فهي القابلية عندهم وعلى هذا التقدير لا يكون في القلب سلامة ولا عطب ولا استقامة ولا زيف اذ نسبته الى كل منهما نسبة واحدة وليس هو باحدهما اولى منه بالاخر تنبيهات مهمة اولها ان المقصود بالفطرة الواردة في النصوص السابقة الاسلام العام حينما فسروا قول الله تعالى فطرة الله التي فطر الناس عليها وقول النبي صلى الله عليه وسلم كل مولود يولد على الفطرة. حينما فسروا ذلك بان الفطرة هي الاسلام لا يقصدون الاسلام الذي هو آآ ان تشهد الشهادتين وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم وتحج الى اخره وانما يقصدون الاسلام العام لان الاسلام هناك اسلام عام وهناك اسلام خاص الاسلام العام هذا هو القاسم المشترك بين دعوة جميع الانبياء والمرسلين وهو توحيد الله تعالى ورفض الشرك بالله عز وجل وهو معنى لا اله الا الله. هذا هو الاسلام العام. وهو المراد بالفطرة وليس الاسلام الخاص الذي هو كسبي لابد ان يكتسبه الانسان بالتعلم. اذا المقصود بالفطرة الواردة في النصوص السابقة الاسلام العام الذي هو توحيد الله تعالى ورفض الشرك به والذي هو قاسم مشترك بين جميع الرسالات السماوية وليس المقصود الاسلام الخاص المشتمل على جملة العقائد والشرائع مما اوحي الى رسول الله صلى الله عليه واله وسلم والايمان الحاصل بالفطرة هو ايمان وهبي. هبة من الله. هدية من الله الى البشر كي يسهل عليهم الايمان الايمان الذي يحصل بالفطرة هو ايمان وهبي يولد عليه الناس كافة واما الايمان الذي هو اعتقاد بالجنان. وقول باللسان وعمل بالاركان فهو الايمان الشرعي ارادي الذي يكتسبه الانسان من العلم بالادلة الشرعية التفصيلية ويتفاوت الناس في هذا العلم المكتسب تفاوتا عظيما التنبيه الثاني ان الفطرة مقتضية للتوحيد وليست مجرد القابلية للتوحيد فان هناك فريقا من العلماء فسروا الفطرة بالمعنى اللغوي لا بالمعنى الشرعي الذي اشرنا اليه ووضحناه فسروها بالمعنى اللغوي وهو الابتداء والخلقة تفسروا قول الله تعالى فطرة الله التي فطر الناس عليها وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم كل مولود يولد على الفطرة بانها تعني الخلقة وهذا يقتضي ان الفطرة محايدة بين الشرك والتوحيد وعلى هذا الاساس اللي هو تفسير الفطرة بالمعنى اللغوي آآ ذهبوا الى ان المراد بالفطرة الخلقة يعني مجرد القابلية للتوحيد والشرك على حد سواء ده يعني سبورة آآ ليس مكتوبا عليها شيء او صفحة ليس مكتوبا فيها شيء. قابلة لان تكتب فيها آآ القرآن الكريم وقابلة لان يكتب فيها سحرا او شركا او قرآن مسيلما ونحو ذلك كما ان الرق وهو جلد رقيق يكتب عليه الرق قبل الكتابة فيه لا يثبت له حكم مدح كالمصحف ولا حكم ذنب كقرآن مسيلمة والتراب قبل ان يبنى مسجدا او كنيسة لا يثبت له حكم واحد منهما لكن الادلة السابقة تؤيد ان الفطرة هنا يراد بها المعنى الشرعي الذي هو اخص من المعنى اللغوي وهو كونها تعني الاسلام وعليه فان الفطرة مرجحة للتوحيد ومنحازة اليه فكما ذكرنا ذهب بعض العلماء الى ان الفطرة لا تقتضي التوحيد. تقتضي يعني لا تستلزم التوحيد ولا توجبه وانما هي مجرد القابلية للتوحيد بمعنى ان الانسان خلق خلقة تختلف عن خلقة البهائم بحيث يمكن ان يوحد او يشرك باختياره دون ان يكون في خلقته ما يقتضي ترجيح التوحيد على الشرك بل تكون النفس قابلة لاي منهما على السواء فالفرق بين القول بان اه الفطرة هي القابلية للتوحيد اه وبالتالي هي قابلة بالتوحيد وقابلة للشرك ليست خلقة الانسان بخلقة البهائم لكنه آآ يمكن باختياره ان يكون موحدا وان يكون آآ مشركا اما القول آآ الراجح الذي دلت عليه الادلة وهو القول المبني على المعنى الشرعي وليس اللغوي للفطرة آآ هذا القول يقول ان الفطر تقتضي التوحيد يعني توجب التوحيد وترجح التوحيد اذا كانت الفطرة هي مجرد القابلية للتوحيد اذا تحقيق التوحيد للانسان هل يكون ممكنا ام واجبا يكون ممكنا والممكن كما اشرنا ينقسم الى موجود ومعدوم لا ممكن يكون موجود وكن ممكن يكون ايه معدوم على من فسروا الفطرة بالمعنى اللغوي يكون تحقق التوحيد للانسان من الممكنات قد يحصل وقد لا يحصل. لان الممكن كما قلنا ينقسم الى موجود والى معدوم بخلاف ما قلنا ان الفطرة تقتضي التوحيد فان تحقق التوحيد هنا لا يكون ممكنا تقتضي يبقى ايه تستوجب وتستلزم وجود التوحيد. لا يكون ممكنا لكنه يكون واجبا اذا انتفت الموانع اذا انتفى تأثير الوالدين مثلا وبقي الانسان بدون مؤثر خارجي يظل ينمو فاذا آآ ادرك العالم من حوله حينئذ ينطق بلا اله الا الله حتى لو لم يدعوه احد اليها فهو سوف ينحاز حتما الى التوحيد بشرط الا تكون البيئة قد افسدت عليه هذه الفطرة وهذا معنى قولنا اذا انتفت الموانع اذا يكون تحقق مقتضى الفطرة واجبا مع انتفاء الموانع فقط دون ما توفر شرط وقد مثل شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى الفطرة مع الحق بقوله مثل الفطرة مع الحق مثل ضوء العين مع الشمس وكل ذي عين لو ترك بغير حجاب لرأى الشمس والاعتقادات الباطلة العارضة من تهود وتنصر وتمجس مثل حجاب يحول بين البصر ورؤية الشمس وكذلك ايضا كل ذي حس سليم يحب الحلو الا ان يعرض في الطبيعة فساد يحرف هذه الطبيعة حتى يجعل الحلو في فمه مرا انتهى كلام شيخ الاسلام رحمه الله تعال فهنا آآ الشمس وعين مبصرة اذا تركت العين المبصرة السليمة تنظر فانها سوف ترى آآ الشمس وترى ضوء يعني آآ النهار. فكل ذي عين لو ترك بغير حجاب فانه يرى الشمس لكن لو عرض حاجز او جدار يحوله او سقف يحول بينه وبين الشمس هي الشمس موجودة والعين مبصرة فهنا في هذه الحالة اذا وجد حجاب يحجب العين عن الشمس فانه لا يراها فهذه هي الامور العارضة اللي هي افساد البيئة للفطرة الحواجز التي تحول دون الفطرة وهي الايه كتقليد الابوين من تنصر وتهود وتمجس ونحو ذلك لكن لو لم يوجد المانع لرأت العين الشمس التنبيه الثالث ليس معنى قولنا ان الطفل يولد على الاسلام على الفطرة انه يكون عالما بالاسلام بالفعل ولكن معناه ان الفطرة تقتضي التوحيد وتستلزمه دون ان يكون الطفل عالما به منذ ولادته فقولنا ان الفطرة تقتضي الاسلام لا يلزم منه ان يكون مقتضى الفطرة متحققا للانسان منذ ولادته لانه يتعارض مع واقع النفس البشرية كما يتعارض مع اصل التكليف وانما يولد الانسان على خلقة وجبلة مقتضية لمعرفة الله وتوحيده اذا ميز وعقل ما لم يعرض للفطرة ما يصرفها عن اصلها فاما تعارضه مع واقع النفس البشرية فانا نعلم قطعا ان المولود حين يولد وقبل ان يميز لا يمكن ان يعرف التوحيد لكنه مع ذلك قد خلق خلقة مهيئة لمعرفة الله وتوحيده اذا ادرك وميز انتبهوا لهذا الشرط اذا ادرك وميز ولهذا نفى الله سبحانه وتعالى نفيا عاما مطلقا. ان يكون احد من الناس يعلم باي شيء حين ولادته فقال تعالى والله اخرجكم من بطون امهاتكم لا تعلمون شيئا. وعلى هذا لا يمكن تفسير اخبار النبي صلى الله عليه وسلم بان كل مولود يولد على الفطرة انه يكون موحدا بمجرد الخلقة التي ولد عليها بحيث يكون عارفا بالتوحيد منذ ولادته كما لا يكون مقصود من فسر الفطرة بالاسلام من السلف ان المولود يكون مسلما بالفعل. وانما يولد على خلقة مقتضية للاسلام اذا ميز وعقل هذه هي الخلاصة يولد الانسان على خلقة مقتضية. لذلك نقول الفطرة تقتضي الاسلام وهو يولد على خلقة مقتضية للاسلام اذا ميز وعقل وبنمو الطفل رويدا رويدا تبدأ الفطرة الكامنة في الاستيقاظ داخل اعماق نفسه وتتحرك لتجذبه بكل قوة نحو الحقيقة العظمى في الوجود فنفس الفترة تستلزم الاقرار بخالقه ومحبته واخلاص الدين له وموجبات الفطرة ومقتضاها تحصل شيئا بعد شيء بحسب كمال الفطرة اذا سلمت عن المعارض وهنا تنبيه في غاية الاهمية وهو ان الفطرة لا تقتضي فقط الاقرار بوجود الخالق الفطرة لا نقول انها تقتضي الاقرار بوجود الله لكننا نقول ان الفطرة تقتضي التوحيد وهو معنى لا اله الا الله وهو محبة الله وتعظيمه والاخلاص له والنفور من الشرك ورفضه والكفر به. نعود فنقول ان نفس الفطرة تستلزم الاقرار بخالقه ومحبته واخلاص الدين له. فطرة تقتضي التوحيد وليس فقط توحيد الربوبية او الاقرار بوجود الخالق. لا الفطرة تدل على ما هو اعظم من ذلك وهو لا اله الا الله وهو الاسلام العام كما بينا اما مقتضى الفطرة وموجب الفطرة فانه يحصل شيئا بعد شيء بحسب كمال الفطرة اذا سلمت عن المعارض وهو آآ مؤثرات البيئة الفاسدة التي تحرفه عن آآ الفطرة. شأن الفطرة في ذلك شأنك كافة الحواس كالسمع والبصر والنطق فكما يجوز لنا ان نقول ان الانسان ولد ناطقا يعني نحن حينما ننظر الى طفل مولود حديث الولادة هل يصح لنا ان نصفه بانه حيوان ناطق نعم يصح ان تصفه بانه حيوان ناطق مع اننا نجزم جزما بعجزه عن النطق والكلام ساعة ولادته فهو ناطق بالقوة المقصود هو حيوان ناطق او انسان ناطق نعني بذلك انه ناطق بالقوة وليس بالفعل والقوة في هذا السياق تعني كون الشيء مستعدا بان يوجد ولما يوجد استعداد كامل في داخله لكن لم يوجد النطق ويقابل النطق بالقوة بالفعل القوة يقابلها الفعل وهو كون الشيء خارجا من حيز الاستعداد الى الوجود يبقى هنا هذا هو آآ الفعل. فعندنا القوة وعندنا الفعل. القوة هي كون الشيء مستعدا لان يوجد لكنه لم يوجد الى الان يقابلها عكسها الفعل وهو كون الشيء خارجا من الاستعداد اللي هي قوة الى الوجود الفعلي اذا آآ الفطرة شأنها في ذلك شأن كافة الحواس كالسمع والنطق والبصر فكما يجوز لنا ان نقول ان سنة ولد ناطقا مع اننا نجزم بعجزه عن النطق ساعة ولادته الا انه ينمو معه بنمو جسده ويتحقق فيه اذا سلم عن معارضه فكذلك الفطرة سواء بسواء يعني قوة على النطق قدرة النطق تنمو معه بنمو جسده وتتحول الى مرحلة التحقيق اللي هو اللي هو التحقيق. الاخراج الى حيز الفعل الاخراج بمجرد الاستعداد اللي هي القوة الى حيز الفعل والواقع فيظهر الطفل كفاءة كانت كاملة فيه وعلى سبيل المثال حين يبدأ الطفل الكلام يقال انه قد حقق او اخرج الى حيز الواقع قدرة كانت كامنة فيه على استخدام اللغة وبالجملة فكلما حصل في الطفل قدر من العلم والارادة والتمييز والادراك حصل له قدر من معرفته بربه وحبه مع اخلاص الدين له بما