المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي اي النساء اللاتي يأتين الفاحشة اي الزنا ووصفها بالفاحشة لشناعتها وقبحها. فاستشهد عليهن اربعة منكم اي من رجالكم المؤمنين العدول. فان شهدوا فامسكوهن في البيوت. اي احبسوهن عن الخروج الموجب للريبة ايضا فان الحبس من جملة العقوبات. حتى يتوفاهن الموت اي هذا منتهى الحبس. او يجعل الله لهن سبيلا. اي طريقا غير الحبس في البيوت وهذه الاية ليست منسوخة. وانما هي مغياة الى ذلك الوقت. فكان الامر في اول الاسلام كذلك. حتى جعل الله لهن سبيلا. وهو رجل وجلد غير المحصن وكذلك اللذان يأتيانها اي الفاحشة منكم من الرجال والنساء فاذوهما بالقول والتوبيخ والتعيير. والضرب الرادع عن هذه الفاحشة. فعلى هذا يكون الرجال اذا فعلوا الفاحشة يؤذون نساء يحبسن ويؤذين فالحبس غايته الى الموت والاذية نهايتها الى التوبة والاصلاح. ولهذا قال فان تاب اي رجع عن الذنب الذي كيف علاه وندم عليه وعزم على الا يعود واصلح العمل الدال على صدق التوبة فاعرضوا عنهما اي عن اذاهما ان الله كان توابا الرحيم اي كثير التوبة على المذنبين الخطائين. عظيم الرحمة والاحسان الذي من احسانه. وفقهم للتوبة وقبلها منهم وسامحهم على ما صدر منهم ويؤخذ من هاتين الايتين ان بينة الزنا لابد ان تكون اربعة رجال مؤمنين. ومن باب اولى واحرى اشتراط عدالتهم لان الله تعالى شدد في امر هذه الفاحشة سترا لعباده حتى انه لا يقبل فيها النساء منفردات ولا مع الرجال ولا ما دون اربعة. ولا بد من التصريح بالشهادة كما دلت على ذلك الاحاديث الصحيحة وتومئ اليه هذه الاية لما قال فاستشهدوا عليهن اربعة منكم لم يكتفي بذلك حتى قال فان شهدوا اي لابد من شهادة صريحة عن امر يشاهد عيانا من غير تعريض ولا كناية. ويؤخذ منهما ان الاذية بالقول الفعل والحبس قد شرعه الله تعزيرا لجنس المعصية الذي يحصل به الزجر وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى اذا اولئك عذابا اليما. توبة الله على عباده في نوعان توفيق منه للتوبة وقبول لها بعد وجودها من العبد. فاخبر هنا ان التوبة المستحقة على الله حق احقه على نفسه كرما منه وجوده لمن عمل السوء اي المعاصي بجهالة اي جهالة منه بعاقبتها وايجابها لسخط الله وعقابه. وجهل منه بنظر الله ومراقبته له وجهل منه بما تؤول اليه من نقص الايمان او اعدامه. فكل عاص لله فهو جاهل بهذا الاعتبار. وان كان عالما بالتحريم. بل العلم بالتحريم بشرط لكونها معصية معاقب عليها. ثم يتوبون من قريب ثم يتوبون قبل معاينة الموت. فان الله يقبل توبة العبد اذا تاب قبل الموت والعذاب قطعا. واما بعد حضور الموت فلا يقبل من العاصين توبة. ولا من الكفار رجوع. كما قال الله تعالى عن فرعون. حتى اذا ادركه طرق قال امنت انه لا اله الا الذي امنت به بنو اسرائيل. وقال تعالى فلما رأوا بأسنا قالوا امنا بالله وحده وكفرنا ما كنا به مشركين فلم يك ينفعهم ايمانهم لما رأوا بأسنا سنة الله التي قد خلت في عباده. وقال هنا وليست التوبة للذين يعملون السيئات اي المعاصي فيما دون الكفر لهم عذابا اليما. وذلك ان التوبة في هذه الحال توبة اضطرار. لا تنفع صاحبها انما تنفع توبة الاختيار ويحتمل ان يكون معنى قوله من قريب اي قريب من فعلهم للذنب الموجب للتوبة. فيكون المعنى ان من بادر الى الاقلاع من حين صدور الذنب الى الله وندم عليه فان الله يتوب عليه. بخلاف من استمر على ذنوبه واصر على عيوبه. حتى صارت فيه الصفات الراسخة فانه يعسر عليه ايجاد التوبة التامة. والغالب انه لا يوفق للتوبة ولا ييسر لاسبابها. كالذي يعمل السوء على علم تام ويقين. وتهاون بنظر الله اليه فانه سد على نفسه باب الرحمة. نعم قد يوفق الله عبده المصر على الذنوب عن عمد ويقين لتوبة تامة. التي يمحو بها ما سلف من سيئاته يوم تقدم من جناياته. ولكن الرحمة والتوفيق للاول اقرب. ولهذا ختم الاية الاولى بقوله وكان الله عليما حكيما. فمن علمه ان انه يعلم صادق التوبة وكاذبها. فيجازي كلا منهما بحسب ما يستحق بحكمته. ومن حكمته ان يوفق من اقتضت حكمته ورحمته توفيقه للتوبة ويخذل من اقتضت حكمته وعدله عدم توفيقه. والله اعلم كانوا وفي الجاهلية اذا مات احدهم عن زوجته رأى قريبه كاخيه وابن عمه ونحوهما انه احق بزوجته من كل احد وحماها عن غيره. فان حبها تزوجها على صداق يحبه دونها. وان لم يرضها عضلها فلا يزوجها الا من يختاره هو. وربما امتنع من تزويجها حتى له شيئا من ميراث قريبه او من صداقها. وكان الرجل ايضا يعضل زوجته التي يكون يكرهها. ليذهب ببعض ما اتاها. فنهى الله عن جميع هذه الاحوال الا حالتين اذا رضيت واختارت نكاح قريب زوجها الاول كما هو مفهوم قوله كرها واذا اتينا بفاحشة المبينة كالزنا والكلام الفاحش واذيتها لزوجها. فانه في هذه الحال يجوز له ان يعضلها عقوبة لها على فعلها لتفتدي منه اذا كان عطلا بالعدل. ثم قال وعاشروهن بالمعروف. وهذا يشمل المعاشرة القولية والفعلية. فعلى الزوج ان يعاشر زوجته بالمعروف من الصحبة الجميلة وكف الاذى وبذل الاحسان وحسن المعاملة ويدخل في ذلك النفقة والكسوة ونحوهما فيجب على الزوج لزوجته المعروف من مثله لمثلها في ذلك الزمان والمكان. وهذا يتفاوت بتفاوت الاحوال. فان كرهتموهن فعسى ان تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا ان ينبغي لكم ايها الازواج ان تمسكوا زوجاتكم مع الكراهة لهن. فان في ذلك خيرا كثيرا. من ذلك امتثال امر الله. وقبول شخصيته التي فيها سعادة الدنيا والاخرة. ومنها ان اجباره نفسه مع عدم محبته لها. فيه مجاهدة النفس. والتخلق بالاخلاق الجميلة. وربما ان الكراهة تزول وتخلفها المحبة كما هو الواقع في ذلك. وربما رزق منها ولدا صالحا نفع والديه في الدنيا والاخرة وهذا كله مع الامكان في الامساك وعدم المحظور ان كان لابد من الفراق وليس للامساك محل فليس الامساك بلازم بل متى اردتم استبدال زوج مكان زوج اي تطليق زوجة وتزوج اخرى اي فلا جناح عليكم في ذلك ولا حرج. ولكن اذا اتيتم احداهن اي المفارقة او التي تزوجها قنطارا اي مالا كثيرة لا تأخذوا منه شيئا. بل وفروه لهن ولا تنطلوا بهن. وفي هذه الاية دلالة على عدم تحريم كثرة المهر. مع ان الافضل واللائق الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في تخفيف المهر. ووجه الدلالة ان الله اخبر عن امر يقع منهم ولم يمكنه عليهم. فدل على عدم تحريمه. لكن قد ينهى عن كثرة الصداق اذا تضمن مفسدة دينية وعدم مصلحة تقاوم. ثم قال اتأخذونه بهتانا واثما مبينا؟ فان هذا لا يحل ولو تحايلتم عليه بانواع الحيل فان اثمه واضح. وقد بين تعالى حكمة ذلك بقوله وبيان ذلك ان الزوجة قبل عقد النكاح محرمة على ولم ترضى بحلها له الا بذلك المهر الذي يدفعه لها. فاذا دخل بها وافضى اليها وباشرها المباشرة التي كانت حراما قبل ذلك التي لم ترضى ببذلها الا بذلك العوض. فانه قد استوفى المعوظ فثبت عليه العوظ. فكيف يستوفي المعوظ؟ ثم بعد ذلك يرجع على العوظ هذا من اعظم الظلم والجور. وكذلك اخذ الله على الازواج ميثاقا غليظا بالعقد. والقيام بحقوقها. ثم قال تعالى الا ما قد سلف اي لا تتزوجوا من النساء ما تزوجهن اباؤكم اي الاب وان علا انه كان فاحشة اي امرا قبيحا يفحش ويعظم قبحه. ومقتا من الله لكم ومن الخلق. بل يمقت بسبب ذلك الابن اباه والاب ابناه مع الامر ببره وساء سبيلا. اي بئس الطريق طريقا لمن سلكه. لان هذا من عوائد الجاهلية التي جاء الاسلام للتنزه عنها والبراءة منها ثم خالاتكم وبنات الاخ وبنات الاخت وامهاتكم. وامهاتكم اللاتي ارضعنكم اخواتكم من الرضاعة وامهات نساءكم فان لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم وحلال ابنائك كان غفورا رحيما. هذه الايات الكريمات مشتملات على المحرمات بالنسب. والمحرمات بالرضاع. والمحرمات بالصهر المحرمات بالجمع وعلى المحللات من النساء. فاما المحرمات في النسب فهن السبع اللاتي ذكرهن الله. الام يدخل فيها كل من لها عليك ولادة وان بعدت ويدخل في البنت كل من لك عليها ولادة والاخوات الشقيقات او لاب او لام والعمة كل اخت لابيك او لجدك والخالة كل اخت لامك او جدتك وان علت وارثة ام لا؟ وبنات الاخ وبنات الاخت اي وان نزلت فهؤلاء هن المحرمات من النسب باجماع العلماء كما هو نص الاية الكريمة. وما عداهن فيدخل في قوله واحل لكم ما وراء ذلكم. وذلك كبنت العمة والعم وبنت الخال والخالة. واما المحرمات بالرضاع فقد ذكر الله منهن الام والاخت. وفي ذلك تحريم الام مع ان اللبن ليس لها انما هو لصاحب اللبن دل بتنبيهه على ان صاحب اللبن يكون ابا للمرتظع فاذا ثبتت الابوة والامومة ثبت ما هو فرع عنهما كاخوة اخوتهما واصولهم وفروعهم. وقال النبي صلى الله عليه وسلم يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب. فينتشر التحريم من جهة المرضعة ومن اللبن كما ينتشر في الاقارب وفي الطفل المرتظع الى ذريته فقط. لكن بشرط ان يكون الرضاع خمس رضعات في الحولين. كما بينت السنة واما المحرمات بالصهر فهن اربع. حلائل الاباء وان علوا. وحلائل الابناء وان نزلوا. وارثين او محجوبين. وامهات الزوجة وان فهؤلاء الثلاث يحرمن بمجرد العقد. والرابعة الربيبة وهي بنت زوجته وان نزلت. فهذه لا تحرم حتى يدخل بزوجته كما قال هنا وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن. وقد قال الجمهور ان قوله اللاتي في حجوركم قيد خرج مخرج الغالب لا مفهوم له. فان الربيبة تحرم ولو لم تكن في حجره. ولكن للتقييد بذلك فائدتان. احداهما فيه التنبيه وعلى الحكمة في تحريم الربيبة وانها كانت بمنزلة البنت فمن المستقبح اباحتها. والثانية فيه دلالة على جواز الخلوة بالربيبة. وانها في منزلة من هي في حجره من بناته ونحوهن. والله اعلم. واما المحرمات بالجمع فقد ذكر الله الجمع بين الاختين وحرمه. وحرم النبي صلى الله عليه الجمع بين المرأة وعمتها او خالتها. فكل امرأتين بينهما رحم محرم. لو قدر احداهما ذكرا والاخرى انثى حرمت عليه. فانه يحرم الجمع بينهما وذلك لما في ذلك من اسباب التقاطع بين الارحام