المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله اسئلة في البيع وانواع المعاملات. هل يوجد اصول جوامع فيما يحل ويحرم من المعاملات؟ الجواب وبالله التوفيق. وعليه نتوكل في هو مقتضى العدل والقياس الصحيح وهو نوعان بل ثلاثة انواع. احدها ربا الفضل وذلك اذا بيع مكيل بمكيل من جنسه ولو اختلف النوع او بموزون من جنسه ولو اختلف النوع فيشترط فيه التماثل بمعياره الشرعي والقبض قبل التفرق للعوضين ولابد من تحقيق التماثل فيه اسباب الهداية وسلوك مناهجها. نعم الحلال من فضل الله محدود مضبوط. والحرام كذلك في المعاملات وغيرها. وهذا احد البراهين بل من اكبرها على صحة ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم وانه من عند الله ولو كان من عند غيره لوجد متناقضا غير مضبوط ليس له اصل يرجع اليه ولا قواعد يضبط بها كما هو شأن كل باطل. قال تعالى بل كذبوا بالحق لما جاءهم فهم في امر مريج اي مختلط متناقض. واما هذه الشريعة فمن تمامها وكمالها ان النبي صلى الله عليه وسلم اعطي جوامع الكلم بما نزل عليه من الكتاب الحكمة اختصر له الكلام اختصارا مع تمام التوضيح والبيان. فالاصل الجامع لجميع المأمورات والمنهيات ان الشارع لا يأمر الا بخير وصلاح ونفع للناس في دينهم وابدانهم ودنياهم ولا ينهاهم ويحرم عليهم الاكل شر وضرر عليهم في دينهم ودنياهم ولا يشز عن هذا الاصل شيء كما قال تعالى في وصف النبي صلى الله عليه وسلم ووصف شريعته يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث. وقال تعالى قل امر ربي بالقسط. الاية التي بعدها. وقال سبحانه قل انما حرم تربي الفواحش فكل اوامر الشريعة ومباحاتها خير وقسط وعدل وصلاح ومنافع وكل نواهيها ومحرماتها بضد ذلك ومن تتبع الشريعة لم يجد شيئا شازا عن هذا الاصل. فمن ذلك المعاملات وانواع التجارات. فالاصل فيها كلها الاباحة والحل. فلا يمنع ويحرم منها الا ما ورد الشرع بمنعه وتحريمه. قال تعالى واحل الله البيع وقال يا ايها الذين امنوا لا تأكلوا اموالكم انكم بالباطل الا ان تكون تجارة عن تراض منكم. اي فانها مباحة لكم وهذا شامل لجميع انواع التجارة تجارة الادارة التي يعطى احد المتعاوضين فيها العوض ويقبض المعوض في مجلسه وتجارة التربص وهي التي يشتري الانسان فيها سلع وينتظر بها مواسمها واوقات غلائها وفرصها وتجارة الديون الشاملة للمبيع المؤجل مثمنه والمعجل ثمنه المعبر عنه تلم وللمؤجل ثمنه المعجل مثمنه ولتجارة الايجارات التي يتخذ فيها الانسان اعيان الاشياء من عقارات وحيوانات واثاث وغيرها فيؤجرها ويتجر بمنافعها. فهذه الانواع كلها داخلة في هذا الاصل العظيم الذي اباحه الله في قوله الا ان تكون تجارة انت راض منكم. فمتى جمعت التجارة والمعاملة الرضا المعتبر والصدق والعدل؟ فقد اباحها الله تعالى بما اشتملت عليه من شروط ووثائق واستقلال واشتراك. فهذا اصل عظيم يحيط بجميع المعاملات. بشرط ان يهذب وينقح ويخلص منه ما ينافيه. بتحرير قاعدة وضوابط سيأتي ان شاء الله التنبيه عليها. ولنذكر لهذا الاصل امثلة يتكرر بها قبل ذكر القواعد والضوابط الجارية مجرى الاستثناء منها هذا الاصل. فمن امثلة ذلك البيع الصحيح الجامع للشروط السبعة فانها راجعة للرضا بين المتعاقدين المعتبر شرعا الدال عليهما ينعقد به بيع من الفاظ وافعال يراد بها تحقيق العقد والصدق والعدل لانه لابد من ان يكون العوضان معلومين اذ عدم العلم عائد لضد عدل. وان يكونا مالين لان المحرمات ظلم كلها. وان يكون مقدورا عليها لانه اذا لم يكن كذلك لابد ان يحصل الظلم على احدهما. لانه اما ان اغنم واما ان يغرم فيدخل في ظلم القمار. وسيأتي ان شاء الله بسط وجه الظلم في هذا في القواعد. فجميع الاشياء المبيعات من عقارات وحيوانات من ادميين او بهائم وامتعة واطعمة واشربة وغيرها داخلة فيما اباحه الله ورسوله واحله للخلق. ومن ذلك الاجارة اشترط فيها الرضا والعلم بالاجرة والعين المؤجرة اشتمالها على النفع المباح المقصود منها. فكلها داخلة فيما احله الله ورسوله. ومن ذلك اشترط احد المتعاقدين في البيع والايجار شرطا مقصودا معلوما فذلك جائز. ومن ذلك التوثق للحقوق بالرهون والضمانات وغيرها فكله مباح ومن ذلك انواع المشاركات المبنية على الصدق والعدل فهي جائزة فهذا اجمال وتعميم لهذا الاصل الكبير. يتضح لك باخراج ما ينافيه من العقوبة المحرمة وتبيين حكمة تحريمها وان الحكمة فيها منافاتها لهذا الاصل. واعلم ان الشارع من حكمته ورحمته بعباده حرم عليهم معاملات في دينهم ودنياهم واعظمها قاعدة الربا وقاعدة الغرر والميسر وقاعدة التغرير والخداع. فلنذكرها وغيرها ثم نتبعها بضوابط تقصد عنها عموما وجمعا والله المستعان على كل الامور. القاعدة الاولى قاعدة الربا. وقد ثبت في الكتاب والسنة واجماع المسلمين تحريم الربا فلو جهل قدرهما او قدر احدهما لم يصح لانه لابد من علمنا بوجود الشرط الذي شرطه الشارع. فلذلك منعت المزابنة وهو بيع التمر على الشجر بتمر من جنسه الا عند الحاجة في مسألة العرايا اذا لم يكن عنده الا تمر وهو محتاج للرطب وكان اقل من خمسة اوسق وتقايضا قبل التفرق. فالخرس ينوب مناب الكيل لاجل الحاجة والسعة. والنوع الثاني ربا نسيئة وهو اشد انواع الربا تحريما وظلما. وهو بيع بمكيل الى اجل او غير مقبوض سواء كان من جنسه كبر ببر او غير جنسه كبر بشعير وتمر بزبيب او بيع الموزون من جنسه او غير جنسه الى اجل او غير مقبوض. فما جرى فيه ربا الفضل جرى فيه ربا النسيئة. وقد يجري ربا النسيئة بما لا يجري في ربا الفضل كبيع بر بشعير وتمر بزبيب. ويشترط في هذا النوع القبض قبل التفرق واشد هذا النوع واعظمه بيع ما حل في الذمة الى اجل قال تعالى يا ايها الذين امنوا لا تأكلوا الربا اضعافا مضاعفة. وكانوا في الجاهلية اذا حل على احدهم الدين قال له غريمه اما ان تقضيني ديني واما ان تربي فنزيد في الاجل ونزيد ما حل في الذمة. سواء كان ذلك بصريح لفظه او بالتحايل على قلب الدين بانواع الحيل فالاثم والتحريم تابع للمعنى المقصود لا لللفظ الذي لم يقصد. النوع الثالث ربا القرض وهو ان يقرضه مثل ويشترط النفع بايفاء اكثر مما اقرضه او احسن واكمل او ينتفع بداره او حيوانه او غيره او يبقيه عنده ويعطيه كل شيء شهر او سنة او اسبوع شيئا معروفا لهما. فهذا هو الربا بعينه وليس قرضا في الحقيقة. لان المقصود بالقرض الاحسان والارفاق. فهذا ظاهرة فهو في الحقيقة بيع دراهم بدراهم الى اجل وربحها ذلك النفع المشروط او المتواطأ عليه. فهذه الانواع الثلاثة كلها من الذي حرمه الله ورسوله. الحكمة في تحريمه انه ظلم مناف للعدل الذي امر الله به ورسوله. كما نص الله على هذه العلة بقوله انتبتم فلكم رؤوس اموالكم لا تظلمون ولا تظلمون. اي لا تظلمون باخذ الزيادة التي هي الربا ولا تظلمون بنقص رؤوس اموالكم. فكما انه لو اخذ من رؤوس اموالهم وبخس منه شيء كان ظلما ظاهرا فكذلك اذا اخذوا الزيادة التي هي ربا. فان قيل كيف يكون ظلما والحال ان المأخوذ منه راض بهذه المعاملة. فالجواب عن ذلك من وجهين. احدهما ان الظلم حقيقته اخذ المال بغير حق. وذلك ان المعسر الذي حل عليه الدين الواجب انظاره من غير اخذ زيادة على هذا الانذار فاذا اخذت هذه الزيادة كان اخذا بغير حق. والعباد تحت حجر الشرع ليس لهم رضا بما لا يرضى به الشارع فرضاهم به على هذا الوجه غير معتبر. الوجه الثاني انه غير راض في الحقيقة. فهو شبيه بالمكره لانه يخشى من الغريم ان لم يدخل معه في هذه المعاملة ان يحبسه او يضره او يمنعه من معاملة اخرى. فهو راض بلفظه غير راض بحقيقة حاله لانه لا يرضى عاقل ان يتضاعف ما بذمته بغير انتفاع منه. وكما انه ظلم للمعسر فهو ظلم للغريم صاحب الدين. لانه ظالم لنفسه معرض لها للعقوبة وايضا قد ظلمها من وجه اخر ظلما دنيويا من حيث لا يشعر فان المدين الذي يدخل معه في هذه المعاملات التي يتضاعف فيها في الذمة من غير نفع ومصلحة تعود عليه. فلا يكاد يفعل ذلك الا المتهاون بامر دينه. والذي لا يبالي برئت ذمته او اشتغلت. ومن كان بهذه فكثيرا ما يكون متسببا لاتلاف ما بين يديه وتقويته على غريمه خصوصا اذا رأى الدين تراكم ورأى موجوداته وكده وكسبه لا في به. فهناك يرى فرصة في وجود شيء بين يديه. نتمتع به في حياته غير مبال بعاقبة امره. وصاحب الدين يحمله الحرص والجشع الضائع ويظن بعقله الضعيف ان هذه المكاسب ستحصل له ويفوز بها. وهو في الحقيقة يسعى لاتلاف نفسه وظلمها. كما هو الواقع فيخسر دنياه واخراه. والمقصود ان الحكمة في تحريم الربا انما هو لانه ظلم وهو ظاهر كما ترى في ربا النسيئة. واما ربا الفضل فحرم تحريم الذرائع وسد الابواب الموصلة الى المحارم فانه اذا رأى الكسب الحاضر ربما حمله الطمع على الكسب الغائب فسد فيه الباب كما تسد جميع الذرائع المفضية الى كل لمحرم يدخل في الربا مسائل العينة بان يبيع شيئا مؤجلا بمائة وعشرين. ثم يشتريه من مشتريه حالا بمائة. او يبيعه بمائة حال التصرف في التركة والميت مدين الا ان او ضمنوه الا باذن الغرماء. وكذلك كل من له شركة في شيء لا يتصرف شريكه فيها جملة الا باذنه. ولا يجوز بيع الديون التي في الذمم بغير من هي عليه. فيعلل بانه غير مقدور عليه فيدخل ثم يشتريه من مشتريه بمائة وعشرين مؤجلة. لانه في الحقيقة انما باع مائة وعشرين مؤجلة. وهذا عين الربا كما قال ابن عباس دراهن بدراهم دخلت بينهما حريرة وليست مسألة التورق من هذا الباب. وهو ان يشتري ما يساوي مائة درهم بمائة وعشرين مؤجلة ليبيعها نتوسع بثمنها لانه لم يبعها على البائع عليه. عموم النصوص تدل على جوازها. وكذلك المعنى لانه لا فرق بين ان يشتريها ليستعملها في اكل وشرب او استعمال او يشتريها لينتفع بثمنها وليس فيها تحيل على الربا بوجه من الوجوه. مع دعاء الحاجة اليها وما دعت اليه الحاجة وليس فيه محظور شرعي لم يحرمه الشارع على العباد. ولا يدخل ايضا في الربا ولا التوسل اليه. من اقال غيره بشرط ان يعطيه زيادة دراهم على اقالته كقوله اقلني واعطيك مئة درهم. لان محظور الربا هنا بعيد كما قاله ابن رجب وغيره مع ان المشهور عند المتأخرين من الاصحاب في هذه المسألة المنع ولكن الجواز اقوى للعمومات وعدم المحظور. وانما يدخل في الربا الحيل الربوية وهي ان يظهر عقدا صورته صورة المباح. ومعناه المقصود به الربا المحرم كالحيل المستعملة في قلب الدين. وهي كثيرة جدا معروفة عند الناس بس فهو خداع واستهزاء بايات الله وهي الربا الصريح. واختلف العلماء هل يدخل في الربا من باع طعاما مثلا بدراهم الى اجل؟ فلما حلت الدراهم اراد ان يعوضه عنها طعاما لا يباع بالطعام الاول نسيئا. المشهور المنع قالوا لانه يتخذ وسيلة لبيع الطعام بالطعام الى اجل القول الثاني واختاره الموفق الجواز لان محظور التوسل بعيد بل معدوم في هذه الحال غالبا. اختار الشيخ تقي الدين التوسط بين وهو جوازه للحاجة مثل الا يكون عنده وقت الوفاء دراهم عنده طعام فيتفقا على اخذ حقه منه. فان لم يحتج اليه واختيار الموفق اولى لما ذكرنا وليس من الربا ايفاء احد النقدين على الاخر كمن له على واحد دينار فاعطاه عنه دراهم عكسه لكن بشرط الا يتفارقا قبل القبض. وكذلك ليس منه مصارفة ما في الذمة بما في الذمة. ولو لم يحضر احدهما على الصحيح كما اذا كان لزيد على عمرو دينار ولعمرو على زيد عشرة دراهم. فاتفقا على ان هذا الدينار يسقط عن الدراهم لعدم المحذور. واشترط اصحاب فيه حضور احدهما بالا يصيرا بيع دين بدين وهو ضعيف وبيع الدين بالدين انما حرم منه ما تضمن الربا وتحيل فيه عليه اما هذه المسألة فلا تتضمن شيئا من ذلك. وكذلك على الصحيح هو قول في المذهب اذا اشترى منه مكيلا او موزونا طعاما كان او غيره لم اقبضه بدراهم لم يقبضها والجميع حالات فلا محظور فيه. هو بيع صحيح لازم لا يتضمن محظورا شرعيا. والمشهور من المذهب منع هذه المسألة لانه دين بدين. وقد علمت ضعف هذه الحجة. القاعدة الثانية تحريم المعاملات التي فيها غرر وخطر. وذلك انه ثبت بالكتاب والسنة واجماع المسلمين تحريم الميسر وهو نوعان. نوع في المغالبات والرهان. فهذا كله محرم ولم يبح الشارع منه الا ما كان معينا على طاعته والجهاد في سبيله كأخذ العوض في مسابقة الخيل والركاب والسهام. والنوع الثاني من الميسر في المعاملات وقد نهى النبي صلى الله عليه سلم عن بيع الغرر وهذا شامل للبيع بانواعه والايجارات. فالشيء الذي يشك في حصوله او تجهل حاله وصفاته المقصودة داخل في الغرر ان احد المتعاقدين اما ان يغنم او يغرم فهو مخاطر كالرهان. ولاجل هذه القاعدة اشترط الفقهاء في البيع ان يكون الثمن معلوم والمسمى امنوا معلوما بان جهالة احداهما تدخل في الغرر وقد ذكروا من امثلة الجهالة في احدهما شيئا كثيرا. لكن منها ما جهالته ظاهرة لا يختلف اهل العلم في منعه وتحريمه كبيع الحمل في البطن وحبل الحبلة وبيع الملامسة والمنابذة والحصاة ونحوها. ومنها ما تكون جهالته يسيرة قد يدخلها بعضهم في الغرر ويمنعها ولا يدخلها اخرون فيبيحونها. مثل البيع بما باع به زيد او بما باع به الناس او بما به السعر وبيع المقافي في الارض التي المقصود منها مستتر ونحوها مما تختلف فيه انظار العلماء مع اتفاقهم على اصل القاعدة لكن خلاف في الصور المعينة هل تنطبق عليها القاعدة ام لا؟ واولاهم بالصواب فيها من وافق الواقع التي هي عليه في عرف الناس ومعارفهم اجل هذه القاعدة ذكروا من شروط البيع بانواعه القدرة على تسليمه. فمنعوا بيع الابق والشارد ونحوهما مما يشك في حصوله. وكذلك في الايجارة اشترطوا العلم بالعين المؤجرة والقدرة على تسليمها والعلم بالاجرة لانه اذا لم يحصل العلم بذلك دخل في الغرر وادخلوا فيه استثناء المجهول من المعلوم قالوا لانه يصيره مجهولا. والنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الدنيا الا ان تعلم. فدخل فيه استثناء جزء من المبيع غيره ومشاع ولا معين. واشتراط حلول الثمن او المسمن بمدة غير معلومة لهما كما ورد في الحديث الصحيح. من اسلم في شيء فليسلم في من معلوم ووزن معلوم الى اجل معلوم. فجهالة ذلك يدخله في الغرر ومثله بيع الشيء واستثناء بعض منافعه. فلابد ان تكون معلومة الى مدة معلومة كان يبيع البعير ويستثني ظهره او الدار ويستثني سكناها او الانية ويستثني الانتفاع بها او العبد ويستثني خدمته فكلها لابد ان تكون معلومة لهذا الاصل. والفرق بين ابواب البيوع حيث لم تجز في هذه الا تحرير النفع والمدة وبين باب الهبة والوقت والوصية حيث جاز استثناء بعض المنافع المجهولة ان باب التبرعات اوسع من باب المعاوضات. لكونه حصل للمنتقل اليه بلا عوض فلا ضير عليه ولا ضرر في ذلك بخلاف المعاوضة لانه اخذه ودفع عوضه فلابد من العلم وهل من هذا الباب استثناء معلوم غير من مبيع مجهول القدر كاستثناء صاع او عدة اوزان من هذه الشجرة او قفايز من هذه الصبرة فمنعه الاصحاب المتأخرون وقالوا استثناء المعلوم من المجهول القدر يصير الباقي مجهولا. والصحيح جوازه وهو احد القولين في المذهب لانه لا جهالة فيه وليس اعظم جهالة من من استثناء المشاع المعلوم بل هذا داخل في مفهوم نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن السنة الا ان تعلم وهذا معلوم. ومن الغرر في باب المشاركة والمساقاة والمزارعة ونحوها ان يشترط لاحدهما ربح احدى السلعتين او السفرتين او دراهم معينة من الربح او زرع ناحية معينة او شجرا معينا ويقتسم الباقي على شرطهما فان فيه من الغرر المنافي لمقصود المشاركة ما هو ظاهر ومبنى هذه على استواء المتشاركين فيما يحصل لهما من غنم وما عليهما من غرم. ومن انواع الغرض ان يكون له في ذمته اصول مقدرة او اوزان مقدرة فيعطيه عن ذلك جزافا. لانه قد يكون قدر حقه وقد يكون اكثر او اقل ففيه خطر. فان اعطاه عن جميع حقه شيئا مجهولة وهو اقل منه يقينا وهو من جنسه ونوعه فلا بأس. لانه لا يحتمل انه اكثر من حقه. بل قد علم انه دون حقه ولكنه سمح له بالباقي المجهول. وكثيرا ما تدعو الحاجة الى مثل هذه الحالة. وانواع الغرض كثيرة جدا. وقد حصل المقصود بهذه الامثلة. فاما الحكمة من تحريم بيع الغرر ومعاملات الغرر فهي بعينها الحكمة التي ذكرها في الميسر حيث شارك الخمر في مفاسده. حيث قال تعالى انما الخمر والميسر والانصاب والازلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون. انما يريد ان يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل انت انتم منتهون. فاخبر انها رجس اي خبيثة. وانها من اعمال الشيطان. وكل اعماله شر لا خير فيه بوجه. وما كان شرا وجب اجتنابه ورتب الفلاح على اجتنابه. واخبر انه يوقع البغضاء والعداوة بين الناس. وذلك لان المتخاطرين في المغالبات المعاملات لابد ان يغلب احدهما الاخر ويغبنه ويكون الاخر مغلوبا مغبونا ويشاهد مظلمته بعينها عندما انقهره. فلا تسأل عما يحدث له من الهم والبغض له وارادة الشر والعداوة لانه ظلم واضح. الا ان الظلم في باب الربا قد تعين المظلوم فيه وهو مأخوذ منه الزيادة وهنا لم يتعين قد يكون الغني وقد يكون المحتاج. قد يكون هذا تارة وهذا اخرى. فمن رحمة الشارع وحكمته النهي عن هذا النوع الذي قد تبين وظهر شره وزال خيره وصار سببا لاضرار كثيرة وانه لا تصلح دنيا الخلق الا التزام احكام الشرع كما لا يصلح دينهم الا بذلك. واذا كانت الجهالة يسيرة ودعت الحاجة اليها فقد جوزها الاصحاب مع تشديده هم في هذا النوع وكذلك شددوا جدا في السلم واشتراط صفات المسلم فيه مع انه خلاف ما نص عليه الامام احمد وخلاف ما عليه عمل الناس ميزان في هذا كلام النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال من اسلم في شيء فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم الى اجل معلوم متفق عليه ونهيه عن الغرر فحيث كان المسلم فيه معلوما عند الناس لا يعدونه مخاطرة فهو جائز. ومما يدخل في الغرر والمخاطبة نهي الشارع عن بيع الثمر قبل بدو صلاحها. والزرع قبل اشتداد حده لكثرة الافات. ولهذا اذا عدمت هذه العلة وشرط قطعه في حال وكان مما ينتفع به جاز. واذا كان تابعا للارض والشجر جاز لدخوله بالتبعية فقد يثبت تبعا ما لا يثبت استقلالا اما بيع ما لك الزرع لمالك الارض او بيع ما لك الثمر لمالك الشجر فقد اجازه الاصحاب وهو احدى الروايتين عن الامام احمد. والرواية الثانية اصح وهو انه داخل في عموم اللفظ وعموم المعنى. فلا معنى لتخصيصه. وحقق الشارع هذا المقصود فاسقط عن مشتري الثمار بعد بدو صلاحها الجائحة وقال بما يستحل احدكم مال اخيه فعلل ذلك بانه يأخذه بغير حق ولا يقيد في هذا شرط الجائحة على المشتري لانه شرط يخالف حكم الله وكل شرط يخالف حكمه فهو باطل. ولان الخطر والضرر فيه ظاهر جدا. فقد يبيع ثمرا بمئة درهم ويشرط الجائحة على المشتري ثم يجتاح ولا يساوي بعد الجائحة الا ثمنا قليلا. وهو انما رضي بالاشتراط احسان ظن انها لا فلا يحل الزامه بالجائحة ولو اشترطها وهذا ظاهر النصوص وظاهر كلام الاصحاب المتقدمين والمتأخرين. لانهم ذكروا الجائحة على البائع ولم يستثنوا حالة من الاحوال ولو كان في المذهب قول اخر وانه ينفع فيه شرط لنبهوا عليه. وقد ظن بعض متأخرين ان اشتراط وضع الجائحة بعد انعقاد البيع انه نافع. مثل لو اشترى حيوانا او غيره من المعيبات ثم بعد العقد اسقط خيار العين وهو يجهله وهذا وهم ظاهر فان الفرق بين جوائز الثمار وبين عيوب السلع ظاهر فان السلعة من حين تدخل في ملك المشتري ثم يحدث فيها عيب فان العيب على المشتري شرط او لم يشرط بالاتفاق وليس له الا رد العيب الموجود قبل الشراء. اذا كان يجهله فاذا اسقطه بعد العقد فقد اسقط عيبا موجودا او حقا له ثابتا مع الخلاف فيه. واما عيوب الثمار الحادثة بعد العقد فقد دل النص على ان انه على البائع واذا اسقطه المشتري فقد اسقط الحق قبل ثبوته. وايضا فالحق للشارع فلا يحق تراضي المتبايعين على ما نهى الشارع عنه ان ارأيت لو تراضيا على مسائل الغرر والمخاطرة كبيع الابق ونحوه. فهل يكون رضاهما مسوغا لصحة البيع؟ كلا فانه لا يسقط تؤل الحق الثابت المتمحض للادمي. واما حق الله تعالى فلا يحل التراضي على اسقاطه. القاعدة الثالثة بيع التغرير والخداع وهذا محرم على المخادع بالكتاب والسنة والاجماع. وفي الحديث الصحيح من غشنا فليس منا. فهذا عام في الغش في المعاملات كلها في التجارة والاجارة والمشاركة وكل شيء. فانه يجب في المعاملات الصدق والبيان ويحرم فيها الغش والتدليس والكتمان. والغش اما ان يظهر غير ان المبيع على صفة حسنة هو خال منها وهو الذي يسمونه بخيار التدليس. كتسرية اللبن في الدرع وتسويد شعر العجوز وجمع ماء الرحى وارساله وقت عرضها للبيع. ومن هذا ان يريه بعض المبيع وهو احسن ما يكون في المبيع. ويوهمه ان الباقي مثل الذي رأى. كان يزين وجه الصبرة وينقيها او يبيعه بالانموذج ويريه احسن مما باعه. الضابط لهذا النوع ما قالوا ان يدلس المبيع بما يزيد به الثمن. واما ان يكون فيه عيب فيكتمه ولا يبينه. واما ان يغبنه بنجش او اخبار انه اعطي في السلعة كذا. وهو كاذب او تلقى الركبان ليشتري منهم او يبيعهم او يخدع من لا يحسن المماسكة او نحو ذلك. فالغار في هذه الاشياء اثم وللاخر المخدوع الخيار ان شاء امسك وان شاء رد واخذ ما دفع. واما الارش في هذه المسائل فان كان قد تعذر الرد وجب للمخدوع الارش وان لم يتعذر الرد فالمشهور في المذهب ان المغرور مخير ان شاء امسك بالارش في العيب وان شاء رد وفي الغبن والتدليس لا ارشى مع الامساك. والصحيح ان الارش معاوضة جديدة تتوقف على رضا المتعاقدين ان اتفقا عليها فذاك. وان لم يخترها الغار بل اختار التراجع لم يجبر على الارش وهو اختيار الشيخ وهو الموافق للقاعدة لانه لا يلزم الانسان شيئا لم يلتزمه ولا تسبب في تغريمه ومثل التغرير في المبيع التغرير في العين المؤجرة غبنا وتدليسا وكتم عيب. الا ان الاصحاب في الاجارة لم يخيروا الاجير بين مع العرش والرد بل بين الامساك والرد فقط ولا فرق بين البابين كما قاله بعض الاصحاب. ومما يدخل في هذه القاعدة من غر غير فاخبره انه عبد زيد وهو كاذب فاشتراه منه او اخبره ان المال ماله فاشتراه او اخبره بصفة مقصودة في المبيع لغيره فاغتر واشتراه ووجد الامر على خلاف ما قال فانه يرجع على من غره كما قاله صاحب الفروع وغيره وهو الموافق للقاعدة الشرعية وان كان متأخرون من الاصحاب رحمهم الله لا يرون رجوعه عليه فانه قول ضعيف جدا مخالف لقولهم في مواضع. ولهذا قالوا يرجع بالغرم على من لها. ولهذا لو كذب عليه عند ولي الامر فاخذ ما له او دل سارقا او من يأخذ ما له فهو ضامن. والقاعدة ان المباشر والمتسبب اله ما ضامن لكن اذا اجتمعا قدم تضمين مباشر. فان تعذر تضمينه فعلى المتسبب. ومن هذا الباب رجوع الزوج المغرور بزوجة عيبة او مجنونة على من غره من ولي وزوجة عاقلة واجنبي. ومما يدخل في هذه القاعدة الايدي المترتبة على يد الغاصب ان العين اذا انتقلت من الغاصب الى من لا يعلم الحال فهو مغرور بالاتفاق. ان قرار الضمان على الغاصب الا ما دخل على انه مضمون ولكن هل يملك المالك مطالبة من حصل التلف للعين او منافعها بيده كما هو المشهور والمذهب او لا يملك لانه معذور كما هو اختيار الشيخ تقي الدين الثاني اصح دليلا. ومن هذا الباب تضمين الكفيل اذا لم يف بما عليه. وضمان المعرفة ان قلنا به فان فيه قولين والتحقيق انه لا يلزم الا بتعريفه الا اذا اتى بلفظ يدل على الضمان. ومن هذا الباب اطلاق الرهن في عرف النجديين. وصورة ذلك ان يكون لزيد على عمرو مثلا الف دينار قد رهن فيها ملكه فيريد ان يستدين عمرو من خالد الفا او نحوها ليوفي بها زيدا او يطلق زيد لخالد رهنه في الملك المذكور رغبة منه في قبض الالف التي استدانها من خالد. وخالد لا يرغب ان يدين عمرا الا علي هذا الوجه وقصدهم بذلك ان الرهن متى بان عدم صحته بان يكون غصبا او سبق فيه رهن اخر ان يستعيد خالد من زيد الدراهم التي قبضها زيد من عمرو لانه دينه بهذا الشرط. وهو جار عندهم وفي عرفهم مجرى الضمان. فاذا تبين في الرهن المذكور تبعه رجع خالد على زيد بالدراهم التي قبضها. ولهذا اذا اراد زيد ان يحترز عن هذا الضمان قال لا اطلق لك الرهن ولكن اقر انه ليس لي حق في هذا الرهن فلا يصير ضامنا للرهن والله تعالى اعلم بالصواب. القاعدة الرابعة صدور المعاملة عن رضا شرعي من المتعاملين وهذا الاصل ثابت بالكتاب والسنة والاجماع وهو مقتضى العدل والانصاف. فدخل في هذا عقود البيع بانواعه وعقود الايجارات والمشاركات والتوثيقات والتبرعات وغيرها وكذلك الفسوخ. ويعلم هذا الرضا بالقول الصريح او ما يدل على ذلك من الافعال الجارية مجرى الاقوال او بالكناية مع قرينة دالة على ذلك. ولذلك قال الفقهاء في جميع ابواب العقول وينعقد بما دل عليه من قول او فعل. وكل هذا تحقيق لهذا الشرط الذي ذكره الله ورسوله وهو وهو الرضا. وانما استثنى انه باب عقد النكاح فاعتبروا فيه النطق بالايجاب والقبول لخطره. واشتراط الشهادة عليه. وقولنا رضا شرعي احتراز من لو نظر الرضا من صغير او سفيه او غير عاقل فانه غير معتبر ولهذا اشترطوا في التصرفات ان تقع من جائز التصرف لان رضا من ليس كذلك عن غير بصيرة ولا تمييز تام فصار لاغيا. ولكن وليه ينوب منابه في التصرف والرضا. واما اذا كان جائز التصرف بالغا عاقلا رشيدا فالعبرة برضاء نفسه لاستقلاله باموره كلها فلا يكرهه وليه على شيء من العقود بل ليس له في هذه الحال ولي الا مسألة واحدة. وهي اذا كانت الانثى بكرا بالغة رشيدة فان اباها او وصية يجبرانها على النكاح وان كرهت على المشهور من المذهب. وعن احمد رواية ثانية اختارها شيخ الاسلام انهما لا جبرانها في هذه الحال وهذا هو الصحيح كما دل عليه الحديث الصحيح في تخيير النبي صلى الله عليه وسلم بكرا زوجها ابوه فلا استثناء على هذا القول فالكره على عقد من العقود او فسخ من الفسوخ بلا حق عقده لاغ وفسخه لا يرضى. وجوده فان كان الاكراه بحق صح عقده وفسخه وضابط الاكراه بحق ان يمتنع عن عقد واجب عليه عقده او فسخ واجب عليه فسخه لسبب من الاسباب فيلزم بالواجب لانه في هذه الحال غير مظلوم بل هو الظالم بامتناعه عما وجب. ومن امثلة ذلك لو كان عليه دين لا وفاء له الا ببيع ما له الواجب بيعه في الدين. فامتنع ثم اكره على بيعه. فالبيع صحيح. فلو تعذر بيعه باعه الحاكم وكذلك الشركاء في الاملاك اذا احتيج الى تعميره وامتنع احد الشركاء اجبر بالحق. وكذلك الشركاء في الاملاك التي يتضررون بقسمتها اذا طلب احدهم البيع وامتنع الاخر اجبر لانه وان كان الانسان غير مجبور على بيع ما له فانه لما تعلق به ملك الغير وكان امتناعه يضر شريكه وجب ازالة هذا الضرر ولا طريق له الا بالبيع. وكذلك كما قاله الاصحاب في الوصي على اداء الدين وعلى الصغار لو دعت الحاجة لبيع بعض عقار لقضاء الدين او حاجة صغار في لبيع بعضه ضرر وابى الورثة الكبار او غابوا. باع الوصي على الجميع لانه الطريق لاداء هذا الواجب بلا ضرر. ومما يجب وان يعلم ان الرضا المعتبر بين المتعاملين ونحوهم شرطه ان يكون بعد رضا الشارع وان يكون ذلك الذي وقع عليه التراضي منه فقد اجازه الشارع واباحه. واما اذا لم يجزه الشارع فلا عبرة برضاهما. ولهذا لو تراضيا على العقود المحرمة لم ينفع رضاهما لان العبد ليس له ان يفعل ما يشاء وانما له ان يفعل ما اجازه الشارع له. لانه مقيد بالعبودية غير خارج عن احكام ربه والله اعلم. القاعدة الخامسة ان تقع العقود من مالك لها او من يقوم مقامه. وهذه القاعدة ثابتة بالكتاب والسنة والاجماع والميزان الذي هو العدل. فمن كان مالكا للشيء او لمنافعه فهو الذي يوقع عليه من العقود والفسوخ والاسقاطات ما يملكه منها دون غير المالك فدخل فيه انه لا يبيع ولا يؤجر ولا يرهن ولا يشارك ولا يتبرع ولا يوصي ولا يوقف ولا ينكح ولا يعتق ولا يفسخ شيئا من ذلك سوى مالكه او من يقوم مقام المالك من وكيل الحي الرشيد وولي الصغير غير العاقل ووصي الميت وناظر الوقف. والحاكم ولي الغائبين والممتنعين مما وجب عليهم. فلو اوقع هذه الامور غيره هم لم يصح وصار وجود ذلك العقد كعدمه الا انه يستثنى الفضولي اذا تصرف ثم اجازه المالك فهل العقد غير صحيح ويحتاج الى تجديده كما هو المذهب بان العبرة بتحقيق الشرط وقت العقد او انه اذا اجازه صح تنفيذه ولم يحتج الى كعادته وهو احدى الروايتين عن الامام احمد وهو الصحيح لان العبادات هي التي تحتاج الى نية صاحبها. واذا لم ينوي فيها قبلها ابنفسه ولا بنائبه لم تصح عبادته. واما المعاملات فالمقصود فيها رضا المالك. وقد حصل وما تملك منافعه ولا تملك رقم رقبته صح التصرف فيما يملك بحسب حاله دون رقبته. فدخل فيه ام الولد تملك منافعها. فيوقع عليها عقد الايجار والاعارة دون رقبتها. والوقف يتصرف في ريعه ومغله المملوك للموقوف عليه دون رغبته. الا في الحال التي يجوز فيها آآ بيعه. المستأجر للعين مالك لمنافعها مدة الاجارة. فيتصرف فيما يملكه دون رقبتها. ودون المنافع التي لم تدخل قل في استئجاره بخلاف المستعير فانه لم يملك لا العين ولا النفع. وانما ابيح له الانتفاع بنفسه فلا يؤجر ولا يعير الا باذنه ان المالك وكذلك الارض الخراجية على المذهب يمتنع بيع رقبة الارض دون التصرف فيها بايجار او بيع مغل او نحوه الرواية الاخرى عن الامام وهو مذهب جمهور العلماء جواز بيع الرقبة. ويكون المشتري في اداء خراجها قائما مقام البائع وهو والصحيح ومن تفريع هذه القاعدة ان الشيء اذا وقع عليه عقد واحتاج الى حق توفية فليس للمشتري التصرف فيه حتى يتم الكهولة وذلك كالمبيع بكيل او وزن او عد او زرع قبل ذلك. وكالمبيع بصفة او رؤية سابقة. فاذا تم الملك بايفاءه الكيل والوزن والعد والزرع ووصول المبيع بصفة او رؤية سابقة بيده او يد وكيله صح التصرف حققوا هذا ان هذه الاشياء اذا تلفت قبل ما ذكر فمن ضمان البائع والحق بها في الضمان جوائح الثمار لانه وان ازله التصرف فيها فهي الى الان ما تمت الثمرة فيتم ملكه عليها فتلفها من ضمان بائعها. ويتفرع ايضا على هذه قاعدة ان المالك للشيء اذا تعلق به حق الغير لم يصح تصرفه مطلقا الا باذن من له حق فيها. كالعين المرهونة لا يتصرف بها مالكها الا باذن المرتهن ولا ينفذ الا باذنه. حتى العتق على الرواية الاخرى عن الامام. لان في تنفيذ ذلك ابطالا لحق المرتهن الواجب والمحجور عليه لا يتصرف في ما له بعد الحجر الا باذن الغرماء. والورثة لا يطلق لهم قل في القاعدة السابقة قاعدة الغرر ويعلل بانه غير مملوك فيدخل في هذه القاعدة ويتفرع عليها ايضا ان المنافذ المستقلة عن العين اذا استثناها مدة معلومة انه صحيح لانه اخرج العين ومنافعها عن ملكه الا هذه المنفعة المستثناة اذ له في ذلك غرض ومصلحة. بخلاف اشتراط البائع على المشتري الا يبيع المبيع ولا يتصرف فيه. وان اعتقه الولاء له لانها غير مملوكة ولا تابعة لملكه. وشرطها مناف لمقتضى العقد. واما اشتراط التصرف الذي له فيه مصلحة تنأوا للمبيع كعتقه او وقفه فهو صحيح. القاعدة السادسة والسابعة اذا تضمن العقد ترك واجب او انتهاك محرم فانه حرام غير صحيح. وقد دلت النصوص الشرعية على هذين الامرين في عدة مواضع. فمن ذلك البيع والشراء بعد نداء الجمعة واذا ضاق وقت المكتوبة او خاف فوت الجماعة وكذلك المعاملة التي تفوت الانسان وتشغله عما اوجب الله عليه من الحقوق قال الله تعالى يا ايها الذين امنوا لا تلهكم اموالكم ولا عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فاولئك هم الخاسرون وهذا انما هو في الاشغال عن الواجبات. لانه نهى عنه ثم رتب عليه الخسارة. ومن ذلك ان يبيع العنب والعصير ممن يتخذه خمرا او البيض والجوز لاهل القمار او السلاح في الفتنة وعلى اهل الحرب وقطاع الطرق. وبيع الرقيق المسلم للكافر اذا لم يعتق عليه ومما يدخل في هذه القاعدة العقد عقد المسلم من بيع وشراء وايجارة ومساقاة ومزارعة ان ومشاركة وخطبة نكاح وخطبة الوظائف والولايات. كمن هو في وظيفة اذان او امامة او وقف او وكالة او ولاية كبيرة او صغيرة فلا يحل لاحد ان يخطبها لنفسه او غيره. وصاحبها اهل قائم بولايته ووظيفته لما في ذلك من ادخال الضرر على اخيه وحصول العداوة والبغضاء. افإذا تحررت هذه القواعد وما تبعها من الضوابط واستثنيتها من ذلك واصل العظيم حصل لك في هذه المواضع المهمة من العلم ما تهتدي به الى هذه المسائل والصور المذكورة وما كان في معناها مما تدعو اليه الضرورة والحاجة لانه اذا ذكرت اصول المسائل ومآخذها ومقاصد الشرع وبيان حكمها واسرارها تقررت في الاذهان وصار هذا العلم على هذا الوجه اكمل بكثير من تعلم مجرد سور المسائل وافرادها دون حكمها ومآخذها فان هذا النوع قليل الثبوت في الذهن لا يكسب صاحبه تمرنا على المباحث العلمية والتفريعات النافعة. ولا يهتدي الى الفرق بين المسائل اي للمتفرقة احكامها ولا الى الجمع بين المسائل المجتمعة احكامها في اصل وعلة واتضح لك فائدة هذا الاصل وسعة وان الاصل في المعاملات كلها الاباحة والتوسعة والسهولة الا ما ضر الناس في اديانهم او اخلاقهم او دنياهم وبالله توفيق. السؤال الخامس والخمسون ما حكم اختلاف المتبايعين؟ الجواب الاختلاف الواقع بين البائع والمشتري انواع متعددة. احدها اذا اختلف في قدر الثمن بان قال البائع مثلا الثمن مئة. وقال المشتري ثمانون. حلف البائع ما بعته بثمانين وانما بعته بمئة ثم حلف المشتري ما اشتريته بمائة وانما اشتريته بثمانين. ولكل واحد الفسخ ما لم يرضى احدهما بقول اخر وان كان المبيع قد تلف رجع الى قيمته. الثاني اختلافهما في صفة الثمن فيؤخذ نقض البلد ان وافق قول احدهما. ثم مغالبه رواجا ثم الوسط. الثالث اختلافهما في عين المبيع او قدره فكاختلافهما في الثمن على القول الصحيح وهو احد القولين في المذهب لعدم الفرق بين الاختلاف في الثمن او المثمن. والمشهور من المذهب فيه القول قول البائع وهو ضعيف جدا. الرابع الاختلاف في شرط صحيح او فاسد او اجل او رهن او قدرهما او ضمين. فقول المنكر لان الاصل عدم ذلك الا لا ببينة. الخامس اذا اتفقا على العقد وادعى احدهما فساده لاختلال شرطه او وجود مانعه. وانكر الاخر وادعى صحته قول قول مدعي الصحة لان الاصل السلامة واتفاقهما على العقد يدل على انه شرعي. فانكار الاخر انكار لما اتفقا عليه ايها السادس اذا حضر المبيع بصفة او رؤية سابقة فادعى المشتري انه على غير الصفة وانه متغير عن حالته وانكر بائع. القول قول المشتري على المذهب. قالوا لان الاصل عدم لزوم الثمن للمشتري. وقيل القول قول البائع لان الاصل بقاؤه على الوصف والحالة المرئية. السابع اذا باعه شيئا بثمن حال لكنه ليس من المشتري. فامتنع البائع من تقبيضه حتى يحضر الثمن فهل يجبره المشتري على التسليم؟ ثم المشتري يجبر بعد الايفاء كما هو المشهور في المذهب او لا يجبره على التسليم بل يملك المبيع على ثمنه وهو قول الموفق وطائفة من الاصحاب وهو الصحيح الذي لا شك فيه. ومثله حبس العين على اجرتها. الصواب انه يملك حبسها لما عليه من التسليم من الضرر ولانه لم يوافق على اخذها والذهاب بها حتى يلزم بما التزمه. الثامن اختلافه وهما عند من حدث العيب فالمشهور ان القول قول المشتري بيمينه لانه منكر لقبض ما هو قابل السلامة من العيب. ورواية الاخرى عن الامام وعليها العمل القول قول البائع بيمينه الا ان اقام المشتري بينة بمقال وهو الصحيح لان اصل معه واما تعليل الاصحاب المذكور ففيه نظر ظاهر. التاسع اذا تراد الثمن والمبيع لعيب او خيار او احوهما فادعى المردود عليه انه غير العوض الذي دفعه او غير المبيع. فالصحيح ان القول قوله حتى يأتي الاخر ببينة تثبت ما قاله سواء كان معينا او في الذمة وسواء في خيار العيب او خيار الشرط لانه منكر والاخر مدع والبينة على المدعي واليمين على من انكر. ولانا لو قبلنا قول الاخر كان في ذلك من فتح مفاسد وشرور كثيرة. واما الاصحاب فانهم فصلوا القول في ذلك فجعلوا القول قول البائع ان المبيع ليس المردود الا في خيار الشرط. وقول المشتري في الثمن اذا كان عين وان كان في الذمة فقول البائع. وهذا التفصيل ضعيف جدا لعدم الفرق بين هذه الاقسام. وكلها في نظر العارف واحد واعلم ان هذا الاختلاف بل وكل اختلاف قيل فيه قول احدهما اذا لم يكن بينة فان كانت رفعت الاختلاف. السؤال السادس والخمسون ما هي الوثائق للحقوق؟ وما فائدتها واحكامها؟ الجواب وبالله التوفيق من رحمة الله بعباده ان شرع الوثائق حقوقهم واستحصالها وهي اربعة اشياء كلها ثابتة في الكتاب والسنة والاجماع والقياس. الشهادات والرهن والضمانة والكفاءة اما الشهادات فانها تثبت بها الحقوق. وهي اوسع الوثائق دائرة واعظمها مصلحة واقطعها للنزاع. وهي تثبت الحقوق وفي الذمم وتسقط ما ثبت بوفاء او ابراء او نحوهما. ولكن الحق لا يستوفى منها. وانما هي الة وسلاح للاستيفاء مما من عليه الحق ورد الظالم عن ظلمه. وان كتبت قويت ووجدت مع وجود الشاهد وفقده كما ذكر الله تعالى حكمة ذلك في قوله اهذالكم اقسط عند الله واقوم للشهادة وادنى الا ترتابوا. ويختلف نصابها باختلاف الحقوق. وقد ذكر اصحاب اقسامها في باب المشهود به وعدد الشهود. واما الرهن فهو دفع من عليه الدين شيئا من ما له لصاحب الدين ليتوثق به تطمئن اليه ويأمن غدر صاحبه وليستوفي من الرهن اذا تعذر الوفاء من الغريم واتم ما تكون ان تكون عينا مقبوضة فان كانت قيمتها اكثر من الدين تمت من جميع الوجوه. وان كانت الوثيقة دينا او غير مقبوضة او اقل من قيمة الدين صار ناقصة فحصل فيها من التوثيقة بحسبها. واما منع التوثيق بها في هذه الحال وجعل وجودها كعدمها كما هو المشهور من المذهب في غير المقبوضة والدين كما في الناقصة فقول لا دليل عليه بل هو مناف للعمومات الدالة على ان المؤمنين على شروطهم على وجوب الوفاء بما تعاقدوا عليه مع منافاتها لمصلحة الناس وتمكين الغادر من غدره. فاما ذكر الله تعالى القبض ان رهان مقبوضة فهذا ارشاد منه تعالى لاقوى الطرق في التوثق بها. ليس فيه انه اذا لم يقبض فليس برهن بل مفهوم يدل على انه يسمى رهنا. واما حكم الرهن فهو لازم في حق الراهن ليس له فكه ولا التصرف فيه ما دام متعلق به الدين. والدين يتعلق به كله لا ينفك منه شيء بايفاء بعض الدين. بل بوفاء كله او عند فك المرتهن. واذا حلت دين فاذا حصل وفاء والا بيع الرهن وجوبا بطلب صاحب الدين ثم اوفي من ثمنه. فان وفى بالدين كله فذاك والا بقى هي باقي دينه على غريمه. واما الضمان والكفالة فالضمان يكون للدين. والكفالة لاحضار بدن الغريم. وفائدتهما الزام ضامن بالوفاء مع الزام صاحب الحق فيتعلق الحق بذمة كل واحد منهما فلصاحبه طلبهما جميعا. وطلب احدهما الا اذا شرط الضامن انه لا يطالبه حتى يتعذر عليه اخذ الحق من صاحبه. والقول الثاني ان هذا حكم الضامن لا يستوفى امنه حتى يتعذر الاصيل. واما الكفيل فانه اذا سلم المكفول لرب الحق بريء. سواء استوفى منه صاحب الحق ام لا. فان عجز عن احضاره صار ضامنا. واذا ادى الضامن والكفيل عن المدين بنية الرجوع رجعا. وكذا كل من اوفى عن غيره دينا واجب وقد عرف بما ذكرنا حكمة الشارع في هذه الوثائق وانها لمصالحهم وحفظ حقوقهم فلله الحمد والمنة. السؤال السابع والخمسون عن حكم الصلح وفائدته. الجواب الصلح من اعم الامور واوسعها دائرة. ويدخل في امور كثيرة. وفوائده لا تعد اسرة قال تعالى والصلح خير. فيقع الصلح بين المسلمين واهل الحرب. فيجتنى منه راحة المسلمين واجمامهم لقتال اعدائهم في وقت الفرصة ويحصل من اختلاط المسلمين بالكفار من المصالح وبيان محاسن الاسلام ما يوجب لكثير من المنصفين الدخول فيه افصلوا من المصالح الدينية والدنيوية شيء كثير. ويقع الصلح بين اهل العدل واهل الظلم والبغاة فينكفوا بسببه شر كثير فما حصل خير كثير ويقع بين الناس في الدماء والجروح ونحوها فيحصل من العفو والتغاضي عن الحقوق واطفاء الشر وحصول مقابلة ذلك شيء من المال تأنس به النفوس ويسهل عليها ترك الاخذ بالثأر. ويقع بين الزوجين عند المشاقة والمخاصمة فيحصل الالتئام وتزول اسباب الشر ويتراجع الزوجان الى العشرة المأمور بها. ويقع بين الاصحاب المتهاجرين المتنافرين فتتدانى القلوب بعد بعدها ويزول نفارها. ولذلك لم يرخص النبي صلى الله عليه وسلم في الكذب الا في الحرب. وحديث الرجل لها مؤانسة الاصلاح بين الناس لعظم نفعه وجزيل وقعه. ويقع الصلح بين الناس حين تقوم الفتن فيحسم الفتن والشرور. لهذا جعل الشارع للمسلم بين الناس نصيبا من الزكاة ولو كان غنيا حثا لهم على الاصلاح بكل طريق. وهذه الاصلاحات اذا وقعت عادلة لا جور فيها على واحد من الطرفين واحسن الداخل فيها الطريق الموصلة الى ذلك حصل المقصود بسرعة وانحسم الشر فاذا دخلها الهوى والظلم على كاحد الطرفين او سلكت طرق لا توصل اليها انعكست ولم يحصل منها المقصود. وان حصل فما اسرع زواله. ولهذا امر الله بالاصلاح العدل والاحسان فيه والله اعلم. ويقع الصلح بين الناس في الاموال والمعاملات وهو مراد الفقهاء بذكر باب الصلح المتعلق بالمعاملات وهو كله جائز الا صلحا احل حراما او حرم حلالا كما ورد به الاثر. فالحقوق المالية المصالح عليها اما ان يعترف بها من هي عليه واما الا يعترف فان اعترف بها وصالحه على بعضها لسرعة الوفاة كانت مصلحة للطرفين وكان شبيها بالتبرع وكذلك اذا ياسره على المال وجعله اجالا متعددة. فالصواب انه لازم. وقال اصحابنا انه جائز فله ان يطالبه قبل الاجل المضروب لان التأجيل غير لازم ثم الزم به نفسه ووعده. والمؤمن اذا وعد وفى خصوصا اذا كان في هذه الحال سيجتهد المطلوب في بيع ما ليس عليه بيعه من مسكن واثاث او يستدين من الناس ما يوفي به. فهنا يتعين الالزام بالتأجيل بلا ريب. وقد يصالحه عن المؤجل ببعضه حال. والمشهور من المذهب المنع قياسا على الربا وقلب الديون الحالة. والرواية الاخرى عن احمد اصح وهو جواز ذلك اذ في ذلك مصلحة للطرفين. هذا ينتفع بتعجيل حقه والاخر بتخفيف ما عليه. وقد اشتهر ان النبي صلى الله عليه وسلم لما اجلى بني النضير قالوا ان لهم مع الناس مداينات. فقال ضعوا وتعجلوا. مقياسها على الربا ضعيف جدا. بل هذا ضد الربا فان الربا يزيد في الاجل ويزداد ما في ذمته. وهذا يتعجل الوفاء ويخف ما في ذمته. فما ابعد احدهما من الاخر. وكثيرا ما تدعو الحاجة بل الضرورة الى هذه المسألة وما دعت له الحاجة ولا محذور شرعي فالاصل جوازه. وقد يصالحه عن الدين او العين بغير جنسه طيروا معاوضة يثبت لها من الاحكام ما يثبت للبيع بل قد تكون اوسع. وان كان المدعى عليه الحق منكرا فالصلح ايضا جائز. وما وما فائدته للمدعي والمدعى عليه ويصير في حق المدعي بيعا لانه يعتقد ما صالح عليه عوضا عن حقه. وفي حق الاخر ابراء لانه يزعم انه دخل في الصلح لدفع الخصومة والنزاع وظهور براءة ذمته. فما دام كل منهما معتقدا ما يقوله الصلح جائز ظاهرا وباطلا. حلال لكل منهما ما دخل عليه. فان اعتقد احدهما خلاف ما يقول الصلح في الظاهر جاز ونفذ وهو في الباطل حرام عليه ما اخذ مما لا يستحق او انكر ما عليه. ومن الحقوق التي اختلف في جواز الصلح عليها حق الشفعة والخيار. فالمذهب المنع لانه ليس المقصود بها تحصيل مال وانما هو النظر لاحظ الامرين. القول الثاني في المذهب الجواز لعموم قوله صلى الله عليه عليه وسلم الصلح جائز بين المسلمين الا صلحا احل حراما او حرم حلالا. وهذا عام في الحقوق كلها. ولا يتضمن هذا احلال حرام ولا تحريم حلال. وقولهم ان المقصود بهما وباثباتهما للانسان ان ينظر اي الامرين احظ صحيح. ومن جملة فيما يراعيه صاحب الحق في الاقدام على الشفعة وفي اتمام الخيار او عدم ذلك النفع المالي. بل هذا اعظم ملاحظهم. اذا بذل له مال ليترك هذا الحق رجع هذا الجانب فلا مانع من ذلك. واما الصلح الذي لا يجوز فهو ان يتصالحا على امور محرمة. اما ان يصالحه حرا يقر له بالعبودية او انثى تقر له بالزوجية فهذا الذي اجمع المسلمون على منعه. السؤال الثامن والخمسون عن احكام جوار الجواب اقل ما يجب على الجار لجاره ان يمنع عنه اذاه القولي والفعلي فلا يحدث بملكه المختص او المشترك بينهم وبين جاره ما يضر بالجار من كل وجه وذلك شيء كثير. وان يمكنه من وضع الخشب على جداره اذا احتاج الى ذلك ولا ضرر على حائطه. وكذلك على الصحيح ما اشبه ذلك مما لا يتضرر به. والجار ينتفع به كاجراء الماء على ارضه لينتفع هذا بمرور مائه الشعر يسقي ما يمر عليه ماؤه. وهذا احدى الروايتين عن احمد وقد الزم بذلك عمر رضي الله عنه. ومن انفع ما يكون وقوع الصلح بين الجيران في الامور التي تتعلق بمصالحهم كالمرور على جاره واجراء ماء سطوحه على سطحه او ارضه او نحو ذلك. وينبغي ان يتساهل مع جاره بكل طريق. ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت انه سيورثه. فان لم يبذل له هذه الاشياء تبرعا فلا اقل من محاباته في الصلح ويربح الاحسان الى جاره اذا رأى المحروم ان الربح في مقاصته. ومن احكام الجيران الاشتراك في تعمير ما يحتاج الى تعمير من جدار او بئر او سقف على قدر الاملاك. كما ان هذا الحق واجب بين الاملاك وان احدهما يجبر على التعمير المحتاج اليه. السؤال التاسع والخمسون من هو المحجور عليه؟ وما احكامه وفائدته؟ الجواب وبالله توفيق. حد الحجر منع المالك من التصرف في ماله. والحجر الشرعي المقصود به حفظ الاموال وصيانتها وايصال الحقوق الى اهلها. فهذا المعنى اشتركت فيه انواعه كلها. وهو ينقسم الى قسمين. احدهما من يحجر عليه لحظ نفسه لضعف عقله عن حفظ ما له واحسان التصرف وذلك كالصغير والسفيه والمجنون فيجب على وليهم منعهم من التصرف في مالهم. ويتولى هو حفظه والتصرف فيه. ولا يتصرف في مالهم الا بما فيه مصلحة فيجري عليهم من النفقة من اموالهم بالمعروف وما احتاجوا اليه من تعلم علم او صنعة في اموالهم سيأكل من مالهم الا اذا كان فقيرا اقل من كفايته واجرة عمله. الضابط في الواجب عليه كما قال تعالى ولا تقربوا مال اليتيم الا بالتي هي احسن حتى يبلغ اشده. وهو البلوغ والرشد. فاذا بلغ ذلك وجرب رشده فوجده حافظا لماله محسنا للتصرف فيه دفع اليه. قال تعالى فاذا دفعتم اليهم اموالهم فاشهدوا عليهم وكفى بالله حسيبا. والمشهور من المذهب ان الولاية في هذا الباب ليست كسائر الابواب فلا تثبت الا للاب او وصية ثم تنتقل بعدهم الى الحاكم. الفرق بين هذا وبين سائر الابواب ان المال تتعلق به المطامع النفسية والاغراض النفسانية فيقدمها الانسان على مصلحة موليه. فمنعت ولايته اصالة بخلاف الاب فان ما معه من الشفقة والحنو وما له من التمول في مال ولده ما اثبت له الولاية. والرواية الثانية عن الامام احمد اجراء هذا الباب كسائر الابواب من الميراث والعقل والنكاح والحضانة وجميع الولايات التي تثبت لجميع العصبات. ولا فرق في الحقيقة. واذا شرطنا الا يتولى مالهم الا من هو عدل مرضي صارت ولاية اقاربه الذين هم اشفق الناس عليه واحرصهم على مصالحه اولى بلا شك من ولاية البعداء الذين لو وجدت عدالتهم لم يوجد فيهم من الشفقة ما في الاقارب وهذا ارجح دليلا الثاني في المحجور عليه لحظ غيره فمنهم المرتد يحجر عليه في ماله وقت استتابته لحظ المسلمين او حظ ورثته على اختلاف قولين والمريض مرضا مخوفا يحجر عليه بما فوق الثلث لحظ ورثته. والراهن يمنع من التصرف في الرهن بلا اذن المرتهن حظي المرتهن والمشتري في الشخص المرفوع يمنع من التصرف فيه بعد الطلب لحظ الشفيع. ومنهم المدين يحجر عليه لحظ غرمائه بثلاثة شروط ان تكون ديونهم حالة وان تستغرق جميع موجوداته وان يطلبوا او بعضهم من الحاكم الحجر عليه. هذا المذهب عند شيخ الاسلام لا يعتبر الشرط الثالث بل زائده يصير محجورا عليه بمجرد استغراقهم لموجوداته. وانما الحاكم يبين خافيا ويزيل مشتبها ويحل نزاعا والا فلا يثبت حكما شرعيا. وهو اقوى. وفي هذا القول من المصلحة للناس وحفظ حقوقهم ومنع قوانة من حصول مقاصدهم المحرمة ما يوجب القول به. واذا حجر عليه الحاكم امتنع عليه التصرف في ما له اعيانه وديونه فقط حقوق الغرماء في ما له. فمن وجد عينا زائدة باعها او اقرضها اياه بعينها ولم يأخذ من ثمنها شيئا. ولم يتعلق بها حق كن للغير اخذها وسقط عوضها عن المحجور عليه. ومن كان له رهن اختص به وشارك الغرماء في الباقي ان بقي له شيء وان بقي من الرهن شيء بعد حق المرتهن رد على بقية الغرماء ثم يقسم الباقي على الغرماء بقدر ديونهم بالحصص فهذا غاية الممكن من العدل لان القاعدة ان الحقوق المشتركة المدلية على مال تشترك في الزيادة والنقص كل بحسب ماله كزيادة اموال الشركة او نقصانها. ومن هذا الباب العول والرد في الفرائض. واذا كان بعض الغرماء دينه مؤجلة. فهل يشارك الغرماء الحالة حقوقهم ام لا افيه قولان في المذهب المشهور منهما عدم المشاركة بل يبقى دينه في ذمة المفلس وليس له من موجوداته شيء لان دينه لم يحل والثاني يشاركهم وهو اصح لاشتراك الجميع في وجوب الوفاء. ولانه انما دخل معه في المعاملة بحسب ما عنده من الموجودين بل قد يكون صاحب الدين المؤجل في الحقيقة احق من اصحاب الديون الحالة لكون اصحاب الديون الحالة مدينهم معسر لازم عليهم انذاره فلما استدان دينا مؤجلا صار ما عند المدين اعيان مال صاحب الدين المؤجل او اعواضه. فكيف يقال في هذه الحال يكون محروما. والاولون يتغبطون بمال هذا المسكين صاحب الدين المؤجل. هذا لا يمكن ان تأتي به الشريعة ابدا. وهذا القول هو مقتضى اختيار شيخ الاسلام حيث رأى انه يحجر عليه وان لم يحجر الحاكم حفظا لحقوق الناس وردا للظلم بكل طريق. السؤال ستون ما الصور التي يباح للانسان فيها الاكل والتصرف بمال الغير بدون اذن؟ الجواب اعلم ان الاصل احترام اموال الناس فلا يحل لاحد مال غيره الا بطيب نفسه وطيب النفس نوعان اذن لفظي وهو ظاهر وليس هو المسئول عنه ونوع عرفي وهو الذي وقع السؤال عليه. فمتى دل الدليل العرفي على رضا الانسان في الاكل من ما له او التصرف فيه جاز ذلك؟ وقد دل على هذا الاصل لقوله تعالى ولا على انفسكم ان تأكلوا من بيوتكم او بيوت ابائكم الى اخر الاية فهذا الاكل من دون اذن صريح لان هؤلاء المذكورين قد جرى العرف والعادة برضاهم. ولذلك قال الاصحاب ولزوجة كل متصرف في بيت ان يتصدق منه بما لا يضر كرغيف ونحوه. ومن هذا التقاط ما سقط من الحصاد للزرع وما سقط من قيل حيث جرت به العادة. ومن هذا الباب الاكل من الاشجار التي لا حافظ عليها ولا حائط من غير صعود شجرة ولا رميها بحجر ومن الزرع الذي يمر به وشرب لبن الماشية كل هذا مقيد بالعرف. فحيث جرى العرف بعدم المسامحة في شيء من ذلك منع لعدم وجود السبب المبيح. ومن هذا ذوق الطعام عند الشراء تجربة له او الاكل منه اذا جرت العادة بالمسامحة. كمن يكتال تمرا فيأكل منه قبل ان يدخل ملكه. فقد جرت عادة الناس في المسامحة به. السؤال الحادي والستون ما الفرق بين الاشياء التي تصح فيها وكالة والتي لا تصح. الجواب من سعة الشرع ان اباح للانسان ان يفعل الاشياء بنفسه او يقيم مقامه من يتولى ذلك العمل هذا مطرد في حقوق الله وحقوق عباده الا ما لا يحصل المقصود الا بمباشرة الانسان له وتوليه بنفسه. فان هذا النوع لا تفيد فيه الوكالة وذلك كالصلاة والصيام والطهارة من الحدث والحلف ونحوها. وكذلك في اداء حقوق الزوجات المتعلقة ببدء كالقسم ونحوه فهذا هو الفرق. السؤال الثاني والستون من هو الامين وما حكمه؟ الجواب وبالله الاعانة والهداية. اما فهو كل من ائتمنه الانسان على ماله ورضي ببقائه بيده على وجه الابقاء او الاستعمال بعوض او غيره. واما حكمه فله احكام كثيرة منها انه يجب عليه ان يحفظ ما بيده ولا يفرط فيه ولا يتعدى. فان فعل ذلك زال ائتمانه وتحتم عليه ضمانه وانه يجب عليه الرد الى صاحبه او الى من يقوم مقامه اذا طلبها اذا لم يبقى للامين حق فيها. وكل هذا مستفاد من قول تعالى ان الله يأمركم ان تؤدوا الامانات الى اهلها. فامر بادائها الى اهلها. ومن لازم الاداء الحفظ فانه لا يتم بدونه فدخل في الامانات الودائع والرهون والاعيان المؤجرة واموال الشركة على اختلافها. والاعيان الموكلة عليها حفظا وتصرفا. والاموال التي هو ولي عليها كالولي على مال اليتيم والوقف والوصايا والوصي وما اشبه ذلك ومن احكام الامناء قبول قولهم في التلف وعدم التفريط سواء كان لهم فيها حظ او كانوا محسنين. لان هذا مقتضى كونهم امناء هو مقتضى ائتمان الانسان لهم فانه رضي ان تكون ايديهم على ماله كيده. فقد اقامهم مقام نفسه. فلا ضمان عليهم لكن لو دعوا اختلف بامر لا يخفى فلابد من اثباته. والا لم يقبلوا لان الحس يكذبهم. واذا تلفت وقبلنا قولهم لم يضمنوا شيئا الا العارية فانها مضمونة على المذهب الا اذا تلفت فيما استعيرت له او كانت وقفة ككتب علم وسلاح. واذا اعارها المستأجر لانه فرع من الضمان عليه. واذا اركب دابته منقطعا للثواب فهذه لا ضمان فيها حتى على المذهب. والصحيح الرواية اخرى عن الامام ان المستعير كسائر الامناء لا ضمان عليه الا ان شرط على نفسه الضمان ولو كان ضامنا لضمن في هذه المسائل اي للاربع اذ لا فرق بين الجميع. واذا ادعوا الرد فلا يخلو اما ان يدعوه الى من ائتمنهم او الى غير من ائتمنهم. فان ادعوا رد الى غير من ائتمنهم لم يقبل قولهم الا ببينة. وان ادعوا الرد الى من ائتمنهم فان كان لهم حظ في قبض تلك الامانة اين المؤجرة او المعارة والوكيل والدلال بجعل لم يقبل قولهم ان لم يكن لهم حظ بل هم محسنون احسانا محضا وادعوا الرد ده قبل قولهم بايمانهم وكل من قلنا القول قوله في حقوق الادميين فلابد من يمينه لان هؤلاء محسنون وما على سنين من سبيل. ومن احكامهم ان اقرار الانسان على ما اؤتمن عليه مقبول. لان صاحبه نزله منزلة نفسه. فاذا اقر على ما بيده من انواع التصرفات وصفاتها كان مقبولا. ومن احكامهم انه اذا زال الائتمان وانتقل الشيء الى اخر وجب عليهم رد او التمكين من الرد بالاعلام والاخبار ووقفوا التصرف المستفاد بالاذن الصادر من المؤتمن حتى يوجد بعد ذلك اذن جديد السؤال الثالث والستون ما شركة التصرف وما الحكمة فيها والحكم؟ الجواب وبالله التوفيق. اما الفائدة والحكمة في المشاركات فانها حصول التعاون بين الشركاء التناوب في الاموال والاعمال والتعاون العقلي والتعاون العملي. امن رحمة الشارع وحكمته اباحه جميعا. والحث عليها وعلى المناصحة كما في الحديث. يقول الله تعالى انا ثالث الشريكين ما لم يخن احدهما صاحبه. اذا خان انه خرجت من بينهما ومقتضى هذا الحديث وغيره ان جميع المشاركات في كل تصرف جائزة مما لم يمنع منه مانع شرعي وانواع اما ان يقع الاشتراك في المال والعمل منهما كشركة العنان والوجوه. اما ان يكونا شريكين في العمل وحده كشركة الابدان. واما ان يكون من احدهما المال ومن الاخر العمل وهي المضاربة. واما ان يجمع ذلك كله فهي شركة مفاوضة. وعلى كل حال ان فلابد من العلم بالمال الذي وقعت فيه الشركة. والعمل الذي وقعت عليه. ولابد فيها من العلم بما لكل منهما من الكسب والربح. ولابد ده فيها من العدل وهي الاستواء فيما يحصل لهما من المكاسب والارباح وما عليهما من النقص والاجاحة. فاذا جمعت هذه الامور وكانت مباحة حلالا اذا اختل واحد منها اختلت الشركة وفسدت. واما اشتراط غير هذا من الشروط التي لا دليل عليها وهي اتضيق ما وسعه الله كاشتراط المال فيها ان يكون من النقدين المضروبين او انه اذا اشترك ثلاثة واحد منه العمل منه الدابة والثالث منه المحل او معهم رابع منه الطاحونة او المعصرة. لم تصح فانها وان كانت المشهورة عند اصحابنا المتأخرين رحمهم الله وغفر لهم فانها ضعيفة جدا. القول بصحة ذلك قول محققي الاصحاب والله اعلم. واعلم ان الطاقات والمزارعة داخلان في انواع الشركة يشاركانها في اكثر الاحكام لان من احدهما الارض والشجر الذي لم يغرس ومن اخر السقي والعمل والثمرة والثمرة بينهما على حسب شرطيهما. وكذلك المزارعة من احدهما الارض ومن الاخر البذر والسقم قوى الاصلاح والغلة بينهما فيصحان بجزء مشاع معلوم من الثمر والزرع وبشيء معلوم مقدر مضمون. فالاول مشاركة يشتركان في الزيادة والنقص والثاني اجارة يلزم العامل ذلك المقدر من دراهم او غيرها ولو من جنس الخارج من ارض وله جميع الغلة وكلا الامرين قد ثبت جوازهما مع مصلحة الناس. وبعضهم يرغب هذا دون هذا. وهذا على الصحيح. والمذهب لابد ان يكون البذر من رب الارض. السؤال الرابع والستون ما العقود اللازمة والجائزة والفرق بينهما؟ الجواب وعليه ونسأله الهداية والصواب. اعلم ان العقود لما كانت تابعة لمنافع الخلق ومصالحهم المتنوعة اختلفت احكامها اختلاف تلك المنافع وهي ثلاثة اقسام او اكثر. احدها عقود لازمة وهذه نوعان احدهما يلزم بمجرد عقده فلا يثبت فيه خيار مجلس ولا شر. قد يثبت في بعضه خيار العيب. وذلك كعقد الوقت والنكاح ونحوهما. والثاني عقد لازم ولكن جعل له الشارع خيار مجلس. وصوغ للمتعاقدين ان يمد في ذلك بخيار شرط لكثرته. وربما حصل من غير فكرته ان وترو فجعل الخيار فيه لاستدراك ما لعله فات على الانسان من الحظوظ. وذلك كالبيع بانواعه. الا ان الاصحاب لم يجعلوا وخيار شرط فيما قبضه شرط لصحته كالسلم وبيع الربويات بعضها ببعض. وشيخ الاسلام رحمه الله يجوز فيها خيار شرط لعدم المحظور في ذلك وللمصلحة في ذلك. والاجارة وما اشبهها من العقود. الصحيح ان المساقات والمزارعة من هذا الباب بعقود لازمة لانها شبيهة بالاجارة وهي احدى الروايتين عن الامام وعليه عمل الناس. والمذهب انها من القسم الثاني وهو عقود الجائزة من الطرفين والاول اصح. القسم الثاني العقود الجائزة من الطرفين لكل منهما فسخها. وذلك الوكالة والولاية وانواع الشركة سوى المساقات والمزارعة والجعالة قبل العمل وبعده فيه خلاف. فهذا النوع ينفسخ بموت احد احدهما واختلال تصرفه بخلاف النوع الاول فانه لازم ويقوم الوارث في الاجارة ونحوها مقام مورثه. ويستثنى منه اذا اجر موقوف عليه الوقف فانتقل الى من بعده. فالمشهور فساخه. والصحيح انه لا ينفسخ كما لا ينفسخ اذا اجره الناظر الخاص او العام لانه وان كان الريع والغلة ينتقل الى البطن الثاني مثلا فالتصرفات باقية احكامها كسائر الايجارات. ولو كانت تنفسخ لم يكن المستأجر على ثقة مما استأجره وهذا ظاهر ولله الحمد. القسم الثالث لازم من احد الطرفين جائز في حق الاخر وضابط هذا اذا كان حقا على زيد وهو لعمرو. فعمرو الذي له جائز في حقه وزيد الذي عليه لازم في حقه وذلك كالرهن جائز في حق المرتهن لازم في حق الراهن. وكذا الضمان والكفالة في حق المضمون له والمكفول له جائز بحق الضامن والكافل لازم. والله تعالى اعلم. السؤال الخامس والستون من عمل لغيره عملا فما له عليه؟ الجواب لا يخلو من احوال اما ان يكون متبرعا بعمله هذا ليس له شيء عليه وانما هو محسن وان كان عمل له بعوض فان كان العمل محدودا ملزما به العامل فاجارة يجب المسمى اذا عمل له العمل وهو عقد لازم بين الطرفين. ان كان العمل غير محدود ان او محدودا غير ملزم به العامل فهو جعالة اذا حصل له العمل صار بمنزلة الاجارة بوجوب ايفاء الاجرة. وقبل ذلك يكون العقد جائزا من الطرفين ان كان باذنه من غير اجرة ولا جعالة فله اجرة المثل. خصوصا اذا كان مستعدا لذلك كالحمال الحمامي وصاحب سفينة والبنا ونحوه. وهذا ايضا حكمه كالاجارة. والفرق بين الاجارة والجعالة من وجوه. احدها ان جارة عقد لازم والجعلة عقد جائز. ثانيها ان الاجارة لابد ان يكون العمل معلوما كالعوض. والجعالة قد يكون معلوما كمن بنى لي هذا البيت فله كذا. وقد يكون مجهولا كمن رد لقطتي فله كذا. ثالثها الاجارة تكون مع معين جعالة تكون مع معين وغير معين. رابعها الجعالة اوسع من الاجارة. ولهذا تجوز على اعمال القرب كالاذان والامامة وتعليم القرآن ونحوها بخلاف الاجارة. خامسها الجعالة لا يستحق العوض حتى يعمل جميع العمل. واما الاجارة ففيها تفصيل يرجع الى انه ان لم يكمل الاجير ما عليه ان كان بسببه ولا عذر له فلا شيء له. كان التعذر من جهة المؤجر فعليه بيع الاجرة كان بغير فعلهما وجب من الاجرة بقدر ما استوفى. وان كان عمله بغير اجرة لفظية ولا عرفية ولا جعالة باذنه او غير اذنه فلا شيء له الا في تخليص ما له من مهلكة فله اجرة المثل. كان العمل الذي عمل لغيره اداء واجب عنه وقد نوى الرجوع فانه يرجع عليه. السؤال السادس والستون ما الاشياء التي تضمن بها النفوس والاموال؟ الجواب الاسباب التي تضمن بها النفوس والاموال ثلاثة. يد متعدية ومباشرة اتلاف بغير حق. وتسبب لذلك عدوانا. اما يد المتعدية فضابطها كل من وضع يده على مال غيره ظلما ابتداء او كان عنده امانة انتهت ووجب عليه الرد اذا تلفت العين في هذه الحال او اتلفت ضمنها صاحب اليد ويدخل في هذا الغاصب على اختلاف انواعه. ومن كانت عنده امانة فطلبها صاحبه فامتنع من غير عذر او انتقلت الى غيره وسلكت عليها فهذه الصور تضمن فيها العين وتضمن اجارتها بالتفويت سواء توفاها الظالم او تركها من غير استيفاء. واما المباشرة فمن اتلف نفسا محترمة او مالا بغير حق عمدا او سهوا او جهلا انه ضامن بخلاف الاتلاف بحق. واما السبب فمن فعل ما ليس له فعله في ملك غيره او في الطرق او تسبب للاتلاف بفعل غير مأذون فيه. فتلف بسبب فعله شيء نفس او مال ضمنه. لكن لو اجتمع المباشر والمتسبب كان الضمان على المباشر. فان تعذر تضمينه ضمن المتسبب ويدخل في السبب ما استثناه الفقهاء يرحمهم الله من اتلافات البهائم فان الاصل في اتلافات البهائم انه لا شيء فيه كما نص النبي صلى الله عليه وسلم على هذا الاصل في قوله والعجماء جبار اي هدر واستثنوا من هذا العمومي مسائل ترجع الى تفريط صاحبها وعدوانه كاتلافات الواقعة في الليل كما قضى النبي صلى الله عليه وسلم ان على اهل قوائط حفظها بالنهار على اهل المواشي حفظها بالليل. كما اذا كان معها متصرف قادر عليها من راكب وسائر وقائم كمن اخرج البهيمة الصائلة او كان يرسلها نهارا بقرب ما تتلفه والله اعلم. السؤال السابع والستون عن احكام المغالاة واخذ العوض عليها؟ الجواب المغالبات بالنسبة الى اخذ العوض ثلاثة اقسام. قسم يجوز بلا عوض ولا يجوز بعوض هذا الاصل وهو الاغلب فدخل في هذا المسابقة على الاقدام والسفن والمزاريق والمصارعة ومعرفة الاشد الاقوى في غير ما فيه تهلكة. فهذا ان كان بغير عوض جاز لعدم محذور المؤامرة ولانه مباح في نفسه. القسم الثاني لا يجوز بعوض ولا على غير عوض وذلك كالشطرنج والنرد وكل مغالبة الهت عن واجب او ادخلت في محرم والحكمة فيها ظاهرة لكونها تعين على الاثم والعدوان والثالث بالعكس يجوز بعوض وبغير عوض. وهو المسابقة والمغالبة بين السهام والابل والخيل بصريح الحديث المبيح لذلك في قوله صلى الله عليه وسلم لا سبق الا في نصل او حافر. والمراد اخذ العوض لان المغالبات العوض داخلة في الميسر والقمار. فلذلك منعت وهذه الثلاثة مستثناة لان مصلحتها واعانتها على الاستعداد للجهاد وتقوية المسلمين ارجح من مضرتها. ولكن الاصحاب اشترطوا فيها محللا لا يعطى شيئا اذا كان العوض من الطرفين لاجل ان تخرج عن شبه القمار. اختار الشيخ تقي الدين انه لا يحتاج الى محلل وانه يلحق بهذه الثلاثة ما كان في معناها. مما يقوي على طاعة الله والجهاد في سبيله والمراهنة في المسائل العلمية لان الحكمة المبيحة لاخذ العوض الثلاثة السابقة موجودة فيما كان في معناها وهو الراجح دليلا. والله اعلم. السؤال الثامن والستون اذا كان بيده مال لغيره وهو لا يعرف صاحبه له فما يصنع؟ الجواب لا يخلو ذلك من امرين. احدهما ان يكون قد وجد هذا لقطة له احكام اللقطة. الثاني ان يكون غصب بن او امانة او عارية او رهنا او نحوها. فهذا متى ايس من وجود صاحبه ومن يقوم مقامه من وكيل ووارث خير بين امرين اما ان يدفعه الى ولي الامر بانه ولي من لا ولي له. والمتعذر علمه كالمعدوم. اذا دفعه لولي الامر برئ من عهدته حتى لو وجد بعد تسليمه لولي الامر لم يلزمه بشيء. لان هذا نهاية ما يقدر عليه حيث دفعه الولي العام واما ان يتصدق به عن صاحبه ويكون فضوليا لو جاء بعد ذلك. فان اجاز صدقته عنه فذاك. والا فله تغريمه ويكون الاجر للمتصدق وانما ابيح له في هذه الحال ان ينوب عنه من غير استنابة خاصة ولا عامة للحاجة الى ذلك ولتعذر ايصالها اليه فبذلها في الصدقة عنه التي هي افضل ما بذل الانسان ما له فيه. وللاثار الواردة عن رضي الله عنهم. السؤال التاسع والستون عن الحكمة في اثبات الشفعة وفي اختصاصها بالعقارات المشتركة. الجواب وبالله في اعلم ان الاصل انه لا ينتزع من الانسان ما هو ملكه الا بطيب نفسه. ولهذا اشترط الرضا في المعاوضات والتبرعات وهذا من محاسن الشريعة انه حفظ حقوق الخلق ولم يقهرهم على اخذها الا بحق. والشفعة من الحق فان النبي صلى الله عليه وسلم اثبت الشفعة في كل ما لم يقسم فاذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة. فالحكمة فيها دفع الضرر عن الشريك حيث نقل شريكه ملكه الى غيره واختار انتقاله بذلك العوض والمشتري الى الان لم يثبت له من احكام الاشتراك ما يتضرر بفقده. واما الشريك الاول فلان شريكه لما رغب عن شركته وتبدل باخر صار احق بالشقس بذلك الثمن. ان شاء اخذ وازال قال عن نفسه ما يظنه او يستيقظ من الضرر وان شاء ترك. والبائع والمشتري لا ضرر عليهما. لان البائع سيأخذ ذلك الثمن الذي باع به. والمشتري سيرد ما اعطاه او يخرج كما دخل من غير ان يناله ادنى ضرر. فروعي حق الشريك الاول ودفع ضرره اثباتها فصار هذا الحكم من احسن الاحكام وارفقها بالناس وابلغها دفعا للاضرار. وثبت هذا للشريك في العقار لانه الذي يطول ضرره. واما المنقولات ونحوها فلا شفعة فيها لعدم الضرر. وان وجد فهو يسير بالنسبة الى العقارات. يستدفع ضرره وبالمقاسمة او البيع تارة او التأجير او نحو ذلك. ومع دفعه الضرر عن الشفيع. وكذلك عليه الا يضر باحدهما فلا يضر والبائع بتأخير الثمن ومطله. بل عليه ان يبادر به ولا يمهل الا بقدر ما يحضره. ولا يضار المشتري بتأخير الاخذ فيبقيه دي معلقة حتى ان كثيرا من الفقهاء ومنهم اصحابنا المتأخرون جعلوها على الفور الشديد. الا يمهل زمنا يتروى فيه؟ بل اما ان يأخذ او يدع. وبعض الفقهاء يرى انه من جملة الحقوق التي لا تسقط الا بالرضا باسقاطها. بقول او فعل دال على الرضا عهذا فلا يمكن من تأخير يضر المشتري وهذا غاية العدل. السؤال السبعون ما الذي يملك بالاحياء وما لا يملك؟ الجواب قد حد الفقهاء ضابطا لهذا فقالوا في الذي يحيا وهي الارض الخالية عن الاختصاصات وعن ملك المعصومين. فدخل في هذا كل ارض مالك لها ولا لها اختصاص بالاملاك ولا للناس فيها اشتراك. وخرج من هذا مما لا يملك ما يضاد هذا. الارض المملوكة او التي جرى عليها ملك لاحد معصوم معلوم لا تملك بالاحياء حتى ولو كانت دارسة عائدة مواتا. وكذلك كما تعلق بمصالح الاملاك كالمتعلق بمصالح الدور والبلدان مما يحتاجون اليه في مسيل مياههم ودفن امواتهم خطباتهم ونحو ذلك وكذلك ما الناس فيه شركاء المعادن الجارية او الظاهرة وكماوات الحرم ووجود الاحياء في هذه الاشياء لا تفيض صاحبه شيئا. بخلاف الاول فان من احياه ملكا. السؤال الحادي والسبعون ما الاشياء التي يكون الانسان احق بها ولا ولا ينقل الملك فيها ولا يملكها ولا ينقل الملك فيها لغيره. الجواب يدخل في هذه اشياء كثيرة. منها السبق الى الاوقاف من بيوت ودكاكين وجلوس بمساجد وطرق. فالسابق احق من غيره هو غير مالك لذلك. ومنها المتحجر المواد وهو الشارع باحياء قبل تمام الاحياء. لمن يحفر بئرا لم يصل ماؤها او يدير حول الارض احجارا او حائطا غير منيع هو احق بذلك لكنه الى الان لم يملك فلا يتصرف فيه ببيع ونحوه. فان وجد متشوق للاحياء فيأمره ولي الامر اما ان يحيي او يرفع يده ويجعل له مدة بحسب الحال. ومنها المعادن اذا ظهرت بملكه صار احق بها. وهو لا يملكها بذلك. ولا ايمنع منها من لا يضره ومنها مرافق الطرق واثنية الدور ومصالح البلد اهلها احق بها وهم لا يملكون بتلك الاحقية ويعبر عن هذه الاشياء بالاختصاصات. ومنها من اطاعه الامام ارضا ليحييها فهو احق بها لاطاعه ولم يملكها الا بوجود حقيقة الاحياء