يبين الله لك اخبر تعالى ان الناس استفتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم اي في الكلالة بدليل قوله قل الله يفتيكم في الكلالة وهي الميت يموت وليس له ولد فمن عصاه وتجرأ على محارمه فاحذروا المحارم لئلا يحل بكم عقابه العاجل والاجل وما اكل السبع الا ما ذكيتم وما ذب هذا الذي حولنا الله عليه في قوله الا ما فبعث الله غرابا يبحث في الارض اي يثيرها ليدفن غرابا اخر ميتا ليريه له بذلك كيف يواري سوءة اخيه اي بدنه. لان بدن الميت يكون عورة وهكذا عاقبة المعاصي الندامة والخسارة ولقد جاءتهم رسلنا بالبينات ثم يقول تعالى من اجل ذلك الذي ذكرناه في قصة ابني ادم وقتل احدهما اخاه. وسنهم القتل لمن بعده. وان القتل عاقبته وخيمة وخسارة في الدنيا والاخرة المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي يخبر تعالى انه لا يحب الجهر بالسوء من القول اي يبغض ذلك ويمقته ويعاقب عليه يشمل ذلك جميع الاقوال السيئة التي تسوء وتحزن كالشتم والقذف والسب ونحو ذلك. فان ذلك كله من المنهي عنه. الذي يبغضه الله ويدل مفهومها انه يحب الحسن من القول كالذكر والكلام الطيب اللين. وقوله الا من ظلم. اي فانه يجوز ان يدعو على من ظلمه ويشتكي منه. ويجهر بالسوء لمن جهر له به. من غير ان يكذب عليه. ولا يزيد على مظلمته. ولا يتعدى لشتمه غير ظالمه. ومع ذلك فعفوه وعدم مقابلته اولى. كما قال تعالى فمن عفا واصلح فاجره على الله وكان الله سميعا عليما. ولما كانت الاية قد اشتملت على الكلام السيء والحسن والمباح. اخبر تعالى انه سميع فيسمع اقواله لكم فاحذروا ان تتكلموا بما يغضب ربكم. فيعاقبكم على ذلك. وفيه ايضا ترغيب على القول الحسن. عليم بنياتكم ثم مصدر اقوالكم ثم قال تعالى ان تبدوا خيرا او تخفوه. وهذا يشمل كل خير قولي وفعلي. ظاهر وباطن من واجب ومستحب او تعفو عن سوء اي عمن ساءكم في ابدانكم واموالكم واعراضكم. فتسمحوا عنه فان الجزاء من جنس العمل. فمن عفى لله عفا الله عنه. ومن احسن احسن الله اليه. فلهذا قال فان الله كان عفوا قديرا. اي يعفو عن زلات عباده العظيمة فيسدل عليهم ستره ثم يعاملهم بعفوه التام الصادر عن قدرته. وفي هذه الاية ارشاد الى التفقه في معاني اسماء الله صفاته وان الخلق والامر صادر عنها وهي مقتضية له. ولهذا يعلل الاحكام بالاسماء الحسنى كما في هذه الاية. لما ذكر عمل الخير والعفو عن المسيء رتب على ذلك بان احالنا على معرفة اسمائه. وان ذلك يغنينا عن ذكر ثوابها الخاص ان الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون ان يفرقوا بين الله ورسله نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون ان يتخذوا بين ذلك سبيلا. هنا قص اسمان قد وضحا لكل احد مؤمن بالله وبرسله كلهم وكتبه. وكافر بذلك كله. وبقي قسم ثالث وهو الذي يزعم انه يؤمن ببعض الرسل دون بعض وان هذا سبيل ينجيه من عذاب الله. ان هذا الا مجرد اماني. فان هؤلاء يريدون التفريق بين الله وبين رسله. فان من تولى الله حقيقة. تولى جميع رسله. لان ذلك من تمام توليه. ومن عادى احدا من رسله فقد عادى الله وعادى جميع رسله. كما قال فالذين فعلوا هذه الافاعيل لا يستنكر عليهم ان يسألوا الرسول محمدا ان ينزل عليهم كتابا من السماء. وهذه الطريقة من احسن الطرق لمحاجة الخصم المبطل. وهو انه اذا صدر منه من الاعتراض الباطل ما جعله شبهة له ولغيره في رد الحق. ان تعالى من كان عدوا لله الايات. وكذلك من كفر برسول فقد كفر بجميع الرسل. بل بالرسول الذي يزعم انه به مؤمن ولهذا قال اولئك هم الكافرون حقا اولئك هم الكافرون حقا. وذلك لان لا يتوهموا ان مرتبتهم متوسطة بين الايمان والكفر. ووجه كونهم كافرين حتى بما زعموا الايمان به ان كل دليل دلهم على الايمان بمن امنوا به موجود هو او مثله او ما فوقه للنبي الذي كفروا به. وكل شبهة ان يزعمون انهم يقدحون بها في النبي الذي كفروا به. موجود مثلها او اعظم منها فيمن امنوا به. فلم يبق بعد ذلك الا التشهي والهوى هو مجرد الدعوة التي يمكن كل احد ان يقابلها بمثلها. ولما ذكر ان هؤلاء هم الكافرون حقا. ذكر عقابا شاملا لهم ولكل كافر فقال واعتدنا للكافرين عذابا مهينا. كما تكبروا عن الايمان بالله اهانهم بالعذاب الاليم المقبل والذين امنوا بالله ورسله ولم يفرطوا بين احد منهم اولئك سوف والذين امنوا بالله وهذا يتضمن الايمان بكل ما الله به عن نفسه وبكل ما جاءت به الرسل من الاخبار والاحكام. ولم يفرقوا بين احد من رسله. بل امنوا بهم كلهم فهذا الايمان الحقيقي واليقين المبني على البرهان. اولئك سوف يؤتيهم اجورهم. اي جزاء ايمانهم وما ترتب عليه من عمل صالح صالح وقول حسن وخلق جميل. كل على حسب حاله. ولعل هذا هو السر في اضافة الاجور اليهم. وكان الله غفورا رحيما فيما يغفر السيئات ويتقبل الحسنات بعد ما جاءتهم البينات فعفونا فعفونا عن ذلك واتينا موسى وقلنا له ادخلوا الباب سجدا وقلنا لهم لا تعدو في السبت واخذنا منهم بل طبع الله عليها بكفرهم وبكفرهم وقولهم على مريم بهتانا عظيم المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وان الذين اختلفوا فيه لفي شك منهما لهم به من علم الا اتباع الظن وما قتلوه يقينا بل رفعه الله اليه. وكان الله عزيزا حكيما هذا السؤال الصادر من اهل الكتاب للرسول محمد صلى الله عليه وسلم على وجه العناد والاقتراح وجعلهم هذا السؤال يتوقف وعليه تصديقهم او تكذيبهم. وهو انهم سألوه ان ينزل عليهم القرآن جملة واحدة. كما نزلت التوراة والانجيل. وهذا غاية ظلمي منهم والجهل فان الرسول بشر عبد مدبر. ليس في يده من الامر شيء. بل الامر كله لله. وهو الذي يرسل وينزل ما يشاء على عباده كما قال تعالى عن الرسول لما ذكر الايات التي فيها اقتراح المشركين على محمد قل سبحان ربي هل كنت الا يا بشر الرسول وكذلك جعلهم الفارق بين الحق والباطل. مجرد انزال الكتاب جملة او مفرقا. مجرد دعوة لا دليل عليه ولا مناسبة بل ولا شبهة. فمن اين يوجد في نبوة احد من الانبياء؟ ان الرسول الذي يأتيكم بكتاب نزل مفرقا فلا تؤمنوا به ولا تصدقوه. بل نزول هذا القرآن مفرقا بحسب الاحوال. مما يدل على عظمته واعتناء الله بمن انزل عليه كما قال تعالى وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة. كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا ولا يأتونك بمثل الا جئناك بالحق واحسن تفسيرا. فلما ذكر اعتراضهم الفاسد اخبر انه ليس بغريب من امرهم بل سبق له من المقدمات القبيحة ما هو اعظم مما سلكوا مع الرسول الذي يزعمون انهم امنوا به. من سؤالهم له رؤية الله عيانا واتخاذهم العجل الها يعبدونه من بعد ما رأوا من الايات بابصارهم ما لم يره غيرهم. ومن امتناعه من قبول احكام كتابه وهو التوراة حتى رفع الطور من فوق رؤوسهم. وهددوا انهم ان لم يؤمنوا اسقط عليهم. فقبلوا ذلك على وجه الاغماض والايمان عن الشبيه بالايمان الضروري. ومن امتناعه من دخول ابواب القرية التي امروا بدخولها سجدا مستغفرين. فخالفوا القول والفعل. ومن اعتداء من اعتدى منهم في السبت فعاقبهم الله تلك العقوبة الشنيعة وباخذ الميثاق الغليظ عليهم فنبذوه وراء ظهورهم وكفروا بايات الله وقتلوا رسله بغير حق. ومن قولهم انهم قتلوا المسيح عيسى وصلبوه. والحال انهم ما قتلوه وما صلبوه بل شبه لهم غيره فقتلوا غيره وصلبوه وادعائهم ان قلوبهم غلف لا تفقه ما تقوله لهم ولا تفهمه. وبصدهم الناس عن سبيل الله فصدوهم عن الحق. ودعوهم الى ما هم عليه من الضلال والغي. وباخذهم السحت والربا. مع نهي الله لهم عنه والتشديد من حاله الخبيثة وافعاله الشنيعة ما هو من اقبح ما صدر منه ليعلم كل احد ان هذا الاعتراض من ذلك الوادي الخسيس وان له يجعل هذا معها. وكذلك كل اعتراض يعترضون به على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم. يمكن ان يقابل بمثله او ما هو واقوى منه في نبوة من يدعون ايمانهم به. ليكتفي بذلك شرهم وينقمع باطلهم. وكل حجة سلكوها في تقريرهم لنبوة لمن امنوا به فانها ونظيرها وما هو اقوى منها دالة ومقررة لنبوة محمد صلى الله عليه وسلم. ولما كان من تعديد ما عدد الله من قبائحهم هذه المقابلة لم يبسطها في هذا الموضع بل اشار اليها واحال على مواضعها وقد بسطها في غير في هذا الموضع في المحل اللائق ببسطها. وقوله ليؤمنن به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا. وان من اهل الكتاب الا ليؤمنن به قبل موته. يحتمل ان الضمير هنا في قوله قبل موته يعود الى اهل الكتاب. فيكون على هذا كل كتابي يحضره الموت ويعاين الامر حقيقة. فان انه يؤمن بعيسى عليه السلام ولكنه ايمان لا ينفع ايمان اضطرار فيكون مضمون هذا التهديد لهم والوعيد الا يستمروا على هذه الحالة التي سيندمون عليها قبل مماتهم. فكيف يكون حالهم يوم حشرهم وقيامهم؟ ويحتمل ان الضمير في قوله قبل موته راجع الى عيسى عليه السلام. فيكون المعنى وما من احد من اهل الكتاب الا ليؤمنن بالمسيح عليه السلام قبل موت المسيح. وذل ذلك يكون عند اقتراب الساعة وظهور علاماتها الكبار. فانها تكاثرت الاحاديث الصحيحة في نزوله عليه السلام. في اخر هذه الامة يقتل الدجال ويضع الجزية ويؤمن به اهل الكتاب مع المؤمنين. ويوم القيامة يكون عيسى عليهم شهيدا يشهد عليهم اعمالهم؟ وهل هي موافقة لشرع الله ام لا؟ وحينئذ لا يشهد الا ببطلان كل ما هم عليه مما هو مخالف لشريعة القرآن. ولما اليه محمد صلى الله عليه وسلم. علمنا بذلك لعلمنا بكمال عدالة المسيح عليه السلام وصدقه. وانه لا يشهد الا بالحق الا ان ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم هو الحق. وما عداه فهو ضلال وباطل. فبظلم من الذين ثم اخبر تعالى انه حرم على اهل الكتاب كثيرا من الطيبات التي كانت حلالا عليهم. وهذا تحريم عقوبة بسبب ظلمهم واعتدائهم وصدهم الناس عن سبيل الله. ومنعهم اياهم من الهدى وباخذهم الربا وقد نهوا عنه. فمنعوا المحتاجين ممن يبايعونه عن العدل فعاقبهم الله من جنس فعلهم فمنعهم من كثير من الطيبات التي كانوا بصدد حلها لكونها طيبة. واما التحريم الذي على هذه الامة فانه تحريم تنزيه لهم عن الخبائث التي تضرهم في دينهم ودنياهم. لكن الراسخون في العلم والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة والمؤمنون بالله واليوم الاخر نؤتيهم اجرا عظيما. لما ذكر معايب اهل الكتاب ذكر الممدوحين منهم فقال لكن الراسخون في العلم اي الذي ثبت العلم في قلوبهم ورسخ الايقان في افئدتهم. فاثمر لهم الايمان التام العام. بما انزل اليك وما انزل من قبلك واثمر لهم الاعمال الصالحة من اقامة الصلاة وايتاء الزكاة. الذين هما افضل الاعمال. وقد اشتملتا على الاخلاص للمعبود والاحسان الى العبيد وامنوا باليوم الاخر فخافوا الوعيد ورجوا الوعد. اولئك سنؤتيهم اجرا عظيما. لانهم جمعوا بين العلم والايمان الايمان والعمل الصالح والايمان بالكتب والرسل السابقة واللاحقة اسماعيل واسحاق ويعقوب اسباط والاسباط وعيسى وايوب ويونس وهارون وسليمان واتينا داوود يخبر تعالى انه اوحى الى عبده ورسوله من الشرع العظيم والاخبار الصادقة. ما اوحى الى هؤلاء الانبياء عليهم الصلاة والسلام السلام وفي هذا عدة فوائد. منها ان محمدا صلى الله عليه وسلم ليس ببدع من الرسل. بل ارسل الله قبله من المرسلين العدد الكثير والجم الغفير. فاستغراب رسالته لا وجه لها الا الجهل او العناد. ومنها انه اوحى اليه كما اوحى اليه من الاصول والعدل الذي اتفقوا عليه. وان بعضهم يصدق بعضا. ويوافق بعضهم بعضا. ومنها انه من جنس هؤلاء الرسل فليعتبره المعتبر باخوانه المرسلين. فدعوته دعوتهم واخلاقهم متفقة. ومصدرهم واحد وغايتهم واحدة. فلا لم يقرنه بالمجهولين ولا بالكذابين ولا بالملوك الظالمين. ومنها ان في ذكر هؤلاء الرسل وتعدادهم من التنويه بهم والثناء الصادق عليهم وشرح احوالهم مما يزداد به المؤمن ايمانا بهم ومحبة لهم واقتداء بهديهم ومعرفة بحقوقهم ويكون ذلك مصداقا لقوله سلام على نوح في العالمين. سلام على ابراهيم. سلام على موسى وهارون. سلام على ياسين انا كذلك نجزي المحسنين. فكل محسن له من الثناء الحسن بين الانام بحسب احسانه. والرسل خصوصا هؤلاء المسمون في المرتبة العليا من الاحسان ولما ذكر اشتراكهم بوحيه ذكر تخصيص بعضهم فذكر انه اتى داود الزبور وهو الكتاب باب المعروف المزبور الذي خص الله به داوود عليه السلام لفضله وشرفه وانه كلم موسى تكليما اي مشافهة منه اليه لا بواسطة حتى اشتهر بهذا عند العالمين. فيقال موسى كليم الرحمن. ورسلا قد قصصناهم عليه وذكر ان الرسل منهم من قصهم والله على رسوله ومنهم من لم يقصصه عليه وهذا يدل على كثرتهم وكان الله عزيزا حكيما. وان الله ارسلهم مبشرين لمن اطاع الله واتبعهم بالسعادة الدنيوية والاخروية. ومنذرين من عصى الله وخالفهم بشقاوة الدارين. لان لا يكون ان للناس على الله حجة بعد الرسل. فيقول ما جاءنا من بشير ولا نذير. قل قد جاءكم بشير ونذير. فلم يبق للخلق على الله لارساله الرسل تترا. يبينون لهم امر دينهم ومراضي ربهم. ومساخطه وطرق الجنة وطرق النار. فمن كفر منه ثم بعد ذلك فلا يلومن الا نفسه. وهذا من كمال عزته تعالى وحكمته. ان ارسل اليهم الرسل وانزل عليهم الكتب ايضا من فضله واحسانه. حيث كان الناس مضطرين الى الانبياء اعظم ضرورة تقدر. فازال هذا الاضطرار فله الحمد والشكر ونسأله كما ابتدأ علينا نعمته بارسالهم ان يتمها بالتوفيق لسلوك طريقهم. انه جواد كريم. لكن الله يشهد بما انزل اليك انزله بعلمه وكفى بالله شهيدا. لما ذكر ان الله اوحى الى رسوله محمد صلى الله عليه وسلم كما اوحى الى اخوانه من المرسلين. اخبر هنا بشهادته تعالى على رسالته وصحة ما جاء به. وانه انزله بعلمه. يحتمل ان يكون المراد انزله مشتملا على علمه. اي فيه من العلوم الالهية والاحكام الشرعية والاخبار الغيبية. ما هو من علم الله تعالى الذي علم به عباده. ويحتمل ان يكون المراد انزله صادرا عن علمه. ويكون في ذلك اشارة وتنبيه على وجه شهادته وان المعنى اذا كان تعالى انزل هذا القرآن المشتمل على الاوامر والنواهي. وهو يعلم ذلك ويعلم حالة الذي انزله عليه. وانه الناس اليه فمن اجابه وصدقه كان وليه ومن كذبه وعاداه كان عدوه واستباح ماله ودمه. والله تعالى يمكن ويوالي نصره ويجيب دعواته ويخذل اعداءه وينصر اولياءه. فهل توجد شهادة اعظم من هذه الشهادة واكبر ولا يمكن القدح في هذه الشهادة الا بعد القدح بعلم الله وقدرته وحكمته. واخباره تعالى بشهادة الملائكة على ما انزل على رسوله لكمال ايمانهم ولجلالة هذا المشهود عليه. فان الامور العظيمة لا يستشهد عليها الا الخواص. كما قال تعالى في الشهادة على التوحيد شهد الله انه لا اله الا هو والملائكة واولو العلم قائما بالقسط. لا اله الا هو العزيز الحي وكفى بالله شهيدا ان الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله قد ضلوا ضلالا بعيدا. لما اخبر عن رسالة رسل صلوات الله وسلامه عليهم. واخبر برسالة خاتمهم محمد وشهد بها وشهدت ملائكته لزم من ذلك ثبوت الامر في المقرر والمشهود به فوجب تصديقهم والايمان بهم واتباعهم. ثم توعد من كفر بهم ان الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله اي جمعوا بين الكفر بانفسهم وصدهم الناس عن سبيل الله. وهؤلاء هم ائمة الكفر ودعاة الضلال. قد ضلوا ضلالا بعيدا واي ضلال اعظم من ضلال من ضل بنفسه واضل غيره. فباء بالاثنين ورجع بالخسارتين. وفاتته الهدايتان ولهذا قال ولا ليهديهم طريقا الا طريق جهنم خالدين فيها خالدين ان الذين كفروا وظلموا الظلم هو زيادة على كفرهم. والا فالكفر عند اطلاق الظلم يدخل فيه. والمراد بالظلم هنا اعمال الكفر والاستغراق فيه فهؤلاء بعيدون من المغفرة والهداية للصراط المستقيم. ولهذا قال لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقا اه الا طريق جهنم وانما تعذرت المغفرة لهم والهداية. لانهم استمروا في طغيانهم وازدادوا في كفرهم. فطبع على بهم وانسدت عليهم طرق الهداية بما كسبوا. وما ربك بظلام للعبيد. وكان ذلك على الله يسيرا. اي لا يبالي الله به ثم ولا يعبأ لانهم لا يصلحون للخير ولا يليق بهم الا الحالة التي اختاروها لانفسهم قد جاءكم الرسول بالحق من ربكم فامنوا خيرا لكم وان تكفروا فان لله ما يأمر تعالى جميع الناس ان يؤمنوا بعبده ورسوله محمد صلى صلى الله عليه وسلم. وذكر السبب الموجب للايمان به. والفائدة من الايمان به. والمضرة من عدم الايمان به. فالسبب الموجب هو اخباره بانه جاءهم بالحق. اي فمجيئه نفسه حق. وما جاء به من الشرع حق. فان العاقل يعرف ان بقاء الخلق في جهلهم يعمهون. وفي كفرهم يترددون. والرسالة قد انقطعت عنهم غير لائق بحكمة الله ورحمته. فمن حكمة ورحمته العظيمة نفس ارسال الرسول اليهم. ليعرفهم الهدى من الضلال والغي من الرشد. فمجرد النظر في رسالته مقاطعون على صحة نبوته. وكذلك النظر الى ما جاء به من الشرع العظيم والصراط المستقيم. فان فيه من الاخبار بالغيوب الماضية والمستقبلة والخبر عن الله وعن اليوم الاخر. ما لا يعرفه الا بالوحي والرسالة. وما فيه من الامر بكل خير وصلاح رشد وعدل واحسان وصدق وبر وصلة وحسن خلق ومن النهي عن الشر والفساد والغي والظلم وسوء الخلق الكذب والعقوق مما يقطع به انه من عند الله. وكلما ازداد به العبد بصيرة ازداد ايمانه ويقينه. فهذا السبب الداعي عيد الايمان. واما الفائدة في الايمان فاخبر انه خير لكم. والخير ضد الشر. فالايمان خير للمؤمنين في ابدانهم قلوبهم وارواحهم ودنياهم واخراهم. وذلك لما يترتب عليه من المصالح والفوائد. فكل ثواب عاجل واجل. فمن ثمرة الايمان فالنصر والهدى والعلم والعمل الصالح. والسرور والافراح والجنة. وما اشتملت عليه من النعيم. كل ذلك سبب الايمان كما ان الشقاء الدنيوية والاخروي من عدم الايمان او نقصه. واما مضرة عدم الايمان به صلى الله عليه وسلم فيعرف بضد ما يترتب على الايمان به. وان العبد لا يضر الا نفسه. والله تعالى غني عنه. لا تضره معصية العاصين ولهذا قال فان لله ما في السماوات والارض. اي الجميع خلقه وملكه وتحت تدبيره وتصريفه الله عليما بكل شيء حكيما في خلقه وامره فهو العليم بمن يستحق الهداية والغواية الحكيم في وضع الهداية رواية موضعهما يا اهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله الا الحق مريم رسول الله وكلمته القاها الى مريم وروح منه. فامنوا بالله ورسله ينهى تعالى اهل الكتاب عن الغلو في الدين. وهو مجاوزة الحد والقدر المشروع الى ما ليس بمشروع. وذلك كقول النصارى في غلو بعيسى عليه السلام ورفعه عن مقام النبوة والرسالة. الى مقام الربوبية الذي لا يليق بغير الله. فكما ان التقصير تفريط من المنهيات فالغلو كذلك. ولهذا قال ولا تقولوا على الله الا الحق. وهذا الكلام يتضمن ثلاثة اشياء امرين منهي عنهما وهما قول الكذب على الله والقول بلا علم في اسمائه وصفاته وافعاله وشرعه ورسله والثالث مأمور به وهو قول الحق في هذه الامور. ولما كانت هذه قاعدة عامة كلية وكان السياق في شأن عيسى عليه السلام نص على قول الحق فيه المخالف لطريقة اليهودية والنصرانية فقال انما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله اي غاية المسيح عليه السلام ومنتهى ما يصل اليه من مراتب الكمال اعلى حالة تكون للمخلوقين وهي درجة الرسالة التي هي اعلى الدرجات واجل المثوبات. وانه كلمته القاها الى مريم. اي كلمة تكلم الله بها بها فكان بها عيسى ولم يكن تلك الكلمة. وانما كان بها وهذا من باب اضافة التشريف والتكريم. وكذلك قوله وروح منه اي من الارواح التي خلقها وكملها بالصفات الفاضلة والاخلاق الكاملة. ارسل الله روحه جبريل عليه السلام فنفخ في فرج مريم عليها السلام فحملت باذن الله بعيسى عليه السلام. فلما بين حقيقة عيسى عليه السلام امر اهل الكتاب بالايمان به وبرسله. ونهاهم ان يجعلوا الله ثالث ثلاثة. احدهم عيسى والثاني مريم. فهذه مقالة النصارى قبحهم الله فامرهم ان ينتهوا واخبر ان ذلك خير لهم. لانه الذي يتعين انه سبيل النجاة. وما سواه فهو طرق الهلاك ثم نزه نفسه عن الشريك والولد فقال انما الله اله واحد. اي هو المنفرد بالالوهية الذي لا تنبغي العلم عبادة الاله سبحانه اي تنزه وتقدس ان يكون له ولد. لان له ما في السماوات وما في الارض. فالكل مملوء يكون له مفتقرون اليه. فمحال ان يكون له شريك منهم او ولد. ولما اخبر انه المالك للعالم العلوي والسفلي اخبر انه قائم بمصالحهم الدنيوية والاخروية. وحافظها ومجازيهم عليها تعالى فسيحشرهم اليه جميعا. لما ذكر تعالى غلو النصارى في عيسى عليه السلام وذكر انه عبده ورسوله ذكر هنا انه لا يستنكف عن عبادته ربه. اي لا يمتنع عنها رغبة عنها. لا هو ولا ملائكة المقربون فنزههم عن الاستنكاف وتنزيههم عن الاستكبار من باب اولى. ونفي الشيء فيه اثبات ضده اي في عيسى والملائكة المقربون. قد رغبوا في عبادة ربهم واحبوها. وسعوا فيها بما يليق باحوالهم. فاوجب لهم ذلك الشرف العظيم والفوز العظيم. فلم يستنكفوا ان يكونوا عبيدا لربوبيته ولا لالهيته. بل يرون افتقارهم لذلك فوق كل افتقار. ولا يظن ان رفع عيسى او غيره من الخلق فوق مرتبته التي انزله الله فيها وترفعه عن العبادة كما لا بل هو النقص بعينه وهو محل الذم والعقاب. ولهذا قال ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيحشرهم اليه جميعا. اي فسيحشره الخلق كلهم اليه. المستنكفين والمستكبرين وعباده المؤمنين. فيحكم بينهم بحكمه العدل وجزاءه الفصل. ثم فصل حكمه فيهم فقال واما الذين استنكفوا واستكبروا فيعذبهم عذابا اليما فاما الذين امنوا وعملوا الصالحات اي جمعوا بين الايمان المأمور به وعمل الصالحات من واجبات ومستحبات من حقوق الله وحقوق عباده فيوفيهم اجورهم اي الاجور التي رتبها الله على الاعمال. كل بحسب ايمانه وعمله. ويزيدهم من فضله. اي من الثواب الذي لم تنله اعماله ولم تصل اليه افعالهم ولم يخطر على قلوبهم. ودخل في ذلك كل ما في الجنة من المآكل والمشارب والمناكح الناظر والسرور ونعيم القلب والروح ونعيم البدن. بل يدخل في ذلك كل خير ديني ودنيوي. رتب على الايمان والعمل الصالح واما الذين استنكفوا واستكبروا اي عن عبادة الله تعالى فيعذبهم عذابا اليما. وهو سخط الله وغضبه. والنار الموقدة التي تطلع على الافئدة. ولا يجدون لهم من دون الله وليا ولا نصيرا. اي لا يجدون احدا من الخلق يتولى فيحصل لهم المطلوب. ولا من ينصرهم فيدفع عنهم المرهوب. بل قد تخلى عنهم ارحم الراحمين. وتركهم في عذابهم خالدين وما حكم به تعالى فلا راد لحكمه ولا مغير لقضائه يا ايها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وانزلناه يمتن تعالى على سائر الناس بما اوصل اليهم من البراهين القاطعة والانوار الساطعة ويقيم عليهم الحجة ويوضح لهم المحجة. فقال يا ايها الناس قد جاءكم برهان من ربكم. اي حجج على الحق تبينه وتوضحه وتبين ضده. وهذا يشمل الادلة العقلية والنقلية. الايات الافقية والنفسية سنريهم اياتنا في الافاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق. وفي قوله من ربكم ما يدل على شرف في هذا البرهان وعظمته. حيث كان من ربكم الذي رباكم التربية الدينية والدنيوية. فمن تربيته لكم التي يحمد عليها ويشكر ان اوصل اليكم البينات ليهديكم بها الى الصراط المستقيم. والوصول الى جنات النعيم. وانزل اليكم نورا مبينا وهو هذا القرآن العظيم الذي قد اشتمل على علوم الاولين والاخرين والاخبار الصادقة النافعة والامر بكل عدل واحسان وخير والنهي عن كل ظلم وشر. فالناس في ظلمة ان لم يستضيئوا بانواره. وفي شقاء عظيم ان لم يقتبسوا من خيره ولكن انقسم الناس بحسب الايمان بالقرآن والانتفاع به قسمين فسيدخلهم فاما الذين امنوا بالله اي اعترفوا جوده واتصافه بكل وصف كامل. وتنزيهه من كل نقص وعيب. واعتصموا به اي لجأوا الى الله واعتمدوا عليه. وتبرأوا من حولهم وقوتهم واستعانوا بربهم فسيدخلهم في رحمة منه وفضل. اي فسيتغمدهم بالرحمة الخاصة في للخيرات ويجزل لهم المثوبات ويدفع عنهم البليات والمكروهات ويهديهم اليه صراطا مستقيما. ان للعلم والعمل. معرفة الحق والعمل به. اي ومن لم يؤمن بالله ويعتصم به. ويتمسك بكتابه منعهم من رحمته وحرمهم من فضله وخلى بينهم وبين انفسهم فلم يهتدوا بل ضلوا ضلالا مبينا. عقوبة لهم على تركهم الايمان فحصلت لهم الخيبة والحرمان نسأله تعالى العفو والعافية والمعافاة. يستفتونك وان كانوا اخوة ولا ولد ابن. ولا اب ولا جد. ولهذا قال ان امرؤ هلك ليس له ولد اي لا ذكر ولا انثى. ولا ولد صلب ولا ولد ابن. وكذلك ليس له والد بدليل انه ورث فيه الاخوة والاخوات بالاجماع لا يرثون مع الوالد. فاذا الك وليس له ولد ولا والد وله اخت اي شقيقة او لاب لا لام فانه قد تقدم حكمها فلها نصف وما ترك اي نصف متروكات اخيها من نقود وعقار واثاث وغير ذلك. وذلك من بعد الدين والوصية كما تقدم هو اي اخوها الشقيق او الذي للاب يرثها ان لم يكن لها ولد ولم يقدر له ارثا لانه عاصب فيأخذ يا لها كله ان لم يكن صاحب فرض ولا عاصب يشاركه او ما ابقت الفروض. فان كانتا اي الاختان اثنتين اي فما فوق فلهما الثلثان مما ترك. وان كانوا اخوة رجالا ونساء اي اجتمع الذكور من الاخوة لغير ام مع فللذكر مثل حظ الانثيين. فيسقط فرض الاناث ويعصبهن اخوتهن. يبين الله لكم ان تضلوا. اي لكم احكامه التي تحتاجونها. ويوضحها ويشرحها لكم. فضلا منه واحسانا. لكي تهتدوا ببيانه وتعملوا ولان لا تضلوا عن الصراط المستقيم بسبب جهلكم وعدم علمكم. والله بكل شيء عليم. اي عالم بالغيب شهادة والامور الماضية والمستقبلة. ويعلم حاجتكم الى بيانه وتعليمه. فيعلمكم من علمه الذي ينفعكم على الدوام في جميع الازمنة والامكنة بسم الله الرحمن الرحيم بهيمة الانعام الا ما يتلى عليكم غير محل الصيد وانتم حرم. ان الله ايحكم ما يريد. هذا امر من الله تعالى لعباده المؤمنين بما يقتضيه الايمان. بالوفاء بالعقود اي باكمالها واتمامها وعدم نقضها ونقصها. وهذا شامل للعقود التي بين العبد وبين ربه. من التزام عبوديته والقيام به بها اتم قيام وعدم الانتقاص من حقوقها شيئا. والتي بينه وبين الرسول بطاعته واتباعه. والتي بينه وبين الوالدين والاقارب ببرهم وصلتهم وعدم قطيعتهم. والتي بينه وبين اصحابه من القيام بحقوق الصحبة في الغنى والفقر. واليسر والعسر والتي بينه وبين الخلق من عقود المعاملات كالبيع والاجارة ونحوهما وعقود التبرعات كالهبة ونحوها بل والقيام بحقوق المسلمين التي عقدها الله بينهم في قوله انما المؤمنون اخوة بالتناصر على الحق والتعاون عليه والتآلف بين المسلمين وعدم فهذا الامر شامل لاصول الدين وفروعه. فكلها داخلة في العقود التي امر الله بالقيام بها. ثم قال ممتنا على عباده احلت لكم اي لاجلكم رحمة بكم. بهيمة الانعام من الابل والبقر والغنم. بل ربما دخل في ذلك الوحشي منها والظباء حمر الوحش ونحوها من الصيود. واستدل بعض الصحابة بهذه الاية على اباحة الجنين الذي يموت في بطن امه بعد لا تذبح الا ما يتلى عليكم تحريمه منها. في قوله حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير. الى اخر الاية. فان هذه مذكورات وان كانت من بهيمة الانعام فانها محرمة. ولما كانت اباحة بهيمة الانعام عامة في جميع الاحوال والاوقات. استثنى منها الصيد في حال الاحرام فقال غير محل الصيد وانتم حرم. اي احلت لكم بهيمة الانعام في كل حال. الا حيث كنتم متصفين لانكم غير محل الصيد وانتم حرم. اي متجرؤون على قتله في حال الاحرام. وفي الحرم فان ذلك لا يحل لكم اذا كان صيدا كالظباء ايوا نحوه والصيد هو الحيوان المأكول المتوحش. اي فمهما اراده تعالى حكم به حكما موافقا لحكمته. كما امركم بالوفاء بالعقود لحصول مصالحكم ودفع المضاد عنكم. واحل لكم بهيمة الانعام بكم وحرم عليكم ما استثنى منها من ذوات العوارض. من الميتة ونحوها صونا لكم واحتراما. ومن صيد الاحرام احتراما واعظاما ولا واذا حللتم فاصطادوا ايجري منكم شنئان قوم او صدوكم عن المسجد الحرام ان تعتلوا واتقوا الله ان الله شديد العقاب. يقول تعالى يا ايها الذين امنوا لا تحلوا شعائر الله اي محرماته التي امركم بتعظيمها وعدم فعلها. والنهي يشمل النهي عن فعلها والنهي عن اعتقاد حلها فهو يشمل النهي عن فعل القبيح وعن اعتقاده. ويدخل في ذلك النهي عن محرمات الاحرام. ومحرمات الحرم. ويدخل في ذلك ما نص عليه بقول ولا الشهر الحرام اي لا تنتهكوهم بالقتال فيه وغيره من انواع الظلم. كما قال تعالى ان عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهر في كتاب الله يوم خلق السماوات والارض منها اربعة حرم. ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن انفسكم جمهور من العلماء على ان القتال في الاشهر الحرم منسوخ بقوله تعالى فاذا انسلخ الاشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وغير ذلك من العمومات التي فيها الامر بقتال الكفار مطلقا. والوعيد في التخلف عن قتالهم مطلقا. وبان النبي صلى الله عليه وسلم قاتله اهل الطائف في ذي القعدة وهو من الاشهر الحرم. وقال اخرون ان النهي عن القتال في الاشهر الحرم غير منسوخ لهذه الاية وغيرها مما فيه النهي عن ذلك بخصوصه. وحملوا النصوص المطلقة الواردة على ذلك. وقالوا المطلق يحمل على المقيد. وفصل بعضهم فقال لا يجوز ابتداء القتال في الاشهر الحرم. واما استدامته وتكميله اذا كان اوله في غيرها فانه يجوز. وحملوا كان النبي صلى الله عليه وسلم لاهل الطائف على ذلك. لان اول قتالهم في حنين في شوال. وكل هذا في القتال الذي ليس المقصود منه دفع فاما قتال الدفع اذا ابتدأ الكفار المسلمين بالقتال فانه يجوز للمسلمين القتال دفعا عن انفسهم في الشهر الحرام وغيره باجماع العلماء وقوله ولا الهدي ولا القلائد. اي ولا تحل الهدي الذي يهدى الى بيت الله في حج او عمرة. او غيرهما من نعم وغيرها فلا تصدوه عن الوصول الى محله. ولا تأخذوه بسرقة او غيرها. ولا تقصروا به او تحملوه ما لا يطيق. خوفا من قبل وصوله الى محله. بل عظموه وعظموا من جاء به. ولا القلائد هذا نوع خاص من انواع الهدي. وهو الهدي الذي يفتل له قلائد او عرى فيجعل في اعناقه اظهارا لشعائر الله. وحملا للناس على الاقتداء وتعليما لهم للسنة. وليعرف انه هدي فيحترم ولهذا كان تقليد الهدي من السنن والشعائر المسنونة تبتغون فضلا من ربهم ولامين البيت الحرام اي قاصدين له يبتغون فضلا من ربهم بهم ورضوانا اي من قصد هذا البيت الحرام وقصده فضل الله بالتجارة والمكاسب المباحة او قصده رضوان الله بحجه وعمرته والطواف والصلاة وغيرها من انواع العبادات فلا تتعرضوا له بسوء ولا تهينوه بل اكرموه وعظموا الوافدين الزائرين لبيت ربكم بكم ودخل في هذا الامر الامر بتأمين الطرق الموصلة الى بيت الله. وجعل القاصدين له مطمئنين مستريحين. غير خائفين على انفسهم من القتل فما دونه. ولا على اموالهم من المكث والنهب ونحو ذلك. وهذه الاية الكريمة مخصوصة بقوله تعالى يا ايها الذين الذين امنوا انما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا. فالمشرك لا يمكن من الدخول الى الحرم. والتخصيص في هذا هذه الاية بالنهي عن التعرض لمن قصد البيت ابتغاء فضل الله او رضوانه. يدل على ان من قصده ليلحد فيه بالمعاصي. فان من تمام احترام الحق صدوا من هذه حاله عن الافساد ببيت الله. كما قال الله تعالى ومن يرد فيه بالحاد بظلم نذقه من عذاب اليم. ولم ما نهاهم عن الصيد في حال الاحرام قال واذا حللتم فاصطادوا. اي اذا حللتم من الاحرام بالحج الحج والعمرة وخرجتم من الحرم حل لكم الاصطياد وزال ذلك التحريم. والامر بعد التحريم يرد الاشياء الى ما كانت عليه من قبل ولا يجرمنكم شنآن قوم ان صدوكم عن المسجد الحرام ان تعتدوا. اي ليحملنكم بغض قوم وعداوتهم واعتداؤهم عليكم. حيث صدوكم عن المسجد على الاعتداء عليهم طلبا للاستفاء منهم. فان العبد عليه ان يلتزم امر الله ويسلك طريق العدل. ولو عليه او ظلم واعتدي عليه فلا يحل له ان يكذب على من كذب عليه او يخون من خانه قالوا لا تعاونوا على الاثم والعدوان. وتعاونوا على البر والتقوى. اي ليعن بعضكم بعضا على البر وهو اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه. من الاعمال الظاهرة والباطنة من حقوق الله وحقوق الادميين. والتقوى في في هذا الموضع اسم جامع لترك كل ما يكرهه الله ورسوله. من الاعمال الظاهرة والباطنة. وكل خصلة من خصال الخير المأمور بفعلها او خصلة من خصال الشر المأمور بتركها فان العبد مأمور بفعلها بنفسه. وبمعاونة غيره من اخوانه المؤمنين عليها بكل قول يبعث عليها وينشط لها وبكل فعل كذلك. ولا تعاونوا على الاثم. وهو التجرؤ على المعاصي التي يأثم صاحبها ويحرج. والعدوان هو التعدي على الخلق في دمائهم واموالهم واعراضهم. فكل معصية وظلم يجب على العبد كف نفسه عنه. ثم اعانة غيره على واتقوا الله ان الله شديد العقاب. شديد العقاب على يتلى عليكم واعلم ان الله تبارك وتعالى لا يحرم ما يحرم الا صيانة لعباده. وحماية له من الضرر الموجود في المحرمات. وقد يبين للعباد ذلك وقد لا يبين. فاخبر انه حرم الميتة والمراد بالميتة ما فقدت حياته بغير زكاة شرعية. فانها تحرم وهو احتقان الدم في جوفها ولحمها. المضر باكلها وكثيرا ما تموت بعلة تكون سببا لهلاكها. فتضر اكل ويستثنى من ذلك ميتة الجراد والسمك. فانه حلال والدم اي المسفوح. كما قيد في الاية الاخرى. ولحم الخنزير وذلك شامل لجميع اجزائه. وانما نص الله عليه من بين سائر الخبائث من السباع. لان طائفة من اهل الكتاب من النصارى ان الله احله لهم. اي فلا تغتروا بهم بل هو محرم من جملة الخبائث. وما اهل لغير الله به. اي ذكر عليه اسم غير الله تعالى من الاصنام والاولياء والكواكب وغير ذلك من المخلوقين. فكما ان ذكر الله تعالى يطيب الذبيحة. فذكر اسم غيره عليها يفيد خبثا معنويا لانه شرك بالله تعالى. والمنخنقة اي الميتة بخنق بيد او حبل او ادخالها رأسها بشيء ضيق فتعجز عن اخراجه حتى تموت. والموقوذة اي الميتة بسبب الضرب بعصا او حصى او خشبة او هدم شيء عليها بقصد او بغير قصد. والمتردية اي الساقطة من علو. كجبل او جدار او سطح ونحوه. فتموت بذلك. والنطيحة وهي التي تنطحها غيرها فتموت. وما اكل السبع من ذئب او اسد او نمر. او من الطيور التي تفترس الصيود. فانها اذا ماتت بسبب اكل السبع فانها لا تحل. وقوله الا ما ذكيتم. راجع لهذه المسائل. من منقنقة وموقوذة ومتردية ونطيحة واكيلة سبع اذا ذكيت وفيها حياة مستقرة لتتحقق الذكاة فيها. ولهذا قال الفقهاء لو ابان السبع او غيره حشوتها او قطع حلقومها كان وجود حياتها كعدمه. لعدم فائدة الذكاة فيها. وبعضهم لم يعتبر فيها الا وجود الحياة فاذا زكاها وفيها حياة حلت ولو كانت مبانتة الحشوة. وهو ظاهر الاية الكريمة. وان تستقسموا بالازلام. اي وحرم عليكم الاستقرار بالازلام ومعنى الاستقسام طلب ما يقسم لكم ويقدر بها. وهي قداح ثلاثة كانت تستعمل في الجاهلية. مكتوب على احدها افعل وعلى الثاني لا تفعل. والثالث غفل لا كتابة فيها. فاذا هم احدهم بسفر او عرس او نحوهما اجال تلك القداح المتساوية في الجرم ثم اخرج واحدا منها فان خرج المكتوب عليه افعل مضى في امره. وان ظهر المكتوب عليه لا تفعل لم يفعل ولم يمضي في شأنه وان ظهر الاخر الذي لا شيء عليه اعادها حتى يخرج احد القدحين فيعمل به. فحرمه الله عليهم الذي في هذه الصورة وما يشبهه وعوضهم عنه بالاستخارة لربهم في جميع امورهم. ذلكم فسق. الاشارة لكل ما تقدم من المحرمات التي حرمها الله صيانة لعباده وانها فسق. اي خروج عن طاعته الى طاعة الشيطان. ثم امتن على عباده بقوله فمن اضطر في مخمصة واليوم المشار اليه يوم يوم عرفة اذ اتم الله دينه ونصر عبده ورسوله وانخذل اهل الشرك ان خذالا بليغا بعدما كانوا حريصين على رد المؤمنين عن دينهم طامعين في ذلك فلما رأوا عز الاسلام وانتصاره وظهوره يأسوا كل اليأس من المؤمنين ان يرجعوا الى دينهم وصاروا يخافون منهم ويخشون ولهذا في هذه السنة التي حج فيها النبي صلى الله عليه وسلم سنة عشر. حجة الوداع لم يحج فيها مشرك ولم يطوف بالبيت عريا ولهذا قال فلا تخشوهم واخشون. اي فلا تخشوا المشركين واخشوا الله الذين نصركم عليهم وخذلهم. ورد كيدهم في نحورهم اه اليوم اكملت لكم دينكم بتمام النصر وتكميل الشرائع الظاهرة والباطنة. الاصول والفروع. ولهذا كان الكتاب والسنة كافيين كل الكفاية في احكام الدين. اصوله وفروعه. فكل متكلف يزعم انه لابد للناس في معرفة عقائدهم واحكامهم الى كعلوم غير علم الكتاب والسنة من علم الكلام وغيره فهو جاهل مبطل في دعواه. قد زعم ان الدين لا يكمن الا بما قاله ودعا اليه. وهذا من اعظم الظلم والتجهيل لله ورسوله. واتممت عليكم نعمتي الظاهرة والباطنة. ورضيت لكم الاسلام دينا. اي واصطفيته لكم دينا. كما ارتضيتكم له. فقوموا به شكرا لربكم. واحمدوا الذي من عليكم بافضل الاديان واشرفها واكملها فمن اضطر في مخمصة غير فمن اضطر اي الجأته الضرورة الى اكل شيء من المحرمات السابقة في قوله حرمت عليكم الميتة في مخمصة اي مجاعة غير متجانب اي مائل لاثم بان لا يأكل حتى يضطر ولا يزيد في الاكل على كفايته. فان الله غفور رحيم. حيث اباح له الاكل في هذه الحال ورحمه بما يقيم به بنيته من غير نقص يلحقه في دينه اسم الله عليه واتقوا الله يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم يسألونك ماذا احل لهم من الاطعمة احل لكم الطيبات وهي كل ما فيه نفع او لذة. من غير ضرر بالبدن او بالعقل. فدخل في ذلك جميع الحبوب والثمار التي في القرى البراري ودخل في ذلك جميع حيوانات البحر وجميع حيوانات البر الا ما استثناه الشارع كالسباع والخبائث منها ولهذا دلت الاية بمفهومها على تحريم الخبائث. كما صرح به في قوله تعالى ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث. وما علمتم من اي احل لكم ما علمتم من الجوارح. دلت هذه الاية على امور احدها لطف الله بعباده ورحمته لهم. حيث وسع عليهم طرق الحلال واباح لهم ما لم يذكوه مما صادته الجوارح. والمراد بالجوارح الكلاب والفهود والصقر ونحو ذلك. مما يصيد بنابلس او بمخلبه الثاني انه يشترط ان تكون معلمة بما يعد في العرف تعليما. بان يسترسل اذا ارسل. وان زجر اذا زجر اذا امسك لم يأكل ولهذا قال تعلمونهن مما علمكم الله فكلوا مما امسكنا عليكم اي امسكنا من الصيد لاجلكم وما اكل منه الجارح فانه لا يعلم انه امسكه على صاحبه. ولعله ان يكون امسكه على نفسه. الثالث ان يجرحه الكلب او الطير ونحوهما. لقوله من الجوارح مع ما تقدم من تحريم المنخنقة. فلو خنقه الكلب او غيره او قتله بثقله لم يبح. هذا بناء على ان الجوارح اللاتي يجرحن الصيد بانيابها او مخالبها. والمشهور ان الجوارح بمعنى الكواسب اي الصلات للصيد والمدركات لها. فلا يكون فيها على هذا دلالة. والله اعلم. الرابع جواز اقتناء كلب الصيد. كما ورد في الحديث في الصحيح مع ان اقتناء الكلب محرم. لان من لازم اباحة صيده وتعليمه جواز اقتنائه. الخامس طهارة ما اصابه فم الكل من الصيد لان الله اباحه ولم يذكر له غسلا. فدل على طهارته. السادس فيه فضيلة العلم. وان الجارح المعلم بسبب العلم يباح صيده والجاهل بالتعليم لا يباح صيده. السابع ان الاشتغال بتعليم الكلب او الطير او نحوهما ليس مذموما ليس من العبث والباطل بل هو امر مقصود لانه وسيلة لحل صيده والانتفاع به. الثامن فيه حجة لمن اباح بيع كلب الصيد. قال لانه قد لا يحصل له الا بذلك. التاسع فيه اشتراط التسمية عند ارسال الجارح. وانه ان لم يسمي الله متعمدا لم يبح ما الجارح العاشر انه يجوز اكل ما صاده الجارح. سواء قتله الجارح ام لا. وانه ان ادركه صاحبه وفيه حياة مستقرة فانه لا يباح الا بها. ثم حث تعالى على تقواه. وحذر من اتيان الحساب في يوم القيامة. وان ذلك امر قد دنا واقترب. فقال واتقوا الله ان الله سريع الحساب. اليوم احل لكم الطيبات وطعام الذين اوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم. كرر تعالى احلال الطيبات لبيان الامتنان. ودعوة للعباد الى شكره والاكثار من ذكره. حيث اباح لهم ما تدعوهم الحاجة اليه. ويحصل لهم الانتفاع به من الطيبات. وطعام الذين اوتوا الكتاب محل لكم اي ذبائح اليهود والنصارى حلال لكم يا معشر المسلمين. دون باقي الكفار فان ذبائحهم لا تحل للمسلمين. وذلك لان اهل الكتاب ينتسبون الى الانبياء والكتب. وقد اتفق الرسل كلهم على تحريم الذبح لغير الله. لانه شرك. فاليهود والنصارى يتدينون بتحريم الذبح لغير الله. فلذلك ابيحت ذبائحهم دون غيرهم. والدليل على ان المراد بطعامهم ذبائحهم. ان الطعام الذي ليس من الذبائح كالحبوب والثمار ليس لاهل الكتاب فيه خصوصية. بل يباح ذلك ولو كان من طعام غيرهم. وايضا فانه اضاف الطعام اليهم. فدل ذلك على انه وكان طعاما بسبب ذبحهم. ولا يقال ان ذلك للتمليك. وان المراد الطعام الذي يملكون. لان هذا لا يباح على وجه الغصب ولا من المسلمين وطعامكم ايها المسلمون حل لهم اي يحل لكم ان تطعموهم اياه واحل لكم المحصنات اي الحرائر العفيفات من المؤمنات والحرائر العفيفات من الذين اوتوا الكتاب من قبلكم. اي من اليهود والنصارى هذا مخصص لقوله تعالى ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن. ومفهوم الاية ان الارقاء من المؤمنات لا يباح نكاحهن للاحرار وهو كذلك. واما الكتابيات فعلى كل حال لا يبحن. ولا يجوز نكاحهن للاحرار مطلقا. لقوله تعالى من فتياتكم المؤمنات واما المسلمات اذا كن رقيقات فانه لا يجوز للاحرار نكاحهن الا بشرطين. عدم الطول وخوف العنت. واما الفاجرات تغير العفيفات عن الزنا فلا يباح نكاحهن سواء كن مسلمات او كتابيات حتى يتبن لقوله تعالى الزاني لا ينكح الا زانية او مشركة وقوله اذا اتيتموهن اجورهن اي ابحنا لكم نكاحهن اذا اعطيتموهن مهورهن فمن عزم على الا يؤتيها مهرها فانها لا تحل له. وامر بايتائها اذا كانت رشيدة تصلح للايتاء. والا اعطاه الزوج لوليها واضافة الاجور اليهن دليل على ان المرأة تملك جميع مهلها. وليس لاحد منه شيء الا ما سمحت به لزوجها او وليها او غيرهما محصنين غير مسافحين. اي حالة كونكم ايها الازواج محصنين لنسائكم. بسبب حفظكم لفروجكم عن غيرهن. غير اي زانين مع كل احد ولا متخذي اخدان وهو الزنا مع العشيقات لان الزنا في الجاهلية منهم من يزني مع من كان فهذا المسافح. ومنهم من يزني مع خدنه ومحبه. فاخبر الله تعالى ان ذلك كله ينافي العفة. وان شرط التزوج ان يكون الرجل عفيفا عن الزنا وقوله تعالى ومن يكفر بالايمان فقد حبط عمله. اي ومن كفر بالله تعالى وما يجب الايمان به من كتبه ورسله او شيء من الشرائع فقد حبط عمله بشرط ان يموت على كفره. كما قال تعالى ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو فاولئك حبطت اعمالهم في الدنيا والاخرة. وهو في الاخرة من الخاسرين. اي الذين خسروا انفسهم واهليهم واموالهم يوم القيامة وحصلوا على الشقاوة الابدية يا ايها الذين امنوا اذا قمتم من الصلاة فاغسلوا وجوهكم وايديكم الى المرافق فتيمموا صعيدا طيبا ولكن يريد ليطهركم ولكن يريد ان يطهركم من يتم نعمته عليك هذه اية عظيمة قد اشتملت على احكام كثيرة. نذكر منها ما يسره الله وسهله احدها ان هذه المذكورات فيها امتثالها والعمل بها من لوازم الايمان الذي لا يتم الا به. لانه صدرها بقوله يا ايها الذين امنوا ايا ايها الذين امنوا اعملوا بمقتضى ايمانكم بما شرعناه لكم. الثاني الامر بالقيام بالصلاة اذا قمتم الى الصلاة. الثالث الامر بالنية للصلاة. لقوله اذا قمتم الى الصلاة اي بقصدها ونيتها اشتراط الطهارة لصحة الصلاة. لان الله امر بها عند القيام اليها. والاصل في الامر الوجوب. الخامس ان الطهارة لا تجب لدخول الوقت وانما تجب عند ارادة الصلاة. السادس ان كل ما يطلق عليه اسم الصلاة من الفرض والنفل وفرض الكفاية صلاة الجنازة تشترط له الطهارة. حتى السجود المجرد عند كثير من العلماء كسجود التلاوة والشكر. السابع الامر بغسل الوجه وهو ما تحصل به المواجهة من منابت شعر الرأس المعتاد الى من حذر من اللحيين والذقن طولا. ومن الاذن الى الاذن عرضا. ويدخل فيه والاستنشاق بالسنة ويدخل فيه الشعور التي فيه لكن ان كانت خفيفة فلا بد من ايصال الماء الى البشرة. وان كانت كثيفة اكتفي في ظاهرها الثامن الامر بغسل اليدين. وان حدهما الى المرفقين. والى كما قال جمهور المفسرين. بمعنى مع كقوله تعالى ولا تأكلوا اموالهم الى اموالكم. ولان الواجب لا يتم الا بغسل جميع المرفق. التاسع الامر بمسح الرأس العاشر انه يجب مسح جميعه. لان الباء ليست للتبعيض وانما هي للملاصقة. وانه يعم المسح بجميع الرأس في عشر انه يكفي المسح كيفما كان. بيديه او احداهما او خرقة او خشبة او نحوهما. لان الله اطلق المسح ولم يقيده بصفة فدل ذلك على اطلاقه الثاني عشر ان الواجب المسح. فلو غسل رأسه ولم يمر يده عليه لم يكفي لانه لم يأت بما امر الله به. الثالث عشر الامر بغسل الرجلين الى الكعبين. ويقال فيهما ما يقال في اليدين. الرابع عشر فيها الرد على على قراءة الجمهور بالنصب. وانه لا يجوز مسحهما ما دامتا مكشوفتين. الخامس عشر فيه اشارة الى مسح الخفين على قراءة الجر في وارجلكم. وتكون كل من القراءتين محمولة على معنى. فعلى قراءة النصب فيها غسلهما ان كان مكشوفتين وعلى قراءة الجر فيها مسحهما اذا كانتا مسطورتين بالخف. السادس عشر الامر بالترتيب في الوضوء. لان الله تعالى ذكرها مرتبة. ولانه ادخل ممسوحا وهو الرأس بين مغسولين. ولا يعلم لذلك فائدة غير الترتيب. السابع عشر ان ترتيبه مخصوص بالاعضاء الاربعة المسميات في هذه الاية. واما الترتيب بين المضمضة والاستنشاق والوجه او بين اليمنى واليسرى من اليدين والرجلين فان ذلك غير واجب. بل يستحب تقديم المضمضة والاستنشاق على غسل الوجه. وتقديم اليمنى على اليسرى من اليدين والرجلين. وتقديم مسح الرأس على مسح الاذنين الثامن عشر الامر بتجديد الوضوء عند كل صلاة. لتوجد صورة المأمور به. التاسع عشر الامر بالغسل من الجنابة العشرون انه يجب تعميم الغسل للبدن. لان الله اضاف التطهر للبدن ولم يخصصه بشيء دون شيء. الحادي العشرون الامر بغسل ظاهر الشعر وباطنه في الجنابة. الثاني والعشرون انه يندرج الحدث الاصغر في الحدث الاكبر. ويكفي من هما عليه ان ينوي ثم يعمم بدنه. لان الله لم يذكر الا التطهر. ولم يذكر انه يعيد الوضوء. الثالث والعشرون ان الجنب يصدق على من انزل المني يقظة او مناما او جامع ولو لم ينزل. الرابع والعشرون ان من ذكر انه احتلم ولم يجد بللا فان انه لا غسل عليه لانه لم تتحقق منه الجنابة. الخامس والعشرون ذكر منة الله تعالى على العباد بمشروعية التيمم. السادس عشرون ان من اسباب جواز التيمم وجود المرض الذي يضره غسله بالماء فيجوز له التيمم. السابع والعشرون ان من جملة اسباب جوازه السفر والاتيان من البول والغائط اذا عدم الماء. فالمرض يجوز التيمم مع وجود الماء لحصول التضرر به. وباقيها العدم للماء ولو كان في الحضر. الثامن والعشرون ان الخارج من السبيلين من بول وغائط ينقض الوضوء. التاسع والعشرون استدل بهذا من قال لا ينقض الوضوء الا هذان الامران. فلا ينتقض بلمس الفرج ولا بغيره. الثلاثون استحباب التكنيف عما يستقذر التلفظ به لقوله تعالى او جاء احد منكم من الغائط. الحادي والثلاثون ان لمس المرأة بلذة وشهوة ناقض للوضوء. الثاني والثلاثون اشتراط عدم الماء لصحة التيمم. الثالث والثلاثون انه مع وجود الماء ولو في الصلاة يبطل التيمم لان الله انما اباحه مع عدم الماء. الرابع والثلاثون انه اذا دخل الوقت وليس معه ماء فانه يلزمه في رحله وفيما قرب منه لانه لا يقال لم يجد لمن لم يطلب. الخامس والثلاثون ان من وجد ماء لا يكفي بعض فانه يلزمه استعماله. ثم يتيمم بعد ذلك. السادس والثلاثون ان الماء المتغير بالطاهرات مقدم على التيمم ان يكون طهورا لان الماء المتغير ماء فيدخل في قوله فلم تجدوا ماء. السابع والثلاثون انه لابد من نية التيمم لقوله فتيمموا اي اقصدوا. الثامن والثلاثون انه يكفي التيمم بكل ما تصاعد على وجه الارض من تراب وغيره. فيكون كونوا على هذا قوله فامسحوا بوجوهكم وايديكم منه. اما من باب التغليب. وان الغالب ان يكون له غبار يمسح منه. ويعلق بالوجه واليدين واما ان يكون ارشادا للافضل. وانه اذا امكن التراب الذي فيه غبار فهو اولى. التاسع والثلاثون انه لا يصح التيمم بالتراب النجس. لانه لا يكون طيبا بل خبيث. الاربعون انه يمسح في التيمم. الوجه واليدان فقط دون بقية الاعضاء الحادي والاربعون ان قوله بوجوهكم شامل لجميع الوجه وانه يعممه بالمسح الا انه معفون عن ادخال التراب في الفم والانف. وفيما تحت الشعور ولو خفيفة. الثاني والاربعون ان اليدين تمسحان الى الكوعين فقط. لان اليدين عند الاطلاق كذلك. فلو كان يشترط ايصال المسح الى الذراعين لقيده الله بذلك. كما قيده في الوضوء. الثالث والاربعون ان الاية عامة في جواز التيمم لجميع الاحداث كلها. الحدث الاكبر والاصغر. بل ولنجاسة البدن. لان الله جعلها بدلا عن طهارة الماء واطلق في الاية فلم يقيد. وقد يقال ان نجاسة البدن لا تدخل في حكم التيمم. لان السياق في الاحداث وهو قول جمهور العلماء الرابع والاربعون ان محل التيمم في الحدث الاصغر والاكبر واحد وهو الوجه واليدان. الخامس والاربعون انه لو نوى من عليه حدثان التيمم عنهما فانه يجزئ اخذا من عموم الاية واطلاقها. السادس والاربعون انه يكفي المسح باي شيء كان بيده او غيرها لان الله قال فامسحوا ولم يذكر الممسوح به. فدل على جوازه بكل شيء. السابع والاربعون اشتراط الترتيب في طهارة التيمم. كما يشترط ذلك في الوضوء. ولان الله بدأ بمسح الوجه قبل مسح اليدين. الثامن والاربعون ان الله تعالى فيما شرعه لنا من الاحكام. لم يجعل علينا في ذلك من حرج ولا مشقة ولا عسر. وانما هو رحمة منه بعباده ليطهرهم. وليتم ان نعمته عليهم وهذا هو التاسع والاربعون. ان طهارة الظاهر بالماء والتراب تكميل لطهارة الباطن بالتوحيد. وتوبة نصوح الخمسون ان طهارة التيمم وان لم يكن فيها نظافة وطهارة تدرك بالحس والمشاهدة فان فيها طهارة معنوية ناشئة عن امتثال لا لامر الله تعالى الحادي والخمسون انه ينبغي للعبد ان يتدبر الحكم والاسرار في شرائع الله في الطهارة وغيرها ليزداد معرفة وعلما ويزداد شكرا لله ومحبة له على ما شرع من الاحكام التي توصل العبد الى المنازل العالية الرفيعة واتقوا يأمر تعالى عباده بذكر نعمه الدينية والدنيوية بقلوبهم والسنتهم. فان في استدامة ذكرها داعيا لشكر الله تعالى ومحبته. وامتلاء القلب من احسانه. وفيه زوال للعجب من النفس بالنعم الدينية وزيادة لفضل الله واحسانه. وميثاقه. اي واذكروا ميثاقه. الذي واثقكم به. اي عهده الذي اخذه عليك وليس المراد بذلك انهم لفظوا ونطقوا بالعهد والميثاق. وانما المراد بذلك انهم بايمانهم بالله ورسوله. قد التزموا طاعتهما لهذا قال اذ قلتم سمعنا واطعنا. اي سمعنا ما دعوتنا به من اياتك القرآنية والكونية سمع فهم واذعان وانقياد. واطعت انا ما امرتنا به بالامتثال وما نهيتنا عنه بالاجتناب. وهذا شامل لجميع شرائع الدين الظاهرة والباطنة. وان المؤمنين يذكرون في ذلك عند الله وميثاقه عليهم وتكون منهم على بال ويحرصون على اداء ما امروا به كاملا غير ناقص ان الله عليم بذات الصدور. واتقوا الله في جميع احوالكم. ان الله عليم بذات الصدور اي بما تنطوي عليه من الافكار والاسرار والخواطر. فاحذروا ان يطلع من قلوبكم على امر لا يرضاه. او يصدر منكم ما يكرهه. واعمروا قلوبكم معرفته ومحبته والنصح لعباده. فانكم ان كنتم كذلك غفر لكم السيئات وضاعف لكم الحسنات. لعلمه بصلاح قلوبكم ايجرمنكم شنئان قوم على الا تعدلوا اعدلوا هو اقرب للتقوى. واتقوا اي يا ايها الذين امنوا بما امروا بالايمان به قوموا بلازم ايمانكم بان تكونوا قوامين لله شهداء بالقسط. بان تنشط للقيام بالقسط حركاتكم الظاهرة والباطنة. وان يكون ذلك القيام لله وحده لا لغرض من الاغراض الدنيوية. وان تكونوا قاصدين للقسط الذي هو العدل. لا الافراط ولا التفريط. في اقوالكم ولا افعالكم وقوموا بذلك على القريب والبعيد. والصديق والعدو. ولا يجرمنكم ان يحملنكم بغض قوم على الا تعدلوا. كما يفعل يسأله من لا عدل عنده ولا قسط. بل كما تشهدون لوليكم فاشهدوا عليه. وكما تشهدون على عدوكم فاشهدوا له. ولو كان كافرا او مبتدعا فانه يجب العدل فيه وقبول ما يأتي به من الحق لانه حق لا لانه قاله ولا يرد الحق لاجل قوله فان هذا ظلم للحق اعدلوه هو اقرب للتقوى. اي كلما حرصتم على العدل واجتهدتم في العمل به كان ذلك اقرب لتقوى قلوبكم. فان تم العدل التقوى ان الله خبير بما تعملون. فمجازيكم باعمالكم خيرها وشرها. صغيرها وكبيرها. جزاء عاجلا واجلا ولله ملك السماوات والارض وما بينهما يخلق ما يشاء. ومن الادلة ان لله وحده ملك السماوات والارض. يتصرف فيهم بحكمه الكوني والشرعي والجزائي. وهم مملوكون مدبرون. فهل يليق ان يكون الذين امنوا وعملوا مغفرة واجر عظيم اي وعد الله الذي لا يخلف الميعاد وهو اصدق القائلين المؤمنين به وبكتبه ورسله واليوم الاخر وعملوا الصالحات من واجبات مستحبات بالمغفرة لذنوبهم بالعفو عنها وعن عواقبها وبالاجر العظيم الذي لا يعلم عظمه الا الله تعالى فلا تعلم نفس ما لهم من قرة اعين جزاء بما كانوا يعملون. والذين كفروا وكذبوا باياتنا اولئك والذين كفروا وكذبوا باياتنا الدالة على الحق المبين. فكذبوا بها بعدما ابانت الحقائق اولئك اصحاب الجحيم الملازمون لها ملازمة الصاحب لصاحبه واتقوا الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون. يذكر تعالى عباده المؤمنين بنعمه العظيمة ويحثهم على تذكرها بالقلب واللسان. وانهم كما انهم يعدون قتلهم لاعدائهم. واخذ اموالهم وبلادهم وسبيهم نعمة عدوا ايضا انعامه عليهم بكف ايديهم عنهم. ورد كيدهم في نحورهم نعمة فان الاعداء قد هموا بامر. وظنوا انهم قادرون عليه فاذ لم يدركوا بالمؤمنين مقصودهم فهو نصر من الله لعباده المؤمنين. ينبغي لهم ان يشكروا الله على ذلك ويعبدوه ويذكروه. وهذا يشمل كل من هم بالمؤمنين بشر من كافر ومنافق وباغ كف الله شره عن المسلمين. فانه داخل في هذه الاية. ثم امرهم بما به على الانتصار من عدوهم وعلى جميع امورهم. فقال وعلى الله فليتوكل المؤمنون ان يعتمدوا عليه في جلب مصالحهم الدينية والدنيوية ويتبرأ من حولهم وقوتهم ويثق بالله تعالى في حصول ما يحبون. وعلى حسب ايمان العبد يكون توكله. وهو من واجبات القلب المتفق عليها يخبر تعالى انه اخذ على بني اسرائيل الميثاق الثقيل المؤكد. وذكر صفة الميثاق واجرهم ان قاموا به. واثمهم ان لم يقوموا به ثم ذكر انهم ما قاموا به وذكر ما عاقبهم به. فقال ولقد اخذ الله ميثاق بني اسرائيل اي عهدهم المؤكد الغليظ وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا. اي رئيسا وعريفا على من تحته. ليكون ناظرا عليهم. حثا لهم على القيام بما امروا به مطالبا يدعوهم وقال الله للنقباء الذين تحملوا من احبائي ما تحملوا اني معكم اي بالعون والنصر. فان المعونة بقدر المؤنة. ثم ذكر ما وثقهم عليه فقال لان اقمتم لا تظاهرا وباطنا بالاتيان بما يلزم وينبغي فيها. والمداومة على ذلك. واتيتم الزكاة لمستحقيها. وامنتم برسلي الذين افضلهم واكملهم محمد صلى الله عليه وسلم. وعزرتموهم اي عظمتموهم واديتم ما يجب لهم من الاحترام والطاعة واقرضتم الله قرضا حسنا وهو الصدقة والاحسان. الصادر عن الصدق والاخلاص وطيب المكسب. فاذا قمتم بذلك فجمع لهم بين حصول المحبوب بالجنة وما فيها من النعيم واندفاع المكروه بتكفير السيئات ودفع ما يترتب عليها من العقوبات فمن كفر بعد ذلك منكم فقد ضل سواء السبيل فمن كفر بعد ذلك العهد والميثاق المؤكد بالايمان. والالتزامات المقرون بالترغيب بذكر ثوابه. فقد ضل سواء السبيل. اي عن عمد وعلم. فيستحق ما يستحقه الضالون من حرمان الثواب وحصول العقاب. فكأنه قيل ليت شعري ماذا فعلوا؟ وهل وفوا بما عاهدوا الله عليه؟ ام نكث فبين انهم نقضوا ذلك فقال فبما نقضهم ميثاقهم اي بسببه عاقبناهم بعدة عقوبات. الاولى انا لعناهم اي طردناهم وابعدناهم من رحمتنا. حيث اغلقوا على انفسهم ابواب الرحمة. ولم يقوموا بالعهد الذي اخذ عليهم. الذي هو سببها الاعظم الثانية قوله وجعلنا قلوبهم قاسية. اي غليظة لا تجدي فيها المواعظ. ولا تنفعها الايات والنذر. فلا يرغبهم تشويق ولا يزعجهم تخويف وهذا من اعظم العقوبات على العبد ان يكون قلبه بهذه الصفة التي لا يفيده الهدى والخير الا شرا. الثالثة انهم يحرفون الكلمة عن مواضعه. اي ابتلوا بالتغيير والتبديل. فيجعلون للكلم الذي اراد الله معنى غير ما اراده الله ولا رسول الرابعة انهم نسوا حظا مما ذكروا به. فانهم ذكروا بالتوراة وبما انزل الله على موسى. فنسوا حظا منه. وهذا شامل نسيان علمه وانهم نسوه وضاع منهم ولم يوجد كثير مما انساهم الله اياه عقوبة منه لهم. وشامل لنسيان العمل الذي هو والترك فلم يوفقوا للقيام بما امروا به. ويستدل بهذا على ان اهل الكتاب بانكارهم بعض الذي قد ذكر في كتابهم. او وقع في زمانهم انه مما نسوه. الخامسة الخيانة المستمرة التي لا تزال تطلع على خائنة منهم. اي خيانة لله ولعباده المؤمنين ومن اعظم الخيانة منهم كتمهم عن من يعظهم ويحسن فيهم الظن الحق. وابقاؤهم على كفرهم فهذه خيانة عظيمة هذه الخصال الذميمة حاصلة لكل من اتصف بصفاتهم. فكل من لم يقم بما امر الله به. واخذ به عليه الالتزام كان له نصيب من من اللعنة وقسوة القلب والابتلاء بتحريف الكلم. وانه لا يوفق للصواب. ونسيان حظ مما ذكر به. وانه لا بد ان يبتلى بالخيانة نسأل الله العافية. وسمى الله تعالى ما ذكروا به حظا. لانه هو اعظم الحظوظ. وما عداه فانما هي حظوظ دنيوية. كما قال تعالى فخرج على قومه في زينته. قال الذين يريدون الحياة الدنيا يا ليت لنا مثل ما اوتي قارون. انه لذو حظ عظيم وقال في الحظ النافع وما يلقاها الا الذين صبروا. وما يلقاها الا ذو حظ عظيم. وقوله الا قليلا منهم. اي فانهم وفوا بما عاهدوا الله عليه. فوفقهم وهداهم للصراط المستقيم فاعف عنهم واصفح. اي لا تؤاخذهم بما يصدر منهم من الاذى. الذي يقتضي ان يعفى عنهم واصفح فان ذلك ان الاحسان ان الله يحب المحسنين والاحسان هو ان تعبد الله كأنك تراه. فان لم تكن تراه فانه يراك. وفي حق المخلوقين بذل النفع الديني والدنيوي لهم فاغرينا بينهم العداوة والبغضاء اي وكما اخذنا على يهدي العهد والميثاق. فكذلك اخذنا على الذين قالوا انا نصارى لعيسى ابن مريم. وزكوا انفسهم بالايمان بالله ورسله. وما جاءوا به فنقضوا العهد فنسوا حظا مما ذكروا به نسيانا علميا ونسيانا عمليا. فاغرينا بينهم العداوة والبغضاء الى يوم القيامة اي سلطنا بعضهم على بعض. وصار بينهم من الشرور والاحان ما يقتضي بغض بعضهم بعضا. ومعاداة بعضهم بعضا الى يوم القيامة وهذا امر مشاهد. فان النصارى لا يزالون في بغض وعداوة وشقاق فيعاقبهم عليه يا اهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين لما ذكر تعالى ما اخذه الله على اهل الكتاب من اليهود والنصارى. وانهم نقضوا ذلك الا قليلا منهم. امرهم جميعا ان يؤمنوا وبمحمد صلى الله عليه وسلم. واحتج عليهم باية قاطعة دالة على صحة نبوته. وهي انه بين لهم كثيرا مما يخفون عن الناس. حتى عن العوام من اهل ملتهم. فاذا كانوا هم المشار اليهم في العلم ولا علم عند احد في ذلك الوقت الا ما عندهم. فالحريص على العلم لا سبيل له الى ادراكه الا منهم. فاتيان الرسول صلى الله عليه وسلم بهذا القرآن العظيم. الذي بين به ما كانوا يتكاتمونه بينهم. وهو لا يقرأ ولا يكتب من ادل الدلائل على القطع برسالته. وذلك مثل صفة محمد في كتبهم. ووجود البشائر به في كتبهم. وبيان واية الرجم ونحو ذلك. ويعفو عن كثير. ان يترك بيان ما لا تقتضيه الحكمة. قد جاءكم من الله نور قد جاءكم من الله نور وهو القرآن يستضاء به في ظلمات الجهالة وعماية الضلالة وكتاب مبين لكل ما يحتاج اليه الخلق من امور دينهم ودنياهم. من العلم بالله واسمائه وصفاته وافعاله. ومن باحكامه الشرعية واحكامه الجزائية. ثم ذكر من الذي يهتدي بهذا القرآن؟ وما هو السبب الذي من العبد لحصول ذلك؟ فقال يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام. ويخرجهم من الظلمات يهدي به الله من اتبع وانه سبل السلام ان يهدي به من اجتهد وحرص على بلوغ مرضات الله. وصار قصده حسنا. سبل السلام التي تسلم صاحبها من العذاب وتوصله الى دار السلام. وهو العلم بالحق والعمل به. اجمالا وتفصيلا. ويخرجهم من ظلمات الكفر والبدعة والمعصية الجهل والغفلة الى نور الايمان والسنة والطاعة والعلم والذكر. وكل هذه الهداية باذن الله الذي ما شاء كان وما لم يشأ لم كن ويهديهم الى صراط مستقيم والله على كل شيء قدير. لما ذكرت على اخذ الميثاق على اهل الكتابين. وانهم لم يقوم به بل نقضوه ذكر اقوالهم الشنيعة فذكر قول النصارى القول الذي ما قاله احد غيرهم بان الله هو المسيح ابن مريم ووجه شبهتهم انه ولد من غير اب. فاعتقدوا فيه هذا الاعتقاد الباطل. مع ان حواء نظيره خلقت بلا ام. وادم اولى من خلق بلا اب ولا ام. فهلا ادعوا فيهما الالهية كما ادعوها في المسيح. فدل على ان قولهم اتباع هوى من غير برهان ولا شبهة فرد الله عليهم بادلة عقلية واضحة فقال فاذا كان المذكورون الامتناع عندهم يمنعهم لو اراد الله وان يهلكهم ولا قدرة لهم على ذلك. دل على بطلان الهية من لا يمتنع من الاهلاك. ولا في قوته شيء من الفكاك المملوك العبد الفقير الها معبودا غنيا من كل وجه. هذا من اعظم المحال. ولا وجه لاستغرابهم لخلق المسيح عيسى ابن مريم من غير فان الله يخلق ما يشاء. ان شاء من اب وام كسائر بني ادم. وان شاء من اب بلا ام كحواء وان شاء من ام الى اب كعيسى وان شاء من غير اب ولا ام كادم. فنوع خليقته تعالى بمشيئته النافذة. التي لا يستعصي عليها شيء ولهذا قال ومن مقالات اليهود والنصارى ان كلا منهما ادعى دعوة باطلة يزكون بها انفسهم بان قال كل منهما. وقالت اليهود والنصارى نحن الله يغفر لمن يشاء ولله ملك السماوات والارض وما بينهما بان قال كل منهما نحن ابناء الله واحباؤه. والابن في لغتهم هو ولم يريدوا البنوة الحقيقية فان هذا ليس من مذهبهم الا مذهب النصارى في المسيح. قال الله ردا عليهم حيث ادعوا برهان قل فلم يعذبكم بذنوبكم فلو كنتم احبابه ما عذبكم لكون الله لا يحب الا من قام بمراضيه بل انتم بشر ممن خلق تجري عليكم احكام العدل والفضل يشاء اذا اتوا باسباب المغفرة او اسباب العذاب اي فاي شيء خصكم بهذه الفضيلة؟ وانتم من جملة المماليك ومن جملة من يرجع الى الله في الدار الاخرة فيجازيكم باعمالكم بينوا لكم على فترة يبين لكم على فترة من الرسل ان تقولوا جاءنا من بشير ولا نذير فقد جاءكم نشير ونذير صلى الله على كل شيء قدير. يدعو تبارك وتعالى اهل الكتاب بسبب ما من عليه من كتابه ان يؤمنوا برسوله محمد صلى الله عليه وسلم. ويشكر الله تعالى الذي ارسله اليهم على حين فترة من الرسل. وشدة حاجة اليه وهذا مما يدعو الى الايمان به. وانه يبين لهم جميع المطالب الالهية والاحكام الشرعية. وقد قطع الله بذلك حجتهم لان لا فيقول ما جاءنا من بشير ولا نذير. ونذير فقد جاءكم بشير ونذير يبشر بالثواب العاجل والاجل بالاعمال الموجبة لذلك وصفة العاملين بها. وينذر بالعقاب العاجل والاجل. وبالاعمال الموجبة لذلك. وصفة العاملين بها الله على كل شيء قدير. ان قادت الاشياء طوعا واذعانا لقدرته. فلا يستعصي عليه شيء منها. ومن قدرته انه ارسل الرسل. وانزل الكتب وانه يثيب من اطاعهم ويعاقب من عصاهم وجعلكم ملوكا. واتاكم ما لم يؤت احد لما امتن الله على موسى وقومه بنجاتهم من فرعون وقومه واسرهم واستعبادهم ذهبوا قاصدين لاوطانهم ومساكنهم. وهي بيت المقدس وما حواليه. وقاربوا وصول بيت المقدس. وكان الله قد فرض عليهم جهاد عدوهم اخرجوه من ديارهم فوعظهم موسى عليه السلام وذكرهم ليقدموا على الجهاد فقال لهم اذكروا نعمة الله عليكم بقلوبكم فان ذكرها داع الى محبته تعالى. ومنشط على العبادة. اذ جعل فيكم انبياء يدعونكم الى الهدى ويحذرون من الردى ويحثونكم على سعادتكم الابدية. ويعلمونكم ما لم تكونوا تعلمون. وجعلكم ملوكا تملكون امركم بحيث انه زال عنكم استعباد عدوكم لكم فكنتم تملكون امركم وتتمكنون من اقامة دينكم. واتاكم من النعم الدينية والدنيوية ما لم يؤت احدا من العالمين فانهم في ذلك الزمان خيرة الخلق واكرمهم على الله تعالى وقد انعم عليهم بنعم مما كانت لغيرهم فذكرهم بالنعم الدينية والدنيوية الداعية ذلك لايمانهم وثباته وثباتهم على الجهاد واقدامهم عليه ولهذا قال يا قوم ادخلوا الارض المقدسة اي المطهرة التي كتب الله لكم فاخبرهم خبرا تطمئن به انفسهم. ان كانوا مؤمنين مصدقين بخبر الله. وانه قد كتب الله لهم دخولها وانتصارهم على عدوهم ولا ترتدوا اي ترجعوا على ادباركم فتنقلبوا خاسرين. قد خسرتم دنياكم بما فاتكم من النصر على الاعداء وفتح بلادكم واخرتكم بما فاتكم من الثواب. وما استحققتم بمعصيتكم من العقاب. فقالوا قولا يدل على ضعف قلوبهم وخور نفوسهم وعدم اهتمامهم بامر الله ورسوله شديدي القوة والشجاعة. اي فهذا من الموانع لنا من دخولها وانا لن ندخلها حتى يخرجوا منها. فان يخرجوا منها فان داخلون وهذا من الجبن وقلة اليقين. والا فلو كان معهم رشدهم. لعلموا انهم كلهم من بني ادم. وان القوي من اعانه الله وبقوة من عنده فانه لا حول ولا قوة الا بالله. ولعلموا انهم سينصرون عليهم اذ وعدهم الله بذلك وعدا خاصا قال رجلان من الذين يخافون انعم الله عليهم الخلوع عليهم المانح. فاذا دخلتم قال رجل من الذين يخافون الله تعالى مشجعين لقومهم منهضين لهم على قتال عدوهم واحتلال بلادهم انعم الله عليهما بالتوفيق وكلمة الحق في هذا الموطن المحتاج الى مثل كلامهم وانعم عليهم بالصبر واليقين. ادخلوا عليهم الباب فاذا دخلتموه فان انكم غالبون. اي ليس بينكم وبين نصركم عليهم الا ان تجزموا عليهم. وتدخلوا عليهم الباب. فاذا دخلتموه عليهم فانهم سيهزمون ثم امرهم بعدة هي اقوى العدد. فقال وعلى الله فتوكلوا ان كنتم مؤمنين. فان في التوكل على الله خصوصا في هذا الموطن تيسيرا للامر ونصرا على الاعداء. ودل هذا على وجوب التوكل. وعلى انه بحسب ايمان العبد يكون توكله. فلم ينجح فيهم هذا الكلام ولا نفع فيهم الملام. فقالوا قول الاذلين فما اشنع هذا الكلام منهم! ومواجهتهم لنبيهم فيه في هذا المقام الحرج الضيق. الذي قد دعت الحاجة والضرورة الى نصرة نبيهم واعزاز انفسهم وبهذا وامثاله يظهر التفاوت بين سائر الامم وامة محمد صلى الله عليه وسلم حيث قال الصحابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين شاورهم في القتال يوم بدر مع انه لم يحتم عليهم يا رسول الله لخضت بنا هذا البحر لخضناه معك. ولو بلغت بنا برك الغماد ما تخلف عنك احد. ولا نقول كما قال قوم موسى لموسى اذهب انت وربك فقاتلا انا ها هنا قاعدون. ولكن اذهب انت وربك فقاتلا انا معكما مقاتلون. من بين يديك ومن خلفك وعن يمينك وعن يسارك لما رأى موسى عليه السلام عتوهم عليه بيننا وبين القوم الفاسقين. قال ربي اني لا املك الا نفسي واخي. اي فلا يدان لنا بقتالهم ولست بجبار على هؤلاء. ايحكم بيننا وبينهم بان تنزل فيه من العقوبة ما اقتضته حكمتك. ودل ذلك على ان قولهم وفعلهم من الكبائر العظيمة الموجبة للفسق. قال الله مجيبا لدعوة موسى فانها محرمة عليهم اربعين سنة يتيهون في الارض اي ان من عقوبتهم ان نحرم عليهم دخول هذه القرية. التي كتبها الله لهم مدة اربعين سنة. وتلك المدة ايضا يتيهون في الارض لا يهتدون الى طريق ولا يبقون مطمئنين. وهذه عقوبة دنيوية. لعل الله تعالى كفر بها عنهم. ودفع عنهم عقوبة منها وفي هذا دليل على ان العقوبة على الذنب قد تكون بزوال نعمة موجودة او دفع نقمة قد انعقد سبب وجودها او تأخرها الى وقت اخر ولعل الحكمة في هذه المدة ان يموت اكثر هؤلاء الذين قالوا هذه المقالة الصادرة عن قلوب لا صبر فيها ولا ثبات بل قد الفت الاستعباد لعدوها ولم تكن لها همم ترقيها الى ما فيه ارتقاؤها وعلوها. ولتظهر ناشئة جديدة تتربى عقول على طلب قهر الاعداء وعدم الاستعباد والذل المانع من السعادة. ولما علم الله تعالى ان عبده موسى في غاية الرحمة على الخلق. خصوصا المقاومة وانه ربما رق لهم واحتملته الشفقة على الحزن عليهم في هذه العقوبة او الدعاء لهم بزوالها مع ان الله قد حتمها قال اي لا تأسف عليهم ولا تحزن فان هم قد فسقوا وفسقهم اقتضى وقوع ما نزل بهم لا ظلما منا واتل عليه النبأ ابن ادم بالحق اذ قربا قربانا فتقبل من احدهما ولم يتقبل واتلو وعليهم نبأ ابني ادم بالحق اي قص على الناس واخبرهم بالقضية التي جرت على ابن ادم بالحق تلاوة يعتبر بها المعتبرون صدقا لا كذب وجدا لا لعبا. والظاهر ان ابني ادم هما ابناء لصلبه. كما يدل عليه ظاهر الاية والسياق. وهو قول جمهور المفسرين ايتل عليهم نبأهما في حال تقريبهما للقربان. الذي اداهما الى الحال المذكورة. اذ قربا قربانا. اي اخرج كل منهما شيئا من ماله لقصد التقرب الى الله فتقبل من احدهما ولم يتقبل من الاخر. بان علم ذلك بخبر من السماء او بالعادة السابقة في الامم ان علامة تقبل الله للقرآن ان تنزل نار من السماء فتحرقه. قال الابن الذي لم يتقبل منه للاخر حسدا وبغيا لاقتلنك. فقال له الاخر مترفقا له في ذلك. انما يتقبل الله من المتقين. فاي ذنب لي وجناية توجب لك ان تقتلني الا اني اتقيت الله تعالى الذي تقواه واجبة علي وعليك وعلى كل احد. واصح الاقوال في تفسير المتقين هنا اي المتقين لله في ذلك العمل. بان يكون عملهم خالصا لوجه الله. متبعين فيه لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم قال له انه لا يريد ان يتعرض لقتله. لا ابتداء ولا مدافعة فقال انبسطت الي يدك لتقتلني. ما انا بباسط يدي اليك لاقتلك. وليس ذلك جبنا مني ولا عجزا. وانما ذلك لاني اخاف الله الله رب العالمين. والخائف لله لا يقدم على الذنوب. خصوصا الذنوب الكبار. وفي هذا تخويف لمن يريد القتل. وانه ينبغي لك ان تتقي الله وتخافه اني اريد ان تبوء اي ترجع اثمي واثمك اي انه اذا دار الامر بين ان اكون قاتلا او تقتلني فاني اوثر ان تقتلني فتبوء بالوزرين فتكون فمن اصحاب النار وذلك جزاء الظالمين. دل هذا على ان القتل من كبائر الذنوب. وانه موجب لدخول النار فلم يرتدع ذلك الجاني ولم ينزجر ولم يزل نفسه ويجزمها حتى طوعت له قتل اخيه الذي يقتضي الشرع والطبع احترامه. فقتله فاصبح من الخاسرين دنياهم واخرتهم واصبح قد سن هذه السنة لكل قاتل. ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها الى يوم القيامة. ولهذا ورد في الحديث الصحيح انه ما من نفس تقتل الا كان على ابن ادم الاول شطر من دمها لانه اول من سن القتل. فلما قتل اخاه لم يدري كيف يصنع به؟ لانه اول ميت مات من بني ادم كتبنا على بني اسرائيل اهل الكتب السماوية انه من قتل نفسا بغير نفس او فساد في الارض اي بغير حق فكأنما قتل الناس جميعا لانه ليس معه داع يدعوه الى التبيين. وانه لا يقدم على القتل الا بحق. فلما تجرأ على قتل النفس التي لم تستحق القتل. علم انه ولا فرق عنده بين هذا المقتول وبين غيره. وانما ذلك بحسب ما تدعوه اليه نفسه الامارة بالسوء. فتجرؤه على قتله كانه قتل الناس جميعا وكذلك من احيا نفسه اي استبقى احدا فلم يقتله مع دعاء نفسه له الى قتله فمنعه خوف الله تعالى من قتله فهذا فكأنه احيا الناس جميعا. لان ما معه من الخوف يمنعه من قتل من لا يستحق القتل. ودلت الاية على ان القتل يجوز باحد امرين. اما ان تقتل نفسا بغير حق متعمدا في ذلك فانه يحل قتله. ان كان مكلفا مكافئا ليس بوالد للمقتول. واما ان يكون كان مفسدا في الارض بافساده لاديان الناس او ابدانهم او اموالهم كالكفار المرتدين والمحاربين والدعاة الى البدع الذي لا ينكف شرهم الا بالقتل وكذلك قطاع الطريق ونحوهم. ممن يصول على الناس لقتلهم او اخذ اموالهم ولقد جاءتهم رسلنا بالبينات. التي لا يبقى معها حجة لاحد ثمان كثيرا منهم اي من الناس بعد ذلك البيان القاطع للحجة الموجب للاستقامة في الارض لمسرفون في العمل بالمعاصي ومخالفة الرسل الذين جاءوا بالبينات انما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الارض فسادا ان يقتلوا او يصلبوا او تقطع ايديهم وارجلهم من خلاف او ينفوا من الارض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الاخرة عذاب عظيم المحاربون لله ورسوله هم الذين ان بارزوه بالعداوة وافسدوا في الارض بالكفر والقتل واخذ الاموال واخافة السبل. والمشهور ان هذه الاية الكريمة في احكام قطاع الطريق الذين يعرضون للناس في القرى والبوادي فيغصبون اموالهم ويقتلونهم ويخيفونهم. فيمتنع الناس من سلوك الطريق التي هم بها فتنقطع وبذلك فاخبر الله ان جزاءهم ونكالهم عند اقامة الحد عليهم ان يفعل بهم واحد من هذه الامور. واختلف المفسرون هل ذلك على التخيير وان كل قاطع طريق يفعل به الامام او نائبه ما رآه المصلحة من هذه الامور المذكورة. وهذا ظاهر اللفظ. او ان عقوبتهم كونوا بحسب جرائمهم فكل جريمة لها قسط يقابلها. كما تدل عليه الاية بحكمتها وموافقتها لحكمة الله تعالى. وانهم ان قتلوا واخذوا مالا تحتم قتلهم وصلبهم. حتى يشتهروا ويختزوا ويرتدع غيرهم. وان قتلوا ولم يأخذوا مالا تحتم قتلهم فقط. وان اخذوا مالا ولم يقتلوا تحتم ان تقطع ايديهم وارجلهم من خلاف. اليد اليمنى والرجل اليسرى وان اخافوا الناس ولم يقتلوا ولا اخذوا ما الا نفوا من الارض فلا يتركون يؤوون في بلد حتى تظهر توبتهم وهذا قول ابن عباس رضي الله عنه وكثير من الائمة على اختلاف في بعض التفاصيل. ذلك لهم خزي في الدنيا اي فضيحة وعار. ولهم في الاخرة عذاب عظيم. فدل هذا انقطع الطريق من اعظم الذنوب موجب فضيحة الدنيا وعذاب الاخرة. وان فاعله محارب لله ولرسوله. واذا كان هذا شأن عظم هذه الجريمة علم ان تطهير الارض من المفسدين وتأمين السبل والطرق عن القتل واخذ الاموال واخافة الناس من اعظم الحسنات واجل الطاعات. وانه اصلاح في الارض كما ان ضده افساد في الارض ان الله غفور رحيم. الا الذين تابوا من قبل ان تقدروا عليهم اي من هؤلاء المحاربين. فاعلموا ان ان الله غفور رحيم. اي فيسقط عنه مكانا لله من تحطم القتل والصلب والقطع والنفل. ومن حق الادمي ايضا ان كان المحارب كافرا ثم اسلم. فان كان المحارب مسلما فان حق الادمي لا يسقط عنه. من القتل واخذ المال. ودل مفهوم الاية على ان توبة المحال بعد القدرة عليه انها لا تسقط عنه شيئا. والحكمة في ذلك ظاهرة. واذا كانت التوبة قبل القدرة عليه تمنع من اقامة الحد في قرابة فغيرها من الحدود اذا تاب من فعلها قبل القدرة عليه من باب اولى يا ايها الذين امنوا اتقوا الله وابتغوا اليه الوسيلة وجاهدوا في سبيله لعلكم تفلحون هذا امر من الله لعباده المؤمنين. بما يقتضيه الايمان من تقوى الله والحذر من سخطه وغضبه. وذلك بان يجتهد العبد تبذل غاية ما يمكنه من المقدور في اجتناب ما يسخطه الله من معاصي القلب واللسان والجوارح الظاهرة والباطنة ويستعين بالله على تركها لينجو بذلك من سخط الله وعذابه. وابتغوا اليه الوسيلة. اي القرب منه والحظوة لديه. والحب له وذلك باداء فرائضه القلبية كالحب له وفيه والخوف والرجاء والانابة والتوكل والبدنية كالزكاة والحج والمركبة من ذلك كالصلاة نحوها ومن انواع القراءة والذكر. ومن انواع الاحسان الى الخلق بالمال والعلم والجاه والبدن. والنصح لعباد الله. فكل هذه الاعمال تقرب الى الله ولا يزال العبد يتقرب بها الى الله حتى يحبه الله. فاذا احبه كان سمعه الذي يسمع به. وبصره الذي يبصر به. ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها. ويستجيب الله له الدعاء. ثم خص تبارك وتعالى من العبادات المقربة اليه الجهاد في سبيله وهو بذل الجهد في قتال الكافرين بالمال والنفس والرأي واللسان. والسعي في نصر دين الله بكل ما يقدر عليه العبد. لان هذا النوع من اجل وافضل القربات. ولان من قام به فهو على القيام بغيره احرى واولى. لعلكم تفلحون. اذا اتقيتم الله بترك المعاصي وابتغيتم الوسيلة الى الله بفعل الطاعات. وجاهدتم في سبيله ابتغاء مرضاته. والفلاح هو الفوز والظفر بكل مطلوب مرغوب. والنجاة ومن كل مرهوب فحقيقته السعادة الابدية والنعيم المقيم ان الذين كفروا لو ان لهم ما في الارض جميعا ومثله معه ليفتدوا به يريدون ان يخرجوا ومن النار وما هم بخارجين منها ولهم عذاب مقيم. يخبر تعالى عن شناعة حال الكافرين بالله يوم القيامة. ومآلهم الفظيع. وانهم لو افتدوا من عذاب الله بملء الارض ذهبا ومثله معه. ما قبل منهم ولا افاد. لان محل الافتداء قد فات. ولم يبق الا العذاب الاليم. الموجع الدائم الذي لا يخرجون منه ابدا. بل هل هم ماكثون فيه سرمدا والسارب والسارقة فاقطعوا ايديهما جزاء بما كسبان السارق هو من اخذ مال غيره المحترم خفية. بغير رضاه وهو من كبائر الذنوب الموجبة لترتب العقوبة وهو قطع اليد اليمنى كما هو في قراءة بعض الصحابة. وحد اليد عند الاطلاق من الكوع. فاذا سرق قطعت يده من الكوع وحسمت في زيت لتنسد العروق فيقف الدم. ولكن السنة قيدت عموم هذه الاية من عدة اوجه. منها الحرز فانه لابد ان تكون السرقة من حرز وحرز كل مال ما يحفظ به عادة. فلو سرق من غير حرز فلا قطع عليه. ومنها انه لا بد ان يكون من المسروق نصابا وهو ربع دينار او ثلاثة دراهم او ما يساوي احدهما. فلو سرق دون ذلك فلا قطع عليه. ولعل هذا يؤخذ من لفظ السرقة ومعناها فان لفظ السرقة اخذ الشيء على وجه لا يمكن الاحتراز منه. وذلك ان يكون المال محرزا. فلو كان غير محرز لم يكن ذلك سرقة شرعية. ومن الحكمة ايضا انه لا تقطع اليد في الشيء النذر التافه. فلما كان لا بد من التقدير كان التقدير الشرعي مخصصا للكتاب. والحكمة في قطع اليد في السرقة ان ذلك حفظ للاموال واحتياط لها. وليقطع العضو الذي صدرت منه فان عاد السارق قطعت رجله اليسرى فان عاد فقيل تقطع يده اليسرى ثم رجله اليمنى وقيل يحبس حتى يموت وقوله جزاء بما كسب اي ذلك القطع جزاء للسارق بما سرقه من اموال الناس. نكالا من الله اي تنكيلا وترهيبا للسارق ولغيره وتدع السراق اذا علموا انهم سيقطعون اذا سرقوا. والله عزيز حكيم. اي عز وحكم. فقطع السارق ان الله غفور فيغفر لمن تاب فترك الذنوب واصلح الاعمال والعيوب وذلك ان لله ملك السماوات والارض الم تعلم ان الله له ملك السماوات والارض يعذب من يشاء ويغفر لمن يشاء والله على كل شيء قدير. يتصرف فيهما بما شاء من التصاريف القدرية والشرعية والمغفرة والعقوبة بحسب ما اقتضته حكمته ورحمته الواسعة ومغفرته كالذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا من الذين قالوا امنا بافواههم ولم كان الرسول صلى الله عليه وسلم من شدة حرصه على الخلق يشتد حزنه لمن تظهر الايمان ثم يرجع الى الكفر. فارشده الله تعالى الى انه لا يأسى ولا يحزن على امثال هؤلاء. فان هؤلاء لا في العير ولا في النفير ان حضروا لم ينفعوا وان غابوا لم يفقدوا. ولهذا قال مبينا للسبب الموجب لعدم الحزن عليهم. فقال من الذين قالوا امنا بافواههم ولم تؤمنوا قلوبهم ومن الذين هانوا. فان الذين ويحزن عليهم من كان معدودا من المؤمنين. وهم المؤمنون ظاهرا وباطنا. وحاشى لله ان يرجع هؤلاء عن دينهم ويرتدوا ان الايمان اذا خالطت بشاشته القلوب لم يعدل به صاحبه غيره ولم يبغي به بدلا. ومن الذين هادوا اي اليهود سماعون للكذب سماعون لقوم اخرين لم يأتوك سماعون للكذب سماعون قوم اخرين لم يأتوك اي مستجيبون ومقلدون لرؤسائهم. المبني امرهم على الكذب والضلال والغيب. وهؤلاء الرؤساء المتبوعون لم يأتوك بل اعرضوا عنك وفرحوا بما عندهم من الباطل وهو تحريف الكلم عن مواضعه. اي جلب معان للالفاظ ما ارادها الله ولا قصدها لاضلال الخلق ولدفع الحق. فهؤلاء المنقادون للدعاة الى الضلال. المتبعين للمحال الذين يأتون بكل كذب لا عقول لهم ولا همم فلا تبالي ايضا اذا لم يتبعوك. لانهم في غاية النقص والناقص لا يأبه له ولا يبالى به يقولون ان اوتيتم هذا فخذوه وان لم تؤتوه فاحذروا. اي هذا قولهم عند محاكمتهم اليك. لا لهم الا اتباع الهوى. يقول بعضهم لبعض ان حكم لكم محمد بهذا الحكم الذي يوافق اهوائكم فاقبلوا حكمه. وان لم يحكم لكم به فاحذروا ان تتابعوه على ذلك. وهذا فتنة واتباع ما تهوى الانفس. ومن يرد الله فتنته فلن له من الله شيئا. كقوله تعالى انك لا تهدي من احببت. ولكن الله يهدي من يشاء اولئك الذين لم يرد الله ان يطهر قلوبهم. اي فلذلك صدق ومنهم من صدر فدل ذلك على ان من كان مقصوده بالتحاكم الى الحكم الشرعي اتباع هواه وانه ان حكم له رضي وان لم يحكم له وسخت فان ذلك من عدم طهارة قلبه. كما ان من حاكم وتحاكم الى الشرع ورضي به وافق هواه او خالفه فانه من طهارة القلب ودل على ان طهارة القلب سبب لكل خير. وهو اكبر داع الى كل قول رشيد وعمل سديد لهم في الدنيا خزي اي فضيحة وعار ولهم في الاخرة عذاب عظيم. هو النار وسخط الجبار سماعون للكذب وسمعها هنا سمع استجابة اي من قلة دينهم وعقلهم ان استجابوا لمن دعاهم الى القول الكذب. الكالون للسحت اي المال الحرام بما يأخذونه على وعوامهم من المعلومات والرواتب التي بغير الحق. فجمعوا بين اتباع الكذب واكل الحرام. فان جاؤوك فاحكم بينهم او اعرض عنهم فانت مخير في ذلك. وليست هذه منسوخة فانه عند تحاكم هذا الصنف اليه. يخير بين ان يحكم بينهم او يعرض عن الحكم بينهم بسبب انه لا قصد لهم في الحكم الشرعي. الا ان يكون موافقا لاهوائهم. وعلى هذا فكل مستفت ومتحاكم الى عالم يعلم من حاله انه ان حكم عليه لم يرضى لم يجب الحكم ولا الافتاء لهم. فان حكم بينهم وجب ان يحكم بالقسط. ولهذا قال حتى ولو كانوا ظلمة واعداء فلا يمنع كذلك من العدل في الحكم بينهم. وفي هذا بيان فضيلة العدل القسط في الحكم بين الناس وان الله تعالى يحبه. ثم قال متعجبا لهم فيها حكم الله ثم يتولون من بعد ذلك وما اولئك بالمؤمنين. فانهم لو كانوا مؤمنين عاملين بما يقتضيه الايمان ويوجبه. لم يصدفوا عن حكم الله الذي في التوراة التي بين ايديهم. لعلهم ان يجدوا عندك ما يوافق اهواءهم وحين حكمت بينهم بحكم الله الموافق لما عندهم ايضا. لم يرضوا بذلك بل اعرضوا عنه. فلم يرتضوه ايضا. قال تعالى وما اولئك الذين هذا صنيعهم بالمؤمنين. اي ليس هذا دأب المؤمنين. وليسوا حريين بالايمان. لانهم جعلوا الهتهم اهواء وجعلوا احكام الايمان تابعة لاهوائهم والربانيون والاحبار بما استحفظوا منك فلا تخشون ولا تشتروا اياتي ثمن قليلا ومن لم يحكم بما انا انزلنا التوراة على موسى ابن عمران عليه الصلاة والسلام فيها هدى يهدي الى الايمان والحق من الضلالة ونور يستضاء به في ظلم الجهل والحيرة والشكوك والشبهات والشهوات كما قال تعالى ولقد اتينا موسى وهارون الفرقان وضياء وذكرا للمتقين. يحكم بها بين الذين هادوا. اي اليهود في القضايا والفتاوى. النبيون الذين لله وانقادوا لاوامره. الذين اسلامهم اعظم من اسلام غيرهم. وهم صفة الله من العباد. فاذا كان هؤلاء النبيون الكرام والسادة للانام قد اقتدوا بها واتموا ومشوا خلفها. فما الذي منع هؤلاء الاراذل من اليهود من الاقتداء بها؟ وما الذي اوجب لهم ان ينبذوا اشرف فما فيها من الايمان بمحمد صلى الله عليه وسلم. الذي لا يقبل عمل ظاهر وباطن الا بتلك العقيدة. هل لهم امام في ذلك نعم لهم ائمة دأبهم التحريف. واقامة رياستهم ومناصبهم بين الناس. والتأكد بكتمان الحق واظهار الباطل. اولئك ائمة الضلال الذين يدعون الى النار وقوله والربانيون والاحبار. اي وكذلك يحكم بالتوراة للذين هادوا. ائمة الدين ان الربانيين اي العلماء العاملين المعلمين الذين يربون الناس باحسن تربية ويسلكون معهم مسلك الانبياء المشفقين والاحبار اي العلماء الكبار الذين يقتدى باقوالهم وترمق اثارهم ولهم لسان الصدق بين اممهم. وذلك الحكم الصادر منهم الموفق وافقوا للحق بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء. اي بسبب ان الله استحفظهم على كتابه. وجعلهم امناء عليه وهو امانة عندهم اوجب عليهم حفظه من الزيادة والنقصان والكتمان. وتعليمه لمن لا يعلمه. وهم شهداء علي بحيث انهم المرجوع اليهم فيه وفيما اشتبه على الناس منه فالله تعالى قد حمل اهل العلم ما لم يحمله الجهال. فيجب عليهم القيام باعباء ما حملوا. والا يقتدوا الجهال للاخلاد الى البطالة والكسل. والا يقتصروا على مجرد العبادات القاصرة. من انواع الذكر والصلاة والزكاة والحج والصوم. ونحو ذلك من الامور التي اذا قام بها غير اهل العلم سلموا ونجوا. واما اهل العلم فكما انهم مطالبون بالقيام بما عليهم انفسهم. فانهم طالبونا ان يعلموا الناس وينبهوهم على ما يحتاجون اليه من امور دينهم. خصوصا الامور الاصولية والتي يكثر وقوعها. والا يخشوا الناس بل يخشون ربهم ولهذا قال فلا تخشوا الناس واخشون ولا تشتروا بايات ثمنا قليلا فتكتمون الحق وتظهرون الباطل لاجل متاع الدنيا في القليل وهذه الافات اذا سلم منها العالم فهو من توفيقه وسعادته بان يكون همه الاجتهاد في العلم والتعليم ويعلم ان الله قد استحفظه ما اودعه من العلم واستشهده عليه. وان يكون خائفا من ربه. ولا يمنعه خوف الناس وخشيتهم من القيام بما هو لازم له. والا يؤثر الدنيا على الدين كما ان علامة شقاوة العالم ان يكون مخلدا للبطالة. غير قائم بما امر به. ولا مبال بما استحفظ عليه. قد اهمله واضاع قد باع الدين بالدنيا قد ارتشى في احكامه. واخذ المال على فتاويه ولم يعلم عباد الله الا باجرة وجعلة. فهذا قد من الله عليه بمنة عظيمة كفرها ودفع حظا جسيما محروما منه غيره. فنسألك اللهم علما نافعا وعملا متقبلا وان ترزقنا العفو والعافية من كل بلاء يا كريم ومن لم يحكم بما انزل الله من الحق المبين وحكم بالباطل الذي يعلمه لغرض من اغراض الفاسدة فاولئك هم الكافرون. فالحكم بغير ما انزل الله من اعمال اهل الكفر. وقد يكون كفرا ينقل عن الملة. وذلك اذا اعتقد حله وجوازه وقد يكون كبيرة من كبائر الذنوب ومن اعمال الكفر. قد استحق من فعله العذاب الشديد وكتبنا عليهم فيها ان النفس بالنفس والعين بالعين والانف بالانف والاذن والاذن بالاذن والسن بالسن والجروح قصار وكتبنا عليهم فيها ان النفس بالنفس والعين بالعين. هذه الاحكام من جملة الاحكام التي في التوراة يحكم بها النبيون الذين اسلموا للذين هادوا والربانيون والاحبار. ان الله اوجب عليهم فيها ان النفس اذا قتلت تقتل نفس بشرط العمد والمكافأة والعين تقلع بالعين والاذن تؤخذ بالاذن والسن ينزع بالسن. ومثل هذه ما اشبهها من التي يمكن الاقتصاص منها بدون حيف. والجروح قصاص والاقتصاص ان يفعل به كما فعل. فمن جرح غيره عمدا اقتص منه من الجارح جرحا مثل جرحه للمجروح. حدا وموضعا وطولا وعرضا وعمقا. وليعلم ان شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد يخبر تعالى انه الغني عن العالمين وانه من ارتد عن دينه فلن يضر الله شيئا وانما يضر نفسه وان لله عبادا مخلصين ورجالا صادقين. قد تكفل الرحمن الرحيم بهدايتهم ووعد بالاتيان هنا بخلافه فمن تصدق به اي بالقصاص في النفس. وما دونها من الاطراف والجروح بان عفا عمن جنى. وثبت له الحق قبله فهو كفارة له. اي كفارة للجاني. لان الادمي عفا عن حقه. والله تعالى احق واولى بالعفو عن حقه. وكفارة ايضا عن العافي فانه كما عفا عمن جنى عليه. او على من يتعلق به فان الله يعفو عن زلاته وجناياته قال ابن عباس كفر دون كفر وظلم دون ظلم وفسق دون فسق. فهو ظلم اكبر عند استحلاله وعظيمة كبيرة عند فعله غير مستحل وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت ايديهم ولعنوا بما قالوا غلت ايديهم ثم لعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء بل يداهما لله ايها اتبعنا هؤلاء الانبياء والمرسلين الذين يحكمون بالتوراة بعبدنا ورسولنا عيسى ابن مريم. رح الله وكلمته التي القاها الى مريم بعثه الله مصدقا لما بين يديه من التوراة. فهو شاهد لموسى ولما جاء به من التوراة بالحق والصدق. ومؤيد لدعوته وحاكم بشريعته وموافق له في اكثر الامور الشرعية. وقد يكون عيسى عليه السلام اخف في بعض الاحكام. كما قال تعالى عنه وانه قال لبني اسرائيل ولاحل لكم بعض الذي حرم عليكم واتيناه الانجيل الكتاب العظيم المتمم للتوراة فيه هدى ونور يهدي الى الصراط المستقيم ويبين الحق من الباطل ومصدقا لما بين يديه من التوراة. بتثبيتها والشهادة لها والموافقة فانهم الذين ينتفعون بالهدى ويتعظون بالمواعظ ويرتدعون عما لا يليق اي يلزمهم التقيد بكتابهم ولا يجوز لهم العدول عنه هم الفاسقون يقول تعالى انزلنا اليك الكتاب الذي هو القرآن العظيم. افضل الكتب واجلها بالحق اي انزالا بالحق. ومشتملا على الحق في اخباره واوامره ونواهيه ومصدقا لما بين يديه من الكتاب لانه شهد لها ووافقها وطابقت اخباره اخبارها الكبار شرائعها واخبرت به فصار وجوده مصداقا لخبرها. ومهيمنا عليه اي مشتملا على ما اشتملت عليه الكتب السابقة وزيادة في المطالب الالهية والاخلاق النفسية. فهو الكتاب الذي تتبع كل حق جاءت به الكتب. فامر به وحث عليه واكثر من الطرق الموصلة اليه. وهو الكتاب الذي فيه نبأ السابقين واللاحقين. وهو الكتاب الذي فيه الحكم والحكمة. والاحكام الذي عرضت عليه الكتب السابقة فما شهد له بالصدق فهو المقبول. وما شهد له بالرد فهو مردود. قد دخله التحريف والتبديل. والا فلو كان من عند الله لم يخالف فاحكم بينهم بما انزل الله من الحكم الشرعي الذي انزله الله عليك. ولا تتبع اهواءهم عما جاءك من حق اي لا تجعل اتباع اهوائهم الفاسدة. المعارضة للحق بدلا عما جاءك من الحق. فتستبدل الذي هو ادنى بالذي هو خير لكل جعلنا منكم ايها الامم جعلنا شرعة ومنهاجا اي سبيلا وسنة. وهذه الشرائع التي تختلف باختلاف الامم. هي التي تتغير بحسب تغير الازمنة والاحوال وكلها ترجع الى العدل في وقت شرعتها. واما الاصول الكبار التي هي مصلحة وحكمة في كل زمان. فانها لا تختلف. فتشرع في جميع الشرائع ولكن اليمن وكم فيما اتاكم فاستبقوا ولو شاء الله ولجعلكم امة واحدة تبعا لشريعة واحدة. لا يختلف متأخرها ولا متقدمها. ولكن ليبلوكم فيما اتاكم سيختبركم وينظر كيف تعملون. ويبتلي كل امة بحسب ما تقتضيه حكمته. ويؤتي كل احد ما يليق به. وليحصل التنافس بين من الامم فكل امة تحرص على سبق غيرها. ولهذا قال فاستبقوا الخيرات اي بادروا اليها واكملوها. فان الخيرات الشاملة لكل فرض ومستحب من حقوق الله وحقوق عباده لا يصير فاعلها سابقا لغيره مستوليا على الامر الا بامرين اليها وانتهاز الفرصة حين يجيء وقتها ويعرض عارضها. والاجتهاد في ادائها كاملة على الوجه المأمور به. ويستدل بهذه الاية على المبادرة لاداء الصلاة وغيرها في اول وقتها. وعلى انه ينبغي الا يقتصر العبد على مجرد ما يجزئ في الصلاة وغيرها من العبادات من الامور الواجبة بل ينبغي ان يأتي بالمستحبات التي يقدر عليها لتتم وتكمل ويحصل بها السبق ترجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون. الى الله مرجعكم جميع الامم السابقة واللاحقة. كلهم سيجمعهم الله ليوم لا ريب فيه. فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون منه من الشرائع والاعمال فيثيب اهل الحق والعمل الصالح. ويعاقب اهل الباطل والعمل السيء. وانحكم بينهم بما وان احكم بينهم بما انزل الله هذه الاية هي التي قيل انها ناسخة لقوله فاحكم بينهم او اعرض عنهم. والصحيح انها ليست بناسخة. وان تلك الاية تدل على لانه صلى الله عليه وسلم مخير بين الحكم بينهم وبين عدمه. وذلك لعدم قصدهم بالتحاكم للحق. وهذه الاية تدل على انه اذا حكم فانه يحكم بينهم بما انزل الله من الكتاب والسنة. وهو القسط الذي تقدم ان الله قال وان حكمت فاحكم بينهم بالقسط ودل هذا على بيان القسط وان مادته هو ما شرعه الله من الاحكام. فانها المشتملة على غاية العدل والقسط. وما خالف ذلك فهو ثور وظلم ولا تتبع اهواءهم كرر النهي عن اتباع اهوائهم لشدة التحذير منها. ولان ذلك في مقام الحكم والفتوى وهو اوسع وهذا في مقام الحكم وحده. وكلاهما يلزم فيه الا يتبع اهواءهم المخالفة للحق. ولهذا قال اياك والاغترار بهم وان يفتنوك فيصدوك عن بعض ما انزل الله اليك. فصار اتباع اهوائهم سببا موصلا الى ترك الحق الواجب. والفرض اتباعه. فان ولوا عن اتباعك واتباع الحق فاعلم ان ذلك عقوبة عليهم. وان الله يريد ان يصيبهم ببعض ذنوبهم. فان للذنوب عقوبات عاجلة واجلة. ومن اعظم العقوبات ان يبتلى العبد ويزين له ترك اتباع الرسول. وذلك لفسقه اي طبيعتهم الفسق والخروج عن طاعة الله واتباع رسوله اي افيطلبون بتوليهم واعراضهم عنك حكم الجاهلية. وهو كل حكم خالف ما انزل الله على رسوله. فلا ثم الا الله ورسوله او حكم الجاهلية. فمن اعرض عن الاول ابتلي بالثاني المبني على الجهل والظلم والغي. ولهذا اضافه الله للجميع الجاهلية واما حكم الله تعالى فمبني على العلم والعدل والقسط والنور والهدى فالموقن هو الذي يعرف الفرق بين الحكمين ويميز بايقانهما في بسم الله من الحسن والبهاء وانه يتعين عقلا وشرعا اتباعه. واليقين هو العلم التام الموجب للعمل بعضهم اولياء يرشد تعالى عباده المؤمنين. حين بين لهم احوال اليهود والنصارى وصفاتهم غير الحسنة. الا يتخذوهم اولياء فان بعضهم اولياء بعض يتناصرون فيما بينهم ويكونون يدا على من سواهم. فانتم لا تتخذوهم اولياء. فانهم الاعداء على الحقيقة ولا يبالون بضركم. بل لا يدخرون من مجهودهم شيئا على اضلالكم. فلا يتولاهم الا من هو مثلهم. ولهذا قال لان التولي التام يوجب الانتقال الى دينهم والتولي القليل يدعو الى الكثير ثم يتدرج شيئا فشيئا حتى يكون العبد منهم اي الذين وصفهم الظلم واليه يرجعون وعليه يعولون. فلو جئتهم بكل اية ما تبعوك ولنقادوا لك فلما نهى الله المؤمنين عن توليهم اخبر ان ممن يدعي الايمان طائفة تواليهم فقال فترى الذين في قلوبهم فعسى الله ان يأتي فترى الذي ان في قلوبهم مرض اي شك ونفاق وضعف ايمان. يقولون ان تولينا اياهم للحاجة فاننا نخشى ان تصيبنا دائرة اي تكون الدائرة لليهود والنصارى فاذا كانت الدائرة لهم فاذا لنا معهم يد يكافئوننا عنها. وهذا سوء ظن منهم بالاسلام قال الله تعالى رادا لظنهم السيء. فعسى الله ان يأتي بالفتح الذي يعز الله به الاسلام على اليهود والنصارى. ويقهرهم او امر من عنده ييأس به المنافقون من ظفر الكافرين من اليهود وغيرهم فيصبحوا على ما اسروا اي اضمروا في انفسهم نادمين على ما كان منهم مضرهم بلا نفع حصل لهم. فحصل بالفتح الذي نصر الله به الاسلام والمسلمين. واذل به الكفر والكافرين فندموا وحصل لهم من الغم ما الله به عليم. ويقول الذين امنوا اهؤلاء الذين اقسموا حبطت اعمالهم فاصبحوا خاسرين ويقول الذين امنوا متعجبين من حال هؤلاء الذين في قلوبهم مرض. اهؤلاء الذين اقسموا بالله جهد ايمانهم انهم معكم اي حلفوا واكدوا حليفهم وغلظوه بانواع التأكيدات. انهم لمعكم في الايمان. وما يلزمه من النصرة والمحبة موالاة ظهر ما اضمروه وتبين ما اسروه وصار كيدهم الذي كادوه. وظنهم الذي ظنوه بالاسلام واهله باطلا بطل كيدهم وبطلت اعمالهم في الدنيا. فاصبحوا خاسرين. حيث فاتهم مقصودهم. وحضرهم الشقاء والعذاب ايها الذين امنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ما يحبون اذلة على المؤمنين عزة يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله بهم وانهم اكمل الخلق اوصافا واقواهم نفوسا واحسنهم اخلاقا. اجل صفاتهم ان الله يحبهم ويحبونه. فان محبة الله للعبد هي اجل نعمة انعم بها عليه. وافضل فضيلة تفضل الله بها عليه. واذا احب الله عبدا يسر له الاسباب. وهون عليه كل عسير ووفقه لفعل الخيرات وترك المنكرات. واقبل بقلوب عباده اليه بالمحبة والوداد. ومن لوازم محبة العبد لربه انه لا بد ان يتصف بمتابعة الرسول صلى الله عليه وسلم ظاهرا وباطنا. في اقواله وافعاله وجميع احواله. كما قال الله تعالى قل ان كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله. كما ان من لازم محبة الله للعبد ان يكثر العبد من التقرب الى الله بالفرائض النوافل كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح عن الله وما تقرب الي عبدي بشيء احب الي مما افترضت عليه ولا لا يزال عبدي يتقرب الي بالنوافل حتى احبه. فاذا احببته كنت سمعه الذي يسمع به. وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها بها ورجله التي يمشي بها ولئن سألني لاعطينه ولئن استعاذني لاعيذنه. ومن لوازم محبة الله معرفته والاكثار من ذكره فان المحبة بدون معرفة بالله ناقصة جدا بل غير موجودة. وان وجدت دعواها ومن احب الله اكثر من واذا احب الله عبدا قبل منه اليسير من العمل. وغفر له الكثير من الزلل. ومن صفاتهم انهم فهم للمؤمنين اذلة من محبتهم لهم ونصحهم لهم ولينهم ورفقهم ورأفتهم ورحمتهم بهم وسهولة جانبهم وقرب الشيء الذي يطلب منهم وعلى الكافرين بالله المعاندين لاياته لرسله اعزة قد اجتمعت هممهم وعزائمهم على معاداتهم وبذلوا جهدهم في كل سبب يحصل به الانتصار عليهم. قال الله تعالى واعدوا لهم ما استطعتم من قوة. ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم. وقال الله تعالى اشداء على رحماء بينهم. فالغلظة والشدة على اعداء الله مما يقرب العبد الى الله. ويوافق العبد ربه في سخطه عليهم. ولا تمنع والغلظة عليهم والشدة دعوتهم الى الدين الاسلامي بالتي هي احسن. فتجتمع الغلظة عليهم واللين في دعوتهم. وكلا الامرين من مصلحته ونفعه عائد اليهم يجاهدون في سبيل الله باموالهم وانفسهم باقوالهم وافعالهم. ولا يخافون لومة لائم. بل يقدمون رضا ربهم والخوف من لومه على لوم المخلوقين. وهذا يدل على قوة هممهم وعزائمهم. فان ضعيف القلب ضعيف الهمة تنتقص وعزيمته عند لوم اللائمين. وتفتر قوته عند عدل العادلين. وفي قلوبهم تعبد لغير الله بحسب ما فيها من مراعاة الخلق وتقديم رضاهم ولومهم على امر الله. فلا يسلم القلب من التعبد لغير الله. حتى لا يخاف في الله لومة لائم. ولما مدحهم تعالى بما من به عليه من الصفات الجليلة والمناقب العالية. المستلزمة لما لم يذكر من افعال الخير. اخبر ان هذا من فضله عليهم واحسانه. لان لا اعجبوا بانفسهم وليشكروا الذي من عليهم بذلك ليزيدهم من فضله. وليعلم غيرهم ان فضل الله تعالى ليس عليه حجاب. فقال ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم اي واسع الفضل والاحسان. جزيل المنن قد عمت رحمته كل شيء. ويوسع على اوليائه من فضله لا يكون لغيرهم ولكنه عليم بمن يستحق الفضل فيعطيه. فالله تعالى حيث يجعل رسالته اصلا وفرعى انما وليكم الله ورسوله والذين امنوا والذين امنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون لما نهى عن ولاية الكفار من اليهود والنصارى وغيرهم وذكر مآل توليهم انه الخسران المبين. اخبر تعالى من يجب ويتعين توليه. وذكر فائدة ذلك ومصلحته فقال كما وليكم الله ورسوله. فولاية الله تدرك بالايمان والتقوى. فكل من كان مؤمنا تقيا كان لله وليا. ومن كان وليا لله فهو ولي لرسوله. ومن تولى الله ورسوله كان تمام ذلك تولي من تولاه. وهم المؤمنون الذين قاموا بالايمان ظاهرا وباطنا واخلصوا للمعبود باقامتهم الصلاة بشروطها وفروضها ومكملاتها. واحسنوا للخلق وبذلوا الزكاة من اموالهم لمستحقيه فيها منهم وقوله وهم راكعون اي خاضعون لله ذليلون. فاداة الحصر في قوله انما وليكم الله ورسوله والذي امنوا تدل على انه يجب قصر الولاية على المذكورين والتبري من ولاية غيرهم. ثم ذكر فائدة هذه الولاية فقال ومن يتولى الله ورسوله والذين امنوا فان حزب الله فان ومن يتولى الله ورسوله والذين امنوا فان حزب الله هم الغالبون. اي فانه من الحزب المضافين الى الله اضافة عبودية وولاية. وحزبه هم الغالبون الذين هم العاقبة في الدنيا والاخرة. كما قال الله تعالى وان جندنا لهم الغالبون. وهذه بشارة عظيمة لمن قام بامر الله صار من حزبه وجنده ان له الغلبة وان ادل عليه في بعض الاحيان لحكمة يريدها الله تعالى فاخر امره الغلبة والانتصار ومن اصدق من الله قيلا يا ايها الذين امنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا من الذين اوتوا الكتاب واتقوا الله ان كنتم مؤمنين واذا ناديتم الى الصلاة اتخذوها هزوا ولعبا ذلك بانهم قوم لا يعقلون ينهى عباده المؤمنين عن اتخاذ اهل الكتاب من اليهود والنصارى ومن سائر الكفار اولياء. يحبونهم ويتولونهم ويبدون لهم اسرار المؤمنين. ويعاونونهم على بعض امورهم التي تضر الاسلام والمسلمين. وان ما معه من الايمان يوجب عليهم ترك موالاة ويحثهم على معاداتهم. وكذلك التزامهم لتقوى الله التي هي امتثال اوامره واجتناب زواجره. مما تدعوهم الى معاداة وكذلك ما كان عليه المشركون والكفار المخالفون للمسلمين. من قدحهم في دين المسلمين واتخاذهم اياه هزوا ولعبا واحتقاره واستصغاره. خصوصا الصلاة التي هي اظهار شعائر المسلمين. واجل عباداتهم. انهم اذا نادوا اليها اتخذوها هزوا ولعبا وذلك لعدم عقلهم ولجهلهم العظيم. والا فلو كان لهم عقول لخضعوا لها. ولعلموا انها اكبر من جميع الفضائل التي تتصف فيها النفوس. فاذا علمتم ايها المؤمنون حال الكفار وشدة معاداتهم لكم ولدينكم. فمن لم يعادهم بعد هذا دل على ان الاسلام كم عنده رخيص وانه لا يبالي بمن قدح فيه او قدح بالكفر والضلال. وانه ليس عنده من المروءة والانسانية شيء. فكيف تدعي لنفسك قيما وانه الدين الحق وما سواه باطل. وترضى بموالاة من اتخذه هزوا ولعبا. وسخر به وباهله. من اهل الجهل حمق وهذا فيه من التهييج على عداوتهم ما هو معلوم لكل من له ادنى مفهوم قل يا اهل الكتاب هل تنققمون منا الا ان امنا بالله وما انزل الينا وما اي قل يا ايها الرسول يا اهل الكتاب ملزما لهم ان دين الاسلام هو الدين الحق. وان قدحهم فيه قدح بامر ينبغي المدح عليه. هل تنقمون منا الا ان امنا بالله وما انزل الينا وما انزل من قبل وان اكثركم فاسقون. اي هل لنا عندكم من العيب الا ايماننا بالله وبكتبه السابقة واللاحقة وبانبيائه المتقدمين والمتأخرين. وباننا نجزم ان من لم يؤمن كهذا الايمان فانه كافر فاسق. فهل تنقمون منا بهذا الذي هو اوجب الواجبات على جميع المكلفين. ومع هذا فاكثركم فاسقون اي خارجون عن طاعة الله. متجرؤون على معاصيه. فاولى لكم ايها ايها الفاسقون فلو كان عيبكم وانتم سالمون من الفسق. وهيهات ذلك لكان الشر اخف من قدحكم فينا مع فسقكم. ولما كان قد في المؤمنين يقتضي انهم يعتقدون انهم على شر. قال تعالى قل لهم مخبرا عن شناعة ما كانوا عليه هل انبئكم بشر من ذلك الذي نقمتم فيه علينا مع التنزل معكم من لعنه الله اي ابعده عن رحمته. وغضب عليه وعاقبه في الدنيا والاخرة. وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت وهو الشيطان. وكل ما عبد من دون الله فهو طاغوت. اولئك المذكورون بهذه الخصال القبيحة شر مكانا من المؤمنين الذين رحمة الله قريب منهم. ورضي الله عنهم واثابهم في الدنيا والاخرة. لانهم اخلصوا له الدين هذا النوع من باب استعمال افعال التفضيل في غير بابه. وكذلك قوله واضل عن سواء السبيل. اي وابعد عن قصد السبيل كانوا يكتمون. واذا جاءوكم قالوا امنا نفاقا ومكرا. وهم قد دخلوا مشتملين على الكفر. وهم قد خرجوا به فمدخلهم ومخرجهم بالكفر. وهم يزعمون انهم مؤمنون. فهل اشر من هؤلاء واقبح حالا منهم؟ والله اعلم بما كانوا يكتمون فيجازيهم باعمالهم خيرها وشرها. ثم استمر تعالى يعدد معايبهم انتصارا لقدحهم في عباده المؤمنين فقال وترى كثيرا منهم يسارعون في الاثم والعدوان واكلهم السحت. لبئس ما كانوا يعملون وترى كثيرا منهم اي من اليهود يسارعون في الاثم والعدوان اي يحرصون ويبادرون المعاصي المتعلقة في حق الخالق والعدوان على المخلوقين واكلهم السحت الذي هو الحرام. فلم يكتفي بمجرد الاخبار انهم يفعلون ذلك. حتى اخبر انهم يسارعون فيه وهذا يدل على خبثهم وشرهم. وان انفسهم مجبولة على حب المعاصي والظلم. هذا وهم يدعون لانفسهم المقامات العالية بئس ما كانوا يعملون. وهذا في غاية الذم لهم والقدح فيهم لولا ينههم الربانيون والاحبار عن قولهم الاثم واكلهم السحت. لبئس ما كانوا اي هل لا ينهاهم العلماء المتصدون لنفع الناس؟ الذين من الله عليهم بالعلم والحكمة عن المعاصي التي تصدر منهم ليزول ما عندهم من الجهل. وتقوم حجة الله عليهم. فان العلماء عليهم امر الناس ونهيهم. وان يبينوا لهم الطريق الشرعي. ويرغبون في الخير ويرهبونهم من الشر. لبئس ما كانوا يصنعون وليزيدن كثيرا منهم ما انزل اليك من ربك طغيانا وكفرا. والغينا بينهم العداوة والبغضاء كلما اوقدوا نارا للحرب اطفأها الله يخبر تعالى عن مقالة اليهود الشنيعة وعقيدتهم الفظيعة. فقال وقالت اليهود يد الله مغلولة اي عن الخير والاحسان والبر غلت ايديهم ولعنوا بما قالوا. وهذا دعاء عليهم بجنس مقالتهم. فان كلامهم متضمن لوصف الله الكريم بالبخل وعدم فجزاهم بان كان هذا الوصف منطبقا عليهم. فكانوا ابخل الناس واقلهم احسانا. واسوأهم ظنا بالله. وابعدهم الله عن رحمته التي وسعت كل شيء وملأت اقطار العالم العلوي والسفلي. ولهذا قال بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء لا حجر عليه ولا مانع ما يمنعه مما اراد فانه تعالى قد بسط فضله واحسانه الديني والدنيوي. وامر العباد ان يتعرضوا لنفحات جوده. والا يسدوا على انفسهم ابواب احسانه بمعاصيهم. فيداه سحاء الليل والنهار. وخيره في جميع الاوقات مدرار. يفرج كربا ويزيل اما ويغني فقيرا ويفك اسيرا ويجبر كسيرا ويجيب سائلا ويعطي فقيرا عائلا ويجيب المضطرين ويستجيب يقول السائلين وينعم على من لم يسأله. ويعافي من طلب العافية. ولا يحرم من خيره عاصيا. بل خيره يرتع فيه البر والفاجر تجود على اوليائه بالتوفيق لصالح الاعمال ثم يحمدهم عليها ويضيفها اليهم وهي من جوده ويثيبهم عليها من الثواب العاجل والاجل لما لا يدركه الوصف. ولا يخطر على بال العبد ويلطف بهم في جميع امورهم. ويوصل اليهم من الاحسان. ويدفع عنهم من النقم ما لا يشعرون بكثير منه. فسبحان من كل النعم التي بالعباد فمنه. واليه يجأرون في دفع المكاره. وتبارك من لا يحصي احد ثناء عليه بل هو كما اثنى على نفسه. وتعالى من لا يخلو العباد ومن كرمه طرفة عين. بل لا وجود لهم ولا بقاء الا بجوده. وقبح الله من استغنى جهله عن ربه ونسبه الى ما لا يليق بجلاله. بل لو عامل الله اليهود القائلين تلك المقالة. ونحوهم ممن حاله كحالهم ببعض قولهم لهلكوا وشقوا في دنياهم ولكنهم يقولون تلك الاقوال. وهو تعالى يحلم عنهم ويصفح. ويمهلهم ولا يهملهم وقوله تعالى وهذا اعظم العقوبات على العبد ان يكون الذكر الذي انزله الله على رسوله الذي فيه حياة القلب والروح سعادة الدنيا والاخرة وفلاح الدارين الذي هو اكبر منة امتن الله بها على عباده توجب عليهم المبادرة الى قبولها والاستسلام لله بها وشكرا لله عليها. ان تكون لمثل هذا زيادة غي الى غيه. وطغيان الى طغيانه وكفر الى كفره وذلك بسبب اعراضه عنها ورده لها ومعاندته اياها. ومعارضته لها بالشبه الباطلة والغينا بينهم العداوة والبغضاء الى يوم القيامة. فلا يتآلفون ولا يتناصرون ولا يتفقون على حالة فيها مصلحتهم بل لم يزالوا متباغضين في قلوبهم متعادين بافعالهم الى يوم القيامة كلما اوقدوا نارا للحرب اطفأها الله كلما اوقدوا نارا الحرب ليكيدوا بها الاسلام واهله. وابدوا واعادوا واجلبوا بخيلهم ورجلهم. اطفأها الله بخذلانهم وتفرق وانتصار المسلمين عليهم ويسعون في الارض فسادا والله لا يحب المحسنين. ويسعون في الارض فسادا ان يجتهدون ويجدون. ولكن بالفساد في الارض بعمل المعاصي والدعوة الى دينهم الباطل. والتعويق عن الدخول في الاسلام. والله لا يحب المفسدين بل يبغضهم اشد البغض وسيجازيهم على ذلك. ثم قال تعالى وهذا من كرمه وجوده. حيث ذكر قبائح اهل الكتاب ومعايبهم واقوالهم الباطلة. دعاهم الى التوبة. وانه لو امنوا بالله وملائكته وجميع كتبه وجميع رسله واتقوا المعاصي لكفر عنهم سيئاتهم ولو كانت ما كانت ولا فلهم جنات النعيم التي فيها ما تشتهيه الانفس وتلذ الاعين لا كلوا من فوقهم ومن تحت ارجلهم ولو انهم اقاموا التوراة والانجيل وما انزل اليه من ربهم اي قاموا باوامرهما ونواهيهما كما ندبهم الله وحثهم ومن اقامتهما الايمان بما دعيا اليه. من الايمان بمحمد صلى الله عليه وسلم وبالقرآن. فلو قاموا بهذه النعمة العظيمة التي انزلها ربهم اليهم اي لاجلهم وللاعتناء بهم. لاكلوا من فوقهم ومن تحت ارجلهم. اي لادر الله عليهم الرزق ولامطر عليهم السماء وانبت لهم الارض. كما قال الله تعالى ولو ان اهل القرى امنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات كاتب من السماء والارض منهم اي من اهل الكتاب امة مقتصدة اي عاملة بالتوراة والانجيل عملا غير قوي ولا نشيط وكثير منهم سائل ما يعملون. ايها المسيء منهم الكثير واما السابقون منهم فقليل ما هم يا ايها الرسول بلغ ما انزل اليك من ربك وان لم تفعل فما بلغت رسالته هذا امر من الله لرسوله محمد صلى الله عليه باعظم الاوامر واجلها. وهو التبليغ لما انزل الله اليه. ويدخل في هذا كل امر تلقته الامة عنه صلى الله عليه وسلم. من والاعمال والاقوال والاحكام الشرعية والمطالب الالهية. فبلغ صلى الله عليه وسلم اكمل تبليغ. ودعا وانذر وبشر ويسر وعلم الجهال الاميين حتى صاروا من العلماء الربانيين. وبلغ بقوله وفعله وكتبه ورسله. فلم يبق خير الا دل امته عليه ولا شر الا حذرها عنه. وشهد له بالتبليغ افاضل الامة من الصحابة. فمن بعدهم من ائمة الدين ورجال المسلمين. وان لم تفعل اي لم تبلغ ما انزل اليك من ربك فما بلغت رسالته. اي فما امتثلت امره. والله يعصمك من الناس. هذه حماية وعصمة من الله لرسوله من الناس وانه ينبغي ان يكون حرصك على التعليم والتبليغ ولا يثنيك عنه خوف من المخلوقين فان نواصيهم بيد الله وقد بعصمتك فانت انما عليك البلاغ المبين. فمن اهتدى فلنفسه. واما الكافرون الذين لا قصد لهم الا اتباع اهوائهم. فان الله لا سيهديهم ولا يوفقهم للخير بسبب كفرهم قل يا اهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والانجيل وما انزل اليكم من رب اي قل لاهل الكتاب مناديا على ضلالهم. ومعلنا بباطلهم لستم على شيء من الامور الدينية فانكم لا بالقرآن ومحمد امنتم ولا بنبيكم وكتابكم صدقتم. ولا بحق تمسكتم ولا على اصل اعتمدتم. حتى تقيم التوراة والانجيل. اي تجعلوهما قائمين بالايمان بهما واتباعهما. والتمسك بكل ما يدعوان اليه. وتقيم ما انزل اليكم من رب الذي رباكم وانعم عليكم وجعل اجل انعامه انزال الكتب اليكم فالواجب عليكم ان تقوموا بشكر الله احكام الله وتقوموا بما حملتم من امانة الله وعهده. وليزيدن كثيرا منهم ما انزل اليك من ربك طغيانا وكفرا لا تأس على القوم الكافرين ان الذين امنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى والنصارى من امن بالله واليوم يخبر تعالى عن اهل الكتب من اهل القرآن والتوراة والانجيل ان سعادتهم ونجاتهم في طريق واحد واصل واحد وهو الايمان بالله واليوم الاخر والعمل الصالح فمن امن منهم بالله واليوم الاخر فله النجاة ولا خوف عليهم فيما يستقبلونه من الامور المخوفة. ولا هم يحزنون على ما خلفوا منها وهذا الحكم المذكور يشمل سائر الازمنة. لقد اخذنا ميثاق بني اسرائيل كلما جاءهم رسول بما لا تهوى انفسهم فريقا كذبوا فريقا يقول يقول تعالى لقد اخذنا ميثاق بني اسرائيل اي عهدهم الثقيل بالايمان بالله والقيام بواجباته التي تقدم الكلام عليها في قوله ولقد اخذ الله ميثاق بني اسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا. وارسلنا اليهم رسلا يتوالون عليهم الدعوة ويتعاهدونهم بالارشاد. ولكن ذلك لم ينجح فيهم ولم يفد. كلما جاءهم رسول بما لا تهوى انفسهم من الحق. كذبوه وعاندوه وعمله اقبح المعاملة. فريقا كذبوا وفريقا يقتلون وحسبوا الا تكون فتنة ثم تاب الله عليهم ثم معهم وحسبوا الا تكون فتنة ايضا ان معصيتهم وتكذيبهم لا يجر عليهم عذابا ولا عقوبة. فاستمروا على باطلهم فعموا وصموا عن الحق. ثم نعشهم وتاب الله عليهم حين تابوا اليه وانابوا. ثم لم يستمروا على ذلك حتى انقلب اكثرهم الى الحال القبيحة. فعموا وصموا كثير منهم بهذا الوصف والقليل استمروا على توبتهم وايمانهم. والله بصير بما يعملون. فيجازي كل عامل بعمله ان خيرا فخير. وان شرا لقد كفر الذين قالوا ان الله هو المسيح ابن مريم. وقال المسيح يا بني ومأواهم النار وما لو يخبر تعالى عن كفر النصارى بقولهم ان الله هو المسيح ابن مريم بشبهة انه خرج من ام بلا اب. وخالف المعهود من الخلقة الالهية. والحال انه عليه الصلاة والسلام قد كذبهم في هذه الدعوة وقال لهم يا بني اسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم فاثبت لنفسه العبودية التامة ولربه الربوبية الشاملة لكل مخلوق انه من يشرك بالله احدا من المخلوقين لا عيسى ولا غيره. فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار. وذلك لانه سوى الخلق بالخالق وصرف ما خلقه الله له وهو العبادة الخالصة لغير من هي له. فاستحق ان يخلد في النار. وما للظالمين من انصار انقذونهم من عذاب الله او يدفعون عنهم بعض ما نزل بهم لقد كفر الذين قالوا ان الله ثالث ثلاثة. وهذا من اقوال النصارى المنصورة عندهم زعموا ان الله ثالث ثلاثة. الله وعيسى ومريم. تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا. وهذا اكبر دليل على قلة عقول كيف قبلوا هذه المقالة الشنعاء والعقيدة القبيحة؟ كيف اشتبه عليهم الخالق بالمخلوقين؟ كيف خفي عليهم رب العالمين قال تعالى رادا عليهم وعلى اشباههم. وما من اله الا اله واحد. متصف بكل صفة كمال. منزه عن كل نقص. منفرد بالخلق والتدبير. ما بالخلق من نعمة الا منة فكيف يجعل معه اله غيره؟ تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا. ثم توعدهم بقوله الذين كفروا منهم عذاب اليم. ثم دعاهم الى عما صدر منهم وبين انه يقبل التوبة عن عباده. فقال افلا يتوبون الى الله افلا يتوبون الى الله ايرجعون الى ما يحبون ويرضاه من الاقرار لله بالتوحيد. وبان عيسى عبد الله ورسوله عما كانوا يقولونه ويستغفرونه عما صدر منهم. والله هو غفور رحيم. اي يغفر ذنوب التائبين ولو بلغت عنان السماء. ويرحمهم بقبول توبتهم. وتبديل سيئاتهم حسنات صدر دعوتهم الى التوبة بالعرض الذي هو في غاية اللطف واللين في قوله افلا يتوبون الى الله؟ ثم ذكر حقيقة المسيح وامه الذي هو الحق فقال كيف نبين لهم ثم انظر انا يؤفكون. ما المسيح ابن مريم الا رسول قد خلت من قبله الرسل. اي هذا غايته ومنتهى امره انه من عباد الله المرسلين الذين ليس لهم من الامر ولا من التشريع الا ما ارسلهم الله به وهو من جنس الرسل قبله لا مزية له عليهم. تخرجه عن البشرية الى مرتبة الربوبية. وامه مريم صديقة اي هذا ايضا غايتها ان كانت من الصديقين الذين هم اعلى الخلق رتبة بعد الانبياء. والصديقية هي العلم النافع المثمر لليقين والعمل الصالح. وهذا دليل على ان مريم الم تكن نبيا بل اعلى احوالها الصديقية وكفى بذلك فضلا وشرفا وكذلك سائر النساء لم يكن منهن نبيا لان الله قال جعل النبوة في اكمل الصنفين في الرجال. كما قال تعالى وما ارسلنا من قبلك الا رجالا نوحي اليهم. فاذا كان عيسى عليه السلام من جنس الانبياء والرسل من قبله وامه صديقة فلاي شيء اتخذهما النصارى الهين مع الله؟ وقوله يأكلان الطعام. دليل ظاهر على انهما عبدان فقيران. محتاجان كما يحتاج بنو ادم الى الطعام والشراب فلو كان الهين لاستغنيا عن الطعام والشراب ولم يحتاجا الى شيء. فان الاله هو الغني الحميد. ولما بين تعالى البرهان قال انظر كيف نبين لهم الايات الموضحة للحق الكاشفة لليقين. ومع هذا لا تفيد فيهم شيئا. بل لا يزالون على افكهم وكذبهم وافترائهم وذلك ظلم وعناد منهم قل تعبدون من دون الله ما لا يملك لكم ضرا ولا نفعا والله هو اي قل لهم ايها الرسول اتعبدون من دون الله من المخلوقين الفقراء المحتاجين من لا يملك لكم ضرا ولا نفعا. وتدعون من انفرد بالضر والنفع والعطاء والمنع. والله هو السميع لجميع الاصوات باختلاف اللغات على تفنن الحاجات. العليم بالظواهر والبواطن والغيب والشهادة. والامور الماضية والمستقبلة. فالكامل تعالى الذي هذه اوصافه هو الذي يستحق ان يفرد بجميع انواع العبادة ويخلص له الدين قل يا اهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق ولا تتبعوا اهواء قوم قد ضلوا منكم يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم قل يا اهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق. اي لا تتجاوزوا وتتعدوا الحق الى الباطل. وذلك كقولهم في المسيح ما تقدم حكايتهم عنهم وكغلوهم في بعض المشايخ اتباعا لاهواء قوم قد ضلوا من قبل. اي تقدم ضلالهم واضلوا كثيرا من الناس بدعوتهم اياهم الى الدين الذي هم عليه وضلوا عن سواء السبيل. اي قصد الطريق فجمعوا بين الضلال والاضلال. وهؤلاء هم ائمة الضلال الذين فحذر الله عنهم وعن اتباع اهوائهم المردية وارائهم المضلة. ثم قال تعالى ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون لعن الذين كفروا من بني اسرائيل اي طردوا وابعدوا عن رحمة الله على لسان داوود وعيسى ابن مريم. اي بشهادتهما واقرارهما بان الحجة قد قامت عليهم وعاندوها. ذلك الكفر واللعن بما عصوا وكانوا يعتدون. اي بعصيانهم لله وظلمهم لعباد صار سببا لكفرهم وبعدهم عن رحمة الله. فان للذنوب والظلم عقوبات. ومن معاصيهم التي احلت بهم المثلات واوقعت بهم عقوبات انهم كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه. كانوا لا يتناهون عن منكر اي كانوا يفعلون المنكر ولا ينهى بعضهم بعضا فيشترك بذلك المباشر وغيره الذي سكت عن النهي عن المنكر مع قدرته على ذلك. وذلك يدل على تهاونهم بامر الله وان معصيته خفيفة عليهم فلو كان لديهم تعظيم لربهم لغاروا لمحارمه. ولغضبوا لغضبه وانما كان السكوت عن المنكر. مع القدرة موجبا العقوبة لما فيه من المفاسد العظيمة. منها ان مجرد السكوت فعل معصية. وان لم يباشرها الساكت. فانه كما يجب اجتناب فانه يجب الانكار على من فعل المعصية. ومنها ما تقدم انه يدل على التهاون بالمعاصي. وقلة الاكتراث بها. ومنها ان ذلك يجرأ العصاة والفسقة على الاكثار من المعاصي. اذا لم يردعوا عنها فيزداد الشر. وتعظم المصيبة الدينية والدنيوية يكون لهم الشوكة والظهور. ثم بعد ذلك يضعف اهل الخير عن مقاومة اهل الشر. حتى لا يقدرون على ما كانوا يقدرون عليه اولا. ومنها ان في ترك الانكار للمنكر يندرس العلم ويكثر الجهل. فان المعصية مع تكررها وصدورها من كثير من الاشخاص. وعدم انكار اهل في الدين والعلم لها يظن انها ليست بمعصية. وربما ظن الجاهل انها عبادة مستحسنة. واي مفسدة اعظم من اعتقاد ما حرم الله حلاله وانقلاب الحقائق على النفوس ورؤية الباطل حقا. ومنها ان السكوت على معصية العاصين ربما تزينت المعصية في صدور الناس واقتدى بعضهم ببعض فالانسان مولع بالاقتداء باضرابه وبني جنسه ومنها ومنها فلما كان السكوت عن الانكار بهذه المثابة نص الله تعالى ان بني اسرائيل الكفار منهم لعنهم بمعاصيهم واعتدائهم وخص من ذلك هذا المنكر العظيم. لبئس ما كانوا ويفعلون ترى كثيرا منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم انفسهم ان سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون ترى كثيرا منهم يتولون الذين كفروا بالمحبة والموالاة والنصرة. لبئس ما قدمت لهم انفسهم هذه البضاعة الكاسدة الصفقة الخاسرة وهي سخط الله الذي يسخط لسخطه كل شيء. والخلود دائم في العذاب العظيم. فقد ظلمتهم انفسهم حيث قدمت لهم هذا النزل غير الكريم وقد ظلموا انفسهم اذ فوتوها النعيم المقيم ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما انزل اليه ما اتخذوهم اولياء ولكن ان كثيرا منهم فاسقون. ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما انزل اليه ما اتخذوهم اولياء فان الايمان بالله وبالنبي وما انزل اليه يوجب على العبد موالاة ربه وموالاة اوليائه ومعاداة من كفر به وعاداه واوضع في في معاصيه فشرط ولاية الله والايمان به الا يتخذ اعداء الله اولياء. وهؤلاء لم يوجد منهم الشرط. فدل على انتفاء المشروط اي خارجون عن طاعة الله والايمان به وبالنبي ومن فسقه موالاة اعداء الله