المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي ما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن. واسألوا الله من ينهى تعالى المؤمنين عن ان يتمنى بعضهم ما فضل الله به غيره من الامور الممكنة وغير الممكنة. فلا تتمنى النساء خصائص الرجال التي بها فضلهم على النساء. ولصاحب الفقر والنقص حالة الغنى والكمال تمنيا مجردا لان هذا هو الحسد بعينه. تمني نعمة الله على غيرك. ان تكون لك ويسلب اياها. ولانه يقتضي السخط على قدر الله والاخلاد الى الكسل والامان الباطنة التي لا يقترن بها عمل ولا كسب. وانما المحمود امران ان يسعى العبد على حسب قدرته بما ينفعه من مصالحه الدينية والدنيوية ويسأل الله تعالى من فضله فلا يتكل على نفسه ولا على غير ربه. ولهذا قال تعالى للرجال نصيب مما اكتسبوا. اي من اعمالهم المنتجة للمطلوب وللنساء نصيب مما اكتسبن. فكل منهم لا يناله غير ما كسبه وتعب فيه. واسألوا الله من فضله اي من جميع مصالحكم في الدين والدنيا فهذا كمال العبد وعنوان سعادته. لا من يترك العمل او يتكل على نفسه غير مفتقر لربه. او يجمع بين الامرين فان هذا مخذول خاسر. وقوله ان الله كان بكل شيء عليما. فيعطي من يعلمه اهلا لذلك. ويمنع من يعلمه غير مستحق فاتوهم نصيبهم ان الله كان على كل شيء شهيدا. اي ولكل من الناس جعلنا موالي ان يتولونه ويتولاهم بالتعزز والنصرة والمعاونة على الامور. مما ترك الوالدان والاقربون وهذا يشمل سائر الاقارب من الاصول والفروع والحواشي. هؤلاء الموالي من القرابة. ثم ذكر نوعا اخر من الموالي فقال والذين عقدت ايمانكم اي حالفتموهم بما عقدتم معهم من عقد المخالفة على النصرة والمساعدة. والاشتراك بالاموال وغير ذلك. وكل هذا من نعم الله على عباده. حيث كان موالي يتعاونون بما لا يقدر عليه بعضهم مفردا. قال تعالى فاتوهم نصيبهم اياتوا الموالي نصيبهم. الذي يجب القيام به من النصرة المعاونة والمساعدة على غير معصية الله. والميراث للاقارب الادنين من الموالي. ان الله كان على كل شيء شهيدا. اي مطلعا على كل شيء بعلمه لجميع الامور وبصره لحركات عباده وسمعه لجميع اصواتهم الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض اه واللاتي تخافون نشوزهن تعظهن واهجروهن في المضاجع واضرب ان الله كان يخبر تعالى ان الرجال قوامون على النساء. اي قوامون عليهن بالزامهن بحقوق الله تعالى. من المحافظة على فرائضه فيهن عن المفاسد. والرجال عليهم ان يلزموهن بذلك. وقوامون عليهن ايضا بالانفاق عليهن. والكسوة والمسكن. ثم ذكر السبب الموجب لقيام الرجال على النساء فقال بما فضل الله بعضهم على بعض وبما انفقوا من اموالهم اي بسبب فضل الرجال على النساء وافضالهم عليهن فتفضيل الرجال على النساء من وجوه متعددة من كون الولايات مختصة بالرجال والنبوة والرسالة واختصاصهم بكثير من العبادات كالجهاد والجمع وبما خصهم الله به من العقل والرزانة والصبر والجلد. الذي ليس للنساء مثله. وكذلك خصهم بالنفقات على الزوجات. بل وكثير من فقط يختص به الرجال ويتميزون عن النساء. ولعل هذا سر قوله بما انفقوا. وحذف المعمول ليدل على عموم النفقة. فعلم من هذا كله ان الرجل كالوالي والسيد لامرأته. وهي عنده عانية اسيرة خادمة. فوظيفته ان يقوم بما استرعاه الله به. ووظيفتها قيام بطاعة ربها وطاعة زوجها. فلهذا قال الصالحات قانتات اي مطيعات لله تعالى. حافظات للغيب اي مطيعات وجههن حتى في الغيب تحفظ بعلها بنفسها وماله. وذلك بحفظ الله لهن وتوفيقه لهن. لا من انفسهن فان النفس امارة بالسوء ولكن من توكل على الله كفاه ما اهمه من امر دينه ودنياه. ثم قال واللاتي تخافون نشوزهن اي ارتفاعهن عن طاعة ازواجهن بان تعصيهم بالقول او الفعل فانه يؤدبها بالاسهل فالاسهل. فعظوهن اي ببيان حكم الله في طاعة الزوج ومعصيته. والترغيب في الطاعة الترهيب من المعصية فان انتهت فذلك المطلوب والا فيهجرها الزوج في المضجع. بالا يضاجعها ولا يجامعها بمقدار ما يحصل به المقصود الا ضربها ضربا غير مبرح. فان حصل المقصود بواحد من هذه الامور. واطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا. اي فقد حصل لكم ما تحبون اترك معاتبتها على الامور الماضية. والتنقيب عن العيوب التي يضر ذكرها. ويحدث بسببه الشر. ان الله كان عليا كبيرا. اي له العلو المطلق بجميع الوجوه والاعتمارات. علو الذات وعلو القدر وعلو القهر. الكبير الذي لا اكبر منه ولا اجل ولا اعظم. كبير الذات الصفات يريد اصلاح يوفق الله بينهما. ان الله كان عليما خبيرا. ايها وان خفتم الشقاق بين الزوجين والمباعدة والمجانبة حتى يكون كل منهما في شق فابعثوا حكما من اهله وحكما من اهلها اي رجلين مكلف بين مسلمين عدلين عاقلين يعرفان ما بين الزوجين ويعرفان الجمع والتفريق. وهذا مستفاد من لفظ الحكم. لانه لا يصلح حكما الا فمن اتصف بتلك الصفات فينظران ما ينقم كل منهما على صاحبه. ثم يلزمان كلا منهما على ما يجب. فان لم يستطع احدهما ذلك. قناع الزوج اخر بالرضا بما تيسر من الرزق والخلق. ومهما امكنهما الجمع والاصلاح فلا يعدلا عنه. فان وصلت الحال الى انه لا يمكن اجتماعهما واصلاحهما الى على وجه المعاداة والمقاطعة ومعصية الله. ورأيا ان التفريق بينهما اصلح فرقا بينهما. ولا يشترط رضا الزوج كما يدل عليه ان الله سماهما حكمين. والحكم يحكم ولو لم يرضى المحكوم عليه. ولهذا قال ان يريدا اصلاحا يوفق الله بينهما. اي بسبب الرأي للميمون والكلام الذي يجذب القلوب. ويؤلف بين القرينين. ان الله كان عليما خبيرا. اي عالما بجميع الظواهر والبواطن. مطلعا على خفايا الامور واسرارها فمن علمه وخيره ان شرع لكم هذه الاحكام الجليلة والشرائع الجميلة يأمرك على عباده بعبادته وحده لا شريك له. وهو الدخول تحترق عبوديته والانقياد لاوامره ونواهيه محبة وذلا واخلاصا له في جميع العبادات الظاهرة والباطنة. وينهى عن الشرك به شيئا لا شركا اصغر ولا اكبر لا ملكا ولا نبيا ولا وليا ولا غيره من المخلوقين. الذين لا يملكون لانفسهم نفعا ولا ضرا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا بل الواجب المتعين اخلاص العبادة لمن له الكمال المطلق من جميع الوجوه. وله التدبير الكامل الذي لا يشركه ولا يعينه عليه احد. ثم بعد ما امر بعبادته والقيام بحقه. امر بالقيام بحقوق العباد. الاقرب فالاقرب. فقال وبالوالدين احسانا. اي احسنوا اليهم قولي الكريم والخطاب اللطيف والفعل الجميل بطاعة امرهما واجتناب نهيهما والانفاق عليهما واكرام من له تعلق بهما وصلة رحم التي لا رحم لك الا بهما. وللاحسان ظدان الاساءة وعدم الاحسان. وكلاهما منهي عنه. وبذي القربى ايضا احسان ويشمل ذلك جميع الاقارب. قربوا او بعدوا بان يحسن اليهم بالقول والفعل. وان لا يقطعن برحمه بقوله او فعله. واليتامى اي الذين فقدوا اباءهم وهم صغار فلهم حق على المسلمين سواء كانوا اقارب او غيرهم بكفالتهم وبرهم وجبر خواطرهم وتأديب وتربيتهم احسن تربية في مصالح دينهم ودنياهم. والمساكين وهم الذين اسكنتهم الحاجة والفقر. فلم يحصلوا على كفايتهم ولا حياة من يمونون. فامر الله تعالى بالاحسان اليهم لسد خلتهم وبدفع فاقتهم. والحض على ذلك والقيام بما يمكن منه. والجاري ذي القربى اي الجار القريب الذي له حقان. حق الجوار وحق القرابة فله على جاره حق واحسان راجع الى العرف. وكذلك الجار الجنون اي الذي ليس له قرابة. وكلما كان الجار اقرب بابا كان اكد حقا. فينبغي للجار ان يتعاهد جاره بالهدية والصدقة. والدعوة واللطافة بالاقوال والافعال وعدم اذيته بقول او فعل. والصاحب بالجنب قيل الرفيق بالسفر. وقيل الزوجة وقيل صاحب ولعله اولى فانه يشمل الصاحب في الحضر والسفر ويشمل الزوجة. فعلى الصاحب لصاحبه حق زائد على مجرد اسلامه. من مساعدة على امور دينه ودنياه. والنصح له والوفاء معه في اليسر والعسر. والمنشط والمكره. وان يحب له ما يحب لنفسه. ويكره له ما يكره لنفسه وكلما زادت الصحبة تأكد الحق وزاد. وابن السبيل وهو الغريب الذي احتاج في بلد الغربة او لم يحتج. فله حق على المسلمين لشدة حاجته وكونه في غير وطنه. بتبليغه الى مقصوده. او بعض مقصوده وبإكرامه وتأنيسه. وما ملكت ايمانكم اي من الادميين والبهائم بالقيام بكفايتهم وعدم تحميلهم ما يشق عليهم واعانتهم على ما يتحملون. وتأديبهم لما فيه مصلحتهم. فمن قام بهذه فهو الخاضع لربه. المتواضع لعباد الله. المنقاد لامر الله وشرعه. الذي يستحق الثواب الجزيل والثناء الجميل. ومن لم يقم بذلك انه عبد معرض عن ربه غير منقاد لاوامره ولا متواضع للخلق. بل هو متكبر على عباد الله معجب بنفسه. فخور بقوله لهذا قال ان الله لا يحب من كان مختالا اي معجبا بنفسه متكبرا على الخلق فخورا يثني على نفسه ويمدحها على وجه الفخر والبطن على عباد الله فهؤلاء ما بهم من الاغتيال والفخر يمنعهم من القيام بالحقوق. ولهذا ذمهم بذلك بقوله الذين يبخلون ان يمنعون ما عليه من الحقوق الواجبة ويأمرون الناس بالبخل باقوالهم وافعالهم ويكتمون ما اتاهم الله من فضله. اي من العلم الذي يهتدي به الضالون ويسترشد به الجاهلون. فيكتمونه عليهم ويظهرون لهم من الباطل ما يحول بينهم وبين الحق. فجمعوا بين البخل بالمال والبخل بالعلم وبين السعي في خسارة انفسهم وخسارة غيرهم. وهذه هي صفات الكافرين. فلهذا قال تعالى واعتدنا للكافرين عذابا مهينا. اي كما تكبروا على عباد الله ومنعوا حقوقه في منع غيرهم من البخل وعدم الاهتداء. اهانهم بالعذاب الاليم والخزي الدائم. فعياذا بك اللهم من كل سوء. ثم اخبر عن النفقة الصادرة عن رياء وسمعة وعدم ايمان به. فقال الناس ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الاخر والذين ينفقون اموالهم رئاء الناس اي ليروهم ويمدحوهم ويعظموهم ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الاخر. اي ليس انفاقهم صادرا عن اخلاص وايمان بالله. ورجاء ثوابه. اي فهذا من خطوات الشيطان واعماله التي يدعو اليها ليكونوا من اصحاب السعير. وصدرت منهم بسبب مقارنته لهم وازهم اليها. فلهذا قال ومن يكن قالوا له قرينا فساء قرينا. اي بئس المقارن والصاحب الذي يريد اهلاك من قارنه. ويسعى فيه اشد السعي. فكما ان من بخل بما اتاهم والله وكتم ما من الله به عليه عاص اثم مخالف لربه. فكذلك من انفق وتعبد لغير الله. فانه اثم عاص لربه مستوجب للعقوبة. لان الله انما امر بطاعته وامتثال امره. على وجه الاخلاص. كما قال الله تعالى وما امروا الا ليعبدوا الله مخلصين له فهذا العمل المقبول الذي يستحق صاحبه المدح والثواب. فلهذا حث تعالى عليه بقوله اي اي شيء عليهم واي حرج ومشقة تلحقهم لو حصل منهم الايمان بالله الذي هو الاخلاص وانفقوا من اموالهم التي رزقهم الله وانعم بها عليهم. فجمعوا بين الاخلاص والانفاق. ولما كان الاخلاص سرا بين العبد وبين ربه. لا يطلع عليه الا الله. اخبر تعالى بعلمه بجميع الاحوال فقال وكان الله بهم عليما ان الله لا يظلم مثقال ذرة وان تك حسنة يضاعفها يخبر تعالى عن كمال عدله وفضله. وتنزهه عما يضاد ذلك من الظلم القليل والكثير. فقال ان الله لا مثقال ذرة اي ينقصها من حسنات عبده او يزيدها في سيئاته. كما قال تعالى فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره. ومن يعمل مثقال كل ذرة شرا يره وان تكن حسنة يضاعفها اي الى عشرة امثالها الى اكثر من ذلك. بحسب حالها ونفعها وحال صاحبها اخلاصا ومحبة وكمالا. ويؤتي من لدنه اجرا عظيما. اي زيادة على ثواب العمل بنفسه. من التوفيق لاعمال الخير واعطاء البر الكثير الخير الغزير ثم قال تعالى جئنا بك على هؤلاء شهيدا. اي كيف تكون تلك الاحوال؟ وكيف يكون ذلك الحكم العظيم الذي جمع ان من حكم به كامل العلم كامل العدل كامل الحكمة بشهادة ازكى الخلق وهم الرسل على اممهم مع اقرار المحكوم عليه فهذا والله الحكم الذي هو اعم الاحكام واعدلها واعظمها. وهناك يبقى المحكوم عليهم مقرين له لكمال الفضل والعدل. والحمد والثناء وهنالك يسعد اقوام بالفوز والفلاح والعز والنجاح. ويشقى اقوام بالخزي والفضيحة والعذاب المهين. ولهذا قال سيكتبون الله يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول اي جمعوا بين الكفر بالله برسوله ومعصية الرسول لو تسوى بهم الارض اي تبتلعهم ويكونون ترابا وعدما. كما قال تعالى ويقول الكافر يا ليتني اني كنت ترابا ولا يكتمون الله حديثا. اي بل يقرون له بما عملوا. وتشهد عليهم السنتهم وايديهم وارجلهم بما كانوا يعملون يومئذ يوفيهم الله جزاءهم الحق. ويعلمون ان الله هو الحق المبين. فاما ما ورد من ان الكفار يكتمون كفرهم وجحودهم. فان ذلك يكون في بعض مواضع القيامة حين يظنون ان جحودهم مغن عنهم من عذاب الله. فاذا عرفوا الحقائق وشهدت عليهم جوارحهم حينئذ ينجلي الامر ولا يبقى للكتمان موضع ولا نفع ولا فائدة