نظير الذي في سورة الصف في قوله يا ايها الذين امنوا هل ادلكم على تجارة تنجيكم من عذاب اليم؟ تؤمنون بالله ورسوله في سبيل الله باموالكم وانفسكم ذلكم خير لكم ان كنتم تعلمون. يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الانهار المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي هذه الصيغة من صيغ الامتناع ان يمتنع ويستحيل ان يصدر من مؤمن قتل مؤمن اي متعمدا وفي هذا الاخمار بشدة تحريمه. وانه مناف للايمان اشد منافاة. وانما يصدر ذلك اما من كافر. او من فاسق قد نقص ايمانه نقصا عظيما. ويخشى عليه ما هو اكبر من ذلك فان الايمان الصحيح يمنع المؤمن من قتل اخيه الذي قد عقد الله بينه وبينه الاخوة الايمانية التي من مقتضاها محبته وموالاته وازالة ما يعرض لاخيه من الاذى. واي اذى اشد من القتل. وهذا يصدقه قوله صلى الله عليه وسلم لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض. فعلم ان القتل من الكفر العملي واكبر الكبائر بعد الشرك بالله. ولما كان قوله وما كان لمؤمن ان قتل مؤمنا لفظا عاما لجميع الاحوال. وانه لا يصدر منه قتل اخيه بوجه من الوجوه. استثنى تعالى قتل الخطأ فقال الا خطأ ان المخطئ الذي لا يقصد القتل غير اثم ولا متجرأ على محارم الله. ولكنه لما كان قد فعل فعلا شنيعا وصورته كافية في قبحه وان لم يقصده امر تعالى بالكفارة والدية فقال ومن قتل مؤمنا خطأ سواء كان القاتل ذكرا او انثى حرا او عبدا صغيرا او كبيرا عاقلا او مجنونا مسلما او كافرا. كما يفيده لفظ من؟ الدالة على العموم. وهذا من اسرار الاتيان بمن في هذا الموضع فان سياق الكلام يقتضي ان يقول فان قتله ولكن هذا لفظ لا يشمل ما تشمله من وسواء كان المقتول ذكرا او انثى صغيرا او كبيرا كما يفيده التنكير في سياق الشر فان على القاتل تحرير رقبة مؤمنة كفارة لذلك تكون في ماله ويشمل ذلك الصغير والكبير والذكر والانثى والصحيح والمعيب في قول بعض العلماء. ولكن الحكمة تقتضي الا يجزى عتق المعيب في الكفارة. لان المقصود بالعتق نفع العتيق وملكه منافع نفسه. فاذا كان يضيع بعتقه وبقاؤه في الرق انفع له فانه لا يجزئ عتقه. مع ان في قوله تحرير ما يدل على ذلك فان التحرير تخليص من استحقت منافعه لغيره ان تكون له. فاذا لم يكن فيه منافع لم يتصور وجود التحرير فتأمل ذلك فانه واضح. واما الدية فانها تجب على عاقلة القاتل في الخطأ وشبه العمد. مسلمة الى اهله جبرا لقلوبهم المراد باهله هنا هم ورثته. فان الورثة يرثون ما ترك الميت. فالدية داخلة فيما ترك. وللدية تفاصيل كثيرة مذكورة في كتب الفقه وقوله الا ان يصدقوا ان يتصدقوا ورثة القتيل بالعفو عن الدية فانها تسقط. وفي ذلك حث لهم على العفو. لان الله سماها صدقة والصدقة مطلوبة في كل وقت. فان كان المقتول من قوم عدو لكم اي من كفار حربيين. وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة. اي وليس عليكم لاهله دية لعدم احترامهم في دمائهم واموالهم. وان كان المقتول من قوم بينكم وبينهم ميثاق. فدية مسلمة الى اهله تحرير رقبة مؤمنة وذلك لاحترام اهله بما لهم من العهد والميثاق. فمن لم يجد الرقبة ولا ثمنها بان كان معسرا بذلك ليس عنده ما يقتل عن مؤنته وحوائجه الاصلية شيء يفي بالرقبة. فصيام شهرين متتابعين. اي لا يفطر بينهما من غير عذر. فان افطر لعذر. فان عذر لا يقطع التتابع كالمرض والحيض ونحوهما. وان كان لغير عذر انقطع التتابع. ووجب عليه استئناف الصوم توبة من الله. اي هذه الكفارة التي اوجبها الله على القاتل توبة من الله على عباده ورحمة بهم. وتكفير لما عساه ان يحصل منهم من تقصير وعدم احتراز. كما هو كثيرا للقاتل خطأ. وكان الله عليما حكيما. اي كامل العلم كامل الحكمة. لا يخفى عليه مثقال ذرة في الارض ولا في السماء. ولا اصغر من ذلك ولا اكبر في اي وقت كان واي محل كان. ولا يخرج عن حكمته من المخلوقات والشرائع شيء. بل كل ما خلقه وشرعه فهو متضمن لغاية الحكمة ومن علمه وحكمته ان اوجب على القاتل كفارة مناسبة لما صدر منه. فانه تسبب لاعدام نفس محترمة واخرجها من الوجود الى فناسب ان يعتق رقبة ويخرجها من رق العبودية للخلق الى الحرية التامة. فان لم يجد هذه الرقبة صام شهرين متتابعين. فاخرج نفسه من رق الشهوات واللذات الحسية القاطعة للعبد عن سعادته الابدية. الى التعبد لله تعالى بتركها تقربا الى الله. ومدها تعالى بهذه المدة كثيرة الشاقة في عددها ووجوب التتابع فيها. ولم يشرع الاطعام في هذا الموضع لعدم المناسبة. بخلاف الظهار. كما سيأتي ان شاء الله تعالى ومن حكمته ان اوجب في القتل الدية ولو كان خطأ. لتكون رادعة وكافة عن كثير من القتل. باستعمال الاسباب العاصمة عن ذلك. ومن حكمته ان وجبت على العاقلة في قتل الخطأ باجماع العلماء لكون قاتل لم يذنب في شق عليه ان يحمل هذه الدية الباهظة فناسب ان يقوم بذلك من بينه وبينهم المعاونة والمناصرة. والمساعدة على تحصيل المصالح وكف المفاسد. ولعل ذلك من اسباب منعهم لمن يعقلون عنه من القتل حذرا من تحميلهم ويخف عنهم بسبب توزيعه عليهم بقدر احوالهم وطاقتهم. وخففت ايضا بتأجيلها عليهم ثلاث سنين. ومن حكمته وعلمه انجبر اهل القتيل عن مصيبتهم بالدية التي اوجبها على اولياء القاتل ومن يقتل مؤمنا متعمدا متعمدا فجزاءه جهنم خالدا فيها فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وغضب الله عليه ولعنه واعد له عذابا عظيما. تقدم ان الله اخبر انه لا قتل المؤمن من المؤمن. وان القتل من الكفر العملي. وذكر هنا وعيد القاتل عمدا. وعيدا ترجف له القلوب. وتنصدع له الافئدة. وتنزعج منه اولو العقول فلم يرد في انواع الكبائر اعظم من هذا الوعيد. بل ولمثله الا وهو الاخبار بان جزاءه جهنم. اي فهذا الذنب العظيم قد انتهى ان يجازى صاحبه بجهنم بما فيها من العذاب العظيم والخزي المهين وسخط الجبار وفوات الفوز والفلاح وحصول الخيبة والخسار عياذا بالله من كل سبب يبعد عن رحمته. وهذا الوعيد له حكم امثاله من نصوص الوعيد. على بعض الكبائر والمعاصي بالخلود في النار. او حرمان الجنة وقد اختلف الائمة رحمهم الله في تأويلها. مع اتفاقهم على بطلان قول الخوارج والمعتزلة. الذين يخلدونهم في النار ولو كانوا موحدين في تأويلها ما قاله الامام المحقق شمس الدين ابن القيم رحمه الله في المدارج فانه قال بعدما ذكر تأويلات الائمة في ذلك وانتقد فقال وقالت فرقة هذه النصوص وامثالها مما ذكر فيه المقتضي للعقوبة. ولا يلزم من وجود مقتضي الحكم وجوده. فان الحكم انما بوجود مقتضيه وانتفاء موانعه. وغاية هذه النصوص الاعلام بان كذا سبب للعقوبة ومقتض لها. وقد قام الدليل على ذكر الموانع فبعضها بالاجماع وبعضها بالنص. فالتوبة مانع بالاجماع. والتوحيد مانع بالنصوص المتواترة. التي لا مدفع لها والحسنات العظيمة الماحية مانعة والمصائب الكبار المكفرة مانعة واقامة الحدود في الدنيا مانع بالنص ولا سبيل الى تعطيل هذه النصوص فلابد من اعمال من الجانبين. ومن هنا قامت الموازنة بين الحسنات والسيئات. اعتبارا بمقتضى العقاب ومانعه. واعمالا لارجحها. قالوا وعلى هذا بناء مصالح الدارين ومفاسدهما. وعلى هذا بناء الاحكام الشرعية والاحكام القدرية. وهو مقتضى الحكمة السارية في الوجود. وبه ارتباط الاسباب ومسبباتها خلقا وامرا. وقد جعل الله سبحانه لكل ضدا يدافعه ويقاومه. ويكون الحكم للاغلب منهما. فالقوة قضية للصحة والعافية وفساد الاخلاق وبغيها مانع من عمل الطبيعة وفعل القوة. والحكم للغالب منهما. وكذلك قوى الادوية والامراض والعبد يكون فيه مقتض للصحة ومقتض للعطب. واحدهما يمنع كمال تأثير الاخر ويقاومه. فاذا ترجح عليه وقهره كان التأثير ومن هنا يعلم انقسام الخلق الى من يدخل الجنة ولا يدخل النار. وعكسه ومن يدخل النار ثم يخرج منها ويكون مكثه فيها بحسب ما فيه من مقتضى المكث في سرعة الخروج وبطئه. ومن له مصيرة منورة يرى بها كل ما اخبر الله به في كتابه. ومن امر المعادي وتفاصيله حتى كانه يشاهده رأي عين ويعلم ان هذا هو مقتضى الهيته سبحانه. وربوبيته وعزته وحكمته. وانه يستحيل عليه خلاف ذلك. ونسبة ذلك اليه نسبة ما لا يليق به اليه فيكون نسبة ذلك الى بصيرته. كنسبة الشمس والنجوم الى بصره. وهذا يقين الايمان. وهو الذي تحرق السيئات كما تحرق النار الحطب. وصاحب هذا المقام من الايمان. يستحيل اصراره على السيئات. وان وقعت منه وكثرت. فان ما معه من نور الايمان يأمره بتجديد التوبة كل وقت. بالرجوع الى الله في عدد انفاسه. وهذا من احب الخلق الى الله. انتهى كلامه. قدس الله روحه وجزاه عن الاسلام والمسلمين خيرا ان الله كان بما تعملون خبيرا. يأمر تعالى عباده المؤمنين اذا خرجوا جهادا في سبيله وابتغاء مرضاته. ان يتبينوا ويتثبت في جميع امورهم المشتبهة فان الامور قسمان واضحة وغير واضحة. فالواضحة البينة لا تحتاج الى تثبت وتبين. لان كذلك تحصيل حاصل. واما الامور المشكلة غير الواضحة فان الانسان يحتاج الى التثبت فيها والتبين. ليعرف هل يقدم عليها ام لا. فان التثبت ففي هذه الامور يحصل فيه من الفوائد الكثيرة والكف لشرور عظيمة. ما به يعرف دين العبد وعقله ورزانته بخلاف المستعجل الامور في بدايته قبل ان يتبين له حكمها فان ذلك يؤدي الى ما لا ينبغي كما جرى لهؤلاء الذين عاتبهم الله في الاية لما لم يتثبتوا وقتلوا من عليهم وكان معه غنيمة له او مال غيره. ظنا انه يستكفي بذلك قتلهم. وكان هذا خطأ في نفس الامر. فلهذا عاتبهم بقوله ولا تقولوا لمن القى اليكم السلام لست مؤمنا. تبتغون عرض الحياة الدنيا. فعند الله مغانم كثيرة. اي فلا يحملنكم العرب الفاني القليل على ارتكاب ما لا ينبغي فيفوتكم ما عند الله من الثواب الجزيل الباقي. فما عند الله خير وابقى. وفي هذا اشارة الى ان العبد ينبغي له اذا رأى هذا واعي نفسه مائلة الى حالة له فيها هوى. وهي مضرة له ان يذكرها ما اعد الله لمن نهى نفسه عن هواها. وقدم مرضاة الله على رضا نفسه فان في ذلك ترغيبا للنفس في امتثال امر الله. وان شق ذلك عليها. ثم قال تعالى مذكرا لهم بحالهم الاولى قبل هدايتهم الى الاسلام كذلك كنتم من قبل. فمن الله عليكم اي فكما هداكم بعد ضلالكم. فكذلك يهدي غيركم. وكما ان الهداية حصلت لكم شيئا فشيئا فكذلك غيركم. فنظر الكامل لحاله الاولى الناقصة. ومعاملته لمن كان على مثلها. بمقتضى ما يعرف من حاله الاولى دعاءه له بالحكمة والموعظة الحسنة. من اكبر الاسباب لنفعه وانتفاعه. ولهذا اعاد الامر بالتبين فقال فتبينوا. فاذا كان من خرج للجهاد في سبيل الله ومجاهدة اعداء الله. وقد استعد بانواع الاستعداد للايقاع بهم. مأمورا بالتبين لمن القى اليه السلام. وكانت القرينة في انه انما سلم تعوضا من القتل وخوفا على نفسه فان ذلك يدل على الامر بالتبين والتثبت في كل الاحوال التي يقع فيها نوع اشتباه يتثبت فيها العبد حتى يتضح له الامر. ويبين الرشد والصواب. ان الله كان بما تعملون خبيرا. فيجازي كل ما عمله ونواه بحسب ما علمه من احوال عباده ونياتهم فضل الله المجاهدين باموالهم اي لا يستوي من جاهد من المؤمنين بنفسه وماله. ومن لم يخرج للجهاد ولم يقاتل اعداء الله. ففيه الحث على الخروج للجهاد والترغيب في ذلك والترهيب من التكاسل والقعود عنه من غير عذر. واما اهل الضرر كالمريض والاعمى والاعرج. والذي لا يجد ما يتجهز به انهم ليسوا بمنزلة القاعدين من غير عذر. فمن كان من اولي الضرر راضيا بقعوده لا ينوي الخروج في سبيل الله. لولا وجود المانع ولا يحدث نفسه بذلك فانه بمنزلة القاعد لغير عذر. ومن كان عازما على الخروج في سبيل الله لولا وجود المانع. يتمنى ذلك ويحدث به نفسه فانه في منزلة من خرج للجهاد لان النية الجازمة اذا اقترن بها مقدورها من القول او الفعل ينزل صاحبها منزلة الفاعل. ثم صرح تعالى بتفضيل مجاهدين على القاعدين بالدرجة اي الرفعة وهذا تفضيل على وجه الاجمال ثم صرح بذلك على وجه التفصيل ووعدهم بالمغفرة الصادرة من ربهم والرحمة التي تشتمل على حصول كل خير واندفاع كل شر. والدرجات التي فصلها النبي صلى الله عليه وسلم بالحديث الثابت عنه في الصحيحين ان في الجنة مئة درجة ما بين كل درجتين كما بين السماء والارض. اعدها الله للمجاهدين في سبيله. وهذا الثواب الذي رتبه الله على الجهاد فقد وقع اجره على الله وكان الله غفورا رحيما. هذا فيه بيان الحث على الهجرة ترغيب بيان ما فيها من المصالح فوعد الصادق في وعده ان من هاجر في سبيله ابتغاء مرضاته انه يجد مراغما في الارض وسعه فالمراغم ومساكن طيبة في جنات عدن. ذلك الفوز العظيم. وتأمل حسن هذا الانتقال من حالة الى اعلى منها فانه نفى التسوية اولا بين المجاهد وغيره. ثم صرح بتفضيل المجاهد على القاعد بدرجة. ثم انتقل الى تفضيله بالمغفرة والرحمة والدرجات. وهذا الانتقال من حالة الى اعلى عند التفضيل والمدح او النزول من حالة الى ما دونها عند القدح والذم احسن لفظا واوقع في النفس. وكذلك اذا فضل تعالى شيئا على شيء وكل منهما له فضل احترز بذكر الفضل الجامع للامرين لان لا يتوهم احد ذم المفضل عليه. كما قال هنا وكلا وعد الله الحسنى وكما قال تعالى في الايات المذكورة في الصف في قوله وبشر المؤمنين وكما في قوله تعالى لا يستوي منكم من انفق من قبل الفتح وقال اي ممن لم يكن كذلك. ثم قال وكلا وعد الله الحسنى. وكما قال تعالى ففهمناها سليمان وكلا اتينا حكما وعلما فينبغي لمن بحث في التفضيل بين الاشخاص والطوائف والاعمال ان يتفطن لهذه النكتة. وكذلك لو تكلم في ذم الاشخاص والمقالات ذكر ما تجتمع فيه عند تفضيل بعضها على بعض لئلا يتوهم ان المفضل قد حصل له الكمال. كما اذا قيل النصارى خير من المجوس فليقل مع ذلك وكل منهما كافر. والقتل اشنع من الزنا. وكل منهما معصية كبيرة. حرمها الله ورسوله وزجر عنها. ولما وعد المجاهدين بالمغفرة الصادرين عن اسمه الكريمين الغفور الرحيم. ختم هذه الاية بهما فقال وكان الله غفورا رحيما قالوا فيما كنتم هم قالوا كنا مستضعفين في الارض قالوا الم تكن ارض الله واسعة فتهاجروا فيه فاولئك مأواهم جهنم مصيرا هذا الوعيد الشديد لمن ترك الهجرة مع قدرته عليها حتى مات. فان الملائكة الذين يقبضون روحه يوبخونه بهذا التوبيخ العظيم. ويقولون لهم فيما كنتم اي على اي حال كنتم؟ وباي شيء تميزتم عن المشركين؟ بل كثرتم وربما ظاهرتموهم على المؤمنين وفاتكم الخير الكثير والجهاد مع رسوله. والكون مع المسلمين ومعاونتهم على اعدائهم. قالوا مستضعفين في الارض اي ظعفاء مقهورين مظلومين. ليس لنا قدرة على الهجرة وهم غير صادقين في ذلك. لان الله وبخهم وتوعدهم ولا يكلف الله نفسا الا وسعها. واستثنى المستضعفين حقيقة. ولهذا قالت لهم الملائكة الم تكن ارض الله واسعة فتهاجروا فيها وهذا استفهام تقرير اي قد تقرر عند كل احد ان ارض الله واسعة. فحيث ما كان العبد في محل لا يتمكن فيه من اظهار دينه. فان له متسعا فسحة من الارض يتمكن فيها من عبادة الله. كما قال تعالى يا عبادي الذين امنوا ان ارضي واسعة فاياي فاعبدون. قال الله عنها اولئك الذين لا عذر لهم فاولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا. وهذا كما تقدم فيه ذكر بيان السبب الموجب. فقد يترتب عليه مقتضاه مع اجتماع شروطه وانتفاء موانعه وقد يمنع من ذلك مانع. وفي الاية دليل على ان الهجرة من اكبر الواجبات وتركها من المحرمات بل من الكبائر وفي الاية دليل على ان كل من توفي فقد استكمل واستوفى ما قدر له من الرزق والاجل والعمل. وذلك مأخوذ من لفظ توفي فانه يدل على ذلك لانه لو بقي عليه شيء من ذلك لم يكن متوفيا. وفيه الايمان بالملائكة ومدحهم. لان الله ساق ذلك خطاب لهم على وجه التقرير والاستحسان منهم. وموافقته لمحله ثم استثنى مستضعفين عن الحقيقة الذين لا قدرة لهم على الهجرة بوجه من الوجوه. ولا يهتدون سبيلا. فهؤلاء قال الله فيهم فاولئك عسى الله ان يعفو وعنهم وكان الله عفوا غفورا. وعسى ونحوها واجب وقوعها من الله تعالى. بمقتضى كرمه واحسانه. وفي الترجية بالثواب من عمل بعض الاعمال فائدة وهو انه قد لا يوفيه حق توفيته ولا يعمله على الوجه اللائق الذي ينبغي بل يكون مقصرا فلا يستحق ذلك والله اعلم. وفي الاية الكريمة دليل على ان من عجز عن المأمور من واجب وغيره فانه معذور. كما قال تعالى في العاجزين عن الجهاد ليس على الاعمى حرج ولا على الاعرج حرج. ولا على المريض حرج. وقال في عموم الاوامر. فاتقوا الله ما استطعتم. وقال النبي صلى الله عليه وسلم اذا امرتكم بامر فاتوا منه ما استطعتم. ولكن لا يعذر الانسان الا اذا بذل جهده وسدت عليه ابواب الحيل. لقوله لا يستطيعون حيلة وفي الاية تنبيه على ان الدليل في الحج والعمرة ونحوهما مما يحتاج الى سفر من شروط الاستطاعة على مصالح الدين والسعة على مصالح الدنيا. وذلك ان كثيرا من الناس يتوهم ان في الهجرة شتاتا بعد الالفة. وفقرا بعد الغنى و بعد العز وشدة بعد الرخاء. والامر ليس كذلك. فان المؤمن ما دام بين اظهار المشركين. فدينه في غاية النقص لا في العبادات القاصرة عليه كالصلاة ونحوها ولا في العبادات المتعدية. كالجهاد بالقول والفعل وتوابع ذلك. لعدم تمكنه من ذلك. وهو بصدد ان يفطن عن دينه خصوصا ان كان مستضعفا فاذا هاجر في سبيل الله تمكن من اقامة دين الله وجهاد اعداء الله ومراغمتهم فان المراغمة اسم جامع لكل ما يحصل به اغاظة لاعداء الله من قول وفعل. وكذلك يحصل له سعة في رزقه. وقد وقع كما اخبر الله تعالى واعتبر ذلك الصحابة رضي الله عنهم فانهم لما هاجروا في سبيل الله وتركوا ديارهم واولادهم واموالهم لله. كمل بذلك ايمانهم. وحصل لهم من الايمان التام والجهاد العظيم والنصر لدين الله. ما كانوا به ائمة لمن بعدهم. وكذلك حصل لهم مما يترتب على ذلك من الفتوحات والغنائم. ما كانوا به اغنى الناس وهكذا كل من فعل فعلهم حصل له ما يحصل لهم الى يوم القيامة. ثم قال ومن يخرج من بيته مهاجرا الى الله ورسوله اي قاصدا ربه ورضاه ومحبة لرسوله ونصرا لدين الله. لا لغير ذلك من المقاصد. ثم يدركه الموت بقتل او غيره. فقد وقع اجره على الله اي فقد حصل له اجر المهاجر الذي ادرك مقصوده بضمان الله تعالى. وذلك لانه نوى وجزم وحصل منه ابتداء وشروع في العمل من رحمة الله به وبامثاله ان اعطاهم اجرهم كاملا. ولو لم يكملوا العمل وغفر لهم ما حصل منه من التقصير في الهجرة وغيرها. ولهذا ختم ما هذه الاية بهذين الاسمين الكريمين؟ فقال وكان الله غفورا رحيما. يغفر للمؤمنين ما اقترفوا من الخطيئات. خصوصا التائبين المنيبين الى ربهم رحيما بجميع الخلق رحمة اوجدتهم وعافتهم. ورزقتهم من المال والبنين والقوة وغير ذلك. رحيما بالمؤمنين حيث وفقهم للايمان وعلمهم من العلم ما يحصل به الايقان. ويسر لهم اسباب السعادة والفلاح. وما به يدركون غاية الارباح. وسيرون من رحمته و به ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. فنسأل الله الا يحرمنا خيره بشر ما عندنا