من عذاب شديد. اخبر تعالى انه انزل القرآن على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم في وقت تراكم فيه الجهل والظلم. والظلمات وانواع الشرور. ليخرج الناس به من هذه الظلمات لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الارض. وما لهم فيهما من شرك. وما له منهم من ظهير ولا تنفع الشفاعة عنده الا لمن اذن له. فنبه العقول على امر تعرفه يدعو من دون الله من لا يستجيب له الى يوم القيامة. وهم عن دعائهم غافلون اذا حشر الناس كانوا لهم اعداء وكانوا بعبادتهم كافرين. وكذلك قوله تعالى ما اتخذ الله ولد وما كان معه من اله. اذا لذهب كل اله بما خلق. ولعلى بعضهم على بعض. سبحان الله عما يصفون. كما نبه على تفرده بالخلق والربوبية والوحدانية بقوله ام خلقوا من غير شيء ام هم الخالقون؟ ام خلقوا السماوات والارض بل لا يوقنون. وكما نبه على المعادن الاول وخلقه السماوات والارض التي هي اكبر من خلق الناس. وباحياء الله الارض بعد موتها. وكما ويرشد العباد اليه. فصل. وقال تعالى لقد ارسلنا رسلنا بالبينات وانزلنا معهم الكتاب والميزان. ليقوم الناس بالقسط. وانزلنا الحديد فيه بأس شديد وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب. ان الله قوي عزيز ولا تنكروا. وهو ان كل ما عبد من دونه ليس له ملك ولا شركة في الملك. ولا مظاهرة ولا شفاعة اذا انتفت هذه الامور الاربعة ثبت بطلان عبادة من سوى الله. وكذلك قوله تعالى ومن اضل ممن فان تصديقها واعتقاد مخبرها من اكبر مغذيات الايمان. وتأمل ثانيا هل في خبر الله وخبر رسوله شيء يخالف الحس والواقع والعقل الصحيح؟ ام تجد هذه الامور من اكبر الشواهد على تحقيق خبر الله ورسوله اختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر. والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما انزل الله من السماء ماء فاحيا به الارض فاحيا به الارض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح في تقدم ورقي مضطرد في اصلاح الدين وفي اصلاح الدنيا. المعينة على الدين. كما قال صلى الله عليه وسلم احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز. وكم في كتاب الله وسنة الرسول من الامر بكل عمل نافع والحث على التقدم المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله الدلائل القرآنية في ان العلوم والاعمال النافعة العصرية داخلة في الدين الاسلامي. مقدمة الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب اليه. ونعوذ بالله من شرور انفسنا وسيئات اعمالنا من يهد الله فلا مضل له. ومن يضلل فلا هادي له. واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له. واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم تسليما. اما بعد فهذه رسالة تتضمن البراهين القواطع الدالة على ان الدين الاسلامي وعلومه واعماله وتوجيهاته جمعت كل خير ورحمة وهداية وصلاح واصلاح مطلق لجميع الاحوال. وان العلوم الكونية والفنون العصرية الصحيحة النافعة داخلة في ضمن علوم الدين واعماله ليست منافية لها كما زعم الجاهلون والماديون. ولجاءت الفنون العصرية النافعة بشيء جديد كما ظنه الجاهلون او المتجاهلون. بل النافع منها للدين والدين دنيا وللجماعات والافراد داخل في الدين. والدين قد دل عليه وارشد الخلق اليه. والى كل امر نافع الى ان تقوم الساعة وبيان ان الفنون العصرية اذا لم تبنى على الدين وتربط به فضررها اكثر من نفعها وشرها اكبر من خيرها. ولكن هذا الاصل الكبير يحتاج الى امرين. احدهما معرفة ما دل عليه الكتاب الكتاب والسنة اجمالا وتفصيلا. والثاني والثاني معرفة بالامور الواقعة والحقائق الصحيحة. التي يعرفها ويعترف بها العقلاء المنصفون. فمتى عرف الانسان الامرين عرف انه لا يشد عن علوم الدين الاسلامي واعماله وفنونه شيء فيه خير وصلاح اصلا. واستدل العارف بكل من الامرين على الاخر وعرف ان النقص بالاخلال بهما او باحدهما. ومتى عرفت الاصول الكلية ردت اليها الجزئيات ومتى تكلم متكلم بشيء من الجزئيات قبل ان يعرف الكليات حصل الغلط الفاحش وقامت الشبهة التي لا تروج الا على الجاهلين. او يروجها المعاندون. فصل. قال الله تعالى والله يقول حق وهو يهدي السبيل. فهذه الاية الكريمة صرحت بان الله تعالى يقول الحق وهو الصدق واليقين في اخباره والعدل والحكمة في اوامره ونواهيه. فكل ما اخبر به فهو حق وصدق ونافع للعباد في اصلاح عقائدهم واخلاقهم ودينهم ودنياهم. وكل ما امر به فهو بر وخير واحسان ونفع وبركة. وكل ما نهى عنه فهو شر وضرر وفساد. لا فرق في هذا بين الامور الدينية والدنيوية. وشريعة الاسلام كلها تفصيل لهذا الامر العظيم. الذي ذكره الله في هذه الاية وغيرها. ثم قال وهو يهدي السبيل وهو الطريق الموصل الى الحق الذي يقوله ويحكم به. فتكفل الله لعباده انه لابد ان يبين لهم هذا الحق حقا نافع بالادلة الواضحة العقلية والنقلية. كما قال في الاية الاخرى سنريهم اياتنا في حتى يتبين لهم انه الحق. فانه تعالى لما اخبر بتوحيده وتفرده في كمال المطلق من جميع الوجوه. وامر بعبادته وحده لا شريك له. واخلاص الدين له. وان قوله حق ووعده ووعيده حق ورسوله وكتابه حق. اخبر انه لابد ان يريهم من الايات في انفسهم وفي الافاق ما يتبين لهم انه الحق وان ما سواه باطل. فالايات الافقية الكونية والايات كلها تحقق هذه الاصول العظيمة. ويعرف بها ان الله هو الحق. وقوله وكتابه ودينه انه حق. فالايات الافقية مثل قوله تعالى ان في خلق السماوات والارض واختلاف الليل النهاري لايات لاولي الالباب. الايات. وفي قوله تعالى ان في خلق السماوات والارض وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والارض لايات لقوم يعقلون وايات كثيرة يخبر فيها عن احوال الكون. وانه ايات وادلة على وحدانية الله وصدقه وصدق رسله. فالذي اوجد هذه المخلوقات العظيمة بهذه الاوصاف البديعة. وعلى هذا النظام العجيب والخلق الكامل والاحكام والحسن هو المتفرد بالربوبية والالهية واسع الرحمة والحكمة. وهو الذي احاط بكل شيء علما ومن كان هذا شأنه فهو الذي يجب ان يعبد وحده لا شريك له. ويشكر ويذكر لما له من عميم الاحسان وسوابغ النعم. وما فيها من عظيم الخلق دال على كمال قدرته وعظمة سلطانه. وما فيها فمن النظام البديع الحسن والخلق وما فيها من النظام البديع الحسن والخلق الكامل دال على شمول حكمته وحمده وما فيها من التخصيصات المتنوعة. دال على نفوذ مشيئته وارادته. وما فيها من المنافع والمصالح للعباد التي لا يمكن احصاؤها ولا تعداد اجناسها فضلا عن انواعها فضلا عن افرادها دليل على سعة رحمته وعموم فضله وكرمه وجوده واحسانه. وكل ذلك دليل على وجوب عبادته اخلاص العمل له. وان الذي اوجد هذه المخلوقات العظيمة قادر على ان يحيي الموتى. وهو على كل شيء قدير واما الايات النفسية فان الله قال وفي انفسكم افلا تبصرون. وقال اولم يرى انا خلقناه من نطفة فاذا هو خصيم مبين. وقال سبحانه فلينظر مما خلق. خلق مما ان دافق. ونحوها من الايات التي ينبه الله فيها الانسان على التأمل والنظر في ابتداء خلقه وتطوره. وكيف تنقلت به الاحوال من النطفة الى انصار انسان كاملا في بدنه وفي عقله. وكيف احسن الله خلقه ونظمه هذا النظام العجيب. فوضع فيه كل عضو يحتاج اليه في منافعه كلها. ووضع كل عضو في محله اللائق به. الذي لا يحسن ولا يليق وان يوضع الا في محله. ثم ليتأمل في غذاءه وما اودع الله فيه من قوة الشهوة للطعام والشراب وثوانيه وما وضع فيه من الالات المعينة على الاكل والشرب. وما اودع فيه من الحرارة العظيمة التي تطبخ والاطعمة الغليظة والخفيفة ثم تنفذها الى جميع اجزاء البدن. فيأتي كل عضو وحاسة حظها ونصيبها من الغذاء الذي لولاه لتلاشى الانسان وهلك. وجعل الله لثقل الاغذية وما لا ينفع في الغذاء مجاريه تندفع اليها وتخرج من البدن. لان لا تبقى فيه فتضره او تهلكه. ثم لينظر الانسان ما ووضع الله فيه من العقل الذي يتميز به عن الحيوانات كلها. وهدى الله فيه الانسان الى هدايات دينية ودنيوية. لا يمكن عدها ولا احصاؤها. وكما هداه بالعقل الى الانقياد لعلوم الرسل واديانهم هداه به الى تسخير المواد الكونية والمعادن والمخترعات والصناعات التي لا تزال تتجدد كل وقت وقد اخبر الله تعالى انه سخر لنا جميع ما في السماوات والارض. ننتفع باياتها تخرج منافعها وكنوزها. ونشكره على ذلك التسخير والهداية والنعم. التي لولا فضله وكرمه لم يحصل منها شيء. ومن اياته الافقية النفسية اخباره تعالى انه سخر للانسان جميعا ما في السماوات والارض ومعادن الكون وعناصره. ثم اخباره بانه اخرجه من بطن امه لا يعرف شيئا وجعل له السمع والبصر والفؤاد والات العلم. وعلمه ما لم يكن يعلم. فحمل هذا التسخير وبهذا التعليم من فنون العلم وفنون المخترعات الباهرة. ما هو مشاهد معلوم ترقت به قناعات وتوسعت به المخترعات. وتنوعت به المنافع وتقاربت به الاقطار الشاسعة تخاطب به اهل المشارق والمغارب. اما يدل ذلك دلالة قاطعة على كمال قدرة الله وصدق ما به من الغيوب التي كان المكذبون ينكرونها. استبعادا لها وقياسا منهم لقدرة من يقول للشيء كن سيكون على قدرة الادمي الضعيف في علمه وفي قدرته وفي احواله كلها. فاراهم الله من اثار قدرته على يد هذا الادمي ما دلهم على كمال قدرة خالقه ومعلمه. وعلى وحدانيته وصدق رسله وهو لا يزال يريهم اياته شيئا فشيئا في الافاق وفي انفسهم. فانتفع بذلك الذين يريدون ان الحق واتباعه وقامت الحجة البالغة على المعاندين المكابرين. وصار علمهم وبالا عليهم اذ كبروا به وامتلأوا غرورا وباطنا. فالله الذي خلق الانسان واعده وامده بكل وسيلة يدرك بها وظاهر وباطن من نتائجه وثمراته. ولذلك تمت به النعمة على المؤمنين. وحصل به الخير المنوع على جميع العالمين. والحمد لله الذي تفضل به على العباد. وجعله هدى ورحمة في مصالح العلوم النافعة والفنون المتنوعة الدينية والدنيوية. وربط هذا بهذا. فامر بالقيام بالدين اعانتي بهذه الوسائل على قيام الدين والدنيا. قال تعالى يا ايها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا. وامر المؤمنين بما امر به المرسلين فقال يا ايها الذين امنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله ان كنتم اياه تعبدون. وقال تعالى كل من حرم زينة الله التي اخرج لعباده والطيبات من الرزق. قل هي للذين امنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة. فالمؤمنون تمت عليهم النعمة في الدنيا والاخرة. واستعانوا بالطيبات واصناف المنافع التي لا تعد ولا تحصى على عبادة الله وطاعته. وصار اشتغالهم بهذه المنافع التي يتوسل بها الى اصلاح الدين والدنيا عبادة من العبادات وقربة من القربات. واما من سواهم من الماديين والضالين الغافلين فانهم عرفوا ظاهرا من الحياة الدنيا. وهم عن الاخرة غافلون واشتغلوا بالدنيا عن الدين. ونسوا الله فانساهم انفسهم. وانساهم مصالحها. فتمتعوا في تمتع الانعام السائمة. فخسروا الدنيا والاخرة. ان ذلك هو الخسران المبين. فانقطعوا بالاسباب عن مسببها وانقطعت صلتهم بالله. حين قام الكبر في قلوبهم. كما قال الله عنهم ان الذين يجادلون في ايات الله بغير سلطان اتاهم ان في صدورهم الا كبر ها هم ببالغيه. فاستعذ بالله انه هو السميع البصير. استعذ بالله من هذا الكبر الذي حال بين الانسان وبين سعادته. فلما جاءتهم رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون. فصل. واذا فكر العبد في قوته طعامه وشرابه كيف يدخل من مدخل واحد ويستقر في موضع واحد وهو المعدة. فيقيض الله له في ذلك الموضع من الحرارة والاسباب الاخر ما ينضجه ويتميز جوهره وصافيه ونافعه. فيتفرق في جميع اجزاء البدن لتغذيتها وتنميتها. وما يبقى من الثقل جعل الله مخارج يخرج منها الا يبقى فيضر ويقتل. ولا يزال هذا المعمل العظيم يعمل عمله باذن الله. ويؤدي مهماته فهل هذا من مقتضى الطبيعة والمصادفة كما يقول الماديون؟ ام هذا تقدير العزيز العليم؟ الذي احسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الانسان من طين. ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين. ثم ما هو نفخ فيه من روحه وجعل له السمع والابصار والافئدة. فتبارك الله احسن الخالقين. وقد نبه الله على البعث بالتفكر في اطوار الانسان وتنقلاته. فقال يا ايها الناس ان كنتم في ريب من البعث فانا خلقناكم من تراب. ثم من نطفة ثم من علقة من مضغة مخلقة وغير مخلقة. لنبين لكم ونقر في الارحام ما نشاء الى اجل مسمى. ثم نخرجكم طفلا. ثم لتبلغوا اشدكم. ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد الى ارذل العمر. لكي لا يعلم من بعد علم شيئا. وترى الارض هامئة ايه ده! فاذا انزلنا عليها الماء اهتزت وربت. وانبتت من كل زوج بهيج ذلك بان الله هو الحق. وانه يحيي الموتى. وانه على كل شيء قدير وان الساعة اتية لا ريب فيها. وان الله يبعث من في القبور. فجعل على الله تنقل الانسان في هذه الاطوار. واحياءه الارض بعد موتها. دليلا وبرهانا على هذه الامور خمسة التي يتميز بها المؤمنون ويثبتونها تصديقا لله ولرسوله واستدلالا بهذه براهين العقلية والحسية. فصل قال الله تعالى وما بكم من نعمة فمن الله ثم اذا مسكم الضر فاليه تجأرون. وعدد الله على العباد في كتابه اصناف النعم واجلها وقال يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها واكثرهم الكافرون. فالنعم الظاهرة والباطنة كلها من الله. الحاصلة بغير سبب منهم. والحاصلة بالاسباب التي هداهم اليها ويسرها لهم وهو الذي اوجدها واوجد اسبابها ووسائلها. وذلك شامل لنعم الدين ونعم الدنيا علوم الكون وفنونه كلها من نعمه وتيسيره. وهو الذي علم الانسان ما لم يعلم. واقدره على ما لم يقدر عليه لولا اقداره. فعليه ان يشكره على ذلك كله. ومن الشكر اعترافه انها من الله. ومن تيسيره. والاستعانة بها على ما خلق العبد له. فصل. قال الله تعالى بسم الله الرحمن الرحيم. الف كتاب انزلناه اليك لتخرجن الناس من الظلمات الى النور. لتخرج الناس من الظلمات الى النور باذن ربهم الى الى صراط العزيز الحميد. الله الذي له ما في السماوات وما في الارض. وويل للكافرين ذات المتراكمة. فيعلمهم ما لم يكونوا يعلمون. ويحرك عزائمهم ويثير هممهم وحواسهم الى الخير والى الايمان به وبرسله وطاعته وطاعة رسوله. فتستنير معارفهم وتتضح طريقهم ويستقيم وتتم لهم بذلك الخيرات وتندفع عنهم الشرور والمضرات. فمن تلقى هذا الكتاب الذي هو اكبر النعم بفهم وقبول وانقياد لاوامره. وارشاداته المتفرعة المصلحة للدين والدنيا فقد استقام على الصراط المستقيم. ومن اعرض عنه او عارضه فهو الكافر الذي فسدت احواله. وويل للكافرين من عذاب شديد. فانه لم يكن كفرهم عن اشتباه وخفاء للحق. او اتباع طريق هدى. بل كفرهم صدر عن رغبة في الترف وحب الدنيا الذي صدهم عن الهدى والحق. فاستحبوا الحياة الدنيا على الاخرة اولئك في ضلال بعيد. واي ضلال اعظم من ضلال من اثر الهوى على الهدى. والشقاء على السعادة والشر على الخير. وقال تعالى ان في ذلك لذكرى لمن كان له قلب او السمع وهو شهيد. وذلك ان العقل وحده لا يستقل بمعرفة الله. ولا يعرف عبادته وتفاصيلها ولا تفاصيل اليوم الاخر. حتى يهتدي بنور الوحي الذي اوحاه الله الى رسوله. ويكون له قلب يجعل الافكار والتصورات ايرادات وهمما تحث صاحبها على اختيار النافع على الضار الخير على الشر والهدى على الضلال والاخلاق الجميلة على ضدها. فالقلب الحي اذا نظر في الوحي وتأمل ما جاء به الرسل من الحق في عقائده واخلاقه واعماله لم يؤثر على ذلك شيئا. فانه يعلم اعلم انه ليس بعد الحق الا الضلال. فالتصورات والعلوم وحدها بلا قلب يتطلع الى الخير والحق لا تكفي وحدها بل قد يكون ضررها كثيرا لخلوها عن الايمان وخلوها عن التوجيهات الصحيحة ولتكبر اهلها بها كما قال الله تعالى عن امثال هؤلاء وجعلنا لهم سمعا وابصارا ايه ده! فما اغنى عنهم سمعهم ولا ابصارهم. ولا افئدتهم من شيء. اذ كانوا بايات الله وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون. فجحدهم لايات الله واستكبار دارهم عنها واستهزاؤهم بها واحتقارهم لاهلها. او جبلهم فقد الانتفاع باسماعهم وابصارهم افئدتهم. فلم يزل هذا دأبهم حتى حق عليهم العقاب. فانظر كيف كانت علومهم التي لم تبنى على الايمان وانما هي علوم جافة منحرفة صارت سببا لمعارضتهم الرسل. وبقائهم على ما هو عليه من الكفر والتكذيب بالحق. فنعوذ بالله من علم لا ينفع. فصل. وقال الله تعالى قال ربنا الذي اعطى كل شيء خلقه ثم هدى. اي اعطى كل مخلوق خلقته اللائقة به المناسبة لحاله. ثم بعد هذا الخلق هدى كل مخلوق لما خلق له. وهذا يشمل انواع هدايات كلها. فالحيوانات غير الانسان هدى كل صنف منها الى ما يناسبها مما لا تتم حياتها الحيوية الا به من حيث المنافع الخاصة ودفع المضارب عن نفسها. واما الانسان فهداه الله هذه الهداية واختصه بهدايات اخر. استكمل بها دينه ودنياه. اذا استعملها كلها. واما اذا استعملها في غير ما خلقت له فهذا قد استحب واختار العمى على الهدى. كما قال تعالى واما ثمود فهديناهم يستحب العمى على الهدى. وبهذه الهداية الخاصة بالانسان. سخر له جميع ما وصلت اليه قدرته من يوم الكون وهذه الهداية تشمل الهداية المجملة والمفصلة في علوم الشرع واعماله. وفي علوم الكون واعماله فعلمه العلوم الشرعية وهداه الى معرفتها ثم الى العمل بها. وعلمه علوم الكون ثم يسر له سبلها فسلكها. وكل احد اعطاه من هذه الامور ما هو اللائق به. وما تقتضيه حكمته التي منك منها ان عرف الامور النافعة وحرص عليها وعلى اتباع الحق واستعان الله عليها يسرها عليه. وفتح عليه اليه منها بحسب حاله وقوته وكفاءته. كما قال صلى الله عليه وسلم احرص على ما ينفعك استعن بالله ولا تعجز. وهذا الحديث في الصحيح. فقوله احرص على ما ينفعك. دخلت فيه الامور دينية والدنيوية. فمن حرص عليها واجتهد في تحصيلها. وسلك الطرق الموصلة اليها. استعان الله عليها تم له ما اراد. ومن لم يحرص على الامور النافعة او لم يستعن بالله في تحصيلها خاب وخسر وقد اخبر الله في عدة ايات ان القرآن هدى للناس. وانه يهدي الى الحق والى طريق مستقيم. ويهدي للتي هي اقوم. فكل امر فيه خير وصلاح ونفع. فالقرآن يهدي اليه فاخبر تعالى انه ارسل الرسل لهداية الخلق وايدهم بالايات البينات المبينة للحقائق الدالة على صدقهم. وحقيقة ما جاءوا به. وانزل معهم الكتاب الذي فيه الهدى والرحمة. وانزل ايضا الميزان الذي هو العدل وما يعرف به العدل من اصول العدل وفروعه. وذلك ليقوم الناس بالقسط اذا عملوا بها في عقائدهم واخلاقهم واعمالهم وسلوكهم وجميع امورهم. فمتى بما انزله الله من الكتاب والميزان صلحت منهم هذه الامور واستقامت احوالهم. واخبر تعالى انه انزل الحديد فيه بأس شديد. ومنافع للناس. فقص منافعه في امور الحرب. ثم عممها في سائر الامور. فالحديد انزله الله بهذه المنافع الضرورية والكمالية. الخاصة والعامة. فجميع الاشياء الا النادر منها تحتاج الى الحديد. فقد ساقها الله في سياق الامتنان على العباد بها. ومقتضى ذلك الامر استخراج هذه المنافع بكل وسيلة. وذلك يقتضي تعلم الفنون العسكرية والحربية وصناعة الاسلحة وتوابعها. والمراكب البحرية والبرية والهوائية. وغير ذلك مما ينتفع به العباد في دينهم ودنياهم. كما قال تعالى واعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم. وقال تعالى وخذوا حذركم. فهذا يتناول الامر باعداد المستطاع من القوة العقلية والسياسية والمادية والمعنوية. واخذ الحذر من الاعداء بكل وسيلة وبكل طريق. فجميع الصناعات الدقيقة والجليلة والمخترعات والاسلحة والتحصنات داخلة في في هذا العموم فهذا الدين الاسلامي يحث على الرقي الصحيح والقوة من جميع الوجوه عكس ما افتراه انه مخدر مفتر. وهم يعلمون كذبهم وافتراءهم عنه. ولكن هذه المباهتات والافتراءات سهلت عليهم وظنوا من جهلهم انها تروج على العقلاء. وكل عاقل يعلم كذبهم وافتراءهم. وانما اغتر بهم الجاهلون الضالون. الذين لا يعرفون عن الاسلام لا قليلا ولا كثيرا. بل يصور لهم هؤلاء اعداء الاسلام بصور شنيعة ليروجوا ما يقولونه من الباطل. والا فمن عرف الاسلام معرفة صحيحة عرف انه لا يستقيم امور البشر دينها ودنيويها الا به. وان تعاليمه الحكيمة اكبر برهان على انه تنزيل من حكيم حميد. عالم بالغيب والشهادة رحيم بعباده. حيث شرع له هذا الدين الذي قال فيه رسولا من انفسهم يتلو عليهم اياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة. وان كان من قبل لفي ضلال مبين. اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي رضيت لكم الاسلام دينا. وقال تعالى ان الدين عند الله الاسلام. وقال الاسلام دينا فلن يقبل منه. وقال تعالى ومن احسن من الله حكما لقوم يوقنون. وقال في وصف النبي محمد صلى الله عليه وسلم ووصف ما جاء به من الدين الذين يتبعون الرسول النبي الامي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والانجيل. يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر. ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم اصرهم والاغلال التي كانت عليهم. فالذين امنوا به حزروه ونصروه. واتبعوا النور الذي انزل معه اولئك هم المفلحون. فاخبر انه لم معروف عقلا وشرعا الا امر به. ولا منكر الا نهى عنه. ولا طيب نافع الا احله ولا خبيث ضار الا نهى عنه. وانه مع ذلك سهل ميسر قد وضعت عن اهله الاثار والاغلال المشاق وان من التزمه وامن به واتبع النور الذي انزل معه فهو المفلح في دينه ودنياه والفلاح هو الفوز بكل مطلوب مرغوب. والنجاة من كل هلاك ومرهوب. لانه يهدي للتي هي ومؤمن الاخلاق والاعمال وصالح الاحوال. وقال تعالى وقل جاء الحق وزهق الباطل ان الباطل كان زهوقا. فالحق هو ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم في اصول الدين وفروعه وفي امور الدين والدنيا. والباطل ما خالفه وناقضه. فكل ما خالف الدين الاسلامي فهو باطل لا يثبت للحق عند المقابلة. وانما يروج اذا غاب الحق عنه عند الجهال بدين الاسلام والا فمتى عرف الدين الاسلامي على ما هو عليه فان اهل العقول الوافية والالباب الصافية لا يبث به بدلا ولا يختارون عليه سواه. لانه يدعو الى سعادة الدنيا والدين. فيجمع بين السعادة فهؤلاء يقولون ربنا اتنا في الدنيا حسنة وفي الاخرة حسنة وقنا عذابا النار. وهم الذين وصفهم الله بقوله من عمل صالحا من ذكر او انثى وهو مؤمن في المعاش والمعاد. وصلى الله على محمد وعلى اله وصحبه وسلم تسليما. كتبه الفقير الى الله الرحمن الناصر بن سعدي في عشر من محرم سنة خمس وسبعين وثلاثمائة والف من الهجرة فلنحينه حياة طيبة. ولنجزينهم اجرهم باحسن ما كانوا يعملون. وقال وعد الله الذين امنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الارض. كما استخلف الذين من قبلهم ولا يمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم ولا يبدلنهم من بعد خوفهم امنا دونني لا يشركون بي شيئا. وهم حين قاموا بالايمان والعمل الصالح الذي يشمل شرائع الدين كلها انجز لهم ما وعدهم من في الارض والتمكين والعز والكمال. وحين قصروا في ذلك بتسلط الاعداء. فكان هذا العز اذ قاموا بدينهم. وهذا الذل الذي اصابهم حين ضيعوه اكبر برهان على ان الدين هو الحق. وانه مدار السعادة والفوز في الدنيا والاخرة. وان الشقاء والخذلان بتضييق واما ما حصل لاعدائه من عز مؤقت على وجه الاستدراج. فكما قال الله تعالى لا يغرن هناك تقلب الذين كفروا في البلاد متاع قليل. ثم مأواهم جهنم وبئس المهام وقال فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم ابواب كل شيء. حتى اذا فرحوا بما اخذناهم بغتة فاذا هم مبلسون. فقطع دابر القوم الذين ظلموا. والحمد لله رب العالمين. فصل وقد امر الله بالتفكير والتدبر في السماوات والارض. وما خلق الله من شيء وحث على استعمال الفكر في اياته المخلوقة. وفي اياته القرآنية. اولم ينظروا في السماوات والارض وما خلق الله من شيء. وقال سبحانه قل سيروا في الارض انظروا كيف كان عاقبة الذين من قبل. فقال كتاب انزلناه اليك مبارك لي يتدبروا اياته وليتذكر اولوا الالباب. وقد امر باستعمال العقل والفكر في اياته المخلوقة وفي اياته المتلوة ليدرك العبد بعقده ما في المخلوقات من المنافع والايات. فيفقهها استعملها وينتفع بها بحسب احوالها. واخبر انها ايات لقوم يؤمنون. ولقومي يعقلون ولقومي يوقنون فاهل الايمان والعقل الصحيح واليقين الصادق تفكروا فيها وانتفعوا وارتفعوا في الدنيا والاخرة. وما تغني الايات والنذر عن قوم لا يؤمنون. فالذين لا ينتفعون بايات الله اما رجل في غاية الجهل والضلال قد حرم نعمة العقل والفهم. واما رجل معاند مكابر قد غره عقله وذكاؤه وتكبر عن ايات الله. فالعاقل الموفق كلما تفكر في الكون وفهم اسراره وحكمه امتلأ قلبه ايمانا ويقينا. وقال سبحان الله عن ان يخلق شيئا عبثا او سدى وسبحانه ان تكون افعاله البديعة خالية من الحكم والغايات الحميدة. وسبحان من خلق هذا الكون العجيب محكمة في نظامه واكتساقه وارتباط بعضه ببعض ما بين ارضه وسمائه وانسانه وحيوانه ونباته فعرف ان خالقها ومدبرها رب واحد واله واحد. فتوجه اليه بالايمان والاعتراف الشكر والطاعة. وخضع لحكمته وعظمته وسلطانه. ولم يكن ككثير ممن انقطعوا بالمخلوقات عن خالقها. وبالمسببات عن مسببها. ولم ينفذوا في علمهم من السبب الى المسبب. ومن الخلق الى الخالق كحالة اكبر الماديين القاصرين في علمهم وعقلهم. والعاقل يحمد الله على العافية من هذا الداء العضال الذي هلك فيه كثير من الخلق. فصل قال الله تعالى وشاورهم في فاذا عزمت فتوكل على الله. وقال عن المؤمنين وامرهم شورى بينهم. وهذا الامر الذي امر الله نبيه فيه بالمشاورة واخبر عن المؤمنين انهم يتشاورون فيه يشمل جميع الامور الدينية والدنيوية المتعلقة بهم وبغيرهم. فدل ذلك على ان الامور التي توضحت مصلحتها ومنفعتها تتعين المبادرة الى فعلها. وما وضحت مضرته يتعين البعد عنه. وما اشتبه منها يستعينون عليه بالمشاورة والمراودة. حتى يتضح فيه الصواب ويتبين فيه النفع او الضرر ولا يستريب عاقل ان هذا الاصل العظيم الذي امر الله به ومدحه وهو المشاورة في الامور هو السبيل صلاح الاحوال كلها. وانه كما تدخل فيه العلوم والاعمال الشرعية. فكذلك العلوم والاعمال المادية كما يدخل فيه امور الافراد يدخل فيه امور الجماعات. وفوائد المشاورة الضرورية والكمالية لا تعد ولا تحصى. وتوقف كثير من الامور عليها امر معلوم لكل احد. وكل امر من الامور يشاور فيه اهله واهل الخبرة به والمعرفة والقوة عليه. وقال تعالى وانك لتدعوهم الى صراط مستقيم. وان الذين لا يؤمنون بالاخرة عن الصراط لناكبون. وقال سبحانه وانك الى صراط مستقيم. والصراط المستقيم الذي يدعو اليه الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ويدعو اليه هذا القرآن العظيم. هو الطريق المعتدل الذي يتضمن استقامة العقائد والاخلاق الاعمال المصلحة للدين والدنيا والامة. وهي تتضمن العلوم والاعمال الشرعية والكونية لان جميعها لا تتم الاستقامة الا بها. وامور المادة وحدها لا تغني شيئا وضررها اكبر من نفعها ولهذا قال تعالى وان الذين لا يؤمنون بالاخرة عن الصراط لناكبون. فصل اذا اردت ان تعرف ضلال الملحدين الماديين الذين يقولون وجدت الموجودات والحوادث مصادفة بلا خالق خلقها ولا مبتدع احدثها. وانه مع ضلالهم المبين في حمق وجنون. لا يخفى الا على من ليس له عقل ولا سمع ولا بصر. اذا اردت ان تعرف ذلك منهم. وتعرف ان الامور كلها بخلق الله وتقديره وتدبيره فانظر الى هذا العالم العظيم. شمسه وقمره وكواكبه وارضه وما فيها من الحوادث. وتأملوا ما لها ببصرك وبصيرتك؟ تجدها كلها في غاية الحسن والاحكام. والنظام البديع الدال دلالة قاطعة على ان خالقها واحد احد. فرد صمد حكيم عليم. وانه على كل شيء قدير. وان العقول والالباب لتحار اذا توجهت الى حكمته وبديع نظامه في بعض مخلوقاته فضلا عن جميعها فتبارك الذي احسن كل شيء خلقه وقدره تقديرا. انظر الى الشمس والقمر ومقدار بعدهما من الارض وانهما لو قربتا من الارض زيادة عن هذا الواقع او بعدتا كذلك لحدث الضرر الكثير في الابدان والنباتات وجميع ما على وجه الارض. وانظر الى ما يترتب على سيرهما من تعاقب الفصول الاربعة المضطر اليها الانسان والحيوان والنبات. وما فيها من منافع الضوء والانضاج والمنافع الاخر. وانظر الى وما فيها من العبر العظيمة. وكيف وضع كل عضو في موضعه اللائق به بحيث لو وضع في غيره لتشوهت الخلقة وفاتت المنفعة. وكذلك جميع الحيوانات بهذا الوصف. فهل يتصور ان يكون ذلك مصادفة بلا خلف خالق خلقها ولا مبتدع ابتدعها. ان تناسب عناصر الحياة وانها كلها بوزن ومقدار. لو زاد او نقص لاختلت الحياة. لاكبر دليل على توحيد الباري. وعلى ابطال مذهب الماديين. وان الذي اوجد الحياة في الاشياء الحية وجعل من اثارها ما جعل له على كل شيء قدير. ومن الى الحيوانات الكبار والصغار والهام الله لها كل ما تحتاجه. وتحيلها على مصالحها وما اعطاه من الفطنة والذكاء. والاعمال العجيبة التي يعجز عنها الانسان. عرف بذلك ان هذا لا يصدر الا من هاني من اعطى كل شيء خلقه ثم هدى. فصل. قال الله تعالى انا لا نضيع اجر المصلحين وقال فمن امن واصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون. وقال سبحانه ان اريد الا الاصلاح ما استطعت. والايات في الثناء على الصلاح والاصلاح والامر به كثيرة. وكذلك في النهي عن الفساد وذم المفسدين في الارض بعد اصلاحها. والاصلاح يشمل اصلاح الامور الدينية والدنيوية فكل امر هو صلاح واصلاح. او يتوسل به الى ذلك فهو داخل في هذه النصوص. كما ضده الافساد يدخل فيه النهي عن الشر والفساد والضرر في الدين والدنيا والاعمال كلها. ونظير ذلك قوله تعالى ان هذا القرآن يهدي للتي هي اقوم. وقال تعالى وقل ربي زدني علما وقال قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون وغير ذلك. وحيث اطلق العلم شمل العلوم الشرعية وهي الاصل وهي اشرف العلمين. وشمل العلوم الكونية. فكل علم نافع في الدين او في الدنيا فهو داخل في مدح العلم واهله. فصل قال الله تعالى في بيان جلال احكام الشرع وحسنها وعدالتها ورحمتها ان الله يأمر بالعدل والاحسان وايتاء ذي القربى. وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون. وقال تعالى قل تعالوا اتلوا ما حرم ربكم عليه الا تشركوا به شيئا وبالوالدين احسانا ولا تقتلوا اولادكم من املاق. نحن واياهم. ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن. ولا تقتلوا النفس التي حرم الله الا بالحق. ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون. وقال سبحانه قل امر ربي بالقسط واقيموا وجوهكم عند كل مسجد. ودعوه مخلصين له الدين. وقال سبحانه واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين احسانا. وقال ان الله لا يحب من كان خلقه اثيما. وقال عز وجل ليس البر ان تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر ومن امن بالله واليوم الاخر والملائكة والكتاب والنبيين. واتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وبنى السبيل. والسائلين وفي الرقاب. واقام الصلاة واتى الزكاة والموفون بعهدهم اذا عاهدوا. والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس. اولئك الذين الذين صدقوا واولئك هم المتقون. الى غير ذلك من الايات المفصلة للاحكام الشرعية المأمور بها والمنهي عنها. وبيان ان الله ما امر الا بالاوامر النافعة المحتوية على كل خير بركة ورحمة ولا نهى الا عن كل خبيث ضار. ليس فيه نفعا. وتتبع اوامر الشريعة من الكتاب والسنة وتأمل حكمها وحسنها من اكبر البراهين على ان الدين الاسلامي هو الدين الحق الصحيح. حيث امر بما هو حسن نافع طيب. ونهى عن ضده. وقال تعالى يا ايها الذين امنوا اذا فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون. واطيعوا الله ورسوله. قال في لقاء اقتصاد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا انه لا يحب المسرفين. وقال والذين اذا انفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا. وكان بين ذلك قواما. وقال في الجمع بين مصلحة الدين والدنيا يا يا ايها الذين امنوا اذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا الى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم ان كنتم تعلمون. فاذا قضيت الصلاة فانتشروا في الارض ابتغوا من فضل الله. واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون. وقال سبحانه يا ايها الذين امنوا اذا تداينتم بدين. الاية فصل. قال الله تعالى الله الذي يرسل الرياح فتثير سحابا الايات. وقال سبحانه سبحان الذي خلق الازواج كلها مما تنبت ارض ومن انفسهم ومما لا يعلمون. وقال وارسلنا الرياح لواقح فانزلنا من السماء فاسقيناكموه فاسقيناكموه وما انتم له بخازنين وقال هو الذي خلق لكم ما في الارض جميعا. وقال سبحانه الم تروا ان الله سخر لكم ما في السماوات وما في الارض. وقال واسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة. وقال سخر لكم الفلك لتجري في البحر بامره. وقال والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة اخلق ما لا تعلمون. فهذه الايات الكريمات وغيرها مما يشبهها اذا تأملها العبد. وعرف ما دلت عليه وما شملته من العلوم الشرعية والكونية واعمالها. وعرف سنة النبي صلى الله عليه وسلم الجارية مجرى والتفسير لكتاب الله. وتأمل هديه في جميع شؤون حياته. عرف انه لا يشذ عن دين الاسلام مصلحة من المصالح ومنفعة وخير وصلاح. وعرف ان القرآن تبيان لكل شيء. وهدى ورحمة لقومي مؤمنون وان الامور اذا بنيت عليه تمت مصلحتها. وكل امر فقده فسد ونقص. والواقع اشهد ذلك وقد دلت ايضا هذه الايات وغيرها ان العقل الصحيح مؤيد للشرع وشاهد له وان من خالف الشرع فقد خالفه بغير عقل صحيح. بل بجهل وضلال كما قال تعالى عن جميع من حكم عليهم بالخلود في النار ممن عاندوا الشرع انهم قالوا لو كنا نسمع او نعقل ما كنا في اصحاب السعير. فاخبر انهم فقدوا السمع وهو الادلة النقلية وفقدوا العقل. وكيف يكون له عقل من اشرك بالله الخالق الرازق المدبر للامور كلها المتفرد بكل كمال احدا من المخلوقين الناقصين من كل وجه بل كيف يكون عقل من له حجة الباري الذي لو شكر الانسان بكل شيء من المحسوسات والمعقولات لم يكن له ان يستجيب اذا عقله الشك في الله. ولهذا قالت الرسل لاممهم افي الله شك فاطر السماوات والارض. وهذا استفهام كار متقرر عند كل من له من عقل. ان الشك في الله حمق وجنون ومكابرة. ليس اكبر ومنها مكابرة. وقول بعضهم اذا تعارض العقل والشرع قدمنا العقل. هذا جهل عظيم بما دلت عليه عقول العقلاء علاء فان العقل بالشرع شاهد له. وهل يظن العاقل ان الشارع الحكيم يحكم باحكام تخالف العقل الصحيح فضلا عن ان يخبر باخبار ينافيها الواقع سبحانك هذا بهتان عظيم. ولهذا ينبه الله العقول والفطر على المطالب العظيمة والتوحيد والنبوة والمعاد. مثل قوله تعالى قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله كان على صدق الرسول وما جاء به من القرآن بتحديه الانس والجن ان يأتوا بمثل هذا القرآن او بعشر سور مثل او بسورة واحدة. واحتج على الخلق بحسن ما جاء به الرسول من اخباره الصادقة. واحكامه العادلة كلمة ربك صدقا وعدلا. وان كنت في ريب من ذلك فتتبع كل خبر اخبر الله به في كتابه او اخبر به رسوله محمد صلى الله عليه وسلم. تجدها اعلى درجات الصدق. وانفع ما يكون وتأمل ثالثا هل تجد في احكام الله ورسوله؟ من الاوامر والنواهي شيئا ينافي الحكمة والمصلحة العباد ام تجدها هي الغاية في كمال الخلق وعلو مراتبهم. وتخلقهم بالاخلاق الجميلة وتنزههم عن الاخلاق الرذيلة. فهي التي ترفع اهلها الى اعلى مراتب الكمال. ولا يكون النقص والضرر الا بالاخلال بها او ببعضها. وقد اعترف بذلك الاولياء. والقى شبهة روجها على الجاهلين بالاسلام. وبالواقع متى فعل ذلك في بعض فروعه النادرة؟ ظهر كذبه وافتراؤه. وظهرت المصلحة للخلق والفوائد الكثيرة في القول الذي دلت عليه شريعة الاسلام. لانها شريعة احكم الحاكمين. عالم الغيب والشهادة. الذي يعلم من مصالح عباده ما لا يعلمون. وشرع لهم ما يصلحهم في كل زمان ومكان في دينهم ودنياهم. وهو الحكيم الرحيم. فصل ومن الادلة العقلية النقلية الامثال التي ضربها الله في القرآن. فانها كلها تنبه العقول وتوضح البراهين العقلية على وحدانية الله وتوحيده. وعلى صدق رسوله وصحة ما جاء به. فمن ان شيئا من الادلة العقلية التي يسلم بها العقلاء. تخالف ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم فهو مغتر وليأت بمثال واحد ولن يستطيع ذلك. نعم قد يأتي بنظريات وخيالات اذا حققت عقلا وجدت وضلالا مبينا. مثل قول كثير من الملحدين ان العقوبات والحدود التي جاء بها دين الاسلام على جرائم غير لائقة ولا مناسبة للقوانين. والاحسن عندهم ان يستبدل بها الحبس والغرامة المالية وهذا سفسطة ومكابرة للواقع. فان القوانين التي يسنها الملحدون. ومن قلدهم على الجرائم لم تغن شيء وظهر نقصها وفشلها العظيم. وانه لا اثر لها في ردع المجرمين. وان السبب الوحيد لردع كل مجرم تطبيق الحدود الشرعية والعقوبات الدينية. فهي الكفيلة بردع المجرمين. وهي عقوبات وموعظة لو طبقت في قطر من الاقطار لصلحت احوالهم. وقل الجناة والمجرمون حصل الامن على الدماء والاموال والاعراض. لانها تشريع من حكيم باحوال العباد وما يصلحهم ويقيهم الشرور ومثل قول كثير من الماديين الملحدين ومن قلدهم تقليدا اعمى. انه يجب ان تكون الافكار حرة. وان لكل احد حريته في الرأي الذي يرتأيه. والاقتراح الذي يبديه على اي حال يكون. وهذا قد ظهر ايضا ضرر العظيم وان حرية الافكار واعطاء كل احد حريته فيها قد تبين انها السبب الوحيد في الفوضوية وانها اعظم من حرية الافعال. بل هي اصلها فانه متى اعطي الناس حريتهم فيها؟ انحلت اخلاقهم وعقائدهم ومرجت اعمالهم وصارت البهائم احسن حالا منهم. وهذا هو الواقع في كل قطر فيه الحريات. ولم تقيد بالقيود الشرعية العقلية. فان النفوس امارة بالسوء وطبيعتها الاشر مطر والانطلاق خلف كل شهوة ضرت الافراد والجماعات او لم تضرهم. فكما ان اطلاق الحريات في الافعال لا يمكن البقاء معه فلو ترك لكل احد حريته. وان له ان يقتل او يجرح او يضرب او يأخذ اموال الناس واعراضهم لفسدت الاحوال واختلت الدنيا. ووقع الهرج والمرج والضرر الكبير. فكذلك حريات افكار متى اطلقت اتت بالمنكرات والفظائع الشنيعة. وكان من ثمرتها الخبيثة الاستغناء عن الدين وعن الرسل صلوات الله وسلامه عليهم. وانكار ما جاءوا به. وكذلك انكار ما دلت عليه العقول الصحيحة من وجوب التقيد والتحرز عن الامور الضارة في الاعتقادات والاخلاق والاعمال. ومن جراء حريات الافكار ما تسمعه في الصحف الالحادية والصحف الخليعة. من المقالات التي تقشعر منها قلوب العقلاء. وقد ضرت ضررا كبيرا في العقائد والاخلاق. بل ضرت الحكومات والجماعات والافراد. اما شريعة الاسلام فانها ولله الحمد جاءت بتنبيه العقول والحث على التفكر في الامور التي ينفع التفكير فيها. كايات الله المخلوقة واياته المتلوة وسلكت في تفكرها ونظرها المسالك الصحيحة. فاقرت العلوم النافعة والمعارف الصادقة. والحث على كل كل خلق جميل. والحذر عن كل خلق رذيل. وجعلت للافكار حدا صحيحا ان تجاوزته وقعت في وانواع الضلالات. فالافكار ان لم تقيدها العقول الصحيحة والدين الصحيح الذي وضعه الله للعباد فيه صلاح شؤونهم وكمال احوالهم فانها تحدث الفوضى والخطأ والضلال والشقاء والحمق والجنون. وكذلك ما افتراه كثير من اعداء الاسلام والمنافقين ان الايمان بقضاء الله وقدرته يحدث الفتور والاستسلام وعدم الحركة وهذا الزعم منهم افتراء ظاهر وكذب صريح. فان الدين الاسلامي قد امر باصلين عظيمين لا تتم الامور كلها الا باجتماعهما. احدهما الايمان بقضاء الله وقدره. وان الامور كلها والاسباب مربوطة بالقضاء والقدر. وانه ما شاء الله كان. وما لم يشأ لم يكن. الاصل الثاني الامر بالاعمال في الدين والدنيا والبعد عن الاسباب الضارة. وكل واحد من الاصلين يمد الاخر. فالايمان بالقضاء والقدر قدر يمد العاملين وينشطهم ويوجب لهم اقتحام الامور الصعبة اتكالا على الله واستمدادا من حوله قوتي ويزيل من قلوبهم خوف المخلوقين. الذين لا يملكون لانفسهم نفعا ولا ضرا. والسعي والعمل هو من قضاء لقاء الله وقدره. فانه اخبر انه يوجد الاشياء باسبابها. ولهذا يجمع الله بين الاصلين في مواضع كثيرة من كتابه مثل قوله. وما تشاؤون الا ان يشاء الله رب العالمين. وقوله كلا انها تذكرة. فمن شاء ذكره وما يذكرون الا ان يشاء الله. وقوله تعالى فاما من اعطى واتقى وصدق وبالحسنى فسنيسره لليسرى. واما من دخل واستغنى وكذب بالحسنى نيسره للعسرى. فامر بالاعمال ورغب فيها. ووعد التيسير لليسرى لمن قام بالاسباب النافعة كثيرة للعسرى لمن ترك الاسباب النافعة. وثبت عنه صلى الله عليه وسلم انه قال احرص على ما ينفعك استعن بالله ولا تعجز. وهذا شامل للحرص على الامور النافعة في الدين والدنيا. فعلم ان دين الاسلام يكذب ما افتراه عليه اعداؤه من انه مثبط مخدر. وانما هو منشط وحاث على كل عمل نافع وان الايمان بالقدر من اعظم المنشطات لكل عمل نافع واعظم المسهلات لها. ولهذا قال صلى الله عليه وسلم اعملوا فكل ميسر لما خلق له. اما من كان من اهل السعادة فيسر لعمل اهل السعادة. واما اما من كان من اهل الشقاء فيسر لعمل اهل الشقاوة. وتلا صلى الله عليه وسلم عند ذلك هذه الاية فاما من اعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى. الايات. ولهذا كان الدين الاسلامي يعتبر من يترك العمل اتكالا على القدر احمق مجنونا. وينكر على المشركين الذين يحتجون على تركهم العمل الاسباب النافعة بالقدر والمشيئة. ويخبر ان الاحتجاج بذلك دأب الامم الطاغية. الذين عوقبوا بانواع المثلات فما من عمل نافع دقيق او جليل الا حث الشارع عليه وعلى وسائله ومكملاته. ولا من ضار وكسل وتقاعد الا حذر منه غاية التحذير. ونصوص الشرع في هذا الاصل لا تعد ولا تحصى ومن انكر ذلك فهو مكابر مباهت. وهو من اعظم الناس ضلالا. ومما روج به الملحدون باطلا وعلومهم المخالفة للدين. انهم زخرفوا لها العبارات. فسموها تجديدا ورقيا وتقدما. ونحوها من من الاسماء التي يغررون بها من لا بصيرة عنده. وتسميتهم للحق الذي جاء به الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ورجعية وتخديرا ورجوعا الى الوراء. كما قال الله تعالى عن اسلافهم وكذلك جعلنا لكل نبي عدو شياطين الانس والجن. يوحي بعضهم الى بعض زخرف القول غرورا. ولو شاء آآ ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون. ولتصغى اليه افئدة الذين لا يؤمنون بالاخرة وليرضوه وليقترفوا ما هم مقترفون. فاخبر تعالى ان هذا دأب اعداء الرسل في كل زمان وانهم يزخرفون العبارات لتحسين باطلهم وتقبيح ما جاءت به الرسل. وانهم يتواصون بذلك يفترون على الله الكذب. وانه يغتر به من لا علم له ولا بصيرة ولا ايمان. فهؤلاء اخذوا كل ما افتراه الاولون من اسلافهم المكذبين. وزادوا زيادات كما اصطادوا بها ضعفاء البصائر. وليس ما جاء به الرسول سودا ولا رجوعا الى الوراء. وانما هو الحق والنور والحياة والرشد. الذي لا حياة للوجود ولا للقلوب ولا للدنيا الا به. ولا نور الا باقتداس نوره. وهو الموقد للهمم والعزائم الى كل خصلة حميدة والى كل رقي صحيح وتقدم نافع. فان من اصول الشريعة الكبرى وجوب العمل بالاسباب النافعة مقاصدها ووسائلها. والحث على كل عمل صالح ومصلحة. والاستعانة بالله في تحقيق ذلك مع بذل الجهد ومن المعلوم ان من تحقق بهذين الاصلين بذل المجهود في كل امر نافع والاستعانة بالمعبود فانه لا يزال في الصحيح النافع للافراد والجماعات والشعب والحكومات. واما العلوم المادية الخالية من رح الدين ورحمته فانها ستقدم الى الهلاك والدمار وتقدم الى هدم كل خلق جميل. والاتصاف بكل خلق رذيل. والمشاهدة والحس اكبر شاهد على ذلك. فانه محال ان يحصل التقدم الصحيح الا اذا صحبه الدين الصحيح الملازم الحق فان الباطل وان كان له نوع صولة فعاقبته الزوال والاضمحلال ومنتهاه الخسارة والهلاك فعند هؤلاء الملحدين ان التجديد والرقي هو الاندماج في معنوية الاجانب اعداء الاديان كلها. وزوال شخصياتهم في شخصيات اولئك التشبه بهم في اخلاقهم ولباسهم وحركاتهم وعوائدهم الدقيقة والجليلة. ويرون الانسلاخ من دين الله الذي هو الحق. ومن اخلاقه الجميلة هو التقدم والرقي. فاستبدلوا الادنى الخسيس بالاعلى الكامل النفيس وصاروا مع اعدائهم في ظاهرهم وباطنهم. وكانوا بذلك اكبر سلاح للاعداء على دينهم وقومهم ولهذا كانوا يقلدون الاجانب في الامور الضارة. واما ما عندهم من الامور التي تنفع اذا انضم اليها الدين فهم ابعد الناس عنها كما هو معروف من احوالهم. فصل ومما يروج به المنحرفون باطلهم لهجهم الشديد بالثقافة العصرية. زاعمين ان الاخلاق لا تتهذب ولا تتعدل الا بها. ويطنبون في مدحها ومدحها المثقفين بها. وفي ذم من لم تكن له هذه الثقافة والسخرية منهم. هم يفسرونها تفاسير متباينة منحرفة. كل يتكلم بما يخطر له. لان العلوم اذا كانت فوضى. والاخلاق تتبعها هكذا يكون اهلها لا يتفقون في ارائهم ونظرياتهم على شيء. وكل اقوالهم ترجع الى هبوط الدين والاخلاق. وانما الثقافة الصحيحة والتهذيب النافع هو ما جاء به الدين الاسلامي. الذي هذب العقائد عن الشرك والوثنيات. وهذب الاخلاق عن كل خلق رذيل. وهذب الاعمال والاداب حتى استقامت بها الامور. وصلحت بها الاحوال. وجمعت بين الدين دنيا وبين تقويم المعنويات النافعة والماديات المعينة عليها. وذلك ان المشاهدة شاهدة بما ذكرت فان العلوم العصرية والمخترعات مع توسعها وتبحرها حيث كانت خالية من الدين. عجزت كل العجز عن اصلاح الاخلاق واكتسابها للفضائل الصحيحة. وعن ترفعها عن الرذائل. وانما الذي يتكفل بهذا سلاح ويتولى هذا التهذيب النافع ويوجه الى كل خير ويزجر عن كل شر هو دين الاسلام فانه مصلح للظاهر والباطن. لامور الدين والدنيا. ومن نظر الى اصوله وفروعه. والى ما دعا اليه فعليه والى ما زجر عنه وجد الامر كما ذكرنا. بل فوق ذلك والله الموفق. ولا تنظر الى من بالاسلام ونبذ اخلاقه وراء ظهره. وتحتج به على الاسلام والمسلمين. في طاعته وجموده وهبوط اخلاقه ان الاسلام بريء ممن هذه حاله. وان تسمى بالاسلام فليس له منه الا رسمه. فان دين الاسلام دين الرفعة والرقي الصحيح. فتعاليمه وارشاداته واخلاقه واعماله كلها. في غاية الاحكام والانتظام في رسائلها ومقاصدها. وهي الغاية في توجيه المتصفين بها الى كل خير وصلاح واصلاح. كما هو معروف من حال اول هذه الامة القائمين به حقيقة. الذين ملأوا الدنيا عدلا ورحمة وصلاحا واصلاحا للاحوال كلها. وبهم يضرب المثل في الكمال الانساني. فمن اراد ان يعرف اثار الدين فلينظر الى امثال هؤلاء. واما من اراد المكابرة والتغرير فله نظر اخر. فصل يقول كثير من الناس هذا وقت العلم والمعارف والرقي ومقصودهم بهذا الاعراض عن الماضي وعن علوم الدين والتزهيد فيها. وقد صدقوا من جهة وكذبوا من جهة اخر قد صدقوا انه وقت ترقت فيه علوم الصناعات والمخترعات. وما يرجع الى الماديات والطبيعات وقد كذبوا افظع الكذب. حيث حصروا العلم بهذا النوع. ولم يعلموا ان العلم الحقيقي النافع هو العلم بما جاء به الكتاب والسنة. الكفيل بكل خير ديني ودنيوي واخروي. والعلم النافع من علوم الصناعات والمخترعات داخل في ضمن هذا. بل العلم الديني هو الذي يصير العلوم الطبيعية والصناعية نافعة نفعا صحيحا. وهو الذي يوجهها الى نفع النوع الانساني. ويمنعها من التهور المهلك. ولهذا نقول قد كذبوا ايضا من جهة ان هذه العلوم التي افتخروا بها لم يوجهوها التوجيه النافع بل استعملوها فيما يضر الخلق في الاهلاك والافناء والتدمير. فهي من اعظم النعم ولكنها باستعمالهم اياها. كانت من اكبر النكبات نقم وهذا من المعلوم الذي لا ريب فيه ان الشيء الذي لا يتولى الدين الصحيح توجيهه فهو منعكس ضرره اكبر اكبر من نفعه. وقد صدقوا انه زمان ترقي الماديات الجافة. وقد كذبوا في اطلاقهم الترقي. فيظن الظان انه ترق في كل شيء. انما هو ترق في الصناعات والمخترعات. لا في الاخلاق الفاضلة والديانات. فلا ينفع رقي في الماديات اذا هبطت الاخلاق التي عليها المدار في كل شيء. وهي التي تصلح الاشياء. ولا تصلح بدونها كما هو مشاهد محسوس. فاي ترق سير اهله بمنزلة السباع الضارية. بابوها الظلم والفتوى والاستعمار للامم الضعيفة وسلبها حقوقها. فالترقي الصحيح الذي هو من اثار الدين. من اثاره العدل والرحمة الوفاء بالحقوق والحث على كل خير. والتحذير من كل شر. هذا هو الترقي الذي لم يشموا له رائحة ولا خطرا بقلوبهم وكيف يخطر بقلوبهم وقلوبهم ملأى بالهلع والجشع والزهو والكبر والغرور ومن كل خلق رذيء وقد كذبوا ايضا في زعمهم ان العلوم العصرية والفنون الاختراعية النافعة هم الذين ابتدأوها. وان الشريعة الاسلامية لم تهدي اليها ولم ترشد الى اصولها. وهذا بهتان عظيم ومكابرة يعرفها من له ادنى نظر في الدين الاسلامي وكيف اصل للعباد اصولا عظيمة نافعة بها صلاح دنياهم كما اصل لهم طولا نافعة فيها صلاح دينهم. وقد ذكرنا بعض النصوص من الكتاب والسنة الدالة على هذا الاصل كما فسبقت الاشارة اليه. نعم لو قالوا ان الناس في هذا الوقت انتفعوا بهذه الاصول والتعاليم الدينية. في ترقية الصناعات المخترعات ومعرفة طرق الاقتصاديات وما اشبه ذلك. ولكنهم رقوها ترقية مبتورة مقطوعة صلتي بالله وبدين الله. فلهذا نفعت من جهة وضرت من جهات نفعت بما اشتملت عليه من منافع العباد الدنيوية ونفعت من استعان بها على الدين والخير. وضرت من جهة انها سببت لاهلها الوحشية والهمجية. اللتين من اثارهما الاهلاك والتدمير. والشرور التي لم يوجد لها نظير فيما سبق. وضرت ايضا من جهة ما احدثت في نفوس اهلها من الزهو والغرور والكبرياء. واستعباد الضعفاء وظلمهم وهضم الحقوق. والشرور المتنوعة. فلو ان هذه صراعات تولى الدين توجيهها. لحصل فيها من المنافع اضعاف اضعاف ما شوهد. ولا اندفعت مضارها وشرورها ولكانت مبنية على الخير والصلاح. ولكان من اثارها الخير للدين والدنيا. ولكن لله في خلقه شؤون فصل اعظم افات العلم وقواطعه الانخداع بالوقوف مع المخلوقات دون خالقها. وبالاثار عن من مؤثرها وبالاسباب عن مسببها. وبالوسائل عن مقاصدها. وهذا النوع نقصه كثير وضرره فان كثيرا من الملحدين والمغترين بهم يمهرون في العلوم الطبيعية. ولكنهم يقفون معها ويعمون عن ارتباط بخالقها ومسببها. والذي اودع فيها من العجائب والاسرار ما اودع. فيرون انفسهم قد عرفوا من عجائب بعلوم الطبيعة ما لم يعرفه غيرهم. ومن الاسرار التي اودعها الله في الطبائع ما زادوا به على غيرهم يأخذهم الزهب والغرور ويقفون معها ويرونها هي الحاصل وهي المقصود وهي الغاية. فيحصل الانحراف العظيم والنقص في العلم والعقل. فلو انهم عرفوا واثبتوا الموجد الحقيقي. والمدبر للامور كلها. وربطوا الاسباب فضائه وقدره علموا ان الاسباب محل حكمته. فانه تعالى حكيم يضع الامور مواضعها. ويجعل الدقيقة والجليلة منتظمة بنظام عجيب. وارتباط وثيق. وجعل لكل مطلوب ومقصود سببا وسيلة وطريقة يوصل اليه. ولذلك نتيجة وثمرة. بحسب قوة الاسباب وضعفها. وبحسب قوة العامل وضعفه. ثم ربطوا هذه الاسباب والوسائل والنتائج بقدر الله وقضائه. ولو انهم فعلوا ذلك في عملهم لتم علمهم وحصل لهم من اليقين ما لا يحصل لمن لم يصل الى ما وصلوا اليه. ولكنهم فرحوا بما عرفوه من سائل التي يعرفون نتائجها الدنيوية ملموسة وتكبروا بها. فانطبق عليهم قوله تعالى فلما جاءتهم رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم. وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون وقوله تعالى وجعلنا لهم سمعا وابصارا وافئدة. فما اغنى عنهم سمعهم ولا ولا افئدتهم من شيء. اذ كانوا يجحدون بايات الله. وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون. وهذا اعظم افات العجب والكبر على الاطلاق. واعظم الطرق التي اغتر بها وانخدع كثير من الخلق. فنسأل الله ان يرزقنا العلم الصحيح. المؤيد بالعقل والنقل والفطرة. وهو العلم النافع الذي ليعرفه العبد من جميع نواحيه. وهو العلم الذي يربط الفروع باصولها. ويرد الاسباب واثارها ونتائجها الى مسببها والى الذي جعلها كذلك. وهو العلم الذي لا ينقطع صاحبه بالمخلوق عن خالقه. وبالاثار عن مؤثرها وبالحكم والاسرار والنظامات العجيبة عن محكمها ومنظمها ومبدعها. وهذا العلم هو الذي يثمر اليقين تحصل به الطمأنينة وتتم به السعادة والفلاح. ويثمر الاخلاق الجميلة والاعمال الصالحة المصلحة للدين والدنيا. اما علوم المنحرفين فانها كما ذكرنا مقطوعة مبتورة جافة. نهاية نفعها كنفع صناعات المادية كما هو مشاهد محسوس. لا تثمر ايمانا ولا امانة ولا رحمة ولا اخلاقا جميلة. بل ضد ذلك يؤسف غاية الاسف. لكل ذي عقل كبير وذكاء مفرط. ان تكون هذه غايته ثمراته فان العقل الصحيح فهم الاشياء والاحاطة بها. من جميع نواحيها ثم العمل بالامور النافعة الخيرات والمواهب التي يوهبها العبد. والجمع بين مصالح الدارين ومنافع البدن والروح. والنظر الصحيح للمبادئ والعواقب وربط الامور المتصلة بعضها ببعض. فكل من لم يتصف بهذه الاوصاف نقص من عقله بحسب ذلك فكيف بدينه؟ فصل ومن علامات المنحرفين في اديانهم وعقولهم اغترارهم بارائهم وعقولهم السخيفة. واحتقارهم لعقول صفوة الخلق وخلاصتهم من الانبياء. واتباعهم واهل الهدى. وبهذا مكابرتهم ومبالغتهم وانكارهم ما لا يمكن انكاره. وجحدهم فضل من قبلهم ليتوصلوا بذلك الى رد الحق وليصدوا العباد عن دين الله وسبيله. فيعبرون عن الحقائق التي جاءت بها الرسل يقولون هذا عقل قديم هذا رأي عتيق. هذا اساطير الاولين. كما قابلت الرسل اعداءهم بهذه الاقوال الخبيثة الساقطة وقد اغتر باقوالهم هذه كثير من النشأة والشبيبة. الذين لا بصيرة لهم ولا عقول ناضجة. اما علموا ان الاولى لا تكمن ولا تزكو الا بالوحي والقرآن. ولا تكونوا عقولا نافعة حتى تغتدي بالهدى واليقين. الذي جاء به الرسول قال تعالى ان في ذلك لايات لاولي النهى. لايات لاولي الالباب هم اهل للعقول الوافية والاراء السديدة والاخلاق الزاكية. فهل يوجد عقول صحيحة تقارب عقل النبي صلى الله عليه عليه وسلم الذي لم تستنر العقول والاراء الا بعقله ورأيه وعلمه وتعليمه وارشاده فحسب العقول الكاملة ان من عقله صلى الله عليه وسلم وارائه وهداه ورشده. وتغتدي بنوره وتوجيهه وارشاده. قال تعالى والنجم اذا هوى ما ضل صاحبكم وما غوى. وما ينطق عن الهوى. ان هو الا الا وحي يوحى. وهذا وصف للنبي صلى الله عليه وسلم. بكمال العلم والهدى وكمال الرشد وكمال وللعصمة في اقواله وافعاله. وبذلك يعلم ان كل ما خالف هديه ورشده وارشاده فهو ضلال وغي وسفاهة وشر وهلاك. والواقع اكبر شاهد على ذلك. فهل حصل لاحد مثقال ذرة من الخير الظاهر باطن ومن الثمرات النافعة الجليلة الا على يده. وبتعليمه صلوات الله وسلامه عليه. وهل اهتدى احد الا بامتثال امره واجتناب نهيه؟ وهل صلح شيء من امور الدين والدنيا صلاحا لا فساد معه؟ الا بالمشي خلفه واتباعه في اصول الدين وفروعه. وفي الوسائل والمقاصد فلا خير وهدى ورحمة وصلاح واصلاح للظاهر والباطن الا دل الخلق عليه وارشدهم الى مسالكه. ولا شر وضرر الا حذرهم منه. قال تعالى اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي. ورضيت لكم الاسلام دينا. فمن كماله انه للتي هي اقوم في عقائده واخلاقه واعماله. فكملت به العقائد والاخلاق والاعمال. فلا يعتريه نقص بوجه من الوجوه. ومن كماله انه صالح لكل زمان ومكان. وحال لجميع المشاكل اجتماعية والشخصية. ومن كماله ان جميع الحقائق العقلية والحسية. والتجارب الصادقة كلها داخلة فيه وفي ضمنه. ومن كماله ان النظريات المتباينة والاختلافات المتضادة بين صحيحها من سقيمها وصالحها من فاسدها وعدلها من ظلمها وحقها من باطلها. ومن كماله انه كملت به العقول استنارت به الاراء. واستمدت من هدايته ما اصلحت به دينها ودنياها. فكل خير ديني ودنيوي