المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي ان الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعا اي وقد بين الله لكم فيما انزل عليكم حكمه الشرعي عند حضور مجالس الكفر والمعاصي. ان اذا سمعتم ايات الله يكفر بها يستهزأ بها ان يستهان بها. وذلك ان الواجب على كل مكلف في ايات الله الايمان بها وتعظيمها واجلالها وتفخيمها وهذا المقصود بانزالها وهو الذي خلق الله الخلق لاجله. فضد الايمان الكفر بها وضد تعظيمها. الاستهزاء بها واحتقارها ويدخل في ذلك مجادلة الكفار والمنافقين لابطال ايات الله ونصر كفرهم. وكذلك المبتدعون على اختلاف انواعهم فان احتجاجهم على باطلهم يتضمن الاستهانة بايات الله. لانها لا تدل الا على الحق ولا تستلزم الا صدقا. بل وكذلك يدخل فيه مجالس المعاصي والفسوق التي يستهان فيها باوامر الله ونواهيه. وتقتحم حدوده التي حدها لعباده. ومنتهى هذا النهي عن القعود معهم حتى يخوضوا في حديث غيره. اي غير الكفر بايات الله والاستهزاء بها. انكم اذا اي ان قعدتم معهم في للمذكور مثلهم لانكم رضيتم بكفرهم واستهزائهم. والراضي بالمعصية كالفاعل لها. والحاصل ان من حضر مجلسا يعصى الله فانه يتعين عليه الانكار عليهم مع القدرة او القيام مع عدمها. ان الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعا كما اجتمعوا على الكفر والموالاة ولا ينفع المنافقين مجرد كونهم في الظاهر مع المؤمنين. كما قال تعالى يوم يقول المنافقون روى المنافقات للذين امنوا انظرونا نقتبس من نوركم. ثم ذكر تحقيق موالاة المنافقين للكافرين ومعاداتهم للمؤمنين الذين يتربصون بكم فان كان لكم فتح من الله قالوا الم نكن معكم وان كان فالله يحكم بينكم الذين يتربصون بكم ينتظرون الحالة التي تسيرون عليها وتنتهون اليها من خير او شر. قد اعدوا لكل حالة جوابا بحسب نفاقهم. فان كان لكم من الله قالوا الم نكن معكم؟ فيظهرون انهم مع المؤمنين ظاهرا وباطنا. ليسلموا من القدح والطعن عليهم. وليشركوهم في الغنيمة وليتنصروا بهم. وان كان للكافرين نصيب. ولم يقل فتح لانه لا يحصل لهم فتح يكون مبدأ لنصرتهم بل غاية ما يكون ان يكون لهم نصيب غير مستقر. حكمة من الله. فاذا كان ذلك قالوا الم نستحوذ عليكم؟ اين استولي عليكم ونمنعكم من المؤمنين ان يتصنعون عندهم بكف ايديهم عنهم مع القدرة ومنعهم من المؤمنين بجميع وجوه المنع بتفنيدهم وتزهيدهم في القتال ومظاهرة الاعداء عليهم. وغير ذلك مما هو معروف منهم. فالله يحكم بينكم يوم القيامة فيجازي المؤمنين ظاهرا وباطنا بالجنة. ويعذب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات. ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا. اي تسلطا واستيلاء عليهم. بل لا تزال طائفة من المؤمنين على الحق منصورة. لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم ولا يزال الله يحدث من اسباب النصر للمؤمنين. ودفع تسليط الكافرين ما هو مشهود بالعيان. حتى ان بعض المسلمين الذين تحكمهم الطوائف الكافرة قد بقوا محترمين لا يتعرضون لاديانهم ولا يكونون مستصغرين عندهم بل لهم العز التام من الله فلله الحمد اولا واخرا وظاهرا وباطنا استقاموا الى الصلاة قاموا كسالى الناس ولا يذكرون الله الا قليلا. يخبر تعالى عن المنافقين بما كانوا عليه من قبيح الصفات وشنائع السمات. وان طريقتهم مخادعة الله تعالى اي بما اظهروه من الايمان وابطنوه من الكفران. ظنوا انه يروج على الله ولا يعلمه ولا يبديه لعباده. والحال ان الله خادعهم فمجرد وجود هذه الحال منهم ومشيهم عليها خداع لانفسهم. واي خداع اعظم ممن يسعى سعيا يعود وعليه بالهوان والذل والحرمان. ويدل بمجرده على نقص عقل صاحبه. حيث جمع بين المعصية ورآها حسنة. وظنها من العقل والمكر فلله ما يصنع الجهل والخذلان بصاحبه. ومن خداعه لهم يوم القيامة ما ذكره الله في قوله. يوم يقول المنافقون والمنافقات لله الذين امنوا انظرونا نقتبس من نوركم. قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا. فضرب بينهم بسور له باب. باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب ينادونهم الم نكن معكم؟ ومن صفاتهم انهم اذا قاموا الى الصلاة ان قاموا التي هي الطاعات العملية قاموا كسالى متثاقلين لها متبرمين من فعلها. والكسل لا يكون الا من فقد الرغبة من قلوبهم. فلولا ان قلوبهم فارغة من الرغبة الى الله والى ما عنده. عادمة للايمان لم يصدر منهم الكسل. يراؤون الناس اي هذا الذي انطوت عليه سرائرهم وهذا مصدر اعمالهم مراعاة الناس يقصدون رؤية الناس وتعظيمهم واحترامهم ولا يخلصون لله. فلهذا لا يذكرون الله الا قليلا. لامتلاء قلوبهم من الرياء فان ذكر الله تعالى وملازمته لا يكون الا من مؤمن ممتلئ قلبه بمحبة الله وعظمته ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا. مذبذبين بين ذلك لا اله هؤلاء ولا الى هؤلاء. اي مترددين بين فريق المؤمنين وفريق الكافرين. فلا من المؤمنين ظاهرا وباطنا. ولا من الكافرين ظاهرا وباطنا. اعطوا باطنهم للكافرين وظاهرهم للمؤمنين. وهذا اعظم ضلال يقدر. ولهذا قال ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا اي لن تجد طريقا لهدايته ولا وسيلة لترك غوايته. لانه انغلق عنه باب الرحمة. وصار بدله كل نقمة فهذه الاوصاف المذمومة تدل بتنبيهها على ان المؤمنين متصفون بظدها من الصدق ظاهرا وباطنا والاخلاص انه لا يجهل ما عندهم ونشاطهم في صلاتهم وعباداتهم وكثرة ذكرهم لله تعالى. وانهم قد هداهم الله ووفقهم للصراط المستقيم فليعرض العاقل نفسه على هذين الامرين وليختر ايهما اولى به والله المستعان اتريدون ان لما ذكر ان من صفات المنافقين اتخاذ الكافرين اولياء من دون المؤمنين نهى عباده المؤمنين ان يتصفوا بهذه الحالة القبيحة وان يشابهوا المنافقين. فان ذلك موجب لان تجعلوا لله عليكم مبينا. اي حجة واضحة على عقوبتكم. فانه قد انذرنا وحذرنا منها. واخبرنا بما فيها من المفاسد. فسلوكها بعد هذا موجب للعقاب. وفي هذه الاية دليل على كمال عدل الله. وان الله لا يعذب احدا قبل قيام الحجة عليه. وفيها التحذير من المعاصي فان فاعلها يجعل لله عليه سلطانا مبينا. ان المنافقين في الدرك الاسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا. يخبر تعالى عن مآل المنافقين انهم في اسفل الدرجات من العذاب. واشر الحالات من العقاب فهم تحت سائر الكفار. لانهم شاركوهم بالكفر بالله ومعاداة رسله. وزادوا عليهم المكر والخديعة. والتمكن من كثير من انواع العداوة للمؤمنين على وجه لا يشعر به ولا يحس. ورتبوا على ذلك جريان احكام الاسلام عليهم. واستحقاق ما لا يستحقون فبذلك ونحوه استحقوا اشد العذاب وليس لهم منقذ من عذابه. ولا ناصر يدفع عنهم بعض عقابه. وهذا عام لكل منافق اولئك مع المؤمنين وسوف يؤتي الله المؤمنين اجرا عظيما. الا من من الله عليه بالتوبة من السيئات. واصلحوا له الظواهر والبواطن. واعتصموا به والتجأوا اليه في جلب منافعهم ودفع المضار عنهم. واخلص دينهم الذي هو الاسلام والايمان والاحسان لله. فقصدوا وجه الله باعمالهم الظاهرة والباطنة. وسلموا من الرياء والنفاق فمن اتصف بهذه الصفات فاولئك مع المؤمنين. اي في الدنيا والبرزخ ويوم القيامة. وسوف يؤتي الله المؤمنين اجرا عظيما لا يعلم كونه الا الله مما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. وتأمل كيف خص الاعتصام والاخلاص بالذكر مع دخولهما في قوله واصلحوا لان الاعتصام والاخلاص من جملة الاصلاح لشدة الحاجة اليهما خصوصا في هذا المقام الحرج الذي تمكن من القلوب النفاق. فلا يزيله الا شدة الاعتصام بالله. ودوام اللجأ والافتقار اليه في دفعه. وكون الاخلاص مناف كل المنافاة للنفاق. فذكرهما لفضلهما. وتوقف الاعمال الظاهرة والباطنة عليهما. ولشدة الحاجة في هذا المقام اليه وتأمل كيف لما ذكر ان هؤلاء مع المؤمنين لم يقل وسوف يؤتيهم اجرا عظيما مع ان السياق فيهم بل قال وسوف يؤتي الله المؤمنين اجرا عظيما. لان هذه القاعدة الشريفة لم يزل الله يبدأ فيها ويعيد. اذا كان السياق في بعض الجزئيات واراد ان يرتب عليه ثوابا او عقابا. وكان ذلك مشتركا بينه وبين الجنس الداخل فيه. رتب الثواب في مقابلة الحكم العام الذي تندرج تحته تلك القضية وغيرها. ولان لا يتوهم اختصاص الحكم بالامر الجزئي. فهذا من اسرار القرآن البديعة. فالتائب من المنافقين مع المؤمنين وله ثوابهم. ثم اخبر تعالى عن كمال غناه وسعة حلمه ورحمته واحسانه. فقال ما يفعل الله بعذابكم ان شكرتم وامنتم. والحال ان الله شاكر عليم. يعطي المتحملين لاجله الاثقال. الدائبين في الاعمال جزيل الثواب وواسع الاحسان. ومن ترك شيئا لله اعطاه الله خيرا منه. ومع هذا يعلم ظاهركم وباطنكم واعمالكم ما لكم وما تصدر عنه من اخلاص وصدق وضد ذلك. وهو يريد منكم التوبة والانابة والرجوع اليه. فاذا انبتم اليه فاي شيء يفعله وبعذابكم فانه لا يتشفى بعذابكم ولا ينتفع بعقابكم. بل العاصي لا يضر الا نفسه. كما ان عمل المطيع لنفسه والشكر هو وخضوع القلب واعترافه بنعمة الله وثناء اللسان على المشكور وعمل الجوارح بطاعته. والا يستعين بنعمه على معاصيه