المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي. ولما بين مآل الاشقياء اولياء الشيطان ذكر مآل السعداء اوليائه فقال والذين امنوا وعملوا اي امنوا بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الاخر والقدر خيره وشره على الوجه الذي امروا به علما وتصديقا واقرارا. وعملوا الصالحات الناشئة عن الايمان. وهذا يشمل المأمورات من واجب ومستحب. الذي على القلب والذي على اللسان والذي على بقية الجوارح. كل له من الثواب المرتب على ذلك بحسب بحاله ومقامه وتكميله للايمان والعمل الصالح. ويفوته ما رتب على ذلك بحسب ما اخل به من الايمان والعمل. وذلك بحسب لما علم من حكمة الله ورحمته. وكذلك وعده الصادق الذي يعرف من تتبع كتاب الله وسنة رسوله. ولهذا ذكر الثواب المرتب على ذلك بقوله سندخلهم جنات تجري من تحتها الانهار. فيها ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر من انواع والمشارب اللذيذة والمناظر العجيبة والازواج الحسنة والقصور والغرف المزخرفة والاشجار المتدلية والفواكه المستغربة الاصوات الشجية والنعم السابغة وتزاور الاخوان وتذكرهم ما كان منهم في رياض الجنان. واعلى من ذلك كله واجل. رضوان الله عليهم وتمتع الارواح بقربه والعيون برؤيته والاسماع بخطابه. الذي ينسيهم كل نعيم وسرور. ولولا الثبات من الله لهم لطاروا وماتوا من الفرح والحبور. فلله ما احلى ذلك النعيم. وما اعلى ما انا لهم الرب الكريم. وما حصل لهم من كل خير وبهجة لا يصفه الواصفون. وتمام ذلك وكماله الخلود الدائم في تلك المنازل العاليات. ولهذا قال خالدين فيها ابدا وعد الله حقا ومن اصدق من الله قيلا. فصدق الله العظيم الذي بلغ قوله وحديثه في الصدق اعلى ما يكون. ولهذا هذا لما كان كلامه صدقا وخبره صدقا كان ما يدل عليه مطابقة وتضمنا وملازمة. كل ذلك مراد من كلامه وكذلك كلام رسوله صلى الله عليه وسلم لكونه لا يخبر الا بامره ولا ينطق الا عن وحيه اي ليس الامر والنجاة والتزكية بامانيكم ولا اماني اهل الكتاب. والاماني احاديث النفس المجردة عن العمل المقترن بها دعوة مجردة. لو عرضت بمثلها لكانت من جنسها. وهذا عام في كل امر فكيف بامر الايمان والسعادة الابدية؟ فان اماني اهل الكتاب قد اخبر الله بها انهم قالوا لن يدخل الجنة الا من كان هودا او نصارى ارى تلك امانيهم وغيرهم ممن ليس ينتسب لكتاب ولا رسول من باب اولى واحرى. وكذلك ادخل الله في ذلك من ينتسب الى الاسلام اسلام لكمال العدل والانصاف. فان مجرد الانتساب الى اي دين كان لا يفيد شيئا ان لم يأتي الانسان ببرهان على صحة دعواه فالاعمال تصدق الدعوة او تكذبها. ولهذا قال تعالى من يعمل سوءا يجزى به. وهذا شامل لجميع العاملين. لان السوء شامل لاي ذنب كان من صغائر الذنوب وكبائرها. وشامل ايضا لكل جزاء. قليل او كثير. دنيوي او اخروي. والناس في هذا مقام درجات لا يعلمها الا الله. فمستقل ومستكثر. فمن كان عمله كله سوءا. وذلك لا يكون الا كافرا. فاذا مات من بدون توبة جوزي بالخلود في العذاب الاليم. ومن كان عمله صالحا وهو مستقيم في غالب احواله. وانما يصدر منه احيانا بعض الذنوب الصغار فما يصيبه من الهم والغم والاذى وبعض الالام في بدنه او قلبه او حبيبه او ماله ونحو ذلك فانها مكفرة للذنوب وهي مما يجزى به على عمله قيضها الله لطفا بعباده. وبين هذين الحالين مراتب كثيرة. وهذا الجزاء على عمل السوء العمل عام مخصوص في غير التائبين. فان التائب من الذنب كمن لا ذنب له كما دلت على ذلك النصوص. وقوله ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا. لازالة بعض ما لعله يتوهم ان من استحق المجازاة على عمله. قد يكون له ولي او ناصر او شافع يدفع وعنه ما استحقه. فاخبر الله تعالى بانتفاء ذلك. فليس له ولي يحصل له المطلوب. ولا نصير يدفع عنه المرهوب. الا ومليكه ومن يعمل من الصالحات دخل في ذلك الاعمال القلبية والبدنية. ودخل ايضا كل عامل من انس او جن. صغير او كبير. ذكر او انثى. ولهذا قال من ذكر او انثى وهو مؤمن وهذا شرط لجميع الاعمال لا تكون صالحة ولا تقبل ولا يترتب عليها الثواب ولا يندفع بها العقاب الا الايمان فالاعمال بدون الايمان كاغصان شجرة قطع اصلها وكبراء بني على موج الماء. فالايمان هو الاصل والاساس والقاعدة التي يبنى عليه كل شيء. وهذا القيد ينبغي التفطن له في كل عمل مطلق. فانه مقيد به. فاولئك اي الذين جمعوا بين الايمان والعمل الصالح يدخلون الجنة المشتملة على ما تشتهي الانفس وتلذ الاعين ولا يظلمون نقيرا. اي لا قليلا ولا كثيرا مما عملوه من الخير بل يجدونه كاملا موفرا مضاعفا اضعافا كثيرة اسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة ابراهيم حنيفا واتخذ الله ابراهيم اي لا احد احسن من دين من جمع بين الاخلاص للمعبود. وهو اسلام الوجه لله الدال على استسلام القلب. وتوجهه انابة واخلاصه وتوجه الوجه وسائر الاعضاء لله. وهو مع هذا الاخلاص والاستسلام. محسن. اي متبع لشريعة الله التي الله بها رسله وانزل كتبه وجعلها طريقا لخواص خلقه واتباعهم. واتبع ملة ابراهيم اي دينه وشرعه اي مائلا عن الشرك الى التوحيد. وعن التوجه للخلق الى الاقبال على الله. واتخذ الله ابراهيم خليلا. والخلة اعلى انواع المحبة وهذه المرتبة حصلت للخليلين محمد وابراهيم عليهما الصلاة والسلام. واما المحبة من الله فهي لعموم مؤمنين وانما اتخذ الله ابراهيم خليلا. لانه وفى بما امر به. وقام بما ابتلي به. فجعله الله اماما للناس اتخذه خليلا ونوه بذكره في العالمين وهذه الاية الكريمة فيها بيان احاطة الله تعالى بجميع الاشياء. فاخبر انه له ما في السماوات وما في الارض اي الجميع ملكه وعبيده. فهم المملكون وهو المالك المتفرد بتدبيرهم. وقد احاط علمه بجميع المعلومات وبصره بجميع المبصرات. وسمعه بجميع المسموعات. ونفذت مشيئته وقدرته بجميع الموجودات. ووسعت رحمته اهل الارض والسماء وقهر بعزه وقهره كل مخلوق. ودانت له جميع الاشياء