المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة والمؤمنون لما ذكر معايب اهل الكتاب الممدوحين منهم فقال لكن الراسخون في العلم اي الذين ثبت العلم في قلوبهم ورسخ الايقان في افئدتهم فاثمر لهم الايمان التام العام بما انزل اليك وما انزل من قبلك. واثمر لهم الاعمال الصالحة من اقامة الصلاة وايتاء الزكاة. الذين انهما افضل الاعمال. وقد اشتملتا على الاخلاص للمعبود والاحسان الى العبيد. وامنوا باليوم الاخر فخافوا الوعيد ورجوا الوعد اولئك سنؤتيهم اجرا عظيما. لانهم جمعوا بين العلم والايمان والعمل الصالح. والايمان بالكتب والرسل السابقة واللاحقة ابراهيم واسماعيل واسحاق ويعقوب والاسباب وعيسى وايوب يخبر تعالى انه اوحى الى عبده ورسوله من الشرع العظيم الاخبار الصادقة ما اوحى الى هؤلاء الانبياء عليهم الصلاة والسلام. وفي هذا عدة فوائد منها ان محمدا صلى الله عليه وسلم ليس ببدع من الرسل. بل ارسل الله قبله من المرسلين العدد الكثير والجم الغفير. فاستغراب رسالته لا وجه لها الا الجهل او العناد. ومنها انه اوحى اليه كما اوحى اليه من الاصول والعدل الذي اتفقوا عليه. وان بعضهم يصدق بعضا يوافق بعضهم بعضا. ومنها انه من جنس هؤلاء الرسل فليعتبره المعتبر باخوانه المرسلين. فدعوته دعوتهم واخلاقهم متفقة ومصدرهم واحد وغايتهم واحدة فلم يقرنه بالمجهولين ولا بالكذابين ولا بالملوك الظالمين. ومنها ان في ذكر هؤلاء الرسل وتعدادهم من التنويه بهم والثناء الصادق عليهم وشرح احوالهم. مما يزداد به المؤمن ايمانا بهم ومحبة لهم واقتداء بهديهم. ومعرفة بحقوقهم. ويكون ذلك مصداقا لقوله سلام على نوح في العالمين. سلام على ابراهيم سلام على موسى وهارون. سلام على الياسين. انا كذلك نجزي المحسنين. فكل محسن له من الثناء الحسن من الانام بحسب احسانه. والرسل خصوصا هؤلاء المسمون في المرتبة العليا من الاحسان. ولما ذكر اشتراكهم بوحيه ذكر قصيص بعضهم فذكر انه اتى داود الزبور. وهو الكتاب المعروف المزبور الذي خص الله به داوود عليه السلام لفضله وشرفه وانه كلم موسى تكليما اي مشافهة منه اليه لا بواسطة حتى اشتهر بهذا عند العالمين. فيقال موسى كليم الرحمن. ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل ورسلا لم نقص الله موسى تكليما. وذكر ان الرسل منهم من قصه الله على رسوله. ومنهم من لم يقصصه عليه. وهذا يدل على كثرتهم وكان الله عزيزا حكيما. وان الله ارسلهم مبشرين لمن اطاع الله واتبعهم بالسعادة الدنيوية والاخروية ومنذرين من عصى الله وخالفهم بشقاوة الدارين. لان لا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل. فيقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير قل قد جاءكم بشير ونذير فلم يبق للخلق على الله حجة لارساله الرسل تترا. يبينون لهم امر دينهم ومراضي ربهم ومساخطه وطرق الجنة وطرق النار. فمن كفر منهم بعد ذلك فلا يلومن الا نفسه. وهذا من كمال عزته تعالى ان ارسل اليهم الرسل وانزل عليهم الكتب وذلك ايضا من فضله واحسانه. حيث كان الناس مضطرين الى الانبياء اعظم تقدر فازال هذا الاضطرار فله الحمد والشكر. ونسأله كما ابتدأ علينا نعمته بارسالهم ان يتمها بالتوفيق لسلوك طريقهم انه جواد كريم. لكن الله يشهد بما انزله بعلمه والملائكة يشهدون. وكفى بالله شهيدا لما ذكر ان الله اوحى الى رسوله محمد صلى الله عليه وسلم. كما اوحى الى اخوانه من المرسلين. اخبر هنا بشهادته تعالى على رسالته وصحة ما جاء به. وانه انزله بعلمه يحتمل ان يكون المراد انزله مشتملا على علمه. اي فيه من العلوم الالهية والاحكام الشرعية والاخبار الغيبية. ما هو من علم الله تعالى الذي علم به عباده. ويحتمل ان يكون المراد انزله صابرا عن علمه ويكون في ذلك اشارة وتنبيه على وجه شهادته. وان المعنى اذا كان تعالى انزل هذا القرآن المشتمل على الاوامر والنواهي وهو يعلم ذلك ويعلم حالة الذي انزله عليه وانه دعا الناس اليه فمن اجابه وصدقه كان وليه ومن كذبه وعاداه كان عدوه واستباح ماله ودمه. والله تعالى يمكنه ويوالي نصره. ويجيب دعواته ويخذل اعداءه وينصر اولياءه فهل توجد شهادة اعظم من هذه الشهادة واكبر؟ ولا يمكن القدح في هذه الشهادة الا بعد القدح بعلم الله وقدرته وحكمته واخباره تعالى بشهادة الملائكة على ما انزل على رسوله. لكمال ايمانهم ولجلالة هذا المشهود عليه. فان العظيمة لا يستشهد عليها الا الخواص كما قال تعالى في الشهادة على التوحيد شهد الله انه لا اله الا هو والملائكة واولو العلم قائما بالقسط لا اله الا هو العزيز الحكيم. وكفى بالله شهيدا