمالهم. فالمتبعون رضوان الله يسعون في نيل الدرجات العاليات والمنازل والغرفات. فيعطيهم الله من فضله وجوده على قدر اعمالهم. والمتبعون لمساخط الله يسعون في النزول في الدركات الى اسفل السافلين. كل على حسب عمله. والله تعالى بصير باعمالهم لا يخفى عليه منها شيء. بل قد علمها واثبتها في اللوح المحفوظ ووكل ملائكته الامناء الكرام ان يكتبوها ويحفظوها ويضبطونها اذ بعث فيهم رسولا من انفسهم يتلو يتلو عليهم ايات ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وان كانوا من قبل لفي ضلال مبين هذه المنة التي امتن الله بها على عباده. اكبر النعم بل اصلها وهي الامتنان عليهم بهذا الرسول الكريم. الذي انقذهم الله به من وعصمهم به من الهلكة فقال لقد من الله على المؤمنين اذ بعث فيهم رسولا من انفسهم يعرفون نسبه وحاله ولسانه من قومهم وقبيلتهم ناصحا لهم مشفقا عليهم يتلو عليهم اياته يعلمهم الفاظها ومعانيها. ويزكيهم من الشرك والمعاصي والرذائل وسائر مساوئ الاخلاق. ويعلمهم الكتاب اما جنس الكتاب الذي هو القرآن. فيكون قوله يتلو عليهم اياته المراد به الايات الكونية او المراد بالكتاب هنا الكتابة. فيكون قد امتن عليهم بتعليم الكتاب والكتابة. التي بها تدرك العلوم وتحفظ والحكمة هي السنة التي هي شقيقة القرآن. او وضع الاشياء مواضعها ومعرفة اسرار الشريعة. فجمع لهم بين تعليم الاحكام وما به تنفذ الاحكام وما به تدرك فوائدها وثمراتها. ففاقوا بهذه الامور العظيمة جميع المخلوقين. وكانوا من العلماء وان كانوا من قبل بعثة هذا الرسول لفي ضلال مبين. لا يعرفون الطريق الموصل الى ربهم ولا ما يزكي النفوس ويطهرها بل ما زين لهم جهلهم فعلوه. ولو ناقض ذلك عقول العالمين قل ومن عند انفسكم ان الله على كل شيء قدير. هذا تسلية من الله تعالى لعباده المؤمنين. حيث اصابهم ما اصابهم يوم احد وقتل منهم نحو سبعين. فقال الله انكم قد اصبتم من المشركين مثليها يوم بدر. فقتلتم سبعين من كبارهم واسرتم سبعين فليهن الامر ولتخف المصيبة عليكم مع انكم لا تستوون انتم وهم فان قتلاكم في الجنة وقتلاهم في النار. قلتم انى هذا اي من اين اصابنا ما اصابنا وهزمنا؟ قل هو من عند انفسكم حين تنازعتم وعصيتم من بعد ما اراكم ما تحبون. فعودوا على انفسكم باللوم واحذروا من الاسباب المرضية. ان الله على كل شيء قدير. فاياكم وسوء الظن بالله. فانه قادر على نصركم. ولكن له اتم الحكمة في ابتلائكم ومصيبتكم. ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم. ولكن ليبلو بعضكم ببعض. وما اصابكم يوم التقى الجمعان وليعلم المؤمنين وليعلم الذين نافقوا. وقيل لهم تعالوا قاتلون في سبيل الله او ادفعوا قالوا لو نعلم قتالا لاتبعناكم هم للكفر يومئذ اقرب منهم الايمان يقولون بافواههم ما ليس في قلوبهم والله اعلم بما يكتمون ثم اخبر ان ما اصابهم يوم التقى الجمعان جمع المسلمين وجمع المشركين في احد من القتل والهزيمة انه باذنه وقضائه وقدره لا مرد له ولابد من وقوعه. والامر القدري اذا نفذ لم يبق الا التسليم له. وانه قدره لحكم عظيمة وفوائد جسيمة. وانه تبين بذلك المؤمن من المنافق الذين لما امروا بالقتال وقيل لهم تعالوا قاتلوا في سبيل الله اي ذبا عن دين الله وحماية له وطلبا الله او ادفعوا عن محارمكم وبلدكم ان لم يكن لكم نية صالحة فابوا ذلك واعتذروا بان قالوا لو نعلم قتالا لاتبعناكم اي لو نعلم انكم يصير بينكم وبينهم قتال لاتبعناكم. وهم كذبة في هذا قد علموا وتيقنوا وعلم كل احد ان هؤلاء المشركين قد ملئوا من الحنق والغيظ على المؤمنين بما اصابوا منهم. وانهم قد بذلوا اموالهم وجمعوا ما يقدرون عليه من الرجال والعدد. واقبلوا في جيش عظيم قاصدين المؤمنين في بلدهم متحرقين على قتالهم. فمن كانت هذه حالهم كيف يتصور انهم لا يصير بينهم وبين المؤمنين قتال خصوصا وقد خرج المسلمون من المدينة وبرزوا لهم هذا من المستحيل. ولكن المنافقين ظنوا ان هذا العذر يروج على المؤمنين. قال الله تعالى هلا هم للكفر يومئذ اي في تلك الحال التي تركوا فيها الخروج مع المؤمنين اقرب منهم للايمان. يقولون بافواههم ما ليس في قلوبهم وهذه خاصة المنافقين. يظهرون بكلامهم وفعالهم ما يبطنون ضده في قلوبهم وسرائرهم. ومنه قولهم لو نعلم قتالا لاتبعنا معكم فانهم قد علموا وقوع القتال ويستدلوا بهذه الاية على قاعدة ارتكاب اخف المفسدتين لدفع اعلاهما وفعل ادنى المصلحة للعجز عن اعلاهما. لان المنافقين امروا ان يقاتلوا للدين. فان لم يفعلوا فللمدافعة عن العيال والاوطان. والله اعلم بما فيبديه لعباده المؤمنين ويعاقبهم عليه. ثم قال تعالى الذين قالوا لاخوانهم مقعدوا لو الف ادرأوا عن انفسكم الموت ان كنتم صادقين الذين قالوا لاخوانهم وقعدوا لو اطاعونا ما قتلوا. اي جمعوا بين التخلف عن الجهاد وبين الاعتراض والتكذيب بقضاء الله وقدره. قال الله عليهم قل فادرأوا اي ادفعوا عن انفسكم الموت. ان كنتم صادقين انهم لو اطاعوكم ما قتلوا لا تقدرون على ذلك ولا تستطيعون هنا وفي هذه الايات دليل على ان العبد قد يكون فيه خصلة كفر وخصلة ايمان. وقد يكون الى احدهما اقرب منه الى الاخرى