المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي كان العرب في الجاهلية من جبروتهم وقسوتهم لا يورثون الضعفاء كالنساء والصبيان ويجعلون الميراث للرجال الاقوياء لانهم بزعمهم اهل الحرب والقتال والنهب والسلب. فاراد الرب الحكيم ان يشرع لعباده شرعا. يستوي فيه رجالهم ونساؤهم. واقويائهم وضعفاؤهم وقدم بين يدي ذلك امرا مجملا لتتوطن على ذلك النفوس. فيأتي التفصيل بعد الاجمال قد تشوقت له النفوس. وزالت الوحشة التي العادات القبيحة فقال للرجال نصيب اي قسط وحصة مما ترك اي خلف الوالدان اي الاب والام والاقربون عموم بعد خصوص. وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والاقربون. فكأنه قيل هل ذلك النصيب راجع الى العرف والعادة؟ وان يرضخونهم ما يشاؤون او شيئا مقدرا. فقال تعالى نصيبا مفروضا. اي قد قدره العليم الحكيم. وسيأتي ان شاء الله تقدير وايضا فها هنا توهم اخر. لعل احدا يتوهم ان النساء والولدان ليس لهم نصيب الا من المال الكثير. فازال ذلك بقوله مما قل منه او كثر فتبارك الله احسن الحاكمين فارزقوهم منه وقولوا لهم قولا معروفا. وهذا من احكام الله الحسنة الجليلة الجابرة للقلوب فقال واذا حضر القسمة اي قسمة المواريث اولوا القربى اي الاقارب غير الوارثين بقرينة قوله القسمة لان الوارثين من المقسوم عليهم واليتامى والمساكين. اي المستحقون من الفقراء. فارزقوهم منه. اي اعطوهم ما تيسر من هذا المال الذي جاءكم بغير كد ولا تعب ولا عناء ولا نصب. فان نفوسهم متشوفة اليه وقلوبهم متطلعة. فاجبروا خواطرهم بما لا يضركم وهو نافعهم ويؤخذ من هذا المعنى ان كل من له تطلع وتشوف الى ما حضر بين يدي الانسان. ينبغي له ان يعطيه منه ما تيسر. كما كان النبي صلى الله عليه عليه وسلم يقول اذا جاء احدكم خادمه بطعامه فليجلسه معه فان لم يجلسه معه فلينوله لقمة او لقمتين او كما قال وكان الصحابة رضي الله عنهم اذا بدأت باكورة اشجارهم اتوا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فبرك عليها ونظر الى اصغر اذ عنده فاعطاه ذلك. علما منه بشدة تشوفه لذلك. وهذا كله مع امكان الاعطاء. فان لم يمكن ذلك لكونه حق السفهاء او ثم اهم من ذلك فليقولوا لهم قولا معروفا يردوهم ردا جميلا بقول حسن غير فاحش ولا قبيح الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولا قيل ان هذا خطاب لمن يحضر من حضره الموت واجنف في وصيته. ان يأمره بالعدل في وصيته والمساواة فيها بدليل قوله وليقولوا قولا سديدا. اي سدادا موافقا للقسط والمعروف. وانهم يأمرون من يريد الوصية على اولاده. بما يحبون معاملتهم اولادهم بعدهم. وقيل ان المراد بذلك اولياء السفهاء من المجانين والصغار والضعاف ان يعاملوهم في مصالحهم الدينية والدنيوية ما يحبون ان يعامل به من بعدهم من ذريتهم الضعاف. فليتقوا الله في ولايتهم لغيرهم. ان يعاملونهم بما فيه تقوى الله من عدم اهانتهم والقيام عليهم والزامهم لتقوى الله. ولما امرهم بذلك زجرهم عن اكل اموال اليتامى. وتوعد على ذلك اشد العذاب قال انما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا. ان الذين يأكلون اموال اليتامى ظلما اي بغير حق وهذا القيد يخرج به ما تقدم من جواز الاكل للفقير بالمعروف ومن جواز خلط طعامهم بطعام الاقامة فمن اكلها ظلما فانما يأكلون في بطونهم نارا اي فان الذي اكلوه نار تتأجج في اجوافهم وهم الذين ادخلوها في بطونهم. وسيصلون سعير اي نارا محرقة تتوقد. وهذا اعظم وعيد ورد في الذنوب. يدل على شناعة اكل اموال اليتامى وقبحها. وانها موجبة لدخول النار فدل ذلك انها من اكبر الكبائر. نسأل الله العافية ايهم اقرب لكم نفعا هذه الايات والاية التي هي اخر السورة هن ايات المواريث المتضمنة لها فانها مع حديث عبدالله بن عباس الثابت في صحيح البخاري الحقوا الفرائض باهلها فما بقي فلأولى رجل ذكر مشتملات على جل احكام الفرائض بل على جميعها كما سترى ذلك الا ميراث الجدات فانه غير مذكور في ذلك لكونه قد ثبت في السنن عن المغيرة ابن شعبة ومحمد ابن مسلمة ان النبي صلى الله عليه وسلم اعطى الجدة السدس مع اجماع العلماء الى ذلك فقوله تعالى يوصيكم الله في اولادكم اي اولادكم يا معشر الوالدين عندكم ودائع قد وصاكم الله عليها لتقوموا بمصالحهم الدينية والدنيوية فتعلمونهم وتؤدبونهم وتكفونهم عن المفاسد وتأمرونهم بطاعة الله وملازمة التقوى على الدوام قال تعالى يا ايها الذين امنوا قوا انفسكم واهليكم نارا وقودها الناس والحجارة. فالاولاد عند والديهم موصى بهم. فاما يقوم بتلك الوصية واما ان يضيعوها فيستحقوا بذلك الوعيد والعقاب. وهذا مما يدل على ان الله تعالى ارحم بعباده من الوالدين حيث اوصى الوالدين مع كمال شفقتهم عليهم. ثم ذكر كيفية ارثهم فقال للذكر مثل حظ الانثيين. اي الاولاد للصلب والاولاد ابن للذكر مثل حظ الانثيين. ان لم يكن معهم صاحب فرض او ما ابقت الفروض يقتسمونه كذلك. فقد اجمع العلماء على ذلك. وانه مع وجود اولاد الصلب فالميراث لهم وليس لاولاد الابن شيء. حيث كان اولاد الصلب ذكورا واناثا. هذا مع اجتماع الذكور والاناث. وهنا انفراد الذكور وسيأتي حكمها وانفراد الاناث. وقد ذكره بقوله فان كن نساء فوق اثنتين. اي بنات صلب او بنات ثلاثا فاكثر فلهن ثلثا ما ترك. وان كانت واحدة اي بنتا او بنت ابن فلها النصف. وهذا اجماع. بقي ان يقال من اين يستفاد ان للابنتين الثنتين الثلثين بعد الاجماع على ذلك؟ فالجواب انه يستفاد من قوله وان كانت واحدة فلها النصف فمفهوم ذلك انه ان زادت على الواحدة انتقل الفرض عن النصف ولا ثم بعده الا الثلثان وايضا فقوله للذكر مثل حظ الانثيين اذا خلف ابنا وبنتا فان الابن له الثلثان. وقد اخبر الله انه مثل حظ الانثيين. فدل ذلك على ان للبنتين الثلثين وايضا فان البنت اذا اخذت الثلث مع اخيها وهو ازيد ضررا عليها من اختها. فاخذها له مع اختها من باب اولى واحرى. وايضا ان قوله تعالى في الاختين فان كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك. نص في الاختين الثنتين. فاذا كانت الاختان الثنتان مع فيهما يأخذان الثلثين فالابنتان مع قربهما من باب اولى واحرى. وقد اعطى النبي صلى الله عليه وسلم ابنتي سعد الثلثين كما في الصحيح بقي ان يقال فما الفائدة في قوله فوق اثنتين؟ قيل الفائدة في ذلك والله اعلم انه ليعلم ان الفرض الذي هو الثلث لا يزيد بزيادتهن على الثنتين بل من الثنتين فصاعدا. ودلت الاية الكريمة انه اذا وجد بنت صلب واحدة وبنت ابن او بنات فان لبنت الصلب النصف ويبقى من الثلثين الذين فرضهما الله للبنات او بنات الابن السدس. فيعطى بنت الابن او بنات الابن ولهذا يسمى هذا السدس تكملة الثلثين. ومثل ذلك بنت الابن مع بنات الابن اللاتي انزل منها. وتدل الاية انه متى استغرق البنات وبنات الابن الثلثين انه يسقط من دونهن من بنات الابن. لان الله لم يفرض لهن الا الثلثين. وقد تم. فلو لم يسقطن لزم من ذلك بان يفرض لهن ازيد من الثلثين وهو خلاف النص. وكل هذه الاحكام مجمع عليها بين العلماء ولله الحمد. ودل قوله مما ان الوارثين يرثون كل ما خلف الميت من عقار واثاث وذهب وفضة وغير ذلك. حتى الدية التي لم تجب الا بعد موته. وحتى ديون التي في الذمم ثم ذكر ميراث الابوين فقال ولابويه اي ابوه وامه لكل واحد منهما السدس مما ترك ان كان له ولد اي ولد صلب او ولد ابن ذكرا كان او انثى واحدا او متعددا. فاما الام فلا تزيد على السدس مع احد من الاولاد. واما فمع الذكور منهم لا يستحق ازيد من السدس. فان كان الولد انثى او اناثا. ولم يبق بعد الفرض شيء. كابوين وابنتين. لم يبقى تعصيب وان بقي بعد فرض البنت او البنات شيء اخذ الاب السدس فرضا والباقي تعصيبا لاننا الحقنا الفروض باهلها فما بقي رجل ذكر وهو اولى من الاخ والعم وغيرهما. فان لم يكن له ولد وورثه ابواه فلامه الثلث. اي والباقي للام لانه واضاف المال الى الاب والام اضافة واحدة. ثم قدر نصيب الام. فدل ذلك على ان الباقي للاب وعلم من ذلك ان الاب مع عدم الاولاد لا فرض له بل يرث تعصيبا المال كله. او ما ابقت الفروض. لكن لو وجد مع الابوين احد الزوجين ويعبر عنهما بالعمريتين فان الزوج او الزوجة يأخذ فرضه ثم تأخذ الام ثلث الباقي والاب الباقي. وقد دل على ذلك قوله وورثه ابواه فلامه ثلث اي ثلث ما ورثه الابوان وهو في هاتين الصورتين. اما سدس في زوج واب وام واما ربع في زوجة وام واب. فلم تدل الاية على ارث الام ثلث المال كاملا. مع عدم الاولاد حتى يقال ان هاتين الصورتين قد استثنيتا من هذا. ويوضح ذلك ما الذي يأخذه الزوج او الزوجة بمنزلة ما يأخذه الغرماء؟ فيكون من رأس المال والباقي بين الابوين. ولانا لو اعطينا الام ثلث المال لزم زيادتها على الاب في مسألة الزوج. او اخذ الاب في مسألة الزوجة زيادة عنها نصف السدس. وهذا لا نظير له. فان المعهود مساواتها للاب او اخذه ضعف ما تأخذه الام. فان كان له اخوة فلامه السدس. اشقاء او لاب او لام ذكورا كانوا او اناثا كارثين او محجوبين بالاب او الجد. لكن قد يقال ليس ظاهر قوله فان كان له اخوة شاملا لغير الوارثين. بدليل عدم تناوله المحجوب بالنصف فعلى هذا لا يحجبها عن الثلث من الاخوة الا الاخوة الوارثون. ويؤيده ان الحكمة في حجبهم لها عن الثلث. لاجل ان يتوفر لهم شيء من المال وهو معدوم والله اعلم. ولكن بشرط كونهم اثنين فاكثر. ويشكل على ذلك اتيان لفظ الاخوة بلفظ الجمع عن ذلك بان المقصود مجرد التعدد الى الجمع. ويصدق ذلك باثنين. وقد يطلق الجمع ويراد به الاثنان. كما في قوله تعالى عن داوود وسليمان وقلنا لحكمهم شاهدين. وقالت الاخوة للام وان كان رجل يورث كلالة او امرأة وله اخ او اخت. فلكل واحد منهما السدس. فان كانوا اكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث. فاطلق لفظ الجمع. والمراد اثنان فاكثر بالاجماع. فعلى هذا لو خلف اما وابا واخوة كان للام السدس والباقي للاب. فحجبوها عن الثلث مع حجب الاب اياهم الا على الاحتمال الاخر. فان ام الثلث والباقي للاب. ثم قال تعالى من بعد وصية يوصي بها او دين. اي هذه الفروض والانصباء والمواريث. انما تريد يستحق بعد نزع الديون التي على الميت لله او للادميين. وبعد الوصايا التي قد اوصى الميت بها بعد موته. فالباقي عن ذلك هو التركة الذي يستحقه ورثة وقدم الوصية مع انها مؤخرة عن الدين للاهتمام بشأنها. لكون اخراجها شاقا على الورثة. والا فالديون مقدمة عليها وتكون من رأس المال. واما الوصية فانها تصح من الثلث فاقل. للاجنبي الذي هو غير وارث. واما غير ذلك فلا ينفذ الا باجازة الورثة. قال تعالى اباؤكم وابناؤكم لا تدرون ايهم اقرب لكم نفعا. فلو رد تقدير الارث الى عقولكم واختياركم حصل من الضرر ما الله به عليم. لنقص العقول وعدم معرفتها بما هو اللائق الاحسن. في كل زمان ومكان. فلا يدرون اي الاولاد او الوالدين انفع لهما واقرب لحصول مقاصدهم الدينية والدنيوية فريضة من الله ان الله كان عليما حكيما اي فرضها الله الذي قد احاط بكل شيء علما واحكم ما شرعه وقدر ما قدره على احسن تقدير. لا تستطيع العقول ان تقترح مثل احكامه. الصالحة الموافقة لكل زمان ومكان وحال. ثم قال تعالى ان يوصين بها او دين ولهن الربع مما تركتم ان لم يكن لكم ولد وصية من الله والله عليم حليم ولكم ايها الازواج نصف ما ترك ازواجكم ان لم يكن لهن ولد. فان كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن. من بعد وصية يوصين بها او دين. ولهن الربع مما تركتم لم يكن لكم ولد. فان كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم. من بعد وصية توصون بها او دين. ويدخل في مسمى الولد المشروط وجوده او عدمه ولد الصلب او ولد الابن الذكر والانثى الواحد والمتعدد. الذي من الزوج او من غيره. ويخرج عنه ولد بنتي اجماعا. ثم قال تعالى وان كان رجل يورث كلالة او امرأة وله اخ او اخت. اي من ام كما هي في بعض القراءات واجمع العلماء على ان المراد بالاخوة هنا الاخوة للام. فاذا كان يورث كلالة اي ليس للميت والد ولا ولد. اي لا اب ولا جد لا ابن ولا ابن ابن ولا بنت ولا بنت ابن. وان نزلوا. وهذه هي الكلالة. كما فسرها بذلك ابو بكر الصديق رضي الله عنه. وقد حصل على ذلك الاتفاق ولله الحمد. فلكل واحد منهما اي من الاخ والاخت السدس. فان كانوا اكثر من ذلك اي من واحد. فهم شركاء في الثلث اي لا يزيدون على الثلث ولو زادوا عن اثنين. ودل قوله فهم شركاء في الثلث ان ذكرهم وانثاهم سواء لان لفظ التشريك يقتضي التسوية ودل لفظ الكلالة على ان الفروع وان نزلوا والاصول الذكورة وان علوا يسقطون اولاد الام لان الله لم يورثهم الا في الكلالة فلو لم يكن يورث كلالة لم يرثوا منه شيئا اتفاقا. ودل قوله فهم شركاء في الثلث ان الاخوة الاشقاء يسقطون ففي المسألة المسماة بالحمارية وهي زوج وام واخوة لام واخوة اشقاء. للزوج النصف وللام السدس وللاخوة الثلث ويسقط الاشقاء. لان الله اضاف الثلث للاخوة من الام. فلو شاركهم الاشقاء لكان جمعا لما فرق الله حكمه. وايضا فان للام اصحاب فروض والاشقاء عصبات. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم الحقوا الفرائض باهلها فما بقي فلأولى رجل ذكر واهل الفروض هم الذين قدر الله انصبائهم. ففي هذه المسألة لا يبقى بعدهم شيء فيسقط الاشقاء وهذا هو الصواب في ذلك. واما لا يعدل عنهن الى عصبة ابعد منهن. كابن الاخ والعم ومن هو ابعد منهم. والله اعلم اي تلك التفاصيل التي ذكرها في المواريث حدود الله التي يجب الوقوف معها وعدم مجاوزتها ولا القصور ميراث الاخوة والاخوات الاشقاء او لاب. فمذكور في قوله يستفتونك. قل الله يفتيكم في الكلالة. فالاخت الواحدة شقيقة او لاب لها النصف واثنتان لهما الثلثان والشقيقة الواحدة مع الاخت لاب او الاخوات تأخذ النصف. والباقي من الثلثين للاخت والاخوات لاب وهو سدس تكملة الثلثين. واذا استغرقت الشقيقات الثلثين. سقط الاخوات لاب كما تقدم في البنات وبنات الابن ان كان الاخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الانثيين. فان قيل فهل يستفاد حكم ميراث القاتل والرقيق والمخالف في الدين وبعض والخنثى والجد مع الاخوة لغير ام والعول والرد وذوي الارحام وبقية العصبة والاخوات لغير ام مع البنات او بنات الابن من القرآن ام لا؟ قيل نعم فيه تنبيهات واشارات دقيقة يعسر فهمها على غير المتأمل. تدل على جميع المذكورات. فاما القاتل والمخالف في الدين. فيعرف انهما غير وارثين. من بيان الحكمة الالهية في توزيع المال على الورثة. بحسب قربهم ونفعهم الديني والدنيوي وقد اشار تعالى الى هذه الحكمة بقوله لا تدرون ايهم اقرب لكم نفعا؟ وقد علم ان القاتل قد سعى لمورثه باعظم الضرر. فلا ينتهي ما فيه من موجب الارث ان يقاوم ضرر القتل الذي هو ضد النفع الذي رتب عليه الارث. فعلم من ذلك ان القتل اكبر مانع يمنع الميراث. ويقطع الرحم الذي قال الله فيه واولوا الارحام بعضهم اولى ببعض في كتاب الله. مع انه قد استقرت القاعدة الشرعية ان من استعجل شيء قبل اوانه عوقب بحرمانه وبهذا ونحوه يعرف ان المخالف لدين الموروث لا ارث له. وذلك انه قد تعارض الموجب الذي هو اتصال النسب الموجب للارث والمانع الذي هو المخالفة في الدين. الموجبة للمباينة من كل وجه. فقوي المانع ومنع موجب الارث الذي هو النسب. فلم يعمل الموجب قيام المانع يوضح ذلك ان الله تعالى قد جعل حقوق المسلمين اولى من حقوق الاقارب الكفار الدنيوية. فاذا مات المسلم انتقل ماله الى من هو اولى واحق به؟ فيكون قوله تعالى واولو الارحام بعضهم اولى ببعض في كتاب الله. اذا اتفقت اديانهم واما مع فالاخوة الدينية مقدمة على الاخوة النسبية المجردة. قال ابن القيم في جلاء الافهام وتأمل هذا المعنى في اية المواريث وتعليقه سبحانه التوارث فيها بلفظ الزوجة. كما في قوله تعالى ولكم نصف ما ترك ازواجكم. ايذانا بان هذا التوارث انما وقع الزوجية المقتضية للتشاكل والتناسب. والمؤمن والكافر لا تشاكل بينهما ولا تناسب. فلا يقع بينهما التوارف واسرار مفردات قرآن ومركباته فوق عقول العالمين. انتهى كلامه رحمه الله. واما الرقيق فانه لا يرث ولا يورث. اما كونه لا يورث فواضح لانه ليس له مال يورث عنه. بل كل ما معه فهو لسيده. واما كونه لا يرث فلانه لا يملك. فانه لو ملك لكان سيدي وهو اجنبي من الميت. فيكون مثل قوله تعالى للذكر مثل حظ الانثيين. ولكم نصف ما ترك ازواجكم. فلكل واحد منهما سدس ونحوها لمن يتأتى منه التملك. فاما الرقيق فلا يتأتى منه ذلك. فعلم انه لا ميراث له. واما من بعضه حر وبعضه ورقيق فانه تتبعض احكامه. فما فيه من الحرية يستحق بها ما رتبه الله في المواريث. لكون ما فيه من الحرية قابلا للتملك. وما فيه من الرق فليس بقابل لذلك. فاذا يكون المبعض يرث ويورث ويحجب بقدر ما فيه من الحرية. واذا كان العبد يكون محمودا مذموما مثابا ومعاقبة بقدر ما فيه من موجبات ذلك فهذا كذلك. واما الخنثى فلا يخلو اما ان يكون واضحا ذكوريته او انوثيته المشكلة فاذا كان واضحا فالامر فيه واضح. ان كان ذكرا فله حكم الذكور. ويشمله النص الوارد فيهم. وان كان انثى فله حكم الاناث ويشملها النص الوارد فيهن. وان كان مشكلا فان كان الذكر والانثى لا يختلف ارثهما. كالاخوة للام فالامر فيه واضح. وان كان ارثه بتقدير ذكوريته وبتقدير انسيته. ولم يبقى لنا طريق الى العلم بذلك. لم نعطه اكثر التقديرين. لاحتمال ظلم من معه من الورثة ولم نعطه الاقل لاحتمال ظلمنا له. فوجب التوسط بين الامرين وسلوك اعدل الطريقين. قال تعالى اعدلوا هو اقرب للتقوى وليس لنا طريق الى العدل في مثل هذا. اكثر من هذا الطريق المذكور. ولا يكلف الله نفسا الا وسعها. فاتقوا الله ما استطعتم واما ميراث الجد مع الاخوة الاشقاء او لاب وهل يرثون معه ام لا؟ فقد دل كتاب الله على قول ابي بكر الصديق رضي الله عنه وان الجد يحجب الاخوة اشقاء او لاب او لام كما يحجبهم الاب. وبيان ذلك ان الجد اب في غير موضع من القرآن. كقوله تعالى قال اذ حضر يعقوب الموت اذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي؟ قالوا نعبد الهك واله ابائك ابراهيم واسحاق. وقال يوسف عليه السلام واتبعت ملة ابائي ابراهيم واسحاق ويعقوب. فسمى الله الجد وجد الاب ابا. فدل ذلك على ان الجد بمنزلة الاب يرث يرثه الاب ويحجب من يحجبه. واذا كان العلماء قد اجمعوا على ان الجد حكمه حكم الاب عند عدمه في ميراثه مع الاولاد وغيرهم. من بني الاخوة والاعمام وبنيهم وسائر احكام المواريث. فينبغي ايضا ان يكون حكمه حكمه في حجب الاخوة لغير ام. واذا كان ابن الابن منزلة ابن الصلب فلما لا يكون الجد بمنزلة الاب؟ واذا كان جد الاب مع ابن الاخ قد اتفق العلماء على انه يحجبه فلما لا يحجب جد الميت فليس مع من يورث الاخوة مع الجد نص ولا اشارة ولا تنبيه ولا قياس صحيح. واما مسائل العول فانه يستفاد حكمه من القرآن وذلك ان الله تعالى قد فرض وقدر لاهل المواريث انصبا وهم بين حالتين. اما ان يحجب بعضهم بعضا او لا. فان حجب بعضهم بعضا. فالمحجوب ساقط لا يزاحم ولا يستحق شيئا. وان لم يحجب بعضهم بعضا. فلا يخلو اما ان لا تستغرق الفروض والتركة. او استغرقها من غير زيادة ولا نقص. او تزيد الفروض على التركة. ففي الحالتين الاوليين كل يأخذ فرضه كاملا. وفي الحالة الاخيرة وهي اذا زادت الفروض على التركة فلا يخلو من حالين. اما ان ننقص بعض الورثة عن فرضه الذي فرضه الله له. ونكمل للباقين منهم فروضهم هذا ترجيح بغير مرجح وليس نقصان احدهم باولى من الاخر. فتعينت الحال الثانية وهي اننا نعطي كل واحد منهم نصيبه بقدر الامكان ونحاصص بينهم كديون الغرماء الزائدة على مال الغريم ولا طريق موصل الى ذلك الا بالعول. فعلم من هذا ان العول في الفرائض قد بين الله في كتابه. وبعكس هذه الطريقة بعينها يعلم الرد فان اهل الفروض اذا لم تستغرق فروضهم التركة وبقي شيء ليس له مستحق ومن عاصب قريب ولا بعيد. فان رده على احدهم ترجيح بغير مرجح. واعطاؤه غيرهم ممن ليس بقريب للميت. جنف وميل عرظة لقوله واولو الارحام بعضهم اولى ببعض في كتاب الله. فتعين ان يرد على اهل الفروض بقدر فروضهم. ولما كان الزوجان ليسا من قرابة لم يستحقها زيادة على فرضهم المقدر. هذا عند من لا يورث الزوجين بالرد. وهم جمهور القائلين بالرد. فعلى هذا تكون علة الرد كونه صاحب فرض قريب. وعلى القول الاخر ان الزوجين كغيرهما من ذوي الفروض يرد عليهما فكما ينقصان بالعول. فانهما زادان بالرد كغيرهما فالعلة على هذا كونه وارثا صاحب فرض. فهذا هو الظاهر من دلالة الكتاب والسنة. والقياس الصحيح والله اعلم وبهذا يعلم ايضا ميراث ذوي الارحام. فان الميت اذا لم يخلف صاحب فرض ولا عاصبا. وبقي الامر دائرا بين كون ماله يكون لبيت المال لمنافع الاجانب وبين كون ماله يرجع الى اقاربه المدنين بالورثة المجمع عليهم. ويدل على ذلك قوله تعالى واولو الارحام بعضهم اولى ببعض في كتاب الله فصرفه لغيرهم ترك لمن هو اولى من غيره. فتعين توريث ذوي الارحام واذا تعين توريثهم قد علم انه ليس لهم نصيب مقدر باعيانهم في كتاب الله. وان بينهم وبين الميت وسائط صاروا بسببها من الاقارب. فينزلون منزلة من به من تلك الوسائط والله اعلم. واما ميراث بقية العصبة كالبنوة والاخوة وبنيهم والاعمام وبنيهم. فان النبي الله عليه وسلم قال الحقوا الفرائض باهلها فما بقي فلاولى رجل ذكر. وقال تعالى ولكل جعلنا مواليا مما ترك الوالدان اقربون فاذا الحقنا الفروض باهلها ولم يبق شيء. لم يستحق العاصم شيئا. وان بقي شيء اخذه اولى العصبة. وبحسب جهاتهم درجاتهم فان جهات العصوبة خمس البنوة ثم الابوة ثم الاخوة وبنوهم ثم العمومة وبنوهم ثم الولاء فيقدم منهم الاقرب جهة. فان كانوا في جهة واحدة فالاقرب منزلة. فان كانوا في منزلة واحدة فالاقوى وهو الشقيق. فان تساووا من كل في وجه اشتركوا والله اعلم. واما كون الاخوات لغير ام مع البنات او بنات الابن عصبات يأخذن ما فضل عن فروضهن. فلان انه ليس في القرآن ما يدل على ان الاخوات يسقطن بالبنات. فاذا كان الامر كذلك وبقي شيء بعد اخذ البنات فرضهن فانه يعطى للاخوات عنها وفي ذلك دليل على ان الوصية للوارث منسوخة بتقديره تعالى انصباء الوارثين. ثم قوله تعالى تلك حدود الله. فالوصية للوارث بزيادة على حقه يدخل في هذا التعدي مع قوله صلى الله عليه وسلم لا وصية لوارث ثم ذكر طاعة الله ورسوله ومعصيته فهما عموما ليدخل في العموم لزوم حدوده في الفرائض. او ترك ذلك فقال ومن يطع الله ورسوله بامتثال امرهما الذي اعظمه طاعتهما في التوحيد. ثم الاوامر على اختلاف درجاتها. واجتناب نهيهما الذي اعظمه الشرك بالله. ثم المعاصي على اختلاف طبقاتها ادخله جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها. فمن ادى الاوامر واجتنب النواهي فلا بد له من دخول الجنة والنجاة من النار. وذلك الفوز العظيم الذي حصل به النجاة من سخطه وعذابه. والفوز بثوابه ورضوانه بالنعيم المقيم الذي لا يصفه الواصفون يدخل نارا خالدا فيها وله عذاب مهين. ومن يعصي الله ورسوله ويتعدى حدوده. يدخله نارا خالدة فيها وله عذاب مهين. ويدخل في اسم المعصية الكفر فما دونه من المعاصي. فلا يكون فيها شبهة للخوارج القائلين بكفر اهل المعاصي فان الله تعالى رتب دخول الجنة على طاعته وطاعة رسوله. ورتب دخول النار على معصيته ومعصية رسوله. فمن اطاعه طاعة تامة دخل الجنة بلا عذاب. ومن عصى الله ورسوله معصية تامة يدخل فيها الشرك فما دونه. دخل النار وخلد فيها. ومن اجتمع فيه معصية وطاعة كان فيه من موجب الثواب والعقاب بحسب ما فيه من الطاعة والمعصية. وقد دلت النصوص المتواترة على ان الموحدين الذين معهم طاعة التوحيد غير مخلدين في النار. فما معهم من التوحيد مانع له من الخلود فيها