نزلوا الغيث ويعلم ما في الارحام. وما تدري نفس ماذا تكسب غدا. وما تدري نفس باي ارض تموت ان الله عليم خبير. وقوله وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها الا هو. ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة الا يعلمها. ولا حبة في ظلمات الارض ولا رطب ولا يابس الا في كتاب مبين. ويقول الم تر ان الله انزل من السماء ماء فتصبح الارض ومخضرة ان الله لطيف خبير. وكقوله سبحانه عالم الغيب فلا يظهر على غيبه احدا الا من ارتضى من رسول. وقوله يعلم ما يلج في الارض وما يخرج منها. وما ينزل من السماء وما يعرج فيها. وقال ولو ان ما في الارض من شجرة اقلام والبحر يمده من بعده والبحر يمده من بعده سبعة ابحر. ما نفدت كلمات الله ان الله عزيز حكيم. وقوله بها انهم يدورون مع الحق اينما كان. ويطلبون الحقائق حيثما كانت. ولهذا وصف الله راسخين من اهل الكتاب بانهم يؤمنون بما انزل الله على جميع انبيائه. ولا يحملهم الهوى على تكذيب كفروا وقالوا لاخوانهم اذا ضربوا في الارض او كانوا غزا لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا جعل الله ذلك حسرة في قلوبهم. ومما يدل على الامرين قوله تعالى ما اصاب من مصيبة ببعض الانبياء وبعض الحق. فقال تعالى لكن الراسخون في العلم منهم والمؤمنون يؤمنون بما انزل اليك وما انزل من قبلك. توطين النفس على عدم الانقياد للحق لا ينفع معه تذكير في الارض ولا في انفسكم الا في كتاب من قبل ان نبرأها. ان ذلك على الله يسير لكي لا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما اتاكم. وقوله تعالى ومن يؤمن ولا وعظ. قال تعالى نحن اعلم بما يستمعون به اذ يستمعون اليك واذ هم نجوا. اذ يقول قادمون ان تتبعون الا رجلا مسحورا. ولهذا يذكر الله المعنى في سياق الاخبار عن عدم ايمان سعي والاجتهاد. والله الموفق لكل خير. قوله تعالى ولا تمدن عينيك الى ما متعنا به ازواجا واجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه. ورزق ربك خير وابقى. تضمنت التزهيد في هذه المدة لاجل ايلائه. واما غير المؤذي فمفهومها يدل على خلاف ذلك. وانه ليس له اربعة اشهر وانما عليه ذلك بالمعروف. لانه من اعظم المعاشرة الداخلة في قوله تعالى وعاشروه شيء قدير. فاذا كانت الارض الخاشعة الخالية من كل نبت اذا انزل الله عليها المطر اهتزت وربت وانبتت من كل زوج بهيج. واختلط نبتها وكثرت اصنافه ومنافعه. جعله الله تعالى من اعظم وهانا على صدقه وصحة ما جاء به. كما يشهد بذلك الواقع. فائدة عظيمة. لما كان الدعاء مخ العبادة حبها وخالصها لكونه متضمنا للافتقار التام لله والخشوع والخضوع بين يديه وتنوع المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله المواهب الربانية من الايات القرآنية. تأليف الشيخ العلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين. والصلاة والسلام على نبينا محمد واله وصحبه. هذه فوائد فتح الله علي بها في هذا الشهر المبارك. اسأله المزيد من كرمه امين. قوله تعالى فلما اسلما اللهو للجبين. لما كان قوله اسلم توطينا لنفسه على امر الله. وعزما مقرونا بالاخلاص والامتثال والعزم ربما تخلف عنه الفعل. ذكر الفعل بقوله وتله للجبين. فاجتمع العزم هو الفعل ولكن تخلف اثر الفعل وهو وقوع الذبح. فذكر الله تعالى انه ابدله بذبح عظيم من فداء له. قوله تعالى فعدة من ايام اخر يدل على ان المعتبر مجرد العدة. لا مقدار دارها في الطول والقصر والحر والبرد. ولا وجوب الفور وعدمه. ولا ترتيب ولا تفريق. ويقرر هذا قوله يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر. قوله تعالى او على سفر اعم من قوله في سفر ليدخل فيه من اقام في بلد او برية ولم يقطع سفره. بل هو على سفر وان لم يكن في سفر. قوله تعالى يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه فيه ان غير المجرم لا يود ذلك. لانه افتدى من عذاب يومئذ بالتقوى والايمان. وانما هو في هذا اليوم لا يحزنه الفزع الاكبر. ويؤمل اجتماعه بمن صلح من ابائه وابنائه واحبابه في جنات النعيم. قوله تعالى والذين هم لاماناتهم وعهدهم راعون. ان يكونون لذلك رعاة متعاهدين مجتهدين في كل سبب تقوم به الامانات والعهود. وتكمل وتتم. مبعدين عن كل سبب يناقض ذلك. وكذلك قوله والذين هم بشهادتهم قائمون. قوله تعالى يا ايها دثروا قم فانذر. نبه الله تعالى فيها على حال رسوله وكماله. واتمام نعمة الله عليه وكم بين ابتداء امره وانزعاجه من الوحي وتدثره من شدة ما لقي. وبين اخر امره حين اتم الله اموره كلها. ولهذا امر بتكميل نفسه وتكميل غيره. وارشده الى ما ينال به ذلك. وهو وقيام التام على وجه النشاط والتعظيم لربه. وتكبيره في باطنه وتطهير اعماله وثيابه الظاهرة وترك كل شر ودنس. واستعمال رح الاعمال. وهو الاخلاص في كل شيء. حتى في العطاء. فلهذا قال ولا تمنن تستكثر. ثم ارشده الى ما يعينه على كل الامور. وهو الصبر لوجه الله فقال ولربك فاصبر. ثم تكفل له بحفظه من الاعداء وحفظ ما جاء به. بتوعدهم بالعذاب خصوصا لاكبرهم عنادا واعظمهم عداوة. وهذا تمام النعمة. قوله تعالى والمطلقات يتربصن انفسهن ثلاثة قروء. وكذلك قوله والذين يتوفون منكم ويذرون ازواجا يتربصن انفسهن اربعة اشهر وعشرا التربص المذكور هو الانتظار والمكث في العدة. فما الفائدة فيه بقوله بانفسهن مع انه يغني قوله يتربصن ثلاثة قروء ويتربصن اربعة اشهر وعشرة اعلم ان في قوله انفسهن فائدة جليلة وهي ان هذه المدة المحدودة للتربص مقصود لمراعاة حق الزوج والولد. ومع القصد ببراءة الرحم. فلابد ان تكون في هذه المدة منقطعة نظري عن الرجال محتسبة على زوجها الاول. لا تخطب ولا تتجمل للخطاب. ولا تعمل الاسباب في بغير زوجها. ويدل على هذا المعنى قوله فاذا بلغن اجلهن فلا جناح عليكم فيما اي من التجمل والتباهي. ولكن بالمعروف على غير وجه التبرج المحظور ويدل على هذا قوله في الاية الاخرى والذين يتوفون منكم ويذرون ازواجا وصية لازواجه متاعا الى الحول غير اخراج. فلم يأمر هذه المرة ان يتربصن بانفسهن. بل جعلها وصية تتمتع بها المرأة سنة بعد موت زوجها جبرا لخاطرها. ولهذا رفع الحرج عنها بالخروج وانها بعد الخروج لها التجمل المعروف. وقبل ذلك. كما جبر الورثة قبلها لاجل زوجها فعليها العدل هو ترك التجمل. وهذا يبين ان الاية الاولى ليست بناسخة لهذه الاية. بل تلك عدة لازمة وهذه وصية تمتيع غير متحتمة. والله اعلم. الايمان والاحتساب يخفف المصائب ويحمل على دليله قوله تعالى ان تكونوا تألمون فانهم يألمون كما تألمون. وترجون ان من الله ما لا يرجون. اي فليكن صبركم اعظم ومصيبتكم اخف. كما ان عدم الايمان المصيبة ويحمل على الجزع. دليله قوله تعالى يا ايها الذين امنوا لا تكونوا كالذين بالله يهدي قلبه. وغير ذلك من الايات. شرع الله الدين والعبادات والاوامر والنواهي لاقامة بذكره. ولهذا ولهذا يذكر ان العبادات ناشئة عن ذكره. كما قال تعالى قد افلح من وذكر اسم ربه فصلى. فجعل الصلاة ناشئة عن الذكر. ومسببة عنه كما جعل الصلاة لاقامة ذكره. فقال واقم الصلاة لذكري. وقال في ترك الذنوب والاستغفار منها. والذي حين اذا فعلوا فاحشة او ظلموا انفسهم ذكروا الله. ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم جعل الاستغفار ناشئا عن الذكر. فدل ذلك على ان الذكر لله هو الاصل الجامع. الذي يتصف به المؤمن الكامل فيصير الذكر صفة لقلبه. فيفعل لذلك المأمورات ويترك المنهيات. وذلك عن تعظيم الله تعالى وذكره. وهو دليل على ذلك. وهو اعظم المقصودات في العبادة. قال تعالى ان الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر. ولذكر الله اكبر. وقال تعالى ان الحسنات يذهبنا السيئات. ذلك ذكرى للذاكرين. وقال تعالى ان في خلق السماوات والارض واختلاف الليل والنهار لايات لاولي الالباب. الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم كل من كان في عبادة فهو في ذكر الله. ومن ترك منهيا لله فهو في ذكر الله. وهذا هو المعنى الذي خلق الله الخلق لاجله. وشرع الشرائع لاجله. وجعل النعم الظاهرة والباطنة مقصودة لاجله ومعينه عليه فنسأله تعالى ان يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته. ويجعلنا من الذاكرين الله كثيرا والذاكرين فصل الراسخ في العلم الذي مدحه الله هو المتمكن في العلم النافع المزكي للقلوب. ولهذا وصف الله الراسخين في العلم بانهم يؤمنون بمحكم الايات ومتشابهها. ويردون متشابه المحتمل للمحكم الصريح. فيؤمنون بهما جميعا. وينزلون النصوص الشرعية منازلها ويعلمون انها كلها من عند الله. وانها كلها حق. واذا ورد عليهم منها مظاهره التعارض اتهموا افكارهم وعلموا انها حق لا يتناقض. لانه كله من عند الله. ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا. وهم دائما يتضرعون الى ربهم في صلاح قلوبهم واستقامتهم. وعدم زيغها. ويعرفون نعم الله عليهم بعظيم هدايته وتمام البصيرة التي من الله بها عليهم. ومن صفاتهم التي وصفهم الله الكفار وانقيادهم. واذا وصل الانسان الى هذه الحالة فكما قال تعالى ان الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون. ولو جاءتهم كل اية حتى يروا العذاب الاليم ويذكر تعالى ان الذي ينتفع بالتذكير هو الذي يطلب الحق والانصاف. فهذا اذا تبين له الحق انقاد والله اعلم. لما قتل من قتل من الصحابة شهداء في سبيل الله انزل الله على المسلمين بلغوا اخواننا ان قد لقينا ربنا فرضي عنا ورضينا عنه. فتلوها مدة فانزل الله بدلها ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله امواتا. بل احياء عند ربهم يرزقون فرحين بما اتاهم الله من فضله. ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم الا خوف عليهم ولا هم يحزنون. يستبشرون بنعمة من الله وفضل وان الله لا يضيع اجر المؤمنين. وفي هذا حكمة ظاهرة فانه مناسب غاية المناسبة. ايهما الله عنهم اخوانهم واصحابهم واحبابهم بخصوصهم. ليفرحوا وتطمئن قلوبهم وتسكن ويقدموا على الجهاد. فلما حصل هذا المقصود وكان هذا الحكم ثابتا في من قتل في سبيل الله الى يوم القيامة وكان من بلاغة القرآن وعظمته ان يخبر بالامور الكلية. ويذكر الاصول الجامعة انزل الله هذه الايات العامات المحكمات حكمة بالغة ونعمة من الله على عباده سابقة ونظير هذا انه كان مما يتلى الشيخ والشيخة اذا زنيا ترجموهما البتة الى اخره فسخ لفظها وجعل الشارع الراجم بوصف الاحصان لانه هو الصفة الموجبة لا وصف الشيخوخة. ولكن في ذكر والشيخة من بيان شناعة هذه الفاحشة. ممن وصل الى هذه الحال. وقبحها ورذالتها. ما قلوب المؤمنين في ذلك الوقت الذي كانت القلوب يصعب عليها هذا الحكم على الزنا. الذي كانوا قيل له في الجاهلية فلم يفجأهم بحكم الرجم دفعة واحدة. بل حكم به على الشيخ والشيخة الذين ماتت شهوتهما ولم يبق لهما ارادة حاملة عليه الا خبث الطبع وسوء النية. فلما توطنت على قبحه شرع لهم الحكم العام والله اعلم. قوله تعالى يوم يأتي بعض ايات ربك لا نفسا ايمانها. فسر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بطلوع الشمس من مغربها. فالاحاديث الصحيحة دلت على ان اول الايات طلوع الشمس من مغربها. والاية دلت على ان اي اية من ايات الله التي هي مقدمة الساعة وبها يكون الايمان اضطراريا فانه لا ينفع الايمان. لانه انما ينفع ايمان الاختيار وايمان الغيب واذا اتى بعض الايات صار الايمان بشهادة واضطرار فلا ينفع. فالاية دلت على تعليم والاحاديث دلت على الاولية والله اعلم. قوله تعالى من بعد وصيتي يوصي بها او دين والاية الاخرى من بعد وصية توصون بها او دين. والاخرى من بعد يوصين بها او دين. فاتفقت على اطلاق الدين. وتقييد الوصية بحصول الايصاء وهذا يدل على ان الدين مقدم على حقوق الورثة وغيرهم مطلقا. سواء وصى المدين بقضائه او لم يوصى وسواء كان دينا لله او للادميين. فسواء كان به وثيقة ام لا. واما الوصية الله في ثبوتها ان يوجد الايصال بها. فان لم يوصي الميت لم يجب على الورثة شيء من التركة لغير الدين ولابد من تحقيق الايصال. فلو وجد منه قول في حال عدم شعور وعلم بما اوصى به لم يتحقق انه اوصى ودلت الايات على ثبوت الوصية التي يوصي فيها الميت وقيدتها السنة بانها الثلث فاقل لغير بل ان ايات المواريث وتقدير انصباء الورثة مع قوله في اخرها تلك حدود الله الى قوله ومن يعص الله ورسوله ويتعدى حدوده يدخله نارا خالدا فيها. يدخله نارا خالدة فيها وله عذاب مهين. تدل على ان الوصية لوارث من باب تعدي الحدود. فوائد لا يمنع الله تعالى عبده شيئا الا فتح له بابا انفع له منه واسهل واولى. قال تعالى ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض. للرجال نصيب مما اكتسبوا. وللنساء نصيب مما اكتسبنا. واسألوا الله من فضله ان الله كان بكل شيء عليما. فمنع الله من اني ما فضل الله به بعض العبيد على بعض. واخبر ان كل عامل من الرجال والنساء له نصيب وحظ من مكسبة. فحض الصنفين على الاجتهاد في الكسب النافع. ونهاهم عن التمني الذي ليس بنافع فتح لهم ابواب الفضل والاحسان. ودعاهم الى سؤال ذلك بلسان الحال ولسان المقال. واخبرهم كمال علمه وحكمته. وان من ذلك انه لا ينال ما عنده الا بطاعته. ولا تنال المطالب العالية الا دنيا وان غدارتها وحسنها الذي متع به المترفين ليس لكرامتهم عليه. وانما ذلك للابتلاء والاختبار لينظر ايهم احسن عملا وايهم اكمل عقلا. فان العاقل هو الذي يؤثر النفيس باقي على الدني الفاني. ولهذا قال ورزق ربك خير. اي الذي اعده للطائعين. الذين لم يذهبوا مع اهل الاسراف في اتراكهم ولم يغرهم رونق الدنيا وبهجتها الزائلة. بل نظروا الى باب اعطني ذلك حين نظر الجهال الى ظاهرها. وعرفوا المقصود ومقدار التفاوت ودرجات الامور فرزق الله لهؤلاء خير وابقى. اي اكمل من كل صنف من اصناف الكمال. وهو مع ذلك باق لا يزول. واما ما متع به اهل الدنيا فزهرة الحياة الدنيا. تمر سريعا وتذهب جميعا. ولهذا الله رسوله ان يمد عينيه الى ما متع به هؤلاء. ومد العين هو التطلع والتشرف لذلك. لا مجرد نظر العين وانما هو نظر القلب. ولهذا لم يقل ولا تنظر عيناك الى ما متعنا به ازواجا. فبد العين متضمن لاستحسان القلب وتطلعه الى ذلك. ومثل قوله واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه. ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا. فهذه اية بينت المراد من تلك الاية. وهو نظر العين المقرون بارادة زينة الحياة الدنيا. ونظير ذلك قوله وتعالى ولقد اتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم. لا تمدن عينيك الى ما تعنى به ازواجا منهم. ولا تحزن عليهم واخفض جناحك للمؤمنين. فنبهه الله تعالى على الاغتباط بما اتاه الله من المثاني والقرآن العظيم. وامتن عليه بذلك وانه الخير والفضل الرحمة التي يحق الفرح والسرور به. فان ذلك خير مما يجمع اهل الدنيا ويتمتعون به. وانما الذي ينظرون ويغبطون هم المؤمنون. الذين لم يغتروا بما اغتر به المعرضون. فلهذا قال واخفض جناحك المؤمنين عن ذكر الامر بذبح البقرة في قصة موسى مع بني اسرائيل لان السياق سياق ذم لبني اسرائيل وتعداد ما جرى لهم مما يقرر ذلك. فلو قدم ذكر القتيل على الامر بذبح البقرة لصارت واحدة قضية داخل بعضها في ضمن بعض. ففصل هذا من هذا يتبين ذمهم وسوء فعالهم في القضيتين ولهذا اتى في ابتداء كل منهما باذ. الدالة على تذكر تلك الحال وتصورها قال واذ قال موسى لقومه ان الله يأمركم ان تذبحوا بقرة. ثم قال واذ قتلتم نفسا تدارأتم فيها. وليرتب عليه ايضا ما ذكر بعده من قوله فقلنا اضربوه ببعضها اخر الايات والله اعلم. ويقارب هذا ما ذكر الله في قصة مريم. حين اثنى عليها بالنعم الظاهرة باطنة هي ووالدتها. فذكر حالها وكمالها اولا. وان الله جعلها في كفالة زكريا. لتتربى تربية حسنة. وتتأدب وتتعلم. وذكر اجتهادها في ملازمة محرابها واستجابة دعاء امها. وانه متقبلها بقبول حسن. وانبتها نباتا حسنا. قبل ذكر اختصام بني اسرائيل فيها واقتراعهم عليها لينبه تعالى ان هذا مقصود وهذا مقصود. وان لها مدحا وكمالا في حال اختصامهم عليها ومدحا وكمالا في حال نشأتها وعبادتها وتيسير الله لها امورها. ومن فوائد ذلك ان تقديم الغايات والمقاصد والنهايات اهم من تقديم الوسائل. فالاختصاص من باب الوسائل وما ذكر قبله من باب المقاصد. والله الله اعلم واحكم. ذكر الله تعالى مرقع للخلل. متمم لما فيه نقص. ودليله قوله تعالى بعدما ذكر صلاة الخوف وما فيها من عدم الطمأنينة ونحوها قال فاذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم. اي لينجبر نقصكم وتتم فضائلكم. ويشبه هذا ان الكمال هو استثناء في قول العبد اني فاعل ذلك غدا. فيقول ان شاء الله فاذا نسي فقد قال تعالى واذكر ربك اذا نسيت. وهذا اعم من كونه يستثني بل يذكر الله تعالى تكميلا لما فاته من الكمال والله اعلم. فعلى هذا المعنى ينبغي لمن فعل عبادة على وجه فيه قصور او خلل بما امر به عليه وجه النسيان ان يتدارك ذلك بذكر الله تعالى. ليزول قصوره ويرتفع خلله. احتجاج الفقهاء على لانه لا يجب على الزوج ان يطأ زوجته الا في كل ثلث سنة مرة بقوله تعالى للذين من نسائهم تربص اربعة اشهر. فيه نظر. وانما فيها الدلالة على ان للمؤذي خاصة بالمعروف. فمن ال زوجها منها فله اربعة اشهر لا تملك المطالبة الا ان يتبين ان قصده الضرار فيمنع من ذلك. يؤخذ من نهي الله عن نكاح المشركة وانكاح المؤمنة للمشرك لله لذلك انه ينبغي اختيار الخلقاء والاصحاب الصالحين الذين يدعون الى الجنة باقوالهم وافعالهم وتجنب ضدهم من الاشرار الذين يدعون الى النار بحالهم ومقالهم. ولو كانوا ذوي جاه واموال وابهة. ولو كان الاولون فقراء ولا جاهلهم ولا قدر عند كثير من الناس. لان اختيار السعادة عادت الابدية اولى بالعاقل من حصول حظ عاجل يعقب اعظم الحسرة واشد الفوت. فتخيل الخلطاء والاصحاب من شيم اولي الالباب. قال تعالى المتر الى الذين يزكون انفسهم. بل يزكي من يشاء ولا يظلمون فتيلا. اي اذا كانوا انما حملهم على تزكية نفوسهم ومدحها خوف الا يعرف مقدارهم ومنزلتهم فليعلموا ان الله هو المزكي لمن يشاء من خلقه. وهو الذي تزكى بترك القبائح وفعل الخيرات. والله تعالى شكور حكيم. فان كانوا ازكياء حقيقة فلابد ان يظهر الله ذلك. وان لم يظهروه فانه لا يظلم فتيلا. ولكن قد علم ان الحامل لهم على التزكية الدعوة الباطلة والافتراء والكذب. فلهذا قال انظر كيف يفترون على الله الكذب وكفى به اثما مبينا. اتفاق المقاصد والاجتماع من اكبر الاسباب لحصول المطالب المهمة. كما ان اختيار خلافا الارادات وحصول التنازع من اسباب الفشل وتفويت المصالح. ويدل على هذا قوله تعالى يا ايها الذين امنوا اذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا. الى قوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتبذلوا واصبروا. ان الله مع الصابرين. واذا كان هذا في قتال الاعداء الذي هو اشد الاشياء فغيره من الامور من باب اولى واحرى. من المناسبات الحسنة ان اكبر البراءة وهي براءة الله ورسوله من المشركين قد امر الله باعلانها في يوم الحج الاكبر. فالذنوب والمعاصي جميعها تشترك في البراءة من الله الله ورسوله وعدم الموالاة. ولكن البراءة التامة التي ليس معها من الموالاة مثقال ذرة. انما هي من لكل مشرك وكافر بالله العظيم. وتمام موالاة المؤمن بالله ورسوله. الموافقة التامة على هذه رائع. ولهذا كانت سورة قل يا ايها الكافرون الى اخرها متضمنة لهذه البراءة. مستلزمة للاخوان لله تعالى في جميع الدين. قوله تعالى لا يرقبوا فيكم الا ولا ذمة. وفي الاية الاخرى لا في مؤمن الا ولا ذمة. واولئك هم المعتدون. دليل على معاداتهم للصحابة خصوصا وعموما فخصوصا لما بينكم وبينهم من العداوة واثارها. وعموما لايمانهم. فلم تكن هذه عداوة لهم الا لاجل الايمان. فهم اعداء الايمان واعداء كل مؤمن. وما نقموا منهم الا ان يؤمنوا بالله العزيز الحميد. وهذا هو الاعتداء التام. فلذلك حصر الاعتداء فيهم بقوله واولئك هم المعتدون. قوله تعالى وان نكثوا ايمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا ائمة الكفر انهم لا ايمان لهم لعلهم ينتهون. اوقع الظاهر وهو قوله ائمة الكفر موقع المضمر فلم يقل فقاتلوهم ليدل على الحض على قتالهم. وانهم تمكنوا من الكفر. ودل على ان الاشياء يكون الانسان من ائمة الكفر. وهو نقض العهود والدعوة الى دين الكفر. والطعن في دين الاسلام ويدل هذا على ان ائمة الايمان ضدهم فهم المؤمنون الملتزمون لشرائع الايمان الموفون جهوده الداعون الى الله الذائبون عنه. المبطلون لما ناقضه ظاهرا وباطنا. وانهم الموثوقون بهم ومحل القدوة والامانة. نسأل الله تعالى من فضله. قوله تعالى انما المشركون نجس. دليل على ان قوله تعالى وطهر بيتي للطائفين. عام لتطهيره من النجاسات الحسية والنجاسات المعنوية. قوله تعالى يا ايها الذين امنوا ان كثيرا من الاحبار والرهبان ليأكلون اموالا الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله. والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب اليم. ذكر الله فيها جماع الاموال المحرمة. وان الاكلين لها احدهما من اخذها بغير حقها. واخذ اموال الناس بالباطل من الغصوب ونحوها والرشاء ونحوها تناول من له مستحق يبذل له ويأخذه بحسب قيام الوصف به وليس به. فدخل في ذلك مصارف الصدقات الاوقاف والزكوات والكفارات والنفقات ونحو ذلك. والصنف الثاني من منع الحق الذي عليه من ديون وديون الادميين. وكلاهما اكل للمال بالباطل. قوله تعالى يوم يحمى عليها في نار جهنم انما فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم. هذا ما كنزتم لانفسكم فذوقوا ما كنتم تكمنون قال يوم يحمى عليها. ولم يقل يوم تحمى في نار جهنم. ليدل على انها مع حرارة نار جهنم تستعمل لها الالات المحمية كالمنافيخ ونحوها. فيضاعف حرها ويشتد عذابها وذكر المفسرين رحمهم الله تعالى مناسبة لتخصيص كي جباههم وجنوبهم وظهورهم. وذلك لانه اذا جاءه الفقير السائل سعر احدهم بوجهه. فاذا اعاد عليه ولاه جنبه. فاذا الح عليه ولاه ظهره فاختصت هذه الثلاث جزاء وفاقا. وظهر لي معنى اولى من هذا وهو ان كي هذه المواضع الثلاثة هي اشد على الانسان من غيرها. فهي متضمنة لجهاته الاربع. الامان والخلف واليمين والشمال وهذه الوجوه التي يخرج منها الانسان. فلما منعوا الواجب عليهم منعا تاما من جميع جهاتهم جوزوا بنقيض مقصود فان مقصودهم من المنع التمتع بتلك الاموال. وحصول النعيم بها وخوف وحرارة فقدها لو بذلوها فصاروا المنع هو عين العذاب. فلو انهم اخرجوها وقت الامكان لسلموا من كيها وفازوا باجرها. ويدل على فهذا المعنى قوله تعالى هذا ما كنزتم لانفسكم. فذوقوا ما كنتم تكنزون. ويدل عليه ايضا قول النبي صلى الله عليه وسلم ان الاكثرين هم الاقلون يوم القيامة الا من قال هكذا وهكذا وهكذا. من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله. وفي اللفظ الاخر هم الاخسرون ورب الكعبة فمن خسارتهم انهم فاتهم ربح اموالهم وسلامتهم من تبعتها وكيها. ويؤيد هذا ان المعنى الذي ذكره المفسرون ليس في اللفظ ما يدل عليه. وليس ايضا لازما لكل مانع. فقد يمنع الفقير والسائل وهو بغير تلك الصفة. وقد يكون عنده حق واجب. لا يطلب ويسأل ان يعطاه. فيستحق بهذا الجزاء. والله واعلم قوله تعالى ان عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله دليل على ان هذه الشهور قد الهم الله العباد لها وفطرهم عليها. وان ذلك موافق لقدره وشرعه. فيستدل بها من قال ان الهام من الله. لا اصطلاح اصطلح عليه العقلاء. والله اعلم. قوله تعالى وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة. واعلموا ان الله مع المتقين. في هذه في الاية الكريمة فوائد. احداها وجوب قتال المشركين. لان الامر الاصل فيه الوجوب. الثانية ان ذلك فرض على جميع المؤمنين. وهو مأخوذ من قوله وقاتلوا لا من قوله فان كافة حال المشركين على الصحيح. فخطاب الله للمؤمنين جميعا بقوله وقاتلوا يدل على ذلك. ولكن هذا الغرض على الكفاية على القادر. لقوله تعالى وما كان المؤمنون لينفروا كافة. وقوله ليس على الاعمى حرج الاية. الثالثة ان هذا القتال لجميع المشركين سيختص به احد دون احد. الرابعة ان المستكبرين عن عبادة الله من انواع الملاحدة والدهرية اولى بالقتال من المشركين. الخامسة ان قتالهم مستحق بشرطين. كونهم مشركين وكونهم قاتلين. فمتى زال احد الوصفين لم يقاتلوا؟ فالمسلم لا يقاتل لوصفه الذي اتصف به من الظلم والمعاصي وانما يقاتل المفسد منهم كالبغاة والخوارج ونحوهم. وكذلك من لم يقاتل المسلمين من المشركين لا مقاتلون اما لكونه ليس اهلا للقتال كالنساء والاطفال والشيوخ والرهبان ونحوهم واما لكونه اخلق للمسلم واقر بالجزية. ففيه دليل ايضا على ان الجزية تقبل من كل مشرك بذلها. ولو صح لم يكن من اهل الكتاب لهذا العموم. وهذه الفائدة السادسة. والسابعة فيه التنبيه على الاخلاص في الجهاد. وانهم قاتلون لوجه الله. ولكونهم اتصفوا بما يبغضه الله وهو الشرك. فليكن الحامل لكم ايها المؤمنون على موافقة ربكم في بغضه وعداوته لهم. لاجل ان تكون كلمة الله هي العليا. الثامنة التهييج للمؤمنين على قتال المشركين. وذلك انهم يقاتلون المؤمنين كافة. فكل من اتصف الايمان فطبعهم الخبيث معاداته وقتاله لاجل ايمانه. افلا تقاتلون ايها المؤمنون من كفر ثم اذا ازال الله شدتهم وكشف كربتهم عادوا الى غفلتهم وغيهم يعمهون. ونسوا ما يدعونه اليه من قبل كانه ما كان. وهذه الحال من اعظم الانحرافات واشد البليات التي يبتلى بما جاءكم من الحق وعاندوه وحاربوه فلتكونوا في عداوتهم متفقين. وعلى حربهم التاسعة الاجتهاد على التحقق بتقوى الله. لتنال بذلك معونة الله ومعيته العاشرة ان معية الله نوعان عامة يدخل فيها البر والفاجر كقوله ما يكون من نجوى ثلاثة الا هو رابعهم ولا خمسة الا هو سادسهم ولا ادنى من ذلك ولا اكثر الا هو معهم ان حينما كانوا وبما اشبهها من الايات الدالة على كمال العلم والمجازاة. وخاصة لمن قام بمحبوباته الله من الايمان والاحسان والصبر والتقوى. كقوله وان الله لمع المحسنين. مع الصابرين ومع المؤمنين وهذه المعية وهذه المعية تقتضي مع العلم والجزاء الحسن العون والنصرة والتأييد والقربى الخاص الحادية عشرة بلغ فيها التنبيه على اسباب الانتصار على الاعداء. وهو الاتفاق على وعدم المنازعة والاخلاص لله تعالى. وشدة العداوة التي من لازمها ان يبذل ما يستطاع ويمكن في قتالهم ويدخل في ذلك اعداد السلاح والخيل والقوة بجميع انواعها. وكذلك حصول اليقين بمعية الله والاتصاف بالتقوى. فمتى اجتمعت هذه الاسباب لم يتخلف عنها النصر؟ وبحسب ما يفوت منها يفوت من النصر. وبهذا ونحوه يعلم ان الشريعة الاسلامية كاملة من جميع ابوابها لمصالح الدنيا والاخرة. وبالله التوفيق. قوله تعالى انما النسيء زيادة في كفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما ويحرمونه عاما. ليواطؤوا عدة ما حرم الله فيحلوا ما حرم الله. فيه دلالة على تحريم الحيل المتضمنة تغيير دين الله. باسقاط الواجبات واحلال المحرمات بالتوصل الى ذلك بصورة المباح. ووجه هذا ان الله تعالى ذم اهل النسيء. وجعل هذا من زيادة كفرهم. وهم يقدمون شهرا او يؤخرونه ويبدلون الشهر الحرام. بالشهر الحلال وبالعكس. ويجعل يفعلونه العدد الذي يصطلحون عليه ويسمونها بالاشهر الحرم. ويتجنبون فيها ما يتجنبون في الاشهر الحرم فهم غيروا صورها واسمائها. وعلقوا التحريم والتحليل على الصورة والاسم. لا على الحقيقة والمعنى وهذه الحيل بعينها من غير فرق. والله اعلم. الداعي الى الله والى دينه له طريق ووسيلة الى مقصود وله مقصودان. فطريقه الدعوة بالحق الى الحق للحق. فاذا اجتمعت هذه الثلاثة بان يكون يدعو بالحق اي بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة التي هي احسن. وكان يدعو الى الحق وهو سبيل الله تعالى وصراطه الموصل لسالكه الى كرامته. وكانت دعوته للحق اي مخلصا لله تعالى. قاصدا بذلك وجه الله حصل له احد المقصودين لا محالة. واما المقصود الاخر وهو ثواب الداعين الى الله واجر ورثة الرسل بحسب ما قام به من ذلك. واما المقصود الاخر وهو حصول هداية الخلق وسلوكهم لسبيل الله. الذي دعاهم الى اي فهذا قد يحصل وقد لا يحصل. فليجتهد الداعي في تكميل الدعوة كما تقدم. وليستبشر بحصول الاجر والثواب. واذا لم يحصل المقصود الثاني وهو هداية الخلق او حصل منهم معارضة او اذية له بالقول او او بالفعل فليصبر وليحتسب ولا يوجب له ذلك ترك ما ينفعه. وهو القيام بالدعوة على وجه الكمال ولا يضيق صدره بذلك. فتضعف نفسه وتحضره الحسرات. فليقوموا بجد واجتهاد. ولو حصل ما وصل من معارضة العباد. وهذا المعنى تضمنه ارشاد الله بقوله تعالى فلعلك تارك بعد بعض ما يوحى اليك وضائق به صدرك. ان يقولوا لولا انزل عليه كنز او جاء معه ملك انما انت نذير. والله على كل شيء وكيل. فامر بالقيام به بجد واجتهاد. مكملا لذلك غير تارك لشيء منه. ولا حرج صدره ولا لاذيه وهذه وظيفته التي يطالب بها. فعليه ان يقوم بها. واما هداية العباد ومجازاتهم. فذلك الى الله الذي هو على كل شيء وكيل. قوله تعالى واذا مس الناس ضر دعوا ربهم منيب اليه ثم اذا اذاقهم منه رحمة اذا فريق منهم بربهم يشركون ونحوها من الايات التي فيها هذا المعنى فاذا كان هذا ثابتا في اصل الدين ان الناس اكثرهم اذا مسهم انابوا الى الله لعلمهم انه كاشف الكربات وحده لا شريك له. وللضرورة التي تضطرهم اليه ثم اذا زالت الضرورة تعاد الى شركهم فكذلك الامر ثابت في فروع الدين. وفي سائر الامور تجد الناس مستجيبين لداعي الغفلة. مقيمين على ما يكرهه الله. غافلين عن ذكر ربهم ودعائهم فاذا مستهم نائبة من نوائب المحن اقبلوا الى ربهم متضرعين. ولكشف ما بهم داعين. فاقبلوا بها العبد لا يعرف ربه الا في الضرورة. وهذه شعبة من شعب الشرك. ومن كان فيه هذا الامر ففيه شبه ظاهر من حال المشركين. وانما المؤمن الكامل الذي يعرف ربه في السراء والضراء. والعسر واليسر. فهذا هو العبد على الحقيقة. وهذا الذي له العاقبة الحسنة والسعادة الدائمة. وهذا الذي يحصل له النجاة من الكروب اذا وقع فيها. قال تعالى بعدما ذكر عن ذي النون انه بسبب عبادته في الرخاء. عرفه الله في الشدة. فلولا انه كان من المسبحين للبث في بطنه الى يوم يبعثون. وقال ونجيناه من الغم ظن وكذلك ننجي المؤمنين. وقال النبي صلى الله عليه وسلم تعرف الى الله في الرخاء يعني في الشدة وقريب من هذا المعنى ما ذكر الله من حال المترفين الراضين لدعوة المرسلين. حيث قال وما ارسلنا في قرية من نذير الا قال مترفوها انا بما ارسلتم به كافرون فاخبر ان السبب في ردهم لدعوتهم كونهم مترفين. ادل على ان الترف هو الانغماس في نعيم الدنيا ولذاتها والانكباب عليها والتنوق في مآكلها ومشاربها ومراكبها. والاسراف في ذلك يحدث في الانسان خلقا الخبيثة يمنعه من سرعة الانقياد لامر الله. والاستجابة لداعي الله. وكما انه ثابت واقع في اصل فانه واقع ايضا في شرائعه وفروعه. فكم منع الترف من عبادات؟ وكم فوت من قربات وكم كان سببا للوقوع في المحرمات. فان الترف وكثرة الارفاه تصير الانسان شبيها بالانعام. التي ليست لها هم الا التمتع في الاكل والشرب. وكذلك يرهن البدن. ويكسله ويثقله عن الطاعات. ويشغل القلب في مرادات النفس ومراداتها كم حملت صاحبها على جمع الاموال من غير حلها. وحملت النفس على الاشر والبطل والرياء والفخر والخيلاء. والاستكثار من قرناء السوء. وفي الجملة في هذا الترف والسرف من المضار اضعاف فيما ذكرنا. فعلى العبد ان يكون مقتصدا في مأكله ومشربه وملبسه ومسكنه. وغير ذلك من حوائجه التي لابد فمنها فلا يعلق قلبه الا بما يحتاجه منها. ولا يستعمل زيادة عن حاجته. ويعود نفسه على ذلك لتتمرن النفس على الاخلاق الجميلة. ويسلم من كثير من الافات والشرور المترتبة على الترف. ولهذا لما فتحت الدنيا على المسلمين ايام عمر رضي الله عنه. وكثرت الاموال. كان رضي الله عنه ينهى المسلمين اشد عن الترف ويأمرهم بالخشونة والاقتصاد. الذي هو صلاح المعاش والمعاد. وبالله التوفيق. قوله تعالى الا تنظر الى اثار رحمة الله. كيف يحيي الارض بعد موتها؟ ان ذلك لمحيي الموتى. وهو على كل شيء جعله الله تعالى من اعظم الادلة الدالة على سعة رحمته وكمال قدرته. وانه سيحيي الموتى للجزاء دليل في القلب الخالي من العلم والخير حين ينزل الله عليه غيث الوحي فيهتز بالنبات وينبت من كل زوج بهيج من العلوم المختلفة النافعة. والمعارف الواسعة والخير الكثير والبر الواسع. والاحسان الغزير والمحبة الله ورسوله واخلاص الاعمال الظاهرة والباطنة لله وحده لا شريك له. والخوف والرجاء والتضرع والخشوع لله وانواع العبادات واصناف التقربات والنصح لله ولرسوله ولكتابه ولائمة المسلمين وعامتهم وغير ذلك من العلوم والاعمال الظاهرة والباطنة والفتوحات الربانية مما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر اعظم من الارض بكثير. على سعة رحمة الله وواسع جوده وتنوع هباته وكمال اقتداره وعزته وانه يحيي الموتى للجزاء. وانه عنده في الدار الاخرى من الخيرات والفضل ما لا يعلمه احد غيره وقد نبه الله على ان حياة القلوب بالوحي بمنزلة حياة الارض بالغيب. وان القلوب الخالية من الخير بمنزلة الارض الخبيثة. فقال تعالى والبلد الطيب يخرج نباته باذن ربه. والذي خبث لا يخرج الا نكد كذلك نصرف الايات لقوم يشكرون. نية العبد تقوم مقام عمله. واذا احسن العبد عبادة ربه ووطن نفسه على الاعمال الفاضلة الشاقة سهل الله له من الامور وهون عليه صعابها وربما انقلبت المخاوف امنا وتبدلت المحنة منحة. وربما حصل من اثار ذلك خير الدنيا والاخرة ويدل على ذلك قوله تعالى الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما اصابهم القرح. الى فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله. فالله ذو فضل عظيم فلا يستنكر هذا الخير على ذي الفضل العظيم. وفي هذه الاية دليل ايضا على ان الله يحدث لعبد اسباب المخاوف والشدائد ليحدث العبد التوكل على ربه والاخلاص والتضرع فيزداد ايمانه وينمو كما قال تعالى الذين قال لهم الناس ان الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم ايمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل. قوله تعالى وانذر به الذين يخافون ان يحشروا الى ربهم ليس فيه نقص كما توهمه بعضهم. وجعل الخوف بمعنى العلم. وانما فيه زيادة معنى نفيس. وهو انه كما كان العلم نوعين علم لا يثمر العمل بمقتضاه. وانما هو حجة على صاحبه وهو غير نافع. وعلم يثمر العمل وهو علم المؤمنين بان الله سيبعثهم ويجازيهم باعمالهم. فاحدث لهم هذا العلم الخوف فخافوا مقام ربهم وانتفعوا بنذارة الرسل. وعلموا انه ليس لهم من دون الله ولي ولا شفيع هؤلاء الذين امر الله رسوله بنذارتهم لانهم يعرفون قدرها ويقومون بحقها. واما حالة المعرضين الغافلين والمعرضين المعاندين فهؤلاء لا ينفع فيهم وعظ ولا تذكير لعدم المقتضى والسبب موجب وهذا المعنى يأتي بما اشبه هذا الموضع من القرآن. والله ولي الاحسان. العزم الذي مدح الله به خيار خلقه. كقوله فاصبر كما صبر اولو العزم من الرسل. هو قوة الارادة وحزمها على الاستمرار على امر الله والهمة التي لا تنوي ولا تفتر في طلب رضوان الله وحسن معاملته. وتوطين النفس على وتوطين النفس على عدم التقصير في شيء من حقوق الله. ولذلك لام الله ادم عليه السلام بعدم استمراره على الامر وحصول الاغتراب منه لعدوه باكله من الشجرة التي عهد الله له بالامتناع من الاكل منها. فقال تعالى ولقد عهدنا لا ادم من قبل فنسي ولم نجد له عزما. فحصول الفتور وفلتات التقصير مناف كمال العزم. ولهذا هذا لم يكن كمال هذا الوصف الا لمن بلغوا الدرجة العالية في الفضائل. والنقص انما يصيب العبد من احد امرين ان من عدم عزمه على الرشد الذي هو الخير واما من عدم ثباته واستمراره على عزمه. ولهذا كان دعاء النبي صلى الله عليه وسلم. اللهم اني اسألك الثبات في الامر والعزيمة على الرشد. من انفع الادعية واجمعها للخيرات فمن اعانه الله على نية الرشد والعزيمة عليها والثبات والاستمرار. فقد حصل له اكبر اسباب السعادة. والناس في في هذا المقام درجات بحسب قيامهم بهذين الامرين. وحسب ذي الفضل فضلا ان تكون العزيمة على الرشد وصفة من العلم والعمل نعته. واذا حصل له نوع فتور وخلل في هذا المأمور رجع الى اصله. وداوى هذا الداء بالتذكر والاستغفار. قال تعالى ان الذين اتقوا اذا مسهم طائف من الشيطان فاذا هم مبصرون. اي تذكروا الخلل الذي دخل عليهم من الشيطان والنقص الذي حصل لهم به الخسران فابصروا ذلك فبادروا الى سده والعود الى ما عودهم وليهم من لزوم الصراط المستقيم. نسأل الله تعالى ان يجعلنا منهم بمنه وكرمه امين. قوله تعالى يا ايها الذين امنوا اذا قيل لكم تفسحوا في المجالس يفسح الله لكم. واذا قيل انشذوا فانشذوا. يرفع الله الذين امنوا منكم والذين اوتوا العلم درجة والله بما تعملون خبير. فيها فضيلة التأدب بالاداب الشرعية. ورفعة عند الله ولو ظنها الانسان فليس النقص غير الاخلال باداب الله لعباده. ومن فوائدها ايقاع الظاهر موقع المضمر في هذه الاية حيث قال يرفع الله الذين امنوا منكم والذين اوتوا العلم درجات. ولم يقل يرفعكم ليدل ذلك على فضيلة الايمان والعلم عموما. وان بهما تحصل الرفعة في الدنيا والاخرة. ويدل على ان من ثمرات العلم الايمان سرعة الانقياد لامر الله. وان هذه الاداب ونحوها انما تنفع صاحبها. ويحصل له بها الثواب اذا كانت صادرة عن العلم والايمان وهو ان تكون خالصة لوجه الله لا لغير ذلك من المقاصد. الظاهر ان قوله تعالى ولو ان اهل القرى امنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والارض تفسير لقوله في الاية الاخرى لاكلوا من فوقهم ومن تحت ارجلهم. فالسماء منها مادة الارض والارض محلها وموضعها. فصل قوله تعالى اذ يبيتون ما لا يرضى من القول. ذم من وجهين من جهة فعل الذنب والاصرار على الذنب. وثم وجه ثالث من الذنب. وهو ان الله ذمهم على لان التبييت هو التدبير ليلا على وجه الخديعة للحق واهله من كلامهم وقولهم بما يبغضه الله ولا يرضاه من الاقوال المحرمة ومن الاصرار على ذلك. فقولهم اثم وظلم وبياتهم على ذلك واصرارهم عليه اسم اخر وهذا ابلغ من لو قال وهو معهم اذ يقولون ما لا يرضى من القول. فعلى العبد التوبة الى الله من فعل الذنوب والاصرار عليها. فكما ان فعلها معصية فالاستمرار عليها ونية فعلها متى سنحت له الفرصة معاصي شخصية اخرى. وعلى العبد ان يبيت ما يرضى الله تعالى من الاقوال والافعال. فيفعل ما يقدر عليه من الخير. وينوي في فعل الخير الذي لم يحضر وقته. والذي لا يقدر عليه. وبذلك يتحقق العبد ان يكون ممن اتبع مع رضوان الله فيدخل في هذه المعاملة المذكورة في قوله افمن اتبع رضوان الله كمن بسخط من الله وتحصل له الهداية في اموره كلها. يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام. ويخرجهم من الظلمات الى النور باذنه ويهديهم صراطا مستقيما. قوله تعالى وان يتفرقا يغني الله كل من سعته وكان الله واسعا حكيما. في هذه الاية فائدة عظيمة. وهي ان العبد عليه ان يعتمد على الله ويرجو فضله واحسانه ويعمل ما ابيح له من الاسباب. وانه اذا انغلق عليه باب وسبب من الاسباب التي الله لرزقه فلا يتشوش لذلك. ولا ييأس من فضل الله. ويعلم ان جميع الاسباب مستندة الى مسببها فيرجو الذي اغلق عليه هذا الباب ان يفتح له بابا من ابواب الرزق اوسع واحسن من الباب الاول. وهذه العبودية من افضل عبوديات القلب. وبها يحصل التوكل والكفاية والراحة والطمأنينة. فهذه المرأة المتصلة بزوجها ينفق عليها ويقوم بمؤنتها. فاذا حصل لها فرقة منه وتوهمت انقطاع النفقة والكفاية فلتلجأ الى فضل الله ووعده بانه سيغنيها. وقال يغني الله كلا من سعته. ولم يقل يغنيها. مع ان السياق عليه لان لا يتوهم اقتصاصها بهذا الوعد. وانما الوعد لها وله. فالله اوسع واكثر. ولكن هباته وعطاياه تبع لحكمته. ومن الحكمة ان من انقطع رجاؤه من المخلوقين. ومن كل سبب قد اتصل امله بربه ووثق بوعده ورجا بره فان الله يغنيه ويقنيه. والله الموفق لمن صلح باطنه وحسن نيته فيما عند ربه. ينبغي لمن طمحت نفسه لما لا قدرة له عليه او غير ممكن في حقه وحزن لعدم حصوله ان يسليها بما انعم الله به عليه. مما حصل له من الخير الالهي الذي لم يحصل لغيره ولهذا لما طمحت نفس موسى عليه السلام الى رؤية الله تعالى وطلب ذلك من الله فاعلمه الله ان ذلك غير حاصل له في الدنيا وغير ممكن. سلاه بما اتاه. فقال يا موسى اني اصطفيتك على اسيدي رسالاتي وبكلامي. فخذ ما اتيتك وكن من الشاكرين. وكذلك نبه الله رسوله وعباده المؤمنين على هذا المعنى بقوله او جاءوكم حصرت صدورهم ان يقاتلوكم او يقاتلوا قومهم ولو شاء الله لسلطهم عليكم فلقاتلوكم. فان النظر الى هذه الحالة وهو كف ايديهم عن المؤمنين ومسالمتهم بالنسبة الى الحالة الاخرى وهي ان لو شاء الله لسلطهم على المؤمنين فقاتلوهم مما يهون انتهى الامر فهم وان لم يكونوا معاونين للمؤمنين فكذلك لم يكونوا معاونين عليهم اعداءهم. ومما يشبه هذا ان العبد مأمور ان ينظر الى من دونه في المال والجاه والعافية ونحوها. لا الى من فوقه فانه اجدر الا يزدري نعمة الله عليه. وكذلك اذا ابتلي ببلية فليحمد الله ان لم تكن اعظم من ذلك. فليشكر الله ان كانت في بدنه او ماله لا في دينه. وصاحب هذه الحال مطمئن القلب مستريح النفس صبور شكور. الاتيان بقوله يا ايها الذين امنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا احسن من قوله تستأذنوا. لان تستأنسوا تتضمن الاستئذان وزيادة التعليم. وان الحكمة التي شرع الله الاستئذان لاجلها هي حصول الاستئناس من الوحشة ويدل ذلك ايضا على انه يحصل الاذن والاستئذان بكل ما يدل عليه عادة وعرفا. لكن قد يقال ان الاستئذان ايضا يدخل فيه الاستئذان اللفظي والعرفي والله اعلم. الاتيان باللفظ العام في قوله ولا يأتلأولي الفضل منكم والسعة اي يؤتوا اولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا مع انها نزلت في شأن ابي بكر الصديق رضي الله عنه حين تألى الا ينفق على مسطح حين شاء بايع اهل الافك مما يحقق ان القرآن العظيم نزل هداية عامة. وانه يتناول من لم ينزل عليهم من الامة ومن نزلت وهم موجودون. ومن كان له سبب بنزولها وغيره. وهكذا يقال في جميع الايات التي نزلت في قضايا جزئية خاصة ولفظها يتناول القضايا الكلية العامة. وبهذا ونحوه تعرف ان معرفة اسباب نزول الايات وان كان نافعا فغيره انفع واهم منه. فتدبر الالفاظ العامة والخاصة والتأمل في سياق الكلام والاهتمام بمعرفة مراد الله بكلامه وتنزيله على الامور كلها هو الامر الاهم وهو المقصود وهو الذي الله العباد به. وهو الذي يحصل به العلم والايمان. ومما يدل على ان معرفة اسباب النزول ليست كمعرفة معنى ما اراد الله بكلامه انه لا تتوقف معرفة معاني القرآن على معرفتها. ولذلك تجد المفسرين يذكرون في اسباب النزول اقوالا كثيرة مختلفة. لا يهتدي الانسان الى معرفة الصحيح منها في الغالب. وكذلك المعتنون بهذا وضعكم معرفتهم بتفسير القرآن كما ينبغي. ولست اقول ان الاعتناء باسباب النزول ليس بنافع. بل هو نافع. فقد توقف فهم كمال المعنى عليه. وانما قولي ان الاعتناء بتدبر الالفاظ والمقاصد هو الاهم. ومع ذلك فاذا عرض للانسان سبب نزول بعض الايات ببعض الواقعات فلا يذهب وهمه اليه وحده. فليكون مرجعه الى ذلك الاصل الكبير. فيعرف ان القضية الجزئية التي نزلت الاية فيها بعض المعنى وفرد من افراده. فالمعنى قاعدة كلية يدخل فيها افراد كثيرة. ومن جملة تلك الافراد تلك الصورة. والله المستعان في جميع الامور. المرجوة لتسهيل كل صعب والاعانة على كل شديد. ما يجري على الاخيار يحصل لهم فيه النفع خصوصا. ولغيرهم عموما وهذا من بركة الله لهم وبركته فيهم. ومن نصحهم للخلق. ولهذا لما رأى سليمان عليه الصلاة والسلام عرش ملكة سبأ مستقرا عنده قد احضر في اسرع وقت قال هذا من فضل ربي ليبلوني ااشكر ام اكفر ومن شكر فانما يشكر لنفسه. ومن كفر فان ربي غني كريم. الا ترى كيف عرف بفضل الله وشكر الله على ذلك. واقر لله تعالى بالحكمة. واخبر عن كرم الله وسعة غناه. وكان في ضمن كلامه هذا الحض للعباد على هذه الامور. ولهذا اتى باللفظ العام ومن شكر ومن كفر. واذا تأملت جميع القضايا التي تجري على الانبياء واتباعهم وورثتهم وجدتها بهذه الحالة. ينتفعون بها وينفع الله بها الخلق بسببهم. فنسأل الله تعالى ان يبارك لنا فيما اعطانا من نعم الدين والدنيا. فان بركة الله لا نهاية لها وجوده لا حد له. والقليل اذا بارك الله فيه صار كثيرا. ولا قليل في نعم ربنا فله الحمد والشكر الذين اتقوا بمفازتهم لا يمسهم السوء ولا هم يحزنون. فوعد الله المتقين بنفي العذاب عنهم ظاهرا باطنة كما اثبت لهم في اخر سورة النعيم ظاهرا وباطنا. من قوله وسيق الذين اتقوا ربهم بجميع انواعهما حمدا على ما له من انواع الكمالات. وشكرا على ما اسدى الى الخلق من الافضالات والهبات بالقلب واللسان والجوارح كثيرا طيبا مباركا فيه. ابطال قول الخصم قد يكون بابطال الدليل الذي استدل به او بابطال دلالته على مطلوبه. وقد يكون بابطال نفس المقالة التي ينصرها وافسادها. وقد يكون باثبات نقيض ما قاله الخصم قولا ودليلا. لان النقيضين متى صح احدهما بطل الاخر. فقد اجتمعت هذه الامور في قول يوسف عليه السلام محتجا على صحة التوحيد وابطال الشرك يا صاحبي السجن. اارباب متفرقون خير ام الله الواحد القهار؟ ما تعبدون من دونه الا اسماء سميتموها انتم واباؤكم ما انزل الله بها من سلطان. ان الحكم الا لله. امر الا تعبدوا الا اياه ذلك الدين القيم ولكن اكثر الناس لا يعلمون. فابطل الشرك وصور قبحه نقلا ونقلا وان ما يدعى من دون الله الهة متفرقة. كل فريق يزعم صحة قوله وابطال الاخر تعال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله. عن ذكر الله واقام الصلاة ايتاء الزكاة. فلم يقل انهم لا يتجرون ولا يبيعون. بل اخبر انهم لو فعلوا ذلك لم يشغلهم عن المقصود قالوا انه لا فرق بينهما. وان المشرك فيه شركاء متشاكسون. وان هذه المعبودات من دون الله ليس فيها شيء من خصائص الالهية فليس فيها كمال يوجب ان تعبد لاجله. ولا فعال بحيث تنفع وتضر فتخاف وترجع وانما هي اسماء لا حقائق لها. ومع ذلك ما انزل الله بها من سلطان على عبادتها فليس في جميع الحجج الصحيحة ما يدل على صحة عبادتها. بل اتفقت الحجج والبراهين كلها على ابطالها وفسادها. وعلى اثبات العبادة الخالصة لله الواحد. الذي تفرد بالوحدانية والكمال المطلق من جميع الوجوه. الذي ليس له شبيه ولا نظير ولا مقارب. وهو القهار لكل شيء. فكل شيء تحت قهر الله. وناصيته بيد الله فالواحد القهار هو الذي يستحق الحب والخضوع والانكسار لعظمته. والذل لكبريائه. قال تعالى والله يقول قولوا الحق وهو يهدي السبيل هذه الاية جمعت كل علم صحيح. وذلك ان العلم اما مسائل نافعة واما دلالة مصيبة فانفع المسائل المشتملة على الحق. وهو الصدق والعدل والقسط والاستقامة ظاهرا وباطنا. اهدى الدلائل وارشادها ما هدى السبيل الموصل الى المطالب العالية والمراتب السامية. فالكتاب والسنة كفيلان بهذين الامرين على اكمل الوجوه واتمها وابينها وما سوى ذلك فهو باطل وضلال. فماذا بعد الحق الا الضلال؟ وما بعد الهداية الى السبيل المستقيم. الا الهداية الى سبيل الجحيم. ولا يأتونك بمثل الا جئناك بالحق واحسن تفسيرا. ان قلت ان الله اخبر في غير موضع انه لا يهدي القوم الظالمين. ولا يهدي القوم فاسقين والقوم الكافرين والمجرمين ونحوهم. والواقع انه هدى كثيرا من الظالمين والفاسقين قومي الكافرين والمجرمين. مع ان قوله صدق وحق لا يخالفه الواقع ابدا. فالجواب ان الذي اخبر انه لا يهدي هم الذين حقت عليهم الشقوة وكلمة العذاب. فانها اذا حقت وتحققت وثبتت وجبت. فان هذا لا يتغير ولا يتبدل. قال تعالى وكذلك حقت كلمة ربك على الذين كفروا انهم اصحاب النار وقوله كذلك حقت كلمة ربك على الذين فسقوا انهم لا يؤمنون. وكقوله الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون. ولو جاءتهم كل اية حتى يروا العذاب الاليم وغير ذلك من الايات الدالات على هذا المعنى. وهؤلاء هم الذين اقتضت حكمة الله تعالى انه لا يهدي لكونهم لا يصلحون للهداية ولا تليق بهم. فلو علم فيهم خيرا لاسمعهم. ولو اسمعهم لتولوا وهم معرضون وهم الذين مرضوا على اسباب الشقاء ورضوها واختاروها على الهدى. واما من سبقت لهم من الله حسنى فان الله تعالى يهديهم. ولو جرى منهم ما جرى. فانه تعالى هدى كثيرا من ائمة الكفر محاربين له ولرسوله وكتبه فصاروا من المهتدين. والله عليم حكيم. فالذين اخبر عنهم انه لا هم الذين حقت عليهم الشقوة. والذين هداهم هم الذين سبقت لهم منه الحسنى. فصار النفي واقعا على شيء ووقوع الهداية واقعا على شيء اخر. فلم يحصل تناقض ولله الحمد. سعي الانسان في دفع باب التهمة السيئة عن نفسه. والعار والفضيحة ليس بعار. بل ذلك من سماء الاخيار. ولهذا لم يجب يوسف عليه الصلاة والسلام الداعي حين دعاه الى الخروج من السجن. والحضور عند الملك حتى يتحقق الناس براءة ما قيل فيه لما جاءه الرسول قال ارجع الى ربك فاسأله ما بال النسوة التي قطعن ايديهن؟ لما كان التوكل به حياة الاعمال والاقوال وجميع الاحوال. وبه كمالها. قال تعالى وتوكل على الحي الذي لا يموت. فامر بالتوكل والاعتماد على الحي كامل الحياة. فاذا حقق العبد التوكل على الحي الذي لا يموت احيا الله اموره كلها. وكم اكملها واتمها وهذا من المناسبات الحسنة التي ينتفع العبد باستحضارها وثبوتها في قلبه. فنسأل الله تعالى ان ارزقنا توكلا يحيي به قلوبنا واقوالنا وافعالنا وديننا ودنيانا. ولا يكلنا الى انفسنا ولا الى غيرنا طرفة عين ولا اقل من ذلك انه جواد كريم. قوله تعالى انا نحن نزلنا الذكر وانا ان له لحافظون. اشتملت على فوائد عديدة. الاولى والثانية ان القرآن كلام الله غير مخلوق. وان الله تعالى علي على خلقه وهذا مأخوذ من قوله نزلنا الذكر فانه نزل به جبريل من الله العزيز العليم فكونه نازلا من عند الله يدل على علو الله. وكونه ايضا من عنده يدل على انه كلام الله. فان الكلام صفة للمتكلم ونعت من نعوته. الثالثة عظمة القرآن ورفعة قدره وعلو شأنه. حيث اخبر تعالى في هذا هذه الاية بما اخبر انه الذي تولى انزاله وحفظه ولم يكل ذلك الى احد من خلقه. الرابعة ان القرآن مشتمل على كل ما يحتاج العباد اليه من امور الدنيا وامور الدين. ومن الاحوال الظاهرة والباطنة. فان معنى الذكر انه متضمن لتذكير العباد وتنبيههم لكل ما يحتاجون اليه. فتتعلق به منافعهم ومصالحهم. والامر كذلك فانه مشتمل على امور الدين والدنيا ومصالحهما على اكمل وجه واشمله. بحيث لو تذكر الخلق بتذكيره بحيث لو تذكر الخلق بتذكيره ومشوا على ارشاده فاستقامت لهم جميع الامور. ولا اندفعت عنهم الشرور. ولهذا اكثر الله في القرآن الكريم من حث العباد على الاهتداء به في كل شيء. والتفكر والتدبر لمعانيه النافعة ويترتب على هذا المعنى الفائدة الخامسة. وهي ان من قام بالقرآن وتذكر به كان رفعة له وشرفا وفخرا وحسن ذكر وثناء. وبهذا اول قوله تعالى وانه لذكر لك ولقومك اي شرف ورفعة لمن به واستقام عليه السادسة ان التذكير بغيره غير مقيد ولا مجد على صاحبه نفعا. لانه اذا ثبت وتقرر انه مادة التذكير بجميع المنافع علم ان ما ناقضه وخالفه فهو بضد هذا الوصف. ولهذا اتى بالف واللام المفيدة للاستغراق والعموم. السابعة انه اتى بما يوافق العقل الصحيح والفطر فليس فيه شيء مخالف ولا مناقد للمحسوس. ولا معاكس للقياس الصحيح ولا مضاد للعدل والقسط الميزان والحق لان الله سماه ذكرا. والذكر هو الذي يذكر العباد ما تقرر في فطرهم السليمة الصحيحة من الحق والحث على الخير والنهي عن الشر. فهو مذكر لهم ما عرفوه مجملا. ولم يهتدوا الى كثير تفاصيله فبه تزداد العقول وتتفتق الاذهان وتزكو الفطر. ولشيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله في هذا المعنى كتاب موافقة العقل الصحيح للنقل الصحيح. الثامنة والتاسعة ان الله تكفل بحفظه حال انزاله. فلا يمكن ان يقربه شيطان في غيره ويزيد فيه وينقص او يختلط بغيره بل نزل به القوي الامين جبريل على قلب الرسول محمد صلى الله عليه وسلم. القلب الذكي الذكي الذي هو اكمل قلوب الخلق على اطلاق وضمن الله لرسوله قرآنه وبيانه فاذا قرأناه فاتبع قرآنه ثم ان علينا بيانه تكفل الله ايضا بحفظه بعدما نزل وتقرر. فاكمله الله تعالى واكمل به على عباده النعمة. واستحفظه لهذا هذه الامة على اختلاف طبقات علمائها وائمتها ووكلهم به وائتمنهم عليه. فكل قرن حمل عدوله وازكياءه الذين ضمن الله لهم العصمة عند اتفاقهم. الفاظه ومعانيه غضة طرية لا تغيير فيها ولا تبديل. وكل من اراد ادخال شيء فيه او اخراج شيء منه قيض الله من يذب عنه ويحفظه. وهذا من حفظه ويؤيد هذا الفائدة العاشرة ان هذا من ادلة صدقه وصدق ما اشتمل عليه وصدق من جاء به وهو محمد صلى الله عليه سلم فانه تعالى خبر بانه انزل وانه حافظ له فوقع كما اخبر الله تعالى. فصار هذا اية القلب وكثرة المطالب المهمة كان افضله واعلاه ما كان انفع للعبد واصح من غيره. واجمع لكل خير وتلك ادعية القرآن التي اخبر الله بها عن انبيائه ورسله وعباده الاخيار التي كان سيد المرسلين يختار على غيرها. ولما كان من شروط الدعاء وادابه حضور القلب الداعي واستحضاره لمعاني ما يدعو به. احببت ان ان انبه تنبيها لطيفا على معاني ادعية القرآن. ليسهل استحضارها فيعظم انتفاع العبد بها. فافضل ادعية القرآن وافرادها قوله تعالى اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين انعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين. هي علمنا يا ربنا والهمنا ووفقنا بسلوك صراط الذين انعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين. المشتمل على علم لما يحبه الله ورسوله ومحبته وفعله على وجه الكمال وعلم ما يكرهه الله ورسوله ويغضبه وتركه من كل وجه حقيقة زلك ان الداعية بهذا الدعاء يسأل الله تعالى ان يهديه الصراط المستقيم المتضمن لمعرفة الحق والعمل به ويجنبه طريق المغضوب عليهم الذين عرفوا الحق وتركوه وطريق الضالين الذين عن الحق فلم يعرفوه. ومن اجمع الادعية وانفعها دعاء ارباب الهمم العالية. الذين جمع الله لهم بين خير الدنيا والاخرة. قال تعالى ومنهم من يقول ربنا اتنا في الدنيا حسنة وفي الاخرة حسنة وقنا عذاب النار. فصدروا دعاءهم بقولهم ربنا وذلك متضمن لاستحضارهم معنى تربية الله العامة. وهو الخلق والتدبير وايصال ما به تستقيم الابدان. والتربية الخاصة لخيار خلقه. الذي حين رباهم بلطفه واصلح لهم دينهم ودنياهم. وتولاهم فاخرجهم من الظلمات الى النور. وهذا متضمن الى ربهم وانهم لا يقدرون على تربية نفوسهم من كل وجه. فليس لهم غير ربهم يتولاهم ويصلح ولهذا كانت اغلب ادعية القرآن مصدرة بالتوسل الى الله بربوبيته. لانها اعظم الوسائل على الاطلاق التي تحصل بها المحبوبات. وتندفع بها المكروهات. حسنة الدنيا اسم جامع للعلم النافع والعمل الصالح وراحة القلب والجسم والرزق الحلال الطيب. من كل مأكل ومشرب وملبس ومنكح ومسكن ونحوها فهي اسم جامع لحسن الاحوال وسلامتها من كل نقص. واما حسنة الاخرة فهي كل ما اعده الله لاولياءه في دار كرامته مما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. ولما كانت حسنة الدنيا والاخرة تمامها وكمالها الحفظ من عذاب النار. والحفظ من اسبابه وهي الذنوب والمعاصي. قالوا وقنا عذاب النار. فاشتمل هذا الدعاء على كل خير ومطلوب محمود. ودفع كل شر وعذاب. ولهذا كان النبي الله عليه وسلم يدعو بهذا الدعاء كثيرا. ومن ذلك الدعاء الذي في اخر البقرة الذي اخبر الله على لسان رسوله انه قبله من المؤمنين حين دعوا به ربنا لا تؤاخذنا ان نسينا او اخطأنا. ربنا ولا تحمل علينا اصرا كما حملته على الذين من قبلنا. ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به. واعف عنا واغفر لنا وارحمنا انت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين. ولما كان اخلال العبد بامر الله قد يكون عمدا على وجه العلم. وقد يكون نسيانا وخطأ. وكان هذا القسم غير ناشئ عن عمل القلب الذي هو محل الاثم وعدمه. سألوا ربهم الا يؤاخذهم بالنسيان والخطأ. وذلك عام في جميع الامور. قال الله تعالى قد فعلت. ولما كانت بعض الافعال فيها شدة ومشقة واثار واغلال. لو كلف العباد بها لكان احرى والا يقوموا بها. سألوا الله تعالى الا يحملهم اياها ولا يكلفهم بما لا طاقة لهم به. ليسهل عليهم امره ربهم وتخف عليهم شرائعه الظاهرة. فقال تعالى قد فعلت. ولما كانت ايضا الشرائع التي شرعها الله عبادة لابد ان يحصل منهم التقصير فيها اما بفعل محظور او بترك مأمور وذلك موجب للشر والعقوبة ان لم يغفره الله ويزله قالوا واعف عنا واغفر لنا. فبهذه الامور تندفع المكروهات والشرور كلها ثم سألوا الله بعد ذلك الرحمة التي ينشأ عنها كل خير في الدنيا والاخرة. ولما كان امر الدين والتمكين من فعل الخير وتركه الشر لا يحصل ولا يتم الا بولاية الله وتوليه ونصرته على الاعداء الكافرين من الشيطان وجنوده قالوا انت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين. قال تعالى قد فعلت. فالله تعالى يتولى عبده وييسر لليسرى في جميع الامور فيدفع عنه الشرور. فهو نعم المولى ونعم النصير. ومن هذا دعاء الراسخين في العلم بعد الثناء عليهم بالايمان التام. ربنا لا تزغ قلوبنا بعد اذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة. انك انت الوهاب. فسألوا ربهم وتوسلوا بربوبيته في حصول افضل الوسائل. وهو استقامة القلوب على ما يحبه الله ويرضاه. والثبات على ذلك. وعدم زيغها عن هذه الهداية. واجل المقاصد وهو حصول رحمة الله تعالى. التي يحصل معها خير الدنيا والاخرة. وختموا دعاءهم بالتوسل الى ربهم باسمه الوهاب. اي كثير العطايا واسع الكرم فمن كرمك يا وهاب اسألك الاستقامة وعدم زيغ القلوب. وان تهب لنا من لدنك رحمة. لان الرحمة التي من لدنا لا يقادر قدرها ولا يعلم ما فيها من البركة والخيرات الا الذي وهبهم اياها. ويشبه ان يكون قولهم ربنا انك جامع الناس ليوم لا ريب فيه. ان الله لا يخلف الميعاد. توسلا الى ربهم بايمانهم بهذا اليوم وتصديق ربهم في وعده ووعيده. فان التوسل الى الله بالايمان ومنة الله به من الوسائل المطلوبة فيكون هذا من تمام دعائهم. كذلك دعاء المتقين الذين اعد لهم الجنة وما فيها. الذين يقولون ربنا اننا امنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار. فتوسلوا بربوبية الله لهم وبايمانهم ان يغفر لهم الذنوب وان يقيهم عذاب النار. واذا غفرت ذنوبهم ووقاهم الله عذاب النار. زال عنهم الشر باجمعه. وحصل لهم الخير باجمعه. لان الادعية هكذا تارة تأتي مطابقة لجميع مطالب العبد. وتارة ان يذكر نوع منها ويدخل الباقي باللزوم كهذا الدعاء. ومما اتى فيه الدعاء بجميع المطالب على وجه دعاء اولي الالباب وخواص الخلق حيث قالوا بعدما تفكروا بما في ملكوت الله ربنا ما خلقت هذا باطل سبحانك فقنا عذاب النار. ربنا انك من تدخل النار فقد اخزيته. وما للظالمين من الانصار. ربنا اننا سمعنا مناديا ينادي للايمان ان امنوا بربكم فامنا. ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الابرار. ربنا واتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة انك لا تخلف الميعاد. فتوسلوا بربوبية الله وكرروا هذا التوسل واقرارهم بحكمة الله وصدق وعده ووعيده وايمانهم برسل الله حين دعوهم الى الايمان ومنة الله عليهم مبادرة بذلك ان يقيهم عذاب النار. وان يغفر ذنوبهم الكبار. ويكفر عنهم سيئاتهم الصغار. فيدفع عنهم اعظم العقوبات. وهو عذاب النار. ويزيل عنهم اسباب الشرور كلها. وهي الذنوب والسيئات. وان يرزقهم الله ويوفقهم لاعمال البر كلها. فيصير بذلك من عباد الله الابرار. وان يثبتهم عليها حتى يموتوا عليها فيدخلوا في معية الابرار. وان يؤتيهم ما وعدهم على السنة رسله. وذلك شامل لعطايا الدنيا وخيراتها وعطايا الاخرة وكراماتها. وان يكرمهم يوم القيامة ولا يخزيهم. وحقيق بقوم دعوا بهذه الادعية الجليلة بحيث ما بقي خير الا سألوه ولا شر الا استدفعوه ان يسميهم الله اولي الالباب. فهذا من لبهم وعقلهم وتمام فطنتهم. نسأله تعالى ان يوفقنا لما وفقهم له. انه جواد كريم. ومن ذلك دعاء الانبياء في مواطن الشدائد وانواع المحن. وما كان قولهم الا ان قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا واسرافنا انا في امرنا وثبت اقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين. فاتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب في الاخرة. والله يحب المحسنين. فدل هذا على ان هذا الدعاء من الدعاء الذي استجابه الله. وان اهله محسنون فيه وذلك انهم توسلوا الى الله بربوبيته فافتقروا اليه وطلبوا ان يربهم بما يصلح احوالهم. وان غفر لهم الذنوب وهي المعاصي المستقلة واسرافنا في امرنا. وهي تعدي ما حد للعبد ونهي عن مجاوزته. فكما ان تقصير يلام عليه الانسان. فكذلك المجاوزة للحد. وان يثبت اقدامهم فيرزقهم الصبر والثبات والقوة التي هي مادة النصر. وان يمدهم بمدده الالهي. وهو نصره على القوم الكافرين. فسألوا ربهم زوال المانع من مصر وهي الذنوب والاسراف وحصول سبب النصر. وهو نوعان سبب داخلي وهو ثبات الاقدام والصبر عند والله ذو الفضل العظيم. وكذلك دعاء يوسف عليه السلام. رب قد اتيتني من الملك. وعلمتني من تأويل الاحاديث فاطر السماوات والارض انت وليي في الدنيا والاخرة. توفني مسلما والحقني بالصلاة وسبب خارجي وهو نصره. ويشبه ان يكون قولهم على القوم الكافرين توسلا الى الله. واننا يا ربنا امنا بك واتبعنا رسلك وحاربنا اعداءك الذين كفروا بك وبرسلك. فمعاداتنا لهم بالنا اياهم لاجلك وفي سبيلك فانصرنا عليهم لكوننا من حزبك وجندك. وهم جنود عدوك الشيطان الرجيم ومن ذلك دعاء عباد الرحمن الذين وصفهم الله بكل خلق جميل. واعد لهم المنازل العالية. فدعوا بدعوة دعوة استجيبت لجميعهم كامل الدرجة ومن دونه. ودعوة استجيبت لخواصهم وائمتهم وقدوتهم قال تعالى وعباد الرحمن الذين يمشون على الارض هونا الى ان قال عنهم والذين يقولون ربنا عنا عذاب جهنم ان عذابها كان غراما. فتوسلوا بربوبية الله لهم وايمانهم وخوفهم من ان يقيهم عذاب النار. واذا وقاهم الله عذاب النار كان من لازم ذلك مغفرة ذنوبهم وتكفيرهم سيئاتهم ودخولهم الجنة. وقال تعالى عنهم والذين يقولون ربنا هب لنا من ازواجنا وذرياتنا قرة اعين وجعلنا للمتقين اماما. فتوسلوا بربوبية الله ان يهب لهم من ازواجهم وقرنائهم وذريتهم ما تقر اعينهم به. وهو ان يكونوا مطيعين لله عاملين بمرضاته. وذلك دليل على ان طاعة الله قرة اعينهم ومحبته نعيم قلوبهم. فقويت هذه الحالة الى ان سألوا الله تعالى ان يجعل قرنائهم بهذه الحال الكاملة وذلك من فضل الله عليهم. فان الله اذا اصلح قرنائهم عاد من هذا الخير عليهم شيء كثير ولهذا جعلوا هذا من مواهب ربهم. فقالوا ربنا هب لنا الى اخره. ولما كان غاية الانسان ان يكون مطيعا عن لله وان يكون قرينا للمطيعين. سألوا ربهم اعلى المراتب واجلها. وهي الامامة في الدين. وان يكونوا قدوة للمتقين. وذلك ان يجعلهم علماء ربانيين راسخين في العلم مجتهدين في تعلمه وتعليمه والدعوة اليه. وان يكون علمهم صحيحا. بحيث ان من اقتدى بهم فهو من المتقين. وان يرزقهم من الاعمال الظاهرة والباطنة ما يصيرون به ائمة للمتقين. وجماع ذلك الصبر على محبوبات الله. وثبات على ذلك والايقان بايات الله. وتمام العلم بها. قال تعالى وجعلنا منهم ائمة يهدون بامرنا لما صبروا وكانوا باياتنا يوقنون. فالحاصل انهم سألوا ربهم ان يكونوا كاملين مكملين لغيرهم هادين مهتدين. وهذه اعلى الحالات. فلذلك اعد الله لهم اعلى غرف الجنان. اولئك اولئك الذين يجزون الغرفة بما صبروا. ويلقون فيها تحية وسلاما. خالدين فيها مستقرا ومقاما. ومن ذلك دعاء ادم عليه السلام حين تاب الى الله وتلقى منه هذه الكلمات هو وزوجه قالا ربنا ظلمنا انفسنا. وان لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين فتوسلا بربوبية الله واعترافهم بالظلم. واقرارهم بالذنب ان يغفر لهما فيزيل عنهما المكاره كلها وان يرحمهما فيعطيهما انواع المطالب. وانه لا وسيلة لهما ولا ملجأ منه الا اليه. وانه لئن لم يرحمهم ويغفر لهما خسرا الدنيا والاخرة. فقبل الله دعاءهما وغفر لهما ورحمهما. ومثل قول نوح لما الله بسؤال نجاة ابنه الكافر الذي ليس من اهله. وان هذا عمل غير صالح. فقال ربي اني اعوذ بك كأن اسألك ما ليس لي به علم. والا تغفر لي وترحمني اكن من الخاسرين. فتوسل بربوبية الله استعاذ به ان يسأله سؤالا ليس له به علم. وانما حمله عليه مجرد محبة النفس. لا ارادة رضا الله اعترف بان هذا الذي جرى منه يوجب التضرع والاستغفار. وانه ان لم يغفر له ربه ويرحمه كان من الخاسرين فالناس قسمان رابحون وهم الذين تغمدهم الله بمغفرته ورحمته وخاسرون. وهم الذين فاتتهم المغفرة والرحمة. ولا يحصل ذلك الا بالله. ومن ذلك دعاء ابراهيم خليل الرحمن. وابنه اسماعيل وهما يرفعان قواعد البيت. ربنا تقبل منا انك انت السميع العليم. ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتك امة مسلمة امة مسلمة لك وارنا مناسكنا وتب علينا انك انت التواب الرحيم. تتضرع الى ربهم في قبول الله عملهما. وان يكون كاملا من كل وجه. وتحصل منه الثمرات النافعة اليه بانه السميع لاقوالهما. العليم بجميع احوالهما. ولما دعوا بهذا الدعاء الخاص في قبول عملهما الله اجل الامور واعلاها. وهو ان يمن الله عليهما وعلى من شاء من ذريتهما بالاسلام لله ظاهرا وباطنا والعمل بما يحبه ويرضاه. وان يعلمهما العمل الذي شرعا فيه. ويكمل لهما مناسكهما علما ومعرفة عملا وان يتوب عليهما لتتم امورهما من كل وجه. فاستجاب الله هذا الدعاء كله. وبارك فيه وحقق رجاءه صالحين. فتوسل الى الله بربوبيته وبنعمة الله عليه. بنعمة الدنيا وهي الملك وتوابعه ونعمة الدين. وهي الكامل وبولاية الله وانقطاعه عن غيره. وتولي الله له في الدنيا والاخرة. وان يثبته على الاسلام الظاهر والباطن حتى يلقاه عليه. فيدخله في خلص عباده الصالحين. ومن ذلك دعاء سليمان عليه السلام رب اوزعني ان اشكر نعمتك التي انعمت علي وعلى والدي. وان اعمل صالحا ترضاه وادخلني برحمتك في عبادك الصالحين. فتوسل الى الله بربوبيته وبنعمته عليه وعلى والديه ان يوزعه ان يلهمه ويوفقه لشكرها بالاعتراف بها ومحبته لله عليها. والثناء عليه والاكثار من ذكره. وان يوفقه عملا صالحا يرضاه. ويدخل في هذا جميع الاعمال الصالحة. ظاهرها وباطنها. وان يدخله برحمته في جملة عباده الصالحين. وهذا الدعاء شامل لخير الدنيا والاخرة. ومثل هذا دعاء الذي بلغه الله اشده وبلغه اربعين سنة ومن عليه بالانابة اليه فقال رب اوزعني ان اشكر نعمتك التي انعمت علي وعلى والدي وان اعمل صالحا ترضاه واصلح لي في ذريتي اني تبت اليك واني من المسلمين تتوسل بربوبية ربه له. وبنعمته عليه وعلى والديه. وبالتزام ترك ما يكرهه ربه. بالتوبة وفعل يحبه بالاسلام ان يمن عليه بالشكر المتضمن لاعتراف القلب وخضوعه ومحبته للمنعم. والثناء على الله مطلقا ومقيدا. وان يوفقه لما يحبه الله ويرضاه. ويصلح له في ذريته. فهذا دعاء محتو على صلاحه العبد واصلاح الله له اموره كلها. واصلاح ذريته في حياته وبعد مماته. وهو دعاء حقيق بالعبد خصوصا اذا بلغ الاربعين ان يداوم عليه بذل وافتقار لعله ان يدخل في قوله اولئك الذين نتقبل عنهم احسن عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم في اصحاب الجنة. وعد الصدق الذي كانوا يوعدون. قوله تعالى في ثم تولى الى الظل مستريحا لتلك الظلال بعد التعب. فقال في تلك الحالة مسترزقا رباني لما انزلت الي من خير فقير. اي اني مفتقر للخير الذي تسوقه الي وتيسره لي. وهذا سؤال منه بحاله السؤال بالحال قد يكون ابلغ من السؤال بلسان المقال. فلم يزل في هذه الحالة راجيا ربه متملقا مفتقرا اليه معلقا رجاءه بالله وحده حتى فرج كربه وجلى همه والله هو الرزاق. ومن الادعية التي امر الله بها رسوله وعباده المؤمنين فقال وقل رب اغفر وارحم وانت خير الراحمين. فهذا توسل الى الله ورحمته الواسعة في حصول الخير ودفع الشر كله. وهي المغفرة التي تندفع بها المكروهات. والرحمة التي بها جميع المحبوبات. وكذلك قوله وقل رب ادخلني مدخل صدق واخرجني مخرج صدق. واجعل لي من لدنك كسلطانا نصيرا. فهذا توسل الى الله بربوبيته. ان تكون مداخل العبد ومخارجه كلها صدقا. وذلك ان تكون صالحة خالصة لوجه الله. مقرونة بالاستعانة بالله والتوكل عليه. وذلك يستلزم ان تكون حركات العبد كلها ظاهرها وباطنها طاعة لله وعملا بما يحبه ويرضاه. وهذا هو الكمال من جهة العمل. واما الكمال من جهة العلم فانه يجعل الله له سلطانا نصيرا. اي حجة ظاهرة وقوة يحصل بها نصر الحق. وقمع الباقي اطل فيحصل باستجابة هذا الدعاء العلم النافع والعمل الصالح والتمكين في الارض. وقال تعالى لرسوله وقل رب بزدني علما فالعلم اجل الاشياء. وبه تعرف جميع الاشياء. فسؤاله وسؤال الزيادة منه. من افضل ما سأل سائلون ومن اجمع الادعية واحسنها توسلا. دعاء موسى عليه السلام حين تضرع الى ربه فقال انت ولي هنا فاغفر لنا وارحمنا وانت خير الغافرين. واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الاخرة انا هدنا اليك فتوسل الى وليه بولايته لعبده وحسن تدبيره وتربيته ولطفه على حصول المغفرة والرحمة. وكذلك توسل بكمال مغفرة الله وسعة جوده على هذا. ورتب على هذا حصول حسنة الدنيا والاخرة فانه اذا حصلت المغفرة زالت الشرور كلها والعذاب كله. واذا حصلت الرحمة حل الخير وحسنات الدنيا والاخرة فيكون قوله واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الاخرة نظير قوله ربنا اتنا في الدنيا حسنة وفي الاخرة حسنة. مع زيادة التوسل بولاية الله. وكمال غفرانه. ومع طلب مغفرته ورحمته. الذين به فيما تنال حسنة الدنيا والاخرة. ثم ختم دعاءه بالتوسل الى ربه. بالاقبال اليه والانابة اليه والتذلل فقال انا هدنا اليك. اي رجعنا اليك في مهماتنا وامورنا. لا نرجع الى غيرك لعلمنا انه لا يكشف السوء ولا يجيب المضطر الا انت. ورجعنا اليك في عباداتنا الظاهرة والباطنة. ومن ذلك دعاء واصحاب الكهف اذ فروا الى الله بدينهم فقالوا ملتجئين اليه. ربنا اتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من امرنا رشدا وتضرعوا اليه ان يؤتيهم من لدنه رحمة. بحيث اذا حلت عليهم سلم لهم دينهم. وحفظهم من الفتن وانالهم بها الخير. وان يهيئ لهم من امرهم رشدا. ان ييسرهم لليسرى ويسهل لهم الامور الى ارفق الاحوال. فاستجاب لهم هذا الدعاء ونشر عليهم رحمته. وحفظ اديانهم وابدانهم. وجعل في بركة على انفسهم وعلى غيرهم. ومن ذلك دعاء حملة العرش ومن حوله من الملائكة المقربين. حين دعوا للمؤمنين ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما. فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم. ربنا ادخلهم جنات عدن التي وعدتهم. ومن صالح من ابائهم وازواجهم وذرياتهم. انك انت العزيز الحكيم وقهم السيئات ومن تقي السيئات يومئذ فقد رحمته. وذلك هو الفوز العظيم هذا دعاء جامع وتوسل نافع. فتوسلوا بربوبية الله تعالى وسعة علمه ورحمته. المتضمن علمه بحال المؤمنين وما خلقهم عليه من الضعف ورحمته اياهم لكونه جعل الايمان اعظم وسيلة تنال بها رحمته. ان يغفر للمؤمنين الملتزمين للايمان وهم الذين تابوا مما يكرهه الله واتبعوا سبيله بالتزام ما يحبه ويرضاه فيغفر ذنوبهم ويقيهم اشد العذاب وهو عذاب الجحيم. وان ينيلهم اعظم الثواب. وهو دخول جنات عدن التي وعدهم على رسله وتمام ذلك ان يقر اعينهم باجتماعهم بابائهم وازواجهم وذرياتهم الصالحين. ثم توسل بكمال عزة الله وكمال حكمته. لان المقام يناسب هذا. فمن كمال عزته واقتداره ان يحفظهم ويحول بينهم وبين السيئات ويصرف عنهم السيئات وينيلهم انواع المثوبات. ومن كمال حكمته ان الموصوفين بتلك الصفات هم اهل لان يغفر لهم ويرحمهم عنهم السوء وينيلهم الاجر. ولما دعوا ان يغفر لهم السيئات التي فعلوها دعوا الله ان يقيهم سيئات انفسهم الامارة بالسوء. بان يحبب اليهم الايمان ويزينه في قلوبهم ويكره اليهم الكفر والفسوق والعصيان ويجعلهم من الراشدين. وان من لازم وقاية السيئات حصول رحمة الله وهذا دعاء عظيم صادر من اعظم الخلق معرفة بالله. ولذلك وصف الله من حصلت له هذه الامور بالفوز بكل مطلوب. والنجاة من كل مرهوب. فقال وذلك هو الفوز العظيم. وكذلك دعاء الذين تابعوا المهاجرين والانصار باحسان. حيث قال تعالى عنهم والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولاخواننا ولاخواننا الذين سبقونا بالايمان. ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين امنوا ربنا انك رؤوف رحيم. تتضرعوا الى ربهم وتوسلوا اليه بربوبيته ونعمته عليهم بالايمان وبسعة رحمته ورأفته ان يغفر لهم ولجميع اخوانهم الذين سبقوهم بالايمان. وان يصلح الله قلوبهم من الاجتماع على الايمان ومحبة بعضهم بعضا. والا يجعل في قلوبهم ادنى غل لكل من اتصف بالايمان. وهذا دعاء يتضمن حصول الخير لهم ولاخوانهم. ودفع الشر عنهم وعن اخوانهم. وقد اخبر الله ان انبيائه تضرعوا اليه في مطالب خاصة ومطالب عامة. وتوسلوا بكمال اسمائه وصفاته. وبما من الله عليهم به من الايمان والنعم والدنيوية. وبما كانوا عليه من الفقر والضعف. وشدة الضرورة الى ربهم في جميع امورهم. فهذه الادعية التي امر الله بها وحث عليها ومدح اهلها هي الادعية النافعة التي لا يليق بالعبد ان يختار عليها غيرها من الادعية المصطلحة والالفاظ المخترعة التي لا نسبة لها الى هذه الالفاظ القرآنية. ان هذا القرآن يهدي هي اقوم من الاعمال والاقوال الباطنة والظاهرة. ومن ذلك الادعية. وكم في السنة من الادعية النبوية مما يوافق الادعية القرآنية. فنسأله تعالى ان يهدينا لاحسن الامور. ويصرف عنا جميع الشرور. انه جواد كريم الرؤوف الرحيم. فصل اذا وفق الحاكم ان يحكم بالحق والعلم لا بالجهل والباطل. وبالعدل وحسن بالظلم واتباع الهوى. فقد سلك سبيل الانبياء. قال تعالى لداود يا داوود انا جعلناك خليفة في الارض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله. ان الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد. بما نسوا يوم الحساب. قوله تعالى وينجي الله الى الجنة زمرا الى اخرها. الاخلاص لله تعالى اعظم الاسباب لعون الله للعبد على جميع اموره. ولثبات قلبه وعدم انزعاجه عند المقلقات والشدائد. قال الله تعالى يا ايها الذين امنوا ان تنصروا الله ينصركم ويثبت اقدامكم. اي اذا كان قصدكم في جهاد الاعداء نصر الله. وان تكون كلمته هي العليا نصركم الله على اعدائكم وثبت اقدامكم في مواطن اللقاء. فالنصر سبب خارجي وتثبيت الاقدام سبب داخلي وبهذين الامرين يتم الامر. كثيرا ما يدور على السنة الناس اذا اراد الله امرا هينا اسبابه دليل ذلك في القرآن قوله اذ يريكهم الله في منامك قليلا. ولو اراكهم كثيرا لفشلت ولتنازعتم في الامر ولكن الله سلم انه عليم بذات الصدور. واذ يريكم وهم اذ التقيتم في اعينكم قليلا. ويقللكم في اعينهم ليقضي الله امرا كان مفعولا قوله تعالى هو الذي اخرج الذين كفروا من اهل الكتاب من ديارهم لاول الحشر. ما ظننتم ان اخرجوا وظنوا انهم مانعتهم حصونهم من الله. فاتاهم الله من حيث لم يحتسبوا قذف في قلوبهم الرعب. يخربون بيوتهم بايديهم وايدي المؤمنين. فاعتبروا يا اولي الابصار ما اضعف اليقين في قلوب كثير من المؤمنين. تجدهم الان قد استولى عليهم اليأس. وظنوا ان امر الافرنج الغربيين الان سيظهر وسيدوم. وان اهل الايمان لا قيام لهم. وانهم لابد مغلوبون واعدائهم لابد غالبون. وسبب نظرهم الى الاسباب المدركة بالحس. وقصرهم النظر عليها ولم يقع في قلوبهم ان وراء الاسباب المشاهدة اسباب حسابا غيبية اقوى منها. وامورا الهية لا تعارض ولا تمانع. وافات تطرأ وقوات تزول عفوا يزول وامورا لا تدخل تحت الحساب. فهؤلاء اهل الكتاب ذو القوة والشوكة قد غرتهم انفسهم. وظنوا ان حصونهم مانعتهم. وانهم يمتنعون فيها ولم يخطر في قلوب المؤمنين خروجهم منها. حتى جاءهم من الله مالا يكونوا يحتسبون واستولى عليهم الضعف والخراب من حيث لا يشعرون. وللكافرين امثالها. فالمؤمن حقا هو والذي ينظر الى قدر الله وقضائه. وما له من العزة والقدرة. ويعلم ان هذا لا تعارضه الاسباب وان عظمت. وان نمو الاسباب ونتاجها اذا لم يعارضها القدر. فاذا جاء القدر اضمحل عذر كل شيء. ولكن الاسباب محل حكمة وامره فامر المؤمنين بالاستعداد لعدوهم ظاهرا وباطنا. فاذا فعلوا المأمور ساعدهم المقدور تعالى والذين تبوأوا الدار والايمان من قبلهم يحبون من هاجر اليهم. لا يمكن ان تكون القبلية في قبره قوله من قبلهم راجعة الى الدار دون الايمان. لان اللفظ لا يساعد على هذا. لان الوصف بالجار والمجرور لا يصلح الا ان يعود على المعطوف والمعطوف عليه. فالى اين يعود وقد علم وتقرر ان المهاجرين قد تقدم كثير منهم على الانصار. فالجواب ان هذا عائد الى الدار والايمان على اللفظ المصرح به. وهو التبوؤ والاستقرار ومعنى هذا ان اهل الايمان لهم حال تبوء وتمكين. يتمكنون فيه من اقامة دينهم وقيامه في انفسهم وفي غيرهم ولهم حال وجود للايمان منهم دون تمكين. فلم يحصل التمكين الا بعدما هاجروا الى المدينة وصار لهم دار اسلام. واما قبل ذلك فهم وان كانوا مؤمنين. لكنهم في حالة ذلة وقلة. محكومون مقهورون خائفون على انفسهم. وبهذا يتبين المعنى. التجارات نوعان احدهما تجارة ربحها الجنات انواع الكرامات وصنوف اللذات. وهي تجارة الايمان والجهاد في سبيل الله. قال تعالى يا ايها الذين امنوا هل كلكم على تجارة تنجيكم من عذاب اليم. تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله باموالكم انفسكم الى اخر الايات. فهؤلاء الرابحون حقا. وهم الذين تحققوا بالايمان ظاهرا وباطنا في علوم الايمان ومعارف الايمان. في اعماله الباطنة كمحبة الله ورسوله وخشية الله وخوفه ورجائه. وفي هذه الظاهرة كالاعمال البدنية والمالية المركبة منها. وجاهدوا انفسهم على هذا وجاهدوا اعداء الله بالحجة والبرهان والسيف والسنان. وثانيهما تجارة ربحها الخسران واصناف الحسرات. وهي كل تجارة مشغلة عن طاعة الله ومفوتة لتلك التجارة الرابحة. قال تعالى واذا رأوا تجارة او لهوا انفضوا اليها وتركوك قائما. قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة. والله خير الرازقين وكم في القرآن من مدح تلك التجارة والحث عليها والثناء على اهلها. ومن ذم التجارة الاخرى والزجر عنها والذم لاهلها واهل التجارة الرابحة اذا اشتغلوا بتجارة المعاش لم تكن قاطعة لهم عن تجارتهم. بل ربما كانت عونا لهم عليها اذا احسنوا فيها النية. وسلموا من المكاسب الردية. واخذوا منها مقدار الحاجة. قال وهو ذكر الله وامهات العبادات وعطف البيعة على التجارة. وان كان البيع داخلا فيها لانه اعظم الاسباب التي تحصل بها التجارة وانواع المكاسب وابركها. والله اعلم. سورة مريم عليها السلام قد اشتملت على تفاصيل عظيمة من ذكر رحمة الله بانبيائه واصفيائه واحبابه وما من عليهم به في الدنيا من نعم الدين والدنيا والنعم الظاهرة والباطنة. وما يكرمهم به من الذكر الجميل والثناء الحسن. ووصفهم باحسن اوصافهم ونعتهم باشرف نعوتهم وما يكرمهم به في الاخرة من الثواب والفضل العظيم. وذكر رحمته ايضا باعدائه حيث عاملهم بالحلم والصفح. وتصريف الايات لعلهم يرجعون مع عظم ما اتوا به من الشرور وعظائم الامور ولذلك اكثر الله فيها من ذكر اسمه الرحمن. الذي هذه اثاره ومن ذكر الرحمة. فنسأله تعالى ان يدخلنا برحمته في عباده الصالحين. قوله تعالى يا يحيى خذ الكتاب بقوة. ذكر كثير من المفسرين ان تقديره فوهبنا له يحيى وقلنا يا يحيى الى اخره. ولا يحتاج الى هذا. فانه صرح اولا بهباته يحيى في يا زكريا انا نبشرك بغلام اسمه يحيى. فلو ذكر بعد ذلك لكان تكريرا لا يحتاج قوله تعالى فخلف من بعدهم خلف اضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا عذابا مضاعفا شديدا. اتبعوا الشهوات بمعنى ارادوها. وصارت هي هممهم. وانقادوا لها وصاروا مطيعين لها. فلذلك قال واتبعوا ولم يقل تناولوا واكلوا ونحوه. لهذا المعنى لان هذا الذنب انما يتناول متبعي الشهوات. فمهما اشتهت نفوسهم فعلوه على انه المقصود المتبوع. ومن المعلوم ان النفس من انها امارة بالسوء. فاذا كان هذا طبعها علم ان ذمهم على اتباع الشهوات يدخل فيه المعاصي كلها فلذلك رتب على هذا العقاب البليغ في قوله فسوف يلقون غيا. وهذا بخلاف المؤمن المطيع لله. فان انه وان تناول الشهوات بل يتناولها على وجه تكون هي تابعة لغيرها لا متبوعة. وخواص المؤمنين يتناولون الشهوات بقصد التوسل بها الى القربات. فتنقلب طاعات. ونظير هذا ان الذي تناوله الذم هو باعوا الهوى وهو كونه متبوعا بان يتخذ العبد الهه هواه. لا مجرد ان يكون للعبد هوى. فكل احد له هوى ولكن المؤمن كما قال تعالى واما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فان الجنة هي المأوى. قوله تعالى رب السماوات والارض وما بينهما فاعبده واصطبر لعبادته هل تعلم له سم يا اشتملت على اصول عظيمة على توحيد الربوبية وانه تعالى رب كل شيء خالقه ورازقه ومدبره. وعلى توحيد الالهية والعبادة. وانه تعالى الاله المعبود. وعلى ان ربوبيته موجبة لعبادته وتوحيده. ولهذا اتى فيه بالفاء في قوله فاعبده. الدالة على السبب. اي فكما انه رب كل شيء فليكن هو المعبود حقا فاعبده. ومنه الاصطبار لعبادته تعالى وهو جهاد النفس وتمرينها وحملها على عبادة الله تعالى. فيدخل في هذا اعلى انواع الصبر. وهو الصبر على الواجبات والمستحبات. والصبر عن المحرم المحرمات والمكروهات. بل يدخل في ذلك الصبر على البليات. فان الصبر عليها وعدم تسخطها والرضا عن الله بها من اعظم العبادات الداخلة في قوله واصطبر لعبادته. واشتملت على ان الله تعالى كامل الاسماء والصفات عظيم النعوت جليل القدر. وليس له في ذلك شبيه ولا نظير ولا سمي. بل قد تفرد بالكمال المطلق من جميع الوجوه والاعتبارات. ودل على هذا اكبر الادلة على انه الذي لا تنبغي العبادة الظاهرة والباطنة القلبية والبدنية والمالية الا لوجهه الكريم خالصة مخلصة. كما خلص له الكمال والعظمة والكبرياء والمجد والجلال ومنها بطلان الشرك عقلا ونقلا. فكيف يليق بالعاقل ان يجعل المخلوق الناقص؟ الذي لا يملك لنفسه ولا لغيره نفعا ولا ضرا. ولا موتا ولا حياة ولا نشورا. مدا لمن لا كفؤ له ولا سمي. ولا بوجه من الوجوه فهل هذا الا من السفه والضلال والجهل المفرط والضرر من كل الوجوه؟ ودلت على ان الشركة قد تقرر في العقل قبحه. وان التوحيد قد تقرر في العقل حسنه. فكما لا سمي لله فلا احسن من عبادته واخلاص العمل له. ولا انفع للعبد من ذلك. ولا اصلح ولا ازكى. ومن المتقرر شرعا ان الاحسان في عبادة الله تعالى هو سبب كل خبر عاجل واجل بل سبب لاعلى المراتب واكمل الثواب. هو كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ان تعبد الله كأنك تراه. فان لم تكن تراه فانه يراك. فكلما حقق العبد هذا الامر كان له نصيب وافر من العبادة بل هو اهم الامور. ولهذا امر النبي صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل ان يسأل الله تعالى ان يعينه على ذكره وشكره وحسن عبادته. وهذا امر يقل من الخلق ان يحققه ويتصف به الى وجه الكمال لمشقة ذلك على النفوس. فاذا امتثل العبد لامر ربه بالاصطبار ولعبادته وحبس النفس وتوطينه على احسان العبادة خصوصا افضل العبادات واعظمها. وهي الصلاة. كما امر الله بالاصطبار عليها خصوصا فقال وامر اهلك بالصلاة واصطبر عليها. استنار قلبه بالايمان واشرق نور العرفان في ضميره. وذاق طعم الايمان وباشر حلاوته فانجذب الى عبادة الله واخلاص العمل له. وعلم ان هذا هو الفلاح الدائم والربح المتضمن الذي لا خسارة فيه. فصبر نفسه قليلا ليستريح باعظم اللذات طويلا. وذلك فضل الله يؤتيه من من يشاء والله ذو الفضل العظيم. قوله تعالى ان الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله المسجد الحرام الذي جعلناه للناس الذي جعلناه للناس سواء العاكف فيه والبادئ الى قوله وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود. فيه الذم للذين كفروا وصدوا عن المسجد الحرام عباده المؤمنين من وجهين. من جهة انه مختص به ومنعوا غيرهم مع ان الناس فيه سواء ومن جهة ان المؤمنين احق به منهم. وهذه مرتبة ثانية. فاباحوه للابعدين ومنعوه الاقربين فان الله تعالى امر ابراهيم عليه السلام ان يطهره للطائفين والقائمين والركع السجود. فهؤلاء حق الخلق به لانهم حزب الله واولياؤه. وما كان المشركون اولياءه. ان اولياؤه الا المتقون لولا فضل الله ورحمته لما شرع لعباده الاحكام. ولولا فضله ورحمته لما فضلها وبينها. ولولا ففضله ورحمته. وان الله تواب حكيم. لما وضح ما يحتاج اليه العباد. ويسره غاية التيسير ولولا فضله ورحمته لما شرع اسباب التوبة والمغفرة. ولما تاب على التائبين. ولولا فضله ورحمته لما زكى منكم من احد ابدا. ولكن الله يزكي من يشاء. والله واسع عليم. كما فصل ذلك في صدر سورة النور قوله تعالى وانكحوا الايامى منكم والصالحين من عبادكم ان يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله. والله واسع عليم. وليستعفف الذي حين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله. الى قوله ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء ان اردنا تحصنا لتبتغوا عرض الحياة الدنيا. اشتملت هذه الايات على الامر بالسعي بالاسباب المباحة. التي تنال بها الرزق كالنكاح ونحوه. وعلى ان من لم يحصل له سعة فليلزم تقوى الله تعالى. والكف عن محارم وينتظر فضل الله ورزقه وغناه. وعلى تحريم السعي بالاسباب المحرمة في قوله. ولا تكرهوا فتيات على البغاء والله اعلم. الاعراف موضع بين الجنة والنار. يشرف على كل منهما ليس هو موضع استقرار انما هو موضع اناس تساوت حسناتهم وسيئاتهم. يمكثون فيه مدة كما يشاء الله ثم يدخلون الجنة. وفي ذلك حكم نبه الله تعالى عليها. منها ان هذا منزلة به يستدل على كمال لعدل الله وحكمته وحمده. حيث جعل الله تعالى اسباب الثواب والعقاب. تتجاذب وتتعارض ويقاوم بعضها بعضا فحسناتهم منعتهم من النار. وسيئاتهم منعتهم الجنة في ذلك الوقت. فصاروا وسطا بين الدارين وفي برزخ بين المحلين لتظهر الحكمة اولا. ثم يأتيه الفضل من ذي الفضل العظيم. الذي احاط بالخلق من جميع الوجوه فيغمرها. ويكون الحكم له. ففي هذا من تنويع حمده وتصريفه لعباده ما به يعرف كماله وكمال اسمائه وصفاته وحكمته وعدله وفضله. ومنها ان حالهم من جملة الادلة على سعة الله وان رحمته سبقت غضبه وغلبته بحيث اذا تعارض موجب هذا وموجب هذا صار الحكم قطعا بموجب الرحمة على موجب الغضب. ومما يدل على هذا انه اذا كان في العبد من موجب الرحمة مثقال ذرة من ايمان فانه لابد ان يصير الحكم له ولو عمل موجب الغضب عمله فالعاقبة لموجب الرحمة. ومنها ان الله اذا اراد امرا هيأ اسبابه. فلما قضى تعالى انهم سيدخلون الجنة جعل الطمع والرجاء في قلوبهم. والدعاء ان يجير وهم من النار ولا يجعلهم مع القوم الظالمين على السنتهم. والدعاء مع الرجاء والطمع لا تتخلف عنه الاجابة ومنها ان اهل الاعراف جعلهم الله سببا يعرف به ما يصير اليه اهل الدارين. وما كان عليه اهل الشقاء من النكال والوبال. وما عليه اهل الجنة من السرور والغبطة. ولهذا ذكر الله توبيخهم لرجال يعرفونهم بسيماهم من اهل النار الى غير ذلك من الحكم الالهية فيما يجريه من الاحكام على البرية. قول شعيب عليه السلام ما يكون لنا ان نعود فيها الا ان يشاء الله ربنا. وسع ربنا كل شيء علما. على الله توكلنا بعد قوله قد افترينا على الله كذبا ان عدنا في ملتكم بعد اذ نجانا الله منها. من اعظم الادلة على كمال معرفته بربه. فانه اولا لما بين امتناع عودهم في ملة الكفار بحسب ما كانوا عليه من منة عليه بكراهته الشديدة بملتهم. واغتباطه بانجاء الله له منها. وانهم لو عادوا في ملتهم بعد هذا كان من اعظم الافتراء على الله الذي يمتنع غاية الامتناع ممن هذا وصفه. وكان هذا الامتناع اثرا عما يسر الله له من الاسباب استدرك الامر بعد ذلك. وعلم ان هذا الامتناع بحسب ما وصلت اليه علوم البشر وان علم الله تعالى محيط بعلومهم. فقد يعلمون شيئا ويخبرون ما يترتب على عملهم. مما يكون بحسب حكمة الله تعالى. ومع ذلك فالله غالب على امره. وقد يتخلف العلم الذي علموه واثره الذي حكموا به وقال الا ان يشاء الله ربنا. ثم قرر ذلك بقوله وسع ربنا كل شيء علما ثم لجأ الى اعظم الاسباب الصادرة من العبد. التي بها ينال ما عند الله من خير الدنيا والاخرة. ودفع شرورهما وهو التوكل على ربه. فقال على الله توكلنا. ثم بين ثقته التامة بوعد الله له بالنجاة هو ومن تبعه وهلاك من خالفه فقال ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وانت خير الفاتحين قوله تعالى ام يقولون به جنة؟ بل جاءهم بالحق واكثرهم للحق كارهون. ولو اتبع الحق اهوائهم لفسدت السماوات والارض ومن فيهن. بل اتيناهم بذكرهم فهم عن فكرهم معرضون. دلت على ان مخالفتهم للرسول لاجل ما جاء به الحق. وان عداوتهم الحقيقية للحق ذاته وان السبب في ذلك لان الحق خالف اهواءهم وان اهواءهم فاسدة يمتنع ان يرد الحق بما يوافقها. لان الحق هو صلاح السماوات والارض ومن فيهن. ولو وافق الحق اهواءهم لفسدت السماوات والارض ومن فيهن. فدل هذا على ان الحق جاء بما تشهد العقول الصحيحة والفطر المستقيمة بصحته واعتداله وكماله. وان من خالف الحق فلفساد في عقله وانحراف في فطرته. وانه اختار الضار وعلى النافع. فلهذا قال بل اتيناهم بذكرهم فهم عن ذكرهم معرضون قوله تعالى كل نفس بما كسبت رهينة الا اصحاب اليمين. اي كل نفس مرتهنة محبوسة وموثقة بكثير بها السيء وحبسها في العذاب السيء. وذلك لان الجزاء من جنس العمل. فكما حبس المجرمون ما لديهم لله ولخلقه من اللازمة فلم يؤدوا الصلاة التي هي اكبر العبادات المتضمنة للاخلاص للمعبود. ولا اطعموا المساكين من الحق الذي اوجبه الله لهم في اموالهم. ولحبسوا نفوسهم على ما شرع وقيدوها بقيود الدين. بل اطلقوها فيما شاءوا من المرادات الفاسدة فخاضوا بالباطل مع الخائضين. ولا صدقوا ربهم ورسله مع تواتر الايات. بل كانوا يكذبون بيوم الدين فلذلك حبسوا في هذا المحبس الفظيع وادخلوا في سقر. ولما كان اصحاب اليمين قد حبسوا في الدنيا على شرع الله تصديقا وعملا. واطلقوا السنتهم وجوارحهم في طاعة الله ومرضاته. اطلق الله وفك رهنهم فلم يكونوا في ذلك اليوم مرتهنين. بل كانوا مطلقين فيما اشتهت انفسهم ولذت عيونهم فعمل العبد في الدنيا اما ان يكون سببا لارتهانه او سببا لخلاصه. بل الاصل ان الانسان في حبس وان عمله سيرتهن لانه ظلوم وجهول طبعا الا من خلصه الله من هذا. ومن عليه بالصبر وعمل الصالحات. فلهذا جعل الارتهان عاما واستثنى منه اصحاب اليمين. فقال تعالى كل نفس بما كسبت رهينة الا اصحاب اليمين. كلما ازداد العبد قربا من الله بالايمان به. والتحقق بحقائقه ومعرفته بالله ومحبته والانابة اليه. واخلاص العمل له. حصل له الخير والسرور. واندفعت عنه انواع الشرور. وزالت عنه المخاوف وسهلت عليه صعاب الامور. وهذا هو المعنى الذي اراد الله بقوله لموسى لا تخف اني لا يخاف لدي المرسلون الا من ظلم ثم بدل حسنا بعد سوء فاني غفور رحيم. ويدل على هذا قوله لا يخاف لدي ولم يقل لا يخاف مني اي لا خوف ينال من منت عليه باكمل الحالات وفي المراتب وهي الرسالة ولكل مؤمن نصيب من هذا بحسب ما قام به من اتباع المرسلين. ويدل ايضا ان المراد هذا المعنى العام الحسن الجليل ان السياق والقرينة تدل عليه دلالة بينة. فان الخوف الصادر من موسى انما ما وقع لما رأى عصاه تهتز كانها جان. فخاف حينئذ من تلك الحية بحسب الطبيعة البشرية. فاعلمه الله تعالى ان هذا محل القرب من الله. لا يليق ولا يكون فيه خوف. وانما فيه الامن التام. ولهذا قال في الاية الاخرى اقبل ولا تخف انك من الامنين. ويدل على هذا المعنى ما دل عليه الاستثناء في قوله الا من ظلم ثم بدل حسنا بعد سوء فاني غفور رحيم. فان الاستثناء ميزان العموم والاصل ان يكون من جنس المستثنى منه. فالمعنى الذين امنوا ولم يلبسوا ايمانهم بظلم اولئك لهم الامن وهم مهتدون. فانهم ظلموا انفسهم. ثم رجعوا الى ربهم وبدلوا سيئاتهم حسنات رجعوا الى مرتبتهم. وازال الغفور الرحيم عنهم موجب الظلم والاساءة. والله اعلم. فائدة وهي هي في الحقيقة تابعة للايراد السابق في اخبار الله. لا يهدي الظالمين والكافرين ونحوهم. مع انه وقع منه هداية لمن اتصف بذلك الوصف. وجوابه السابق هو ان النفي واقع على من حق عليه انه مجرم من اهل النار وان الهداية الحاصلة لمن لم يكن كذلك. ثم تبين لي في يومي هذا وتوضح معنى ما زال مشكلا علي الله ولله الحمد. وهو حل هذه الاية الكريمة. واذا وقع القول عليهم اخرجنا لهم دابة من الارض تكلمهم تكلمهم ان الناس كانوا باياتنا لا يوقنون. وانها تقرير للاية التي قبلها فان الله تعالى قال لرسوله مسليا بعدم ايمان المعاندين. وان هذا لا يضر الحق شيئا. انك فلا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء اذا ولوا مدبرين. وما انت بهاد العمي عن ان تسمعوا الا من يؤمن باياتنا فهم مسلمون. فلما بين له اجتهاده صلى الله عليه وسلم في هداية الضالين انما ينتفع به ويسمعه سمع قبول وانقياد. من يؤمن باياتنا فهم واما الموتى الذين ليس في قلوبهم ادنى حياة لطلب الحق. فكما ان صوتك لا تسمع به الاموات موتا حسيا فصوتك ايضا في الدعوة والارشاد. لا تسمع به موت القلوب ولا الصم. المعرضون المدبرون عن الحق. ولا صار العمى لهم وصفا. والغي لهم نعتا. فهؤلاء هم الذين ختم الله على قلوبهم وسمعهم وابصارهم واولئك هم الغافلون. وهؤلاء هم الذين حق عليهم القول. واذا حق القول على الاشقياء لم تنفعهم الايات المسموعة والتذكير. كما لا تنفعهم الايات التي يصير الايمان عندها اضطراريا. وهذه الايات الكبار التي تكون مقدمة الساعة فانه اذا طلعت الشمس من مغربها لم ينفع نفسا ايمانها لم تكن امنت من قبل او كسبت في ايمانها خيرا. حينئذ حق القول على الاشقياء انهم لا يزالون على شقائهم. فيخرج لهم دابة من الارض تكلمهم. وتبين لهم المسلم من الكافر. فالقول اذا حق لا يتغير ولا يتبدل يحصل اليأس من ايمان الكافرين. ولو كانت الايات اكبر الايات. فالاية تقرر ما قبلها. وتدل على العلة الجامعة وهي ان من حق عليه القول لو جاءته كل اية لم يؤمن حتى يرى العذاب الاليم. والله اعلم. قوله تعالى او لم يكن لهم اية ان يعلمه علماء بني اسرائيل. تدل على ان اهل العلم بهم يعرف الحق من الباطل والحلال من الحرام. فهم الوسائل بين الله وبين عباده. ولهذا استشهد الله بهم على التوحيد وعلى النبوة وعلى صحة القرآن كما في هذه الاية. وعلى التوحيد في قوله شهد الله انه لا اله الا هو واولو العلم وعلى القرآن قوله بل هو ايات بينات في صدور الذين اوتوا العلم. وتدل الايات على ان العلم الحقيقي هو ما جاءت به الرسل ونزلت به الكتب وما فرق بين الحق والباطل وما سوى ذلك وان كان صحيحا. فلا يستحق صاحبه ان يكون من اهل العلم. الذين امر الله بالرجوع اليهم. وانما هو من اهل الذكر الذين قال الله فيهم فاسألوا اهل الذكر ان كنتم لا تعلمون. حقيق بمن من الله الله عليهم بشيء من العلم ان يكونوا اسرع الناس انقيادا للحق. وابعد الناس عن الباطل. ولهذا شدد الله الذم بمخالفة هذين الامرين على اهل العلم. كقوله المتر الى الذين اوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبث والطاغوت. وقوله الم تر الى الذين اوتوا نصيبا من الكتاب يشترون الضلالة. وقوله سبحانه الم تر الى الذين اوتوا نصيبا من الكتاب يدعون الى كتاب الله. يدعون الى كتاب الله بينهم ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون. فائدة عظيمة بل هي اعظم الفوائد على الاطلاق. الايمان هو اعلى الخصال واشرف المراتب واكمل المناقب. بل لا يمكن ان يكون فضيلة ولا ثواب الا بالايمان وحقوقه. ولذلك اثنى الله به على خيار خلقه والمصطفين من عباده. فقال في كل من نوح وابراهيم وموسى وهارون والياس وغيرهم من الانبياء. انه من عبادنا المؤمنين. فعلل ما حصل لهم من الخيرات وزوال الشرور بايمانهم. وقد علق الله الفلاح ودخول الجنان على الايمان. في قوله قد افلح المؤمنون ثم ذكر صفاتهم الناشئة عن ايمانهم. ثم قال اولئك هم الوارثون. الذين يرثون الفردوس نفوسهم فيها خالدون. وقال تعالى وبشر المؤمنين. وقال الا ان اولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. الذين امنوا وكانوا يتقون. وقال تعالى ان الله يدافع عن الذين امنوا وقال وان الله مع المؤمنين. وغير ذلك من نصوص الكتاب والسنة الدالة على فضله وفضل اهله. وان الخير كله فيه. فعلى العبد الذي يريد نجاة نفسه ويقصد كمالها وفلاحها. ان غاية جهده ويبذل مقدوره في هذا الوصف. وهو الايمان علما ومعرفة وعملا وحالا ووصفا. وهو كما قال النبي صلى الله عليه وسلم الايمان بضع وسبعون شعبة اعلاها قول لا اله الا الله وادناها اماطة الاذى عن الطريق. والحياء شعبة من الايمان. فوصفه باقوال اللسان التي يحبها الله ورسوله. وذكر واعلاها بالاحسان الى عباد الله. اي احسان كان حتى اماطة الاذى عن الطريق. وباعمال القلوب التي اصلها الحياء فان من اتصف بالحياء من الله فقد انصبغ قلبه بمعرفة الله وحبه وخوفه ورجائه. والتحبب اليه مهما امكن. وحقيقة هذا ان الايمان اسم جامع لشرائع الظاهرة والباطنة. ولاقوال اللسان واقوال القلب واعمال القلوب واعمال الجوارح. وان من قام بهذه الامور ونصح فيها واحسن كان اكمل ايمانا وان من نقص منها معرفة وعلما وعملا وحالا صالحا نقص من ايمانه بقدر ذلك. والناس في الايمان درجات متفاوتة فاكملهم من وصل في علوم الايمان الى علم اليقين وحق اليقين. وفي اعماله من وفى مرتبة احسان وعبد الله على وجه الحضور والمراقبة. وفي احوال الايمان من كانت ادابه واخلاقه صبغة لقلبه حالا غير حائلة. بل ان عرض له ما يشوش عليه ايمانه بادر بالحال الى ازالته. ورجع الى نعته ووصفه صبغة الله ومن احسن من الله صبغة. ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم اكمل المؤمنين ايمانا احسنهم خلقا فان لم يتغير ايمانه عند المعارضات كالشهوات والايرادات السيئة واتيان الامر مخالفا لمراد النفس كان هذا المؤمن حقا. ولهذا قال تعالى انما المؤمنون الذين امنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا باموالهم وانفسهم في سبيل الله. اولئك هم الصادقون. ولهذا كان من كمال الايمان ان تصل من قطعك وتعطي من حرمك وتعفو عمن ظلمك. ولهذا ايضا كان اخراج محبوب النفس وهو المال لله تعالى دليلا على الايمان. كما قال النبي صلى الله عليه وسلم والصدقة برهان ولهذا ايضا كان الصبر من الايمان كالرأس من الجسد. ومن علامات الايمان ما ذكره الله بقوله انما المؤمنون الذين اذا ذكر الله وجلت قلوبهم. واذا تليت عليهم اياته زادتهم ايمانا وعلى ربهم يتوكلون. الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون. اولئك اولئك هم المؤمنون حقا. لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم. فوصف فالمؤمنين بانهم الذين اذا ذكر الله وجلت قلوبهم. اي خضعت وخشعت وذلت لعظمته. وانكسرت لكبريائه فتركت معاصيه وخافت عقابه واطمأنت بذكره. الذين امنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله اه الا بذكر الله تطمئن القلوب. وانهم اذا تليت عليهم اياته زادتهم ايمانا ايزدادوا بها علما وبصيرة ورغبة في الخير ورهبة من الشر. فنمى الايمان في قلوبهم وكان ايمانا ناشدا عن اعظم الادلة والبيانات. كما قالوا ربنا اننا امنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار وقالوا ربنا اننا سمعنا مناديا ينادي للايمان ان امنوا برب بكم فآمنا. وكما قال مؤمن الجن وانا لما سمعنا الهدى امنا به. فبحسب بايمان العبد يزداد ايمانه عند تلاوة كتاب الله والحكمة. وهذا اعلى ما يكون من الايمان. فانه ايمان عن البراهين وايمان على بصيرة. لا كايمان ضعفاء المؤمنين. الناشئ عن العادات والتقليد. الذي هو عرضة للعوارض والعوائق. واما هذا الايمان فهو ايمان لا تزعزعه الشبهات. ولا تعارضه الخيالات بل يزداد مع صاحبه مدى الاوقات. ووصفهم بتحقيق التوكل عليه. فاعظم الناس ايمانا اعظمهم توكلا على الله خصوصا التوكل العالي الذي هو الاعتماد التام على الله في تحصيل محابه ومراضيه ودفع مساخطه ولهذا جعل الله التوكل ملازما للايمان في كثير من الايات. كقوله وعلى الله فتوكلوا ان كنتم انتم مؤمنين. فالمؤمن حقا تجده قائما بما امر الله به من الاسباب. معتمدا على مسببها ومصرفها. واثقا بربه لا يقلقه تشوشها. ويحزنه اتيانها على غير مراده. قد هدى الله قلبه فاطمئن الى ربه ورضي به وفوض اليه امره. ومن يؤمن بالله يهد قلبه. قد تحقق قوله تعالى الم تعلم ان الله يعلم ما في السماوات والارض. ان ذلك في كتاب ان ذلك على الله يسير. وقوله لكي لا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما اتاكم. قد بكفاية ربه. وسلم اليه الامر. ومن يتوكل على الله فهو حسبه. ووصف المؤمنين حقا في هذه الاية بانهم الذين يقيمون الصلاة اي يقيمونها بقيام مكملاتها ظاهرا وباطنا. ويؤتون الزكاة الصلاة فيها الاخلاص للمعبود. والزكاة فيها الاحسان الى عباد الله تعالى. فبحسب ايمان العبد يكون قيامه الصلاة والزكاة اللتين هما ام العبادات اللتين هما ام العبادات واجلها واعلاها واعظمها نقصا وثمرات. وكذلك وصف الله المؤمنين في قوله قد افلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون والذين هم عن اللغو معرضون. والذين هم للزكاة فاعلون. والذين هم لفروض حافظون الا على ازواجهم او ما ملكت ايمانهم. فانهم غير ملوم فمن ابتغى وراء ذلك فاولئك هم العادون. والذين هم لاماناتهم وعهدهم راعون والذين هم على صلاتهم يحافظون اولئك هم الوارثون. فبهذه الاوصاف العظيمة قيمة يكمل الايمان ويتحقق. وهو ميزان للخلق. فالمؤمنون المفلحون اهل الفردوس هم الذين اقاموا الصلاة ظاهرا وباطنا بحقوقها وخشوعها. الذي هو لبها واتوا الزكاة المأمور بها السنتهم من الكلام السيء والفحش. ومن اللغو والكلام الباطل. ولهذا نبه بالادنى الذي هو اللغو على ما هو اولى منه. فاخبار الله انهم عن اللغو اي الذي هو الكلام الذي لا منفعة فيه. معرضون يدل على انهم تركوا الكلام المحرم. وحفظوا فروجهم عن الحرام لله تعالى. وتمام حفظها. حفظ البصر وعدم الفواحش ومقدماتها. كما قال تعالى قل للمؤمنين يغضوا من ابصارهم ويحفظوا فروجهم ووصفهم بمراعاة عهودهم واماناتهم. وهذا عام للعهود والامانات التي بينهم وبين ربهم. فانهم قد عقدوا بينهم وبين ربهم عقد الطاعة والسمع والالتزام. ولهذا ذكرهم الله بهذا العهد في قوله واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الذي واثقكم به. اذ قلتم سمعنا واطعنا. والعهود والامانات التي بينهم وبين من الخلق الا ينقضوها وان يؤدوا الامانات الى اهلها. ولهذا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ان علامة الايمان ان يكون العبد مؤتمنا على الدماء والاموال فقال المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده. والمؤمن من امنه الناس على دمائهم واموالهم. وقال لا يؤمن من لا يأمن جاره بوائقه. ووصف المنافق ضد ذلك ووصف المؤمنين بالايمان بجميع الحق الذي نزله الله. وبالرسل الذين ارسلهم الله. فقال امن الرسول بما انزل اليه من ربه والمؤمنون. كل امن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين احد من رسله وقالوا سمعنا واطعنا غفرانك ربنا واليك فالمؤمن لما كان وصفه انه متطلب لرضوان الله متبع هداه اينما كان. امن بجميع الالهي والرسل والتزم الدخول في طاعة الله وطاعة رسوله في كل شيء. وسأل الله ان يغفر له ما قصر فيه وان يتجاوز عنه اذا قدم عليه. ومن صفات المؤمنين انهم يحكمون الله ورسوله في جميع امورهم. فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم. ثم لا يجدوا في انفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما. قال تعالى انما المؤمنون الذين امنوا بالله ورسوله. واذا كانوا معه وعلى امر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه. ان الذين يستأذنونك اولئك الذين يؤمنون بالله الله ورسوله. فاذا استأذنوك لبعض شأنهم فاذن لمن شئت منهم واستغفر لهم الله. ان الله غفور الرحيم. وقال سبحانه انما كان قول المؤمنين اذا دعوا الى الله ورسوله ليحكم بينهم ان قولوا سمعنا واطعنا واولئك هم المفلحون. وقال عز وجل فاذا تنازعتم في شيء ردوه الى الله والرسول. ان كنتم تؤمنون بالله واليوم الاخر. ذلك خير واحسن تأويلا فالمؤمن اخلص دينه لله. واجتهد في الاقتداء برسول الله. ولم يقدم على قوله وحكمه قول غيره وحكمه بل اذا تبينت له سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعدل عنها الى غيرها. وبحسب تحقيقه لهذين الاصلين يتحقق ايمانه ويقوى يقينه وعرفانه. ومن صفات المؤمنين انهم متحابون متوالون متعاطفون. كما قال تعالى والمؤمنون والمؤمنات بعضهم اولياء بعض. يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله. وقال انما وليكم الله ورسوله الذين امنوا. وقال تعالى والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولاخواننا من الذين سبقونا بالايمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين امنوا ربنا انك رؤوف رحيم وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم لا يؤمن احدكم حتى يحب لاخيه ما يحب لنفسه. وكلما ازداد الاتصال قرابة او جوار او حق من الحقوق ازداد هذا المعنى وتأكد الاحسان اليه. كما قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الصحيح من كان يؤمن بالله واليوم الاخر فليكرم جاره. ومن كان يؤمن بالله واليوم الاخر فليكرم ضيفه ومن كان يؤمن بالله واليوم الاخر فليقل خيرا او ليصمت. وقال من غشنا فليس منا. وقال الدين النصيحة لله ولكتابه ولرسوله ولائمة المسلمين وعامتهم. فالمؤمنون يدينون لله بالنصيحة له في عبوديته ولكتابه في تعلمه وتفهمه. والعمل به والدعوة لذلك. ولرسوله في الاجتهاد في متابعته في اقواله وافعاله وجميع احواله. ولائمة المسلمين وعامتهم بارشادهم الى مصالحهم الدينية والدنيوية ومعاونتهم على البر والتقوى. وكفهم عن الاثم والعدوان بحسب القدرة. كما قال تعالى في الاية السابقة في وصف انهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر. ومن صفاتهم الحميدة ومناقبهم السديدة. ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح ثلاث من كن فيه وجد فيهن حلاوة الايمان. ان يكون الله ورسوله احب اليه مما ما سواهما وان يحب المرء لا يحبه الا لله. وان يكره ان يعود في الكفر بعد اذ انقذه الله منه. كما يكره ان في النار فجعل تحقيق الايمان. فجعل تحقيق الايمان ووجد حلاوته بكون المحبة لله ولرسوله. وتقديمها على سائر المحاب وجعل المحاب تبعا لها. في حب المرء لما قام به واتصف به من محاب الله. وما من الله به عليه اليه من الاخلاق الفاضلة. فكلما قويت فيه ازدادت محبته له. فتكون محبة المؤمن دائرة مع محبة الله. فيحب الله الله ورسوله ويحب من يحبه من الاعمال والاشخاص. وتكون كراهته للكفر المضاد للايمان اعظم من كراهته للنار التي سيقذف فيها. ومثل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم ذاق طعم الايمان. من رضي بالله ربا وبالاسلام وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا. وقد تقدم قول هرقل الذي في صحيح البخاري وسألت ايزيدون ام ينقصون؟ فذكرت انهم يزيدون. وكذلك امر الايمان حتى يتم. وسألتك ايرتد احد سخطة لدينه بعد ان يدخل فيه فذكرت ان لا وكذلك الايمان حين تخالط بشاشته القلوب وقال صلى الله عليه وسلم يا معشر من امن بلسانه ولم يدخل الايمان قلبه. لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم فانه من يتبع عورة اخيه يتبع الله عورته. يفضحه ولو في جوف بيته. ومن علاماتهم ان الله قد شرح صدورهم للاسلام. فانقادوا لشرائعه طوعا واختيارا ومحبة. قد اطمأنت لذلك نفوسهم. وصاروا على كبينة من امرهم فهم يمشون بنورهم بين الناس. قال تعالى افمن شرح الله صدره للاسلام فهو على من ربه وقال فمن يرد الله ان يهديه يشرح صدره للاسلام. وقال صلى الله عليه وسلم اذا دخل الايمان في القلب اتسع وانشرح. قالوا وهل لذلك علامة يا رسول الله؟ قال نعم. الانابة الى دار خلود والتجافي عن دار الغرور. والاستعداد للموت قبل نزوله. ولما قال له حارثه اصبحت مؤمنا حقا. قال وما حقيقة ايمانك؟ قال عزفت النفس عن الدنيا فأسهرت ليلي واظمأت نهاري. وكاني انظر الى عرش ربي بارزا. والى اهل الجنة في الجنة يتزاورون فيها. والى اهل النار في النار يتعاونون فيها. والى اهل النار في النار يتعاونون فيها. فقال عبد نور الله قلبه فالزم. فتحقيق الايمان علامته سهولة العبادة والتلذذ بالمشقات في رضا رب الارض والسماوات والتصديق التام بالجزاء والعمل بمقتضى هذا يقين وكذلك قال الحسن رضي الله عنه ليس الايمان بالتحلي ولا بالتمني ولكن ما وقر في القلب الاعمال. ولهذا من اجل علاماتهم ان الايمان يصل بهم الى حد اليقين والصديقين. كما قال تعالى والذين امنوا بالله ورسله اولئك هم الصديقون. ولما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ارتفاع غرف الجنة وعلوها العظيم. قالوا يا رسول الله تلك منازل الانبياء لا يبلغها غيرهم. فقال بلى والذي نفسي بيده رجال امنوا بالله وصدقوا المرسلين. ولهذا كانت الصديقية التي اثنى بها على خواص خلقه هي تكميل مراتب الايمان علما وعملا ودعوة. وكما ان من تحقيق الايمان ان تكون الاعمال الصالحة مصدقة له. فمن تحقيقه ايضا ان يكون المؤمن متنزها عن الاثم والفسوق وانواع المعاصي. الداخلة في قوله تعالى الذين امنوا لم يلبسوا ايمانهم بظلم. اولئك لهم الامن وهم مهتدون. وقال تعالى يا ايها الذين امنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا ان كنتم مؤمنين. ومن موجبات الايمان صرف الاموال في مصارفها الشرعية ووضعها مواضعها. واقامة الحدود التي حد الله ورسوله. قال تعالى واعلموا ان ما غنمتم من من شيء فان لله خمسه وللرسول ولذي القربى. ولذي القربى واليتامى والمساكين وبني السبيل ان كنتم امنتم بالله وما انزلنا على عبدنا يوم الفرقان. وقال تعالى والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة. ولا تأخذكم بهما رأفة. ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله. ان كنتم تؤمنون بالله واليوم الاخر. وقال وحرم ذلك على المؤمنين. الى غير ذلك من النصوص في الكتاب والسنة الدالة على وصف المؤمنين. وان العبد لا يستحق حقيقة الايمان حتى يتصف بها. وفي الجملة فكلما قال الله تعالى يا ايها الذين امنوا افعلوا كذا او اتركوا كذا كان امتثال ذلك الامر واجتناب ذلك النهي من مقتضيات الايمان ومن موجباته. الذي لا يتم الا بها فبهذا ونحوه تعرف حقيقة الايمان. الذي جعله الله عنوان السعادة ومادة الفلاح. وسبب الفوز بكل والنجاة من كل مرغوب. فنسأله تعالى ايمانا كاملا. يهدي به قلوبنا الى معرفته ومحبته والانابة اليه في كل امر. والسنتنا الى ذكره والثناء عليه. وجوارحنا الى طاعته. قال تعالى ان الذين امنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بايمانهم. ومن صفاتهم الجليلة ان الله يهديهم الى الحق في المواطن المشتبهات. وللصواب في محال المتاهات التي لا تحتملها عقول كثير من الناس. ويزدادون ايمانا يقينا في المواضع التي يزداد بها غيرهم ريبا وشكا. قال تعالى ان الله لا يستحيي ان يضرب فمثلا ما بعوضة فما فوقها. فاما الذين امنوا فيعلمون انه الحق من ربهم. واما الذين كفروا فيقولون ماذا اراد الله بهذا مثلا. وقال تعالى وما ارسلنا من قبلك من رسول ولا نبي الا اذا تمنى القى الشيطان في امنيته. فيمسخ الله ما يلقي الشيطان الى ان قال وليعلم الذين اوتوا العلم انه الحق من ربهم. فيؤمنوا به فتخبت له قلوبهم. وان الله لهادي الذين امنوا الى صراط مستقيم. وقال تعالى وما جعلنا اصحاب النار الا ملائكة. وما جعلنا فيما نهى الله عنه وبذل جهده في فعل المحبوب وترك المكروه. واستعان بالله وتضرع اليه في التوفيق لفعل ما يحبه والحفظ مما يكرهه فان الله اكرم الاكرمين ولا يخيب عبدا هذا شأنه. ولو توالت وتكاثرت الاسباب عدتهم الا فتنة للذين كفروا. ليستيقن الذين اوتوا الكتاب ويزداد الذين امنوا ايمانا. ولا الذين اوتوا الكتاب والمؤمنون. وقال تعالى والراسخون في العلم يقولون امنا به كل من عند ربنا فبما معهم من الايمان واليقين يهديهم الى الحقائق واقوم الطرائق. وارشد الامور واصلح الاحوال وقوله تعالى ان الله لا يخفى عليه شيء في الارض ولا في السماء. هو الذي يصوركم في الارحام كيف يشاء. لا اله الا هو العزيز الحكيم. وقوله ان الله عنده علم الساعة ولهذا كان القرآن تذكرة ورحمة وبشرى للمؤمنين. وقال تعالى ان الذين هم من خشية ربهم مشفقون. والذين هم بايات ربهم يؤمنون. ان في ذلك لايات لقوم يؤمنون فلما مشوا في نور ايمانهم في ظلمات الجهالات والشرور وتولاهم مولاهم. الله ولي الذين امنوا امنوا يخرجهم من الظلمات الى النور. والله ولي المؤمنين. مشوا في نورهم يوم القيامة. يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين ايديهم وبايمانهم. بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها انهار خالدين فيها. ولما كانت تجارتهم اجل التجارات كان ربحها النعيم المقيم في غرف الجنان يا ايها الذين امنوا هل ادلكم على تجارة تنجيكم من عذاب اليم. تؤمنون بالله ومن صفاتهم ان الله ينزل في قلوبهم السكينة والطمأنينة في مواضع الحرج والقلق. قال تعالى هو الذي انزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا ايمانا مع ايمانهم. كل من قام بحق او دعا اليه او سعى فيه انكار منكر وابطال باطل وجبت معاونته ومساعدته على ذلك. وهو داخل في قوله تعالى يا ايها الذين امنوا كونوا انصار الله. ودلت هذه الاية ونحوها باللزوم على الامر بالسعي بالاسباب التي تتم بها نصرة الحق. كالتعلم والتعليم للعلوم النافعة ونحوها. والاخلاص والالتجاء الى الله على الدوام الرجوع اليه من كل امر هو السبب الاعظم في حصول الهداية الى الصراط المستقيم علما وعملا. قال الله تعالى عن الخليل عليه السلام وقال اني ذاهب الى ربي سيهدين. وقال تعالى والذين جاهدوا فينا لنهدينهم انهم سبلنا. وقال قال رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لاحد من بعدي. قد استجاب الله له هذا الدعاء ووقع الامر كذلك فانه مهما تنقلت بالخلق الاحوال. واعطوا الاسباب العظيمة من التمكين في الارض والاقتدار على مصالحها. فلا بلغوا ولا يبلغون ما بلغه سليمان عليه السلام. من الريح التي غدوها شهر ورواحها شهر وتجري بامره رخاء حيث اصاب. ومن تسخير الشياطين كل بناء وغواص. واخرين غنين في الاصفاد. ومن تسهيل الاسباب التي تدرك فيها المطالب. قال يا ايها الملك ايكم يأتيني بعرشها قبل ان يأتوني مسلمين. قال عفريت من الجن انا اتيك به قبل ان تقوم من مقامك. واني عليه لقوي امين. قال الذي عنده علم من الكتاب انا اتيك به قبل ان يرتد اليك طرفك. فلما رآه مستقرا عنده قال هذا من فضل ربي ليبلغني ااشكر ام اكفر؟ ومن تسخير الطير والوحوش وتعلم منطقها مما هو من اعظم الادلة على ان هذا امر سماوي. ليس في قدر المخلوقات استطاعته في امر الله تعالى لزكريا بالذكر بالعشي والابكار. بعد البشارة له بيحيى عليهما السلام. وفي امر زكريا لقومه بتسبيح الله بكرة وعشيا. تنبيه على شكر الله تعالى على النعم المتجددة. لا سيما النعم التي يترتب عليها خير كثير ومصالح متعددة. وانه ينبغي للعبد كلما احدث الله له نعمة احدث لذلك شكرا بكرة وان افضل انواع الشكر الاكثار من ذكر الله وتسبيحه وتقديسه والثناء عليه. كمال العبد في تمام نعمتين نعمة الدين ونعمة الدنيا. فبهما تحصل السعادة العاجلة والاجلة. فنعمة الدين بالعلم الهادي الى صراط المستقيم وبتقوى الله التي هي امتثال امره واجتناب نهيه ونعمة الدنيا بان ينقطع العبد عن رجاء المخلوقين والافتقار اليهم. ويرزقه الله العفة عن القبائح. ثم يغنيه بالحياة الطيبة والخير. الذي يكون عونا له على عبادة ربه. قال تعالى والذين اهتدوا زادهم هدى واتاهم تقواهم. وقال تعالى تعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله. وقد تضمن هذه الامور الاربعة الدعاء الذي ثبت في الصلاة عن النبي صلى الله عليه وسلم انه كان يدعو بهذا الدعاء. اللهم اني اسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى هنا اذا صدق العبد في حبه ما امر الله اذا صدق العبد في حبه ما امر الله به وكراهته المعارضة فان هذا السبب المجتمع من ثلاثة هذه الاشياء لا يتخلف عنه عند مسببه. وانما ياتي العبد النقص من اخلاله بها او باحدها. ولهذا لما اجتهد يوسف الصديق عليه السلام في السلامة من شر مراودة امرأة العزيز ومن اعانها على مرادها وصدق في حبه وايثاره طاعة الله على طاعة النفس وتضرع الى الله تعالى وتوكل عليه في حفظه وصيانته استعصم وحفظه الله وصرف عنه السوء والفحشاء. فقال عليه السلام رب سجن احب الي مما يدعونني اليه. والا تصرف عني كيدهن اصب اليهن. اصب اليهن ان واكم من الجاهلين. فاختار السجن المتضمن للعقوبة والاهانة على مراد النفس الدني. المثمر للخسران الدائم. وتملق الى الله وتضرع في صرف كيدهن واجتهادهن في فتنته. وفوض الامر الى ربه. وعلم ان الله ان وكله الى نفسه ولم يصرف عنه كيدهن. فلابد ان يصبو اليهن. ويفعل افعال الجاهلين لان هذا طبع النفس الا من رحم الله. قوله تعالى ما لهم به من علم ولا لابائهم كبرت كلمة تخرج من افواههم ان يقولون الا كذبا. ابطل به قول من زعم ان لله ولد من ثلاثة اوجه بل من اربعة. احدها انه قول بلا علم. ومن المعلوم ان القول بلا علم من اعظم وان ذلك من الجهالات والضلالات. خصوصا في اعظم المسائل واهمها. وهي مسألة التوحيد وتفرد جل جلاله بالكمال. وتنزهه عن كل ما يليق بجلاله من انواع النقائص المنافية لكمال الربوبية العظمة الالهية فنفى عنهم العلم ونفى عنهم التقليد لاهل العلم. فلم يقولوا شيئا يعلمونه. ولا اقتدوا بالعالمين بل هم واباؤهم في ضلال مبين. والوجه الثاني قوله كبرت كلمة تخرج من افواههم ايعاظمت وزادت في الشناعة الى حد يستعجب كيف نطقوا بها وكيف خرجت هذه الكلمة الشنيعة من افواههم التي تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الارض وتخر الجبال هدا. ان دعوا للرحمن ولدا وانما كانت شنيعة جدا. لانها متضمنة لشتم رب العالمين وسبه. كما قال في الحديث الصحيح ابن ادم ولم يكن له ذلك. وكذبني ابن ادم ولم يكن له ذلك. اما شتمه اياي فقوله ان لي ولدا وانا الواحد الاحد. الفرد الصمد الذي لم يتخذ صاحبة ولا ولدا. ولم يكن له كفوا احد الى اخر الحديث. فاي شتم اعظم من هذا الشتم الذي مضمونه؟ حاجة رب العالمين الى اتخاذ الصاحبة والولد وحدانيته وتفرده بالكمال. الوجه الثالث قوله ان يقولون الا كذبا. فسجل على ان قولهم هذا هو الكذب الصراح والافك المبين. وتأمل كيف ارتقى في ابطاله من وجه يبطله ويفسده. الى وجه اخر يزيد في اتقاله الى وجه ثالث لا يبقى معه ريب ولا شك لكل ذي بصيرة في ابطاله. فنفى العلم بوجوهه وشنع ما قالوه وعظمه. واخبر عن مرتبته وانه قول في اخس المراتب واسفلها. وهو الكذب اشتراه والوجه الرابع ما يحصل به من مجموع هذه الاوجه فان الهيئة الاجتماعية يحصل منها اثر ودلالة غير ما حصل لكل وجه على انفراده. ويحصل بها من تصريح الدلالة ما يتضح به الحق وينجلي كذا كل مسألة عليها عدة ادلة. فانه يحصل بكل دليل على انفراده علم. ثم يحصل بالدليل الاخر علم اخر. ثم يحصل باجتماعهما علم اخر. وهكذا كلما كثرت وتعددت. وبهذا ونحوه يعلم ان المسائل الكبار كمسألة التوحيد وفروعه ومسألة المعاد ومسألة النبوة ان من تتبع ادلتها واستقرأ براهينها فانه يحصل له من حق اليقين. ومن العلم الكامل فيها ما لا يحصل في غيرها من المسائل التي هي دونها. وهذا من اجل قواعد الايمان وافضل العلوم النافعة. واعظم ما يقرب الى رب العالمين فصل سؤال ما هو الغيب الذي اثنى الله على المؤمنين به واخبر عن سعادتهم وفلاحهم واستحقاقهم النعيم المقيم. فلعل العبد يعرفه ويتعرف محاله ومواضعه. فيجتهد في تحقيق الايمان. ليكون من المفلحين بل اكثر المؤمنين ليس عندهم في هذا الباب الا امور مجملة والفاظ غير محققة. وهذا نفعه دون نفع التنوير والتفصيل والتوضيح والتبيين بكثير كثير. فافتونا بحسب قدرتكم واستطاعتكم. فانا لا نطلب منكم شطط والا فقد تقرر ان هذه المسألة لا يتمكن خواص الخلق من ايفاء حقها وبيان امرها فافتونا الجواب وبالله استعين واليه اضرع في الهداية فيها وفي غيرها. الغيب هو خلاف الشهادة ولهذا تقسم الاشياء قسمين غيبية ومحسوسة. فالامور المحسوسة المشاهدة لم يعلق الشارع عليها حكما من احكام الايمان. الذي يفرق به بين اهل السعادة وغيرهم. وذلك كالسماء والارض. وما فيها من المشاهدة والطبائع المعلومة المعقولة. انما يذكر الله تعالى من هذا النوع الادلة والبراهين على ما اخبر به واخبرت به رسله. القسم الثاني وهو الغيب الذي امر بالايمان به ومدح المؤمنين به في غير موضع من كتابه وضابط هذا القسم انه كل ما اخبر الله به واخبرت به رسله على وجه يدعو الناس الى تصديقه والايمان به. وذلك انواع كثيرة اجلها واعلاها وافضلها وانفعها وايسرها ما اخبر به في كتبه واخبرت به رسله من اسماء الله الحسنى وصفاته العليا. ونعوته الجليلة الجميلة وافعاله حميدة وفي الكتاب والسنة من هذا النوع شيء كثير جدا بحسب الحاجة اليه. فانه لا اعظم حاجة وضرورة من معرفة النفوس بربها ومليكها. الذي لا غنى لها عنه طرفة عين. ولا صلاح لها ولا زكاء الا بمعرفة وعبادته. وكلما كان العبد اعرف باسماء ربه وما يستحقه من صفات الكمال. وما يتنزه عنه مما يضاد ذلك كان اعظم ايمانا بالغيب. واستحق من الثناء والمدح بحسب معرفته. وموضع هذا تدبر اسمائه الحسنى التي وصف وسمى بها نفسه في كتابه وعلى لسان رسله. فيتأملها العبد اسما اسما ويعرف معنى ذلك وان له تعالى في ذلك الاسم اكمله واعظمه. وان هذا الكمال والعظمة ليس له منتهى ويعرف ان كل ما ناقض وهذا الكمال بوجه من الوجوه. فان الله تعالى منزه مقدس عنه. لما كان هذا النوع هو اصل الايمان بالغيب واعظمه واجله. قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح ان لله تسعة وتسعين اسما. مائة الا واحدة من احصاها دخل الجنة. اي ضبط الفاظها واحصى معانيها وتعقلها في قلبه. وتعبد الله الله بها وتقرب بمعرفتها الى رب العالمين. فينبغي للمؤمن الناصح لنفسه ان يبذل ما استطاع من مقدوره. في معرفة اسماء الله وصفاته وتقديسه. ويجعل هذه المسألة اهم المسائل عنده. واولاها بالايثار واحقها بالتحقيق ليفوز من الخير باوفر نصيب. ولهذا لما سأل النبي صلى الله عليه وسلم الرجل الانصاري عن سبب لقراءة سورة قل هو الله احد في صلاته فقال لانها صفة الرحمن. فاحب ان اقرأ بها فقال حبك اياها ادخلك الجنة. ثبت ان حب العبد لصفات الرحمن وملازمة تذكرها واستحضار ما دلت عليه من المعنى الجليلة والتفهم في معانيها من اسباب دخول الجنة. وطريق ذلك ان يجمع العبد الاسماء الحسنى الواردة في القرآن وهي قريب من ثمانين اسما. وفي السنة زيادة على ذلك. فيتدبرها ويعطي كل اسم منها عموم ذلك كالمعنى وكماله واكمله. فاذا تدبر اسم الله عرف ان الله تعالى له جميع معاني الالهية. وهي كمال الصفات يراد بها وعدم الشريك في الافعال. لان المألوه انما يؤله لما قام به من صفات الكمال. في حب ويخضع له لاجلها والباري جل جلاله لا يفوته من صفات الكمال شيء بوجه من الوجوه. او يؤله ويعبد لاجل نفعه ونصره فيجلب النفع لمن عبده ويدفع عنه الضرر. ومن المعلوم ان الله تعالى هو المالك لذلك كله. وان احد من الخلق لا يملك لنفسه ولا لغيره نفعا ولا ضرا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا. فاذا تقرر عنده ان الله الله وحده المألوه اوجب له ان يعلق بربه حبه وخوفه ورجاءه. واناب اليه في كل اموره. وقطع الالتفات الى غيره من المخلوقين. ممن ليس له من نفسه كمال ولا له فعال. ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم ويتدبر مثلا اسم العليم. في علم ان العلم كله بجميع وجوهه واعتباراته لله تعالى. في علم تعالى الامور المقدمة والامور المتأخرة ازلا وابدا. ويعلم جليل الامور وحقيرها. وصغيرها وكبيرها. ويعلم تعالى قاهر الاشياء وبواطنها. غيبها وشهادتها. ما يعلم الخلق منها وما لا يعلمون. ويعلم تعالى الواجبات والجائزات. ويعلم تعالى ما تحت الارض السفلى. كما يعلم ما فوق السماء العلى. ويعلم تعالى جزئيات وخبايا الصدور وخفايا ما وقع ويقع في ارجاء العالم وانحاء المملكة. فهو الذي احاط علمه بجميع الاشياء في كل الاوقات. ولا يعرض لعلمه تعالى خفاء ولا نسيان. واتلو هذه الايات المقررة له. كقوله في غير موضع والله بكل شيء عليم. وقوله ان الله عليم بذات الصدور. وقوله تعالى يعلم ما في السماوات والارض ويعلم ما تسرون وما تعلنون. والله عليم بذات الصدور وكقوله سبحانه وان تجهر بالقول فانه يعلم السر واخفى. وقوله سواء من من اسر القول ومن جهر به ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار. وكقوله الم تعلم ان الله يعلم ما في السماء والارض. ان ذلك في كتابه. ان ذلك على الله يسير الله بما تعملون خبير. وقوله سبحانه والله خبير بما تعملون. وقوله عز وجل والله بما تعملون خبير. وقوله والله خبير بما تعملون. وقوله سبحانه انا المتر ان الله يعلم ما في السماوات وما في الارض ما يكون من نجوا ثلاثة الا هو رابعها ولا خمسة الا هو سادسهم. ولا ادنى من ذلك ولا اكثر الا هو معهم اينما كانوا. ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة. ان الله بكل شيء عليم. وقوله فلا تعلم نفسك ثم اخفي لهم من قرة اعين. وغير ذلك من النصوص الكثيرة على هذا المعنى. فان تدبر بعض ذلك يكفي المؤمن البصير معرفة باحاطة علم الله. وكمال عظمته وجليل قدره. وانه الرب العظيم المالك الكريم وكذلك يتدبر اسمه الرحمن. وانه تعالى واسع الرحمة. له كمال الرحمة. ورحمته قد ملأت العالم العش والسفلي وجميع المخلوقات. وشملت الدنيا والاخرة. ويتدبر الايات الدالة على هذا المعنى. كقول قوله تعالى ورحمتي وسعت كل شيء. وكقوله ان الله بالناس لرؤوف رحيم. وقوله فانظر الى اثار رحمة الله. كيف يحيي الارض بعد موتها؟ ان ذلك لمحيي الموتى. وكقوله الم تروا ان الله سخر لكم ما في السماوات وما في الارض. واسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة وقوله وما بكم من نعمة فمن الله. ثم اذا مسكم الضر فاليه تجأرون وقوله وان تعدوا نعمة الله لا تحصوها. ان الله لغفور رحيم. ويتلوا سورة النحل الدالة على اصول النعم وفروعها التي هي نفحة واثر من اثار رحمة الله. ولهذا قال في اخرها كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون. ثم تدبر سورة الرحمن من اولها الى اخرها انها عبارة عن شرح وتفصيل لرحمة الله تعالى. فكل ما فيها من دروب المعاني وتصاريف الالوان من رحمة الرحمن ولهذا اختتمها في ذكر ما اعد الله للطائعين في الجنة من النعيم المقيم الكامل. الذي هو اثر من رحمته تعالى ولهذا يسمي الله الجنة الرحمة كقوله واما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله هم فيها خالدون. وفي الحديث ان الله قال للجنة انت رحمتي ارحم بك من اشاء من عبادي. وقال وهو وارحم الراحمين. وفي الحديث الصحيح الله ارحم بعباده من الوالدة بولدها. وفي الحديث الاخر ان ان الله كتب كتابا عنده فوق عرشه. ان رحمتي سبقت غضبي. وفي الجملة فالله خلق الخلق برحمته وارسل اليه الرسل برحمته. وامرهم ونهاهم وشرع لهم الشرائع برحمته. واسبغ عليهم النعمة الظاهرة والباطنة برحمته ودبرهم انواع التدبير وصرفهم بانواع التصريف برحمته. وملأ الدنيا والاخرة من رحمته فلا طابت الامور ولا تيسرت الاشياء. ولا حصلت المقاصد وانواع المطالب الا برحمته. ورحمته فوق ذلك واجل واعلى وللمحسنين المتقين من رحمته النصيب الوافر والخير المتكاثر. ان رحمة الله قريبة قريب من المحسنين. وهكذا يتدبر العبد صفات ربه واثارها واحكامها. حتى ينصبغ قلبه بمعرفة ويستنير فؤاده ويمتلئ من عظمة خالقه وشواهد صفاته. ولنقتصر على هذا التنبيه اللطيف. على هذه الاسماء الثلاثة ليحتذى في باقيها على هذا الحذو. ويتدبر مثلا اية الكرسي. واول سورة ال عمران واول سورة الحديد وغافر. واخر سورة الحشر وسورة الاخلاص ونحوها. من الايات المشتملة على هذا العلم العظيم وما يتأيد بها من الاحاديث النبوية. لينال حظا جزيلا من الايمان بالغيب. وليكون من الذين يخشون ربهم لهم بالغيب ومن الايمان بالغيب. الايمان بجميع رسل الله. الذين ارسلهم على وجه الاجمال والتفصيل خاصهم ولدعوتهم وشرعهم. وكذلك الايمان بجميع الكتب التي انزلها الله هداية للعباد على ما اجتباهم برسالته ولهذا سمى الله الوحي الذي انزله على رسوله غيبا فقال وما هو على الغيب بضنين؟ ويذكر تعالى من ادلة رسالة محمد صلى الله عليه وسلم الاخبار بوقائع الانبياء المتقدمين وما جرى لهم. فيقول تلك من انباء الغيب نوحيها اليك ما كنت تعلمها انت ولا قومك من قبل هذا ويقول وما كنت لديهم اذ يلقون اقلامهم ايهم يكفل مريم وما كنت لديهم ليختصمون ويقول سبحانه وما كنت بجانب الغربي اذ قضينا الى موسى الامر. وما اشبه هذا مما فيه التبيان لصحة رسالة محمد صلى الله عليه وسلم. حيث اخبر بهذه الغيوب. فتمام الايمان بالغيب ان يؤمن العبد بجميع رسل الله. ويعرف من صفاتهم ومن دعوتهم ما يحقق به هذا الامر. وكذلك يؤمن الكتب خصوصا هذا القرآن العظيم. الذي كلف العبد بالايمان به اجمالا وتفصيلا. وكيفية الايمان على وجه الاجمال والتفصيل ان يؤمن ويصدق بان كلام الله انزله مع جبريل عليه السلام على قلب محمد صلى الله عليه وسلم بهذا اللسان العربي لينذر الخلق ويهدي الى الحق في جميع المطالب. ويلتزم العبد التزام يا من لا تردد فيه تصديق اخباراته كلها. وامتثال اوامره واجتناب نواهيه. واحلال حلاله وتحريم حرامه ثم يحقق هذا الاصل بتفاصيله. فيتفهم ما دلت عليه اخباره. ويجعلها عقيدة لقلبه راسخة. لا يزلزلها الشبه ولا تغيرها العوارض. ويجتهد في كل ما امر به من اعمال القلوب والجوارح. ان يقوم به على وجه الكمال والتكميل. علما وعملا وحالا. وما لا يقدر عليه. ينوي فعله لو قدر عليه. وكذلك النواهي يأخذ نفسه في كل ما نهي عنه الا يقربه ولا يحوم حوله. امتثالا لامر الله ورجاء لثوابه. فبحسب قيام العبد بهذا يكون ايمانه بالغيب. فمستقل ومستكثر ومتوسط. ويدخل في هذا النوع الايمان باخباره بما كان من الامور الماضية. وما يكون من الامور المستقبلة. ومن انواع الايمان بالغيب الايمان باليوم الاخر ما وعد الله العباد من الجزاء. فدخل في هذا الايمان بجميع ما يكون بعد الموت من فتنة القبر واحواله. ومن صفات يوم يوم القيامة واهواله ومن صفات النار واهلها. وما اعد الله لهم فيها. ومن صفات الجنة واهلها. وما اعد الله فيها لاهلها. فيفهمها فهما صحيحا. مأخوذا من الكتاب ودلالته البينة. ومن السنة الصحيحة ودلالتها ظاهرة. فبحسب ما يصل الى العبد من نصوص الكتاب والسنة في هذا الباب. وفهمها على وجهها يكون ايمان العبد بالغاية طيب. واذا استقر الايمان بالوعد والوعيد في قلب العبد. وحصل فيه من ذلك تفاصيل كثيرة. اوجب له الرغبة في لما يقرب الى ثواب الله. والرهبة من الاسباب الموجبة للاهانة. وعلم ان الله تعالى قائم على كل نفس بما عملت من خير وشر. وانه واسع الفضل كامل العدل. قال تعالى جنات عدن التي وعد الرحيل عباده بالغيب انه كان وعده مأتيا. وقال سبحانه ومن اصدق من الله قيلا وقال ومن اصدق من الله حديثا. وقال عز وجل ان الله لا يخلف الميعاد. ومن الايمان طيب الايمان بالملائكة الكرام الذين جعلهم الله عبادا مكرمين. لا يسبقونه بالقول وهم بامر يعملون وانهم لا يعصون الله ما امرهم ويفعلون ما يؤمرون. يسبحون الليل والنهار لا يفترون وانه تعالى جعلهم يدبرون بامره واذنه امور الدنيا والاخرة. وهم رسله في احكامه الدينية واحكامه القدرية وان الله جعل للعبد منهم معقبات يحفظونه من امر الله ويحفظون عليه اعماله. قال سبحانه ما يلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد. فقال كلا بل تكذبون بالدين. وان عليكم لحافظين. كراما كاتبين. يعلمون ما تفعلون. ولهم صفات وافعال مذكورة في الكتاب والسنة لا يتم الايمان بالغيب الا بالايمان بها. فرجع الايمان بالغيب الى اصول الايمان الستة. الايمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الاخر والقدر خيره وشره. على هذا الوجه الذي ذكرنا والاصل الذي نبهنا ادنى تنبيه عليه. فمن حقق الايمان بذلك كله كان من المؤمنين بالغيب حقيقة. المتقين المفلحين سين فائدة. ما هو الخشوع الذي امر الله به ومدح اهله؟ وذم من قسى قلبه فلم يخشع. فما حقيقة ذلك وما علامته ودلالته؟ قلت قد مدح الله الخشوع عموما في جميع الاوقات والحالات والعبادات مثل قوله تعالى والخاشعين والخاشعات. وقوله الم يأن للذين امنوا ان تخشع قلوبهم لذكر وما نزل من الحق وقوله سبحانه ان الذين امنوا وعملوا الصالحات واخبتوا الى ربهم اولئك اولئك اصحاب الجنة هم فيها خالدون. ومدح الخشوع خصوصا في الصلاة. مثل قوله الذين هم في صلاة خاشعون. فخشوع القلب عنوان الايمان وعلامة السعادة. كما ان قسوته وعدم خشوعه عنوان الشقاوة خشوع انكسار القلب وذله بين يدي ربه. وان يبقى هذا الخشوع مستصحبا مع العبد في جميع اوقاته. ان غفل رجع اليه وان مرح عاد اليه وان شرع في تعبد وقربة من القربات خضع فيها وقام بالادب الذي هو اثر الخشوع خصوصا في ام العبادات. والجامعة بين انواع التعبدات القلبية والبدنية واقوال اللسان. وهي الصلاة. فانه فيها مراعيا للمراقبة. ومرتبة الاحسان ان يعبد الله كانه يراه. فان لم يره فانه يراه. فيجهد نفسه على التحقيق بهذه العبودية الكاملة. فيحضر قلبه فيناجي ربه بقلبه قبل لسانه. ويستحضر ما يقوله افعلوا فتسكن حركاته ويقل عبثه. ولهذا لما رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يصلي وهو يعبث في لحيته فقال لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه. وبهذا يعرف ان من اعظم علامات الخشوع سكون الجوارح والتأدب في الخدمة الذي هو اثر سكون القلب. ولهذا وصف الله عباده الذين اضافهم الى رحمته في قوله وعباد الرحمن الذين يمشون على الارض هونا. المراد خاضعين متواضعين. ومن امارات هذا الخشوع ان يطمئن القلب بذكر الله. ويخشع ويخضع للحق الذي انزل الله. فيعتقد ما دل عليه من الحق. ويرغب فيما دعا اليه من الخير ويرهب عما حذر منه من الشر. كما قال تعالى الذين امنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الا بذكر الله تطمئن القلوب. وقال تعالى الم يأن للذين امنوا ان تخشع قلوبهم لذكري الله وما نزل من الحق. وقال تعالى فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله. اولئك في ضلال مبين. الله نزل احسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود. تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم الى ذكر الله. ذلك هدى الله يهدي به من يشاء. ومن يضلل الله فما له من هاد. فالقلب القاسي لا تؤثر فيه الايات شيئا. ولا يزداد مع التذكير الا تماديا في غيه وطغيانه وضلاله. والقلب الخاشع لما كان حسن القصد متواطئا على الحق طالبا له مستعدا لقبوله لما وصل اليه الحق عرفة. وعرف الحاجة بل الضرورة اليه. ففرح به واطمأن وزادت رغبته واثر في قلبه خضوعا. وفي عينه دموعا وفي جلده قشعريرة ثم يلين قلبه. ويطمئن الى ذكر الله تعالى. فهذا من هداية الله لعبده وتوفيقه اياه الا من اعرضوا فاعرض الله عنهم وقال تعالى والذين اذا ذكروا بايات ربهم لم يخروا عليها صما وعميان. اي بلخروا مبصرين منقادين لها طوعا واختيارا. وقال تعالى ان الذين اوتوا العلم من قبله اذا لا يتلى عليهم يخرون للاذقان سجدا. ويقولون سبحان ربنا ان كان وعد ربنا لمفعولا ويخرون للاذقان يبكون ويزيدهم خشوعا. فهذا تأثير ايات الله في اهل العلم الخاشعين. يجمعون بين خشوع القلب وخضوع اللسان وتضرعه وخضوع الجوارح. حيث خروا للاذقان يبكون. وقال تعالى بعدما ذكر تصفية الخاضعين اولئك الذين انعم الله عليهم من النبيين من ذرية ادم وممن حملنا مع نوح ومن ذرية ابراهيم واسرائيل وممن هدينا واجتبينا. اذا تتلى عليهم ايات الرحمن خروا سجدا وبكيا. ومن اعظم علامات الخاشعين ما ذكر الله بقوله. وبشر المخبرين ثم وصفهم فقال الذين اذا ذكر الله وجلت قلوبهم والصابرين على ما اصابهم والمقيم الصلاة ومما رزقناهم ينفقون. فلما اخبتت قلوبهم الى ربهم فذلت له وانكسرت. وتبتلت اليه تبتيلا وجلت عند ذكره وصبرت على ما اصابها من ابتلاء الله. وادت ما امرت به من الصلاة وانواع صفقات فجمع بين وصف المخبتين وبين اعمال القلوب. وهو الصبر والوجل واعمال الجوارح كلها. واقوال وهو الصلاة التي تجتمع فيها انواع التعبد. والاعمال المالية وتقديم محبة الله على محبة المال فاخرجت المال المحبوب للنفوس. في الوجوه التي يحبها الله تعالى ايثارا لربها. فهذه اوصاف المخبت الخاشع التي لا يستحق هذا لاسم من لم يتصف بها. وكذلك وصفهم بانهم الذين يعرفون الحق في مواضع الشبه فيزدادون ايمانا الى ايمانهم. كما قال تعالى وليعلم الذين اوتوا العلم انه الحق من ربك. فيؤمنوا فتخبت له قلوبهم. وان الله لهادي الذين امنوا الى صراط مستقيم. وكما قال تعالى ان الذين امنوا وعملوا الصالحات واخبتوا الى ربهم. يتضمن وصف المخبتين الخاشعين بالرجوع الى ربهم بهم في جميع الحالات. والانابة اليه في كل الاوقات. لان تعدية الفعل بالى يدل على هذا المعنى انهم لما اخبتوا الى ربهم وخضعوا لعظمته اخبتوا اليه في التعبد متذللين فتقبل منهم. واوصلهم الى وجعلهم اصحاب الجنة خالدين فيها. فلما خشعت قلوبهم خشعت اسماعهم وابصارهم والسنتهم وجوارحهم للرحمن. ومما يدل على ان هذه الاشياء تابعة للقلب في خشوعه. ما تقدم من قوله صلى الله عليه وسلم لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه. وقوله تعالى وكقوله تعالى وعنت الوجوه للحي القيوم وخشعت الاصوات للرحمن. ولهذا فسر كثير من المفسرين الذين هم في صلاتهم خاشعون انه غض البصر وقلة الحركات وعدم الالتفات. ولا شك ان هذا اثر الخشوع ودليله. فالخاشع هو الذي سكن في قلبه تعظيم الله ووقاره وتصديق وعده ووعيده. فذل وخضع وانقادت جوارحه لما امر وترك الاشهر والبطر والمرح المنافي للخشوع. وكلما بعد القلب عن هذا الوصف قسى وغلظ. فلم يخضع امر الله ولا اثر فيه الذكر. بل ربما زاد خسارا وافتتن عند المحن والشبهات. وفسق عن امر ربه يا لطيفا بالعباد. لطيفا لما يشاء. الطف بنا في جميع الامور. ما معنى لطف الله بعبده ولطفه لعبده الذي تتعلق به امال العباد. ويسألونه من ربهم. وهو احد معنيي مقتضى اسمه اللطيف. فان اللطيف بمعنى الخبير العليم قد تقرر معناه. ولكن المطلوب هنا المعنى الثاني الذي يضطر اليه العباد. ولنذكر بعض امثلته وانواعه ليتضح. فاعلم ان اللطف الذي يطلبه العباد من الله بلسان المقال ولسان الحال. هو من رحمة بل هو رحمة خاصة. فالرحمة التي تصل العبد من حيث لا يشعر بها. او لا يشعر باسبابها هي اللطف فاذا قال العبد يا لطيف الطف بي او لي واسألك لطفك فمعناه تولني ولاية خاصة. بها تصلح احوال الظاهرة والباطنة. وبها تندفع عني جميع المكروهات. من الامور الداخلية والامور الخارجية الامور الداخلية لطف بالعبد. والامور الخارجية لطف للعبد. فاذا يسر الله عبده وسهل طريق الخير. واعان عليه فقد لطف به. واذا قيض الله له اسبابا خارجية غير داخلة تحت قدرة العبد فيها صلاحه فقط قد لطف له. ولهذا لما تنقلت بيوسف عليه الصلاة والسلام تلك الاحوال. وتطورت به الاطوار من رؤياه وحسد اخوته له وسعيهم في ابعاده جدا واختصاصهم بابيهم. ثم بالخروج منه بسبب رؤيا الملك العظيمة. وانفراده تغييرها وتبوءه من الارض حيث يشاء. وحصول ما حصل على ابيه من الابتلاء والامتحان. ثم حصل بعد ذلك وازالة الاكدار وصلاح حالة الجميع والاجتباء العظيم ليوسف. عرف عليه الصلاة والسلام ان هذه الاشياء وغيرها لطف لطف الله لهم به. فاعترف بهذه النعمة فقال ان ربي لطيف لما شاء. انه هو العليم الحكيم. اي لطفه تعالى خاص لمن يشاء من عباده. ممن يعلمه على محلا لذلك واهلا له. فلا يضعه الا في محله. والله اعلم حيث يضع فضله. فاذا رأيت الله تعالى قد العبد لليسرى وسهل له طريق الخير. وذلل له صعابه. وفتح له ابوابه. ونهج له طرقه له اسبابه وجنبه العسر فقد لطف به. ومن لطفه بعباده المؤمنين انه يتولاهم بلطفه تخرجهم من الظلمات الى النور. من ظلمات الجهل والكفر والبدع والمعاصي. الى نور العلم والايمان والطاعة. ومن انه يرحمهم من طاعة انفسهم الامارة بالسوء. التي هذا طبعها وديدنها. فيوفقهم لنهي النفس عن الهوى ويصرف عنهم السوء والفحشاء. فتوجد اسباب الفتنة وجواذب المعاصي. وشهوات الغي فيرسل الله عليها برهان لطفه ونور ايمانهم. الذي من به عليهم فيدعونها مطمئنين لذلك. منشرحة لتركها صدورهم. ومن لطفه بعباده انه يقدر ارزاقهم بحسب علمه بمصلحتهم. لا بحسب مراداتهم. فقد يريدون شيئا غيره اصلح في قدر لهم الاصلح وان كرهوه. لطفا بهم وبرا واحسانا. قال تعالى الله لطيف بعباده يرزق من يشاء وهو القوي العزيز. وقال سبحانه ولو بسط الله الرزق لعباده طغوا في الارض ولكن ينزل بقدر ما يشاء. انه بعباده خبير بصير ومن لطفه بهم انه يقدر عليهم انواع المصائب ودروب المحن والابتلاء. بالامر والنهي الشاق بهم ولطفا وسوقا الى كمالهم وكمال نعيمهم. وعسى ان تكرهوا شيئا وهو خير لكم مساء تحبوا شيئا وهو شر لكم. والله يعلم وانتم لا تعلمون. ومن لطيف لطفه بعبده اذ اهله للمراتب العالية والمنازل السامية التي لا تدرك الا بالاسباب العظام التي لا يدركها الا اربابا الهمم العالية والعزائم السامية ان يقدر له في ابتداء امره بعض الاسباب المحتملة المناسبة للاسباب التي اهل لها ليتدرج من الادنى الى الاعلى. ولتتمرن نفسه ويصير له ملكة من جنس ذلك الامر. وهذا كما قدر لموسى ومحمد وغيرهما من الانبياء صلوات الله وسلامه عليهم. في ابتداء امرهم رعاية الغنم. ليتدرجوا من رعاية اية الحيوان البهيم واصلاحه الى رعاية بني ادم ودعوتهم واصلاحهم. وكذلك يضيق عبده حلاوة بعض الطاعات. فان كذبوا ويرغب ويصير له ملكة قوية بعد ذلك على طاعات اجل منها واعلى. ولم تكن تحصل بتلك الارادة السابقة حتى وصل الى هذه الارادة والرغبة التامة. ومن لطفه بعبده ان يقدر له ان يتربى في ولاية اهل الصلاح والعلم الايمان وبين اهل الخير ليكتسب من ادبهم وتأديبهم. ولينشأ على صلاحهم واصلاحهم. كما امتن الله على مريم في قوله تعالى فتقبلها ربها بقبول حسن. وانبتها نباتا حسنا وكفلها زكريا. الى اخر قصتها ومن ذلك اذا نشأ بين ابوين صالحين واقارب اتقياء او في بلد صلاح او وفقه الله لمقارنة اهل للخير وصحبتهم او لتربية العلماء الربانيين. فان هذا من اعظم لطفه بعبده. فان صلاح العبد موقوف على اسباب كثيرة منها بل من اكثرها واعظمها نفعا هذه الحالة. ومن ذلك اذا نشأ العبد في بلد اهله على مذهب اهل السنة والجماعة فان هذا لطف له. وكذلك اذا قدر الله ان يكون مشايخه الذين يستفيد منهم الاحياء منهم والاموات اهل وتقى فان هذا من اللطف الرباني. ولا يخفى لطف الباري في وجود شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله. في اثناء قرونه هذه الامة وتبيين الله به وبتلامذته من الخير الكثير. والعلم الغزير وجهاد اهل البدع والتعطيل والكفر. ثم كتبه في هذه الاوقات فلا شك ان هذا من لطف الله لمن انتفع بها. وانه يتوقف خير كثير على وجودها ولله الحمد والمنة والفضل. ومن لطف الله بعبده ان يجعل رزقه حلالا في راحة وقناعة يحصل به المقصود. ولا يشغله عما خلق له من العبادة والعلم والعمل. فليعينه على ذلك ويفرغه ويريح خاطره واعضاءه. ولهذا من لطف الله تعالى لعبده انه ربما طمحت نفسه لسبب من الاسباب الدنيوية التي يظن فيها ادراك بغيته. فيعلم الله الله تعالى انها تضره وتصده عما ينفعه فيحول بينه وبينها. فيظل العبد كارها ولم يدري ان ربه قد لطف به حيث ابقى له الامر النافع وصرف عنه الامر الضار. ولهذا كان الرضا بالقضاء في مثل هذه الاشياء من اعلى المنازل ومن لطف الله بعبده اذا قدر له طاعة جليلة لا تنال الا باعوان ان يقدر له اعوانا عليها ومساعدين على حملها قال موسى عليه السلام واجعل لي وزيرا من اهلي هارون اخي اشدد به ازري واشركه في امري كي نسبحك كثيرا ونذكرك كثيرا. كذلك امتن على عيسى بقوله واذ اوحيت الى الحواريين ان بي وبرسولي قالوا امنا واشهد باننا مسلمون. وامتن على سيد الخلق في قوله هو الذي ايدك بنصره وبالمؤمنين. وهذا لطف لعبده خارج عن قدرته. ومن هذا لطف الله بالهاديين اذا قيد الله من يهتدي ويقبل ارشادهم فتتضاعف بذلك الخيرات والاجور التي لا يدركها العبد بمجرد فعله بل هي مشروطة امر خارجي. ومن لطف الله بعبده ان يعطي عبده من الاولاد والاموال والازواج. ما به تقر عينه في الدنيا. ويحصد له به السرور ثم يبتليه ببعض ذلك ويأخذه ويعوضه عليه الاجر العظيم. اذا صبر واحتسب. فنعم رحمة الله عليه باخذه على هذا الوجه اعظم من نعمته عليه في وجوده وقضاء مجرد وتره الدنيوي منه. وهذا ايضا خير خير واجر خارج عن احوال العبد بنفسه. بل هو لطف من الله قيد له اسبابا اعاده عليها الثواب الجزيل والاجر ومن لطف الله بعبده ان يبتليه ببعض المصائب فيوفقه للقيام بوظيفة الصبر فيها. فينيله درجات عالية لا يدركها بعمله. وقد يشدد عليه الابتلاء بذلك. كما فعل بايوب عليه السلام. ويوجد في قلبه حلاوة روح الرجاء وتأمين الرحمة وكشف الضر فيخف المه وتنشط نفسه. ولهذا من لطف الله بالمؤمنين ان جعل في قلوبهم الاجر فخفت مصائبهم وهان ما يلقون من المشاق في حصول مرضاته. ومن لطف الله بعبده المؤمن الضعيف ان يعافيه من اسباب الابتلاء التي تضعف ايمانه وتنقص ايقانه. كما ان من لطفه بالمؤمن القوي تهيئة اسباب الابتلاء والامتحان ويعينه عليها ويحملها عنه. ويزداد بذلك ايمانه ويعظم اجره. فسبحان اللطيف في ابتلاءاته عافيته وعطائه ومنعه. ومن لطف الله بعبده ان يسعى لكمال نفسه مع اقرب طريق يوصله الى ذلك. مع وجود بها من الطرق التي تبعد عليه. فييسر عليه التعلم من كتاب او معلم يكون حصول المقصود به اقرب واسهل. وكذلك لعبادات يفعلها بحالة اليسر والسهولة وعدم التعويق عن غيرها مما ينفعه. فهذا من اللطف. ومن لطف الله بعبده قدر الواردات الكثيرة والاشغال المتنوعة والتدبيرات والتعلقات الداخلة والخارجة التي لو قسمت على امة من الناس لعجزت قواهم عليها ان يمن عليه بخلق واسع وصدر متسع وقلب منشرح. بحيث يعطي كل فرد من افرادها نظرا ثاقبا وتدبيرا تاما. وهو غير مكترث ولا منزعج لكثرتها وتفاوتها. بل قد اعانه الله عليها ولطف به فيها ولطف له في تسهيل اسبابها وطرقها. واذا اردت ان تعرف هذا الامر فانظر الى حالك المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي بعثه الله بصلاح الدارين وحصول السعادتين وبعثه مكملا لنفسه مكملا لامة عظيمة هي خير الامم. ومع هذا مكنه الله ببعض عمره الشريف. في نحو ثلث عمره ان يقوم بامر لله كله على كثرته وتنوعه. وان يقيم لامته جميع دينهم. ويعلمهم جميع اصوله وفروعه. ويخرج الله به امة كبيرة من الظلمات الى النور. ويحصل به من المصالح والمنافع والخير والسعادة للخاص والعام. ما لا تقوم به امة من الخلق. ومن لطف الله تعالى بعبده ان يجعل ما يبتليه به من المعاصي سببا لرحمته. فيفتح له عند وقوع ذلك باب التوبة والتضرع والابتهال الى ربه. وازدراء نفسه واحتقارها وزوال العجب والكبر من قلبه. ما هو خير له كثير من الطاعات ومن لطفه بعبده الحبيب عنده اذ مالت نفسه مع شهوات النفس الضارة واسترسلت في ذلك ان ينغصها عليه ويكدرها. فلا يكاد يتناول منها شيئا الا مقرونا بالمكدرات. محشوا بالغصص. بالا يميل معها كل الميل كما ان من لطفه به ان يلذذ له التقربات. ويحلي له الطاعات ليميل اليها كل الميل. ومن لطيف لطف الله بعبده ان يأجره على اعمال لم يعملها بل عزم عليها. فيعزم على قربة من القرب. ثم تنحل عزيمته لسبب من الاسباب فلا يفعلها. فيحصل له اجرها. فانظر كيف لطف الله به. فاوقعها في قلبه وادارها في ضميره. وقد علم تعالى انه لا يفعلها سوقا لبره لعبده واحسانه بكل طريق. والطف من ذلك ان يقيض لعبده طاعة غير التي عزم عليها هي انفع له منها. فيدع العبد الطاعة التي ترضي ربه لطاعة اخرى هي ارضى لله منه ستحصل له المفعولة بالفعل والمعزوم عليها بالنية. واذا كان من يهاجر الى الله ورسوله ثم يدركه الموت قبل حصوله مقصوده قد وقع اجره على الله. مع ان قطع الموت بغير اختياره. فكيف بمن قطعت عليه نيته الفاضلة طاعة قد عاد على فعلها وربما ادار الله في ضمير عبده عدة طاعات. كل طاعة لو انفردت لفعلها العبد لكمال رغبته ولا يمكن فعل شيء منها الا بتفويت الاخرى. فيوفقه للموازنة بينها وايثار افضلها فعلا. مع رجاء حصوله جميعها عزما ونية. والطف من هذا ان يقدر تعالى لعبده ويبتليه بوجود اسباب المعصية. ويوفر له دواعيه وهو تعالى يعلم انه لا يفعلها. ليكون تركه لتلك المعصية التي توفرت اسباب فعلها. من اكبر الطاعات كما لطف بيوسف عليه السلام في مراودة المرأة. واحد السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل الا ظله رجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال اني اخاف الله رب العالمين. ومن لطف الله بعبده ان يقدر خيرا واحسانا من عبده ويجريه على يد عبده الاخر. ويجعله طريقا الى وصوله للمستحق. فيثيب الله الاول ولو الاخر ومن لطف الله بعبده ان يجري بشيء من ما له شيئا من النافع وخيرا لغيره. فيثيبه من حيث لا يحتسب. فمن غرس غرسا او زرع زرعا فاصابت منه روح من الارواح المحترمة شيئا. اجر الله صاحبه وهو لا يدري. خصوصا اذا كانت عنده نية حسنة. وعقد مع ربه عقدا في انه مهما ترتب على ما له شيء من النفع. فاسألك يا رب ان تأجرني وان تجعله قربة لي عندك. وكذلك لو كان له بهائم انتفع بدرها وركوبها والحمل عليها او مساكن انتفع بسكناها ولو شيئا قليلا او ماعون ونحوه انتفع به او عين شرب منها. وغير ذلك ككتاب انتفع به في تعلم شيء منه او مصحف قرأ فيه والله ذو الفضل العظيم. ومن لطف الله بعبده ان يفتح له بابا من ابواب الخير. لم يكن له على بال وليس ذلك لقلة رغبته فيه. وانما هو غفلة منه. وذهول عن ذلك الطريق. فلم يشعر الا وقد وجد في قلبه الداعي اليه واللافت اليه. ففرح بذلك وعرف انها من الطاف سيده وطرقه التي قيد وصولها اليه فصرف لها ضميره ووجه اليها فكرة. وادرك منها ما شاء الله وفتح. قوله تعالى ليس على الذين امنوا عملوا الصالحات جناح فيما طعموا اذا ما اتقوا وامنوا وعملوا الصالحات. ثم اتقوا وامنوا ثم اتقوا واحسنوا الله يحب المحسنين. تأملت في فائدة تكرار التقوى في هذه الاية ثلاث مرات. فوقع لي احد وجهين. احدهم ان الاول للماضي والثاني للحال والثالث في المستقبل. وبيان ذلك ان قوله تعالى ليس على الذين امنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا. ان جناح نكرة في سياق النفي. فتعم الماضي والمستقبل والحال لانه نفى الجناح عن المؤمنين مطلقا. وهذا النفي العام لا ينطبق الا على الاحوال الثلاثة. ويكون هذا التكرار من محترازات القرآن التي يحترز الباري فيها عن كل حال تقدر وتمكن. لانهم لو اتقوا في الماضي او في الحال او فيهما دون المستقبل لم يصدق عليهم نفي الجناح. ولابد في كل حالة من الاحوال التي تقام فيها التقوى من الايمان والعمل الصالح. ومن الايمان والاحسان يؤيد هذا الاحتمال قوله. فمن تعجل في يومين فلا اثم عليه ومن تأخر فلا اثم عليه لمن اتقى. واتقوا الله فان قوله فلا اثم عليه نظير جناح. ولما كانت هذه الاية لا يتصور فيها الماضي كما هو بين. لانه شرط وجزاء للمستقبل يصلح للحال قال فلا اثم عليه. يعني في الحال لمن اتقى الله فيها. ثم ذكر ما يصلح للمستقبل. فقال واتقوا الله فاذا قارنت هذه بتلك بانت لك فائدة التكرار وان ذلك لاجل عموم الازمنة. الوجه الثاني ان الاول في مقام الاسلام والثاني في مقام الايمان. والثالث في مقام الاحسان. والمؤمن لا تكمن تقواه حتى يترك ما حرم الله ولا يتم دينه الا بهذه المقامات الثلاثة. لان مقام الاسلام يقتضي جود الاعمال الظاهرة مع الايمان والتقوى. فقال فيها اذا ما اتقوا وامنوا وعملوا الصالحات. ومقام الايمان لابد فيه من القيام باركان الايمان مع التقوى. فقال فيه ثم اتقوا وامنوا ومقام الاحسان لابد فيه من المقام بالاحسان مع التقوى. فقال فيه ثم اتقوا واحسنوا. فنفي الجناح العام لا يكون الا لمن قام بمقامات الدين كلها. وعلى هذين الوجهين ففي الاية الكريمة من بيان جلالة القرآن وعظمته. واحكام معانيه ورصانتها وعدم اختلالها واختلافها ما يشهد به العبد انه كلام الله حقا وصدقا وعدلا وانه محتوي على اعلى رتب البلاغة لا يقاربه فيها اي كلام كان. وقد يقال ان كلا الوجهين مراد. لان اللفظ لا يأباه والمعنى مفتقر اليه. وطريقة القرآن انه يحمل على اعم الوجوه المناسبة. لانه تنزيل من حكيم حميد اليم بكل شيء. والله اعلم بمراده واسرار كتابه. اللهم ذكرنا منه ما نسينا. وعلمنا منه ما جهلنا وجعلنا ممن يتلونه حق تلاوته. اقول ولما ختم المؤلف رحمه الله كلامه على معنى لطيف. قال وارجو من الله ان يكون ما نحن فيه من هذا النوع. فان جنس هذه الفوائد المذكورة في هذه الرسالة قد كانت تعرض لي كثيرا اثناء القراءة لكتاب الله. فاتهاون بها ولم اقيدها فيضيع شيء كثير. فلما كان اول يوم من هذا الشهر المبارك اوقع في قلبي ان اقيد ما يمر علي من الفوائد والمعاني المتضحة. التي لا اعلم انها وقعت لي قبل ذلك فعملت على هذا النمط حتى كان الانتهاء الى لطف الله. كما كان الابتداء بلطف الله بهذه الرسالة اللطيفة. وكان ذلك موافقا للثامن والعشرين من هذا الشهر المبارك. الذي حصل به الابتداء في الثامن والعشرين من شهر رمضان سنة سبع اربعين وثلاثمائة والف من الهجرة. والحمدلله اولا واخرا وظاهرا وباطنا. حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه صلى الله على محمد وسلم. وقد تمت هذه الرسالة على يد جامعها الفقير الى ربه من كافة الوجوه. عبدالرحمن بن ناصر ابن عبد الله ابن سعدي المتوفى سنة ست وسبعين وثلاثمائة والف من الهجرة في ليلة الخميس الموافق الثالث والعشرين من من شهر جمادى الاخرة غفر الله له وتغمده برحمته ورضوانه واسكنه فسيح جناته انه سميع مجيب