كان الاخلاص سرا بين العبد وبين ربه. لا يطلع عليه الا الله. اخبر تعالى بعلمه بجميع الاحوال فقال وكان الله بهم عليما ان الله لا يظلم مثقال ذرة وان تك حسنة يضاعفها خوفي بعدها بقوله ولا جناح عليكم ان كان بكم واذا كنت فيهم فاقمت لهم الصلاة اي صليت بهم صلاة تقيمها وتتم ما يجب فيها ويلزم. فعلمه ما ينبغي لك ولهم فعله. ثم فسر ذلك بقوله بعلمه لجميع الامور وبصره لحركات عباده وسمعه لجميع اصواتهم الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما فانفقوا من اموالهم فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي. من المحرمات في النكاح والمحصنات من النساء الا ما ملكت ايمانكم والمحصنات من النساء اي ذوات الازواج فانه يحرم نكاحهن ما دمنا في ذمة الزوج حتى تطلق وتنقضي عدتها الا ما ملكت اي بالسبي. فاذا سبيت الكافرة ذات الزوج حلت للمسلمين بعد ان تستبرأ. واما اذا بيعت الامة المزوجة او وهبت فانه سينفسخ نكاحها لان المالك الثاني نزل منزلة الاول. ولقصة بريرة حين خيرها النبي صلى الله عليه وسلم. وقوله كتاب الله عليكم اي الزموه واهتدوا به فان فيه الشفاء والنور وفيه تفصيل الحلال من الحرام. ودخل في قوله واحل لكم ما وراء ذلكم كل ما لم يذكر في هذه الاية فانه حلال طيب فالحرام محصور والحلال ليس له حد ولا حصر. لطفا من الله ورحمة وتيسيرا للعباد ان تبتغوا باموالكم اي تطلبوا من وقع عليه نظركم واختياركم. من اللاتي اباحهن الله لكم حالة كونكم محصنين. اي مستعفين عن الزنا ومعفين نساءكم غير مسافحين والسفح سفح الماء في الحلال والحرام فان الفاعل لذلك لا يحسن زوجته لكونه وضع شهوته في الحرام فتضعف داعيته للحلال فلا يبقى محسنا لزوجته وفيها دلالة على انه لا يزوج غير العفيف لقوله تعالى الزاني لا ينكح الا زانية او مشركة. والزانية لا ينكحها الا زان او مشرك. فما استمتعتم به منهن. اي ممن تزوجتموها فاتوهن اجورهن اي الاجور في مقابلة الاستمتاع. ولهذا اذا دخل الزوج بزوجته تقرر عليه صداقها فريضة. اي ايتاؤكم اياهن اجورهن. فرض الله عليكم ليس بمنزلة التبرع الذي ان شاء امضاه وان شاء رده او معنى قوله فريضة اي مقدرة قد قدرتموها فوجبت عليكم فلا تنقصوا منها شيئا ولا جناح عليكم فيما ترضيتم به من بعد الفريضة. اي بزيادة من الزوج او اسقاط من الزوجة عن رضا وطيب نفس هذا قول كثير من المفسرين. وقال كثير منهم انها نزلت في متعة النساء التي كانت حلالا في اول الاسلام. ثم حرمها النبي صلى الله عليه وسلم وانه يؤمر بتوقيتها واجرها. ثم اذا انقضى الامد الذي بينهما فتراضيا بعد الفريضة فلا حرج عليهما. والله اعلم. ان الله انا عليما حكيما اي كامل العلم واسعه كامل الحكمة فمن علمه وحكمته شرع لكم هذه الشرائع وحد لكم هذه الحدود الفاصلة بين والحرام ثم قال تعالى يا ملكت ايمانكم من فتياتكم المؤمنات. والله اعلم بايمانكم بعضكم اي ومن لم يستطع القول الذي هو المهر لنكاح الصلاة اي الحرائر المؤمنات وخاف على نفسه العنت اي الزنا او المشقة الكثيرة فيجوز له نكاح الاماء المملوكات المؤمنات وهذا بحسب ما يظهر والا فالله اعلم بالمؤمن الصادق من غيره. فامور الدنيا مبنية على ظواهر الامور. واحكام الاخرة مبنية على ما في المواطن فانكحوهن اي المملوكات باذن اهلهن اي سيدهن واحدا او متعددا. واتوهن اجورهن بالمعروف اي ولو كنا اماء فانه كما يجب المهل للحرة فكذلك يجب للامة. ولكن يجوز نكاح الاماء الا اذا كن محصنات. اي عفيفات عن الزنا غير مسافحات علانية ولا متخذات اخدان. اي اخلاء في السر. فالحاصل انه لا يجوز للحر المسلم نكاح امة. الا باربعة شروط ذكرها الله الايمان بهن والعفة ظاهرا وباطنا. وعدم استطاعة طول الحرة وخوف العنت. فاذا تمت هذه الشروط جاز له نكاحهن مع هذا فالصبر عن نكاحهن افضل. لما فيه من تعريض الاولاد للرق. ولما فيه من الدناءة والعيب. وهذا اذا امكن الصبر. فان لم يمكن الصبر عن المحرم الا بنكاحهن وجب ذلك. ولهذا قال وان تصبروا خير لكم. والله غفور رحيم. وقوله فاذا احسنت اي تزوجت او اسلم اي الاماء فعليهن نصف ما على المحصنات اي الحرائر من العذاب. وذلك الذي يمكن تنصيفه. وهو الجلد يكون عليهن خمسون جلدة. واما الرجم فليس على الاماء رجم. لانه لا يتنصف. فعلى القول الاول اذا لم يتزوجن فليس عليهن حد. انما عليهن تعذير يردعهن عن فعل الفاحشة. وعلى القول الثاني ان الاماء غير المسلمات. اذا فعلن فاحشة ايضا عذرن. وختم هذه الاية هذين الاسمين الكريمين الغفور والرحيم. لكون هذه الاحكام رحمة بالعباد وكرما واحسانا اليهم. فلم يضيق عليهم بل وسع نهاية السعة ولعل في ذكر المغفرة بعد ذكر الحج اشارة الى ان الحدود كفارات يغفر الله بها ذنوب عباده كما ورد بذلك الحديث. وحكم العبد الذكر في الحد المذكور حكم الامة. لعدم الفارق بينهما يخبر تعالى بمنته العظيمة ومنحته الجسيمة وحسن تربيته لعباده المؤمنين وسهولة دينه فقال يريد الله ليبين لكم اي جميع لا تحتاجون الى بيانه من الحق والباطل والحلال والحرام ويهديكم سنن الذين من قبلكم اي الذين انعم الله عليهم من النبيين واتباعهم في حميدة وافعالهم السديدة وشمائلهم الكاملة وتوفيقهم التام. فلذلك نفذ ما اراده ووضح لكم وبين بيانا ما بين من قبلكم وهداكم هداية عظيمة في العلم والعمل. ويتوب عليكم ان يلطف بكم في احوالكم ومشرعه لكم. حتى تمكنوا من الوقوف على ما حدهم يكون في بعض مواضع القيامة حين يظنون ان جحودهم مغن عنهم من عذاب الله. فاذا عرفوا الحقائق وشهدت عليهم جوارحهم حينئذ ينجلي الامر ولا يبقى للكتمان موضع ولا نفع ولا فائدة الله والاكتفاء بما احله. فتقل ذنوبكم بسبب ما يسر الله عليكم. فهذا من توبته على عباده. ومن توبته عليهم انهم اذا اذنبوا فتحوا لهم ابواب الرحمة واوزع قلوبهم الانابة اليه والتذلل بين يديه ثم يتوب عليهم بقبول ما وفقهم له. فله الحمد والشكر على ذلك. وقوله والله عليم حكيم اي كامل الحكمة. فمن علمه ان علمكم ما لم تكونوا تعلمون. ومنها هذه الاشياء والحدود. ومن حكمته انه يتوب على من اقتضت حكمته ورحمته التوبة عليه. ويخذل من اقتضت حكمته وعدله من لا يصلح للتوبة. وقوله والله يريد ان يتوب اليكم اي توبة تلم شعثكم وتجمع متفرقكم وتقرب بعيدكم. ويريد الذين يتبعون الشهوات ان يميلون معها حيث مالت ويقدمونها على ما فيه رضا محبوبهم ويعبدون اهواءهم من اصناف الكفرة والعاصين. المقدمين لاهوائهم على طاعة ربهم. فهؤلاء دون ان تميلوا ميلا عظيما. اي ان تنحرفوا عن الصراط المستقيم. الى صراط المغضوب عليهم والضالين. يريدون ان يصرفوكم عن طاعة الرحمن الى طاعة الشيطان وعن التزام حدوده من السعادة كلها في امتثال اوامره. الى من الشقاوة كلها في اتباعه. فاذا عرفتم ان الله تعالى يأمركم بما فيه فلاحكم وفلاحكم وسعادتكم. وان هؤلاء المتبعين لشهواتهم يأمرونكم بما فيه غاية الخسار والشقاء. فاختاروا لانفسكم اولى الداعيين وتخيروا احسن الطريقتين يريد الله ان يخفف عنكم اي بسهولة ما امركم به وما نهاكم عنه. ثم مع حصول المشقة في بعض الشرائع اباح لكم ما تقتضيه حاجتكم كالميتة والدم ونحوهما للمضطر. وكتزوج الامة للحر بتلك الشروط السابقة. وذلك لرحمته التامة واحسانه الشامل وعلمه وحكمته بضعف الانسان من جميع الوجوه. ضعف البنية وضعف الارادة وضعف العزيمة وضعف الايمان وضعف الصبر. فنسبه ذلك ان يخفف الله عنه ما يضعف عنه وما لا يطيقه ايمانه وصبره وقوته ينهى تعالى عباده المؤمنين ان يأكلوا اموالهم بينهم بالباطل وهذا يشمل اكلها بالغصوب والسرقات. واخذها بالقمار والمكاسب الرديئة. بل لعله يدخل في ذلك اكل ما لنفسك على وجه البطر والاصرار لان هذا من الباطل وليس من الحق. ثم انه لما حرم اكلها بالباطل اباح لهم اكلها بالتجارات والمكاسب الخالية من الموانع. المشتملة جعل الشروط من التراضي وغيره. ولا تقتلوا انفسكم اي لا يقتل بعضكم بعضا. ولا يقتل الانسان نفسه. ويدخل في ذلك الالقاء بالنفس الى التهلكة فعل الاخطار المفضية الى التلف والهلاك. ان الله كان بكم رحيما. ومن رحمته انصانا نفوسكم واموالكم. ونهاكم عن اضاعتها واتلافها ورتب على ذلك ما رتبه من الحدود. وتأمل هذا الاجازة والجمع في قوله لا تأكلوا اموالكم ولا تقتلوا انفسكم. كيف شمل على غيرك ومال نفسك. وقتل نفسك وقتل غيرك. بعبارة اخسر من قوله لا يأكل بعضكم مال بعض. ولا يقتل بعضكم بعضا. مع بهذه العبارة على مال الغير ونفس الغير فقط. مع ان اضافة الاموال والانفس الى عموم المؤمنين فيه دلالة على ان المؤمنين في توادهم وتراحمهم امهم وتعاطفهم ومصالحهم كالجسد الواحد. حيث كان الايمان يجمعهم على مصالحهم الدينية والدنيوية. ولما نهى عن اكل الاموال بالباطل التي فيها غاية الضرر عليهم على الاكل ومن اخذ ماله اباح لهم ما فيه مصلحته من انواع المكاسب والتجارات وانواع الحرف والايجارات فقال الا ان تكون تجارة عن تراض منكم. اي فانها مباحة لكم. وشرط التراضي مع كونها تجارة. لدلالة انه يشترط ان يكون العقد غير مع عقد ربا لان الربا ليس من التجارة بل مخالف لمقصودها وانه لا بد ان يرضى كل المتعاقدين ويأتي به اختيارا. ومن تمام الرضا ان يكون المعقود عليه معلومة لانه اذا لم يكن كذلك لا يتصور الرضا مقدورا على تسليمه. لان غير المقدور عليه شبيه ببيع القمار. فبيع الغرر بجميع انواعه خال من الرضا فلا ينفذ عقده. وفيها انه تنعقد العقود بما دل عليها من قول او فعل. لان الله شرط الرضا فباي طريق حصل هذه الرضا انعقد به العقد ثم ختم الاية بقوله ان الله كان بكم رحيما. ومن رحمته ان عصم دمائكم واموالكم وصانها. ونهى لكم عن انتهاكها. ثم قال ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا ومن يفعل ذلك اي اكل الاموال بالباطل وقتل عدوانا وظلما. اي لا جهلا ونسيانا فسوف نصليه نارا. اي عظيمة كما يفيده التنكير. وكان ذلك على الله يسير وهذا من فضل الله واحسانه على عباده المؤمنين. وعدهم انهم اذا اجتنبوا الكبائر المنهية غفر لهم جميع الذنوب والسيئات وادخلهم مدخلا كريما. كثير الخير وهو الجنة المشتملة على ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ويدخل في اجتناب الكبائر فعل الفرائض. التي يكون تاركها مرتكبا كبيرة. كالصلوات الخمس والجمعة وصوم رمضان. كما قال النبي صلى الله عليه وسلم الصلوات الخمس والجمعة الى الجمعة ورمضان الى رمضان مكفرات لما بينهما ما اجتنبت الكبائر. واحسن ما حدت به الكبائر ان الكبيرة ما فيه حد في الدنيا او وعيد في الاخرة او نفي ايمان او ترتيب لعنة او غضب عليه ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب من ما اكتسبوا نساء نصيب ما اكتسبن واسألوا الله من فضله ينهى تعالى المؤمنين عن ان يتمنى بعضهم ما فضل الله به غيره من الامور الممكنة وغير ممكنة فلا تتمنى النساء خصائص الرجال التي بها فضلهم على النساء. ولا صاحب الفقر والنقص حالة الغنى والكمال. تمنيا مجردا لان هذا هو والحسد بعينه تمني نعمة الله على غيرك ان تكون لك ويسلب اياها ولانه يقتضي السخط على قدر الله والاخلاد الى الكسل والامان التي لا يقترن بها عمل ولا كسب. وانما المحمود امران ان يسعى العبد على حسب قدرته بما ينفعه من مصالحه الدينية والدنيوية. ويسأل الله تعالى من فضله فلا يتكل على نفسه ولا على غير ربه. ولهذا قال تعالى للرجال نصيب مما اكتسبوا. اي من اعمالهم المنتجة للمطلوب وللنساء نصيب مما اكتسبن. فكل منهم لا يناله غير ما كسبه وتعب فيه. واسألوا الله من فضله. اي من جميع مصالحكم في الدين والدنيا فهذا كمال العبد وعنوان سعادته. لا من يترك العمل او يتكل على نفسه غير مفتقر لربه. او يجمع بين الامرين فان هذا مخذول خاسر وقوله ان الله كان بكل شيء عليما. فيعطي من يعلمه اهلا لذلك ويمنع من يعلمه غير مستحق فاتوا هم نصيبهم ان الله كان على كل شيء شهيدا. اي ولكل من الناس جعلنا موالي ان يتولونه ويتولاهم بالتعزز والنصرة والمعاونة على الامور. مما ترك الوالدان والاقربون وهذا يشمل سائر الاقارب من الاصول والفروع والحواشي. هؤلاء الموالي من القرابة ثم ذكر نوعا اخر من الموالي فقال والذين عقدت ايمانكم اي حالفتموهم بما عقدتم معهم من عقد المخالفة على النصرة والمساعدة. والاشتراك بالاموال وغير ذلك. وكل هذا من نعم الله على عباده. حيث كان والي يتعاونون بما لا يقدر عليه بعضهم مفردا. قال تعالى فاتوهم نصيبهم اي اتوا الموالي نصيبهم. الذي يجب القيام به من النصرة المعاونة والمساعدة على غير معصية الله. والميراث للاقارب الادنين من الموالي. ان الله كان على كل شيء شهيدا. اي مطلعا على كل شيء اه واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضرب يخبر تعالى ان الرجال قوامون على النساء. اي قوامون عليهن بالزامهن بحقوق الله تعالى. من المحافظة على فرائضه فيهن عن المفاسد والرجال عليهم ان يلزموهن بذلك وقوامون عليهن ايضا بالانفاق عليهن والكسوة والمسكن. ثم ذكر السبب الموجب لقيام الرجال على النساء فقال بما فضل الله بعضهم على بعض وبما انفقوا من اموالهم اي بسبب فضل الرجال على النساء وافضالهم عليهن فتفضيل الرجال على النساء من وجوه متعددة من كون الولايات مختصة بالرجال والنبوة والرسالة واختصاصهم بكثير من العبادات كالجهاد الاعيان والجمع وبما خصهم الله به من العقل والرزانة والصبر والجلد. الذي ليس للنساء مثله. وكذلك خصهم بالنفقات على الزوجات. بل وكثير من فقط يختص به الرجال ويتميزون عن النساء. ولعل هذا سر قوله بما انفقوا. وحذف المعمول ليدل على عموم النفقة. فعلم منها هذا كله ان الرجل كالوالي والسيد لامرأته. وهي عنده عانية اسيرة خادمة. فوظيفته ان يقوم بما استرعاه الله به. ووظيفتها صيام بطاعة ربها وطاعة زوجها. فلهذا قال فالصالحات قانتات اي مطيعات لله تعالى. حافظات للغيب اي مطيعات لازواج وجههن حتى في الغيب تحفظ بعلها بنفسها وماله. وذلك بحفظ الله لهن وتوفيقه لهن لا من انفسهن. فان النفس امارة بالسوء ولكن من توكل على الله كفاه ما اهمه من امر دينه ودنياه. ثم قال واللاتي تخافون نشوزهن اي ارتفاعهن عن طاعة ازواجهن بان تعصيهم بالقول او الفعل فانه يؤدبها بالاسهل فالاسهل. فعظوهن اي ببيان حكم الله في طاعة الزوج ومعصيته. والترغيب في الطاعة الترهيب من المعصية فان انتهت فذلك المطلوب. والا فيهجرها الزوج في المضجع. بالا يضاجعها ولا يجامعها بمقدار ما يحصل به المقصود الا ضربها ضربا غير مبرح. فان حصل المقصود بواحد من هذه الامور واطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا. اي فقد حصل لكم ما تحبون تترك معاتبتها على الامور الماضية. والتنقيب عن العيوب التي يضر ذكرها. ويحدث بسببه الشر. ان الله كان عليا كبيرا. اي له العلو المطلق بجميع الوجوه والاعتمارات. علو الذات وعلو القدر وعلو القهر. الكبير الذي لا اكبر منه ولا اجل ولا اعظم. كبير الذات الصفات يريد اصلاحا يوفق الله بينهما. ان الله كان عليما خبيرا. ايه وان خفتم الشقاق بين الزوجين والمباعدة والمجانبة حتى يكون كل منهما في شق فابعثوا حكما من اهله وحكما من اهلها اي رجلين مكلف مسلمين عدلين عاقلين يعرفان ما بين الزوجين ويعرفان الجمع والتفريق وهذا مستفاد من لفظ الحكم لانه لا يصلح حكما الا من اتصف بتلك الصفات فينظران ما ينقم كل منهما على صاحبه. ثم يلزمان كلا منهما على ما يجب. فان لم يستطع احدهما ذلك. قناع الزوج اخر بالرضا بما تيسر من الرزق والخلق. ومهما امكنهما الجمع والاصلاح فلا يعدلا عنه. فان وصلت الحال الى انه لا يمكن اجتماعهما واصلاحهما الى على وجه المعاداة والمقاطعة ومعصية الله. ورأيا ان التفريق بينهما اصلح فرقا بينهما. ولا يشترط رضا الزوج كما يدل عليه ان الله سماهما حكمين. والحكم يحكم ولو لم يرضى المحكوم عليه. ولهذا قال ان يريدا اصلاحا يوفق الله بينهما. اي بسبب الرأي للميمون والكلام الذي يجذب القلوب. ويؤلف بين القرينين. ان الله كان عليما خبيرا. اي عالما بجميع الظواهر والبواطن. مطلعا على خفاء الامور واسرارها فمن علمه وخيره ان شرع لكم هذه الاحكام الجليلة والشرائع الجميلة والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنة وما ملكت ايمانكم يأمرك على عباده بعبادته وحده لا شريك له. وهو الدخول تحترق عبوديته والانقياد لاوامره ونواهيه محبة وذلا واخلاصا له في جميع العبادات الظاهرة والباطنة. وينهى عن الشرك به شيئا لا شركا اصغر ولا اكبر لا ملكا ولا نبيا ولا وليا ولا غيره من المخلوقين. الذين لا يملكون لانفسهم نفعا ولا ضرا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا بل الواجب المتعين اخلاص العبادة لمن له الكمال المطلق من جميع الوجوه. وله التدبير الكامل الذي لا يشركه ولا يعينه عليه احد. ثم بعد ما امر بعبادته والقيام بحقه. امر بالقيام بحقوق العباد. الاقرب فالاقرب. فقال وبالوالدين احسانا. اي احسنوا اليهم قولي الكريم والخطاب اللطيف والفعل الجميل بطاعة امرهما واجتناب نهيهما والانفاق عليهما واكرام من له تعلق بهما وصلة الرحم التي لا رحم لك الا بهما. وللاحسان ظدان الاساءة وعدم الاحسان. وكلاهما منهي عنه. وبذي القربى ايضا احسان ويشمل ذلك جميع الاقارب. قربوا او بعدوا بان يحسن اليهم بالقول والفعل. والا يقطعن برحمه بقوله او فعله. واليتامى اي الذين فقدوا اباءهم وهم صغار فلهم حق على المسلمين سواء كانوا اقارب او غيرهم بكفالتهم وبرهم وجبر خواطرهم وتأديب وتربيتهم احسن تربية في مصالح دينهم ودنياهم. والمساكين وهم الذين اسكنتهم الحاجة والفقر. فلم يحصلوا على كفايتهم ولا حياة من يمونون فامر الله تعالى بالاحسان اليهم لسد خلتهم وبدفع فاقتهم والحض على ذلك والقيام بما يمكن منه والجاري ذي القربى اي الجار القريب الذي له حقان. حق الجوار وحق القرابة. فله على جاره حق واحسان راجع الى العرف. وكذلك الجار الجن اي الذي ليس له قرابة. وكلما كان الجار اقرب بابا كان اكد حقا. فينبغي للجار ان يتعاهد جاره بالهدية والصدقة. والدعوة واللطافة بالاقوال والافعال وعدم اذيته بقول او فعل. والصاحب بالجنب قيل الرفيق بالسفر وقيل الزوجة وقيل صاحب ولعله اولى فانه يشمل الصاحب في الحضر والسفر ويشمل الزوجة. فعلى الصاحب لصاحبه حق زائد على مجرد اسلامه. من على امور دينه ودنياه. والنصح له والوفاء معه في اليسر والعسر. والمنشط والمكره. وان يحب له ما يحب لنفسه. ويكره له ما يكره لنفسه وكلما زادت الصحبة تأكد الحق وزاد. وابن السبيل وهو الغريب الذي احتاج في بلد الغربة او لم يحتج. فله حق على المسلمين حاجته وكونه في غير وطنه. بتبليغه الى مقصوده او بعض مقصوده وبإكرامه وتأنيسه. وما ملكت ايمانكم اي من الادميين البهائم بالقيام بكفايتهم وعدم تحميلهم ما يشق عليهم واعانتهم على ما يتحملون وتأديبهم لما فيه مصلحتهم فمن قام بهذه المأمورة فهو الخاضع لربه. المتواضع لعباد الله. المنقاد لامر الله وشرعه. الذي يستحق الثواب الجزيل والثناء الجميل. ومن لم يقم بذلك انه عبد معرض عن ربه غير منقاد لاوامره ولا متواضع للخلق. بل هو متكبر على عباد الله معجب بنفسه. فخور بقوله لهذا قال ان الله لا يحب من كان مختالا. اي معجبا بنفسه متكبرا على الخلق فخورا يثني على نفسه ويمدحها. على وجه الفخر والبطن على عباد الله فهؤلاء ما بهم من الاختيال والفخر يمنعهم من القيام بالحقوق. ولهذا ذمهم بذلك بقوله يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ويكتمون ما اتاهم الله من فضله الذين يبخلون ان يمنعون ما عليه من الحقوق الواجبة ويأمرون الناس بالبخل باقوالهم وافعالهم ويكتمون ما اتاهم الله من فضله. اي من العلم الذي يهتدي به الضالون ويسترشد به الجاهلون. فيكتمونه عليهم ويظهرون لهم من الباطل ما يحول بينهم وبين الحق. فجمعوا بين البخل بالمال والبخل بالعلم وبين السعي في خسارة انفسهم وخسارة غيرهم. وهذه هي صفات الكافرين. فلهذا قال تعالى واعتدنا للكافرين عذابا مهينا. اي كما تكبروا على عباد الله ومنعوا حقوقه في منع غيرهم من البخل وعدم الاهتداء. اهانهم بالعذاب الاليم والخزي الدائم. فعياذا بك اللهم من كل سوء. ثم اخبر عن النفقة الصادرة عن رياء وسمعة وعدم ايمان به. فقال الناس ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الاخر والذين ينفقون اموالهم رئاء الناس اي ليروهم ويمدحوهم ويعظموهم ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الاخر. اي ليس انفاقهم صادرا عن اخلاص وايمان بالله. ورجاء ثوابه. اي فهذا من خطوات الشيطان واعماله التي يدعو اليها ليكونوا من اصحاب السعير. وصدرت منهم بسبب مقارنته لهم وازهم اليها. فلهذا قال ومن يكن قالوا له قرينا فساء قرينا. اي بئس المقارن والصاحب الذي يريد اهلاك من قارنه. ويسعى فيه اشد السعي. فكما ان من بخل بما اتاهم الله وكتم ما من الله به عليه عاص اثم مخالف لربه. فكذلك من انفق وتعبد لغير الله فانه اثم عاص لربه مستوجب للعقوبة لان الله انما امر بطاعته وامتثال امره على وجه الاخلاص. كما قال الله تعالى وما امروا الا ليعبدوا الله مخلصين له فهذا العمل المقبول الذي يستحق صاحبه المدح والثواب. فلهذا حث تعالى عليه بقوله واليوم الاخر وانفقوا مما رزقهم الله اي اي شيء عليهم واي حرج ومشقة تلحقهم لو حصل منهم الايمان بالله الذي هو الاخلاص. وانفقوا من اموالهم التي رزقهم الله وانعم بها عليهم. فجمعوا بين الاخلاص والانفاق. ولما يخبر تعالى عن كمال عدله وفضله. وتنزهه عما يضاد ذلك من الظلم القليل والكثير. فقال ان الله مثقال ذرة اي ينقصها من حسنات عبده او يزيدها في سيئاته. كما قال تعالى فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره. ومن يعمل مثقال كل ذرة شرا يره. وان تكن حسنة يضاعفها. اي الى عشرة امثالها. الى اكثر من ذلك. بحسب حالها ونفعها وحال صاحبها اخلاصا ومحبة وكمالا. ويؤتي من لدنه اجرا عظيما. اي زيادة على ثواب العمل بنفسه. من التوفيق لاعمال الخير واعطاء البر الكثير بالخير الغزير ثم قال تعالى جئنا بك على هؤلاء شهيدا. اي كيف تكون تلك الاحوال؟ وكيف يكون ذلك الحكم العظيم الذي جمع ان من حكم به كامل العلم كامل العدل كامل الحكمة بشهادة ازكى الخلق وهم الرسل على اممهم مع اقرار المحكوم عليه فهذا والله الحكم الذي هو اعم الاحكام واعدلها واعظمها. وهناك يبقى المحكوم عليهم مقرين له لكمال الفضل والعدل. والحمد والثناء وهنالك يسعد اقوام بالفوز والفلاح والعز والنجاح. ويشقى اقوام بالخزي والفضيحة والعذاب المهين. ولهذا قال لا يكتبون الله يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول اي جمعوا بين الكفر بالله برسوله ومعصية الرسول لو تسوى بهم الارض اي تبتلعهم ويكونون ترابا وعدما. كما قال تعالى ويقول الكافر يا ليتني اني كنت ترابا ولا يكتمون الله حديثا. اي بل يقرون له بما عملوا. وتشهد عليهم السنتهم وايديهم وارجلهم بما كانوا يعملون ثم اذ يوفيهم الله جزاءهم الحق ويعلمون ان الله هو الحق المبين. فاما ما ورد من ان الكفار يكتمون كفرهم وجحودهم. فان ذلك يا ايها الذين امنوا لا تقربوا الصلاة وانتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا آآ فامسحوا بوجوهكم ينهى تعالى عباده المؤمنين ان يقربوا الصلاة وهم سكارى حتى يعلموا ما يقولون وهذا شامل لقربان مواضع الصلاة في المسجد. فانه لا يمكن السكران من دخوله. وشامل لنفس الصلاة فانه لا يجوز للسكران صلاة ولا عبادة عبادة لاختلاط عقله وعدم علمه بما يقول. ولهذا حدد تعالى ذلك وغياه الى وجود العلم بما يقول السكران. وهذه الاية الكريمة من بتحريم الخمر مطلقا. فان الخمر في اول الامر كان غير محرم. ثم ان الله تعالى عرظ لعباده بتحريمه. بقوله يسألونك عن والميسر قل فيهما اثم كبير ومنافع للناس. واثمهما اكبر من نفعهما. ثم انه تعالى نهاهم عن الخمر عند حضور الصلاة. كما في هذه اية ثم انه تعالى حرمه على الاطلاق في جميع الاوقات في قوله يا ايها الذين امنوا انما الخمر والميسر والانصاب والازلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه. ومع هذا فانه يشتد تحريمه وقت حضور الصلاة. لتضمنه هذه المفسدة العظيمة. بعد حصول مقصود الصلاة الذي هو روحها وهو الخشوع وحضور القلب. فان الخمر يسكن القلب ويصد عن ذكر الله وعن الصلاة. ويؤخذ من المعنى منع الدخول في الصلاة في حال النعاس المفرط الذي لا يشعر صاحبه بما يقول ويفعل بل لعل فيه اشارة الى انه ينبغي لمن اراد الصلاة ان يقطع عنه كل شاغل يشغل فكرة كمدافعة الاخبثين والتواقي لطعام ونحوه. كما ورد في ذلك الحديث الصحيح. ثم قال ولا جنبا الا عابري السبيل. اي لا تقربوا الصلاة حالة كون احدكم الا في هذه الحال وهو عابر السبيل. اي تمرون في المسجد ولا تمكثون فيه. حتى تغتسلوا اي فاذا اغتسلتم فهو غاية المنع من قربان للصلاة للجنب فيحل للجنب المرور في المسجد فقط. وان كنتم مرضى او على سفر او جاء احد منكم من الغائط. او لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا. فاباح التيمم للمريض مطلقا مع وجود الماء وعدمه. والعلة المرض الذي يشق معه استعمال الماء. وكذلك السفر فانه مظنة فقد الماء. فاذا فقده المسافر او وجد ما يتعلق بحاجته من شرب ونحوه. جاز له التيمم. وكذلك اذا احدث الانسان ببول او حائط او ملامسة النساء فانه يباح له التيمم اذا لم يجد الماء حضرا وسفرا. كما يدل على ذلك عموم الاية والحاصل ان الله تعالى ابى احد تيمم في حالتين حال عدم الماء وهذا مطلقا في الحضر والسفر. وحال المشقة باستعماله بمرض ونحوه. واختلف المفسرون في معنى قوله او لامستم النساء هل المراد بذلك الجماع فتكون الاية نصا في جواز التيمم للجنب؟ كما تكاثرت بذلك الاحاديث الصحيحة او المراد مجرد اللمس باليد ويقيد ذلك بما اذا كان مظنة خروج المذي. وهو المس الذي يكون لشهوة فتكون الاية دالة على نقض الوضوء بذلك واستدل الفقهاء بقوله فلم تجدوا ماء بوجوب طلب الماء عند دخول الوقت قالوا لانه لا يقال لم يجد لمن لم يطلب بل لا يكون ذلك لك الا بعد الطلب واستدل بذلك ايضا على ان الماء المتغير بشيء من الطاهرات يجوز بل يتعين التطهر به لدخوله في قوله فلم تجدوا ماء وهذا ماء ونزع في ذلك بانه ماء غير مطلق. وفي ذلك نظر. وفي هذه الاية الكريمة مشروعية هذا الحكم العظيم امتن به الله على هذه الامة وهو مشروعية التيمم. وقد اجمع على ذلك العلماء ولله الحمد. وان التيمم يكون بالصعيد الطيب. وهو كل ما تصاعد على وجه الارض سواء كان له غبار ام لا ويحتمل ان يختص ذلك بذي الغبار. لان الله قال فامسحوا بوجوهكم وايديكم منه ما لا غبار له لا يمسح به. وقوله فامسحوا بوجوهكم وايديكم. هذا محل المسح في التيمم. الوجه جميعه واليدان الى الكوعين كما دلت على ذلك الاحاديث الصحيحة. ويستحب ان يكون ذلك بضربة واحدة. كما دل على ذلك حديث عمار. وفيه ان تيمم الجنب كتيمم غيره بالوجه واليدين. فائدة اعلم ان قواعد الطب تدور على ثلاث قواعد. حفظ الصحة عن المؤذيات والاستفراغ منها والحمية عنها وقد نبه تعالى عليها في كتابه العزيز. اما حفظ الصحة والحمية عن المؤذي فقد امر بالاكل والشرب وعدم الاسراف في ذلك. واباح للمسافر عيد الفطر حفظا لصحتهما باستعمال ما يصلح البدن على وجه العدل. وحماية للمريض عما يضره. واما استفراغ المؤذي فقد اباح تعالى فانه انجح لحصول المقصود. وبالغ في زجرهم وقمعهم عما كانوا عليه. وفي هذا دليل على ان مقترف المعاصي وان اعرض عنه. فانه ينصح سرا ويبالغ في وعظه بما يظن حصول المقصود به تحريم المتأذي برأسه ان يحلقه. لازالة الابخرة المحتقنة فيه. ففيه تنبيه على استفراغ ما هو اولى منها. من البول والغائط والقيء والمني والدم وغير ذلك نبه على ذلك ابن القيم رحمه الله تعالى. وفي الاية وجوب تعميم مسح الوجه واليدين. وانه يجوز التيمم ولو لم لضيق الوقت والا يخاطب بطلب الماء الا بعد وجود سبب الوجوب. والله اعلم. ثم ختم الاية بقوله ان الله كان عفوا غفورا اي كثير العفو والمغفرة لعباده المؤمنين بتيسير ما امرهم به وتسهيله غاية التسهيل بحيث لا يشق على العبد امتثاله فيحرج بذلك من عفوه ومغفرته ان رحم هذه الامة بشرع طهارة التراب بدل الماء. عند تعذر استعماله. ومن عفوه ومغفرته ان فتح للمذنبين باب التوبة والانابة ودعاهم اليه ووعدهم بمغفرة ذنوبهم ومن عفوه ومغفرته ان المؤمن لو اتاه بقراب الارض خطايا ثم لقيه لا يشرك به شيئا لاتاه بقرابها مغفرة والله اعلم وكفى هذا ذم لمن اوتوا نصيبا من الكتاب في ضمنه تحذير عباده عن الاغترار بهم والوقوع في اشراكهم. فاخبر انهم في انفسهم يشترون الضلالة. اي يحبونها محبة عظيمة ويؤثرونها ايثار من يبذل المال الكثير في طلب ما يحبه. فيؤثرون الضلال على الهدى والكفر على الايمان والشقاء على السعادة. ومع هذا يريدون ان تضلوا السبيل. فهم حريصون على اضلالكم غاية الحرص. باذلون جهدهم في ذلك. ولكن لما كان الله ولي عباده المؤمنين ونصرهم بين لهم ما اشتملوا عليه من الضلال والاضلال. ولهذا قال وكفى بالله وليا ان يتولى احوال عباده ويلطف بهم في جميع امورهم وييسر لهم ما به سعادتهم وفلاحهم. وكفى بالله نصيرا. ينصرهم على اعدائهم. ويبين لهم ما يحذرون منهم ويعينهم عليهم تعالى فيها حصول الخير ونصره فيه زوال الشر. ثم بين كيفية ضلالهم وعنادهم وايثارهم الباطل على الحق. فقال من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه ويقولون سمعنا وعصينا ويقولون سمعنا ولو انهم قالوا سمعنا واطعنا واسمع وانظرنا لكان خيرا لهم واقوم ولكن ان لعنهم الله بكفرهم فلا يؤمنون الا قليلا. من الذين هادوا اي اليهود وهم علماء الضلال منهم يحرفون الكلم عن مواضعه. اما بتغيير اللفظ او المعنى او هما جميعا. فمن تحريفهم تنزيل الصفات التي ذكرت في كتبهم التي لا تنطبق ولا تصدق الا على محمد صلى الله عليه وسلم. على انه غير مراد بها ولا مقصود بها. بل اريد بها غيره وكتمانهم ذلك فهذا حالهم في العلم اشر حال. قلبوا فيه الحقائق ونزلوا الحق على الباطل. وجحدوا لذلك الحق. واما حالهم في العمل والانقياد انهم يقولون سمعنا وعصينا. اي سمعنا قولك وعصينا امرك. وهذا غاية الكفر والعناد والشرود عن الانقياد. وكذلك يخاطبون الرسول صلى الله الله عليه وسلم باقبح خطاب وابعده عن الادب. فيقولون اسمع غير مسمع. قصدهم اسمع منا غير مسمع ما تحب. بل مسمع ما تكره وراعنا. قصدهم بذلك الرعونة بالعيب القبيح. ويظنون ان اللفظ لما كان محتملا لغير ما ارادوا من الامور. انه على الله وعلى رسوله. فتوصلوا بذلك اللفظ الذي يلون به السنتهم الى الطعن في الدين والعيب للرسول. ويصرحون بذلك فيما بينهم. فلهذا قال لين بالسنتهم وطعنا في الدين. ثم ارشدهم الى ما هو خير لهم من ذلك. فقال ولو انهم قالوا سمعنا واطعنا واسمع وانظرنا لكان خيرا لهم واقوم. وذلك لما تضمنه هذا الكلام من حسن الخطاب والادب اللائق في مخاطبة الرسول. والدخول تحت طاعة الله والانقياد لامره وحسن التلطف في طلبهم العلم بسماع سؤالهم. والاعتناء بامرهم. فهذا هو الذي ينبغي لهم سلوكه. ولكن لما كانت طبائعهم غير زكية اعرضوا عن ذلك وطردهم الله بكفرهم وعنادهم. ولهذا قال ولكن لعنهم الله بكفرهم فلا يؤمنون الا قليلا يا ايها الذين اوتوا الكتاب امنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم من قبل ان نطيق يأمر تعالى اهل الكتاب من اليهود والنصارى ان يؤمنوا بالرسول محمد صلى الله عليه وسلم. وما انزل الله عليه من القرآن العظيم. المهيمن على غيره من الكتب السابقة التي قد صدقها. فانها اخبرت به فلما وقع المخبر به كان تصديقا لذلك الخبر. وايضا فانهم ان لم يؤمنوا بهذا القرآن فانهم لم يؤمنوا بما في ايديهم من الكتب. لان كتب الله بعضها بعضا ويوافق بعضها بعضا. فدعوى الايمان ببعضها دون بعض دعوا باطلة. لا يمكن صدقها. وفي قوله امنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم حث لهم وانهم ينبغي ان يكونوا قبل غيرهم مبادرين اليه بسبب ما انعم الله عليهم به من العلم والكتاب الذي يوجب ان يكون ما عليهم اعظم من غيرهم. ولهذا توعدهم على عدم الايمان فقال من قبل ان نطمس وجوها فنردها على ادبارها. وهذا من جنس ما عملوا كما تركوا الحق واثروا الباطل وقلبوا الحقائق فجعلوا الباطل حقا والحق باطلا. جوزوا من جنس ذلك بطمس وجوههم كما الحق وردها على ادبارها بان تجعل في اقفائهم. وهذا اشنع ما يكون. او نلعنهم كما لعنا اصحاب السبت. بان يطردهم من رحمته ويعاقبهم بجعلهم قردة كما فعل باخوانهم الذين اعتدوا في السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين وكان امر الله مفعولا كقوله انما امره اذا اراد شيئا ان يقول له كن فيكون ومن يشرك بالله فقد افترى اثما يخبر تعالى انه لا يغفر لمن اشرك به احدا من المخلوقين. ويغفر ما دون الشرك من الذنوب. صغائرها وكبائرها. وذلك عند بمشيئته مغفرة ذلك اذا اقتضت حكمته مغفرته فالذنوب التي دون الشرك قد جعل الله لمغفرتها اسبابا كثيرة كالحسنات الماحية والمصائب المكفرة في الدنيا والبرزخ ويوم القيامة. وكدعاء المؤمنين بعضهم لبعض وشفاعة الشافعين. ومن فوق ذلك كله رحمته التي احق بها اهل الايمان والتوحيد وهذا بخلاف الشرك فان المشرك قد سد على نفسه ابواب المغفرة. واغلق دونه ابواب الرحمة فلا تنفعه الطاعات من دون التوحيد ولا تفيده المصائب شيئا وما لهم يوم القيامة من شافعين ولا صديق حميم. ولهذا قال تعالى ومن يشرك بالله فقد افترى من عظيم اي افترى جرما كبيرا واي ظلم اعظم ممن سوى المخلوق من تراب الناقص من جميع الوجوه الفقير بذاته من كل وجه الذي لا يملك نفسه فضلا عن من عبده نفعا ولا ضرا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا. بالخالق لكل شيء الكامل من جميع الوجوه الغني بذاته عن جميع مخلوقاته الذي بيده النفع والضر والعطاء والمنع الذي ما من نعمة بالمخلوقين الا فمنه تعالى فهل اعظم من هذا الظلم شيء ولهذا حتم على صاحبه بالخلود بالعذاب وحرمان الثواب. انه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة. ومأواه النار. وهذه الاية الكريمة في حق غير التائب. واما التائب فانه يغفر له الشرك فما دونه. كما قال تعالى قل يا عبادي الذين اسرفوا على انفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ان الله يغفر الذنوب جميعا. اي لمن تاب اليه واناب بل الله يزكي من يشاء هذا تعجيب من الله لعباده وتوبيخ للذين يزكون انفسهم من اليهود والنصارى ومن نحى نحوهم من كل من زكى نفسه بامر ليس فيه. وذلك ان اليهود والنصارى يقولون نحن ابناء الله واحباؤه. ويقولون يدخل الجنة الا من كان هودا او نصارى. وهذا مجرد دعوة لا برهان عليها. وانما البرهان ما اخبر به في القرآن في قوله. بلى من اسلم وجهه لله اي وهو محسن فله اجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون. فهؤلاء هم الذين زكاهم الله ولهذا قال هنا بل الله يبكي من يشاء اي بالايمان والعمل الصالح. بالتخلي عن الاخلاق الرذيلة والتحلي بالصفات الجميلة. واما هؤلاء فهم وان زكوا انفسهم بزعم انهم على شيء وان الثواب لهم وحدهم فانهم كذبة في ذلك. ليس لهم من خصال الزكين نصيب بسبب ظلمهم وكفرهم لا بظلم من والله لهم ولهذا قال ولا يظلمون فتيلا وهذا لتحقيق العموم اي لا يظلمون شيئا ولا مقدار الفتيل الذي في شق النواة او الذي يفتل من وسخ اليد وغيرها. قال تعالى انظر كيف يفترون على الله الكذب اي بتزكيتهم انفسهم لان هذا من اعظم الافتراء على الله ان مضمون تزكيتهم لانفسهم. الاخبار بان الله جعل ما هم عليه حقا. وما عليه المؤمنون المسلمون باطلا. وهذا اعظم الكذب. وقلب الحقائق بجعل الحق باطلا والباطل حقا. ولهذا قال وكفى به اثما مبينا. اي ظاهرا بينا. موجبا للعقوبة البليغة والعذاب الاليم اليم المتر الى الذين اوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون اهدى من الذين امنوا سبيلا وهذا من قبائح اليهود وحسدهم للنبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين ان اخلاقهم الرذيلة وطمعهم الخبيث حملهم على ترك ايماني بالله ورسوله والتعوظ عنه بالايمان بالجبت والطاغوت. وهو الايمان بكل عبادة لغير الله. او حكم بغير شرع الله. فدخل في ذلك السحر والكهانة وعبادة غير الله وطاعة الشيطان. كل هذا من الجبت والطاغوت. وكذلك حملهم الكفر والحسد على ان فضلوا طريقة الكافرين بالله الاصنام على طريق المؤمنين. فقال ويقولون للذين كفروا اي لاجلهم تملقا لهم ومداهنة وبغضا للايمان. هؤلاء اهدى من الذين امنوا سبيلا. اي طريقا فما اسمجهم واشد عنادهم واقل عقولهم. كيف سلكوا هذا المسلك الوخيم والوادي الذميم هل ظنوا ان هذا يروج على احد من العقلاء؟ او يدخل عقل احد من الجهلاء فهل يفضل دين قام على عبادة الاصنام والاوثان؟ واستقام على تحريم الطيبات واباحة الخبائث واحلال كثير من المحرمات واقامة الظلم بين الخلق وتسوية الخالق بالمخلوقين والكفر بالله ورسله وكتبه على قام على عبادة الرحمن والاخلاص لله في السر والاعلان والكفر بما يعبد من دونه من الاوثان والانداد والكاذبين. وعلى صلة الارحام والاحسان الى جميع الخلق حتى البهائم واقامة العدل والقسط بين الناس. وتحريم كل خبيث وظلم والصدق في جميع الاقوال والاعمال. فهل هذا الا من هذيان وصاحب هذا القول ان من اجهل الناس واضعفهم عقلا واما من اعظمهم عنادا وتمردا ومراغمة للحق. وهذا هو الواقع ولهذا فقال تعالى عنهم اولئك الذين لعنهم فلن تجد له نصيرا. اولئك الذين لعنهم الله اي طردهم عن رحمته. واحل عليهم نقمته. ومن يلعن الله ان تجد له نصيرا ان يتولاه ويقوم بمصالحه ويحفظه عن المكاره. وهذا غاية الخذلان ام لهم نصيب من الملك اي فيفضلون من شاءوا على من شاؤوا بمجرد اهواءهم فيكونون شركاء لله في تدبير المملكة. فلو كانوا كذلك لشحوا وبخلوا اشد البخل. ولهذا قال فاذا اي لو كان لهم نصيب من الملك لا يؤتون الناس نقيرا اي شيئا ولا قليلا. وهذا وصف لهم بشدة البخل على تقدير وجود ملكهم المشارك لملك الله خرج هذا مخرج الاستفهام المتقرر انكاره عند كل احد ام يحسدون الناس على ما اتاهم الله من فضله؟ اي هل الحامل لهم على قولهم كونهم شركاء لله؟ فيفضلون من شاؤوا ام الحامل لهم على ذلك الحسد للرسول وللمؤمنين على ما اتاهم الله من فضله وذلك ليس ببدع ولا غريب على فضل الله. فقد اتينا ال إبراهيم الكتاب والحكمة واتيناه ملكا عظيما. وذلك ما انعم الله به على ابراهيم وذريته من النبوة والكتاب والملك الذي اعطاه من اعطاه من انبيائه كداود وسليمان. فان عامه لم يزل مستمرا على عباده المؤمنين فكيف ينكرون انعامه بالنبوة والنصر والملك لمحمد صلى الله عليه وسلم؟ افضل الخلق واجلهم واعظمهم معرفة بالله واخشاهم له فمنهم من امن به اي بمحمد صلى الله عليه وسلم. فنال بذلك السعادة الدنيوية والفلاح الاخرى ومنهم من صد عنه عنادا وبغيا وحسدا. فحصل له من شقاء الدنيا ومصائبها. ما هو بعض اثار معاصيهم؟ وكفى بجهنم تسعر على من كفر بالله وجحد نبوة انبيائه من اليهود والنصارى وغيرهم من اصناف الكفرة. ولهذا قال الذين كفروا باياتنا سوف نصلي نارا كلما نضجت جلودهم بداناهم كلما نضجت جلودهم بدلناهم كلما نضجت جلودهم بدلناهم ان الله كان عزيزا حكيما آآ ان الذين كفروا باياتنا سوف نصليهم نارا اي عظيمة الوقود شديدة الحرارة. كلما نضجت جلودهم اي احترقت بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب. اي ليبلغ العذاب منهم كل مبلغ. وكما تكرر منهم الكفر والعناد. وصار وصفا لهم وسجية عليهم العذاب جزاء وفاقا. ولهذا قال ان الله كان عزيزا حكيما. اي له العزة العظيمة والحكمة في خلقه وامره ثوابه وعقابه سندخلهم جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها ابدا لهم فيها ازواج مطهرة وندخلهم ظلا ظليل والذين امنوا اي بالله وما اوجب الايمان به. وعملوا الصالحات من الواجبات والمستحبات. سندخلهم تجري من تحتها الانهار خالدين فيها ابدا. لهم فيها ازواج مطهرة. اي من الاخلاق الرذيلة والخلق الذميم. ومما يكون من نساء الدنيا من كل دنس وعيب. وندخلهم ظلا ظليلا ان الله يأمركم ان تؤدوا الامانات الى اهلها. واذا حكمتم بين الناس ان بصيرا. الامانات كل ما اؤتمن عليه الانسان وامر بالقيام به. فامر الله عباده بادائها اي كاملة موفرة. لا ولا مبخوسة ولا منطونا بها ويدخل في ذلك امانات الولايات والاموال والاسرار والمأمورات التي لا يطلع عليها الا الله. وقد ذكر الفقهاء على ان من اؤتمن امانة وجب عليه حفظها في حرز مثلها. قالوا لانه لا يمكن اداؤها الا بحفظها فوجب ذلك في قوله الى اهلها دلالة على انها لا تدفع وتؤدى لغير المؤتمن. ووكيله بمنزلته. فلو دفعها لغير ربها لم يكن مؤديا لها واذا حكمتم بين الناس ان تحكموا بالعدل. وهذا يشمل الحكم بينهم في الدماء والاموال والاعراض. القليل من ذلك والكثير على القريب والبعيد والبر والفاجر والولي والعدو. والمراد بالعدل الذي امر الله بالحكم به. هو ما شرعه الله على لسان رسوله من الحدود والاحكام. وهذا يستلزم معرفة العدل ليحكم به. ولما كانت هذه اوامر حسنة عادلة. قال ان الله نعم ما يعظكم به. ان الله كان سميعا بصيرا. وهذا من الله لاوامره ونواهيه. اشتمالها على مصالح الدارين ودفع مضاريهما. لان شارعها السميع البصير الذي لا تخفى عليه خافية. ويعلم من مصالح العباد ما لا يعلمون ثم امر بطاعته وطاعة رسوله وذلك بامتثال امرهما الواجب والمستحب واجتناب نهيهما وامر بطاعة اولي الامر. وهم الولاة على الناس من الامراء والحكام والمفتين. فانه لا يستقيم للناس امر دينهم ودنياهم الا بطاعتهم والانقياد لهم. طاعة لله ورغبة فيما عنده. ولكن بشرط الا يأمروا بمعصية الله فان امروا بذلك فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. ولعل هذا هو السر في حذف الفعل عند الامر بطاعتهم. وذكره مع طاعة الرسول. فان لا يأمر الا بطاعة الله. ومن يطعه فقد اطاع الله. واما اولو الامر فشرط الامر بطاعتهم الا يكون معصية. ثم امر برد كل ما تنازع الناس فيه من اصول الدين وفروعه الى الله والى رسوله. اي الى كتاب الله وسنة رسوله. فان فيهما الفصل في جميع المسائل الخلافية اما بصريحها او عمومها او ايماء او تنبيه او مفهوم او عموم معنى يقاس عليه ما اشبهه. لان كتاب الله وسنة رسوله عليهما بناء الدين ولا يستقيم الايمان الا بهما. فالرد اليهما شرط في الايمان. فلهذا قال ان كنتم تؤمنون بالله واليوم الاخر. فدل ذلك على ان من لم رد اليهما مسائل النزاع فليس بمؤمن حقيقة بل مؤمن بالطاغوت كما ذكر في الاية بعدها ذلك اي الرد الى الله ورسوله واحسن تأويلا. فان حكم الله ورسوله احسن الاحكام واعدلها. واصلحها للناس في امر دينهم ودنياهم وعاقبتهم الم ترين الذين يزعمون انهم امنوا بما انزل اليك وما قبلك يريدون يريدون ان يتحاكموا الى الطاغوت وقد امروا ان يكفروا به ويريد الشيطان ان واذا قيل لهم تعالوا الى ما انزل الله والى واذا قيل لهم تعالوا الى ما انزل الله والى الرسول رأيت المنافقين حين يصدون رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا. دع تعالى عباده من حالة المنافقين الذين يزعمون انهم مؤمنون بما جاء به الرسول وبما قبله. ومع هذا يريدون ان يتحاكموا الى الطاغوت وهو كل من حكم بغير شرع الله فهو طاغوت. والحال انهم قد امروا ان يكفروا به. فكيف يجتمع هذا والايمان؟ فان الايمان يقتضي الانقياد بشرع الله وتحكيمه في كل امر من الامور. فمن زعم انه مؤمن واختار حكم الطاغوت على حكم الله فهو كاذب في ذلك. وهذا من اضلال الشيطان اياه ولهذا قال ويريد الشيطان ان يضلهم ضلالا بعيدا عن الحق فكيف اذا اصابتهم مصيبة بما قدمت ايديهم ثم ثم يحلفون بالله ان اردنا الا احسانا فكيف يكون حال هؤلاء الضالين اذا اصابتهم مصيبة بما قدمت ايديهم من المعاصي ومنها تحكيم اعود ثم جاءوك معتذرين لما صدر منهم ويقولون ان اردنا الا احسانا وتوفيقا. اي ما قصدنا في ذلك الا الاحسان الى المتخاصمين والتوفيق بينهم وهم كذبة في ذلك. فان الاحسان كل الاحسان تحكيم الله ورسوله. ومن احسن من الله حكما لقوم يوقنون ولهذا قال اولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم اي من النفاق والقصد السيء فاعرض عنهم اي لا تبالي بهم ولا تقابلهم على ما فعلوه واقترفوه وعظهم هيبين لهم حكم الله تعالى مع الترغيب في الانقياد لله والترهيب من تركه. وقل لهم في انفسهم قولا بليغا. انصحهم سرا بينك وبين ولو انهم اذ ظلموا انفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا يخبر تعالى خبرا في ضمنه الامر والحث على طاعة الرسول والانقياد له. وان الغاية من ارسال الرسل ان يكونوا مطاعين. انقادوا لهم المرسل اليهم في جميع ما امروا به ونهوا عنه. وان يكونوا معظمين تعظيم المطيع للمطاع. وفي هذا اثبات عصمة الرسل فيما يبلغونه عن وفيما يأمرون به وينهون عنه. لان الله امر بطاعته مطلقا. فلولا انهم معصومون لا يشرعون ما هو خطأ. لما امر بذلك مطلقا قوله باذن الله اي الطاعة من المطيع صادرة بقضاء الله وقدره. ففيه اثبات القضاء والقدر والحث على الاستعانة بالله. وبيان انه لا يمكن الانسان ان لم يعنه الله ان يطيع الرسول ثم اخبر عن كرمه العظيم وجوده ودعوته لمن اقترف السيئات ان يعترفوا ويتوبوا ويستغفروا الله فقال ولو انهم اذ ظلموا انفسهم جاؤوك اي معترفين بذنوبهم باخعين بها فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما. اي لتاب عليهم بمغفرته ظلمهم. ورحمهم بقبول التوبة والتوفيق لها والثواب عليها. وهذا المجيء الى الرسول صلى الله عليه وسلم مختص بحياته لان السياق يدل على ذلك. لكون الاستغفار من الرسول لا يكون الا في حياته. واما بعد موته فانه لا يطلب منه بل ذلك شرك فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم اقسم تعالى بنفسه الكريمة انهم لا يؤمنون حتى حكموا رسوله فيما شجر بينهم. اي في كل شيء يحصل فيه اختلاف بخلاف مسائل الاجماع. فانها لا تكون الا مستندة للكتاب والسنة. ثم لا في هذا التحكيم حتى ينتفي الحرج من قلوبهم والضيق. وكونهم يحكمونه على وجه الاغماض. ثم لا يكفي ذلك حتى يسلموا لحكمه تسليما انشراح صدر وطمأنينة نفس وانقياد بالظاهر والباطن. فالتحكيم في مقام الاسلام وانتفاء الحرج في مقام الايمان. والتسليم في مقام الاحسان فمن استكمل هذه المراتب وكملها فقد استكمل مراتب الدين كلها. فمن ترك هذا التحكيم المذكور غير ملتزم له فهو كافر من تركه مع التزامه فله حكم امثاله من العاصين يخبر تعالى انه لو كتب على لا من لا يبطئ ان يتثاقل عن الجهاد في سبيل الله. ضعفا وخورا وجبنا. هذا الصحيح. وقيل معناه ليبطئن غيره. اي يزهده وعن القتال وهؤلاء هم المنافقون. ولكن الاول اولى لوجهين احدهما قوله منكم والخطاب للمؤمنين. الثاني هذه الاوامر الشاقة على النفوس من قتل النفوس والخروج من الديار. لم يفعله الا القليل منهم والنادر. فليحمدوا ربهم وليشكروه على تيسير ما امرهم به من الاوامر التي تسهل على كل احد ولا يشق فعلها. وفي هذا اشارة الى انه ينبغي ان يلحظ العبد ضد ما هو فيه من المكروهات. لتخف عليه العبادات ويزداد حمدا وشكرا لربه. ثم اخبر انهم لو فعلوا ما يوعظون به. اي ما وظف عليهم في كل وقت بحسبه. فبذلوا هممهم ووفروا نفوسهم للقيام به وتكميله. ولم تطمح نفوسهم لما لم يصلوا اليه. ولم يكونوا بصدده. وهذا هو الذي ينبغي للعبد ان ينظر الى الحالة التي يلزمه القيام بها في سيكملها ثم يتدرج شيئا فشيئا. حتى يصل الى ما قدر له من العلم والعمل. في امر الدين والدنيا. وهذا بخلاف من طمحت نفسه الى امر لم يصل اليه ولم يؤمر به بعد فانه لا يكاد يصل الى ذلك بسبب تفريق الهمة وحصول الكسل وعدم النشاط. ثم رتب ما يحصل لهم على فعل ما يوعظون به وهو اربعة امور احدها الخيرية في قوله لكان خيرا لهم اي لكانوا من الاخيار المتصفين باوصافهم من افعال الخير التي تؤمر بها اي وانتفى عنهم بذلك صفة الاشرار. لان ثبوت الشيء يستلزم نفي ضده. الثاني حصول التثبيت والثبات وزيادته. فان الله يثبت الذين امنوا بسبب ما قاموا به من الايمان الذي هو القيام بما وعظوا به. فيثبتهم في الحياة الدنيا عند ورود الفتن في الاوامر والنواهي والمصائب فيحصل لهم ثبات يوفقون لفعل الاوامر وترك الزواجر. التي تقتضي النفس فعلها وعند حلول المصائب التي يكرهها العبد. فيوفق بالتوفيق للصبر او للرضا او للشكر. فينزل عليه معونة من الله للقيام بذلك. ويحصل له الثبات على الدين عند الموت وفي القبر وايضا فان العبد القائم بما امر به لا يزال يتمرن على الاوامر الشرعية حتى يألفها. ويشتاق اليها والى امثالها. فيكون ذلك معونة لهم وعلى الثبات على الطاعات. الثالث قوله عظيما. اي في العاجل والاجل الذي يكون للروح والقلب والبدن. ومن النعيم المقيم مما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر الى قلب بشر. الرابع الهداية الى صراط مستقيم. وهذا عموم ومن بعد خصوص لشرف الهداية الى الصراط المستقيم. من كونها متضمنة للعلم بالحق ومحبته وايثاره والعمل به. وتوقف السعادة والفلاح على ذلك فمن هدي الى صراط مستقيم فقد وفق لكل خير واندفع عنه كل شر وضير فاولئك مع الذين انعم الله فاولئك مع الذين انعم الله الله عليهم من النبيين من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن اولئك رفيقا. اي كل ومن اطاع الله ورسوله على حسب حاله وقدر الواجب عليه. من ذكر وانثى وصغير وكبير. فاولئك مع الذين انعم الله عليهم اي النعمة التي تقتضي الكمال والفلاح والسعادة من النبيين الذين فضلهم الله بوحيه واختصهم بتفضيلهم بارسالهم الى الخلق دعوتهم الى الله تعالى والصديقين. وهم الذين كمل تصديقهم بما جاءت به الرسل. فعلموا الحق وصدقوه بيقينهم. وبالقيام به قولا وعملا محالا ودعوة الى الله والشهداء الذين قاتلوا في سبيل الله لاعلاء كلمة الله فقتلوا والصالحين الذين صلح ظاهرهم وباطنهم فصلحت اعمالهم فكل من اطاع الله تعالى كان مع هؤلاء وفي صحبتهم وحسن اولئك رفيقا بالاجتماع بهم في جنات النعيم والانس بقربهم في جوار رب العالمين بك الفضل من الله وكفى بالله عليما. ذلك الفضل الذي نالوه من الله فهو الذي وفقهم لذلك واعانهم عليه واعطاهم من الثواب ما لا تبلغه اعمالهم. وكفى بالله عليما. يعلم احوال عباده. ومن يستحق منهم الثواب بما قام به من الاعمال الصالحة التي تواطأ عليها القلب والجوارح يا ايها الذين امنوا خذوا حذركم فانفروا سبات او انفروا جميعا. يأمر تعالى عباده المؤمنين باخذ حذرهم من اعدائهم الكافرين. وهذا يشمل الاخذ بجميع الاسباب التي بها يستعان على قتالهم. ويستدفع مكرهم وقوتهم من استعمال الحصون والخنادق وتعلم الرمي والركوب وتعلم الصناعات التي تعين على ذلك. وما به يعرف مداخلهم ومخارجهم ومكروهم النفير في سبيل الله. ولهذا قال فانفروا ثبات اي متفرقين بان تنفر سرية او جيش ويقيم غيرهم. او انفروا جميعا وكل هذا تبع للمصلحة والنكاية. والراحة للمسلمين في دينهم. وهذه الاية نظير قوله تعالى واعدوا لهم ما استطعتم من قوة ثم اخبر عن ضعفاء الايمان المتكاسلين عن الجهاد فقال مصيبة قال قد انعم الله علي اذ لم اكن معهم شهيدا. وان منكم ايها المؤمنون قوله في اخر الاية كان لم تكن بينكم وبينه مودة. فان الكفار من المشركين والمنافقين قد قطع الله بينهم وبين المؤمنين المودة وايضا فان هذا هو الواقع فان المؤمنين على قسمين صادقون في ايمانهم اوجب لهم ذلك كمال التصديق والجهاد وضعفاء دخلوا الاسلام وصار معهم ايمان ضعيف لا يقوى على الجهاد. كما قال تعالى قالت الاعراب امنا. قل لم تؤمنوا ولكن قولوا اسلمنا. الى اخر الايات ثم ذكر غايات هؤلاء المتثاقلين ونهاية مقاصدهم. وان معظم قصدهم الدنيا وحطامها. فقال فان اصابتكم مصيبة اي هزيمة وقتل وظفر الاعداء عليكم في بعض الاحوال لما لله في ذلك من الحكم. قال ذلك المتخلف قد انعم الله علي اذ لم اكن شهيدا رأى من ضعف عقله وايمانه ان التقاعد عن الجهاد الذي فيه تلك المصيبة نعمة ولم يدري ان النعمة الحقيقية هي التوفيق لهذه الطاعة الكبيرة التي بها يقوى الايمان ويسلم بها العبد من العقوبة والخسران ويحصل له فيها عظيم الثواب ورضا الكريم الوهاب. واما القعود فانه وان استراح قليلا فانه يعقبه تعب طويل والام عظيمة. ويفوته ما يحصل للمجاهدين. ثم قال فضل من الله ليقولنك الم تكن بينكم وبينه مودة يا ليتني كنت كنت معهم فافوز فوزا عظيما. ولئن اصابكم فضل من الله اي نصر وغنيمة. ليقولنك ان لم تكن بينكم بينهم مودة يا ليتني كنت معهم فافوز فوزا عظيما. ان يتمنى انه حاضر لينال من المغانم. ليس له رغبة ولا قصد في غير ذلك. كان انه ليس منكم يا معشر المؤمنين ولا بينكم وبينهم مودة ايمانية التي من مقتضاها ان المؤمنين مشتركون في جميع مصالحهم ودفع مضارهم والعدوان وقرر ذلك بقوله وكان الله على كل شيء مقيتا. اي شاهدا حفيظا. حسيبا على هذه الاعمال. فيجازي كل ما يستحقه ان الله كان على كل شيء حسيبا. التحية هي اللفظ الصادر من احد المتلاقيين. على وجه الاكرام والدعاء يفرحون بحصولها ولو على يد غيرهم من اخوانهم المؤمنين. ويألمون بفقدها ويسعون جميعا في كل امر يصلحون به دينهم ودنياهم. فهذا الذي يتمنى الدنيا فقط ليست معه الروح الايمانية المذكورة. ومن لطف الله بعباده الا يقطع عنهم رحمته. ولا يغلق عنهم ابوابها. بل من حصل منه غير ما يليق امره ودعاه الى جبر نقصه وتكميل نفسه. فلهذا امر هؤلاء بالاخلاص والخروج في سبيله. فقال فليقاتل في سبيل بسم الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالاخرة. هذا احد الاقوال في هذه الاية وهو اصحها. وقيل ان معناه فليقاتل في سبيل الله المؤمنون الايمان الصادقون في ايمانهم الذين يشترون الحياة الدنيا بالاخرة. اي يبيعون الدنيا رغبة عنها بالاخرة رغبة فيها ان هؤلاء هم الذين يوجه اليهم الخطاب لانهم الذين قد اعدوا انفسهم ووطنوها على جهاد الاعداء. لما معهم من الايمان التام المقتضي لذلك. واما اولئك المتثاقلون فلا يعبأ بهم خرجوا او قعدوا. فيكون هذا نظير قوله تعالى قل امنوا به او لا تؤمنوا. ان الذين اوتوا العلم من قبل اذا يتلى عليهم يخرون للاذقان سجدا الى اخر الايات. وقوله فان يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها في كثيرين وقيل ان معنى الاية فليقاتل المقاتل والمجاهد للكفار الذين ينشرون الحياة الدنيا بالاخرة فيكون على هذا الوجه الذي في محل نصب على المفعولية ومن يقاتل في سبيل الله بان يكون جهادا قد امر الله به ورسوله ويكون العبد مخلصا لله فيه قاصدا وجه الله الله في قتل او يغلب فسوف نؤتيه اجرا عظيما. زيادة في ايمانه ودينه. وغنيمة وثناء حسنا. وثواب المجاهدين في سبيل الله الذين اعد الله لهم في الجنة ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر سبيل الله والمستظفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا اخرجنا من هذه القرية الظالم اهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا. هذا حث من الله لعباده المؤمنين. وتهيج لهم على القتال في سبيله. وان ذلك قد تعين عليهم وتوجه اللوم العظيم عليهم بتركه فقال وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله. والحال ان المستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا. ومع هذا فقدنا لهم اعظم الظلم من اعدائهم. فهم يدعون الله ان يخرجهم من هذه القرية اهلها لانفسهم بالكفر والشرك وللمؤمنين بالاذى والصد عن سبيل الله. ومنعهم من الدعوة لدينهم والهجرة. ويدعون الله ان يجعل لهم وليا ونصيبا يستنقذهم من هذه القرية الظالم اهلها. فصار جهادكم على هذا الوجه من باب القتال. والذب عن عيلاتكم واولادكم ومحارمكم. لا من باب الجهاد الذي هو الطمع في الكفار فانه وان كان فيه فضل عظيم. ويلام المتخلف عنه اعظم لوم فالجهاد الذي فيه استنقاذ المستضعفين منكم اعظم اجرا واكبر فائدة بحيث يكون من باب دفع الاعداء. ثم قال لا والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت. فقاتلوا اولياء آآ هذا اخبار من الله بان المؤمنين يقاتلون في سبيله والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت الذي هو الشيطان. وفي ضمن ذلك عدة فوائد. منها انه بحسب ايمان العبد يكون جهاده في سبيل لله واخلاصه ومتابعته. فالجهاد في سبيل الله من اثار الايمان ومقتضياته ولوازمه. كما ان القتال في سبيل الطاغوت من شعب الكفر ومقتصر ومنها ان الذي يقاتل في سبيل الله ينبغي له ويحسن منه من الصبر والجلد ما لا يقوم به غيره. فاذا كان اولياء الشيطان يصبرون ويقاتلون وهم على باطل فاهل الحق اولى بذلك. كما قال تعالى في هذا المعنى ان تكونوا تألمون فانهم يألمون كما تألمون من الله ما لا يرجون. ومنها ان الذي يقاتل في سبيل الله معتمد على ركن وثيق. وهو الحق والتوكل على الله. فصاحب القوة الوثيق يطلب منه من الصبر والثبات والنشاط ما لا يطلب ممن يقاتل عن الباطل. الذي لا حقيقة له ولا عاقبة حميدة. فلهذا قال تعالى فقاتلوا اولياء الشيطان ان كيد الشيطان كان ضعيفا. والكيد سلوك الطرق الخفية في ضرر العدو. فالشيطان وان بلغ مكروه مهما بلغ فانه في غاية الضعف. الذي لا يقوم لادنى شيء من الحق. ولا لكيد الله لعباده المؤمنين فلما كتب عليهم وقالوا لولا اخرتنا الى اجل قريب كان المسلمون اذ كانوا بمكة مأمورين بالصلاة والزكاة. اي مواساة الفقراء لا الزكاة المعروفة ذات النصب والشروط انها لم تفرض الا بالمدينة. ولم يؤمروا بجهاد الاعداء لعدة فوائد. منها ان من حكمة الباري تعالى ان يشرع لعباده الشرائع على وجه لا يشق عليهم ويبدأ بالاهم فالاهم والاسهل فالاسهل. ومنها انه لو فرض عليهم القتال مع قلة عددهم وعددهم وكثرة اعدائهم لادى ذلك الى اضمحلال الاسلام. فروعي جانب المصلحة العظمى على ما دونها. ولغير ذلك من الحكم. وكان بعض المؤمنين يودون ان لو فرض عليهم والقتال في تلك الحال غير اللائق فيها ذلك. وانما اللائق فيها القيام بما امروا به في ذلك الوقت. من التوحيد والصلاة والزكاة ونحو ذلك. كما قال تعالى ولو انهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم واشد تثبيتا. فلما هاجروا الى المدينة وقوي الاسلام كتب عليهم القتال في وقتهم مناسب لذلك فقال فريق من الذين يستعجلون القتال قبل ذلك خوفا من الناس وضعفا وخورا. ربنا لما كتبت علينا القتال وفي هذا تضج واعتراضهم على الله. وكان الذي ينبغي لهم ضد هذه الحال التسليم لامر الله والصبر على اوامره. فعكسوا الامر المطلوب منهم. فقالوا لولا اخرتنا الى اجل قريب. اي هلا اخرت فرض القتال مدة متأخرة عن الوقت الحاضر؟ وهذه الحال كثيرة ما تعرض لمن هو غير رزين مستعجلة في الامور قبل وقتها. فالغالب عليه انه لا يصبر عليها وقت حلولها. ولا ينوء بحملها. بل يكون قليل الصبر. ثم ان الله وعظهم عن هذه الحال التي فيها التخلف عن القتال فقال قل متاع الدنيا قليل. والاخرة خير لمن اتقى. اي التمتع بلذات الدنيا وراحتها قليل تحمل الاثقال في طاعة الله في المدة القصيرة. مما يسهل على النفوس ويخف عليها. لانها اذا علمت ان المشقة التي تنالها لا يطول لبسها. هان فيها ذلك فكيف اذا وزنت بين الدنيا والاخرة وان الاخرة خير منها في ذاتها ولذاتها وزمانها فذاتها كما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الثابت عنه ان موضع صوت في الجنة خير من الدنيا وما فيها. ولذاتها صافية عن المكدرات بل كل ما خطر بالبال او دار في من تصور لذة فلذة الجنة فوق ذلك. كما قال تعالى فلا تعلم نفس ما اخفي لهم من قرة اعين. وقال الله على لسان نبيه اعددت بعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. واما لذات الدنيا فانها مشوبة بانواع التنغيص. الذي لو قوبل بين لذاتها وما يقترن بها من انواع الالام والهموم والغموم. لم يكن لذلك نسبة بوجه من الوجوه. واما زمانها فان الدنيا منقضة وعمر الانسان بالنسبة الى الدنيا شيء يسير. واما الاخرة فانها دائمة النعيم. واهلها خالدون فيها. فاذا فكر العاقل في هاتين الدارين وتصور حقيقتهما حق التصور عرف ما هو احق بالايثار. والسعي له والاجتهاد لطلبه. ولهذا قال والاخرة خير لمن اتقى اي اتقى الشرك وسائر المحرمات. ولا تظلمون فتيلا اي فسعيكم للدار الاخرة. ستجدونه كاملا موفرا. غير منقوص منه شيئا ثم اخبر انه لا يغني حذر عن قدر. وان القاعد لا يدفع عنه قعوده شيئا. فقال اينما تكونوا يدرككم الموت اي في اي زمان واي مكان ولو كنتم في بروج مشيدة. اي قصور منيعة ومنازل رفيعة. وكل هذا حث على الجهاد في سبيل الله تارة بالترغيب في فضله وثوابه وتارة بالترهيب من عقوبة تركه. وتارة بالاخبار انه لا ينفع القاعدين قعودهم. وتارة بتسهيل الطريق في ذلك وقصرها. ثم قال يخبر تعالى عن الذين لا يعلمون المعرضين عما جاءت به الرسل المعارضين لهم انهم اذا جاءتهم حسنة اي خصب وكثرة اموال وتوفر اولاد وصحة قالوا هذه من عند الله وانهم ان اصابتهم سيئة اي جدوى وفقر ومرض وموت واولاد واحباب. قالوا هذه من عندك اي بسبب ما جئتنا به يا محمد تطيروا برسول الله صلى الله الله عليه وسلم كما تطير امثالهم برسل الله كما اخبر الله عن قوم فرعون انهم قالوا لموسى فاذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه وان تصبهم سيئة يتطير بموسى ومن معه. وقال قوم صالح قالوا اطيرنا بك وبمن معك. وقال قوم ياسين لرسلهم انا تطيرنا بكم لئن لم تنتهوا لنرجمنكم فلما تشابهت قلوبهم بالكفر تشابهت اقوالهم واعمالهم وهكذا كل من نسب حصول الشر او زوال الخير لما جاءت به الرسل او لبعضه فهو داخل في هذا الذم الوخيم. قال الله في جوابهم قل كل اي من الحسنة والسيئة والخير والشر من من عند الله اي بقضائه وقدره وخلقه. فما لهؤلاء القوم اي الصادر منهم تلك المقالة الباطلة. لا يكادون يفقهون حديثا. اي لا يفهمون حديثا بالكلية ولا يقربون من فهمه او لا يفهمون منه الا فهما ضعيفا. وعلى كل فهو ذم لهم وتوبيخ على عدم فهمهم. وفقههم عن الله وعن رسوله. وذلك بسبب كفرهم واعراضهم. وفي ضمن ذلك مدح من يفهم عن الله وعن رسوله. والحث على ذلك وعلى الاسباب المعينة على كذلك من الاقبال على كلامهما وتدبره وسلوك الطرق الموصلة اليه فلو فقهوا عن الله لعلموا ان الخير والشر والحسنات والسيئات كلها قضاء الله وقدره لا يخرج منها شيء عن ذلك. وان الرسل عليهم الصلاة والسلام لا يكونون سببا لشر يحدث. هم ولا ما جاءوا به. لانهم بصلاح الدنيا والاخرة والدين. ثم قال تعالى وارسلناك ما اصابك من حسنة اي في الدين والدنيا فمن الله هو الذي من عليها ويسرها اسبابها وما اصابك من سيئة في الدين والدنيا فمن نفسك اي بذنوبك وكسبك وما يعفو الله عنه اكثر. فالله تعالى قد فتح لعباده ابواب احسانه. وامرهم بالدخول لبره وفضله. واخبرهم ان المعاصي مانعة من فضله. فاذا فعلها العبد فلا يلومن الا نفسه فانه المانع لنفسه عن وصول فضل الله وبره. ثم اخبر عن عموم رسالة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم فقال وارسلناك للناس رسولا وكفى بالله شهيدا. على انك رسول الله حقا بما ايدك بنصره والمعجزات الباهرة والبراهين الساطعة. فهي اكبر شهادة على الاطلاق كما قال تعالى قل اي شيء اكبر شهادة؟ قل الله شهيد بيني وبينكم. فاذا علم ان الله تعالى كامل العلم تام القدرة عظيم الحكمة. وقد ايد الله رسوله بما ايده. ونصره نصرا عظيما. تيقن بذلك انه رسول الله. والا فلو تقول عليه بعض الاقاويل لاخذ منه باليمين ثم لقطع منه الوتين اي كل من اطاع رسول الله في اوامره ونواهيه فقد اطاع الله تعالى لكونه لا يأمر ولا ينهى الا بامر الله وشرعه ووحيه وتنزيله. وفي هذا عصمة الرسول صلى الله عليه وسلم ان الله امر بطاعته مطلقا. فلولا انه معصوم في كل ما يبلغ عن الله. لم يأمر بطاعته مطلقا. ويمدح على ذلك. وهذا من الحقوق المشتركة فان الحقوق ثلاثة حق لله تعالى لا يكون لاحد من الخلق وهو عبادة الله والرغبة اليه وتوابع ذلك. وقسم مختص بالرسول وهو التعزير والتوقير والنصرة. وقسم مشترك وهو الايمان بالله ورسوله. ومحبتهما وطاعتهما. كما جمع الله بين هذه الحقوق. في قوله تؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة واصيلا. فمن اطاع الرسول فقد اطاع الله وله من الثواب والخير. ما على طاعة الله ومن تولى عن طاعة الله ورسوله فانه لا يضر الا نفسه ولا يضر الله شيئا. فما ارسلناك عليهم حفيظا اي تحفظ اعمالهم احوالهم بل ارسلناك مبلغا ومبينا وناصحا. وقد اديت وظيفتك ووجب اجرك على الله. سواء اهتدوا ام لم يهتدوا. كما قال تعالى فذكر انما انت مذكر لست عليهم بمسيطر والله يكتب ما يبيتون ولابد ان تكون طاعة الله ورسوله ظاهرا وباطنا في الحضرة والمغيب. فاما من يظهر في الحضرة الطاعة والالتزام. فاذا خلا بنفسه او ابناء جنسه ترك الطاعة واقبل على ضدها. فان الطاعة التي اظهرها غير نافعة ولا مفيدة. وقد اشبه من قال الله فيهم ويقولون طاعة. اي يظهرون الطاعة اذا كانوا عندك. فاذا برزوا من عندك اي خرجوا وخلوا في حالة لا يطلع فيها عليهم بيت طائفة منهم غير الذي تقول اي بيتوا ودبروا غير طاعتك ولا ثم الا المعصية في قوله بيت طائفة منهم غير الذي تقول دليل على ان الامر الذي استقروا عليه غير الطاعة. لان التثبيت تدبير الامر ليلا على وجه يستقر عليه الرأي. ثم توعدهم على ما فعلوا فقال والله يكتب ما يبيتون. اي يحفظه عليهم وسيجازيهم عليه اتم الجزاء. ففيه وعيد لهم ثم امر رسوله بمقابلتهم بالاعراض وعدم التعنيف. فانهم لا يضرونه شيئا اذا توكل على الله واستعان به في نصر دينه اقامة شرعه ولهذا قال فاعرض عنهم وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا. افلا يتدبرون القرآن يأمر تعالى بتدبر كتابه وهو التأمل في معانيه. وتحديق الفكر فيه وفي مبادئه وعواقبه. ولوازم ذلك فان تدبر كتاب الله مفتاح للعلوم والمعارف وبه يستنتج كل خير. وتستخرج منه جميع العلوم. وبه يزداد الايمان في القلب. وترسخ شجرته. فانه يعرف بالرب وما له من صفات الكمال وما ينزه عنه من سمات النقص. ويعرف الطريق الموصلة اليه وصفة اهلها وما لهم عند القدوم عليه. ويعرف العدو الذي هو العدو على الحقيقة. والطريق الموصلة الى العذاب وصفة اهلها. وما لهم عند وجود اسباب العقاب. وكلما ازداد العبد تأملا فيه ازداد علما وعملا وبصيرا. لذلك امر الله بذلك وحث عليه. واخبر انه هو المقصود بانزال القرآن. كما قال تعالى كتاب انزلناه اليك مباركا ليدبروا اياته وليتذكر اولوا الالباب. وقال تعالى افلا يتدبرون القرآن ام على قلوب اقفالها. ومن فوائد التدبر كتاب الله انه بذلك يصل العبد الى درجة اليقين. والعلم بانه كلام الله لانه يراه يصدق بعضه بعضا. ويوافق بعضه بعضا الحكم والقصة والاخبارات تعاد في القرآن في عدة مواضع. كلها متوافقة متصادقة. لا ينقض بعضها بعضا. فبذلك يعلم كمال القرآن وانه من عند من احاط علمه بجميع الامور. فلذلك قال تعالى ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا. اي فلما كان من الحمد لله لم يكن فيه اختلاف اصلا هذا تأديب من الله لعباده عن فعلهم هذا غير اللائق. وانه ينبغي لهم اذا جاءهم امر من الامور المهمة والمصالح العامة ما يتعلق بالامن وسرور منين او بالخوف الذي فيه مصيبة عليهم ان يتثبتوا ولا يستعجلوا باشاعة ذلك الخبر. بل يردونه الى الرسول والى اولي الامر منهم. اهل الرأي والعلم والنصح والعقل والرزانة. الذين يعرفون الامور ويعرفون المصالح وضدها. فان رأوا في اذاعته مصلحة ونشاطا للمؤمنين. وسرورا لهم وتحرزا من اعدائهم فعلوا ذلك. وان رأوا انه ليس فيه مصلحة او فيه مصلحة. ولكن مضرته تزيد على مصلحته. لم يذيعوه. ولهذا هذا قال لعلمه الذين يستنبطونه منهم ان يستخرجونه بفكرهم وارائهم السديدة وعلومهم الرشيدة. وفي هذا دليل لقاعدة ادبية وهي انه اذا حصل بحث في امر من الامور ينبغي ان يولى من هو اهل لذلك ويجعل الى اهله ولا يتقدم بين ايديهم فانه اقرب الى صواب واحرى للسلامة من الخطأ. وفيه النهي عن العجلة والتسرع لنشر الامور من حين سماعها. والامر بالتأمل قبل الكلام والنظر فيه. هل هو مصلحة سيقدم عليه الانسان ام لا فيحجم عنه؟ ثم قال تعالى ولولا فضل الله عليكم ورحمته اي في توفيقكم وتأديبكم وتعليمكم ما لم كونوا تعلمون لاتبعتم الشيطان الا قليلا. لان الانسان بطبعه ظالم جاهل فلا تأمره نفسه الا بالشر. فاذا لجأ الى ربه واعتصم به واجتهد في ذلك لطف به ربه ووفقه لكل خير. وعصمه من الشيطان الرجيم. فقاتل في سبيل الله اوجبها على اولياء القاتل ومن يقتل مؤمنا متعمدا متعمدا فجزاءه جهنم خالدا فيها فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وغضب الله عليه ولعنه واعد له عذابا عظيما. تقدم ان الله اخبر انه لا لا تكلف الا نفسك وحرض المؤمنين. عسى الله ان يكف بأس الذين كفروا هذه الحالة افضل احوال العبد ان يجتهد في نفسه على امتثال لله من الجهاد وغيره. ويحرض غيره عليه. وقد يعدم في العبد الامران او احدهما. فلهذا قال لرسوله فقاتل في سبيل الله. لا الا نفسك اي ليس لك قدرة على غير نفسك. فلن تكلف بفعل غيرك. وحرض المؤمنين على القتال. وهذا يشمل كل امر يحصل به نشاط المؤمنين قوة قلوبهم من تقويتهم والاخبار بضعف الاعداء وفشلهم. وبما اعد الله للمقاتلين من الثواب. وما على المتخلفين من العقاب. فهذا كله يدخل في التحريض على القتال. عسى الله ان يكف بأس الذين كفروا. اي بقتالكم في سبيل الله وتحريض بعضكم بعضا. والله اشد اي قوة وعزة واشد تنكيلا بالمذنب في نفسه وتنكيلا لغيره. فلو شاء تعالى لانتصر من الكفار بقوته ولم يجعل لهم باقية لكن من حكمته يبلو بعض عباده ببعض. ليقوم سوق الجهاد ويحصل الايمان النافع. ايمان الاختيار. لا ايمان الاضطرار والقهر. الذي لا الشيء والمراد بالشفاعة هنا المعاونة على امر من الامور. فمن شفع غيره وقام معه على امر من امور الخير. ومنه الشفاعة للمظلومين لمن ظلمهم كان له نصيب من شفاعته بحسب سعيه وعمله ونفعه. ولا ينقص من اجر الاصيل والمباشر شيء. ومن عاون غيره على امر من الشر كان عليه كفل من الاثم بحسب ما قام به وعون عليه. ففي هذا الحث العظيم على التعاون على البر والتقوى والزجر العظيم على التعاون على الاثم وما يقترن بذلك اللفظ من البشاشة ونحوها. واعلى انواع التحية ما ورد به الشرع من السلام ابتداء وردا. فامر تعالى المؤمنين انهم اذا حييوا باي تحية كانت ان يردوها باحسن منها لفظا وبشاشة او مثلها في ذلك. ومفهوم ذلك النهي عن عدم الرد بالكلية او ردها بدونها ويؤخذ من الاية الكريمة الحث على ابتداء السلام والتحية من وجهين احدهما ان الله امر بردها باحسن منها او مثلها وذلك يستلزم ان التحية مطلوبة شرعا. الثاني ما يستفاد من افعال التفضيل وهو احسن. الدال على مشاركة التحية وردها بالحسن. كما هو الاصل الاصل في ذلك ويستثنى من عموم الاية الكريمة من حيا بحال غير مأمور بها فعلى مشتغل بقراءة او استماع خطبة او مصل ونحو ذلك فان انه لا يطلب اجابة تحيته. وكذلك يستثنى من ذلك من امر الشارع بهجره. وعدم تحيته. وهو العاصي غير التائب الذي يرتدع بالهجر. فانه يهجر ولا يحيى ولا ترد تحيته. وذلك لمعارضة المصلحة الكبرى. ويدخل في رد التحية كل تحية اعتادها الناس. وهي غير محظورة شرعا انه مأمور بردها او احسن منها. ثم اوعد تعالى وتوعد على فعل الحسنات والسيئات بقوله ان الله كان على كل شيء حسيبا يحفظ على العباد اعمالهم. حسنها وسيئها صغيرها وكبيرها. ثم يجازيهم بما اقتضاه فضله وعدله وحكمه المحمود الله لا اله الا هو ليجمعنكم الى يوم القيامة لا ريب فيه يخبر تعالى عن انفراده بالوحدانية وانه لا معبود ولا مألوه الا لكماله في ذاته واوصافه. ولكونه المنفرد بالخلق والتدبير والنعم الظاهرة والباطنة. وذلك يستلزم الامر بعبادته والتقرب بجميع انواع العبودية لكونه المستحق لذلك وحده والمجازي للعباد بما قاموا به من عبوديته او تركوه منها. ولذلك اقسم على محل الجزاء وهو يوم القيامة فقال ليجمعنكم اي اولكم واخركم في مقام واحد في يوم القيامة لا ريب فيه اي لا شك كول شبهة بوجه من الوجوه. بالدليل العقلي والدليل السمعي. فالدليل العقلي ما نشاهده من احياء الارض بعد موتها. ومن وجود النشأة الاولى التي وقوع الثانية اولى منها بالامكان. ومن الحكمة التي يجزم بان الله لم يخلق خلقه عبثا. يحيون ثم يموتون. واما الدليل السمعي فهو اخبار اصدقاء الصادقين بذلك بل اقسامه عليه. ولهذا قال ومن اصدق من الله حديثا؟ كذلك امر رسوله صلى الله عليه وسلم ان اقسم عليه في غير موضع من القرآن كقوله تعالى زعم الذين كفروا ان لن يبعثوا. قل بلى وربي لتبعثن ثم لتنبؤن بما عملتم وذلك على الله يسير. وفي قوله ومن اصدق من الله حديثا. ومن اصدق من الله قيلا. اخبار بان حديثه واخباره واقواله في مراتب الصدق بل اعلاها فكل ما قيل في العقائد والعلوم والاعمال مما يناقض ما اخبر الله به فهو باطل لمناقضته للخبر الصادق اليقيني فلا يمكن ان يكون حقا فلا تتخذوا منهم اولياء حتى يهاجروا في سبيل ولا تتخذوا منهم وليا المراد بالمنافقين المذكورين في هذه الايات. المنافقون المظهرون اسلامهم. ولم يهاجروا مع كفرهم. وكان قد وقع بين الصحابة رضوان الله عليهم فيهم اشتباه. فبعضهم تحرج عن قتالهم وقطع موالاتهم بسبب ما اظهروه من الامام. وبعضهم علم احوالهم قرائن افعالهم فحكم بكفرهم. فاخبرهم الله تعالى انه لا ينبغي لكم ان تشتبهوا فيهم ولا تشكوا. بل امرهم واضح غير مشكل. انهم قد تكرر كفرهم وودوا مع ذلك كفركم وان تكونوا مثلهم. فاذا تحققتم ذلك منهم فلا تتخذوا منهم اولياء. وهذا تلزم عدم محبتهم لان الولاية فرع المحبة. ويستلزم ايضا بغضهم وعداوتهم. لان النهي عن الشيء امر بضده. وهذا الامر موقت به اخوتهم فاذا هاجروا جرى عليهم ما جرى على المسلمين. كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يجري احكام الاسلام لكل من كان معه وهاجر اليه. وسواء كان مؤمنا حقيقة او ظاهر الايمان وانهم ان لم يهاجروا وتولوا عنها فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم اي في اي وقت واي محل كان وهذا من جملة الادلة الدالة على نسخ القتال في الاشهر الحرم كما هو قول جمهور العلماء والمنازعون يقولون هذه نصوص مطلقة محمولة على تقييد التحريم في الاشهر الحرم ولو شاء الله فان اعتزلوكم فلم يقاتلوكم والقوا اليكم ثمان الله استثنى من قتال هؤلاء المنافقين الثلاث فرق فرقتين امر بتركهم وحتم على ذلك احداهما من يصل الى قوم بينهم وبين المسلمين عهد وميثاق بترك القتال. فينضم اليهم فيكون له حكمهم في حقن الدم والمال والفرقة الثانية قوم حصرت صدورهم ان يقاتلوكم او يقاتلوا قومهم. اي بقوا لا تسمحوا انفسهم بقتالكم ولا بقتال قومهم واحب ترك قتال الفريقين فهؤلاء ايضا امر بتركهم. وذكر الحكمة بذلك في قوله ولو شاء الله لسلطهم عليكم فلقاتلوكم فان الامور الممكنة ثلاثة اقسام. اما ان يكونوا معكم ويقاتلوا اعدائكم. وهذا متعذر من هؤلاء. فدار الامر بين قتالكم مع قومهم وبين ترك قتال الفريقين وهو اهون الامرين عليكم. والله قادر على تسليطهم عليكم فاقبلوا العافية. واحمدوا ربكم الذي كف ايديهم عن مع التمكن من ذلك فهؤلاء ان اعتزلوكم فلم يقاتلوكم والقوا اليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلا فان لم يعتزلوكم ما يلقوا اليكم السلم ويكفوا ايديهم فخذوهم واقتلوهم حيث ثقفتم جعلنا لكم عليهم سلطانا مبينا. الفرقة الثالثة قوم يريدون انفسهم بقطع النظر عن احترامكم وهم الذين قال الله فيهم ستجدون اخرين اي من هؤلاء المنافقين يريدون ان يأمنوكم خوفا منكم ويأمنوا قومهم كلما ردوا الى الفتنة اركسوا فيها. اي لا يزالون مقيمين على كفرهم ونفاقهم. وكلما عرض لهم عارض من الفتن اعماهم ونكسهم على رؤوسهم. وازداد كفرهم ونفاقهم. وهؤلاء في الصورة كالفرقة الثانية. وفي الحقيقة مخالفة لها فان الفرقة الثانية تركوا قتال المؤمنين احتراما لهم لا خوفا على انفسهم. واما هذه الفرقة فتركوه خوفا لاحتراما. بل لو وجدوا خاصة في قتال المؤمنين فانهم مستعدون لانتهازها. فهؤلاء ان لم يتبين منهم ويتضح اتضاحا عظيما اعتزال المؤمنين وترك قتالهم فانهم يقاتلون. ولهذا قال فان لم يعتزلوكم ويلقوا اليكم السلم. اي المسالمة والموادعة ويكفوا ايديهم. فخذوهم واقتلوهم حيث ثقفتموهم واولئكم جعلنا لكم عليهم سلطانا مبينا. اي حجة بينة واضحة. لكونهم معتدلين ظالمين لكم. تاركين للمساندة فلا يلومون الا انفسهم وما كان لمؤمن ان يقتل مؤمنا الا خطأ مؤمنا خطأ فتحرير رقبة وان كان من قوم بينكم هذه الصيغة من صيغ الامتناع ان يمتنع ويستحيل ان يصدر من مؤمن قتل مؤمن اي متعمدا. وفي هذا الاخبار بشدة تحريمه انه مناف للايمان اشد منافاة. وانما يصدر ذلك اما من كافر. او من فاسق قد نقص ايمانه نقصا عظيما. ويخشى عليه ما هو اكبر من ذلك ان الايمان الصحيح يمنع المؤمن من قتل اخيه الذي قد عقد الله بينه وبينه الاخوة الايمانية. التي من مقتضاها محبته وموالاته. وازالة اعرضوا لاخيه من الاذى واي اذى اشد من القتل وهذا يصدقه قوله صلى الله عليه وسلم لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض فعلم ان القتل من الكفر العملي واكبر الكبائر بعد الشرك بالله. ولما كان قوله وما كان لمؤمن ان يقتل مؤمنا لفظا عاما الاحوال وانه لا يصدر منه قتل اخيه بوجه من الوجوه. استثنى تعالى قتل الخطأ فقال الا خطأ. فان المخطئ الذي لا يقصد القتل غير اثم ولا متجرأ على محارم الله ولكنه لما كان قد فعل فعلا شنيعا وصورته كافية في قبحه وان لم يقصده امر تعالى الكفارة والدية فقال ومن قتل مؤمنا خطأ سواء كان القاتل ذكرا او انثى حرا او عبدا صغيرا او كبيرا عاقلا او مسلما او كافرا كما يفيده لفظ من؟ الدالة على العموم. وهذا من اسرار الاتيان بمن في هذا الموضع. فان سياق الكلام يقتضي ان فان قتله ولكن هذا لفظ لا يشمل ما تشمله من وسواء كان المقتول ذكرا او انثى صغيرا او كبيرا كما يفيده التنكير في سياق الشرط فان على القاتل تحرير رقبة مؤمنة كفارة لذلك تكون في ماله ويشمل ذلك الصغير والكبير والذكر والانثى والمعيب في قول بعض العلماء ولكن الحكمة تقتضي الا يجزى عتق المعيب في الكفارة؟ لان المقصود بالعتق نفع العتيق وملكه نفسه فاذا كان يضيع بعتقه وبقاؤه في الرق انفع له فانه لا يجزئ عتقه. مع ان في قوله تحرير رقبة ما يدل على ذلك فان التحرير تخليص من استحقت منافعه لغيره ان تكون له. فاذا لم يكن فيه منافع لم يتصور وجود التحرير. فتأمل ذلك فانه واما الدية فانها تجب على عاقلة القاتل في الخطأ وشبه العمد. مسلمة الى اهله جبرا لقلوبهم. والمراد باهله هنا هم فان الورثة يرثون ما ترك الميت. فالدية داخلة فيما ترك. وللدية تفاصيل كثيرة مذكورة في كتب الفقه. وقوله الا ان ان يتصدقوا ورثة القتيل بالعفو عن الدية. فانها تسقط. وفي ذلك حث لهم على العفو. لان الله سماها صدقة. والصدقة مطلوبة في كل وقت فان كان المقتول من قوم عدو لكم اي من كفار حربيين وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة. اي وليس عليكم لاهله دية احترامهم في دمائهم واموالهم. وان كان المقتول من قوم بينكم وبينهم ميثاق. فدية مسلمة الى اهله وتحرير رقبة مؤمنة. وذلك لاحترام اهله بما لهم من العهد والميثاق. فمن لم يجد الرقبة ولا ثمنها بان كان معسرا بذلك. ليس عنده ما يفطر عن مؤنته وحوائجه الاصلية شيء يفي بالرقبة. فصيام شهرين متتابعين. اي لا يفطر بينهما من غير عذر. فان افطر لعذر فان العذر لا يقطع التتابع كالمرض والحيض ونحوهما وان كان لغير عذر انقطع التتابع ووجب عليه استئناف الصوم توبة من الله اي هذه الكفارة التي اوجبها الله على القاتل توبة من الله على عباده ورحمة بهم. وتكفير لما عساه ان يحصل منهم من تقصير وعدم احتراز. كما هو واقع كثيرا للقاتل خطأ كان الله عليما حكيما. اي كامل العلم كامل الحكمة. لا يخفى عليه مثقال ذرة في الارض ولا في السماء. ولا اصغر من ذلك ولا اكبر في اي وقت كان واي محل كان ولا يخرج عن حكمته من المخلوقات والشرائع شيء. بل كل ما خلقه وشرعه فهو متضمن لغاية الحكمة. ومن علمه ان اوجب على القاتل كفارة مناسبة لما صدر منه. فانه تسبب لاعدام نفس محترمة. واخرجها من الوجود الى العدم. فناسب ان يعتق رقبة ويخرجها من رق العبودية للخلق الى الحرية التامة. فان لم يجد هذه الرقبة صام شهرين متتابعين. فاخرج نفسه من رق الشهوات واللذات الحسية قاطعة للعبد عن سعادته الابدية الى التعبد لله تعالى بتركها تقربا الى الله. ومدها تعالى بهذه المدة الكثيرة الشاقة في عددها ووجوب التتابع فيها. ولم يشرع الاطعام في هذا الموضع لعدم المناسبة. بخلاف الظهار كما سيأتي ان شاء الله تعالى. ومن حكمته ان اوجب في قتل الدية ولو كان خطأ لتكون رادعة وكافة عن كثير من القتل. باستعمال الاسباب العاصمة عن ذلك. ومن حكمته ان وجبت على العاقلة الخطأ باجماع العلماء لكون القاتل لم يذنب في شق عليه ان يحمل هذه الدية الباهظة فناسب ان يقوم بذلك من بينه وبينهم المعاونة والمناصرة والمساعدة على تحصيل المصالح وكف المفاسد. ولعل ذلك من اسباب منعهم لمن يعقلون عنه من القتل حذرا من تحميلهم. ويخف عنهم بسبب توزيعهم عليهم بقدر احوالهم وطاقتهم وخففت ايضا بتأجيلها عليهم ثلاث سنين. ومن حكمته وعلمه ان جبر اهل القتيل عن مصيبتهم بالدية التي ينظر قتل المؤمن من المؤمن. وان القتل من الكفر العملي. وذكر هنا وعيد القاتل عمدا. وعيدا ترجف له القلوب. وتنصدع له الافئدة. وتنزعج منه واولو العقول فلم يرد في انواع الكبائر اعظم من هذا الوعيد. بل ولا مثله الا وهو الاخبار بان جزاءه جهنم. اي فهذا الذنب العظيم قد انتهى ان يجازى صاحبه بجهنم بما فيها من العذاب العظيم والخزي المهين وسخط الجبار وفوات الفوز والفلاح وحصول الخيبة والخسار عياذا بالله من كل سبب يبعد عن رحمته. وهذا الوعيد له حكم امثاله من نصوص الوعيد. على بعض الكبائر والمعاصي بالخلود في النار. او حرمان الجنة وقد اختلف الائمة رحمهم الله في تأويلها مع اتفاقهم على بطلان قول الخوارج والمعتزلة الذين يخلدونهم في النار ولو كانوا موحدين في تأويلها ما قاله الامام المحقق شمس الدين ابن القيم رحمه الله في المدارج فانه قال بعدما ذكر تأويلات الائمة في ذلك وانتقد فقال وقالت فرقة هذه النصوص وامثالها مما ذكر فيه المقتضي للعقوبة. ولا يلزم من وجود مقتضي الحكم وجوده. فان الحكم انما بوجود مقتضيه وانتفاء موانعه. وغاية هذه النصوص الاعلام بان كذا سبب للعقوبة ومقتض لها. وقد قام الدليل على ذكر الموانع فبعضها بالاجماع وبعضها بالنص. فالتوبة مانع بالاجماع. والتوحيد مانع بالنصوص المتواترة. التي لا مدفع لها. والحسنات العظيمة الماحية مانعة والمصائب الكبار المكفرة مانعة. واقامة الحدود في الدنيا مانع بالنص. ولا سبيل الى تعطيل هذه النصوص. فلابد من اعمال خطاب لهم على وجه التقرير والاستحسان منهم. وموافقته لمحله ثم استثنى مستضعفين عن الحقيقة الذين لا قدرة لهم على الهجرة بوجه من الوجوه. ولا يهتدون سبيلا. فهؤلاء قال الله فيهم فاولئك عسى الله ان يعفو من الجانبين. ومن هنا قامت الموازنة بين الحسنات والسيئات. اعتبارا بمقتضى العقاب ومانعه. واعمالا لارجحها. قالوا وعلى هذا بناء مصالح الدارين ومفاسدهما. وعلى هذا بناء الاحكام الشرعية والاحكام القدرية. وهو مقتضى الحكمة السارية في الوجود. وبه ارتباط الاسباب ومسبباتها خلقا وامرا. وقد جعل الله سبحانه لكل ضدا يدافعه ويقاومه. ويكون الحكم للاغلب منهما. فالقوة قضية للصحة والعافية وفساد الاخلاق وبغيها. مانع من عمل الطبيعة وفعل القوة. والحكم للغالب منهما. وكذلك قوى الادوية والامراض والعبد يكون فيه مقتض للصحة ومقتض للعطب. واحدهما يمنع كمال تأثير الاخر ويقاومه. فاذا ترجح عليه وقهره كان التأثير ومن هنا يعلم انقسام الخلق الى من يدخل الجنة ولا يدخل النار وعكسه ومن يدخل النار ثم يخرج منها ويكون مكثه فيها بحسب ما فيه من مقتضى المكث في سرعة الخروج وبطئه. ومن له مصيرة منورة يرى بها كل ما اخبر الله به في كتابه. ومن امر المعادي وتفاصيله حتى كانه يشاهده رأي عين ويعلم ان هذا هو مقتضى الهيته سبحانه. وربوبيته وعزته وحكمته. وانه يستحيل عليه خلاف ذلك. ونسبة ذلك اليه نسبة ما لا يليق به اليه فيكون نسبة ذلك الى بصيرته. كنسبة الشمس والنجوم الى بصره. وهذا يقين الايمان وهو الذي تحرق السيئات كما تحرق النار الحطب. وصاحب هذا المقام من الايمان. يستحيل اصراره على السيئات. وان وقعت منه وكثرت. فان ما معه من نور الايمان يأمره بتجديد التوبة كل وقت. للرجوع الى الله في عدد انفاسه. وهذا من احب الخلق الى الله. انتهى كلامه. قدس الله روحه وجزاه عن الاسلام والمسلمين خيرا ان الله كان بما تعملون خبيرا. يأمر تعالى عباده المؤمنين اذا خرجوا جهادا في سبيله وابتغاء مرضاته. ان يتبينوا ويتثبت في جميع امورهم المشتبهة فان الامور قسمان واضحة وغير واضحة. فالواضحة البينة لا تحتاج الى تثبت وتبين كذلك تحصيل حاصل. واما الامور المشكلة غير الواضحة فان الانسان يحتاج الى التثبت فيها والتبين. ليعرف هل يقدم عليها ام لا. فان التثبت ففي هذه الامور يحصل فيه من الفوائد الكثيرة والكف لشرور عظيمة. ما به يعرف دين العبد وعقله ورزانته بخلاف المستعجل للامور في بدايته قبل ان يتبين له حكمها فان ذلك يؤدي الى ما لا ينبغي. كما جرى لهؤلاء الذين عاتبهم الله في الاية. لما لم يتثبتوا وقتلوا من عليهم وكان معه غنيمة له او مال غيره ظنا انه يستكفي بذلك قتلهم. وكان هذا خطأ في نفس الامر. فلهذا عاتبهم بقوله ولا تقولوا لمن القى اليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا فعند الله مغانم كثيرة اي فلا يحملنكم العرض الفاني القليل على ارتكاب ما لا ينبغي فيفوتكم ما عند الله من الثواب الجزيل الباقي. فما عند الله خير وابقى. وفي هذا اشارة الى ان العبد ينبغي له اذا رأى هذا واعي نفسه مائلة الى حالة له فيها هوى. وهي مضرة له ان يذكرها ما اعد الله لمن نهى نفسه عن هواها. وقدم مرضاة الله على رضا نفسه فان في ذلك ترغيبا للنفس في امتثال امر الله وان شق ذلك عليها. ثم قال تعالى مذكرا لهم بحالهم الاولى قبل هدايتهم الى الاسلام كذلك كنتم من قبل. فمن الله عليكم اي فكما هداكم بعد ضلالكم. فكذلك يهدي غيركم. وكما ان الهداية حصلت لكم شيئا فشيئا فكذلك غيركم. فنظر الكامل لحاله الاولى الناقصة. ومعاملته لمن كان على مثلها. بمقتضى ما يعرف من حاله الاولى دعاؤه له بالحكمة والموعظة الحسنة من اكبر الاسباب لنفعه وانتفاعه. ولهذا اعاد الامر بالتبين فقال فتبينوا. فاذا كان من خرج للجهاد في سبيل الله ومجاهدة اعداء الله. وقد استعد بانواع الاستعداد للايقاع بهم. مأمورا بالتبين لمن القى اليه السلام. وكانت القرينة في انه انما سلم تعوضا من القتل وخوفا على نفسه فان ذلك يدل على الامر بالتبين والتثبت في كل الاحوال التي يقع فيها نوع اشتباه يتثبت فيها العبد حتى يتضح له الامر. ويبين الرشد والصواب. ان الله كان بما تعملون خبيرا. فيجازي كل ما عمله ونواه بحسب ما علمه من احوال عباده ونياتهم فضل الله المجاهدين باموالهم اي لا يستوي من جاهد من المؤمنين بنفسه وماله. ومن لم يخرج للجهاد ولم يقاتل اعداء الله. ففيه الحث على الخروج للجهاد والترغيب في ذلك والترهيب من التكاسل والقعود عنه من غير عذر. واما اهل الضرر كالمريض والاعمى والاعرج. والذي لا يجد ما يتجهز به انهم ليسوا بمنزلة القاعدين من غير عذر. فمن كان من اولي الضرر راضيا بقعوده لا ينوي الخروج في سبيل الله. لولا وجود المانع ولا يحدث نفسه بذلك فانه بمنزلة القاعد لغير عذر. ومن كان عازما على الخروج في سبيل الله لولا وجود المانع. يتمنى ذلك ويحدث به نفسه فانه في منزلة من خرج للجهاد لان النية الجازمة اذا اقترن بها مقدورها من القول او الفعل ينزل صاحبها منزلة الفاعل. ثم صرح تعالى بتفضيل المجاهدين على القاعدين بالدرجة اي الرفعة وهذا تفضيل على وجه الاجمال. ثم صرح بذلك على وجه التفصيل. ووعدهم بالمغفرة الصادرة من ربهم والرحمة التي تشتمل على حصول كل خير واندفاع كل شر. والدرجات التي فصلها النبي صلى الله عليه وسلم بالحديث الثابت عنه في الصحيحين ان في الجنة مئة درجة ما بين كل درجتين كما بين السماء والارض. اعدها الله للمجاهدين في سبيله. وهذا الثواب الذي رتبه الله على الجهاد نظير الذي في سورة الصف في قوله يا ايها الذين امنوا هل ادلكم على تجارة تنجيكم من عذاب اليم؟ تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله باموالكم وانفسكم ذلكم خير لكم ان كنتم تعلمون. يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الانهار ومساكن طيبة في جنات عدن. ذلك الفوز العظيم. وتأمل حسن هذا الانتقال من حالة الى اعلى منها. فانه نفى التسوية اولا بين المجاهد وغيره ثم صرح بتفضيل المجاهد على القاعد بدرجة. ثم انتقل الى تفضيله بالمغفرة والرحمة والدرجات. وهذا الانتقال من حالة الى اعلى عند التفضيل والمدح او النزول من حالة الى ما دونها عند القدح والذم احسن لفظا واوقع في النفس. وكذلك اذا فضل تعالى شيئا على شيء وكل منهما له فضل احترز بذكر الفضل الجامع للامرين لئلا يتوهم احد ذم المفضل عليه. كما قال هنا وكلا وعد الله الحسنى وكما قال تعالى في الايات المذكورة في الصف في قوله وبشر المؤمنين وكما في قوله تعالى لا يستوي منكم من انفق من قبل الفتح وقال اي ممن لم يكن كذلك. ثم قال وكلا وعد الله الحسنى. وكما قال تعالى ففهمناها سليمان وكلا اتينا حكما وعلما فينبغي لمن بحث في التفضيل بين الاشخاص والطوائف والاعمال ان يتفطن لهذه النكتة. وكذلك لو تكلم في ذم الاشخاص والمقالات ذكر تجتمع فيه عند تفضيل بعضها على بعض لئلا يتوهم ان المفضل قد حصل له الكمال كما اذا قيل النصارى خير من المجوس فليقل مع ذلك وكل منهما كافر. والقتل اشنع من الزنا. وكل منهما معصية كبيرة. حرمها الله ورسوله وزجر عنها. ولما وعد المجاهدين بالمغفرة رحمة الصادرين عن اسمه الكريمين الغفور الرحيم. ختم هذه الاية بهما فقال وكان الله غفورا رحيما لنتوفاهم الملائكة ظالمي انفسهم قالوا فيما كنتم. قالوا فيما كنتم هم قالوا كنا مستضعفين في الارض قالوا الم تكن ارض الله واسعة فتهاجروا فيها فاولئك مأواهم جهنم مصيرا هذا الوعيد الشديد لمن ترك الهجرة مع قدرته عليها حتى مات. فان الملائكة الذين يقبضون يوبخونه بهذا التوبيخ العظيم. ويقولون لهم فيما كنتم اي على اي حال كنتم؟ وباي شيء تميزتم عن المشركين؟ بل كثرتم وربما ظاهرتموهم على المؤمنين وفاتكم الخير الكثير والجهاد مع رسوله. والكون مع المسلمين ومعاونتهم على اعدائهم. قالوا مستضعفين في الارض اي ضعفاء مقهورين مظلومين. ليس لنا قدرة على الهجرة وهم غير صادقين في ذلك. لان الله وبخهم وتوعدهم ولا يكلف الله نفسا الا وسعها. واستثنى المستضعفين حقيقة. ولهذا قالت لهم الملائكة الم تكن ارض الله واسعة فتهاجروا فيها وهذا استفهام تقرير اي قد تقرر عند كل احد ان ارض الله واسعة فحيث ما كان العبد في محل لا يتمكن فيه من اظهار دينه فان له متسعا فسحة من الارض يتمكن فيها من عبادة الله. كما قال تعالى يا عبادي الذين امنوا ان ارضي واسعة فاياي فاعبدون. قال الله عنها اولئك الذين لا عذر لهم فاولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا. وهذا كما تقدم فيه ذكر بيان السبب الموجب. فقد يترتب عليه مقتضاه مع اجتماع شروطه وانتفاء موانعه وقد يمنع من ذلك مانع. وفي الاية دليل على ان الهجرة من اكبر الواجبات وتركها من المحرمات بل من الكبائر وفي الاية دليل على ان كل من توفي فقد استكمل واستوفى ما قدر له من الرزق والاجل والعمل. وذلك مأخوذ من لفظ توفي فانه يدل على ذلك لانه لو بقي عليه شيء من ذلك لم يكن متوفيا. وفيه الايمان بالملائكة ومدحهم. لان الله ساق ذلك وعنهم وكان الله عفوا غفورا. وعسى ونحوها واجب وقوعها من الله تعالى. بمقتضى كرمه واحسانه. وفي الترجية بالثواب من عمل بعض الاعمال فائدة وهو انه قد لا يوفيه حق توفيته ولا يعمله على الوجه اللائق الذي ينبغي بل يكون مقصرا فلا يستحق ذلك والله اعلم. وفي الاية الكريمة دليل على ان من عجز عن المأمور من واجب وغيره فانه معذور. كما قال تعالى في العاجزين عن الجهاد ليس على الاعمى حرج ولا على الاعرج حرج ولا على المريض حرج. وقال في عموم الاوامر فاتقوا الله ما استطعتم. وقال النبي صلى الله عليه وسلم اذا امرتكم بامر فاتوا منه ما استطعتم ولكن لا يعذر الانسان الا اذا بذل جهده وسدت عليه ابواب الحيل لقوله لا يستطيعون حيلة وفي الاية تنبيه على ان الدليل في الحج والعمرة ونحوهما مما يحتاج الى سفر من شروط الاستطاعة فقد وقع اجره على الله وكان الله غفورا رحيما. هذا فيه بيان الحث على الهجرة ترغيب بيان ما فيها من المصالح فوعد الصادق في وعده ان من هاجر في سبيله ابتغاء مرضاته انه يجد مرغما في الارض وسعه فالمراغم مشتمل على مصالح الدين والسعة على مصالح الدنيا. وذلك ان كثيرا من الناس يتوهم ان في الهجرة شتاتا بعد الالفة وفقرا بعد الغنى و بعد العز وشدة بعد الرخاء. والامر ليس كذلك فان المؤمن ما دام بين اظهر المشركين. فدينه في غاية النقص لا في العبادات القاصرة عليه كالصلاة ونحوها ولا في العبادات المتعدية. كالجهاد بالقول والفعل وتوابع ذلك. لعدم تمكنه من ذلك. وهو بصدد ان يفتن عن دينه خصوصا ان كان مستضعفا فاذا هاجر في سبيل الله تمكن من اقامة دين الله وجهاد اعداء الله ومراغمتهم فان المراغمة اثم جامع لكل ما يحصل به اغاظة لاعداء الله من قول وفعل. وكذلك يحصل له سعة في رزقه. وقد وقع كما اخبر الله تعالى واعتبر ذلك الصحابة رضي الله عنهم فانهم لما هاجروا في سبيل الله وتركوا ديارهم واولادهم واموالهم لله. كمل بذلك ايمانهم. وحصل لهم من الايمان التام والجهاد العظيم والنصر لدين الله. ما كانوا به ائمة لمن بعدهم. وكذلك حصل لهم مما يترتب على ذلك من الفتوحات والغنائم. ما كانوا به اغنام الناس وهكذا كل من فعل فعلهم حصل له ما يحصل لهم الى يوم القيامة. ثم قال ومن يخرج من بيته مهاجرا الى الله ورسوله اي قاصدا ربه ورضاه ومحبة لرسوله ونصرا لدين الله. لا لغير ذلك من المقاصد. ثم يدركه الموت بقتل او غيره. فقد وقع اجره على الله اي فقد حصل له اجر المهاجر الذي ادرك مقصوده بضمان الله تعالى. وذلك لانه نوى وجزم وحصل منه ابتداء وشروع في العمل من رحمة الله به وبامثاله ان اعطاهم اجرهم كاملا. ولو لم يكملوا العمل وغفر لهم ما حصل منه من التقصير في الهجرة وغيرها. ولهذا ختم ما هذه الاية بهذين الاسمين الكريمين؟ فقال وكان الله غفورا رحيما. يغفر للمؤمنين ما اقترفوا من الخطيئات. خصوصا التائبين المنيبين الى ربهم رحيما بجميع الخلق رحمة اوجدتهم وعافتهم. ورزقتهم من المال والبنين والقوة وغير ذلك. رحيما بالمؤمنين حيث وفقهم للايمان وعلمهم من العلم ما يحصل به الايقان. ويسر لهم اسباب السعادة والفلاح. وما به يدركون غاية الارباح. وسيرون من رحمته و به ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. فنسأل الله الا يحرمنا خيره بشر ما عندنا الارض فليس عليكم جناح ان تقسوا من الصلاة ان خفتم ان خفتم ان يفتنكم الذين كفروا ان الكافرين كانوا لكم عدوا مبينا. هاتان الايتان اصل في رخصته في القصر وصلاة الخوف يقول تعالى واذا ضربتم في الارض اي في السفر وظاهر الاية انه يقتضي الترخص في اي سفر كان ولو كان سفر معصية كما هو مذهب ابي حنيفة رحمه الله. وخالف في ذلك الجمهور وهم الائمة الثلاثة وغيرهم. فلم يجوزوا الترخص في سفر المعصية تخصيصا للاية بالمعنى والمناسبة. فان الرخصة سهولة من الله لعباده اذا سافروا ان يقصروا ويفطروا. والعاصي بسفره لا يناسب حاله التخفيف وقوله فليس عليكم جناح ان تقصروا من الصلاة. اي لا حرج ولا اثم عليكم في ذلك. ولا ينافي ذلك كون القصر هو الافضل. لاننا في الحرج ازالة لبعض الوهم الواقع في كثير من النفوس. بل ولا ينافي الوجوب كما تقدم ذلك في سورة البقرة في قوله ان الصفا والمروة من شعائر الله وازالة الوهم في هذا الموضع ظاهرة لان الصلاة قد تقرر عند المسلمين وجوبها على هذه الصفة التامة ولا يزيل هذا عن نفوس اكثرهم الا بذكر ما ويدل على افضلية القصر على الاتمام امران. احدهما ملازمة النبي صلى الله عليه وسلم على القصر في جميع اسفاره. والثاني ان هذا من باب التوسعة والترخيص والرحمة بالعباد. والله تعالى يحب ان تؤتى رخصه كما يكره ان تؤتى معصيته. وقوله ان تقصروا من الصلاة ولم يقل ان تقصروا الصلاة فيه فائدتان احداهما انه لو قال ان تقصروا الصلاة لكان القصر غير منضبط بحد من الحدود فربما ظن انه لو قصر اعظم الصلاة وجعلها ركعة واحدة لا اجزأ. فاتيانه بقوله من الصلاة ليدل ذلك على ان القصر محدود مضبوط. مرجوع فيه الى ما تقرر من فعل النبي صلى الله عليه وسلم واصحابه. الثانية ان من تفيد التبعيض ليعلم بذلك ان القصر لبعض الصلوات المفروضات لا فان الفجر والمغرب لا يقصران وانما الذي يقصر الصلاة الرباعية من اربع الى ركعتين. فاذا تقرر ان القصر في السفر رخصة اعلم ان المفسرين قد اختلفوا في هذا القيد وهو قوله ان خفتم ان يفتنكم الذين كفروا. الذي يدل ظاهره ان القصر لا يجوز الا بوجود الامرين كليهما السفر مع الخوف ويرجع حاصل اختلافهم الى انه هل المراد بقوله ان تقصروا قصر العدد فقط او قصر العدد والصفر فالاشكال انما يكون على الوجه الاول. وقد اشكل هذا على امير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه. حتى سأل عنه النبي صلى الله عليه وسلم لما فقال يا رسول الله ما لنا نقصر الصلاة وقد امنا؟ اي والله يقول ان خفتم ان يفتنكم الذين كفروا. فقال رسول الله صلى الله الله عليه وسلم صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته. او كما قال فعلى هذا يكون هذا القيد اوتي به نظرا لغالب الحال التي كان النبي صلى الله عليه وسلم واصحابه عليها. فان غالب اسفارهم اسفار جهاد. وفيه فائدة اخرى وهي بيان الحكمة والمصلحة في مشروعيته برخصة القصر فبين في هذه الاية انهى ما يتصور من المشقة المناسبة للرخصة وهي اجتماع السفر والخوف. ولا يستلزم ذلك الا يقصر مع السفر وحده الذي هو مظنة المشقة. واما على الوجه الثاني وهو ان المراد بالقصر. قصر العدد والصفة فان القيد على بابه. فاذا وجد السفر والخوف هذا قصر العدد وقصر الصفة. واذا وجد السفر وحده جاز قصر العدد فقط او الخوف وحده جاز قصر الصفة. ولذلك اتى بصفة صلاة فلتقم طائفة منهم معك اي وطائفة قائمة بازاء العدو كما يدل على ذلك ما يأتي. فاذا سجدوا اي الذين معك اي اكملوا صلاتهم وعبر عن الصلاة بالسجود ليدل على فضل السجود. وانه ركن من اركانها بل هو اعظم اركانها. فليكونوا من ورائكم ولتأتي طائفة اخرى لم يصلوا وهم الطائفة الذين قاموا بازاء العدو فليصلوا معك. دل ذلك على ان الامام يبقى بعد انصراف الطائفة الاولى منتظرا للطائفة الثانية فاذا حضروا صلى بهم ما بقي من صلاته ثم جلس ينتظرهم حتى يكملوا صلاتهم ثم يسلموا بهم. وهذا احد الوجوه في صلاة الخوف فانها صحت عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه كثيرة كلها جائزة وهذه الاية تدل على ان صلاة الجماعة فرض عين من وجهين احدهما ان الله تعالى امر بها في هذه الحالة الشديدة وقت اشتداد الخوف من الاعداء وحذر مهاجمتهم. فاذا اوجبها في هذه الحالة الشديدة ثيابها في حالة الطمأنينة والامن من باب اولى واحرى. والثاني ان المصلين صلاة الخوف يتركون فيها كثيرا من الشروط واللوازم. ويعفى فيها عن كثير من الافعال المبطلة في غيرها. وما ذاك الا لتأكد وجوب الجماعة. لانه لا تعارض بين واجب ومستحب. فلولا وجوب الجماعة لم تترك هذه الامور اللازمة لاجلها. وتدل الاية الكريمة على ان الاولى والافضل ان يصلوا بامام واحد. ولو تضمن ذلك الاخلال بشيء لا يخل به لو صلوها بعدة ائمة. وذلك لاجل اجتماع كلمة المسلمين واتفاقهم. وعدم تفرق كلمتهم. وليكون ذلك اوقع هيبة في قلوب اعدائهم وامر تعالى باخذ السلاح والحذر في صلاة الخوف. وهذا وان كان فيه حركة واشتغال من بعض احوال الصلاة. فان فيه مصلحة راجحة وهو الجمع من الصلاة والجهاد والحذر من الاعداء الحريصين غاية الحرص على الايقاع بالمسلمين. والميل عليهم وعلى امتعتهم. ولهذا قال تعالى ود الذين كفروا لو تغفلون عن اسلحتكم وامتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة. ثم ان الله عذر من له عذر من مرض او مطر. ان يضع ولكن مع اخذ الحذر فقال ولا جناح عليكم ان كان بكم اذى من مطر او كنتم مرضى ان تضعوا اسلحتكم وخذوا حذركم ان الله اعد للكافرين عذابا مهينا. ومن العذاب المهين ما امر الله به حزبه المؤمنين وانصار دينه الموحدين. من قتلهم وقتالهم حيثما تقفون ويأخذوهم ويحصروهم ويقعدوا لهم كل مرصد. ويحذروهم في جميع الاحوال ولا يغفلوا عنهم خشية ان ينالوا الكفار بعض مطلوبهم فيه فلله اعظم حمد وثناء على ما من به على المؤمنين. وايدهم بمعونته وتعاليمه التي لو سلكوها على وجه الكمال لم تهزم لهم راية ولم يظهر عليهم عدو في وقت من الاوقات. وفي قوله فاذا سجدوا فليكونوا من ورائكم. يدل على ان هذه الطائفة تكمل جميع صلاتها كان قبل ذهابهم الى موضع الحارسين. وان الرسول صلى الله عليه وسلم يثبت منتظرا للطائفة الاخرى قبل السلام. لانه اولا ذكر ان الطائفة تقوم فاخبر عن مصاحبتهم له ثم اضاف الفعل بعد اليهم دون الرسول فدل ذلك على ما ذكرناه. وفي قوله ولتأتي طائفة اخرى لم يصلوا فليصلوا معك دليل على ان الطائفة الاولى قد صلوا وان جميع صلاة الطائفة الثانية تكون مع الامام حقيقة في ركعتهم الاولى وحكما في بركعتهم الاخيرة فيستلزم ذلك انتظار الامام اياهم حتى يكملوا صلاتهم ثم يسلموا بهم وهذا ظاهر للمتأمل لقضيتم الصلاة فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم اي فاذا فرغتم من صلاتكم صلاة الخوف وغيرها. فاذكروا الله في جميع احوالكم وهيئاتكم. ولكن خصت صلاة الخوف بذلك لفوائد. من ان القلب صلاحه وفلاحه وسعادته بالانابة الى الله تعالى في المحبة. وامتلاء القلب من ذكره والثناء عليه. واعظم ما يحصل به هذا المقصود الصلاة التي حقيقتها انها صلة بين العبد وبين ربه. ومنها ان فيها من حقائق الايمان ومعارف الايقان ما اوجب ان يفرضها الله على عباده كل يوم وليلة. ومن المعلوم ان صلاة الخوف لا تحصل فيها هذه المقاصد الحميدة بسبب اشتغال القلب والبدن والخوف. فامر بجبرها بالذكر بعدها. ومنها ان الخوف يوجب من قلق القلب وخوفه. ما هو لضعفه. واذا ضعف القلب ضعف البدن عن مقاومة العدو. والذكر لله والاكثار منه. من اعظم مقويات القلب ومنها ان الذكر لله تعالى مع الصبر والثبات سبب للفلاح والظفر بالاعداء. كما قال الله تعالى يا ايها الذين امنوا اذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون. فامر بالاكثار منه في هذه الحال الى غير ذلك من الحكم وقوله فاذا اطمأننتم فاقيموا الصلاة. اي اذا امنتم من الخوف واطمأنت قلوبكم وابدانكم. فاتموا صلاتكم على الوجه ظاهرا وباطنا. باركانها وشروطها وخشوعها وسائر مكملاتها. ان الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا اي مفروضا في وقته فدل ذلك على فرضيتها وان لها وقتا لا تصح الا به. وهو هذه الاوقات التي قد تقررت عند المسلمين صغيرهم وكبيرهم عالمهم وجاهلهم. واخذوا ذلك عن نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم بقوله صلوا كما رأيتموني اصلي ودل قوله على المؤمنين على ان الصلاة ميزان الايمان. وعلى حسب ايمان العبد تكون صلاته وتتم وتكمل. ويدل ذلك على ان الكفار وان كانوا ملتزمين لاحكام المسلمين كاهل الذمة انهم لا يخاطبون بفروع الدين كالصلاة ولا يؤمرون بها بل ولا تصح منهم ما داموا على كفرهم. وان كانوا يعاقبون عليها وعلى سائر الاحكام في الاخرة. ولا تهنوا في كما تألمون فانهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون. وكان الله عليما حكيم اي لا تضعفوا ولا تكسلوا في ابتغاء عدوكم من الكفار. اي في جهادهم والمرابطة على ذلك. فان وهن القلب مستدع البدن وذلك يضعف عن مقاومة الاعداء. بل كونوا اقوياء نشيطين في قتالهم. ثم ذكر ما يقوي قلوب المؤمنين. فذكر شيئين الاول ان ما يصيبكم من الالم والتعب والجراح ونحو ذلك. فانه يصيب اعدائكم فليس من المروءة الانسانية والشهامة الاسلامية ان تكونوا اضعف منهم وانتم وهم قد تساويتم فيما يوجب ذلك. لان العادة الجارية انه لا يضعف الا من توالت عليه الام وانتصر عليه الاعداء على الدوام. لا من يدان مرة ويدال عليه اخرى. الامر الثاني انكم ترجون من الله ما لا فترجون الفوز بثوابه والنجاة من عقابه. بل خواص المؤمنين لهم مقاصد غالية. وامال رفيعة من نصر دين الله واقامة لشرعه واتساع دائرة الاسلام وهداية الضالين وقمع اعداء الدين. فهذه الامور توجب للمؤمن المصدق زيادة القوة وتضاعف النشاط والشجاعة التامة لان من يقاتل ويصبر على نيل عزه الدنيوي ان نال ليس كمن يقاتل لنيل السعادة الدنيوية والاخروية والفوز برضوان الله وجنته. فسبحان من فاوت بين العباد وفرق بينهم بعلمه وحكمته. ولهذا قال وكان الله عليما حكيما. كامل العلم كامل الحكمة ولا تكن للخائنين خصيما يخبر تعالى انه انزل على عبده ورسوله الكتاب بالحق اي محفوظا في من الشياطين ان يتطرق اليه منهم باطل. بل نزل بالحق ومشتملا ايضا على الحق. فاخباره صدق واوامره ونواهيه عدل وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا. واخبر انه انزله ليحكم بين الناس. وفي الاية الاخرى وانزلنا اليك الذكر لتبين للناس ما نزل اليهم فيحتمل ان هذه الاية في الحكم بين الناس في مسائل النزاع والاختلاف وتلك في تبيين جميع الدين واصوله ويحتمل ان الايتين كليهما معناهما واحد. فيكون الحكم بين الناس هنا يشمل الحكم بينهم في الدماء والاعراض والاموال وسائر الحقوق وفي العقائد وفي جميع مسائل الاحكام. وقوله بما اراك الله اي لا بهواك بل بما علمك الله والهمك كقوله تعالى وما ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى. وفي هذا دليل على عصمته صلى الله عليه وسلم فيما يبلغه عن الله من جميع الاحكام وغيرها. وانه يشترط في الحكم العلم والعدل لقوله بما اراك الله ولم يقل بما ارأيت ورتب ايضا الحكم بين الناس على معرفة الكتاب ولما امر الله بالحكم بين الناس المتضمن للعدل والقسط نهاه عن الجور والظلم الذي هو ضد العدل فقال ولا تكن للخائنين خصيما. اي لا تخاصم عمن عرفت خيانته من مدع ما ليس له كمنكر حقا عليه سواء علم ذلك او ظنه. ففي هذا دليل على تحريم الخصومة في الباطل والنيابة عن المبطل في الخصومات الدينية عقوق الدنيوية ويدل مفهوم الاية على جواز الدخول في نيابة الخصومة لمن لم يعرف منه ظلم ان الله كان غفورا رحيما. واستغفر الله مما صدر منك ان صدر. ان الله كان غفورا رحيما ان يغفروا الذنب العظيم لمن استغفره وتاب اليه واناب. يوفقه للعمل الصالح بعد ذلك. الموجب لثوابه وزوال عقابه ولا تجادل عن الذين يختانون انفسهم ان الله لا يحب من كان خوفا ولا تجادل عن الذين يختانون انفسهم. الاختيان والخيانة بمعنى الجناية والظلم والاثم. وهذا يشمل النهي عن المجادلة عمن اذنب. وتوجه عليه عقوبة من حد او تعزير. فانه لا يجادل عنه بدفع ما صدر منه من الخيانة. او بدفع ما ترتب على ذلك من العقوبة الشرعية. ان الله لا يحب من كان خوانا اثيما. اي كثير الخيانة والاثم. واذا انتفى الحب ثبت بده وهو البغض. وهذا كالتعليل للنهي المتقدم. ثم ذكر عن هؤلاء الخائنين انهم الناس ولا يستخفون من الله ولا يستخفون من الله وهو معهم اذ يبين ما لا يرضى من القول. وكان الله لما يعملون محيطا. وهذا من ضعف الايمان ونقصان اليقين ان تكون مخافة الخلق عندهم اعظم من مخافة الله. فيحرصون بالطرق المباحة والمحرمة على عدم الفضيحة عند الناس وهم مع ذلك قد بارزوا الله بالعظائم. ولم يبالوا بنظره واطلاعه عليهم. وهو معهم بالعلم في جميع احوالهم. خصوصا في في حال تبييتهم ما لا يرضيه من القول من تبرئة الجاني ورمي البريء بالجناية والسعي في ذلك للرسول صلى الله عليه وسلم ليفعل ما فقد جمعوا بين عدة جنايات ولم يراقبوا رب الارض والسماوات المطلعة على سرائرهم وضمائرهم. ولهذا توعدهم تعالى بقوله وكان الله بما يعملون محيطا. اي قد احاط بذلك علما. ومع هذا لم يعاجلهم بالعقوبة. بل استأنى بهم وعرض عليهم التوبة وحذرهم من الاصرار على ذنبهم الموجب للعقوبة البليغة اي هبكم جادلتم عنهم في هذه الحياة الدنيا ودفع عنهم جدالكم بعض ما احذرون من العار والفضيحة عند الخلق. فماذا يغني عنهم وينفعهم؟ ومن يجادل الله عنهم يوم القيامة حين تتوجه عليهم الحجة وتشهد عليهم السنتهم وايديهم وارجلهم بما كانوا يعملون. يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق. ويعلمون ان الله هو الحق حق مبين. فمن يجادل عنه من يعلم السر واخفى. ومن اقام عليه من الشهود ما لا يمكن معه الانكار. وفي هذه الاية ارشاد الى المقابلة بينما يتوهم من مصالح الدنيا المترتبة على ترك اوامر الله او فعل مناهيه وبينما يفوت من ثواب الاخرة او تحصل من عقوباتها فيقول من امرته نفسه بترك امر الله ها انت تركت امره كسلا وتفريطا. فما النفع الذي انتفعت به؟ وماذا فاتك من ثواب الاخرة. وماذا ترتب على هذا الترك من الشقاء والحرمان والخيبة والخسران؟ وكذلك اذا دعته نفسه الى ما تشتهيه من الشهوة المحرمة قال لها هبكي فعلت ما اشتهيتي فان لذته تنقضي ويعقبها من الهموم والغموم والحسرات وفوات ثواب وحصول العقاب ما بعضه يكفي العاقل في الاحجام عنها. وهذا من اعظم ما ينفع العبد تدبره. وهو خاصة العقل الحقيقي. بخلاف في من يدعي العقل وليس كذلك فانه بجهله وظلمه يؤثر اللذة الحاضرة والراحة الراهنة ولو ترتب عليها ما ترتب والله استعان ثم قال تعالى ومن يعمل سوء او يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما اي من تجرأ على المعاصي واقتحم على الاثم. ثم استغفر الله استغفارا تاما. يستلزم الاقرار بالذنب والندم عليه والعزم على الا يعود فهذا قد وعده من لا يخلف الميعاد بالمغفرة والرحمة. فيغفر له ما صدر منه من الذنب ويزيل عنهما ترتب عليه من النقص والعيب. ويعيد اليه ما تقدم من الاعمال الصالحة. ويوفقه فيما يستقبله من عمره. ولا يجعل ذنبه حائلا توفيقه لانه قد غفر واذا غفر غفر ما يترتب عليه. واعلم ان عمل السوء عند الاطلاق يشمل سائر المعاصي الصغيرة والكبيرة وسمي سوءا لكونه يسوء عامله بعقوبته. ولكونه في نفسه سيئا غير حسن. وكذلك ظلم النفس عند الاطلاق يشمل ظلمها بالشرك فما دونه. ولكن عند اقتران احدهما بالاخر قد يفسر كل واحد منهما بما يناسبه. فيفسر للسوء هنا بالظلم الذي يسوء الناس. وهو ظلمهم في دمائهم واموالهم واعراضهم. ويفسر ظلم النفس بالظلم والمعاصي. التي بين الله وبين عبده وسمي ظلم النفس ظلما. لان نفس العبد ليست ملكا له يتصرف فيها بما يشاء. وانما هي ملك لله قال قد جعلها امانة عند العبد. وامره ان يقيمها على طريق العدل بالزامها للصراط المستقيم. علما وعملا. فيسعى في ما امر به ويسعى في العمل بما يجب فسعيه في غير هذا الطريق ظلم لنفسه وخيانة وعدول بها عن العدل الذي ضدهم الجور والظلم. ثم قال ومن يكسب اثما فانما يكسبه على نفسه وكان الله عليما حكيما. ومن يكسب اثما فانما يكسبه على نفسه. وهذا يشمل كل ما يؤثم من صغير وكبير فمن كسب سيئة فان عقوبتها الدنيوية والاخروية على نفسه لا تتعداها الى غيره. كما قال تعالى ولا تزر وزيرة وزر اخرى لكن اذا ظهرت السيئات فلم تنكر. عمت عقوبتها وشمل اثمها. فلا تخرج ايضا عن حكم هذه الاية الكريمة لان من ترك الانكار الواجب فقد كسب سيئة. وفي هذا بيان عدل الله وحكمته انه لا يعاقب احدا بذنب احد ولا يعاقب احدا اكثر من العقوبة الناشئة عن ذنبه. ولهذا قال وكان الله عليما حكيما. اي له العلم الكامل والحكمة التامة. ومن وحكمته انه يعلم الذنب وما صدر منه. والسبب الداعي لفعله. والعقوبة المترتبة على فعله. ويعلم حالة المذنب انه ان صدر منه الذنب بغلبة دواعي نفسه الامارة بالسوء. مع انابته الى ربه في كثير من اوقاته. انه سيغفر له ويوفقه للتوبة وان صدر منه بتجرؤه على المحارم استخفافا بنظر ربه وتهاونا بعقابه. فان هذا بعيد من المغفرة. بعيد من التوفيق للتوبة ثم قال ومن يكسب خطيئة او اثما فقد احتمل بهتانا ومن يكسب خطيئة اي ذنبا كبيرا او اثما ما دون ذلك ثم يرمي به ان يتهموا بذنبه بريئا من ذلك الذنب. وان كان مذنبا فقد احتمل بهتانا واثما مبينا. اي فقد حمل فوق ظهره البريء واثما ظاهرا بينا. وهذا يدل على ان ذلك من كبائر الذنوب وموبقاتها. فانه قد جمع عدة مفاسد بالخطيئة والاثم. ثم رمي من لم يفعلها بفعلها ثم الكذب الشنيع بتبرئة نفسه واتهام البريء. ثم ما يترتب على ذلك من العقوبة تندفع عمن وجبت عليه وتقام على من لا يستحقها. ثم ما يترتب على ذلك ايضا من كلام الناس في البريء. الى غير ذلك من المفاسد التي نسأل الله العافية منها ومن كل شر. ثم ذكر منته على رسوله بحفظه وعصمته ممن اراد ان يضله. فقال وانزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيم ولولا فضل الله عليك ورحمته لهمت طائفة منهم ان يضلوك. وذلك ان هذه الايات الكريمات قد ذكر المفسرون ان سبب نزولها ان اهل بيت سرقوا في المدينة فلما اطلع على سرقتهم خافوا الفضيحة واخذوا سرقتهم فرموها ببيت من هو بريء من ذلك. واستعان السارق بقومه ان يأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم. ويطلبوا منه ان يبرئ صاحبه على رؤوس الناس وقالوا انه لم يسرق وانما الذي سرق من وجدت السرقة ببيته وهو البريء. فهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يبرأ صاحبهم فانزل الله هذه الايات تذكيرا وتبيينا لتلك الواقعة وتحذيرا للرسول صلى الله عليه وسلم من المخاصمة عن الخائنين. فان المخاصمة عن المبطل من الضلال. فان الضلال نوعان. ضلال في العلم وهو الجهل بالحق. وضلال في عمل وهو العمل بغير ما يجب. فحفظ الله رسوله عن هذا النوع من الضلال. كما حفظه عن الضلال في الاعمال. واخبر ان كيدهم ومكرهم يعود على انفسهم كحالة كل ماكر. فقال وما يضلون الا انفسهم. لكون ذلك المكر وذلك التحيل لم قل لهم فيه مقصودهم ولم يحصل لهم الا بالخيبة والحرمان والاثم والخسران. وهذا نعمة كبيرة على رسوله صلى الله عليه وسلم تضمن النعمة بالعمل وهو التوفيق لفعل ما يجب. والعصمة له عن كل محرم. ثم ذكر نعمته عليه بالعلم فقال وانزل الله عليك الكتاب والحكمة. اي انزل عليك هذا القرآن العظيم والذكر الحكيم. الذي فيه تبيان كل شيء وعلم الاولين والاخرين الحكمة اما السنة التي قد قال فيها بعض السلف ان السنة تنزل عليه كما ينزل القرآن واما معرفة اسرار الشريعة الزائدة على معرفة احكامها وتنزيل الاشياء منازلها وترتيب كل شيء بحسبه. وعلمك ما لم تكن تعلم. وهذا يشمل جميع ما الله تعالى فانه صلى الله عليه وسلم كما وصفه الله قبل النبوة بقوله ما كنت تدري ما الكتاب ولا الايمان. ووجد كمال فهدى ثم لم يزل يوحي الله اليه ويعلمه ويكمله. حتى ارتقى مقاما من العلم يتعذر وصوله على الاولين والاخرين فكان اعلم الخلق على الاطلاق واجمعهم لصفات الكمال واكملهم فيها. ولهذا قال وكان فضل الله عليك عظيما ففضله على الرسول محمد صلى الله عليه وسلم. اعظم من فضله على كل الخلق. واجناس الفضل الذي قد فضله الله به. لا يمكن ولا يتيسر احصاؤه لا خير في كثير من نجواهم الا من امر بصدقة او معروف او اصلاح ناس لا خير في كثير مما يتناجى به الناس ويتخاطبون. واذا لم يكن فيه خير فاما لا فائدة فيه كفضول الكلام المباح. واما شر كونوا مضرة محضة كالكلام المحرم بجميع انواعه. ثم استثنى تعالى فقال الا من امر بصدقة من مال او علم او اي ان كان بل لعله يدخل فيه العبادات القاصرة كالتسبيح والتحميد ونحوه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ان بكل تسبيحة صدقة وكل تكبيرة صدقة وكل تهليلة صدقة وامر بالمعروف صدقة ونهي عن المنكر صدقة وفي بضع احدكم صدقة الحديث او معروف وهو الاحسان والطاعة. وكل ما عرف في الشرع والعقل حسنه. واذا اطلق الامر بالمعروف من غير ان يقرن بالنهي عن المنكر دخل فيه النهي عن المنكر. وذلك لان ترك المنهيات من المعروف. وايضا لا يتم فعل الخير الا بترك الشر واما عند الاقتران فيفسر المعروف بفعل المأمور والمنكر بترك المنهي او اصلاح بين الناس والاصلاح لا يكون الا بين متنازعين متخاصمين والنزاع والخصام والتغاض يوجب من الشر والفرقة ما لا يمكن حصره. فلذلك حث الشارع على الاصلاح بين الدماء والاموال والاعراض. بل وفي الاديان. كما قال تعالى واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا. وقال تعالى وان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فاصلحوا بينهما. فان بغت احداهما على الاخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء الى امر الله قال الله تعالى والصلح خير والساعي في الاصلاح بين الناس افضل من القانت بالصلاة والصيام والصدقة. والمصلح لا بد ان يصلح الله سعيه وعمله. كما ان الساعي في الافساد لا يصلح الله عمله. ولا يتم له مقصوده. كما قال الله تعالى ان الله لا يصلح عمل المفسدين فهذه الاشياء حيثما فعلت فهي خير. كما دل على ذلك الاستثناء. ولكن كمال الاجر وتمامه بحسب النية والاخلاص ولهذا قال ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه اجرا عظيما. فلهذا ينبغي للعبد ان يقصد وجه الله تعالى العمل لله في كل وقت وفي كل جزء من اجزاء الخير. ليحصل له بذلك الاجر العظيم. وليتعود الاخلاص فيكون من المخلصين وليتم له الاجر سواء تم مقصوده ام لا. لان النية حصلت واقترن بها ما يمكن من العمل ان الله لا يغفر ان يشرك به ويغفر وما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالا بعيد اي ومن يخالف الرسول صلى الله عليه وسلم ويعانده فيما جاء به من بعد ما تبين له الهدى بالدلائل والبراهين النبوية. ويتبع غير سبيل المؤمنين. وسبيلهم هو طريقهم في عقائدهم واعمالهم. نوله ما تولى اي نتركه وما اختاره لنفسه ونخذله. فلا نوفقه للخير. لكونه رأى الحق وعلمه وتركه. فجزاؤه من الله عدلا ان يبقيه في ضلاله حائرا. ويزداد ضلالا الى ضلاله. كما قال الله تعالى فلما زاغوا ازاغ الله قلوبهم. وقال الله تعالى ونقلب افئدتهم وابصارهم كما لم يؤمنوا به اول مرة. ويدل مفهومها على ان من لم يشاقق الرسول ويتبع غير للمؤمنين بان كان قصده وجه الله واتباع رسوله ولزوم جماعة المسلمين. ثم صدر منه من الذنوب او الهم بها ما هو من مقتضيات النفوس وغلبات الطباع فان الله لا يوليه نفسه وشيطانه. بل يتداركه بلطفه ويمن عليه بحفظه ويعصمه من السوء كما قال تعالى عن يوسف عليه السلام كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء. انه من عبادنا المخلصين. اي بسبب اخلاصه عنه السوء وكذلك كل مخلص كما يدل عليه عموم التعليل. وقوله ونسله جهنم اي نعذبه فيها عذابا عظيما وساءت مصيرا اي مرجعا له ومآلا. وهذا الوعيد المترتب على الشقاق ومخالفة المؤمنين. مراتب لا يحصيها الا الله بحسب حالة الذنب صغرا وكبرا. فمنه ما يخلد في النار ويوجب جميع الخذلان. ومنه ما هو دون ذلك. فلعل الاية الثانية لهذا المطلق وهو ان الشرك لا يغفره الله تعالى لتضمنه القدح في رب العالمين وفي وحدانيته وتسوية المخلوق الذي لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا بمن هو مالك النفع والضر. الذي ما من نعمة الا منه ولا يدفع النقم الا هو. الذي له الكمال المطلق من جميع الوجوه والغنى التام بجميع وجوه الاعتبارات. فمن اعظم الظلم وابعد الضلال عدم اخلاص العبادة لمن هذا شأنه وعظمته. وصرف شيء منها للمخلوق الذي ليس له من صفات الكمال شيء. ولا له من صفات الغنى شيء. بل ليس له الا العدم. عدم الوجود وعدم الكمال وعدم الغنى والفقر من جميع الوجوه. واما ما دون الشرك من الذنوب والمعاصي. فهو تحت المشيئة. ان شاء الله غفره برحمته وحكمته وان شاء عذب عليه وعاقب بعدله وحكمته. وقد استدل بهذه الاية الكريمة على ان اجماع هذه الامة حجة. وانها معصومة من الخطأ ووجه ذلك ان الله توعد من خالف سبيل المؤمنين بالخذلان والنار. وسبيل المؤمنين مفرد مضاف يشمل سائر قام المؤمنون عليه من العقائد والاعمال. فاذا اتفقوا على ايجاب شيء او استحبابه او تحريمه او كراهته او اباحته. فهذا سبيلهم فمن خالفهم في شيء من ذلك بعد انعقاد اجماعهم عليه فقد اتبع غير سبيلهم. ويدل على ذلك قوله تعالى كنتم خير امة اخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر. ووجه الدلالة منها ان الله تعالى اخبر ان المؤمنين من هذه الامة لا يأمرون الا بالمعروف. فاذا اتفقوا على ايجاب شيء او استحبابه فهو مما امروا به. فيتعين بنص الاية ان يكون معروفا. ولا لا شيء بعد المعروف غير المنكر. وكذلك اذا اتفقوا على النهي عن شيء فهو مما نهوا عنه. فلا يكون الا منكرا. ومثل ذلك قوله تعالى وكذلك جعلناكم امة وسطا لتكونوا شهداء على الناس. فاخبر تعالى ان هذه الامة جعلها الله وسطا اي عدلا سيارة ليكونوا شهداء على الناس. اي في كل شيء. فاذا شهدوا على حكم بان الله امر به او نهى عنه او اباحه. فان شهادتهم معصومة لكونهم عالمين بما شهدوا به عادلين في شهادتهم. فلو كان الامر بخلاف ذلك لم يكونوا عادلين في شهادتهم ولا عالية بها ومثل ذلك قوله تعالى فان تنازعتم في شيء فردوه الى الله والرسول يفهم منها ان ما لم يتنازعوا فيه بل اتفقوا عليه انهم غير مأمورين برده الى الكتاب والسنة. وذلك لا يكون الا موافقا للكتاب والسنة. لا يكون مخالفا فهذه الادلة ونحوها تفيد القطع ان اجماع هذه الامة حجة قاطعة. ولهذا بين الله قبح ضلال المشركين بقوله ان يدعون من دونه الا اناثا وان يدعون الا شيطانا وان يدعون وقال لاتخذن من عبادك نصيبا اي ما يدعو هؤلاء المشركون من دون الله الا اناثا. اي اوثانا واصناما مسميات باسماء اناث كالعزى ومناة ونحوهما. ومن المعلوم ان الاسم دال على المسمى. فاذا كانت اسماؤها اسماء مؤنثة ناقصة. دل ذلك على نقص المسميات بتلك الاسماء وفقدها لصفات الكمال. كما اخبر الله تعالى في غير موضع من كتابه انها لا تخلق ولا ترزق ولا عن عابديها بل ولا عن نفسها نفعا ولا ضرا. ولا تنصر انفسها ممن يريدها بسوء. وليس لها اسماع ولا ابصار ولا افئدة فكيف يعبد من هذا وصفه؟ ويترك الاخلاص لمن له الاسماء الحسنى والصفات العليا والحمد والكمال والمجد والجلال والعز والجمال والرحمة والبر والاحسان والانفراد بالخلق والتدبير والحكمة العظيمة في الامر والتقدير. هل هذا الا من اقبح القبيح الدال على نقص صاحبه وبلوغه من الخسة والدناءة ادنى ما يتصوره متصور او يصفه واصف. ومع هذا فعبادته انما صورتها فقط لهذه الاوثان الناقصة. وبالحقيقة ما عبدوا غير الشيطان الذي هو عدوهم. الذي يريد اهلاكهم ويسعى في ذلك عليك بكل ما يقدر عليه. الذي هو في غاية البعد من الله. لعنه الله وابعده عن رحمته. فكما ابعده الله عن رحمته. يسعى في عاد العباد عن رحمة الله. انما يدعو حزبه ليكونوا من اصحاب السعير. ولهذا اخبر الله عن سعيه في اغواء العباد وتزيين الشر لهم والفساد وانه قال لربه مقسما لاتخذن من عبادك نصيبا مفروضا اي مقدرا. علم اللعين انه لا يقدر على وجميع عباد الله. وان عباد الله المخلصين ليس له عليهم سلطان وانما سلطانه على من تولاه واثر طاعته وعلى طاعة مولاه واقسم في موضع اخر ليغوينهم اجمعين الا عبادك منهم المخلصين. فهذا الذي ظنه الخبيث وجزم به. اخبر الله تعالى بوقوعه بقوله ولقد صدق عليهم ابليس ظنه فاتبعوه الا فريقا من المؤمنين. وهذا النصيب المفروض الذي اقسم لله ليتخذه منهم ذكر ما يريد بهم وما يقصده لهم بقوله نون الله فقد خسر خسرانا مبينا. ولاضلنهم اي عن الصراط المستقيم ضلالا في العلم وضلالا في العمل ولامنينهم اي مع الاضلال لامنينهم ان ينالوا ما ناله المهتدون. وهذا هو الغرور بعينه. فلم يقتصر على مجرد اضلال حتى زين لهم ما هم فيه من الضلال. وهذا زيادة شر الى شرهم. حيث عملوا اعمال اهل النار الموجبة للعقوبة. وحسبوا انها انها موجبة للجنة واعتبر ذلك باليهود والنصارى ونحوهم فانهم كما حكى الله عنهم وقالوا لن يدخل الجنة الا من كان هودا او صار تلك امانيهم. وكذلك زينا لكل امة عملهم. قل هل ننبئكم بالاخسرين اعمالا؟ الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا. وقال تعالى عن المنافقين انهم يقولون يوم القيامة للمؤمنين. الم معكم قالوا بلى ولكنكم فتنتم انفسكم وتربصتم وارتبتم وغرتكم الاماني حتى جاء امر الله وغركم بالله الغرور وقوله ولامرنهم فليبتكن اذان الانعام اي بتقطيع اذانها وذلك كالبحيرة والسائبة والحام. فنبه ببعض ذلك على جميعه. وهذا نوع من الاضلال يقتضي تحريم ما احل الله او تحليل ما حرم الله. ويلتحق وبذلك من الاعتقادات الفاسدة والاحكام الجائرة ما هو من اكبر الاضلال. ولامرنهم فليغيرن خلق الله. وهذا يتناول تغيير الخلقة الظاهرة بالوشم والوشر والنمص والتفلج للحسن. ونحو ذلك مما اغواهم به الشيطان. فغيروا خلقة الرحمن. وذلك يتضمن التسخط من خلقته والقدح في حكمته واعتقاد ان ما يصنعونه بايديهم احسن من خلقة الرحمن. وعدم الرضا بتقديره وتدبيره ويتناول ايضا تغيير الخلقة الباطنة. فان الله تعالى خلق عباده حنفاء مفطورين على قبول الحق وايثاره. فجاءتهم الشياطين سألتهم عن هذا الخلق الجميل. وزينت لهم الشر والشرك والكفر والفسوق والعصيان. فان كل مولود يولد على الفطرة. ولكن ابواه يهون ادانه او ينصرانه او يمجسانه. ونحو ذلك مما يغيرون بهما فطر الله عليه العباد من توحيده وحبه ومعرفته. فافترسته هم الشياطين في هذا الموضع افتراس السبع والذئاب للغنم المنفردة. لولا لطف الله وكرمه بعباده المخلصين. لجرى عليهم ما جرى على هؤلاء المفتونين وهذا الذي جرى عليه من توليهم عن ربهم وفاطرهم. وتوليهم لعدوهم المريد لهم الشر من كل وجه. فخسروا الدنيا والاخرة ورجعوا بالخيبة والصفقة الخاسرة. ولهذا قال ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله فقد خسر خسرانا مبينا واي خسائر ابين واعظم ممن خسر دينه ودنياه. واوبقته معاصيه وخطاياه. فحصل له الشقاء الابدي. وفاته النعيم المسترمدي كما ان من تولى مولاه واثر رضاه ربح كل الربح وافلح كل الفلاح وفاز بسعادة الدارين واصبح قرير العين فلا مانع لما اعطيت ولا معطي لما منعت. اللهم تولنا فيمن توليت وعافنا فيمن عافيت. ثم قال يعينه اي يعد الشيطان من يسعى في اضلالهم والوعد يشمل حتى الوعيد. كما قال تعالى الشيطان يعدكم الفقر. فانه يعدهم اذا انفقوا في سبيل الله افتقروا. ويخوفهم اذا جاهدوا بالقتل وغيره كما قال تعالى انما ذلكم الشيطان يخوف اولياءه ويخوفهم عند ايثار مرضات الله بكل ما يمكن وما لا يمكن مما يدخله في عقولهم حتى يكسلوا عن فعل الخير. وكذلك يمنيهم الاماني الباطلة. التي هي عند التحقيق كالسراب الذي لا حقيقة له. ولهذا قال وما يعدهم الشيطان الا غرورا اولئك مأواهم جهنم اي من انقاد للشيطان عرض عن ربه وصار من اتباع ابليس وحزبه مستقرهم النار ولا يجدون عنها محيصا. اي مخلصا ولا ملجأ بل هم خالدون فيها ابد الاباد. ولما بين مآل الاشقياء اولياء الشيطان ذكر مآل السعداء اوليائه فقال الذين امنوا وعملوا الصالحات سندخلهم سندخلهم جنات تجري من تحتها الانهار اي امنوا بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم من الاخر والقدر خيره وشره على الوجه الذي امروا به علما وتصديقا واقرارا. وعملوا الصالحات الناشئة عن الايمان يشمل سائر المأمورات من واجب ومستحب. الذي على القلب والذي على اللسان والذي على بقية الجوارح. كل له من الثواب المرتب على ذلك بحسب حاله ومقامه وتكميله للايمان والعمل الصالح. ويفوته ما رتب على ذلك بحسب ما اخل به من الايمان والعمل ذلك بحسب ما علم من حكمة الله ورحمته. وكذلك وعده الصادق الذي يعرف من تتبع كتاب الله وسنة رسوله. ولهذا ذكر الثواب المرتب على كذلك بقوله سندخلهم جنات تجري من تحتها الانهار. فيها ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. من انواع المآكل والمشارب اللذيذة والمناظر العجيبة والازواج الحسنة والقصور والغرف المزخرفة والاشجار المتدلية والفواكه المستغربة والاصوات الشجية والنعم السابغة وتزاور الاخوان وتذكرهم ما كان منهم في رياض الجنان. واعلى من ذلك كله واجل رضوان الله عليهم وتمتع الارواح بقربه. والعيون برؤيته والاسماع بخطابه. الذي ينسيهم كل نعيم وسرور. ولولا الثبات من الله لهم لطالوا وماتوا من الفرح والحبور. فلله ما احلى ذلك النعيم. وما اعلى ما انالهم الرب الكريم. وما حصل لهم من كل خير وبهجة لا يصفه الواصفون. وتمام ذلك وكماله الخلود الدائم في تلك المنازل العاليات. ولهذا قال فيها ابدا وعد الله حقا. ومن اصدق من الله قيلا. فصدق الله العظيم الذي بلغ قوله وحديثه في الصدق اعلى ما يكون ولهذا لما كان كلامه صدقا وخبره صدقا. كان ما يدل عليه مطابقة وتضمنا وملازمة. كل ذلك مراد من كلامه وكذلك كلام رسوله صلى الله عليه وسلم لكونه لا يخبر الا بامره ولا ينطق الا عن وحيه من دون الله وليا ولا نصيرا. اي ليس الامر والنجاة والتزكية بامانيكم ولا اماني اهل الكتاب والاماني احاديث النفس المجردة عن العمل المقترن بها. دعوة مجردة. لو عرضت بمثلها لكانت من جنسها. وهذا عام في كل لامر فكيف بامر الايمان والسعادة الابدية؟ فان اماني اهل الكتاب قد اخبر الله بها انهم قالوا لن يدخل الجنة الا من كان هو او نصارى تلك امانيهم. وغيرهم ممن ليس ينتسب لكتاب ولا رسول. من باب اولى واحرى. وكذلك ادخل الله في ذلك من الى الاسلام لكمال العدل والانصاف. فان مجرد الانتساب الى اي دين كان لا يفيد شيئا ان لم يأتي الانسان ببرهان على صحة فالاعمال تصدق الدعوة او تكذبها. ولهذا قال تعالى من يعمل سوءا يجزى به. وهذا شامل لجميع العاملين. لان السوء شامل لاي ذنب كان. من صغائر الذنوب وكبائرها. وشامل ايضا لكل جزاء. قليل او كثير. دنيوي او اخروي الناس في هذا المقام درجات لا يعلمها الا الله. فمستقل ومستكثر. فمن كان عمله كله سوءا. وذلك لا يكون الا كافرا اذا مات من دون توبة جوزي بالخلود في العذاب الاليم. ومن كان عمله صالحا وهو مستقيم في غالب احواله. وانما يصدر منه احيانا بعض الذنوب الصغار فما يصيبه من الهم والغم والاذى. وبعض الالام في بدنه او قلبه او حبيبه او ماله. ونحو ذلك. فان انها مكفرات للذنوب. وهي مما يجزى به على عمله. قيدها الله لطفا بعباده. وبين هذين الحالين مراتب كثيرة. وهذا الجزاء على السوء العام مخصوص في غير التائبين. فان التائب من الذنب كمن لا ذنب له كما دلت على ذلك النصوص. وقوله ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا. لازالة بعض ما لعله يتوهم ان من استحق المجازاة على عمله قد يكون له ولي او ناصر او شاب يدفع عنه ما استحقه. فاخبر الله تعالى بانتفاء ذلك. فليس له ولي يحصل له المطلوب. ولا نصير يدفع عنه المرهوب الا ربه ومليكه ومن يعمل من الصالحات دخل في ذلك الاعمال القلبية والبدنية. ودخل ايضا كل عامل من انس او جن صغير او كبير ذكر او انثى. ولهذا قال من ذكر او انثى وهو مؤمن وهذا شرط لجميع الاعمال لا تكون صالحة ولا تقبل ولا يترتب عليها الثواب ولا يندفع بها العقاب الا الايمان فالاعمال بدون الايمان كاغصان شجرة قطع اصلها وكبراء بني على موج الماء. فالايمان هو الاصل والاساس والقاعدة التي يبنى عليه كل شيء. وهذا القيد ينبغي التفطن له في كل عمل مطلق. فانه مقيد به. فاولئك اي الذين جمعوا بين الايمان والعمل الصالح يدخلون الجنة المشتملة على ما تشتهي الانفس وتلذ الاعين ولا يظلمون نقيرا. اي لا قليلا ولا كثيرا مما عملوه من الخير بل يجدونه كاملا موفرا مضاعفا اضعافا كثيرة اسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة ابراهيم حنيفا واتخذ الله ابراهيم اي لا احد احسن من دين من جمع بين الاخلاص للمعبود. وهو اسلام الوجه لله الدال على استسلام القلب. وتوجهه انابة واخلاصه وتوجه الوجه وسائر الاعضاء لله. وهو مع هذا الاخلاص والاستسلام. محسن. اي متبع لشريعة الله التي ارسل الله بها رسله وانزل كتبه وجعلها طريقا لخواص خلقه واتباعهم. واتبع ملة ابراهيم اي دينه وشرعه اي مائلا عن الشرك الى التوحيد. وعن التوجه للخلق الى الاقبال على الله. واتخذ الله ابراهيم خليلا. والخلة اعلى انواع المحبة وهذه المرتبة حصلت للخليلين محمد وابراهيم عليهما الصلاة والسلام. واما المحبة من الله فهي لعموم مؤمنين وانما اتخذ الله ابراهيم خليلا. لانه وفى بما امر به. وقام بما ابتلي به. فجعله الله اماما للناس اتخذه خليلا ونوه بذكره في العالمين وهذه الاية الكريمة فيها بيان احاطة الله تعالى بجميع الاشياء. فاخبر انه له ما في السماوات وما في الارض اي الجميع ملكه وعبيده فهم المملوكون وهو المالك المتفرد بتدبيرهم. وقد احاط علمه بجميع المعلومات وبصره بجميع المبصرات. وسمعه بجميع المسموعات. ونفذت مشيئته وقدرته بجميع الموجودات. ووسعت رحمته اهل الارض والسماء وقهر بعزه وقهره كل مخلوق. ودانت له جميع الاشياء آآ وترغبون ان تنكحوهن وما تفعلوا من خير الاستفتاء طلب السائل من المسؤول بيان الحكم الشرعي في ذلك المسئول عنه اخبر عن المؤمنين انهم يستفتون الرسول صلى الله عليه وسلم في حكم النساء المتعلق بهم. فتولى الله هذه الفتوى بنفسه. فقال قال قل الله يفتيكم فيهن. فاعملوا على ما افتاكم به في جميع شؤون النساء. من القيام بحقوقهن وترك ظلمهن عموما وهذا امر عام يشمل جميع ما شرع الله امرا ونهيا. في حق النساء الزوجات وغيرهن الصغار والكبار. ثم بعد التعميم الوصية بالضعاف من اليتامى والولدان. اهتماما بهم وزجرا عن التفريط في حقوقهم. فقال وما يتلى عليكم في في الكتاب في يتامى النساء. اي ويفتيكم ايضا بما يتلى عليكم في الكتاب في شأن اليتامى من النساء. اللاتي لا تؤتونهن ما كتب لهن وهذا اخبار عن الحالة الموجودة الواقعة في ذلك الوقت. فان اليتيمة اذا كانت تحت ولاية الرجل بخسها حقها وظلمها اما باكل مالها الذي لها او بعضه او منعها من التزوج لينتفع بمالها خوفا من استخراجه من يده ان زوجها او يأخذ من مهرها الذي تتزوج به بشرط او غيره. هذا اذا كان راغبا عنها او يرغب فيها وهي ذات جمال ومال. ولا يقسط في مهرها بل يعطيها دون ما تستحق. فكل ذلك ظلم يدخل تحت هذا النص. ولهذا قال وترغبون ان تنكحوهن. اي ترغبون عن نكاحهن او في نكاحهن كما ذكرنا تمثيلا والمستضعفين من الولدان اي ويفتيكم في المستضعفين من الولدان الصغار ان تعطوهم حقهم من الميراث وغيرك. والا تستولوا على اموالهم على وجه الظلم والاستبداد. وان تقوموا لليتامى بالقسط. اي بالعدل التام وهذا يشمل القيام عليهم بالزامهم امر الله وما اوجبه على عباده فيكون الاولياء مكلفين بذلك يلزمونهم بما اوجبه الله ويشمل القيام عليهم في مصالحهم الدنيوية. بتنمية اموالهم وطلب الاحظ لهم فيها. والا يقربوها الا بالتي هي احسن وكذلك لا يحابون فيهم صديقا ولا غيرة. في تزوج وغيره على وجه الهضم لحقوقهم. وهذا من رحمته تعالى بعباده حيث حث غاية الحث على القيام بمصالح من لا يقوم بمصلحة نفسه لضعفه وفقد ابيه. ثم حث على الاحسان عموما فقال وما تفعلوا من خير لليتامى ولغيرهم. سواء كان الخير متعديا او لازما. فان الله كان به عليما قد احاط علمه بعمل العاملين للخير قلة وكثرة حسنا وضدة. فيجازي كلا بحسب عمله واحضرت الانفس الشح وان تحسنوا وتتقوا ان الله كان بما تعملون خبيرا. اي اذا خافت المرأة نشوز زوجها اي ترفعه عنها وعدم رغبته فيها اعراضه عنها فالاحسن في هذه الحالة ان يصلح بينهما صلحا بان تسمح المرأة عن بعض حقوقها اللازمة لزوجها على وجه تبقى مع زوجها اما ان ترضى باقل من الواجب لها من النفقة او الكسوة او المسكن او القسم بان تسقط حقها منه او تهب يومها ابنتها لزوجها او لضرتها. فاذا اتفقا على هذه الحالة فلا جناح ولا بأس عليهما فيها. لا عليها ولا على الزوج. فيجوز حين لزوجها البقاء معها على هذه الحال. وهي خير من الفرقة. ولهذا قال والصلح خير. ويؤخذ من عموم هذا اللفظ والمعنى ان الصلح بين من بينهما حق او منازعة في جميع الاشياء. انه خير من استقصاء كل منهما على كل حقه. لما فيها من الاصلاح وبقاء بينهما ومن القسط اداء الشهادة التي عندك على اي وجه كان. حتى على الاحباب بل على النفس. ولهذا قال شهداء لله ولو على انفسكم او الوالدين والاقربين. ان يكن غنيا او فقيرا فالله اولى بهما. اي فلا تراعوا الغني لغناه الالفة والاتصاف بصفة السماح. وهو جائز في جميع الاشياء الا اذا احل حراما او حرم حلالا فانه لا يكون صلحا. وان كما يكون جورا. واعلم ان كل حكم من الاحكام لا يتم ولا يكمل. الا بوجود مقتضيه وانتفاء موانعه. فمن ذلك هذا الحكم الكبير الذي ايه هو الصلح؟ فذكر تعالى المقتضي لذلك ونبه على انه خير. والخير كل عاقل يطلبه ويرغب فيه. فان كان مع ذلك قد امر الله الله به وحث عليه ازداد المؤمن طلبا له ورغبة فيه. وذكر المانع بقوله واحضرت الانفس الشح. اي جبلت النفوس على الشح وهو عدم الرغبة في بذل ما على الانسان. والحرص على الحق الذي له. فالنفوس مجبولة على ذلك طبعا. اي فينبغي لكم ان تحرصوا على قلعها هذا الخلق الدنيء من نفوسكم وتستبدل به ضده وهو السماحة وهو بذل الحق الذي عليك والاقتناع ببعض الحق الذي لك متى وفق الانسان لهذا الخلق الحسن سهل حينئذ عليه الصلح بينه وبين خصمه ومعامله. وتسهلت الطريق للوصول الى المطلوب بخلاف كافي من لم يجتهد في ازالة الشح من نفسه فانه يعسر عليه الصلح والموافقة. لانه لا يرضيه الا جميع ما له. ولا يرضى ان يؤدي ما عليه. فان كان خصمه مثله اشتد الامر. ثم قال وان تحسنوا وتتقوا. اي تحسنوا في عبادة الخالق. بان يعبد العبد ربه كأنه يراه. فان لم يكن يراه فانه يراه. وتحسن الى المخلوقين بجميع طرق الاحسان. من نفع بمال او علم او جار او غير ذلك وتتقوا الله بفعل جميع المأمورات وترك جميع المحظورات. او تحسنوا بفعل المأمور وتتقوا بترك المحظور. فان ان الله كان بما تعملون خبيرا. قد احاط به علما وخبرا بظاهره وباطنه. فيحفظه لكم ويجازيكم عليه اتم اتميل كل الميل فتذروها كالمعلقة يخبر تعالى ان الازواج لا يستطيعون. وليس في قدرتهم العدل التام بين النساء. وذلك لان العدل يستلزم وجود المحبة على السواء والداعية على السواء. والميل في القلب اليهن على السواء. ثم العمل بمقتضى ذلك. وهذا متعذر غير ممكن فلذلك عفا الله عما لا يستطاع ونهى عما هو ممكن بقوله فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة اي لا تميل ميلا كثيرا بحيث لا تؤدون حقوقهن الواجبة. بل افعلوا ما هو باستطاعتكم من العدل. فالنفقة والكسوة والقسم ونحوها ان تعدلوا بينهن فيها بخلاف الحب والوطء ونحو ذلك. فان الزوجة اذا ترك زوجها ما يجب لها صارت كالمعلقة التي لا الزوجة لها فتستريح وتستعد للتزوج ولا ذات زوج يقوم بحقوقها. وان تصلحوا ما بينكم وبين زوجاتكم باجبار على فعل ما لا تهواه النفس احتسابا وقياما بحق الزوجة. وتصلح ايضا فيما بينكم وبين الناس. وتصلح ايضا بين الناس فيما تنازع وهذا يستلزم الحث على كل طريق يوصل الى الصلح مطلقا. كما تقدم وتتقوا الله بفعل المأمور وترك المحظور والصبر على المقدور فان الله كان غفورا رحيما. يغفر ما صدر منكم من الذنوب والتقصير في الحق الواجب. ويرحمكم كما على ازواجكم ورحمتموهن. وان يتفرقا يغني الله كلا من سعته هذه الحالة الثالثة بين الزوجين اذا تعذر الاتفاق فانه لا بأس بالفراق فقال وان يتفرقا اي بطلاق او فسخ او خلع او غير ذلك يغني الله كلا من الزوجين من سعته اي من واحسانه الواسع الشامل. فيغني الزوج بزوجة خير له منها. ويغنيها من فضله. وان انقطع نصيبها من زوجها. فان على المتكفل بارزاق جميع الخلق القائم بمصالحهم. ولعل الله يرزقها زوجا خيرا منه. وكان الله واسعا اي كثير الفضل واسع الرحمة. وصلت رحمته واحسانه الى حيث وصل اليه علمه. ولكنه مع ذلك حكيما. ان يعطي بحكمته ويمنع لحكمته. فاذا اقتضت حكمته منع بعض عباده من احسانه بسبب من العبد. لا يستحق معه الاحسان حرمه عدل وحكمة ولله ما في السماوات وما في الارض. ولقد وصينا الذين اوتوا الكتاب من قبلكم واياكم اتقوا الله وان تكفروا فان لله ما في السماوات وما في الارض وكان الله غنيا حمدا ولله ما في السماوات وما في الارض وكفى بالله وكيلا. يخبر تعالى عن عموم ملكه العظيم الواسع المستلزم تدبيره بجميع انواع التدبير. وتصرفه بانواع التصريف قدرا وشرعا. فتصرفه الشرعي ان الاولين والاخرين اهل الكتب السابقة واللاحقة بالتقوى المتضمنة للامر والنهي وتشريع الاحكام والمجازاة لمن قام بهذه الوصية بالثواب والمعاقبة لمن اهملها وضيعها باليم العذاب. ولهذا قال وان تكفروا بان تتركوا تقوى الله وتشرك بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانا. فانكم لا تضرون بذلك الا انفسكم. ولا تضرون الله شيئا ولا تنقصون ملكه وله عبيد خير منكم واعظم واكثر. مطيعون له خاضعون لامره. ولهذا رتب على ذلك قوله وان تكفروا فان لله ما في السماوات وما في الارض. وكان الله غنيا حميدا. له الجود الكامل والاحسان الشامل. الصادر من خزائن رحمته التي لا ينقصها والانفاق ولا يغيضها نفقة. سحاء الليل والنهار. لو اجتمع اهل السماوات واهل الارض اولهم واخرهم. فسأل فكل واحد منهم ما بلغت امانيه ما نقص من ملكه شيئا. ذلك بانه جواد واجد ماجد. عطاؤه كلام وعذاب كلام انما امره لشيء اذا اراد ان يقول له كن فيكون. ومن تمام غناه انه كامل الاوصاف. اذ لو كان فيه بوجه من الوجوه لكان فيه نوع افتقار الى ذلك الكمال. بل له كل الصفة كمال. ومن تلك الصفة كمالها. ومن تمام غناه انه لم يتخذ صاحبة ولا ولدا ولا شريكا في ملكه. ولا ظهيرا ولا معاونا له على شيء من تدابير ملكه. ومن كمال غناه افتقار العالم العلوي والسفلي في جميع احوالهم وشؤونهم اليه. وسؤالهم اياه جميع حوائجهم الدقيقة والجليلة. فقام تعالى تلك المطالب والاسئلة واغناهم واقناهم ومن عليهم بلطفه وهداهم. واما الحميد فهو من اسماء الله تعالى الجليلة الدال على انه هو المستحق لكل حمد ومحبة وثناء واكرام. وذلك لما اتصف به من صفات الحمد التي هي صفة الجمال والجلال ولما انعم به على خلقه من النعم الجزال فهو المحمود على كل حال. وما احسن اقتران هذين الاسمين الكريمين. الغني حميد فانه غني محمود فله كمال من غناه وكمال من حمده وكمال من اقتران احدهما بالاخر. ثم كرر احاطة لما في السماوات وما في الارض. وانه على كل شيء وكيل. اي عالم قائم بتدبير الاشياء على وجه الحكمة. فان ذلك من تمام الوكالة فان الوكالة تستلزم العلم بما هو وكيل عليه. والقوة والقدرة على تنفيذه وتدبيره. وكون ذلك التدبير على وجه الحكمة مصلحة فما نقص من ذلك فهو لنقص الوكيل. والله تعالى منزه عن كل نقص الناس ويأتي باخرين. وكان الله على ذلك قديرا. اي هو الغني الحميد الذي له القدرة الكاملة والمشيئة النافذة فيكم ان يشأ يذهبكم ايها الناس ويأتي باخرين غيركم هم اطوع لله منكم وخير منكم وفي هذا تهديد للناس على اقامتهم على كفرهم واعراضهم عن ربهم. فان الله لا يعبأ بهم شيئا ان لم يطيعوه. ولكنه يمهل ويملي ولا يهمل ثم اخبر ان من كانت همته وارادته دنية غير متجاوزة ثواب الدنيا وليس له ارادة في الاخرة فانه قد قصر سعيه ونظره. ومع ذلك فلا يحصل له من ثواب الدنيا سوى ما كتب الله له منها. فانه تعالى هو مالك لكل شيء الذي عنده ثواب الدنيا والاخرة. فليطلبا منه ويستعان به عليهما. فانه لا ينال ما عنده الا ولا تدرك الامور الدينية والدنيوية الا بالاستعانة به والافتقار اليه على الدوام. وله الحكمة تعالى في توفيقه من يوفقه وخذلان من يخذله وفي عطائه ومنعه. ولهذا قال وكان الله سميعا بصيرا. ثم قال تعالى يا ايها الذين امنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على امر انفسكم او الوالدين والاقربين ان يكن غنيا او فقيرا فالله اولى فلا تتبعوا الهوى ان تعدلوا بما تعملون خبيرا. يأمر تعالى عباده المؤمنين ان يكونوا قوامين بالقسط شهداء لله. والقوام صيغة بالغ اي كونوا في كل احوالكم قائمين بالقسط. الذي هو العدل في حقوق الله وحقوق عباده. فالقسط في حقوق الله الا يستعان نعمه على معصيته. بل تصرف في طاعته والقسط في حقوق الادميين. ان تؤدي جميع الحقوق التي عليك كما تطلب حقوقك ستؤدي النفقات الواجبة والديون. وتعامل الناس بما تحب ان يعاملوك به من الاخلاق. والمكافأة وغير ذلك. ومن اعظم انواع القسط القسط في المقالات والقائلين. فلا يحكم لاحد القولين او احد المتنازعين. لانتسابه او ميله لاحدهما. بل يجعل وجهته ولا الفقير بزعمكم رحمة له. بل اشهدوا بالحق على من كان. والقيام بالقسط من اعظم الامور وادلها على دين القائم به وورعه ومقامه في الاسلام. فيتعين على من نصح نفسه واراد نجاتها. ان يهتم له غاية الاهتمام. وان يجعله نصب عينيه محل ارادته وان يزيل عن نفسه كل مانع وعائق يعوقه عن ارادة القسط او العمل به. واعظم عائق لذلك اتباع الهوى هذا نبه تعالى على ازالة هذا المانع بقوله فلا تتبعوا الهوى ان تعدلوا. اي فلا تتبعوا شهوات انفسكم المعارضة للحق فانكم ان اتبعتموها عدلتم عن الصواب ولم توفقوا للعدل. فان الهوى اما ان يعمي بصيرة صاحبه حتى يرى الحق باطلا الباطل حقا واما ان يعرف الحق ويتركه لاجل هواه. فمن سلم من هوى نفسه وفق للحق وهدي الى الصراط المستقيم ولما بين ان الواجب القيام بالقسط نهى عن ما يضاد ذلك. وهو لي اللسان عن الحق في الشهادات وغيرها. وتحريف النطق عن الصواب المقصود من كل وجه او من بعض الوجوه ويدخل في ذلك تحريف الشهادة وعدم تكميلها او تأويل الشاهد على امر اخر فان هذا من الليل لانه الانحراف عن الحق. او تعرض اي تترك القسط المنوط بكم كترك الشاهد لشهادته وترك حاكم لحكمه الذي يجب عليه القيام به. فان الله كان بما تعملون خبيرا. اي محيط بما فعلتم. يعلم اعمالكم خفية وجليها. وفي هذا تهديد شديد للذي يلوي او يعرض. ومن باب اولى واحرى الذي يحكم بالباطل او يشهد بالزور. لانه واعظم جرم لان الاولين تركا الحق. وهذا تركا الحق وقام بالباطل والكتاب الذي نزل على رسوله والكتاب الذي ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الاخر فقد ضل ضلالا اعلم ان الامر اما ان يوجه الى من لم يدخل في الشيء ولم يتصف بشيء منه. فهذا يكون امرا له في الدخول فيه. وذلك كامر من ليس بمؤمن بالايمان. كقوله تعالى يا ايها الذين اوتوا الكتاب امنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم. واما ان توجه الى من دخل في الشيء فهذا يكون امره ليصحح ما وجد منه. ويحصل ما لم يوجد. ومنه ما ذكره الله في هذه الاية. من المؤمنين بالايمان فان ذلك يقتضي امرهم بما يصحح ايمانهم من الاخلاص والصدق وتجنب المفسدات والتوبة من جميع المنقصات ويقتضي ايضا الامر بما لم يوجد من المؤمن من علوم الايمان واعماله. فانه كلما وصل اليه نص وفهم معناه واعتقده. فان ذلك من من الايمان المأمور به. وكذلك سائر الاعمال الظاهرة والباطنة. كلها من الايمان. كما دلت على ذلك النصوص الكثيرة. واجمع عليه سلف الامة ثم الاستمرار على ذلك والثبات عليه الى الممات. كما قال تعالى يا ايها الذين امنوا اتقوا الله حق تقاته. ولا تموتن الا وانتم مسلمون. وامر هنا بالايمان به وبرسله وبالقرآن وبالكتب المتقدمة. فهذا كله من الايمان الواجب الذي لا يكون العبد مؤمنا الا به اجمالا فيما لم يصل اليه تفصيله. وتفصيلا فيما علم من ذلك بالتفصيل. فمن امن هذا الايمان المأمون امر به فقد اهتدى وانجح. ومن كفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الاخر. فقد ضل ضلالا بعيدا. واي ضلالة ابعد من ضلال من ترك طريق الهدى المستقيم. وسلك الطريق الموصلة له الى العذاب الاليم. واعلم ان الكفر بشيء من هذه الامور المذكورة كالكفر بجميعها لتلازمها وامتناع وجود الايمان ببعضها دون بعض اي من تكرر منه الكفر بعد الايمان فاهتدى ثم ضل وابصر ثم عمي وامن ثم كفر واستمر على كفره وازداد منه فانه بعيد من التوفيق والهداية لاقوم طريق. وبعيد من المغفرة كونه اتى باعظم مانع يمنعه من حصولها. فان كفره يكون عقوبة وطبعا لا يزول. كما قال تعالى فلما زاغوا ازاغ الله قلوبهم ونقلب افئدتهم وابصارهم كما لم يؤمنوا به اول مرة. ودلت الاية انهم ان لم يزدادوا كفرا بل رجعوا الى امام وتركوا ما هم عليه من الكفران فان الله يغفر لهم. ولو تكررت منهم الردة. واذا كان هذا الحكم في الكفر فغير من المعاصي التي دونه من باب اولى ان العبد لو تكررت منه ثم عاد الى التوبة عاد الله له بالمغفرة الذين يتخذون الكافرين اولياء ايبتغون عندهم العزة فان العزة البشارة تستعمل في الخير وتستعمل في الشر بقيد كما في هذه الاية. يقول تعالى المنافقين اي الذين اظهروا الاسلام وابطنوا الكفر باقبح بشارة واسوأها وهو العذاب الاليم. وذلك بسبب محبتهم الكفر وموالاتهم ونصرتهم وتركهم لموالاة المؤمنين. فاي شيء حملهم على ذلك؟ ايبتغون عندهم العزة؟ وهذا هو الواقع من احوال المنافقين ساء ظنهم بالله وضعف يقينهم بنصر الله لعباده المؤمنين. ولحظوا بعض الاسباب التي عند الكافرين. وقصر نظرهم عما وراء ذلك فاتخذوا الكافرين اولياء يتعززون بهم ويستنصرون. والحال ان العزة لله جميعا فان نواصي العباد ومشيئته نافذة فيهم. وقد تكفل بنصر دينه وعباده المؤمنين. ولو تخلل ذلك بعض الامتحان لعباده المؤمنين وازالة العدو عليهم ادانة غير مستمرة. فان العاقبة والاستقرار للمؤمنين. وفي هذه الاية الترهيب العظيم من موالاة كافرين وترك موالاة المؤمنين. وان ذلك من صفات المنافقين. وان الايمان يقتضي محبة المؤمنين وموالاتهم. وبغض كافرين وعداوتهم ان الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعا اي وقد بين الله لكم فيما انزل عليكم حكمه الشرعي عند حضور مجالس الكفر والمعاصي. ان اذا سمعتم ايات الله يكفر بها تهزأ بها اي يستهان بها. وذلك ان الواجب على كل مكلف في ايات الله الايمان بها وتعظيمها واجلالها وتفخيمها وهذا المقصود بانزالها وهو الذي خلق الله الخلق لاجله. فضد الايمان الكفر بها وضد تعظيمها الاستهزاء بها واحتقارها ويدخل في ذلك مجادلة الكفار والمنافقين لابطال ايات الله ونصر كفرهم. وكذلك المبتدعون على اختلاف انواعهم فان احتجاجهم على باطلهم يتضمن الاستهانة بايات الله. لانها لا تدل الا على الحق ولا تستلزم الا صدقا. بل وكذلك يدخل فيه حضور ومجالس المعاصي والفسوق التي يستهان فيها باوامر الله ونواهيه. وتقتحم حدوده التي حدها لعباده. ومنتهى هذا النهي عن الصعود معهم حتى يخوضوا في حديث غيره. اي غير الكفر بايات الله والاستهزاء بها. انكم اذا اي ان قعدتم معهم في الحال المذكور مثلهم لانكم رضيتم بكفرهم واستهزائهم. والراضي بالمعصية كالفاعل لها. والحاصل ان من حضر مجلسا يعصى الله به به فانه يتعين عليه الانكار عليهم مع القدرة او القيام مع عدمها. ان الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعا كما اجتمعوا على الكفر والموالاة ولا ينفع المنافقين مجرد كونهم في الظاهر مع المؤمنين. كما قال تعالى يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين امنوا انظرونا نقتبس من نوركم. ثم ذكر تحقيق موالاة المنافقين للكافرين ومعاداتهم للمؤمنين الذين يتربصون بكم فان كان لكم فتح من الله قالوا الم نكن معكم وان كان للكافرين كافرين نصيب قالوا الم نستحوذ عليكم ونمنعكم من المؤمنين. فالله يحكم بينكم الذين يتربصون بكم ان انتظرونا الحالة التي تسيرون عليها وتنتهون اليها من خير او شر. قد اعدوا لكل حالة جوابا بحسب نفاقهم. فان كان لكم ومن الله قالوا الم نكن معكم فيظهرون انهم مع المؤمنين ظاهرا وباطنا. ليسلموا من القدح والطعن عليهم. وليشركوهم في الغنيمة وليتنصروا بهم وان كان للكافرين نصيب ولم يقل فتح لانه لا يحصل لهم فتح يكون مبدأ لنصرتهم المستمرة بلغاية ما يكون ان يكون لهم نصيب غير مستقر حكمة من الله. فاذا كان ذلك قالوا الم نستحوذ عليكم؟ اي عليكم ونمنعكم من المؤمنين ان يتصنعون عندهم بكف ايديهم عنهم مع القدرة ومنعهم من المؤمنين بجميع وجوه المنع من تفنيدهم وتزهيدهم في القتال ومظاهرة الاعداء عليهم. وغير ذلك مما هو معروف منهم. فالله يحكم بينكم يوم القيامة فيجازي المؤمنين ظاهرا وباطنا بالجنة. ويعذب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات. ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا. اي تسلطا واستيلاء عليهم. بل لا تزال طائفة من المؤمنين على الحق منصورة. لا يضره من خذلهم ولا من خالفهم ولا يزال الله يحدث من اسباب النصر للمؤمنين. ودفع تسليط الكافرين ما هو مشهود بالعيان. حتى ان بعض المسلمين الذين تحكمهم طوائف الكافرة قد بقوا محترمين لا يتعرضون لاديانهم ولا يكونون مستصغرين عندهم. بل لهم العز التام من الله لله الحمد اولا واخرا وظاهرا وباطنا اقاموا الى الصلاة قاموا كسالى الناس ولا يذكرون الله يخبر تعالى عن المنافقين بما كانوا عليه من قبيح الصفات وشنائع السمات. وان طريقتهم مخادعة الله تعالى اي بما اظهروه من الايمان وابطنوه من الكفران. ظنوا انه يروج على الله ولا يعلمه ولا يبديه لعباده. والحال ان الله طه خادعهم. فمجرد وجود هذه الحال منهم ومشيهم عليها خداع لانفسهم. واي خداع اعظم ممن يسعى سعيا يعود عليه بالهوان والذل والحرمان. ويدل بمجرده على نقص عقل صاحبه. حيث جمع بين المعصية ورآها حسنة. وظنها من العقل والمكر فلله ما يصنع الجهل والخذلان بصاحبه. ومن خداعه لهم يوم القيامة ما ذكره الله في قوله. يوم يقول المنافقون والمنافقات للذي امنوا انظرونا نقتبس من نوركم. قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا. فضرب بينهم بسور له باب. باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب ينادونهم الم نكن معكم؟ ومن صفاتهم انهم اذا قاموا الى الصلاة ان قاموا التي هي الطاعات العملية قاموا كسالى. متثاقلين لها متبرمين من فعلها. والكسل لا يكون الا من فقد الرغبة من قلوبهم. فلولا ان قلوبهم فارغة من الرغبة الى الله والى ما عنده. عادمة للايمان لم يصدر منهم الكسل. يراؤون الناس اي هذا الذي انطوت عليه طائرهم وهذا مصدر اعمالهم مراعاة الناس يقصدون رؤية الناس وتعظيمهم واحترامهم ولا يخلصون لله. فلهذا لا يذكرون الله الا قليلا. لامتلاء قلوبهم من الرياء فان ذكر الله تعالى وملازمته لا يكون الا من مؤمن ممتلئ قلبه بمحبة الله وعظمته ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا. مذبذبين بين ذلك لا اله هؤلاء ولا الى هؤلاء. اي مترددين بين فريق المؤمنين وفريق الكافرين. فلا من المؤمنين ظاهرا وباطنا. ولا من الكافرين ظاهرا وباطنا. اعطوا باطنهم للكافرين وظاهرهم للمؤمنين. وهذا اعظم ضلال يقدر. ولهذا قال ومن يضلل الله فلن له سبيلا اي لن تجد طريقا لهدايته ولا وسيلة لترك غوايته. لانه انغلق عنه باب الرحمة. وصار بدله كل نقمة فهذه الاوصاف المذمومة تدل بتنبيهها على ان المؤمنين متصفون بضدها من الصدق ظاهرا وباطنا والاخلاص وان انه لا يجهل ما عندهم ونشاطهم في صلاتهم وعباداتهم وكثرة ذكرهم لله تعالى. وانهم قد هداهم الله ووفقهم للصراط المستقيم فليعرض العاقل نفسه على هذين الامرين. وليختر ايهما اولى به. والله المستعان اتريدون ان ان تجعلوا لله عليكم سلطانا مبينا. لما ذكر ان من صفات المنافقين اتخاذ الكافرين اولياء من دون مؤمنين نهى عباده المؤمنين ان يتصفوا بهذه الحالة القبيحة. وان يشابهوا المنافقين. فان ذلك موجب لان تجعلوا لله عليكم سلطانا مبينا. اي حجة واضحة على عقوبتكم. فانه قد انذرنا وحذرنا منها. واخبرنا بما فيها من المفاسد. فسلوكها بعد هذا موجب للعقاب. وفي هذه الاية دليل على كمال عدل الله. وان الله لا يعذب احدا قبل قيام الحجة عليه. وفيها التحذير من عاصي فان فاعلها يجعل لله عليه سلطانا مبينا. ان المنافقين في الدرك الاسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا. يخبر تعالى عن مآل المنافقين انهم في اسفل الدرجات من العذاب. واشر الحالات من العقاب فهم تحت سائر الكفار. لانهم شاركوهم بالكفر بالله ومعاداة رسله. وزادوا عليهم المكر والخديعة. والتمكن من كثير من من انواع العداوة للمؤمنين على وجه لا يشعر به ولا يحس. ورتبوا على ذلك جريان احكام الاسلام عليهم. واستحقاق ما لا يستحقون فبذلك ونحوه استحقوا اشد العذاب وليس لهم منقذ من عذابه ولا ناصر يدفع عنهم بعض عقابه. وهذا عام لكل نافق ان الذين تابوا واصلحوا واعتصموا بالله واخلصوا دينهم لله مع المؤمنين وسوف يؤتي الله المؤمنين اجرا عظيما. الا من من الله عليهم بالتوبة من السيئات. واصلحوا له الظواهر والبواطن واعتصموا به والتجأوا اليه في جلب منافعهم ودفع المضار عنهم. واخلص دينهم الذي هو الاسلام والايمان والاحسان لله. فقصدوا وجه الله باعمالهم الظاهرة والباطنة. وسلموا من الرياء والنفاق فمن اتصف بهذه الصفات فاولئك مع المؤمنين. اي في الدنيا والبرزخ ويوم القيامة. وسوف يؤتي الله المؤمنين اجرا عظيما لا يعلم كونه الا الله مما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. وتأمل كيف خص الاعتصام والاخلاص بالذكر مع دخولهما في قوله واصلحوا لان الاعتصام والاخلاص من جملة الاصلاح لشدة الحاجة اليهما خصوصا في هذا مقام الحرج الذي تمكن من القلوب النفاق. فلا يزيله الا شدة الاعتصام بالله. ودوام اللجأ والافتقار اليه في دفعه. وكون الاخلاص مناف كل المنافاة للنفاق. فذكرهما لفضلهما وتوقف الاعمال الظاهرة والباطنة عليهما. ولشدة الحاجة في هذا المقام اليه فيهما وتأمل كيف لما ذكر ان هؤلاء مع المؤمنين لم يقل وسوف يؤتيهم اجرا عظيما مع ان السياق فيهم بل قال وسوف يؤتي الله المؤمنين اجرا عظيما. لان هذه القاعدة الشريفة لم يزل الله يبدأ فيها ويعيد. اذا كان السياق في بعض الجزئيات واراد ان يرتب عليه ثوابا او عقابا. وكان ذلك مشتركا بينه وبين الجنس الداخل فيه. رتب الثواب في مقابلة الحكم العام الذي تندرج وتحته تلك القضية وغيرها. ولان لا يتوهموا اختصاص الحكم بالامر الجزئي. فهذا من اسرار القرآن البديعة. فالتائب من المنافقين مع المؤمنين وله ثوابهم. ثم اخبر تعالى عن كمال غناه وسعة حلمه ورحمته واحسانه. فقال وكان الله شاكرا عليما ما يفعل الله بعذابكم ان شكرتم وامنتم. والحال ان الله شاكر عليم. يعطي المتحملين لاجله الاثقال. الدائبين في الاعمال جزيل الثواب وواسع الاحسان. ومن ترك شيئا لله اعطاه الله خيرا منه. ومع هذا يعلم ظاهركم وباطنكم واعمالكم لكم وما تصدر عنه من اخلاص وصدق وضد ذلك. وهو يريد منكم التوبة والانابة والرجوع اليه. فاذا انبتم اليه فاي شيء يفعل به في عذابكم فانه لا يتشفى بعذابكم ولا ينتفع بعقابكم. بل العاصي لا يضر الا نفسه. كما ان عمل المطيع لنفسه والشكر هو خضوع القلب واعترافه بنعمة الله وثناء اللسان على المشكور وعمل الجوارح بطاعته. والا يستعين بنعمه على معاصيه