المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي يخبر تعالى انه لا يحب الجهر بالسوء من القول اي يبغض ذلك ويمقته ويعاقب عليه ذلك جميع الاقوال السيئة التي تسوء وتحزن كالشتم والقذف والسب ونحو ذلك. فان ذلك كله من المنهي عنه الذي يبغضهم الله ويدل مفهومها انه يحب الحسن من القول كالذكر والكلام الطيب اللين. وقوله الا من ظلم. اي فانه يجوز له ان يدعو على من ظلمه ويشتكي منه. ويجهر بالسوء لمن جهر له به. من غير ان يكذب عليه. ولا يزيد على مظلمته. ولا يتعدى كتمه غير ظالمه. ومع ذلك فعفوه وعدم مقابلته اولى. كما قال تعالى فمن عفا واصلح فاجره على الله كان الله سميعا عليما. ولما كانت الاية قد اشتملت على الكلام السيء والحسن والمباح. اخبر تعالى انه سميع فيسمع اقوالكم فاحذروا ان تتكلموا بما يغضب ربكم فيعاقبكم على ذلك. وفيه ايضا ترغيب على القول الحسن عليم بنياتكم مصدر اقوالكم ثم قال تعالى ان الله كان عفوا قديرا. ان تبدوا خيرا او تخفوه. وهذا يشمل كل خير قولي وفعلي. ظاهر وباطن من واجب ومستحب او تعفو عن سوء اي عمن ساءكم في ابدانكم واموالكم واعراضكم فتسمحوا عنه فان الجزاء من جنس العمل فمن عفى لله عفا الله عنه ومن احسن احسن الله اليه فلهذا قال فان الله كان عفوا قديرا اي يعفو عن زلات عباده وذنوبه العظيمة فيسدل عليهم ستره. ثم يعاملهم بعفوه التام الصادر عن قدرته. وفي هذه الاية ارشاد الى التفقه في معاني اسماء الله وصفاته وان الخلق والامر صادر عنها وهي مقتضية له. ولهذا يعلل الاحكام بالاسماء الحسنى كما في هذه الاية. لما ذكر عمل الخير عفوا عن المسيء رتب على ذلك بان احالنا على معرفة اسمائه. وان ذلك يغنينا عن ذكر ثوابها الخاص ان الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون ان يفرقوا بين الله ورسله هنا قد وضح لكل احد مؤمن بالله وبرسوله كلهم وكتبه وكافر بذلك كله. وبقي قسم ثالث وهو الذي يزعم انه يؤمن ببعض الرسل دون بعض وان هذا سبيل ينجيه من عذاب الله. ان هذا الا مجرد اماني. فان هؤلاء يريدون التفريق بين الله وبين رسله. فان من تولى الله حقيقة. تولى جميع رسله. لان ذلك من تمام توليه. ومن عادى احدا من رسله. فقد عادى الله وعادى جميع رسله. كما قال تعالى من كان عدوا لله الايات. وكذلك من كفر برسول فقد كفر بجميع الرسل. بل بالرسول الذي يزعم انه به مؤمن ولهذا قال اولئك هم الكافرون حقا اولئك هم الكافرون حقا. وذلك لان لا يتوهموا ان مرتبتهم متوسطة بين الايمان والكفر. ووجه كونهم كافرين حتى بما زعموا الايمان به ان كل دليل دلهم على الايمان بمن امنوا به موجود هو او مثله او ما فوقه للنبي الذي كفروا به. وكل شبهة ان يزعمون انهم يقدحون بها في النبي الذي كفروا به. موجود مثلها او اعظم منها فيمن امنوا به. فلم يبق بعد ذلك الا التشهي والهوى ومجرد الدعوة التي يمكن كل احد ان يقابلها بمثلها. ولما ذكر ان هؤلاء هم الكافرون حقا. ذكر عقابا شاملا لهم ولكل كافر فقال واعتدنا للكافرين عذابا مهينا. كما تكبروا عن الايمان بالله اهانهم بالعذاب الاليم المقصر والذين امنوا بالله ورسله ولم يفرقوا بين احد منهم فيؤتيهم اجورهم وكان الله غفورا رحيما. والذين امنوا بالله وهذا يتضمن الايمان بكل ما الله به عن نفسه وبكل ما جاءت به الرسل من الاخبار والاحكام. ولم يفرقوا بين احد من رسله. بل امنوا بهم كلهم. فهذا الايمان الحقيقي واليقين المبني على البرهان. اولئك سوف يؤتيهم اجورهم اي جزاء ايمانهم وما ترتب عليه من عمل صالح صالح وقول حسن وخلق جميل. كل على حسب حاله. ولعل هذا هو السر في اضافة الاجور اليهم. وكان الله غفورا رحيما فيما يغفر السيئات ويتقبل الحسنات بعد ما وقلنا لهم ادخلوا الباب سجدا وقلنا لهم لا تعدو في السبت واخذنا منهم بل طبع الله عليها بكفرهم فلا يؤمنون وبكفرهم وقولهم على مريم بهتانا عظيما وقولهم انا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وان الذين اختلفوا فيه لفي شك منهما لهم به من علم الا وما قتلوه يقينا بل رفعه الله اليه. وكان الله عزيزا حكيما هذا السؤال الصادر من اهل الكتاب للرسول محمد صلى الله عليه وسلم على وجه العناد والاقتراح وجعلهم هذا السؤال يتوقف وعليه تصديقهم او تكذيبهم. وهو انهم سألوه ان ينزل عليهم القرآن جملة واحدة. كما نزلت التوراة والانجيل. وهذا غاية منهم والجهل فان الرسول بشر عبد مدبر ليس في يده من الامر شيء بل الامر كله لله وهو الذي يرسل وينزل ما يشاء على عباده كما قال تعالى عن الرسول لما ذكر الايات التي فيها اقتراح المشركين على محمد قل سبحان ربي هل كنت الا يا بشر الرسول وكذلك جعلهم الفارق بين الحق والباطل. مجرد انزال الكتاب جملة او مفرقا. مجرد دعوة لا دليل عليها ولا مناسبة بل ولا شبهة. فمن اين يوجد في نبوة احد من الانبياء؟ ان الرسول الذي يأتيكم بكتاب نزل مفرقا لا تؤمنوا به ولا تصدقوه. بل نزول هذا القرآن مفرقا بحسب الاحوال. مما يدل على عظمته واعتناء الله بمن انزل عليه كما قال تعالى وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة. كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا ولا يأتونك بمثل الا جئناك بالحق واحسن تفسيرا. فلما ذكر اعتراضهم الفاسد اخبر انه ليس بغريب من امرهم بل سبق له من المقدمات القبيحة ما هو اعظم مما سلكوا مع الرسول الذي يزعمون انهم امنوا به. من سؤالهم له رؤية الله عيانا واتخاذهم العجل الها يعبدونه من بعد ما رأوا من الايات بابصارهم ما لم يره غيرهم. ومن امتناعه من قبول احكام كتابهم وهو التوراة حتى رفع الطور من فوق رؤوسهم. وهددوا انهم ان لم يؤمنوا اسقط عليهم فقبلوا ذلك على وجه الاغماض والايمان للشبيه بالايمان الضروري. ومن امتناعه من دخول ابواب القرية التي امروا بدخولها سجدا مستغفرين. فخالفوا القول والفعل. ومن ابتدائي من اعتدى منهم في السبت فعاقبهم الله تلك العقوبة الشنيعة وباخذ الميثاق الغليظ عليهم فنبذوه وراء ظهورهم وكفروا بايات الله وقتلوا رسله بغير حق. ومن قولهم انهم قتلوا المسيح عيسى وصلبوه. والحال انهم ما قتلوه وما صلبوه بل شبه لهم غيره فقتلوا غيره وصلبوه وادعائهم ان قلوبهم غلف لا تفقه ما تقوله لهم ولا تفهمه. وبصدهم الناس عن سبيل الله فصدوهم عن الحق ودعوهم الى ما هم عليه من الضلال والغي. وباخذهم السحت والربا مع نهي الله لهم عنه والتشديد فالذين فعلوا هذه الافاعيل لا يستنكر عليهم ان يسألوا الرسول محمدا ان ينزل عليهم كتابا من السماء. وهذه الطريقة من احسن الطرق لمحاجة الخصم المبطل. وهو انه اذا صدر منه من الاعتراض الباطل ما جعله شبهة له ولغيره في رد الحق. ان من حاله الخبيثة وافعاله الشنيعة ما هو من اقبح ما صدر منه ليعلم كل احد ان هذا الاعتراض من ذلك الوادي الخسيس وان له يجعل هذا معها. وكذلك كل اعتراض يعترضون به على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم. يمكن ان يقابل بمثله او ما هو واقوى منه في نبوة من يدعون ايمانهم به. ليكتفي بذلك شرهم وينقمع باطلهم. وكل حجة سلكوها في تقريرهم لنبوة لمن امنوا به فانها ونظيرها وما هو اقوى منها دالة ومقررة لنبوة محمد صلى الله عليه وسلم. ولما كان المراد من تعديد ما عدد الله من قبائحهم هذه المقابلة لم يبسطها في هذا الموضع بل اشار اليها واحال على مواضعها وقد بسطها في غير في هذا الموضع في المحل اللائق ببسطها وقوله قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا. وان من اهل الكتاب الا ليؤمنن به قبل موته. يحتمل ان الضمير هنا في قوله قبل موته يعود الى اهل الكتاب. فيكون على هذا كل كتابي يحضره الموت ويعاين الامر حقيقة. فان انه يؤمن بعيسى عليه السلام ولكنه ايمان لا ينفع ايمان اضطرار فيكون مضمون هذا التهديد لهم والوعيد الا يستمروا على هذه الحالة التي سيندمون عليها قبل مماتهم. فكيف يكون حالهم يوم حشرهم وقيامهم؟ ويحتمل ان الضمير في قوله قبل موته راجع الى عيسى عليه السلام. فيكون المعنى وما من احد من اهل الكتاب الا ليؤمنن بالمسيح عليه السلام قبل موت المسيح يكون عند اقتراب الساعة وظهور علاماتها الكبار. فانها تكاثرت الاحاديث الصحيحة في نزوله عليه السلام في اخر هذه الامة يقتل الدجال ويضع الجزية ويؤمن به اهل الكتاب مع المؤمنين. ويوم القيامة يكون عيسى عليهم شهيدا يشهد عليهم اعمالهم وهل هي موافقة لشرع الله ام لا؟ وحينئذ لا يشهد الا ببطلان كل ما هم عليه مما هو مخالف لشريعة القرآن. ولما اليه محمد صلى الله عليه وسلم. علمنا بذلك لعلمنا بكمال عدالة المسيح عليه السلام وصدقه. وانه لا يشهد الا بالحق الا ان ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم هو الحق. وما عداه فهو ضلال وباطل واخذ ثم اخبر تعالى انه حرم على اهل الكتاب كثيرا من الطيبات التي كانت حلالا عليهم. وهذا تحريم عقوبة بسبب واعتدائهم وصدهم الناس عن سبيل الله. ومنعهم اياهم من الهدى وباخذهم الربا وقد نهوا عنه. فمنعوا المحتاجين ممن يبايعونه وعن العدل فعاقبهم الله من جنس فعلهم فمنعهم من كثير من الطيبات التي كانوا بصدد حلها لكونها طيبة. واما التحريم الذي على هذه الامة فانه تحريم تنزيه لهم عن الخبائث التي تضرهم في دينهم ودنياهم