المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي والمراد بالشفاعة هنا المعاونة على امر من الامور. فمن شفع غيره وقام معه على امر من امور الخير ومنه الشفاعة للمظلومين لمن ظلمهم. كان له نصيب من شفاعته بحسب سعيه وعمله ونفعه. ولا ينقص من اجر الاصيل والمباشر شيء. ومن كون غيره على امر من الشر كان عليه كفل من الاثم بحسب ما قام به وعون عليه. ففي هذا الحث العظيم على التعاون على البر والتقوى والزجر العظيم على على الاثم والعدوان. وقرر ذلك بقوله وكان الله على كل شيء مقيتا. اي شاهدا حفيظا. حسيبا على هذه الاعمال. فيجازي كل لما يستحقه ان الله كان على كل شيء حسيبا. التحية هي اللفظ الصادر من احد المتلاقيين. على وجه الاكرام الدعاء وما يقترن بذلك اللفظ من البشاشة ونحوها. واعلى انواع التحية ما ورد به الشرع من السلام ابتداء وردا. فامر تعالى المؤمنين ان فهم اذا حيوا باي تحية كانت ان يردوها باحسن منها لفظا وبشاشة او مثلها في ذلك. ومفهوم ذلك النهي عن عدم الرد بالكلية او رده بدونها ويؤخذ من الاية الكريمة الحث على ابتداء السلام والتحية من وجهين. احدهما ان الله امر بردها باحسن منها او مثلها وذلك يستلزم ان التحية مطلوبة شرعا. الثاني ما يستفاد من افعال التفضيل وهو احسن. الدال على مشاركة التحية وردها بالحسن كما هو الاصل في ذلك ويستثنى من عموم الاية الكريمة من حيا بحال غير مأمور بها كعلى مشتغل بقراءة او استماع خطبة او مصل ونحو ذلك ذلك فانه لا يطلب اجابة تحيته. وكذلك يستثنى من ذلك من امر الشارع بهجره. وعدم تحيته. وهو العاصي غير التائب الذي يرتدع بالهجر انه يهجر ولا يحيا. ولا ترد تحيته. وذلك لمعارضة المصلحة الكبرى. ويدخل في رد التحية كل تحية اعتادها الناس. وهي غير محظورة فانه مأمور بردها او احسن منها. ثم اوعد تعالى وتوعد على فعل الحسنات والسيئات بقوله ان الله كان على كل شيء في حفظ على العباد اعمالهم حسنها وسيئها صغيرها وكبيرها ثم يجازيهم بما اقتضاه فضله وعدله وحكمه المحمود الله لا اله الا هو ليجمعنكم الى يوم القيامة لا ريب فيه يخبر تعالى عن انفراده بالوحدانية وانه لا معبود ولا مألوها الا هو لكماله في ذاته واوصافه. ولكونه المنفرد بالخلق والتدبير والنعم الظاهرة والباطنة. وذلك يستلزم الامر بعبادته والتقرب اليه بجميع انواع العبودية لكونه المستحق لذلك وحده والمجازي للعباد بما قاموا به من عبوديته او تركوه منها. ولذلك اقسم على وقوع محل الجزاء وهو يوم القيامة فقال ليجمعنكم اي اولكم واخركم في مقام واحد في يوم القيامة لا ريب فيه اي لا شك ولا شبهة بوجه من الوجوه. بالدليل العقلي والدليل السمعي. فالدليل العقلي ما نشاهده من احياء الارض بعد موتها. ومن وجود الاولى التي وقوع الثانية اولى منها بالامكان. ومن الحكمة التي يجزم بان الله لم يخلق خلقه عبثا. يحيون ثم يموتون. واما الدليل فهو اخبار اصدقاء الصادقين بذلك. بل اقسامه عليه. ولهذا قال ومن اصدق من الله حديثا؟ كذلك امر رسوله صلى الله عليه وسلم ان يقسم عليه في غير موضع من القرآن كقوله تعالى زعم الذين كفروا ان لن يبعثوا. قل بلى وربي لتبعثن ثم لتنبؤن بما عملتم وذلك على الله يسير. وفي قوله ومن اصدق من الله حديثا. ومن اصدق من الله قيلا. اخبار بان حديثه واخباره واقواله قاله في اعلى مراتب الصدق بل اعلاها فكل ما قيل في العقائد والعلوم والاعمال مما يناقض ما اخبر الله به فهو باطل لمناقضته الخبر الصادق اليقيني فلا يمكن ان يكون حقا اتريدون ان تهدوا من اضل الله ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا فلا تتخذوا منهم اولياء حتى يهاجروا ولا تتخذوا منهم المراد بالمنافقين المذكورين في هذه الايات. المنافقون المظهرون اسلامهم. ولم يهاجروا مع كفرهم وكان قد وقع بين الصحابة رضوان الله عليهم فيهم اشتباه. فبعضهم تحرج عن قتالهم وقطع موالاتهم بسبب ما اظهروه من الامام. وبعضهم فيما احوالهم بقرائن افعالهم فحكم بكفرهم. فاخبرهم الله تعالى انه لا ينبغي لكم ان تشتبهوا فيهم ولا تشكوا. بل امرهم واضح غير مشكل انهم منافقون قد تكرر كفرهم وودوا مع ذلك كفركم وان تكونوا مثلهم. فاذا تحققتم ذلك منهم فلا تتخذوا منهم اولياء وهذا يستلزم عدم محبتهم لان الولاية فرع المحبة. ويستلزم ايضا بغضهم وعداوتهم. لان النهي عن الشيء امر بضده. وهذا الامر مؤقت بهجرتهم فاذا هاجروا جرى عليهم ما جرى على المسلمين. كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يجري احكام الاسلام لكل من كان معه وهاجر اليه وسواء كان مؤمنا حقيقة او ظاهر الايمان. وانهم ان لم يهاجروا وتولوا عنها فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم. اي في اي وقت واي كان وهذا من جملة الادلة الدالة على نسخ القتال في الاشهر الحرم. كما هو قول جمهور العلماء والمنازعون يقولون هذه نصوص مطلقة محمولة على تقييد التحريم في الاشهر الحرم ولو شاء فان اعتزلوكم فلم يقاتلوكم والقوا اليكم ثمان الله استثنى من قتال هؤلاء المنافقين الثلاث فرق فرقتين امر بتركهم وحتم على ذلك احداهما من يصل الى قوم بينهم وبين المسلمين عهد وميثاق بترك القتال. فينضم اليهم فيكون له حكمهم في حقن بالدم والمال والفرقة الثانية قوم حصرت صدورهم ان يقاتلوكم او يقاتلوا قومهم اي بقوا لا تسمحوا انفسهم بقتالكم ولا لقومهم واحبوا ترك قتال الفريقين. فهؤلاء ايضا امر بتركهم. وذكر الحكمة بذلك في قوله. ولو شاء الله لسلطهم عليكم فلقد فان الامور الممكنة ثلاثة اقسام. اما ان يكونوا معكم ويقاتلوا اعدائكم. وهذا متعذر من هؤلاء. فدار الامر بين قتالكم مع قومهم وبين ترك قتال الفريقين وهو اهون الامرين عليكم. والله قادر على تسليطهم عليكم فاقبلوا العافية. واحمدوا ربكم الذي ايديهم عنكم مع التمكن من ذلك. فهؤلاء ان اعتزلوكم فلم يقاتلوكم والقوا اليكم السلام. فما جعل الله لكم عليهم سبيلا ستجدون اخرين يريدون ان يأمنوكم ويأمنوا قومهم كلما ردوا الى الفتنة اركسوا ثقفتموهم واولئك جعلنا لكم عليهم سلطانا مبينا. الفرقة الثالثة قوم يريدون مصلحة انفسهم بقطع النظر عن احترامكم وهم الذين قال الله فيهم ستجدون اخرين اي من هؤلاء المنافقين يريدون ان اي خوفا منكم ويأمنوا قومهم. كلما ردوا الى الفتنة اركسوا فيها. اي لا يزالون مقيمين على كفرهم ونفاقهم. وكلما عرض لهم معارض من عوارض الفتن اعماهم ونكسهم على رؤوسهم. وازداد كفرهم ونفاقهم. وهؤلاء في الصورة كالفرقة الثانية. وفي الحقيقة الفة لها فان الفرقة الثانية تركوا قتال المؤمنين احتراما لهم لا خوفا على انفسهم. واما هذه الفرقة فتركوه خوفا لا احتراما لو وجدوا فرصة في قتال المؤمنين فانهم مستعدون لانتهازها. فهؤلاء ان لم يتبين منهم ويتضح اتضحا عظيما اعتزال المؤمنين وترك قتالهم فانهم يقاتلون. ولهذا قال فان لم يعتزلوكم ويلقوا اليكم السلم. اي المسالمة والموادعة ويكفوا ايديهم. فخذوهم واقتلوهم حيث ثقفتموهم واولئكم جعلنا لكم عليهم سلطانا مبينا. اي حجة بينة واضحة لكونهم معتدلين ظالمين لكم للمسالمة فلا يلومون الا انفسهم